من شرفة العين أيها الشعراء، لا تُهدُوا دواوينكم!
صفحة 1 من اصل 1
من شرفة العين أيها الشعراء، لا تُهدُوا دواوينكم!
عندما
يصدُر لكاتب ما روايته الأولى أو لشاعر ديوانه الأول، فإن فرحتهما تتضاعف
لأن الأمر أشبه بازدياد مولود جديد، إن الكتابة، كما أتخيل، شبيهة إلى حد
ما بامرأة متزوجة من كاتب مفترض، إذ أن الاقتران بها نهائيا، عن سبق
وإصرار، هو بمثابة ملكية شخصية خاصة به، «يفعل» بها ما يشاء ويسافر بها
متى يشاء، وإذا لم يخلص لها فإنها «تخونه» مع كاتب آخر مفترض.
من قبل،
كان الكاتب المغربي يصدر كتابه الأول فينشر عنه خبر يتيم، مثل الآن، في
الصحف، لا أحد يتابعه نقدياً إلا فيما ندر، بحكم قلة النقاد آنذاك
المتخصصين في مجال الرواية والقصة والشعر، أما الآن، فقد أصبح لدينا نقاد
بالجملة يتابعون الإصدارات الأدبية التي تنسجم وقناعاتهم النقدية ـ
النظرية، كما درسوها في الجامعة وفي الكتب الموضوعة والمترجمة، رغم سوء
فهم النص الأدبي أحيانا وأخرى لسوء التأويل، لكن إهداء الكتب الى أصدقاء
ومعارف له معنى رمزي آخر يندرج في خانة العلاقة الحميمية بين الكاتب
وقارئه بين الكاتب وصديقه. وبعبارة أخرى، بين الكاتب وجمهوره (إن كان له
فعلاً جمهور قارىء).
بدأت بهذه الفذلكة لأضع القارىء في صورة مأساوية
لديوان شعري وجد مرمياً في قمامة الأزبال بأحد الأندية الرياضية بالرباط،
فبينما أنا ذاهب الى المغسلة لأغسل يدي، بعد أن أجهزت على الطاجين اللذيذ
الذي تُطهيه لي أمي مباركة، كل زوال سبت وأحد، إذا بالنادل الحسين صديق
المثقفين يعترض سبيلي ويُوَرِّيني (بتشديد وكسر الراء) ديوان الصديق
الشاعر محمود عبد الغني المعنون بـ «عودة صانع الكمان» الصادر عن دار
توبقال سنة 2004، والـمُهدى الى أحدهم يدعى حميد بهذه العبارة: «ذكرى
صداقة ومعرفة قد تدوم» (2004/5/28) فكيف «انتقل» هذا الديوان الى قمامة
النادي؟ من الذي رماه فوقها أو بداخلها؟ هل سرق من المهدى إليه أم أنه لم
يعرف كيف «يدخل» الى كنهه الشعري؟ أكيد أن محمود عبد الغني، كشاعر وناثر،
يعرف الشخص الذي أهداه إليه ديوانه الشعري (وهو الثاني بعد «حجرات وراء
الأرض» (نفس الدار)، لكن كيف وجده الحسين في القمامة؟ وجده بمحض الصدفة،
كما قال لأنه يعرف محموداً جيداً.
«أنا المفكر،
أجد أن المحاسن مساوىء
والمساوىء محاسن
أفكاري اليوم
بثمن الأمس
أحلامي
هي تلفزيون الفقراء»
غريب
فعلاً: هذا ديوان شعري جميل في طباعته الأنيقة وُجد في القمامة موسخاً
وملطخاً مثل «كلوشار» أو بوكوفسكي لا مأوى له، بل كان منتفخاً بالماء مثل
غريق في عين الذياب! وقد بدا لي. حين تصفحته، بأنه حديث عهد بالرمي فوقها،
هذا هو مصير الكتب الـمُهداة الى أشخاص لا يستحقونها، إذ هناك من يفتخر
بها ويعتبرها ذكرى رمزية مشتركة بينه وبين الكاتب وهناك من يشتري الكتاب
ولا يقرأه بتاتاً ويضعه في الرف كجزء من ديكور الصالون، مثل هؤلاء هم
الذين يشكلون اليوم طبقة بورجوازية هجينة لا ثقافة لها سوى المال والعقار،
إن من هو مدمن على الجوطيات مثلي، سيعثر ذات يوم على كتاب مهدى لأحدهم من
طرف كاتبه يباع بنصف ثمنه، أنا نفسي وقع لي ما وقع لمحمود: لكن ليس في
القمامة، وإنما في جوطية باب الأحد بالرباط، لقد عثرت بالصدفة على مجموعتي
القصصية الأولى «حزن في الرأس وفي القلب» كنت قد أهديتها لأحدهم دون أن
أتذكر اسمه، اشتريتها لأنه لا مناص من ذلك، ثم إن من نهديهم كتبنا، من
الأصدقاء العابرين في زمننا الخاص، لا يحافظون عليها احتراماً منهم
لكُتابها، قد يأتي صديق ما ويقترض منك الكتاب المهدى إليك. بدعوى أنه
سيقرأه ويعيده إليك، لكنك ستجده ذات يوم في ركن مهمل من الجوطية!
أرجو
أن لا يحيي هذا المقال مواجع دفينة عند محمود عبد الغني، أعرف جيداً
حساسيته، لكني أعتقد بأنه أهدى ديوانه في غفلة من نفسه، ربما في لحظة ما
مليئة بنشوة روحية لا نهاية لها، هكذا هم الشعراء: طيور خارج السرب.
أيها
الشعراء المغاربة، لا تهدوا دواوينكم إلى غيركم، إلى الأميين الذين لا
يقرأونكم، كفى من كثرة حسن نواياكم، من أراد منهم ومنكم شعراً فليشتره، لا
شعر مني مُهدى بعد اليوم.
ادريس الخوري
الاتحاد الاشتراكي
2008/10/9
يصدُر لكاتب ما روايته الأولى أو لشاعر ديوانه الأول، فإن فرحتهما تتضاعف
لأن الأمر أشبه بازدياد مولود جديد، إن الكتابة، كما أتخيل، شبيهة إلى حد
ما بامرأة متزوجة من كاتب مفترض، إذ أن الاقتران بها نهائيا، عن سبق
وإصرار، هو بمثابة ملكية شخصية خاصة به، «يفعل» بها ما يشاء ويسافر بها
متى يشاء، وإذا لم يخلص لها فإنها «تخونه» مع كاتب آخر مفترض.
من قبل،
كان الكاتب المغربي يصدر كتابه الأول فينشر عنه خبر يتيم، مثل الآن، في
الصحف، لا أحد يتابعه نقدياً إلا فيما ندر، بحكم قلة النقاد آنذاك
المتخصصين في مجال الرواية والقصة والشعر، أما الآن، فقد أصبح لدينا نقاد
بالجملة يتابعون الإصدارات الأدبية التي تنسجم وقناعاتهم النقدية ـ
النظرية، كما درسوها في الجامعة وفي الكتب الموضوعة والمترجمة، رغم سوء
فهم النص الأدبي أحيانا وأخرى لسوء التأويل، لكن إهداء الكتب الى أصدقاء
ومعارف له معنى رمزي آخر يندرج في خانة العلاقة الحميمية بين الكاتب
وقارئه بين الكاتب وصديقه. وبعبارة أخرى، بين الكاتب وجمهوره (إن كان له
فعلاً جمهور قارىء).
بدأت بهذه الفذلكة لأضع القارىء في صورة مأساوية
لديوان شعري وجد مرمياً في قمامة الأزبال بأحد الأندية الرياضية بالرباط،
فبينما أنا ذاهب الى المغسلة لأغسل يدي، بعد أن أجهزت على الطاجين اللذيذ
الذي تُطهيه لي أمي مباركة، كل زوال سبت وأحد، إذا بالنادل الحسين صديق
المثقفين يعترض سبيلي ويُوَرِّيني (بتشديد وكسر الراء) ديوان الصديق
الشاعر محمود عبد الغني المعنون بـ «عودة صانع الكمان» الصادر عن دار
توبقال سنة 2004، والـمُهدى الى أحدهم يدعى حميد بهذه العبارة: «ذكرى
صداقة ومعرفة قد تدوم» (2004/5/28) فكيف «انتقل» هذا الديوان الى قمامة
النادي؟ من الذي رماه فوقها أو بداخلها؟ هل سرق من المهدى إليه أم أنه لم
يعرف كيف «يدخل» الى كنهه الشعري؟ أكيد أن محمود عبد الغني، كشاعر وناثر،
يعرف الشخص الذي أهداه إليه ديوانه الشعري (وهو الثاني بعد «حجرات وراء
الأرض» (نفس الدار)، لكن كيف وجده الحسين في القمامة؟ وجده بمحض الصدفة،
كما قال لأنه يعرف محموداً جيداً.
«أنا المفكر،
أجد أن المحاسن مساوىء
والمساوىء محاسن
أفكاري اليوم
بثمن الأمس
أحلامي
هي تلفزيون الفقراء»
غريب
فعلاً: هذا ديوان شعري جميل في طباعته الأنيقة وُجد في القمامة موسخاً
وملطخاً مثل «كلوشار» أو بوكوفسكي لا مأوى له، بل كان منتفخاً بالماء مثل
غريق في عين الذياب! وقد بدا لي. حين تصفحته، بأنه حديث عهد بالرمي فوقها،
هذا هو مصير الكتب الـمُهداة الى أشخاص لا يستحقونها، إذ هناك من يفتخر
بها ويعتبرها ذكرى رمزية مشتركة بينه وبين الكاتب وهناك من يشتري الكتاب
ولا يقرأه بتاتاً ويضعه في الرف كجزء من ديكور الصالون، مثل هؤلاء هم
الذين يشكلون اليوم طبقة بورجوازية هجينة لا ثقافة لها سوى المال والعقار،
إن من هو مدمن على الجوطيات مثلي، سيعثر ذات يوم على كتاب مهدى لأحدهم من
طرف كاتبه يباع بنصف ثمنه، أنا نفسي وقع لي ما وقع لمحمود: لكن ليس في
القمامة، وإنما في جوطية باب الأحد بالرباط، لقد عثرت بالصدفة على مجموعتي
القصصية الأولى «حزن في الرأس وفي القلب» كنت قد أهديتها لأحدهم دون أن
أتذكر اسمه، اشتريتها لأنه لا مناص من ذلك، ثم إن من نهديهم كتبنا، من
الأصدقاء العابرين في زمننا الخاص، لا يحافظون عليها احتراماً منهم
لكُتابها، قد يأتي صديق ما ويقترض منك الكتاب المهدى إليك. بدعوى أنه
سيقرأه ويعيده إليك، لكنك ستجده ذات يوم في ركن مهمل من الجوطية!
أرجو
أن لا يحيي هذا المقال مواجع دفينة عند محمود عبد الغني، أعرف جيداً
حساسيته، لكني أعتقد بأنه أهدى ديوانه في غفلة من نفسه، ربما في لحظة ما
مليئة بنشوة روحية لا نهاية لها، هكذا هم الشعراء: طيور خارج السرب.
أيها
الشعراء المغاربة، لا تهدوا دواوينكم إلى غيركم، إلى الأميين الذين لا
يقرأونكم، كفى من كثرة حسن نواياكم، من أراد منهم ومنكم شعراً فليشتره، لا
شعر مني مُهدى بعد اليوم.
ادريس الخوري
الاتحاد الاشتراكي
2008/10/9
قارئة الفنجان- عدد الرسائل : 163
العمر : 49
Localisation : قريبة
Emploi : نملة
تاريخ التسجيل : 21/04/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى