في حوار أدبي، فكري وسياسي مع القاص أحمد بوزفور
صفحة 1 من اصل 1
في حوار أدبي، فكري وسياسي مع القاص أحمد بوزفور
في حوار أدبي، فكري وسياسي مع القاص أحمد بوزفور : كتابنا ومفكرونا يتساقطون تباعاً في حضن الشيطان!!
أصابعي شاخت مع القصة، ومن الصعب ترويضها على أجناس أخرى!!
أجرى الحوار: سعيد منتسب
يبدو كأن الكاتب المغربي بدأ يكتفي بالصور المبسطة ويحرص على الغموض
والتبسيط والتسطيح، هل يمكن الحديث هنا عن عن خيانة الكاتب للواقع
ومشكلاته، أو عن انفصال بينه وبين المعنى؟
يمكن الحديث عن انفصال عام بين الإنسان الحديث وبين المعنى.
المعنى لم يعد له معنى إذا صح التعبير.
ولد
المعنى الحديث خلال عصر النهضة الأوربي. وأقصد به: الإيمان بـ«الإنسان»،
وتقديس «العقل»، والثقة بـ«العلم»، وتشجيع «العمل» في إطار فكرة «التقدم».
الأنظمة الشمولية، والحربان العالميتان، والاستعمار، والحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفياتي، ثم الأزمات المالية الرأسمالية.
أضف
إلى ذلك تجذر الاستبداد والفقر، وخلودهما كقََدَريْن إغريقيين في عالمنا
الثالث. كل ذلك جعل «المعنى» يجف ويبهت حتى كاد يتلاشى. لم تعد لنا مُثل
أو نماذج نقتدي بها، ولا قِيم توجهنا، ولا أمل يحفزنا على العمل والنضال
من أجل التغيير.
لذلك أخذ كتابنا ومفكرونا يتساقطون تباعاً في حضن
الشيطان الحديث الذي أخرج «المعنى» من جنة الأرض، كما أُخرِج جدُّه آدم من
جنة السماء. وأخذ هؤلاء الكتاب والمفكرون الذين يحلو لي أن أسميهم
«الفاوستيين الجدد» يسخرون من المعنى ومن أصحاب المعنى، ويسمونهم
«الديناصورات». الصراع الآن بين «الديناصورات» من جهة، وبين «الفاوستيين
الجدد» من جهة أخرى. وأنا متشائم من نتيجة الصراع: الفاوستيون يتكاثرون
كياجوج وماجوج، وأمراضهم مُعدية وعُضَال لا دواء لمن أصيب بها.
هناك حرب ضد الأسئلة، والكثير من الكتاب المغاربة، الذين أدخلوا أقلامهم
طواعية لأغمادها، بات لا يجازف بطرحها، لماذا في نظرك هذا الجبن والتردد
في اقتحام الممنوع؟
الجبن؟ ربما، لكن بمعنى الجُبنة، وليس بمعنى
الخوف. بمعنى الجزرة وليس بمعنى العصا. هناك كتاب يتهافتون على كعكة
السلطة، وينافقون المجتمع وتقاليده. لكن كتابا آخرين لا يتورعون عما سميته
اقتحام الممنوعات، وعن طرح الأسئلة الصعبة، وإذا كانوا ألا يملأون أجهزة
الاعلام، فلأنهم لا يحبون الصراخ.
الكتابة، مثل الحب والهواء وضوء
الشمس، يقظة عفوية في جسد الإنسان وعقله، هل مازلت، بعد هذا العمر من
الكتابة، تؤمن أنك صاحب وجهة نظر، وأن بإمكان ققنس أن يغير وجه العالم؟
في إطار ما قلتُه عن افتقاد المعنى، لم يعد الكتاب يغيرون العالم. أصبح
العالم هو الذي يغيرهم، وأنا أيضا أخضع لهذا القانون. إنني أصارع كل يوم
هذا الافتقاد الشامل للمعنى، هذا اللون الرمادي الزاحف كالوباء. الرماد
يغمُر الكون، نحن نتنفس الرماد، نقرأ الرماد، ونكتب الرماد. لكننا ـ ونحن
نحس ذلك ونرفضه ـ نحاول أن نُحَسِّسَ به الآخرين أيضا. ذلك أقصى أملنا
الآن.
نعيش في زمن نفعي، وباتت الحقيقة لا ضرورة لها في معظم
الأحيان، ما هو في نظرك مصير الباحث عن الحقيقة، الشاعر والقاص والفنان
والفيلسوف، وهل يتوجب عليه أن يقوم بنقد ذاتي ثم يرحل؟
الحقيقة
وهم ميتافيزيقي قديم، لم يعد منتجا في العصور الحديثة. الشاعر والفنان
والفيلسوف والقاص لا يبحثون عن الحقيقة، القاص على الأقل، أو لأقل بما
يلزم من الدقة: أنا لا أبحث عن الحقيقة. عم أبحث إذن؟
«يا أيها الإنسان عم تبحث؟»
يقول شوقي في إحدى قصائده للأطفال.
لا أدري، ربما كنت أبحث عن الجمال. قد يكون الجمال هو الحقيقة الوحيدة في هذا العالم.
الجمال بمعنى الاتساق والتعالق والتكامل والانسجام من جهة، ثم الإحساس بذلك كله من جهة أخرى.
والجمال موجود في الطبيعة، لكن جمال الطبيعة بارد محايد مفارق قاس، وبدون إحساس. لذلك نهرب الى جمال الثقافة. وجمال الثقافة هو الفن.
في الطبيعة جمال نحس به.
في الفن نبحث عن جمال يحس بنا.
عن هذا الجمال أبحث حين أقرأ أو أتذوق الفن، وعنه أبحث حين أكتب.
هل عليَّ أن أقوم بنقد ذاتي وأرحل؟
لا تستعجل. سوف أرحل على أي حال، قمت بنقد ذاتي أو لم أقم.
الكتابة بمعنى من المعاني كتابة نقدية، لا للعالم وحده وإنما للذات أولاً؛
وعلى هذا المستوى، فهي ليست سؤالا مطروحا على العالم وحده، وإنما هي سؤال
مطروح على الكاتب، هل بإمكانك أن تسلط الأضواء على ما يتحرك، الآن، من
رمال تحت قدميك؟ وهل مازلت مصرا على المشي في الجمل الاعتراضية الهادئة؟
حين يتحدث الإنسان مع الآخرين، لا يصرح بحقيقة نفسه. حين يقول: أعتقد/
أتصور/ أشعر... إلخ، لا يقول ما يعتقده ويتصوره ويشعر به فعلا، بل يقول
فقط مايهمه أن يعتقد الآخرون أنه يعتقده، فيرضيهم بذلك أو يسخطهم أو...
ليس لأنه يسعى إلى نيل رضا الآخرين أو يتحداهم بإسخاطهم، بل فقط لأنه يشعر
بضرورة أن يستبطن شيئاً، أن يملك سراً، أن يُكِنّ في سريرته هوية خاصة به،
لا يعرفها الآخرون. أحيانا لا توجد هذه الهوية مطلقا، يوجد فقط الشعور
بأنها هناك، ولكن ذلك كاف للتوازن النفسي، كاف للإحساس بأن للإنسان
«داخلاً» يوازي «خارجه» الذي يعرفه الآخرون.
هذا الداخل هو «بيتنا الخاص» الذي نملكه مِلكية حقيقية، ونسكنه حين يضطهدنا العالم، ويسكننا هو دائماً.
بالنسبة لي، هذا «البيت الخاص» الداخلي هو ذواتي التي أمْتَح منها.
وهو أيضا «آخَرِي» الذي أحاوره، فأسائله عن العالم، وأنقد العالم به.
لكنني
أضجر أحيانا فأرتدّ حتى على هذا الداخل نفسه بالتشريح والنقد، فيغيض
ويرسب، حتى يصبح ماؤه غوراً، وأصبح معه كصاحب الجنتين في سورة الكهف،
أقَلِّب كفّيّ ندماً على الثقة العمياء، بالذات، وعلى الفرح الساذج بداخل
الذات، أو بوهم داخل الذات.
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: في حوار أدبي، فكري وسياسي مع القاص أحمد بوزفور
| |||
|
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مواضيع مماثلة
» أحمد بوزفور
» أحمد بوزفور.. جدلية النقد والإبداع/حسن مخافي
» صورة المرأة في القصة القصيرة المغربية، أحمد بوزفور نموذجا / محمد معتصم
» في حوار مع الشاعر المغربي أحمد بلحاج آية وارهام..
» أحمد بوزفور.. عناقات العاشق العظيم/سعيد منتسب
» أحمد بوزفور.. جدلية النقد والإبداع/حسن مخافي
» صورة المرأة في القصة القصيرة المغربية، أحمد بوزفور نموذجا / محمد معتصم
» في حوار مع الشاعر المغربي أحمد بلحاج آية وارهام..
» أحمد بوزفور.. عناقات العاشق العظيم/سعيد منتسب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى