مقاهي فرنسا..تحارب من أجل البقاء..!
صفحة 1 من اصل 1
مقاهي فرنسا..تحارب من أجل البقاء..!
المقاهي.. جزء من ثقافة الشعب الفرنسي وحياته اليومية.
ولا يستطيع أي زائر للعاصمة الفرنسية باريس. وهو يتجول في شوارعها. أن يقاوم الرغبة في الجلوس في مقهي.
ومقاهي باريس. وسائر المدن والقري الفرنسية تحتل أفضل المواقع في أشهر الميادين والشوارع.
والحكومة. والسلطات المحلية تعطيها امتيازاً خاصاً علي غيرها من الأنشطة.. فهي معفاة من المخالفة التي نسميها: مخالفة إشغال طرق.
فثلاثة أرباع مناضد ومقاعد أي مقهي فرنسي موجودة في الشارع. علي
الرصيف. والربع فقط بالداخل. وهذا الربع يخصص عادة لزبائن "البار". هواة
المشروبات الكحولية. حيث يجمع أي مقهي بينهم وبين زبائن المشروبات
العادية.
بل إن أشهر شوارع باريس علي الإطلاق. والمعروف علي مستوي العالم كله. وهو شارع "الشانزليزيه" قامت شهرته علي مقاهيه.
ولأن الشانزليزيه معروف بأنه الشارع صاحب أعرض رصيف في العالم. فإن
مقاهيه كلها في الهواء الطلق. وروادها من مختلف جنسيات العالم. إضافة إلي
الفرنسيين بالطبع.
***
وبعض المقاهي في باريس لها شهرة تاريخية.. وبعضها ارتبط باعتياد أحد المشاهير في التاريخ الفرنسي أو العالمي بالجلوس فيه.
هناك. بالنسبة لنا كمصريين. مقهي يحمل اسم "مقهي الخديوي" لأن الخديوي اسماعيل أو توفيق اعتاد الجلوس فيه كلما زار فرنسا.
وهناك مقهي يحمل اسم "مقهي السلام".. وكان هو المفضل لمفكرنا وكاتبنا
العظيم الراحل توفيق الحكيم خلال فترة وجوده في فرنسا.. ومقهي ثالث لعميد
الأدب العربي الدكتور طه حسين.
وفي قري فرنسا. يعتبرون المقهي أحد معالم القرية الأساسية مثل المدرسة ومركز الشباب والصيدلية.
ولأهمية المقاهي في الحياة الفرنسية. فإن هناك اتحاداً عاماً لأصحاب
المقاهي مقره باريس. وله فروع في كافة أنحاء فرنسا. ويقوم علي خدمة
العاملين في هذا النشاط والدفاع عن مصالحهم.
***
الآن يواجه هذا الجزء التاريخي من ثقافة وأسلوب حياة الفرنسيين أزمة طاحنة.
بصفة عامة. التقارير الصادرة عن هذا الاتحاد تقول. إن أسباب الأزمة
عميقة. وتعود إلي متغيرات حدثت في حياة الفرنسيين علي مدي نصف قرن مضي.
أرقام اتحاد أصحاب المقاهي مثلاً تقول. إنه في عام 1960. أي منذ 48 سنة كان عدد المقاهي في فرنسا مائتي ألف مقهي.
اليوم. هبط العدد إلي أقل من الربع.. وأصبح 41 ألفاً و500 مقهي فقط.
وفي كل يوم. يختفي من الوجود مقهيان في المتوسط.. يشهران إفلاسهما أو يغلقان أبوابهما لأن عائدهما من الزبائن لم يعد يغطي تكلفتهما.
***
هذا العام بالذات 2008 تلقت مقاهي فرنسا ضربتين.. وكما يقولون في أمثالنا "خبطتين في الراس توجع".
كانت الضربة الأولي مع مطلع السنة. وبالتحديد في أول يناير .2008
فقد كان هذا اليوم هو بداية تطبيق قانون منع التدخين. لأول مرة. علي المقاهي والمطاعم والبارات في فرنسا.
القانون أدي إلي تراجع زبائن المقاهي.. سواء في عددهم.. أو في المدة التي يقضونها جلوسا في المقهي.
البعض لم يعد يذهب للمقهي أصلاً.. هكذا قال أصحاب المقاهي لصحيفة "الهيرالد تريبيون" الأمريكية.
البعض الذي اعتاد أن يدخن سيجارة مع فنجان القهوة.. ثم يطلب بعدها
مشروباً آخر. اختصر الوقت. حتي يمكنه البحث عن مكان يستطيع فيه التدخين
دون حظر.
وتقول أرقام اتحاد أصحاب المقاهي أيضاً. إنه في الستة شهور الأولي من
العام الحالي انخفض عدد زبائن المقاهي بنسبة تتراوح بين 20 و30%.
وأن حالات إفلاس المقاهي في هذه الفترة زادت بنسبة 56% عن الفترة المماثلة من العام الماضي .2007
***
لكن مقاهي فرنسا لم تكد تفيق من هذه الضربة. حتي عاجلتها ضربة أقسي
وهي الأزمة المالية العالمية التي بدأت من سبتمبر الماضي ولاتزال قائمة.
الأزمة دفعت كثيراً من الفرنسيين.. أفراداً وشركات إلي ضغط الإنفاق. وإعادة النظر في بنود الميزانيات.
وضغط الإنفاق فرض تغييراً في بعض أنماط الاستهلاك.. بل وأنماط الحياة أيضاً.
البعض "شطب" بند مصروفات المقهي من ميزانيته الشخصية أو ميزانية الأسرة.
أصحاب المقاهي الذين يريدون تنشيط مقاهيهم وإحداث تطوير فيها يمكنهم
من الاحتفاظ بزبائنهم.. لا يجدون بنوكاً تقدم لهم قروضا لتمويل هذا
التطوير.
والذين يئسوا. وعرضوا مقاهيهم للبيع. لا يجدون مشترين.
فكل الأنشطة الاقتصادية يخيم عليها الركود.. إما بسبب الأزمة.. أو خوفاً من تداعيات قادمة لها.
***
هكذا أصبح جزء من معالم ماضي فرنسا وحاضرها مهدداً بالضمور..
وأصبح "البرلمان الشعبي".. أو "غرفة المعيشة العامة". كما يطلقون علي المقهي هناك. يقاتل من أجل البقاء.
وهذا أمر لا يعني الفرنسيين فقط.. بل يعني كل زائري فرنسا من كل أنحاء العالم.
فكما قلت في البداية. لا يستطيع أي زائر للعاصمة الفرنسية باريس. وهو يتجول في شوارعها. أن يقاوم الرغبة في الجلوس في مقهي.
فالمقاهي هناك لها سحر خاص.
وفرنسا بلا مقاه لن تكون هي فرنسا التي نعرفها..!
بقلم : محمد أبوالحديد
ولا يستطيع أي زائر للعاصمة الفرنسية باريس. وهو يتجول في شوارعها. أن يقاوم الرغبة في الجلوس في مقهي.
ومقاهي باريس. وسائر المدن والقري الفرنسية تحتل أفضل المواقع في أشهر الميادين والشوارع.
والحكومة. والسلطات المحلية تعطيها امتيازاً خاصاً علي غيرها من الأنشطة.. فهي معفاة من المخالفة التي نسميها: مخالفة إشغال طرق.
فثلاثة أرباع مناضد ومقاعد أي مقهي فرنسي موجودة في الشارع. علي
الرصيف. والربع فقط بالداخل. وهذا الربع يخصص عادة لزبائن "البار". هواة
المشروبات الكحولية. حيث يجمع أي مقهي بينهم وبين زبائن المشروبات
العادية.
بل إن أشهر شوارع باريس علي الإطلاق. والمعروف علي مستوي العالم كله. وهو شارع "الشانزليزيه" قامت شهرته علي مقاهيه.
ولأن الشانزليزيه معروف بأنه الشارع صاحب أعرض رصيف في العالم. فإن
مقاهيه كلها في الهواء الطلق. وروادها من مختلف جنسيات العالم. إضافة إلي
الفرنسيين بالطبع.
***
وبعض المقاهي في باريس لها شهرة تاريخية.. وبعضها ارتبط باعتياد أحد المشاهير في التاريخ الفرنسي أو العالمي بالجلوس فيه.
هناك. بالنسبة لنا كمصريين. مقهي يحمل اسم "مقهي الخديوي" لأن الخديوي اسماعيل أو توفيق اعتاد الجلوس فيه كلما زار فرنسا.
وهناك مقهي يحمل اسم "مقهي السلام".. وكان هو المفضل لمفكرنا وكاتبنا
العظيم الراحل توفيق الحكيم خلال فترة وجوده في فرنسا.. ومقهي ثالث لعميد
الأدب العربي الدكتور طه حسين.
وفي قري فرنسا. يعتبرون المقهي أحد معالم القرية الأساسية مثل المدرسة ومركز الشباب والصيدلية.
ولأهمية المقاهي في الحياة الفرنسية. فإن هناك اتحاداً عاماً لأصحاب
المقاهي مقره باريس. وله فروع في كافة أنحاء فرنسا. ويقوم علي خدمة
العاملين في هذا النشاط والدفاع عن مصالحهم.
***
الآن يواجه هذا الجزء التاريخي من ثقافة وأسلوب حياة الفرنسيين أزمة طاحنة.
بصفة عامة. التقارير الصادرة عن هذا الاتحاد تقول. إن أسباب الأزمة
عميقة. وتعود إلي متغيرات حدثت في حياة الفرنسيين علي مدي نصف قرن مضي.
أرقام اتحاد أصحاب المقاهي مثلاً تقول. إنه في عام 1960. أي منذ 48 سنة كان عدد المقاهي في فرنسا مائتي ألف مقهي.
اليوم. هبط العدد إلي أقل من الربع.. وأصبح 41 ألفاً و500 مقهي فقط.
وفي كل يوم. يختفي من الوجود مقهيان في المتوسط.. يشهران إفلاسهما أو يغلقان أبوابهما لأن عائدهما من الزبائن لم يعد يغطي تكلفتهما.
***
هذا العام بالذات 2008 تلقت مقاهي فرنسا ضربتين.. وكما يقولون في أمثالنا "خبطتين في الراس توجع".
كانت الضربة الأولي مع مطلع السنة. وبالتحديد في أول يناير .2008
فقد كان هذا اليوم هو بداية تطبيق قانون منع التدخين. لأول مرة. علي المقاهي والمطاعم والبارات في فرنسا.
القانون أدي إلي تراجع زبائن المقاهي.. سواء في عددهم.. أو في المدة التي يقضونها جلوسا في المقهي.
البعض لم يعد يذهب للمقهي أصلاً.. هكذا قال أصحاب المقاهي لصحيفة "الهيرالد تريبيون" الأمريكية.
البعض الذي اعتاد أن يدخن سيجارة مع فنجان القهوة.. ثم يطلب بعدها
مشروباً آخر. اختصر الوقت. حتي يمكنه البحث عن مكان يستطيع فيه التدخين
دون حظر.
وتقول أرقام اتحاد أصحاب المقاهي أيضاً. إنه في الستة شهور الأولي من
العام الحالي انخفض عدد زبائن المقاهي بنسبة تتراوح بين 20 و30%.
وأن حالات إفلاس المقاهي في هذه الفترة زادت بنسبة 56% عن الفترة المماثلة من العام الماضي .2007
***
لكن مقاهي فرنسا لم تكد تفيق من هذه الضربة. حتي عاجلتها ضربة أقسي
وهي الأزمة المالية العالمية التي بدأت من سبتمبر الماضي ولاتزال قائمة.
الأزمة دفعت كثيراً من الفرنسيين.. أفراداً وشركات إلي ضغط الإنفاق. وإعادة النظر في بنود الميزانيات.
وضغط الإنفاق فرض تغييراً في بعض أنماط الاستهلاك.. بل وأنماط الحياة أيضاً.
البعض "شطب" بند مصروفات المقهي من ميزانيته الشخصية أو ميزانية الأسرة.
أصحاب المقاهي الذين يريدون تنشيط مقاهيهم وإحداث تطوير فيها يمكنهم
من الاحتفاظ بزبائنهم.. لا يجدون بنوكاً تقدم لهم قروضا لتمويل هذا
التطوير.
والذين يئسوا. وعرضوا مقاهيهم للبيع. لا يجدون مشترين.
فكل الأنشطة الاقتصادية يخيم عليها الركود.. إما بسبب الأزمة.. أو خوفاً من تداعيات قادمة لها.
***
هكذا أصبح جزء من معالم ماضي فرنسا وحاضرها مهدداً بالضمور..
وأصبح "البرلمان الشعبي".. أو "غرفة المعيشة العامة". كما يطلقون علي المقهي هناك. يقاتل من أجل البقاء.
وهذا أمر لا يعني الفرنسيين فقط.. بل يعني كل زائري فرنسا من كل أنحاء العالم.
فكما قلت في البداية. لا يستطيع أي زائر للعاصمة الفرنسية باريس. وهو يتجول في شوارعها. أن يقاوم الرغبة في الجلوس في مقهي.
فالمقاهي هناك لها سحر خاص.
وفرنسا بلا مقاه لن تكون هي فرنسا التي نعرفها..!
بقلم : محمد أبوالحديد
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مواضيع مماثلة
» عاجل : انفجار ضخم في أحد مقاهي مدينة مراكش المغربية
» رحيل سي أحمد مؤنس إلى دار البقاء
» ظاهرة الاحتباس الحراري والصراع من أجل البقاء
» ترضع أباها لاجل البقاء على الحياة..
» أحمد فؤاد نجم يرحل إلى دار البقاء وفي قلبه ثورة مصرية ثالثة
» رحيل سي أحمد مؤنس إلى دار البقاء
» ظاهرة الاحتباس الحراري والصراع من أجل البقاء
» ترضع أباها لاجل البقاء على الحياة..
» أحمد فؤاد نجم يرحل إلى دار البقاء وفي قلبه ثورة مصرية ثالثة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى