كيف تخلت لندن عن المغرب لصالح باريس سنة 1903!
صفحة 1 من اصل 1
كيف تخلت لندن عن المغرب لصالح باريس سنة 1903!
كثيرا ما
يثيرنا في المغرب، أمر معرفة كيف نظر إلينا الآخرون خلال النصف الثاني من
القرن 19، كيف سعوا إلى فهمنا وربط العلاقة معنا، وإلى اختراقنا•• ذلك أن
ما وقع يوم 30 مارس 1912 ( دخول المغرب زمن الإستعمار المباشر وتقسيمه بين
فرنسا وإسبانيا شمالا ووسطا وجنوبا، وجعل طنجة تحت سلطة دولية بسبب موقعها
الإستراتيجي بمضيق جبل طارق )، قد كانت له مقدمات عدة، هيئت الأرضية
السالكة لذلك الإحتلال• لهذا السبب، تدفق على مختلف الجغرافيات المغربية،
العديد من الرحالة والباحثين والعلماء ورجال المال والجواسيس المحترفين،
من أجل تمهيد الطريق وفهم أسس الدولة المغربية الشريفة• وكانوا من كل
الجنسيات، خاصة الأمريكيين والفرنسيين والإسبان والإنجليز• من هذه
الرحلات، رحلة العالم الأنثربولوجي والأركيولوجي الفرنسي هنري
دولامارتينيير، التي امتدت من سنة 1882 إلى سنة 1918• وكان مجيئه إلى
بلادنا أساسا من أجل مهمة أركيولوجية، مبعوثا في منحة خاصة من قبل وزارة
الأشغال العمومية بفرنسا، ولقد سمحت أبحاثه العلمية باكتشاف مدينة وليلي
ثم مدينة الليكسوس، ما منحه الجائزة الذهبية في معرض باريس لسنة 1889•
ولقد صادق هذا الرجل العديد من رجالات بلاط المولى الحسن الأول• وما يهمنا
في كتابه الضخم حول رحلته إلى المغرب، ذلك الكم الهائل من المعطيات حول
علاقات المغرب الدولية في النصف الثاني من القرن 19، وهي العلاقات التي
سنرافق تفاصيلها خلال هذه الفسحة الرمضانية، حيث سنطل على تفاصيل سياسة
إنجلترا بالمغرب ( كانت لندن هي الزبون الأول لبلادنا حتى سنة 1908، ولم
يكن هناك أي حضور قوي لفرنسا!! )، ثم على طبيعة العلاقات المغربية مع كل
من إسبانيا، البرتغال، النمسا وهنغاريا، إيطاليا، بلجيكا، روسيا القيصرية،
الولايات المتحدة الأمريكية ثم أخيرا تركيا• هي رحلة، نعتقدها مفيدة، لفهم
بعض من أسرار المسار الذي أخذنا إليه كبلد وكدولة وكأمة، خلال القرن
العشرين كله، والذي كانت مقدماته في ما رسم لنا بصمت وهدوء خلال القرن 19•
وكثيرا ما يتساءل الخاطر، إن لم يكن اليوم يشبه البارحة؟!
كانت الحكومة البريطانية في حرج من أمرها بسبب ما أحدتثه مواقف ممثلها
بالمغرب السير أيان سميث، وبداية انفتاح المغرب على ألمانيا والتهييئ
لمؤتمر دولي جديد بروما مكمل لمؤتمر مدريد الذي كان قد قعد بمبادرة
بريطانية زمن السير جون هاي - م - ]• لذا، فقد سارعت إلى تعيين مكلف
بمهام، هو السيد إليوث، القادم من بيترسبورغ ( الروسية )؛ مثلما تم فتح
تحقيق واسع حول الوضعية العامة للبعثة الديبلوماسية البريطانية بالمغرب•
وقد كلف بتلك المهمة السير جيمس ريدغوي، نائب السكرتير الدائم لبريطانيا
بإيرلندة، والذي سبق له أيضا العمل بتفوق بمنطقة آسيا الوسطى، وهو ينتمي
إلى ذلك الفصيل من الضباط المتقاعدين، الذين توظفهم مرارا الحكومة
البريطانية بنجاح في مهام مرتبطة بالشرق• وقف السير جيمس على وضعية كارثية
بالمغرب، ولقد قام بالعديد من التحقيقات الدقيقة، بل إنه توجه بنفسه بحرا
إلى رأس جوبي [ جنوب طرفاية ]، وعاد من هناك بانطباعات جد سيئة• علما أنه
قد غلف مهامه تلك بغير قليل من الكياسة، حتى لا يثير غضب وحنق المخزن
المغربي• تأسيسا على عدد من الأدلة، فإن الرأي العام البريطاني قد عاد إلى
اكتساب تصور أكثر إيجابية عن الشؤون المغربية• وشرعت بعض الصحف هناك تتحدث
عن قرب تحقق تقارب للمصالح الفرنسية الإنجليزية من أجل تطوير الوضع
التجاري بالمملكة الشريفة• بل، لقد تم التفكير في القيام بمهمة مشتركة،
دون نسيان إدماج الصحافة الإسبانية• كان فشل السير إيان سميث درسا للجميع•
ردود الفعل المتطرفة بالمغرب، هي الأكبر والأشد في كل العالم الإسلامي،
وهو ما جعل القوى الديبلوماسية الأجنبية دوما أكثر تنسيقا وتضامنا• كانت
الحكمة، في الإحاطة بالظروف الآنية، لأنه لا يمكن لأي بعثة العمل في ظروف
آمنة، بدون ذلك التضامن بين الأجانب ( البعثات الأجنبية )• كان الرأي
العام الأروبي جد قلق، جراء الأحداث الخطيرة التي سجلت بمدينة مليلية سنة
1893 [ سنة واحدة قبل وفاة السلطان المولى الحسن الأول - م - ]، حيث كانت
دبدبات الإلتقاط عالية ومتحفزة• لقد أحدتث مثلا، زيارة لورد بريطاني من
البحرية الملكية، مرفوقا بمسؤول سام من وزارة الدفاع والحرب، لطنجة،
العديد من ردود الفعل وأطلقت العديد من التعليقات، وبدأ الحديث عن تخزين
كميات من الفحم الحجري بجزيرة بيرخيل ( جزيرة ليلى المغربية )، لأن
ألمانيا كانت تخطط لوضع اليد على نقطة بحرية بالريف عن طريق الإيجار•
أثناء هذه التطورات المتلاحقة، جاءت وفاة السلطان ( المقصود هو المولى
الحسن الأول الذي توفي بعد وعكة صحية طارئة وهو قادم من مراكش في طريقه
إلى رباط الفتح والشمال سنة 1894 - م - ]• وفي ظل هذه الظروف الصعبة،
اختارت الخارجية البريطانية السيد ساتوو مسؤولا عن بعثتها بطنجة• كان
قادما من مونتيفيديو ( بوسط أروبا )، لكنه سبق أن خدم كثيرا بمنطقة الشرق
الأقصى؛ وهو ملاحظ دقيق، ينتبه لأدق التفاصيل، وذا فكر ثاقب، مع هدوء
كبير، مما ساعده كثيرا على النجاح في مهامه• هكذا، فقد ابتدأ مهمته بإقامة
طويلة في فاس، على مقربة من السلطان الشاب الجديد [ المقصود، هو السلطان
المولى عبد العزيز الذي امتد حكمه ما بين 1894 و 1908 - م - ]• لكن، تجاوز
تلك الإقامة الأربعة أشهر، أقلق باقي زملائه الديبلوماسيين، وبعضهم عبر عن
امتعاضه على أعلى مستوى• لكن، ما يسجل على كل حال هو أن السيد ساتوو قد
نجح في التوصل إلى حل نهائي لقضية رأس جوبي وكذا قضية مقتل المواطن
الإنجليزي ترينيداد بطنجة• حرص، مثلا، السكرتير المترجم للبعثة الإيطالية،
السيد جونتي، أن يذهب في أثر السفير البريطاني إلى فاس، من أجل تعبيد
الطريق لبلده هو أيضا• وكان تمة حديث عن طلب لتعديل الضرائب الجمركية
الخاصة بالتصدير، وكذا بإلغاء البند المتضمن في اتفاقية مؤتمر مدريد،
المتعلق بوضع قيود حول امتلاك أراض بالمغرب من قبل الأجانب• مثلما كان تمة
حديث عن إمكانية وضع خط تلغراف على امتداد شط المحيط الأطلسي، وكذا تعيين
نائب للقنصل بفاس• وأغلب هذه المطالب لم تتحقق، لكن الربح الذي كسبه السيد
ساتوو هو أنه نجح في تحسين وضعية العلاقات بين المغرب والتاج البريطاني،
التي استعادت عافيتها الطبيعية• ولقد وقع الإختيار أخيرا على السير أرثور
نيكلسون، ( لتمثيل بريطانيا ) الذي هو مهيئ بشكل جيد لهذه المهمة، هو الذي
كانت له تجربة غنية بطهران، حيث أبان هناك عن حنكة وصرامة واضحتين
ومؤثرتين، وهي التجربة التي سأتلمس آثارها جيدا حين عينت بعد ذلك في مهمة
ديبلوماسية بإيران• قبل توجه السير أرثور نيكلسون صوب طنجة، عملت وزارة
الخارجية البريطانية على إخبار كل القنصليات الأجنبية بطبيعة مهمته• وقد
كانت محددة في لقاء السلطان الجديد، والعمل على الدفاع عن المصالح
البريطانية الحيوية• هكذا، فقبل أن يتوجه المسؤول الجديد إلى مراكش لتقديم
أوراق اعتماده، حرص على عقد لقاء مع باقي زملائه الديبلوماسيين بطنجة،
واتفق معهم على ضرورة الحصول على اتفاق من الحكومة المغربية لتطوير ظروف
الإقامة بهذه المدينة ( طنجة )، وهو الطلب الذي ظل معلقا منذ زمن• وضمنها
بناء فندق صغير تابع للشركة البريطانية للسكك الحديدية، المسؤولة عن خط
بوباديلا - الجزيرة الخضراء، يكون في خدمة المسافرين المتوجهين إلى
المغرب• لكن، ما لم يقل بشكل صريح، هو أن النية القائمة في لندن هي التمكن
من استعمال الأراضي المغربية، التي أصبحت سهلة الإختراق للأسف• حين وصل
إلى البلاط السلطاني، كان السفير البريطاني يحمل معه عددا من الهدايا،
ضمنها بنادق ماكسيم ( الجديدة والمتطورة )، مع مدفع حربي وذخيرة حية،
محمولة على ظهور بغال، وكذا عدد من الصناديق الملأى بعدد من الأشياء
النفيسة والجميلة• وتأسيسا على فكره الثاقب وذكائه المغلف في روح توافقية،
عمل السير أرثور على دراسة ومعرفة كل شخصيات المخزن وحجم قوتهم داخل
النظام• ولقد طبع الأذهان، بسرعة حصوله على تعويض ضخم للسرقة التي تعرضت
لها مخازن تجار إنجليز بمدينة آسفي• لقد حدد التجار الإنجليز خساراتهم في
7 آلاف جنيه إسترليني، أما الحكومة الشريفية فحددتها في 3500، وبقي الخلاف
معلقا مدة طويلة• ولأن للسير أرثور تجربة عميقة بالشرق، تعلم خلالها
أساليب الحيلة في حل مثل هذه الأمور، فإنه بعد دراسة مستفيضة للملف قرر أن
يقبل بالتعويض الذي حدده المخزن المغربي• لقد أثار ذلك موجة احتجاجات،
لكنه نجح في إسكات أصوات الإحتجاج بين بني جلدته، على القدر نفسه الذي نجح
في أن يلزم الحكومة الشريفية بتحقيق العدل أكثر في قضايا مماثلة في
المستقبل• لقد اتضح، مع مرور الوقت، أن السياسة البريطانية منذورة
للإتساع، ورهانها هو إعادة هيكلة المغرب القديم، خاصة على المستوى المالي،
من خلال المطالبة بالتصديق على ضريبة جديدة أطلق عليها إسم الترتيب ، التي
كانت قد صدرت سنة 1880، من خلال النقاشات العقيمة لمؤتمر مدريد• إن هذه
الضريبة التي لم تستوعب بشكل جيد ولم تدرس بما فيه الكفاية، لم يتم
تطبيقها فعليا، لأن نتائجها كان يعتقد أنها ستكون كارثية• وبضغط من لندن،
ستقبل القوى الدولية بتعديلها في شهر نونبر 1903؛ مع التأشير أن محاولة
هذه الثورة المالية، التي تلغي الزكاة في إمبراطورية ثيوقراطية، قد كانت
إلى زمن قريب مستحيلة التطبيق• لقد سعت البعثة البريطانية إلى استغلال ما
اعتقدت أنه الوضعية الحقيقية بمحيط السلطان، أي ما توهمت أنهم الرجال
النافذون في تلك المؤسسة، والحال أنها إنما كانت تعتمد على رجال من الدرجة
الدنيا في التأثير، الذين كانوا يستغلون النزوات الطفولية للسلطان الشاب
الجديد من أجل قضاء أغراضهم الشخصية• ونستطيع القول، إن ذلك السلطان قد
كان يحكم بعيدا عن شعبه، والثورات التي تهز البلاد الدليل القوي على ذلك•
لقد قيل، إن سياسة بريطانيا كانت تذهب في اتجاه إبراز القوة البريطانية
بالمغرب ( حتى وإن كانت غير حقيقية )، من أجل التفاوض من موقع قوة مع
فرنسا في ما يخص الإتفاق بينهما حول وضع مصر والمملكة الشريفة المغربية•
ولا أعتقد أنه كانت للسير أرثور نيكلسون أوهام حول عبد العزيز [ هكذا كتب
اسمه الرحالة الأنثربولوجي الفرنسي هنري دولامارتينيير ، من باب تصغيره
لمكانة السلطان، ومن موقع رؤيته الإستعمارية المتعالية - م - ] وحول
حكومته البئيسة.
-----------------------
الاتحاد الاشتراكي
لحسن العسبي
01-10-2007
يثيرنا في المغرب، أمر معرفة كيف نظر إلينا الآخرون خلال النصف الثاني من
القرن 19، كيف سعوا إلى فهمنا وربط العلاقة معنا، وإلى اختراقنا•• ذلك أن
ما وقع يوم 30 مارس 1912 ( دخول المغرب زمن الإستعمار المباشر وتقسيمه بين
فرنسا وإسبانيا شمالا ووسطا وجنوبا، وجعل طنجة تحت سلطة دولية بسبب موقعها
الإستراتيجي بمضيق جبل طارق )، قد كانت له مقدمات عدة، هيئت الأرضية
السالكة لذلك الإحتلال• لهذا السبب، تدفق على مختلف الجغرافيات المغربية،
العديد من الرحالة والباحثين والعلماء ورجال المال والجواسيس المحترفين،
من أجل تمهيد الطريق وفهم أسس الدولة المغربية الشريفة• وكانوا من كل
الجنسيات، خاصة الأمريكيين والفرنسيين والإسبان والإنجليز• من هذه
الرحلات، رحلة العالم الأنثربولوجي والأركيولوجي الفرنسي هنري
دولامارتينيير، التي امتدت من سنة 1882 إلى سنة 1918• وكان مجيئه إلى
بلادنا أساسا من أجل مهمة أركيولوجية، مبعوثا في منحة خاصة من قبل وزارة
الأشغال العمومية بفرنسا، ولقد سمحت أبحاثه العلمية باكتشاف مدينة وليلي
ثم مدينة الليكسوس، ما منحه الجائزة الذهبية في معرض باريس لسنة 1889•
ولقد صادق هذا الرجل العديد من رجالات بلاط المولى الحسن الأول• وما يهمنا
في كتابه الضخم حول رحلته إلى المغرب، ذلك الكم الهائل من المعطيات حول
علاقات المغرب الدولية في النصف الثاني من القرن 19، وهي العلاقات التي
سنرافق تفاصيلها خلال هذه الفسحة الرمضانية، حيث سنطل على تفاصيل سياسة
إنجلترا بالمغرب ( كانت لندن هي الزبون الأول لبلادنا حتى سنة 1908، ولم
يكن هناك أي حضور قوي لفرنسا!! )، ثم على طبيعة العلاقات المغربية مع كل
من إسبانيا، البرتغال، النمسا وهنغاريا، إيطاليا، بلجيكا، روسيا القيصرية،
الولايات المتحدة الأمريكية ثم أخيرا تركيا• هي رحلة، نعتقدها مفيدة، لفهم
بعض من أسرار المسار الذي أخذنا إليه كبلد وكدولة وكأمة، خلال القرن
العشرين كله، والذي كانت مقدماته في ما رسم لنا بصمت وهدوء خلال القرن 19•
وكثيرا ما يتساءل الخاطر، إن لم يكن اليوم يشبه البارحة؟!
كانت الحكومة البريطانية في حرج من أمرها بسبب ما أحدتثه مواقف ممثلها
بالمغرب السير أيان سميث، وبداية انفتاح المغرب على ألمانيا والتهييئ
لمؤتمر دولي جديد بروما مكمل لمؤتمر مدريد الذي كان قد قعد بمبادرة
بريطانية زمن السير جون هاي - م - ]• لذا، فقد سارعت إلى تعيين مكلف
بمهام، هو السيد إليوث، القادم من بيترسبورغ ( الروسية )؛ مثلما تم فتح
تحقيق واسع حول الوضعية العامة للبعثة الديبلوماسية البريطانية بالمغرب•
وقد كلف بتلك المهمة السير جيمس ريدغوي، نائب السكرتير الدائم لبريطانيا
بإيرلندة، والذي سبق له أيضا العمل بتفوق بمنطقة آسيا الوسطى، وهو ينتمي
إلى ذلك الفصيل من الضباط المتقاعدين، الذين توظفهم مرارا الحكومة
البريطانية بنجاح في مهام مرتبطة بالشرق• وقف السير جيمس على وضعية كارثية
بالمغرب، ولقد قام بالعديد من التحقيقات الدقيقة، بل إنه توجه بنفسه بحرا
إلى رأس جوبي [ جنوب طرفاية ]، وعاد من هناك بانطباعات جد سيئة• علما أنه
قد غلف مهامه تلك بغير قليل من الكياسة، حتى لا يثير غضب وحنق المخزن
المغربي• تأسيسا على عدد من الأدلة، فإن الرأي العام البريطاني قد عاد إلى
اكتساب تصور أكثر إيجابية عن الشؤون المغربية• وشرعت بعض الصحف هناك تتحدث
عن قرب تحقق تقارب للمصالح الفرنسية الإنجليزية من أجل تطوير الوضع
التجاري بالمملكة الشريفة• بل، لقد تم التفكير في القيام بمهمة مشتركة،
دون نسيان إدماج الصحافة الإسبانية• كان فشل السير إيان سميث درسا للجميع•
ردود الفعل المتطرفة بالمغرب، هي الأكبر والأشد في كل العالم الإسلامي،
وهو ما جعل القوى الديبلوماسية الأجنبية دوما أكثر تنسيقا وتضامنا• كانت
الحكمة، في الإحاطة بالظروف الآنية، لأنه لا يمكن لأي بعثة العمل في ظروف
آمنة، بدون ذلك التضامن بين الأجانب ( البعثات الأجنبية )• كان الرأي
العام الأروبي جد قلق، جراء الأحداث الخطيرة التي سجلت بمدينة مليلية سنة
1893 [ سنة واحدة قبل وفاة السلطان المولى الحسن الأول - م - ]، حيث كانت
دبدبات الإلتقاط عالية ومتحفزة• لقد أحدتث مثلا، زيارة لورد بريطاني من
البحرية الملكية، مرفوقا بمسؤول سام من وزارة الدفاع والحرب، لطنجة،
العديد من ردود الفعل وأطلقت العديد من التعليقات، وبدأ الحديث عن تخزين
كميات من الفحم الحجري بجزيرة بيرخيل ( جزيرة ليلى المغربية )، لأن
ألمانيا كانت تخطط لوضع اليد على نقطة بحرية بالريف عن طريق الإيجار•
أثناء هذه التطورات المتلاحقة، جاءت وفاة السلطان ( المقصود هو المولى
الحسن الأول الذي توفي بعد وعكة صحية طارئة وهو قادم من مراكش في طريقه
إلى رباط الفتح والشمال سنة 1894 - م - ]• وفي ظل هذه الظروف الصعبة،
اختارت الخارجية البريطانية السيد ساتوو مسؤولا عن بعثتها بطنجة• كان
قادما من مونتيفيديو ( بوسط أروبا )، لكنه سبق أن خدم كثيرا بمنطقة الشرق
الأقصى؛ وهو ملاحظ دقيق، ينتبه لأدق التفاصيل، وذا فكر ثاقب، مع هدوء
كبير، مما ساعده كثيرا على النجاح في مهامه• هكذا، فقد ابتدأ مهمته بإقامة
طويلة في فاس، على مقربة من السلطان الشاب الجديد [ المقصود، هو السلطان
المولى عبد العزيز الذي امتد حكمه ما بين 1894 و 1908 - م - ]• لكن، تجاوز
تلك الإقامة الأربعة أشهر، أقلق باقي زملائه الديبلوماسيين، وبعضهم عبر عن
امتعاضه على أعلى مستوى• لكن، ما يسجل على كل حال هو أن السيد ساتوو قد
نجح في التوصل إلى حل نهائي لقضية رأس جوبي وكذا قضية مقتل المواطن
الإنجليزي ترينيداد بطنجة• حرص، مثلا، السكرتير المترجم للبعثة الإيطالية،
السيد جونتي، أن يذهب في أثر السفير البريطاني إلى فاس، من أجل تعبيد
الطريق لبلده هو أيضا• وكان تمة حديث عن طلب لتعديل الضرائب الجمركية
الخاصة بالتصدير، وكذا بإلغاء البند المتضمن في اتفاقية مؤتمر مدريد،
المتعلق بوضع قيود حول امتلاك أراض بالمغرب من قبل الأجانب• مثلما كان تمة
حديث عن إمكانية وضع خط تلغراف على امتداد شط المحيط الأطلسي، وكذا تعيين
نائب للقنصل بفاس• وأغلب هذه المطالب لم تتحقق، لكن الربح الذي كسبه السيد
ساتوو هو أنه نجح في تحسين وضعية العلاقات بين المغرب والتاج البريطاني،
التي استعادت عافيتها الطبيعية• ولقد وقع الإختيار أخيرا على السير أرثور
نيكلسون، ( لتمثيل بريطانيا ) الذي هو مهيئ بشكل جيد لهذه المهمة، هو الذي
كانت له تجربة غنية بطهران، حيث أبان هناك عن حنكة وصرامة واضحتين
ومؤثرتين، وهي التجربة التي سأتلمس آثارها جيدا حين عينت بعد ذلك في مهمة
ديبلوماسية بإيران• قبل توجه السير أرثور نيكلسون صوب طنجة، عملت وزارة
الخارجية البريطانية على إخبار كل القنصليات الأجنبية بطبيعة مهمته• وقد
كانت محددة في لقاء السلطان الجديد، والعمل على الدفاع عن المصالح
البريطانية الحيوية• هكذا، فقبل أن يتوجه المسؤول الجديد إلى مراكش لتقديم
أوراق اعتماده، حرص على عقد لقاء مع باقي زملائه الديبلوماسيين بطنجة،
واتفق معهم على ضرورة الحصول على اتفاق من الحكومة المغربية لتطوير ظروف
الإقامة بهذه المدينة ( طنجة )، وهو الطلب الذي ظل معلقا منذ زمن• وضمنها
بناء فندق صغير تابع للشركة البريطانية للسكك الحديدية، المسؤولة عن خط
بوباديلا - الجزيرة الخضراء، يكون في خدمة المسافرين المتوجهين إلى
المغرب• لكن، ما لم يقل بشكل صريح، هو أن النية القائمة في لندن هي التمكن
من استعمال الأراضي المغربية، التي أصبحت سهلة الإختراق للأسف• حين وصل
إلى البلاط السلطاني، كان السفير البريطاني يحمل معه عددا من الهدايا،
ضمنها بنادق ماكسيم ( الجديدة والمتطورة )، مع مدفع حربي وذخيرة حية،
محمولة على ظهور بغال، وكذا عدد من الصناديق الملأى بعدد من الأشياء
النفيسة والجميلة• وتأسيسا على فكره الثاقب وذكائه المغلف في روح توافقية،
عمل السير أرثور على دراسة ومعرفة كل شخصيات المخزن وحجم قوتهم داخل
النظام• ولقد طبع الأذهان، بسرعة حصوله على تعويض ضخم للسرقة التي تعرضت
لها مخازن تجار إنجليز بمدينة آسفي• لقد حدد التجار الإنجليز خساراتهم في
7 آلاف جنيه إسترليني، أما الحكومة الشريفية فحددتها في 3500، وبقي الخلاف
معلقا مدة طويلة• ولأن للسير أرثور تجربة عميقة بالشرق، تعلم خلالها
أساليب الحيلة في حل مثل هذه الأمور، فإنه بعد دراسة مستفيضة للملف قرر أن
يقبل بالتعويض الذي حدده المخزن المغربي• لقد أثار ذلك موجة احتجاجات،
لكنه نجح في إسكات أصوات الإحتجاج بين بني جلدته، على القدر نفسه الذي نجح
في أن يلزم الحكومة الشريفية بتحقيق العدل أكثر في قضايا مماثلة في
المستقبل• لقد اتضح، مع مرور الوقت، أن السياسة البريطانية منذورة
للإتساع، ورهانها هو إعادة هيكلة المغرب القديم، خاصة على المستوى المالي،
من خلال المطالبة بالتصديق على ضريبة جديدة أطلق عليها إسم الترتيب ، التي
كانت قد صدرت سنة 1880، من خلال النقاشات العقيمة لمؤتمر مدريد• إن هذه
الضريبة التي لم تستوعب بشكل جيد ولم تدرس بما فيه الكفاية، لم يتم
تطبيقها فعليا، لأن نتائجها كان يعتقد أنها ستكون كارثية• وبضغط من لندن،
ستقبل القوى الدولية بتعديلها في شهر نونبر 1903؛ مع التأشير أن محاولة
هذه الثورة المالية، التي تلغي الزكاة في إمبراطورية ثيوقراطية، قد كانت
إلى زمن قريب مستحيلة التطبيق• لقد سعت البعثة البريطانية إلى استغلال ما
اعتقدت أنه الوضعية الحقيقية بمحيط السلطان، أي ما توهمت أنهم الرجال
النافذون في تلك المؤسسة، والحال أنها إنما كانت تعتمد على رجال من الدرجة
الدنيا في التأثير، الذين كانوا يستغلون النزوات الطفولية للسلطان الشاب
الجديد من أجل قضاء أغراضهم الشخصية• ونستطيع القول، إن ذلك السلطان قد
كان يحكم بعيدا عن شعبه، والثورات التي تهز البلاد الدليل القوي على ذلك•
لقد قيل، إن سياسة بريطانيا كانت تذهب في اتجاه إبراز القوة البريطانية
بالمغرب ( حتى وإن كانت غير حقيقية )، من أجل التفاوض من موقع قوة مع
فرنسا في ما يخص الإتفاق بينهما حول وضع مصر والمملكة الشريفة المغربية•
ولا أعتقد أنه كانت للسير أرثور نيكلسون أوهام حول عبد العزيز [ هكذا كتب
اسمه الرحالة الأنثربولوجي الفرنسي هنري دولامارتينيير ، من باب تصغيره
لمكانة السلطان، ومن موقع رؤيته الإستعمارية المتعالية - م - ] وحول
حكومته البئيسة.
-----------------------
الاتحاد الاشتراكي
لحسن العسبي
01-10-2007
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى