عندما يصل الإنسان.. إلي أعلي درجات التقدم

حين أرسل الله محمدا صلي الله عليه وسلم إلي امته أرسله ليتلو عليهم الآيات وليعلمهم الكتاب والحكمة. وليزكي نفوسهم ويصفيها.

وأسلوب التربية يقتضي ان يبين الله عز وجل للناس طبيعة نفوسهم.
وماجبلت عليه من خير وشر كما يبين لهم المنهج الذي اختاره لهم واراد منهم
ان يسلكوه ثم يبرز لهم بعض المؤثرات التي تؤثر علي نفوسهم فتدفعهم الي
معاندة المنهج ثم يبين لهم نتائجها اذا انحرفت بأصحابها. كما يبين لهم
النتائج التي يحصلها اولئك الذين يسيطرون علي المغريات ويستقيمون علي
الجادة.

والصورة المعقولة التي نعرضها اليوم خلاصتها علي النحو التالي: وهي
ان الله حين خلق الناس كانوا في أولهم أمة واحدة.. ثم تنازعتهم الاهواء
والاغراض فاختلفوا وكان من الممكن لو قد شاء الله عز وجل ان يحسم بينهم
الخلاف ولكن سبقت كلمة الله عز وجل واقتضت حكمته انهم يزالون مختلفين الي
ان يقضي الله امره ولقد جاء المعاندون لرسول الله صلي الله عليه وسلم بتلك
الاحاديث الخالية من اللياقة فقالوا له ولمن يسمع: لولا انزل عليه آية من
ربه فتوعدهم الله عز وجل حين قال لنبيه ان يقول لهم: إنما الغيب لله.. وأن
ينتظروا الموعد وانه معهم من المنتظرين.

وسبب هذه الغطرسة وهذا الغرور ان الله قد أنعم علي هؤلاء بالاموال
والبنين. واسباب التميز عموما والتي نراها في الدنيا فظنوا ان هذه الاشياء
ستدوم لهم ولم يلتفتوا الي السنة الكونية والاجتماعية فيما حولهم فالواحد
منهم يركب البحر او ينظر لمن يركبون البحار فتهيج بهم الامواج وتعصف بهم
الرياح ويزول عن الفطرة الانسانية غبار قد تراكم عليها بفعل الزمن ونسيان
حقيقة الفطرة فلجأوا الي ربهم وعاهدوه لو قد أنجاهم مما هم فيه لاستقاموا
علي الطريقة فحين ينجيهم يعودون لما كانوا عليه.

والحقيقة الكبري الكامنة خلف هذا الانحراف هو اغترار المعاندين
بالدنيا وهي لاتدوم. واعتزازهم بأسباب تحصيل معايشهم والاسباب والمسببات
سنن لم تخرج عن آثار قدرة الله فيها.

تلك هي الصورة المعقولة التي يقدمها الله عز وجل ضمن إطار منهج الاصلاح والذي يجب علي كل انسان عاقل ان يستوعبها.

وقد تكون هذه الصورة المعقولة متأبية علي الفهم. فتحتاج الي مثل محسوس
ليكون بمثابة وسيلة الايضاح التي تقرب المعقول الي الذهن وتعين علي فهمه
والصورة المحسوسة هي تلك الصورة التي يدركها البدوي وساكن المدينة او
القري علي السواء.

فهذا الماء ينزل من السماء بمواصفات خاصة فيختلط هذا الماء بتربة
الارض او يختلط بهذا النبات الذي وضع في تربة الارض. أو يختلط بهما معا
فهو يختلط بتربة الارض فينال من صلابتها ويجعل عناصرها في حالة تكون من
البساطة بحيث يسهل علي النبات امتصاصها.

والماء النازل من السماء يخالط النبات كذلك حين يمتصه النبات مع
عناصر التربة او يسقط علي ورقة فيستفيد النبات به من خلال عملية التمثيل
الضوئي.

والتعبير القرآني قد حكي ان الماء ينزل من السماء فيختلط ولم يوضح
لنا ان الماء يختلط بالتربة او بالنبات ليترك للعلم الحكم. حسب العصر الذي
يحكم اهل العلم فيه ولابأس عند اهل العلم ان يكون الماء النازل من السماء
قد اختلط بالتربة او اختلط بالنبات او اختلط بهما معا.. "وسبحان من هذا
كلامه"

والمهم الذي ينبغي ان نلتفت اليه ليكتمل المثل بين ايدينا ان الماء
عندما خالط الارض والنبات اهتزت الارض وربت واستعادت فتوتها وازينت.

والارض حين تتخذ هذه الصورة يظن المرء انه هو القادر علي ان يمنح
الارض صورتها ويعطيها زينتها وانه هو المالك لاسباب الحياة المانح لها
فتحيط به حالة من الغرور التي تحيط بكل انسان هيأت له نفسه انه هو المستقل
بصناعة القرار.

وحينئذ ينزل القضاء بهذه الارض النضرة وتسبق الارادة الالهية الي هذه
الحقول الغناء فتصيبها آفة من السماء او يستكمل هذا الزرع مدته في الارض
فينظر الناس الي هذه الحقول فيجدون كل واحد منها حصيدا كأن لم تكن هذه
الحقول غناء بالامس.

والارض الحصيد هي تلك الارض التي نالت منها المناجل فقطعت زرعها من
اصوله فتحول وجهها الاخضر النضر الي وجه اسود نكد وتحولت اسباب الحياة
فوقها الي آثار دمار وتخريب.

هذا هو المثل المحسوس وتلك هي وسيلة الايضاح لصورة الحياة الدنيا التي نعيش فيها فتخدعنا بهجتها وهي الي زوال.

وهذا هو مصير الانسان ولنذكر بين يديك الصورة المحسوسة التي ذكرها
القرآن للدنيا ثم نتيجة الاقبال علي المنهج واستدباره لتقرأ أنت الآيات
السابقة عليها فيتضح لك المقام.

يقول الله تعالي: "إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء
فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتي إذا اخذت الأرض زخرفها
وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها
حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون".

د. طه حبيشي

أستاذ ورئيس قسم العقيدة والفلسفة

كلية أصول الدين - القاهرة

السلوك الطيب .. مقياس العبادة الصحيحة

حصرنا الإسلام في الجلباب واللحية .. فأصبحنا في ذيل الأمم

احمد جمعة

في حوار متنوع وثري بين الدكتورة سعاد
صالح الداعية الاسلامية واستاذ الفقه والعميد السابق بجامعة الازهر وبين
جمهور ملتقي الفكر الاسلامي تحدثت في قضايا اجتماعية مختلفة سواء في
المحاضرة القصيرة التي ألقتها او في اسئلة الجمهور الكبير الذي جاء يسألها
في قضايا مختلفة.

ركزت الدكتورة سعاد علي ان العبادة الصحيحة هي التي يكون اثرها
ونتيجتها سلوكيات وأخلاقاً طيبة هنا يكون الانسان في الطريق الصحيح ويدرك
معني العبادة وتأتيه بركات وفيوضات صلته بخالقة أما اذا انفصل السلوك عن
العبادة فعلي المسلم ان يراجع نفسه ويفهم جوهر دينه ومقاصده اولا.

تساءلت كيف تحولنا من خير امة اخرجت للناس الي أمة عالة علي الامم
الاخري وحصرنا الاسلام في الجلباب واللحية والنقاب وفصلنا السلوكيات عن
العبادات علي الرغم من ان السلوكيات هي التي تقيم حياتنا علي اساس من
الشرائع التي شرعها الله لعباده.

قالت ان منهج الاسلام في العلاقات الاجتماعية يقوم علي أمرين هما:

أولا: رعاية الاخوة وهي الرباط الوثيق بعيدا عن الحسب والنسب مصداقا
لقوله تعالي: "إنما المؤمنون اخوة" فيجب ان يجمعنا رب واحد ودين واحد بصرف
النظر عن اللون او العرق "ان أكرمكم عند الله اتقاكم".

ثانيا: صيانة الحقوق والمحرمات التي حماها الاسلام لكل فرد من دم
ومال وعرض وللاسف الشديد انتشرت جرائم الرشوة والاغتصاب وازدادت حالات
الطلاق وتفكك العلاقات الاجتماعية الاسرية بين الآباء والابناء مما اظهر
المزيد من حالات العقوق.

اضافت : اين نحن من وصية الرسول عندما يقول "لايحق لمسلم ان يهجر
اخاه فوق ثلاث".. فهناك حرمة لقطيعة الرحم وقال صلي الله عليه وسلم الرحم
معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله لذلك يقول صلي
الله عليه وسلم تفتح ابواب الجنة يومي الاثنين والخميس ويغفر الله لكل عبد
لايشرك بالله شيئا الا رجل كان بينه وبين اخيه شحناء.. فيقول أنظروا هذين
حتي يصطلحا".

اضافت : ان سوء الظن من الخبائث قال تعالي "ياأيها الذين آمنوا
اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم" والاصل في الناس انهم ابرياء
ووساوس الظن لايجب ان تعرض ساحة البرئ للظن.. اضافت قال تعالي: "ولاتجسسوا
ولايغتب بعضكم بعضاً".. فالتجسس هو تتبع للعورات ولابد ان يكون هناك ستر
للعورات قال- صلي الله عليه وسلم -"من ستر عورة فكأنما استحيي موءودة من
قبرها".

أكدت د.سعاد صالح ان الإسلام سلوك قبل أن يكون عبادات وإنما شرع الله
العبادات لتهذيب سلوك الناس وتقويم المعوج منه ولابد من تكامل ذلك حتي
تنهض الأمة الإسلامية من عثرتها وكيف تعود لأن تكون خير أمة أخرجت للناس
وكيف نصحح المفاهيم المغلوطة التي تقع بين التشرد والتفلت وعولمة الإسلام.

قالت في احد اللقاءات التليفزيونية جاءني سؤالان أولهما من رجل يقول استضفت أمي في شهر رمضان وزوجتي متضايقة من وجودها فماذا أفعل؟

ردت عليه ان الرجل هو صاحب القوامة علي بيته وما حدث انفلات في
المعايير التي نقيس بها المشكلات الاجتماعية وما تقوم به الزوجة اليوم مع
أم زوجها عليها ان تتأكد ان ذلك سيحدث معها لاحقا عندما يكون لها ابن
متزوج.

* السؤال الثاني عن موقف الابن الذي يضرب أمه ضربا شديدا في بيتها وقبل الافطار؟

قالت صدمت عندما سمعت ذلك السؤال فهذا الابن العاق لا رجاء منه وهو
يقوم بضرب أمه ضربا شديدا لأنها تدخلت لفض مشاجرة بينه وبين زوجته وهذا
الابن العاق لا يجب أن نلصق به صفة الابن وعقابه شديد عند الله تعالي.

وفي حوارها مع الجمهور سألها أحد الحاضرين عن حكم الدين في قروض الائتمان والصندوق الاجتماعي؟

- كل معاملة جرت ربا فهي حرام شرعا.. فإذا كان الصندوق الاجتماعي فيه فوائد مشروطة وتزيد عند التأخير في الاجل فهو ربا ومحرم شرعا.

* وسألها آخر عن حكم الدين في الفتاة التي تجري عملية ترقيع لغشاء
البكارة إذا حدث ذلك لرفع الضرر عندما تتعرض فتاة للاغتصاب فلا مانع فيه
أما إذا حدث ذلك بسبب سفه وتلاعب من الفتاة فهو حرام شرعا.

* كما سألها أحد الجمهور عن حكم الدين في زواج المتعة والمسيار.

- زواج المتعة بلفظ التمتع وبأجل ومقابل أجر فهو حرام ولكن زواج
المسيار مشروع ولكنه مخالف للمقاصد الشرعية لأن المرأة تتنازل عن حقوقها
وحقوق الانفاق عليها وهو صحيح شرعا ولكنه مكروه.

كذلك سئلت عن حكم الدين في إلقاء السلام علي السيدات مرفوض من باب الوقاية "سد الذرائع".

كما سئلت عن حكم الدين في زيارة القبور؟

- زيارة القبور للعبر والعظة بشرط الالتزام بآداب الزيارة.

* حكم الدين في الزوج الذي ينقل أسرار بيته.

- الزوج آثم ومعاقب شرعا لأن العلاقة الزوجية تعتمد علي قوله تعالي "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن".

* حكم الدين في تبرعات الفنانين.

- الفن الذي يعتمد علي العري لا نقول فيه انه حلال ولكن من أراد ان
يتصدق فليتصدق ولكن ليس له أجر ولا مانع إذا أخذ المحتاج منه ولا اثم
عليه.

* حكم الإسلام فيمن يسب الدين.

- سب الدين لا يمكن أن نتسامح فيه اطلاقا لأنه اعتداء علي الدين ورب
الدين ويجب ان يستتاب ويطلب منه التوبة والرجوع ويجب ابلاغ القاضي عنه
ويعذر بالجلد أو الحبس.

* حكم الدين في سكني المطلقين في منزل واحد.

- حرام شرعا أن يعيش المطلقان في منزل واحد لأنهما أجنبيان وعلي ولي الأمر مراعاة هؤلاء المطلقات.

* حكم الدين في طلب الزوجة الطلاق إذا تزوج زوجها من أخري.

من حق الزوجة إذا تضررت ولو ضرراً نفسياً ان تطلب الطلاق ولكن انصحها
بالصبر من أجل أبنائها وهي لا تخالف الشريعة وإنما ترفع الضرر النفسي
عنها.

* حكم الدين في الزواج العرفي.

- الزواج العرفي حرام لأنه زواج سري ولا يترتب عليه أي حقوق للمرأة أو الطفل.

عندما يصل الإنسان.. إلي أعلي درجات التقدم

عندما يصل الإنسان.. إلي أعلي درجات التقدم

د. سعاد صالح في حوار مع جمهور ملتقي الفكر الإسلامي: