تحية كاريوكا

• تحية كاريوكا

الفنانة التي ملأت الدنيا صخباً معجوناً بشهامة و«جدعنة» أولاد البلد، مرت
تسع سنوات على وفاتها وكأن الجميع اتفق على الصمت حيال الأمر، وكأن تحية
كاريوكا لم تكن ملء الأبصار والأسماع والأفئدة، مرت ذكرى وفاتها كضيف حرص
الجميع على التواري منه وغلق الأبواب في وجهه.
توفيت تحية كاريوكا
الاثنين 20 سبتمبر 1999، وهذا للعلم والتذكرة وليس أكثر ولا نطمع في أن
يتدارك المتناسون أمر تناسيهم لذكرى كاريوكا.

كانت تحية كاريوكا
مثل شجرة الدر في ذكائها وقوة شخصيتها ومثل المعلمة «شفاعات» في جبروت
أنوثتها ومثل لعبة في شقاوتها وسمارة في دلالها ورقتها، ومثل أم العروسة
في فيض أمومتها، ومثل أي امرأة مغلوبة على أمرها أجهدها الزمن ونال من
قواها لكنها في كل الحالات كانت فنانة عظيمة وإنسانة تفيض بالحب والحنان
وتغدق منهما على كل من حولها حتى لمن أساءوا إليها أو ظلموها، وقد منحت
لأعمالها التي تشهد بعبقريتها معنى ومذاقا خاصا كانت ــ وستظل ــ مثالا
للفنان الملتزم بقضايا بلاده، عشقت مصر وعشقتها، جاهدت ضد الانكليز وحملت
المتفجرات للفدائيين في القناة، ومن شدة وطنيتها كادت تفتك بالنجمة سوزان
هيوارد عندما كانت تحضر مهرجان كان السينمائي الذي يعرض فيها فيلم «شباب
امرأة» عام 1956 وتفوهت سوزان هيوارد بجملة ضد مصر وهربت سوزان هيوارد من
أمامها مرتجفة قبل أن تجذبها من شعرها وتوسعها ضربا، وكانت أيضا تحتفظ
بأسرار خطيرة ولم تبح بها حتى لا تؤذي أحدا.
مشوار
استطاعت الفنانة
الكبيرة تحية كاريوكا التي قطعت مشوارا طويلا مع الفن ان تخلق شخصيات
مختلفة يعيش في أمجادها الكثير من الممثلات اليوم، وبلغت شهرتها مداها عام
1946 في فيلم «لعبة الست» الذي قامت ببطولته أمام عملاق الكوميديا نجيب
الريحاني، الذي قال فيها «تحية كاريوكا.. قارة مجهولة» وكان هذا أول فيلم
تتجه فيه إلى التمثيل بعد أن ظلت فترة طويلة تظهر كراقصة.
وفي العام
1956 بلغت تحية كاريوكا مجدها السينمائي بدور المعلمة «شفاعات» رمز
الأنوثة الطاغية في فيلم «شباب امرأة» رائعة صلاح أبو سيف، مع شكري سرحان
وشادية، والذي نالت عنه وسام الفنون من الطبقة الأولى، هي في كل فيلم كانت
تقبله لم يكن يهمها ما إذا كان الدور صغيرا أو كبيرا إنما كان يهمها أن
تخرج الجماهير من الفيلم وهي تحمل صورتها بين اهدابها ومن ينسى لها
أدوارها: «الزهور الفاتنة، ضحيت غرامي، ما اقدرش، أحلام الشباب، حميدو،
إحنا التلامذة، سمارة، واإسلاماه، الطريق، شاطي الأسرار، السراب، ام
العروسة، وخللي بالك من زوز»، وكان آخر أعمالها السينمائية فيلم «امرأة
تدفع الثمن» عام 1993.
أطيب شريرة
أكثر ما تميزت به الفنانة تحية
كاريوكا، أنها كانت أطيب شريرة على الشاشة السينمائية ولا تختلف هنا عن
العملاقة الكبيرة زوزو نبيل... فقد كانت على الشاشة ملكة الشر.. وبعيدا
منها شديدة الرقة العذوبة كذلك تحية كاريوكا التي كانت دائما وأبدا المرفأ
الذي تستريح إليه قلوب زملائها في الوسط الفني.. كانوا يحكون لها مشاكلهم
وتعيش معهم، وتساهم في حلها، بكل قلبها، وطيبتها، وحنانها الدافئ، وكانت
أيضا تعتبر الرقص مرتبة ومكانة، ومرة ضايقها احد المعجبين في كازينو بديعة
مصابني فصفعته صفعة مدوية على وجهة، فأصيب من حوله بالذهول، وقالوا لها
ألا تعرفين من هذا، انه أمير من الأسرة المالكة، فردت عليهم بتحد: وأنا
راقصة من الأسرة الراقصة! هكذا تساوت الرؤوس وفقا لنظريتها وانتقلت أخبار
هذه الواقعة من كازينو بديعة مصابني إلى أنحاء مصر فاحترم الناس هذه
الراقصة.
والذي يذكر أن تحية كاريوكا تزوجت 13 مرة وكان زواجها الأول
عام 1940 بأنطوان عيسى ابن أخت بديعة مصابني وتوالت الزيجات لأسباب مختلفة
بعضها من شخصيات عامة والبعض الآخر من مشاهير الفن: أحمد سالم، رشدي
أباظة، محرم فؤاد، المخرج فطين عبد الوهاب، والمخرج المسرحي فايز حلاوة،
الذي عاشت معه أطول حياة زوجية لأكثر من ربع قرن ثم انفصلا بالطلاق في عام
1985 ولم تنجب من أي منهم.
وعلى الرغم من أن الفنانة تحية كاريوكا
تعتبر واحدة من اللاتي ساهمن في إرساء قواعد صناعة السينما المصرية، فقد
ضاعت قيمتها في زحام الحياة ولم تتوقف عند مشوارها.. وكلما ذكر اسم تحية
كاريوكا.. سقطت دموع الكثيرين.. حبا وغضبا حبا لها وغضبا لأننا لم نتذكرها
أو ننسى!!
فالفنانة الكبيرة تحية كاريوكا مثلها مثل علوية جميل، زوز
ماضي، زينب صدقي، سراج منير، زكي رستم، حسين رياض،أحمد علام، يوسف وهبي
وعظماء كثيرون ما عاد احد يهتم بهم. فنانون ليس اجمل ما فيهم موهبتهم
وإنما أجمل ما فيهم إخلاصهم وعشقهم للفن، والفنانة تحية كاريوكا كانت تأخذ
12 جنيها راتبا عن عمل ثلاثة أشهر لأن الفرقة المسرحية قد أفلست.. ولا
تغضب ولا تسأل عن الثراء ولا تبحث عنه وكانت على استعداد أن تبيع أثاث
منزلها حتى يستمر نجيب الريحاني منطلقا على المسرح.

• مع عزت العلايلي في فيلم «زائر الفجر»