آية ومثل
صفحة 1 من اصل 1
آية ومثل
المصباح.. وتقريب المعني |
د. طه حبيشي أستاذ ورئيس قسم العقيدة والفلسفة كلية أصول الدين - القاهرة |
كأني لم أستشعر الهيبة منذ أن اقتحمت المجال إلي كتابة هذه السطور. بقدر ما أستشعرها الآن. والسبب الحقيقي عندي في تصاعد هذه الهيبة هو أن القرآن قد وضعنا أمام حقيقة كبري. تركزت هذه الحقيقة في جملة مكونة من مبتدأ وخبر. المبتدأ فيها هو لفظ الجلالة "الله". والخبر فيها هو كلمة "نور". ومدي هذا النور علي مقياس التصور البشري هو السموات والأرض وما فيهن وما بينهن.وأراك معي أيها القاريء. قد بدأت تفتح عينيك علي هذه الأشياء: الله - والنور - الذي ملأ السماوات والأرض. ولست أظن أن مخلوقا من المخلوقات قادر علي استيعاب مدلول لفظة من هذه الألفاظ. فالله اسم ذات. ومدلول هذا اللفظ فوق التصور. والنور كلمة يسمعها الإنسان ولا يدرك منها إلا تلك الأشعة تسقط علي جسم معتم. ثم تنعكس. أو تتشتت عن هذا الجسم الذي سقطت عليه ليسقط مرة أخري علي العين بمحتواها المعروف من خلال أسباب مخلوقة. فيبصر الإنسان الجزء الذي انعكست منه أو تشتت عليه الأشعة حين سقطت من مصدرها. هذه هي حدود الكائن المخلوق في فهم مدلول النور. وما يظن عاقل وما ينبغي له أن يظن أن هذا المعني هو المراد عندما نقول: إن الله نور. إنما الذي يدركه الكائن هو هذه الرهبة والخشية التي تقع في قلبه حين يعلم أن هذا النور ليس محلا للرؤية المحكومة بنظريات البصر. ولم تكن السيدة عائشة تسأل عن شيء بمقدار ما كانت تعبر عن حالة من حالات الرهبة قد انتابتها والنبي يقص عليها حادثة الإسراء والمعراج. حين قالت للنبي - صلي الله عليه وسلم - هل رأيت ربك؟ ولقد أجاب النبي - صلي الله عليه وسلم - بكلمات معبرة أصدق تعبير عن حقيقة العلاقة بين الإنسان وربه حين يقال له: إن الله نور. لقد قال النبي - صلي الله عليه وسلم - لعائشة: "نورى أني أراه". وخلاصة هذه الجملة أن الله نور فكيف يري؟. ولو أننا انتقلنا إلي الجزء الثالث من هذه الجملة. وهو: السموات والأرض باعتبار أنهما متعلقان لنور الله. ومجال من مجالاته. فإننا لا نكاد نفهم شيئا ذا بال. مقيسا إلي الحقيقة الكلية. ذلك أن العقل قاصر إدراك هذه الحقيقة علي وجهها. وقصور العقل نقص فيه. وتبقي الحقيقة الكلية متألقة. وإدراك هذه الحقيقة إذا كان غير ممكن لقصور المدرك. فإن الناس أمامها علي درجات. وأعلي هذه الدرجات مستقر الأنبياء. إذ هم يدركون من تلك الحقيقة بمقدار ما تتسع له قلوبهم. ونحن نستطيع أن نري ذلك من النبي - صلي الله عليه وسلم - وهو عائد من الطائف. مشحون بالمشاعر السلبية تجاه أهل الطائف. ومملوء بانفعالات الخوف علي مستقبل الدعوة. في نفس الوقت الذي أشرق فيه نور الأمل علي قلبه حين مليء بشيء من نور ربه. فقال لربه فيما قال: "أنت رب السموات والأرض وأنت ربي". والموقف نفسه نجده في موسي عليه السلام حين جمع لها السحرة وخاف علي مستقبل رسالته. فملأ الله قلبه بنور الحقيقة حين سمع موسي أو أدرك بقلبه "لا تخف إنك أنت الأعلي". وإشعاعة النور في قلب العباد له مجالات متعددة يشير إليها النبي وهو يدعو ربه: "اللهم اجعل في قلبي نورا. وفي بصري نورا. وفي سمعي نورا.." ثم يظل النبي يطلب النور الإلهي حتي في الجهات من حوله. ألم أقل لك إنها حقيقة كبري يستيقنها العبد فتلقي بالرهبة في قلبه ولكنها رهبة المحب من المحبوب. والعبد من المعبود. وهذه الحقيقة المستيقنة هي فوق الإدراك. وما كان لابد من صورة محسوسة تقربها ولا تكون هي هي.ولقد استجاب القرآن الكريم إلي هذه الضرورة الفكرية. فأتي بتلك الصورة الحسية إلي جوار الحقيقة المجردة المتأبية علي الحس. فجاء الأمران متجاوران علي هذا النحو: "الله نور السموات والأرض" فما مثل هذا النور؟ إن مثله هو هذه المشكاة. وهي تلك الكوة في الحائط التي تجمع النور فيها. ألا تري إلي هذا الجزء من المثل. وقد استحضر أمامنا هذه الكوة تمثل السموات والأرض. ولا تكون الكوة هي السموات والزرض. وإنما هو مثل تقريبي. ثم يستمر المثل في رسم الصورة المادية. فالكوة فيها مصباح يخرج النور منه فتجمعه هذه الكوة. والمصباح في زجاجة ليست من هذا الزجاج العادي. بل هي زجاج صافي يجمع الضوء ولا يحبسه. ويدفع عنه العاديات كالرياح. ويزيده تألقا. ثم إن هذا المصباح لا يوقد من هذه الأشياء التي تحتوي علي الشوائب التي إذا عرضت علي النار تلقي بمخلفاتها المؤذية والحاجبةللرؤية. إنما يوقد هذا المصباح من شجرة مباركة زيتونة. والإشارة إلي هذه الشجارة إشارة إلي عموم النفع. فمن صفاء زيتها الذي يكاد يضيء بنفسه إلي عموم البركة التي تشملها. ثم إلي ما تختص به من طول العمر ونفع الثمر والورق.. إلخ. ثم يعود النص من هذا التضييق في المثل إلي سعة الإشارة حتي لا يحملنا الخيال علي تضييق نور الله. فينفي عن الشجرة التي هي جزء المثل أن تكون شرقية أو تكون غربية. ثم إن زيتها يكاد يضيء بنفسه لا يفتقر إلي غيره. فهو مضيء ولو لم تمسسه نار. فإذا وصلنا إلي غاية المثل كانت غايته فيما يشبه النتيجة. حيث إن غاية المثل أنه يلقي إليه يد تصورنا نورا علي نورا وهي نتيجة بلغت من العموم حدا يجعلنا نقترب من الحقيقة التي جاء المثل لتقريبها للأذهان "يهدي الله لنوره من يشاء". ونحن نجد ذلك كله في قوله تعالي: "الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور علي نور". |
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
اليهود .. وحمار الأسفار
والرسل والأنبياء هم السفراء بين الله وبين عباده. يوحي إليهم ربهم
بالوحي. ويأمرهم بتبليغه. فيكون من أهم أدوار الأنبياء والرسل أنهم يحملون
الناس بالنيابة عن الله هذا المنهج الذي ارتضاه الله لهم. وما علي الناس
إلا أن يتحملوا هذا المنهج الرباني إن أرادوا لأنفسهم السلامة.
وهنا يجب علي المرء أن يتساءل عن حقيقة التحمل التي أرادها الله
وارتضاها ولا يرتضي غيرها..وحقيقة التحمل تمر بعدة مراحل نشير إلي أهمها
في هذه العجالة ومن أهم مراحل التحمل عن الله بواسطة الأنبياء هذا الإصغاء
للأنبياء والرسل. والإنصات إلي ما يقولون بغاية الاهتمام علي نحو ما قال
الله عز وجل: "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون" وعلي
نحو ما قال: "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما
يحييكم"..وهذا النوع من الإنصات يظل عديم القيمة ما لم يكن الانصات مصحوبا
بالتصديق القلبي. والأعتقاد والذي لا يخالجه شك بأن هذا من عند الله وأنه
هو خير للناس وأقوم.
وهذا الاعتقاد هو الأساس القويم الذي تنبني عليه وتنبثق عنه جميع
ضوابط السلوك الظاهري. هذا السلوك الذي يظل معلقا في الهواء بغير مستقر
لما لم يتخذ من العقيدة قاعدة له. وهذه الأصول إلي الآن لاتكتمل إلا إذا
كان هناك نوع من الدفء الناتج من الهيبة التي تحيط بالعلاقة بين الخالق
والمخلوق. وهذا الربط بين العقيدة والسلوك يبقي هكذا نوعا من الشقشقة
الفارغة ما لم يكن للعقيدة والسلوك أثر ملحوظ في الواقع أو في دنيا الناس
أفرادهم وجماعاتهم علي السواء. فإذا ظهر هذا الأثر يكون المنهج حينئذ قد
أدي وظيفته ويبقي في حقيقة التحمل أن نقول: إن علي المتحمل أن يؤدي
الأمانة التي يتحملها استيعابا وتأثرا وعملا وممارسة. علي المتحمل أن يؤدي
هذه الأمانة التي تحملها لغيره من بني نوعه الذين كلفوا بها كما قد كلف
بها. ويحملهم علي العمل بمقتضي المنهج الذي سبقهم هو إلي العمل به.
هذه هي حقيقة التحمل التي نجدها منثورة في نصوص القران والسنة فاذا
لم تتحقق هذه الحقيقة في فرد أو جماعة. يكون الفرد قد خان الأمانة وتكون
الجماعة قد سقطت من القمة التي وضعها الله عليها.
ونحن نري في تاريخ الأنبياء والرسل. كما نري في الحقبة التالية لهم
إلي الآن نوعين من البشر: نوع حمل الأمانة فتحملها ونوع آخر حمل الأمانة
فكان تحملهم لها شكليا لا يصل بالأفراد إلي غاية. ولا يرتفع بهم عن
منخفض..هذه هي الصورة العقلية أما الصورة المحسوسة التي هي وسيلة الايضاح
والتي تقرب المعني المعقول إلي الأذهان. وقد ذكرها الله لنا في سورة
الجمعة. حيث حكاها لنا من تاريخ بني إسرائيل.
ومادة هذه الصورة المحسوسة هي أن سيدنا موسي عليه السلام قد جاء بني
إسرائيل بالتوراة. فحملها لهم أمانة في أعناقهم. وهم قد حملوها. ثم خانوا
الأمانة. ولم يؤدوها علي وجهها. فلم ينتفعوا بها في أنفسهم. ولم يؤدوها
إلي غيرهم. فكانوا كهذا الكائن من الدواب الذي نستعين به.لينقل أغراضنا.
ومن هذه الأغراض هذه الكتب وتلك الأسفار التي تحتوي المنهج. والتي نعتمد
عليها في تسجيل أسسه لنستعين بها تذكرنا إذا نسينا وتعلمنا إذا
جهلنا..وهذه الكتب تحملها الدواب علي ظهورها. وليس للدابة من هذه الدواب
إلا هذا الثقل الذي ينوء به كاهلها دون أن يتاح لها أن تستوعب أو أن تفقه
أو أن تقوم بتعليم الآخرين. إنها صورة فردية ولاشك وما علينا إلا أن
نستفيد من العظة المنوطة بها فنستوعب المنهج في تحمل صادق وأمانة جادة
ونحن نقرأ الصورة علي وجهها من كتاب الله: "مثل الذين حملوا التوراة ثم لم
يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله
والله لا يهدي القوم الظالمين" الجمعة .51
د. طه حبيشي
أستاذ ورئيس قسم العقيدة والفلسفة كلية أصول الدين القاهرة
بالوحي. ويأمرهم بتبليغه. فيكون من أهم أدوار الأنبياء والرسل أنهم يحملون
الناس بالنيابة عن الله هذا المنهج الذي ارتضاه الله لهم. وما علي الناس
إلا أن يتحملوا هذا المنهج الرباني إن أرادوا لأنفسهم السلامة.
وهنا يجب علي المرء أن يتساءل عن حقيقة التحمل التي أرادها الله
وارتضاها ولا يرتضي غيرها..وحقيقة التحمل تمر بعدة مراحل نشير إلي أهمها
في هذه العجالة ومن أهم مراحل التحمل عن الله بواسطة الأنبياء هذا الإصغاء
للأنبياء والرسل. والإنصات إلي ما يقولون بغاية الاهتمام علي نحو ما قال
الله عز وجل: "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون" وعلي
نحو ما قال: "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما
يحييكم"..وهذا النوع من الإنصات يظل عديم القيمة ما لم يكن الانصات مصحوبا
بالتصديق القلبي. والأعتقاد والذي لا يخالجه شك بأن هذا من عند الله وأنه
هو خير للناس وأقوم.
وهذا الاعتقاد هو الأساس القويم الذي تنبني عليه وتنبثق عنه جميع
ضوابط السلوك الظاهري. هذا السلوك الذي يظل معلقا في الهواء بغير مستقر
لما لم يتخذ من العقيدة قاعدة له. وهذه الأصول إلي الآن لاتكتمل إلا إذا
كان هناك نوع من الدفء الناتج من الهيبة التي تحيط بالعلاقة بين الخالق
والمخلوق. وهذا الربط بين العقيدة والسلوك يبقي هكذا نوعا من الشقشقة
الفارغة ما لم يكن للعقيدة والسلوك أثر ملحوظ في الواقع أو في دنيا الناس
أفرادهم وجماعاتهم علي السواء. فإذا ظهر هذا الأثر يكون المنهج حينئذ قد
أدي وظيفته ويبقي في حقيقة التحمل أن نقول: إن علي المتحمل أن يؤدي
الأمانة التي يتحملها استيعابا وتأثرا وعملا وممارسة. علي المتحمل أن يؤدي
هذه الأمانة التي تحملها لغيره من بني نوعه الذين كلفوا بها كما قد كلف
بها. ويحملهم علي العمل بمقتضي المنهج الذي سبقهم هو إلي العمل به.
هذه هي حقيقة التحمل التي نجدها منثورة في نصوص القران والسنة فاذا
لم تتحقق هذه الحقيقة في فرد أو جماعة. يكون الفرد قد خان الأمانة وتكون
الجماعة قد سقطت من القمة التي وضعها الله عليها.
ونحن نري في تاريخ الأنبياء والرسل. كما نري في الحقبة التالية لهم
إلي الآن نوعين من البشر: نوع حمل الأمانة فتحملها ونوع آخر حمل الأمانة
فكان تحملهم لها شكليا لا يصل بالأفراد إلي غاية. ولا يرتفع بهم عن
منخفض..هذه هي الصورة العقلية أما الصورة المحسوسة التي هي وسيلة الايضاح
والتي تقرب المعني المعقول إلي الأذهان. وقد ذكرها الله لنا في سورة
الجمعة. حيث حكاها لنا من تاريخ بني إسرائيل.
ومادة هذه الصورة المحسوسة هي أن سيدنا موسي عليه السلام قد جاء بني
إسرائيل بالتوراة. فحملها لهم أمانة في أعناقهم. وهم قد حملوها. ثم خانوا
الأمانة. ولم يؤدوها علي وجهها. فلم ينتفعوا بها في أنفسهم. ولم يؤدوها
إلي غيرهم. فكانوا كهذا الكائن من الدواب الذي نستعين به.لينقل أغراضنا.
ومن هذه الأغراض هذه الكتب وتلك الأسفار التي تحتوي المنهج. والتي نعتمد
عليها في تسجيل أسسه لنستعين بها تذكرنا إذا نسينا وتعلمنا إذا
جهلنا..وهذه الكتب تحملها الدواب علي ظهورها. وليس للدابة من هذه الدواب
إلا هذا الثقل الذي ينوء به كاهلها دون أن يتاح لها أن تستوعب أو أن تفقه
أو أن تقوم بتعليم الآخرين. إنها صورة فردية ولاشك وما علينا إلا أن
نستفيد من العظة المنوطة بها فنستوعب المنهج في تحمل صادق وأمانة جادة
ونحن نقرأ الصورة علي وجهها من كتاب الله: "مثل الذين حملوا التوراة ثم لم
يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله
والله لا يهدي القوم الظالمين" الجمعة .51
د. طه حبيشي
أستاذ ورئيس قسم العقيدة والفلسفة كلية أصول الدين القاهرة
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
الموت الاجتماعي.. وسبل الإحياء
حين خلق الله عز وجل الإنسان خلقه من جسد وروح. وإذا كان للجسد حياته وسلامته. فإن للروح كذلك حياتها وهدايتها ونورها.
مثل في آية "28" "الأنعام: 122" الإيمان حياة ونور والكفر موت وظلمة
ولكل من الجسد والروح مجاله الذي يعمل فيه. ووسائله التي يحيي بها»
فلما كان الجسد مؤتلفاً من عناصر الأرض كانت أسباب حياته ممتدة منها.
فخلاياه المتعددة تحتاج إلي عوامل بقائها. كما تحتاج أحيانا إلي إحلال
وتبديل. وهي في الحالتين تعتمد علي عناصر المادة. كما أن الجسم لا يستغني
عن الطاقة. وهي الأخري مأخوذة من المادة وعناصرها. ولا يكفي تواجد عناصر
المادة في الجسم لكي يبقي الجسم حيا. ولكن لابد أن تكون هذه العناصر ممثلة
بنسب منضبطة. بحيث لو اختلت هذه النسب بالزيادة أو النقص عرض للجسم مشاكله
التي قد تنتهي به إلي التحلل والتفكك والموت.
هذا هو حال الجسم. والحفاظ عليه بهذا الشكل وعلي هذا النحو أمر قد
انفرد الله به. وأعفي منه صاحبه. إذ لو عهد به إليه لكان تكليفا بما لا
يطاق. فلم يُبقِ الله عز وجل للمرء من عمل يقوم به في هذا المجال علي
اختياره إلا تناول طعامه وشرابه يضعهما في فمه ولا عليه بعد ذلك أن يدرك
أين ذهب طعامه وشرابه وهذا أمر واضح يعرفه الإنسان من نفسه.
وعلي الجانب الآخر تكون الروح. أو النفس. أو القلب. أو العقل. أو بكلام مجمل تكون هذه النفخة من روح الله.
والنفخة من روح الله يحييها الإيمان ويضيء لها طريقها. ويميتها الكفر. وتظلم بسببه أمامها السبل.
فالنفخة من روح الله ليس لها ما يحييها إلا منهج الله تتلقاه فتؤمن به
فيهديها سبل السلام وسط الضوء الكاشف من الحقيقة الذي يبدد كل ظلام. وفي
غياب هذا الإيمان نجد هذه النفخة من روح الله قد ضلت طريقها بعد أن فقدت
حياتها وتراكمت عليها الظلمات. فمن ظلمة الهوي إلي ظلمة الوهم إلي قمة
الظلمات وهو الشرك.
وفي القرآن الكريم قصة في بني إسرائيل تتحدث عن جماعة من البشر ضلت
قلوبهم الطريق إلي الإيمان فتعلقت بالحياة وخافت الموت. وهذه الجماعة من
بني إسرائيل ائتلفت من ألوف مؤلفة. فخرجوا من ديارهم فراراً من الموت الذي
لم يذكر القرآن له سببا قد تراءي لهذه الألوف حيث لم يتعلق به غرض في
القصة. إذ المهم أن هؤلاء الناس مع كثرتهم قد خافوا الموت لانعدام الإيمان
في قلوبهم. فزادهم الله بسبب نقص الإيمان عندهم من هذا الرصيد الذي بدأ
بالهوي ليتلوه الوهم ليبلغ قمة الشرك. إذ قال لهم الله موتوا. فماتوا موتا
اجتماعيا لا موتاً جسديا. وظلوا علي ذلك التخبط فترة من الزمن. ثم أحياهم
الله بالهداية والإيمان فأضاء لهم الطريق. وفي ذلك يقول الله تعالي: "ألم
تر إلي الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم
أحياهم إن الله لذو فضل علي الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون" "البقرة:
243" وفي هذه القصة لم يلتفت كثير من المفسرين إلي هذا الموت الروحي فظنوا
أن الموت هنا موت جسدي. وأن القصة تحكي موتا جسديا تلاه بعث لطائفة من
الطوائف من بني إسرائيل لها واقعها التاريخي مع أن القرآن الكريم يتحدث
كثيرا عن إماتة الله لهم وما يترتب علي هذا الموت من آثار سلبية.
ولكن علي ما يبدو لنا أن مسألة موت الروح والإلقاء بها في الظلمات ربما يصعب إدراكها علي كثير من الافهام.
ومن أجل هذه الصعوبة رأينا القرآن يضرب المثل من المحسوسات والذي يقربها إلي الأذهان.
ولم يبتعد القرآن كثيراً عن حال الإنسان المخاطب من الله بالقرآن. فعقد مقارنة بين حالته الجسمية وحالته الروحية.
فجسم الإنسان قد وجد من العدم. وهو قبل وجوده من العدم لم يكن شيئاً
مذكورا. فماذا لو بقي هكذا لم يخرجه الله من العدم إنه سيكون ميتا أو
معدوماً. إلا أن الله قد منّ عليه بالحياة. وأمده بالأسباب التي تحافظ علي
حياته. كما أمده بالاستعداد الذي يمكنه من الاستفادة من هذه الأسباب.
فباشر حياته في نشاط. وسار في طريقه إلي غايته.
وهذه الحالة المادية التي يدركها الإنسان من نفسه يماثلها تماماً
حالته الروحية. إذ الله يحييها بالمنهج وبالنظام اللذين كلفها الله
باتباعهما. فإن آمنت يهبها إيمانها الحياة. كما يهبها نورها الذي تسير به
في الظلمات. وإن كفرت أماتها الله وغمسها في الظلمات لا تخرج منها.
وهذه الصورة التي ذكرها الله في القرآن تقرب الفكرة المعقولة لمن شاء
من أصحاب الفهوم. فاقرأ إن شئت قول الله عز وجل: "أو من كان ميتا فأحييناه
وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها
كذلك زين للكافرين ماكانوا يعملون" "الأنعام: 122".
د. طه حبيشي
أستاذ ورئيس قسم العقيدة والفلسفة
كلية أصول الدين - القاهرة
مثل في آية "28" "الأنعام: 122" الإيمان حياة ونور والكفر موت وظلمة
ولكل من الجسد والروح مجاله الذي يعمل فيه. ووسائله التي يحيي بها»
فلما كان الجسد مؤتلفاً من عناصر الأرض كانت أسباب حياته ممتدة منها.
فخلاياه المتعددة تحتاج إلي عوامل بقائها. كما تحتاج أحيانا إلي إحلال
وتبديل. وهي في الحالتين تعتمد علي عناصر المادة. كما أن الجسم لا يستغني
عن الطاقة. وهي الأخري مأخوذة من المادة وعناصرها. ولا يكفي تواجد عناصر
المادة في الجسم لكي يبقي الجسم حيا. ولكن لابد أن تكون هذه العناصر ممثلة
بنسب منضبطة. بحيث لو اختلت هذه النسب بالزيادة أو النقص عرض للجسم مشاكله
التي قد تنتهي به إلي التحلل والتفكك والموت.
هذا هو حال الجسم. والحفاظ عليه بهذا الشكل وعلي هذا النحو أمر قد
انفرد الله به. وأعفي منه صاحبه. إذ لو عهد به إليه لكان تكليفا بما لا
يطاق. فلم يُبقِ الله عز وجل للمرء من عمل يقوم به في هذا المجال علي
اختياره إلا تناول طعامه وشرابه يضعهما في فمه ولا عليه بعد ذلك أن يدرك
أين ذهب طعامه وشرابه وهذا أمر واضح يعرفه الإنسان من نفسه.
وعلي الجانب الآخر تكون الروح. أو النفس. أو القلب. أو العقل. أو بكلام مجمل تكون هذه النفخة من روح الله.
والنفخة من روح الله يحييها الإيمان ويضيء لها طريقها. ويميتها الكفر. وتظلم بسببه أمامها السبل.
فالنفخة من روح الله ليس لها ما يحييها إلا منهج الله تتلقاه فتؤمن به
فيهديها سبل السلام وسط الضوء الكاشف من الحقيقة الذي يبدد كل ظلام. وفي
غياب هذا الإيمان نجد هذه النفخة من روح الله قد ضلت طريقها بعد أن فقدت
حياتها وتراكمت عليها الظلمات. فمن ظلمة الهوي إلي ظلمة الوهم إلي قمة
الظلمات وهو الشرك.
وفي القرآن الكريم قصة في بني إسرائيل تتحدث عن جماعة من البشر ضلت
قلوبهم الطريق إلي الإيمان فتعلقت بالحياة وخافت الموت. وهذه الجماعة من
بني إسرائيل ائتلفت من ألوف مؤلفة. فخرجوا من ديارهم فراراً من الموت الذي
لم يذكر القرآن له سببا قد تراءي لهذه الألوف حيث لم يتعلق به غرض في
القصة. إذ المهم أن هؤلاء الناس مع كثرتهم قد خافوا الموت لانعدام الإيمان
في قلوبهم. فزادهم الله بسبب نقص الإيمان عندهم من هذا الرصيد الذي بدأ
بالهوي ليتلوه الوهم ليبلغ قمة الشرك. إذ قال لهم الله موتوا. فماتوا موتا
اجتماعيا لا موتاً جسديا. وظلوا علي ذلك التخبط فترة من الزمن. ثم أحياهم
الله بالهداية والإيمان فأضاء لهم الطريق. وفي ذلك يقول الله تعالي: "ألم
تر إلي الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم
أحياهم إن الله لذو فضل علي الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون" "البقرة:
243" وفي هذه القصة لم يلتفت كثير من المفسرين إلي هذا الموت الروحي فظنوا
أن الموت هنا موت جسدي. وأن القصة تحكي موتا جسديا تلاه بعث لطائفة من
الطوائف من بني إسرائيل لها واقعها التاريخي مع أن القرآن الكريم يتحدث
كثيرا عن إماتة الله لهم وما يترتب علي هذا الموت من آثار سلبية.
ولكن علي ما يبدو لنا أن مسألة موت الروح والإلقاء بها في الظلمات ربما يصعب إدراكها علي كثير من الافهام.
ومن أجل هذه الصعوبة رأينا القرآن يضرب المثل من المحسوسات والذي يقربها إلي الأذهان.
ولم يبتعد القرآن كثيراً عن حال الإنسان المخاطب من الله بالقرآن. فعقد مقارنة بين حالته الجسمية وحالته الروحية.
فجسم الإنسان قد وجد من العدم. وهو قبل وجوده من العدم لم يكن شيئاً
مذكورا. فماذا لو بقي هكذا لم يخرجه الله من العدم إنه سيكون ميتا أو
معدوماً. إلا أن الله قد منّ عليه بالحياة. وأمده بالأسباب التي تحافظ علي
حياته. كما أمده بالاستعداد الذي يمكنه من الاستفادة من هذه الأسباب.
فباشر حياته في نشاط. وسار في طريقه إلي غايته.
وهذه الحالة المادية التي يدركها الإنسان من نفسه يماثلها تماماً
حالته الروحية. إذ الله يحييها بالمنهج وبالنظام اللذين كلفها الله
باتباعهما. فإن آمنت يهبها إيمانها الحياة. كما يهبها نورها الذي تسير به
في الظلمات. وإن كفرت أماتها الله وغمسها في الظلمات لا تخرج منها.
وهذه الصورة التي ذكرها الله في القرآن تقرب الفكرة المعقولة لمن شاء
من أصحاب الفهوم. فاقرأ إن شئت قول الله عز وجل: "أو من كان ميتا فأحييناه
وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها
كذلك زين للكافرين ماكانوا يعملون" "الأنعام: 122".
د. طه حبيشي
أستاذ ورئيس قسم العقيدة والفلسفة
كلية أصول الدين - القاهرة
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
أصحاب النبي.. زرع يسر الناظرين
إن كل مسلم في هذا اليوم تجذبه مشاعره في اتجاهات شتي حين يري هذا الضيف
العظيم وقد طوي صحيفته وحزم حقائبه حين أمر بالرحيل.. ان كل مسلم في هذا
اليوم تجذبه مشاعره في اتجاهات متعددة. فهي تجذبه إلي الماضي البعيد يتأمل
في صورة رجال هم رجال عصر المبعث باعتبارهم الذين يمثلون القدوة ويحتلون
منها موقع القمة.
ومشاعره تجذبه إلي المستقبل يتأمل فيه- ان استطاع- صورة موقف سيكون
هو أحد الحاضرين فيه وسيحضره هذا الضيف الكريم الذي يعتزم الآن الرحيل
شاهدا للبعض وشاهداً علي الآخرين.
ثم إن مشاعره أخيراً تحيط به وتجعله ينظر إلي حاضره ويتأمل فيه صورته
هو تأملا يقارن فيه نفسه ويقارن حاله بحال أولئك الذين رأي صورتهم وهم
يعيشون عصر المبعث. ثم هو كذلك يجب ان يقارن صورته وحاله بحال أناس
سيشاركونه عما قريب في موقف بين يدي الله يشهد لهم رمضان أو يشهد عليهم.
وأحب هنا أن نستكمل الحديث عن رجال كانوا في عصر المبعث عاشوا فترتهم
التاريخية وقد رسم الله لهم صورتهم في التوراة قرأها عليه السلام وأتباعه
فاشتاق المخلصون منهم إلي ان يكونوا أحد مكونات هذه اللوحة التي قرأوها..
و.
ولقد شاء الله عز وجل ان تكون ألوان اللوحة التي رسمت صورة أصحاب
النبي في التوراة غير مؤدية لتصور مادي غليظ فما كان بنو اسرائيل في ذلك
الوقت في حاجة إلي تنامي الشعور المادي وبناء شخصيتهم علي أساس منه فلقد
اكتسبت شخصيتهم من ذلك الشيء الكثير.
أما صورة صحابة رسول الله في الانجيل فقد ظهرت من خلال هذه اللوحة
التي عناصرها قريبة من الحواس وان كان يخالطها الكثير من مخاطبة الوجدان
واللوحة المرسومة في الانجيل لصحابة رسول الله تبدأ بصورة زرع منتشر وهو
في نفس الوقت متنامي من مرحلة ضعف تتلوها مرحلة قوة إلي ان يخرج شطأه في
مرحلة شبابه وشطأ الزرع الذي يظهر لنا من خلال هذه اللوحة هو ثمرته من
سنابل وغيرها. والنبات في هذه المرحلة يكون في كمال ندرته وشبابه ينتابه
حالات متشابهة من الشد الذي يورث القوة فالفرع يشد ساقه فيجعله غليظاً
قوياً والساق يشد الفرع "السنبلة مثلا" فيجعله قائماً منتصباً فيظهر
النبات بساقه وفرغه في غاية من الندرة والقوة والجمال.
وحينئذ نجد صاحب النبات يظهر لنا هنا وضاء الجبين منفرج الاسارير
يخالط بياض وجهه حمرة معبرة فتترأي للناس كأنها صباح بعد ظلام وتبدي
اللوحة هذا الجزء منها مع احساس لا يخفي بأن صاحب الزرع إنما هو النبي صلي
الله عليه وسلم باعتباره هو المربي علي أساس من منهج الله المشتمل علي
عقيدته في القلوب وشريعته تنوعت العبادات فيها لصياغة الشخصية التي تراءت
لنا في جنبات اللوحة فسعدنا بها كما سعد بها صاحبها صلي الله عليه وسلم.
وفي اللوحة أضواء وألوان تبين للناظرين علي الطرف الآخر ان هناك
جماعة يعضون الأنامل من الغيظ كلما رأوا النبات يزداد قوة ونضارة يوما بعد
يوم وكأنهم يعلمون ان ندرة النبات وقوته تعد رسالة قوية لكل متأمل ان كل
من علي الطرف الاخر ما هم إلا موجودات تتصف بالخسة والكآبة والضعف
والهزال.
وترتفع اللوحة بأضوائها وألوانها لتقترب بنا من الجانب الروحاني حتي
لا تبهرنا الألوان وتأخذنا الأضواء المادية فنجد استعمال كلمة "الكفار" في
رسم اللوحة لاحداث هذه النقلة. وبعد ان ترسم اللوحة علي هذا النحو وتعلق
إلي جوار سابقتها التي رسمت في التوراة يبدأ القرآن الكريم من خلال هذين
المثلين في جني الحصاد.
وما الحصاد هنا إلا وعد الله عز وجل ولأن الذين رسم الله لوحتهم في
التوراة مرة وفي الانجيل مرة أخري ومن كان علي شاكلتهم من أولئك الذين
آمنوا وعملوا الصالحات استجابة لأمر الله أولاً ومحاكاة سلفهم ثانياً.
ما الحصاد هنا إلا وعد الله لهؤلاء وأولئك بغفران ما عسي ان يكون قد
وقع منهم من مخالفات بحكم بشريتهم غير المعصومة حتي يصفوا لهم حالهم
فيمنحهم الله بعد ذلك الأجر العظيم.
لقد شاء الله عز وجل ان نتتبع هذه اللوحات من خلال مثلين أحدهما في
التوراة والآخر في الانجيل ليكون ذلك آخر العهد برمضان في العام التاسع
والعشرين بعد المائة الرابعة والألف من هجرة خاتم المرسلين ونرجو ان يكون
لقاؤنا به خيراً.
واذا كنا قد قرأنا معاً اللوحة كما جاءت في التوراة فلنقرأها كما
جاءت في الانجيل لندرك هذا التطابق بين الكتب الثلاثة التوراة والانجيل
والقرآن في رسم صورة الرعيل الأول الذين هم أصحاب رسول الله صلي الله عليه
وسلم وسلم وهذه الصورة كما جاءت في القرآن هي: "ومثلهم في الانجيل كزرع
أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوي علي سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار
وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً" الفتح:
.29
د. طه حبيشي
أستاذ ورئيس قسم العقيدة والفلسفة
كلية أصول الدين - القاهرة
العظيم وقد طوي صحيفته وحزم حقائبه حين أمر بالرحيل.. ان كل مسلم في هذا
اليوم تجذبه مشاعره في اتجاهات متعددة. فهي تجذبه إلي الماضي البعيد يتأمل
في صورة رجال هم رجال عصر المبعث باعتبارهم الذين يمثلون القدوة ويحتلون
منها موقع القمة.
ومشاعره تجذبه إلي المستقبل يتأمل فيه- ان استطاع- صورة موقف سيكون
هو أحد الحاضرين فيه وسيحضره هذا الضيف الكريم الذي يعتزم الآن الرحيل
شاهدا للبعض وشاهداً علي الآخرين.
ثم إن مشاعره أخيراً تحيط به وتجعله ينظر إلي حاضره ويتأمل فيه صورته
هو تأملا يقارن فيه نفسه ويقارن حاله بحال أولئك الذين رأي صورتهم وهم
يعيشون عصر المبعث. ثم هو كذلك يجب ان يقارن صورته وحاله بحال أناس
سيشاركونه عما قريب في موقف بين يدي الله يشهد لهم رمضان أو يشهد عليهم.
وأحب هنا أن نستكمل الحديث عن رجال كانوا في عصر المبعث عاشوا فترتهم
التاريخية وقد رسم الله لهم صورتهم في التوراة قرأها عليه السلام وأتباعه
فاشتاق المخلصون منهم إلي ان يكونوا أحد مكونات هذه اللوحة التي قرأوها..
و.
ولقد شاء الله عز وجل ان تكون ألوان اللوحة التي رسمت صورة أصحاب
النبي في التوراة غير مؤدية لتصور مادي غليظ فما كان بنو اسرائيل في ذلك
الوقت في حاجة إلي تنامي الشعور المادي وبناء شخصيتهم علي أساس منه فلقد
اكتسبت شخصيتهم من ذلك الشيء الكثير.
أما صورة صحابة رسول الله في الانجيل فقد ظهرت من خلال هذه اللوحة
التي عناصرها قريبة من الحواس وان كان يخالطها الكثير من مخاطبة الوجدان
واللوحة المرسومة في الانجيل لصحابة رسول الله تبدأ بصورة زرع منتشر وهو
في نفس الوقت متنامي من مرحلة ضعف تتلوها مرحلة قوة إلي ان يخرج شطأه في
مرحلة شبابه وشطأ الزرع الذي يظهر لنا من خلال هذه اللوحة هو ثمرته من
سنابل وغيرها. والنبات في هذه المرحلة يكون في كمال ندرته وشبابه ينتابه
حالات متشابهة من الشد الذي يورث القوة فالفرع يشد ساقه فيجعله غليظاً
قوياً والساق يشد الفرع "السنبلة مثلا" فيجعله قائماً منتصباً فيظهر
النبات بساقه وفرغه في غاية من الندرة والقوة والجمال.
وحينئذ نجد صاحب النبات يظهر لنا هنا وضاء الجبين منفرج الاسارير
يخالط بياض وجهه حمرة معبرة فتترأي للناس كأنها صباح بعد ظلام وتبدي
اللوحة هذا الجزء منها مع احساس لا يخفي بأن صاحب الزرع إنما هو النبي صلي
الله عليه وسلم باعتباره هو المربي علي أساس من منهج الله المشتمل علي
عقيدته في القلوب وشريعته تنوعت العبادات فيها لصياغة الشخصية التي تراءت
لنا في جنبات اللوحة فسعدنا بها كما سعد بها صاحبها صلي الله عليه وسلم.
وفي اللوحة أضواء وألوان تبين للناظرين علي الطرف الآخر ان هناك
جماعة يعضون الأنامل من الغيظ كلما رأوا النبات يزداد قوة ونضارة يوما بعد
يوم وكأنهم يعلمون ان ندرة النبات وقوته تعد رسالة قوية لكل متأمل ان كل
من علي الطرف الاخر ما هم إلا موجودات تتصف بالخسة والكآبة والضعف
والهزال.
وترتفع اللوحة بأضوائها وألوانها لتقترب بنا من الجانب الروحاني حتي
لا تبهرنا الألوان وتأخذنا الأضواء المادية فنجد استعمال كلمة "الكفار" في
رسم اللوحة لاحداث هذه النقلة. وبعد ان ترسم اللوحة علي هذا النحو وتعلق
إلي جوار سابقتها التي رسمت في التوراة يبدأ القرآن الكريم من خلال هذين
المثلين في جني الحصاد.
وما الحصاد هنا إلا وعد الله عز وجل ولأن الذين رسم الله لوحتهم في
التوراة مرة وفي الانجيل مرة أخري ومن كان علي شاكلتهم من أولئك الذين
آمنوا وعملوا الصالحات استجابة لأمر الله أولاً ومحاكاة سلفهم ثانياً.
ما الحصاد هنا إلا وعد الله لهؤلاء وأولئك بغفران ما عسي ان يكون قد
وقع منهم من مخالفات بحكم بشريتهم غير المعصومة حتي يصفوا لهم حالهم
فيمنحهم الله بعد ذلك الأجر العظيم.
لقد شاء الله عز وجل ان نتتبع هذه اللوحات من خلال مثلين أحدهما في
التوراة والآخر في الانجيل ليكون ذلك آخر العهد برمضان في العام التاسع
والعشرين بعد المائة الرابعة والألف من هجرة خاتم المرسلين ونرجو ان يكون
لقاؤنا به خيراً.
واذا كنا قد قرأنا معاً اللوحة كما جاءت في التوراة فلنقرأها كما
جاءت في الانجيل لندرك هذا التطابق بين الكتب الثلاثة التوراة والانجيل
والقرآن في رسم صورة الرعيل الأول الذين هم أصحاب رسول الله صلي الله عليه
وسلم وسلم وهذه الصورة كما جاءت في القرآن هي: "ومثلهم في الانجيل كزرع
أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوي علي سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار
وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً" الفتح:
.29
د. طه حبيشي
أستاذ ورئيس قسم العقيدة والفلسفة
كلية أصول الدين - القاهرة
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى