رحلة شخصية مغربية :الرحالة 'استيبانيكو' الأزموري
صفحة 1 من اصل 1
رحلة شخصية مغربية :الرحالة 'استيبانيكو' الأزموري
شاب في أقل من العشرين من عمره أسمر اللون لم يستطع الحياة, ولم يعد أمامه إلا الهلاك جوعا ومرضا، خلال سنتين من المجاعة القاتلة, وفي ظل احتلال برتغالي أدهشه السهل والنهر والبحر والشابل، بيع سعيد بن حدو إلى برتغالي سيحمله ليبيعه بدوره إلى مغامر إسباني. ثم تبدأ رحلاته إلى أميركا بأريزونا، وتكساس، ونيو مكسيكو، ما بين سنة 1527 إلى السنة التي سيقتل فيها 1540. بقاعة بلدية أزمور، في صبيحة يوم السبت31 يناير2009 افتتح شعيب حليفي أشغال اللقاء, الذي نظمه مختبر السرديات والجمعية المغربية للبحث في الرحلة بتعاون مع بلدية أزمور, فتحدث عن أسئلة هذا اللقاء حول رحلة سعيد بن حدو /استيبانيكو الأزموري والسياق الثقافي والحضاري, وهو ما يعزز رغبة الجميع في جعل اللقاء تمهيديا للقاء دولي سيلتئم في ربيع 2011 بمشاركة باحثين من فلوريدا, وأريزونا والبرتغال, واسبانيا, والمغرب, للوقوف على تقاطعات الحضارات وعلى التخييل الذي يصبح إرثا مشتركا يبني هوية إنسانية. تناول الكلمة بعد ذلك عبد اللطيف البيدوري باسم بلدية أزمور، مذكرا بالدور الإشعاعي للمدينة، خصوصا في انفتاحها على الجانب الثقافي منذ سنوات التسعينيات, إذ فتحت أبوابها لمختلف أرباب الفنون، وأعرب عن أمله في أن تسترجع المدينة ذلك التألق، وهنا أشار إلى أن البلدية تثمن مثل هذه اللقاءات العلمية. ثم تلاه تدخل بعد ذلك رئيس الجمعية المغربية للبحث في الرحلة عبد الرحيم مؤدن، مشيرا إلى أن هذا اللقاء هو في عمق اهتمامات الجمعية, التي تكرس أنشطتها للبحث في جنس الرحلة الغني بتقاطعاته النصية والحضارية والخطابية، تماما كما هي شخصية استيبانيكو, الذي ظل مجهولا لدى المثقفين، رغم أنه بقي محافظا على هويته وإنسانيته، معبرا عن امتلاء تجربة سفر لم يختره. انطلقت جلسة الورقات المقدمة بمداخلة عبد الرحيم مؤدن, وركزت على أن رحلة الأزموري في هذا التركيب لوقائع هذه حياته المثيرة، نلمس تشظيات رحلة استيبانيكو, التي تشكلت من رحلات عديدة على الشكل التالي: - رحلة الغربة والاغتراب بعد اقتلاعه من الأرض (الوطن) والقذف به في المجهول أو ما يسمى بـ "العالم الجديد" لتركيز النفوذ البرتغالي بـ " جزيرة فلوريدا", التي شيدت - كما تردد على الألسنة- من الذهب وأحجار الماس والزمرد, وأبوابها صنعت من الخشب الثمين، وسمرت بمسامير من الذهب الخالص، وزخرفت بقطع من الحجارة الكريمة. - رحلة الانتقال من الإنسان إلى الأسطورة، الانتقال من سلالة البشر إلى سلالة أبناء الشمس، أو سلالة الآلهة التي مجدها الهنود الحمر، بعد أن، ساهم استيبانيكو ومن بقي معه، وبمحض الصدفة، في علاج بعض الهنود الحمر من أمراض مميتة! - وانضواء النص تحت إطار الرحلة، برا وبحرا، يسمح بقراءته من مداخل مختلفة, سواء كانت معرفية مست الحقيقة أو الوهم، الواقع والأسطورة.. . وقد يقرأ النص، أيضا- يقول عبد الرحيم مؤذن - من منظور الإثنوغرافيا الوطنية, وبالإضافة إلى هذا وذاك، قد يقرأ النص من موقع الحكاية، بحكم ارتباطه بأدب المغامرات, الذي يحقق المتعة والإمتاع مادام القانون المتحكم في بنائه هو الإجابة عن سؤال: ماذا حدث؟ وليس كيف حدث؟ وختم عبد الرحيم مؤدن ورقته بمقارنة طريفة بين الأزموري والحسن الوزان /ليون الإفريقي والقواسم المشتركة بينهما, وتجسدت في: 1- تدمير اسم العلم لكل من الشخصيتين. فالحسن الوزان يصبح "ليون الإفريقي"، والأزموري" يصبح "استيبانيكو". 2 - تعميد كل منهما من قبل الصليب، أي من قبل مرجعية ثقافية، مغايرة للمرجعية الأصل مع احتفاظ كل منهما، بهويته الدينية والثقافية، سرا إلى اللحظة الأخيرة من العمر. إنها مرحلة بداية نفي الآخر من خلال منظور التفوق الدموي، والسيادة العسكرية، والتحكم الرأسمالي، في العالم الذي لا ينضوي تحت إطار الغرب. وتحويل كل من الشخصيتين إلى مجرد وسيلة للوصول إلى الذهب [الثروة]..وهذا - في رأي الباحث - مرتبط بلحظات التحول الاستعمارية, التي لم تعد ترى في العالم إلا الصوت الواحد، والسلطة الواحدة، والعلم الواحد. الورقة الثانية قدمها الحبيب الدائم ربي بعنوان "متخيل المتخيل في رواية "تاسانو لسعيد علوش "، في محور نفسه تمثلات الروائيين المغاربة لرحلة استيبانيكو، معلقا أن الرواية تقوم على تخييل مؤسس على وقائع لا يمكن التأكد من صحتها، ما يعني أن الحكاية مبنية على أنقاض حكايات أخرى، وما يعني كذلك، وهذا هو الأهم، تجلي مبدأ تناصي، قائم على حوارية النصوص، ومنبن عن رواية الرواية، التي كانت أشبه بفسيفساء من الحكايات لصوغ أسطورة تسانو المتحقق في التاريخ، وقد جعلت هذه الدينامية السرد يتراجع لاستجماع الأمكنة والأزمنة والخطابات والأحداث والتفاصيل في الرواية، حالت دون القبض على صورة واحدة لاستيبانيكو. إن رواية "تسانو" - يقول الحبيب الدايم ربي- تصنع متخيلا يجمع بين الممكنات السردية، ممكن سردي قائم وآخر مفترض، إنها كتابة مختلفة قوامها البحث عن المختلف، وجوهر الاختلاف ذاك جعلها تتطلب أكثر من فعل قرائي؛ حتى يجري مقاربتها من زوايا متعددة. استمع الحاضرون بعد ذلك إلى مساهمة (باللغة الفرنسية) لسميرة دويدر بعنوان: "ابن الشمس، أوديسا استيبانيكو الأزموري", قدمت من خلالها قراءة في رواية حمزة بن إدريس العثماني: "ابن الشمس (Le fils du soleil)" ذاكرة أن جنس هذه الكتابة يتموقع بين الواقعي والتخييلي، هدفه التعريف بهذه الشخصية في اختلافها المتناهي عن الآخرين. لقد كان استيبانيكو في الرواية، وربما في الواقع أيضا، محط اهتمام وإثارة إناث الهنود الأميركيين بفعل فتنة الجسد واللون. هذه كانت أولى قسمات السارد عن شخصية استيبانيكو، إضافة إلى أخرى كان أهمها أنها شخصية منفتحة؛ تريد التعرف على ثقافة الآخر، والتقرب منه، حيث تعلم استيبانيكو لغة الهنود الحمر, ما أكسبه شعبية كبيرة بينهم. كما يبدو بين مرافقيه رجلا مبادرا، ومتحملا أداء مجموعة من المهام. هكذا يستثمر حمزة بن إدريس هذه الشخصية في روايته، ويتعالى بها إلى الشخصية المثالية دون نقائص أخلاقية. وحده الموت في مدن سيبولا الذي وضع حدا لهذه الأسطورة. إن كل هذه الأشياء جعلت من الرواية كتابا جديرا بالقراءة والاهتمام. جاء بعد هذه المساهمة دور الصحافي الفرنسي ميشيل أمنكوال, الذي قدم ورقة أعاد فيها سرد السيرة المختصرة للأزموري بأسلوب مبسط ومشوق، معرفا باستيبانيكو وبمسار رحلته، وذاكرا أن لهذه الشخصية دورا حضاريا، إذ يجمع بين قارات وديانات وثقافات ولغات ثلاث: إفريقية وأوروبية وأميركية. وهذا الدور التاريخي لمغربي من رجال القرن السادس عشر يحتم على المغاربة أن يعتزوا بتاريخهم؛ إذ هناك من بني جلدتهم من قدم أشياء كثيرة للتاريخ الإنساني، منهم استيبانيكو, الذي كان أول مغربي عبر المحيط الأطلسي إلى ضفة الهادي. وسمي ابن الشمس, لأنه ولد حيث تشرق الشمس. آخر مساهمة كانت لأحمد لمشكح, الذي ذكر أنه كان أول من أشار في المغرب إلى هذه الشخصية وعرف بها، وكان ذلك منذ التسعينيات من القرن الماضي, عندما كتب مقالة عن شخصية هذا الرحالة الأزموري. كما أشار أحمد لمشكح إلى أهمية مدينة أزمور، وضرورة ربط علاقات مع المؤسسات الثقافية بالبرتغال على الخصوص لتوثيق التاريخ المشترك، خصوصا أن هذه الدولة تتوفر على أرشيف أزموري جد مهم. وقال: "أتمنى أن يكون هذا اللقاء العلمي للنبش في شخصية استيبانيكو بداية لتنمية أزمور التي يجب أن تراهن على الرأسمال الثقافي." لينهي مساهمته بسؤال حالم: استيبانيكو ابن الشمس، والشمس روح، فهل يمكن أن تكون أزمور هي روح العالم؟ ثم جاءت إضافات في الموضوع ساهم بها عدد من الحضور، كما كان لحضور البعد الرمزي في هذا اللقاء نكهة فنية تجلت في اللوحة التي أهدتها الجمعية المغربية للبحث في الرحلة لبلدية أزمور, وهي تمثل صورة زيتية لاستيبانيكو . وسط حضور مميز لفنانين تشكيليين من أبناء المدينة. وانتهى هذا اللقاء العلمي المهم باستصدار توصيات الملتقى، تلاها شعيب حليفي وهي: *توثيق تراث المدينة، وتوثيق كل ما كتب عن استيبانيكو. *ربط علاقات ثقافية مع مؤسسات أجنبية تهتم باستيبانيكو وبتراث أزمور. *عقد ندوة دولية في ربيع 2011 حول استيبانيكو، بمشاركة باحثين من البرتغال وأميركا وإسبانيا والمغرب. *المطالبة بإنشاء مركز ثقافي تاريخي بمدينة أزمور. |
|
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى