السل
صفحة 1 من اصل 1
السل
العراق والسودان وأفغانستان تستغيث من «الدرن»... باريس تذكّر بمرض
السلّ «المنسي» الذي سجّله الفراعنة والوباء القديم ما زال يقتل أكثر من
كوارث الطبيعة
باريس – أمينة خيري الحياة - 11/11/08//
بيتهوفن، شوبان، تشيكوف، سارة برنار، غاندي، رينيه ديكارت،
دستوفسكي، غوغان، غوتة، هتلر، كافكا، دي. إتش. لورنس، موليير، جون لوك،
فلورانس نايتينغيل، جان جاك روسو، رمبراندت، إلينور روزفلت، سترافينسكي،
جورج أورويل. أسماء عالمية لامعة. ليست الموسيقى هي ما تجمع بين أصحابها،
ولا الفن، ولا السياسة، ولا الفلسفة، ولا حتى الأدب، ولكنه السلّ (يُسمى
أيضاً «الدرن») Tuberculosis الذي أصابهم جميعاً وقتل البعض منهم. إنهم
«مشاهير الدرن». وهناك الملايين غيرهم ممن لم يسمع عنهم أحد. يقتلهم المرض
اللعين يومياً. وفي أفضل الحالات يعوقهم ويحولهم من أصحاء إلى عبء ثقيل
على أسرهم ودولهم.
ليس شبحاً من الماضي
هل يبدو الحديث عن هذا المرض اجتراراً للماضي وإحياء لقصص مأسوية
مستقرة في ذاكرة التاريخ؟ وهل يبدو الموضوع بعيداً عن منطقتنا التي صارت
محملة بنوعية مختلفة تماماً وأكثر حداثة من هذا المرض القديم؟
قبل أيام، إختارت العاصمة الفرنسية باريس أن تّذكر البشرية بالوقائع
القاسية لمرض السلّ. واستضافت تجمعاً هائلاً لكل الأطراف التي يعنيها
الدرن، بدءاً من المرضى ومروراً بالأطباء والعلماء الضالعين في علاجه وبحث
سبل الوقاية والتطويق، وانتهاء بممثلي شركات الدواء. وشارك هؤلاء في
«مؤتمر الاتحاد الدولي لصحة الرئة». وعرضت عاصمة النور وقائع قاسية عن هذا
المرض الذي يقتل مليوني شخص سنوياً، 98 في المئة منهم في دول فقيرة. وعلى
رغم أن الدول العربية ليست ضمن تلك الدول، لكن أياً منها لا تخلو من هذا
المرض. كما أن الحدود الدولية المفتوحة، وظهور أمراض أخرى تعجل وتسهل
الإصابة به، وذيوع ممارسات مثل التدخين، وحركة الهجرة والنزوح واللجوء في
المنطقة وغيرها، تدفع بهذا الشبح اللعين ليعود إلى بؤرة الأضواء عربياً من
جديد. ثمة وقائع صلبة أخرى يجب تذكّرها. يعدي المصاب بالدرن بين 10 و 15
شخصاً سنوياً ويصاب أكثر من بليوني شخص (ثلث سكان المعمورة) بالدرن الذي
تسببه بكتيريا «مايكروبكتيريوم باسيلي» ويرتبط الدرن بالفقر. ويصيب
البالغين الصغار في شكل أساسي وهم في سنوات عمرهم المنتجة، وغالبية
الوفيات الناجمة عن الدرن تحدث في بلدان العالم الثالث، بل إن نصفها يحدث
في آسيا. مات 1.7 مليون شخص بالسلّ في عام 2006، بينهم 231 ألف مريض
بالإيدز، بمعدل 4500 وفاة يومياً. يطلق اسم «الدرن المقاوم للأدوية» («أم
دي آر-تي بي» MDR-TB ) على نوع صعب من السُلّ بات ينتشر باطراد، وعلاجه
مرتفع الكلفة. وظهرت أخيراً مبادرة حملت اسم «أوقفوا الدرن» وهي شبكة
مكونة من 700 شريك تشمل الأطراف الذين يكافحون السلّ عالمياً.
والمعلوم أن السلّ موثق على جداريات المعابد الفرعونية القديمة، ولا
يعني ذلك أن البشرية عرفت كل ما يمكن معرفته عنه. يؤكد البروفسور لي
رايخمان الخبير في «معهد الدرن الدولي» في أميركا أن ليس كل من يصاب
بالدرن يسقط مريضاً. وينقل إلى «الحياة» وقائع مفادها «أن جهاز المناعة في
الجسم يعمل على السيطرة على المرض، فإذا فشل، تنتشر الـ «مايكوبكتيريوم
باسيلي» بسرعة رهيبة مسببة ظهور أعراض المرض». وعلى رغم أن المرض يظهر على
عشرة في المئة ممن يحملون الـ «باسيلي»، إلا أن بعض المجموعات صارت أكثر
عرضة للإصابة في السنوات الأخيرة.
وتشمل هذه المجموعات معايشي المريض الذي يحمل الدرن الإيجابي والعاملين
الصحيين، والأفراد من ذوي المناعة الضعيفة مثل مرضى الإيدز، والسكري،
ومتلقي علاج السرطان، ومعاني سوء التغذية، وكذلك السجناء والعاملين في
السجون، والمدمنين، والمشردين، والعاطلين من العمل، والمهاجرين والنازحين،
وغيرهم من المسافرين عبر دول فيها نسب مرتفعة من المرض، فمن يستطيع النجاة
من هذا الفيض الهائل؟
لا يجدي القول أن البلاد العربية بعيدة عن خطر الدرن. لنتذكر أن حركة
السفر والهجرة الشرعية وغير الشرعية في أوجها، وسبل المسح والتحليل
والاختبار ليست في أفضل حالاتها. وتندرج دول عربية عدّة في خانة «الدول
الشديدة والمتوسطة والمنخفضة الإصابة بالدرن» بالنسبة الى «منظمة الصحة
العالمية».
العراق والسودان وأفغانستان
تبدو قصة العراق مع الدرن مروعة، وتفوق الحروب التي يشهدها ذلك البلد.
يعيش آلاف العراقيين مكدسين في «بيوت» مصنوعة من علب الصفيح، ويمنعهم
الوضع الأمني من تركها إلى مساكن صحية. وتحوّلت مياه الشرب النقية
والتغذية السليمة في كثير من المناطق إلى رفاهية بعيدة المنال.
ويضاف الى ذلك نقص الرعاية الصحية، وتحطم مستشفى «ابن زهور» للدرن الذي شيد في عام 1944 ودمر في عام 2003.
يروي رعد خليل خادم (35 سنة وغير متزوج) لـ «الحياة» أنه يعيش مع أسرته
(12 شخصاً) في غرفة في إحدى ضواحي بغداد. أصيب بمرض الدرن قبل ثلاثة
أعوام، بعد إصابة شقيقيه به، ويقول:
«أشعر بضعف شديد لأن ليس لدي أموال كافية لأحصل على غذاء صحي».
وتعيش زينب عبد الله (37 سنة) في مدينة الصدر. وانتقل إليها الدرن منذ
سبعة أعوام من والدها وشقيقيها. طلقها زوجها عقب علمه بمرضها. أما هي فقد
خضعت للعلاج «المتقطع» ثلاث مرات، لكنها في كل مرة تتقاعس عن إكمال
الطريق، فهي تكره الطريقة التي ينظر بها الناس إليها في كل مرة تذهب فيها
إلى العيادة.
ويشير أحد الأطباء العراقيين الذين حضروا مؤتمر باريس الى أنه «ينضم 16
ألف مريض جديد بالدرن سنوياً»، على رغم جهود مكافحته. وأدّت الحرب الى
تدمير «إدارة مكافحة الدرن» في العراق. واضطرت كوادرها لترك العمل، لا
سيما بعد تعرضها لعمليات عنف عدة. ويشكو المرضى من سوء النظام الغذائي،
إضافة إلى عدم استمرارية العلاج بسبب الأوضاع الأمنية.
وتنال المريضات نصيب الأسد من المعاناة، إذ تمنعهن القيود الاجتماعية من الحصول على الخدمات العلاجية لعلاج الدرن في حال توافرها.
ويعطي السودان نموذجاً آخر يجمع بين استمرار الدرن مصدراً للخطر، ونماذج من النجاح في مكافحته.
والمعلوم أن السودان ثالث دول إقليم شرق المتوسط لجهة نسبة الإصابة
بالسلّ التي تبلغ نحو 180 إصابة لكل مئة ألف شخص. ويرجع الدكتور عايد منعم
مستشار منظمة الصحة العالمية، زيادة حالات الاصابة إلى الحرب والمجاعة.
وثمة خصوصية في علاقة السودان بالدرن، تتمثل في أن 4.5 في المئة من
إصاباته تعاني الإيدز أيضاً. وما زال الخوف من الوصمة عائقاً كبيراً أمام
مجابهة المرض، إضافة الى استمرار قدوم اللاجئين من دول مثل إثيوبيا وتشاد.
وترزح أفغانستان تحت كم هائل من المشاكل. وفيها، يقتل الدرن نحو 15
ألفاً سنوياً، بينهم 13 ألفاً من النساء، وهي نسبة لا يستطيع الخبراء
تفسيرها!
فضيلة فتاة أفغانية (14 سنة) فقيرة. كانت تعيش حالاً طبيعية قبل 4
أعوام، لكنها بدأت تشعر بآلام في رجليها، سرعان ما انتقلت إلى عمودها
الفقري. وتدريجاً فقدت القدرة على المشي، ولزمت الفراش. في البداية تم
تشخيص الحالة على أنها شكل من أشكال الروماتيزم. ثم شك الأطباء في وجود
ورم، ثم استبعد هذا الاحتمال. وبعد سنوات من التشخيص الخاطئ والعلاج غير
المناسب، كان عمودها الفقري تشوه تماماً وأصبح جسدها مطوياً بصفة دائمة
حتى إنها عجزت عن الجلوس.
ولم تتردد آنا كاتالدي، سفيرة برنامج «أوقفوا الدرن» ومبعوثة الأمم
المتحدة السابق للسلام، في التصريح إلى «الحياة» قائلة «ان المشكلة تكمن
في أن الدرن مرض له علاج، وهذا يعني أن ترك مرضى يتشوهون ويتعرضون للإعاقة
والموت في نهاية المطاف لمجرد أنهم لا يعرفون أن هناك علاجاً شافياً
لمرضهم، أو ان معلوماتهم حول هذا المرض مغلوطة، أو لأن البلدان التي
يعيشون فيها لا تمكنهم من العلاج، أو لأنهن نساء أمر لا يمكن السكوت
عليه». وزارت كاتالدي أفغانستان في رحلة طويلة. وعادت بكتاب مصور عنوانه
«الدرن: أصوات من لا صوت لهم».
أضخم من كوارث الطبيعة
يجمع خبراء الدرن والعاملون في مكافحته على إبداء الاستياء العارم من
غياب الاهتمام بعالم الدرن المرعب. «لو أن هناك كارثة طبيعية تصيب 14
مليون شخص حول العالم سنوياً، وتقتل منهم مليونين، ستكون بالطبع عنواناً
رئيسياً. لكن حين يهدد الدرن حياة العدد نفسه من البشر سنوياً، فإن أحداً
لا يهتم»!
لم يعد المرض مقتصراً على مناطق انتشاره «الكلاسيكية» في آسيا وأفريقيا
وأميركا اللاتينية، بل بدأ مسيرته في شرق أوروبا. وعلى رغم شفاء عدد كبير
من مصابيه، بفضل الرعاية الصحية والعلاج والتوعية، إلا أن عدد مرضى الدرن
لا ينخفض عالمياً، وقد يكون ذلك بسبب مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)
الذي يضعف مناعة حامليه في شكل يجعلهم أكثر عرضة للإصابة.
ويقول البروفسور ريخمان: «بقدر ما يبدو كلامي هذا قاسياً، إلا أنه
واقعي. فقد يمل مريض السكري أو الضغط من تناول الدواء، وعلى رغم أن قراره
هذا قد يقتله، إلا أنها مشكلته. وعلى العكس فإن مريض الدرن حين يقرر
التوقف عن تناول الدواء، فإنه يقتل نفسه وغيره».
ويشير بقسوة أيضاً الى فشل تحقيق هدف خفض عدد مرضى الدرن الى النصف
بحلول العام 2010. «ربما يفتقد الدرن عنصر المفاجأة الذي يحتفظ به الإيدز،
لكنه ما زال يفجعنا بآلاف القتلى وشبح الوصمة والعار. ولا يحظى بعنصر
الجذب والإثارة، ربما لأنه يقتل الفقراء الذين «لا صوت لهم»».
السلّ «المنسي» الذي سجّله الفراعنة والوباء القديم ما زال يقتل أكثر من
كوارث الطبيعة
باريس – أمينة خيري الحياة - 11/11/08//
بيتهوفن، شوبان، تشيكوف، سارة برنار، غاندي، رينيه ديكارت،
دستوفسكي، غوغان، غوتة، هتلر، كافكا، دي. إتش. لورنس، موليير، جون لوك،
فلورانس نايتينغيل، جان جاك روسو، رمبراندت، إلينور روزفلت، سترافينسكي،
جورج أورويل. أسماء عالمية لامعة. ليست الموسيقى هي ما تجمع بين أصحابها،
ولا الفن، ولا السياسة، ولا الفلسفة، ولا حتى الأدب، ولكنه السلّ (يُسمى
أيضاً «الدرن») Tuberculosis الذي أصابهم جميعاً وقتل البعض منهم. إنهم
«مشاهير الدرن». وهناك الملايين غيرهم ممن لم يسمع عنهم أحد. يقتلهم المرض
اللعين يومياً. وفي أفضل الحالات يعوقهم ويحولهم من أصحاء إلى عبء ثقيل
على أسرهم ودولهم.
ليس شبحاً من الماضي
هل يبدو الحديث عن هذا المرض اجتراراً للماضي وإحياء لقصص مأسوية
مستقرة في ذاكرة التاريخ؟ وهل يبدو الموضوع بعيداً عن منطقتنا التي صارت
محملة بنوعية مختلفة تماماً وأكثر حداثة من هذا المرض القديم؟
قبل أيام، إختارت العاصمة الفرنسية باريس أن تّذكر البشرية بالوقائع
القاسية لمرض السلّ. واستضافت تجمعاً هائلاً لكل الأطراف التي يعنيها
الدرن، بدءاً من المرضى ومروراً بالأطباء والعلماء الضالعين في علاجه وبحث
سبل الوقاية والتطويق، وانتهاء بممثلي شركات الدواء. وشارك هؤلاء في
«مؤتمر الاتحاد الدولي لصحة الرئة». وعرضت عاصمة النور وقائع قاسية عن هذا
المرض الذي يقتل مليوني شخص سنوياً، 98 في المئة منهم في دول فقيرة. وعلى
رغم أن الدول العربية ليست ضمن تلك الدول، لكن أياً منها لا تخلو من هذا
المرض. كما أن الحدود الدولية المفتوحة، وظهور أمراض أخرى تعجل وتسهل
الإصابة به، وذيوع ممارسات مثل التدخين، وحركة الهجرة والنزوح واللجوء في
المنطقة وغيرها، تدفع بهذا الشبح اللعين ليعود إلى بؤرة الأضواء عربياً من
جديد. ثمة وقائع صلبة أخرى يجب تذكّرها. يعدي المصاب بالدرن بين 10 و 15
شخصاً سنوياً ويصاب أكثر من بليوني شخص (ثلث سكان المعمورة) بالدرن الذي
تسببه بكتيريا «مايكروبكتيريوم باسيلي» ويرتبط الدرن بالفقر. ويصيب
البالغين الصغار في شكل أساسي وهم في سنوات عمرهم المنتجة، وغالبية
الوفيات الناجمة عن الدرن تحدث في بلدان العالم الثالث، بل إن نصفها يحدث
في آسيا. مات 1.7 مليون شخص بالسلّ في عام 2006، بينهم 231 ألف مريض
بالإيدز، بمعدل 4500 وفاة يومياً. يطلق اسم «الدرن المقاوم للأدوية» («أم
دي آر-تي بي» MDR-TB ) على نوع صعب من السُلّ بات ينتشر باطراد، وعلاجه
مرتفع الكلفة. وظهرت أخيراً مبادرة حملت اسم «أوقفوا الدرن» وهي شبكة
مكونة من 700 شريك تشمل الأطراف الذين يكافحون السلّ عالمياً.
والمعلوم أن السلّ موثق على جداريات المعابد الفرعونية القديمة، ولا
يعني ذلك أن البشرية عرفت كل ما يمكن معرفته عنه. يؤكد البروفسور لي
رايخمان الخبير في «معهد الدرن الدولي» في أميركا أن ليس كل من يصاب
بالدرن يسقط مريضاً. وينقل إلى «الحياة» وقائع مفادها «أن جهاز المناعة في
الجسم يعمل على السيطرة على المرض، فإذا فشل، تنتشر الـ «مايكوبكتيريوم
باسيلي» بسرعة رهيبة مسببة ظهور أعراض المرض». وعلى رغم أن المرض يظهر على
عشرة في المئة ممن يحملون الـ «باسيلي»، إلا أن بعض المجموعات صارت أكثر
عرضة للإصابة في السنوات الأخيرة.
وتشمل هذه المجموعات معايشي المريض الذي يحمل الدرن الإيجابي والعاملين
الصحيين، والأفراد من ذوي المناعة الضعيفة مثل مرضى الإيدز، والسكري،
ومتلقي علاج السرطان، ومعاني سوء التغذية، وكذلك السجناء والعاملين في
السجون، والمدمنين، والمشردين، والعاطلين من العمل، والمهاجرين والنازحين،
وغيرهم من المسافرين عبر دول فيها نسب مرتفعة من المرض، فمن يستطيع النجاة
من هذا الفيض الهائل؟
لا يجدي القول أن البلاد العربية بعيدة عن خطر الدرن. لنتذكر أن حركة
السفر والهجرة الشرعية وغير الشرعية في أوجها، وسبل المسح والتحليل
والاختبار ليست في أفضل حالاتها. وتندرج دول عربية عدّة في خانة «الدول
الشديدة والمتوسطة والمنخفضة الإصابة بالدرن» بالنسبة الى «منظمة الصحة
العالمية».
العراق والسودان وأفغانستان
تبدو قصة العراق مع الدرن مروعة، وتفوق الحروب التي يشهدها ذلك البلد.
يعيش آلاف العراقيين مكدسين في «بيوت» مصنوعة من علب الصفيح، ويمنعهم
الوضع الأمني من تركها إلى مساكن صحية. وتحوّلت مياه الشرب النقية
والتغذية السليمة في كثير من المناطق إلى رفاهية بعيدة المنال.
ويضاف الى ذلك نقص الرعاية الصحية، وتحطم مستشفى «ابن زهور» للدرن الذي شيد في عام 1944 ودمر في عام 2003.
يروي رعد خليل خادم (35 سنة وغير متزوج) لـ «الحياة» أنه يعيش مع أسرته
(12 شخصاً) في غرفة في إحدى ضواحي بغداد. أصيب بمرض الدرن قبل ثلاثة
أعوام، بعد إصابة شقيقيه به، ويقول:
«أشعر بضعف شديد لأن ليس لدي أموال كافية لأحصل على غذاء صحي».
وتعيش زينب عبد الله (37 سنة) في مدينة الصدر. وانتقل إليها الدرن منذ
سبعة أعوام من والدها وشقيقيها. طلقها زوجها عقب علمه بمرضها. أما هي فقد
خضعت للعلاج «المتقطع» ثلاث مرات، لكنها في كل مرة تتقاعس عن إكمال
الطريق، فهي تكره الطريقة التي ينظر بها الناس إليها في كل مرة تذهب فيها
إلى العيادة.
ويشير أحد الأطباء العراقيين الذين حضروا مؤتمر باريس الى أنه «ينضم 16
ألف مريض جديد بالدرن سنوياً»، على رغم جهود مكافحته. وأدّت الحرب الى
تدمير «إدارة مكافحة الدرن» في العراق. واضطرت كوادرها لترك العمل، لا
سيما بعد تعرضها لعمليات عنف عدة. ويشكو المرضى من سوء النظام الغذائي،
إضافة إلى عدم استمرارية العلاج بسبب الأوضاع الأمنية.
وتنال المريضات نصيب الأسد من المعاناة، إذ تمنعهن القيود الاجتماعية من الحصول على الخدمات العلاجية لعلاج الدرن في حال توافرها.
ويعطي السودان نموذجاً آخر يجمع بين استمرار الدرن مصدراً للخطر، ونماذج من النجاح في مكافحته.
والمعلوم أن السودان ثالث دول إقليم شرق المتوسط لجهة نسبة الإصابة
بالسلّ التي تبلغ نحو 180 إصابة لكل مئة ألف شخص. ويرجع الدكتور عايد منعم
مستشار منظمة الصحة العالمية، زيادة حالات الاصابة إلى الحرب والمجاعة.
وثمة خصوصية في علاقة السودان بالدرن، تتمثل في أن 4.5 في المئة من
إصاباته تعاني الإيدز أيضاً. وما زال الخوف من الوصمة عائقاً كبيراً أمام
مجابهة المرض، إضافة الى استمرار قدوم اللاجئين من دول مثل إثيوبيا وتشاد.
وترزح أفغانستان تحت كم هائل من المشاكل. وفيها، يقتل الدرن نحو 15
ألفاً سنوياً، بينهم 13 ألفاً من النساء، وهي نسبة لا يستطيع الخبراء
تفسيرها!
فضيلة فتاة أفغانية (14 سنة) فقيرة. كانت تعيش حالاً طبيعية قبل 4
أعوام، لكنها بدأت تشعر بآلام في رجليها، سرعان ما انتقلت إلى عمودها
الفقري. وتدريجاً فقدت القدرة على المشي، ولزمت الفراش. في البداية تم
تشخيص الحالة على أنها شكل من أشكال الروماتيزم. ثم شك الأطباء في وجود
ورم، ثم استبعد هذا الاحتمال. وبعد سنوات من التشخيص الخاطئ والعلاج غير
المناسب، كان عمودها الفقري تشوه تماماً وأصبح جسدها مطوياً بصفة دائمة
حتى إنها عجزت عن الجلوس.
ولم تتردد آنا كاتالدي، سفيرة برنامج «أوقفوا الدرن» ومبعوثة الأمم
المتحدة السابق للسلام، في التصريح إلى «الحياة» قائلة «ان المشكلة تكمن
في أن الدرن مرض له علاج، وهذا يعني أن ترك مرضى يتشوهون ويتعرضون للإعاقة
والموت في نهاية المطاف لمجرد أنهم لا يعرفون أن هناك علاجاً شافياً
لمرضهم، أو ان معلوماتهم حول هذا المرض مغلوطة، أو لأن البلدان التي
يعيشون فيها لا تمكنهم من العلاج، أو لأنهن نساء أمر لا يمكن السكوت
عليه». وزارت كاتالدي أفغانستان في رحلة طويلة. وعادت بكتاب مصور عنوانه
«الدرن: أصوات من لا صوت لهم».
أضخم من كوارث الطبيعة
يجمع خبراء الدرن والعاملون في مكافحته على إبداء الاستياء العارم من
غياب الاهتمام بعالم الدرن المرعب. «لو أن هناك كارثة طبيعية تصيب 14
مليون شخص حول العالم سنوياً، وتقتل منهم مليونين، ستكون بالطبع عنواناً
رئيسياً. لكن حين يهدد الدرن حياة العدد نفسه من البشر سنوياً، فإن أحداً
لا يهتم»!
لم يعد المرض مقتصراً على مناطق انتشاره «الكلاسيكية» في آسيا وأفريقيا
وأميركا اللاتينية، بل بدأ مسيرته في شرق أوروبا. وعلى رغم شفاء عدد كبير
من مصابيه، بفضل الرعاية الصحية والعلاج والتوعية، إلا أن عدد مرضى الدرن
لا ينخفض عالمياً، وقد يكون ذلك بسبب مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)
الذي يضعف مناعة حامليه في شكل يجعلهم أكثر عرضة للإصابة.
ويقول البروفسور ريخمان: «بقدر ما يبدو كلامي هذا قاسياً، إلا أنه
واقعي. فقد يمل مريض السكري أو الضغط من تناول الدواء، وعلى رغم أن قراره
هذا قد يقتله، إلا أنها مشكلته. وعلى العكس فإن مريض الدرن حين يقرر
التوقف عن تناول الدواء، فإنه يقتل نفسه وغيره».
ويشير بقسوة أيضاً الى فشل تحقيق هدف خفض عدد مرضى الدرن الى النصف
بحلول العام 2010. «ربما يفتقد الدرن عنصر المفاجأة الذي يحتفظ به الإيدز،
لكنه ما زال يفجعنا بآلاف القتلى وشبح الوصمة والعار. ولا يحظى بعنصر
الجذب والإثارة، ربما لأنه يقتل الفقراء الذين «لا صوت لهم»».
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى