من طرف بنت جبالة الأحد 8 فبراير 2009 - 18:14
ألف مليار بكتيريا تستوطن جسمك |
للنظافة ثمن.. أمراض وعلل |
لا توجد أم في العالم إلا وأصيبت بالرعب يوما، وهي تشاهد صغيرها وهو «يلحس» حفرة في الحائط أو يأكل التراب ، وربما ما هو أسوأ أيضا من دون الدخول في التفاصيل ، على الرغم من أن هذا الصغير يرفض تناول طعامه النظيف والمعد بأفضل الوسائل ، وإذا ما وافق على تناول هذا الطعام فلا يكون ذلك إلا بعد إغرائه بالحصول على كل ما يريد . البعض يقول إن المسألة تتعلق بالغريزة .. الطفل يفعل ذلك لأنه يريد أن يكتشف العالم من حوله .. لكن ، لماذا الفم بالذات؟ على الرغم من أن الاعتماد على الحواس الأخرى كالبصر والسمع واللمس والشم ، جميعها أو كل واحدة بمفردها ، أسهل وأقدر وأسرع بكثير من «الأكل أو اللحس» بهذه الطريقة الطفولية ، والمقززة في نظر البعض ، إذا كان الهدف بالفعل اكتشاف العالم . آخر النظريات العلمية في هذا الشأن تقول أنه طالما أن التصرفات الغريزية موجودة لدى الإنسان منذ أن وجد على هذه الأرض ، فهذا دليل مؤكد على أنها مفيدة للتطور البشري ، وقد تكون أحد الأسباب وراء عدم انقراض الإنسان أصلا، كما حدث مع الكثير من المخلوقات التي انقرضت مع الأيام . ويمضي أصحاب النظرية الجديدة، فيقولون إن أكل التراب ، وحتى الأوساخ ، مفيد للصحة أيضا . ويشرح العلماء الذين يقفون خلف هذه النظرية بالقول إن المواد العضوية ، ومن بينها الملايين من أنواع الميكروبات والبكتيريا والفيروسات ، بالإضافة إلى الديدان التي تدخل الجسم مع تلك الأوساخ ، تعمل على تحفيز الجسم وتشجيعه على تطوير جهاز مناعي قوي .. بل إن العديد من الدراسات الطبية الحديثة أثبتت أن تلك الديدان تعمل على إعادة توجيه الجهاز المناعي حين يعتل ، أو حين يصاب المرء بالحساسية مثلا أو الربو . ولاحظ هؤلاء العلماء أن نوعية معينة من الأمراض تنتشر أكثر من غيرها بين أطفال الطبقات العليا من المجتمعات الغنية جدا والتي تعتبر النظافة المطلقة خطا أحمر لا يمكن تجاوزه أو حتى الاقتراب منه .. ومن هذه الأمراض : السكري ( النوع الأول الذي يولد مع الإنسان .. أو يصيبه في سنوات الطفولة ) .. التهاب الأمعاء الغليظة بالدرجة الأولى ، والأمعاء الدقيقة أحيانا .. الربو .. الحساسية .. وبعض أمراض الجهاز التنفسي الأخرى . تقول البروفسورة ماري ريوبوش المتخصصة في علوم المايكروبولوجي والجهاز المناعي أن الطفل ، حين يأكل التراب أو غير ذلك من الأوساخ، إنما يكون يسمح لجهاز المناعة في جسمه بالتجاوب والتعاطي مع البيئة المحيطة .. وهذا لا يقتصر على السماح للجهاز المناعي بالتدرب على مواجهة المخاطر الخارجية ، وهو تدرب مفيد أصلا ، وإنما أيضا ضروري لحماية الجسم، لأنه يعلم الجهاز المناعي البدائي على مواجهة كل الاحتمالات تقريبا . البروفسور جويل وينستوك. وفي دراسة للبروفسور وينستوك مع زميل له هو البروفسور ديفيد إليوت الأستاذ في كلية الطب التابعة لجامعة أيوا نجد الفقرة التالية : «الديدان المعوية التي تم القضاء عليها بصورة شبه كاملة تقريبا في الدول المتقدمة، يمكن أن تكون اللاعب الرئيسي في تنظيم الجهاز المناعي وتمكينه من الاستجابة بصورة طبيعية لكل ما يصيب الجسم». ويضيف الباحثان أن الدراسات والتجارب أثبتت أن الفيروسات والبكتيريا تؤدي هي الأخرى دورا مهما في هذا الشأن، لكن الدور الرئيسي يظل من نصيب الديدان المعوية . والسؤال المهم الآن ، كما يطرحه المختصون ، ما هو العدد التقريبي الذي يحتاج إليه جهازنا المناعي من تلك الديدان .. وأين يقع الخط الفاصل بين النظافة غير الضارة ، وقلة النظافة غير الضارة أيضا ؟ يتساءل البروفسور إليوت فيقول : هل نحن نظيفون أكثر من اللازم ؟ والبروفسورة ماري ريوبوش لا تطالب بالعودة إلى حال انعدام النظافة التي كانت سائدة في الماضي ، لكن من المهم جدا أن ندرك حقيقة أن البكتيريا موجودة في كل مكان .. في أجسامنا ، وعلى جلودنا من قمة الرأس حتى أخمص القدمين .. وأنها تملأ الأجواء من حولنا ، ومعظم هذه البكتيريا غير ضارة ولا تسبب أي مشكلة ، بل إن بعضها ، خاصة تلك التي تعيش في الجهاز الهضمي ، تفرز مواد عضوية مفيدة جدا للصحة . وتضيف أن ما يقدر بتسعين تريليون ( ألف مليار ) بكتيريا تستوطن جسم الإنسان العادي .. والحقيقة هي إن وجود هذا العدد الهائل من مئات أنواع البكتيريا هو السبب وراء احتفاظنا بصحة جيدة معظم الوقت . ويذهب البروفسور جويل وينستوك إلى أبعد من ذلك حين ينصح الأهل بترك صغارهم يلهون وهم حفاة ، ولا مانع من اللعب بالتراب في الحديقة مثلا ، وعدم الإصرار على أن يغسلوا أيديهم أو أن يغتسلوا قبل تناول الطعام .