المسار الحضاري في منطقة الشاون/عبدالعزيز بن عبد الله
صفحة 1 من اصل 1
المسار الحضاري في منطقة الشاون/عبدالعزيز بن عبد الله
غمارة
قلب منطقة شفشاون (1) تمتد ما بين نهر النكور شرقا وبلاد الهبط غربا مع قربها من بوغاز
جبل طارق أي المجاز التقليدي منذ فجر التاريخ بين العدوتين الجنوبية و الشمالية أي
بين القارتين الإفريقية والأوربية الأمر الذي جعل منها مهبطا للفينيقيين والرومان
وربما فريق من العمالقة وحتى أهل القوقاز ومدينة شفشاون نفسها قائمة على أنقاض
مدينة رومانية (2) وهنالك آثارعتيقة ترجع لهذا العهد مثل قنطرتي تلمبوط ومدشر
(ماكو) شرقي المدينة على بعد 15 كلم من الشاون وقد كان (يوليان) الغماري واليا للمنطقة من قبل
القوط بإسبانيا قبل انطلاق الفتح الإسلامي على يد موسى بن نصير(3)
وطارق بن زياد منذ (عام 88 هـ) ولايزال مسجد ابن نصير قائما بين شفشاون وتطوان و كذلك مسجد
الشرافات المنسوب لطارق بن زياد وقد انبثقت في نفس الفترة أيام الوليد بن عبد
الملك عام 92 هـ مملكة نكور أو إمارة بني صالح ابن منصور الحميري العربي شرقي
المنطقة قرب باديس.
فكلمة
شفشاون تشير في مفهومها الأصيل إلى قمتي الجبل المحيط بها و هو ( إشاون) ومعناه
القرنان ونلاحظ وجود النسبة إلى الشاون قبل تأسيسها بقرون مثل العلامة أحمد بن
محمد بن عبدالرحمان الشاوني شيخ القاضي عياض ( فهرسة عياض ص 61).
ولكننا
نتساءل هنا قبل تحليل المراحل التي مرت بها المنطقة بعد الفتح الإسلامي عما كانت
عليه منذ فجرالتاريخ؟
إن
الحفريات التي قام بها الجيولوجيون قد كشفت منذ العصر الحجري الأول عن بقايا إنسان
مستحجر يرى الأركيلوجيون أن عهده سيتراوح بين ثلاثمائة ألف ومائة ألف سنة قبل
ميلاد المسيح عليه السلام وهو صنف بشري يوصف بالأطلسي لأنه عثر عليه بسلسلة جبال
الأطلس و يظهر من موقع الأماكن التي عثر بها عليه أن الإنسان الأول في فئاته
المجهولة كان يتنقل عبر مناطق مغربية مختلفة ولذلك تم العثور لحد الآن على ما يعرف
(بإنسان سيدي عبدالرحمان) بعين الذياب في أنفا (الدارالبيضاء) و(إنسان القبيبات )
قرب رباط الفتح ثم (إنسان أسفي ) الذي وجدت جمجمتان تمثلانه عام 1962 في ( جبل الرهود) قرب آسفي و أخيرا (إنسان فاس)
بهيكله الكامل سنة 1985 ولا يستبعد أن يعثر يوما ما في منطقة غمارة على بقايا إنسان متحجر
لا سيما وان السبيل الذي نهجه الإنسان المغربي كان ينتجع فيه المياه الوافرة و
المراعي الخصبة حيث انطلق من (تافوغالت) بالمغرب الشرقي (4) إلى أن وصل إلى أقصى الجنوب العامر الذي تحدث الإدريسي عما وراءه
مما سماه بالثلث الخالي وأغرب ما يلفت النظر في هذا النهج انبثاقه من الشرق نظرا
لشبه هذا الصنف المغربي بصنف عثر عليه بمدينة (قبصة) بتونس يعرف بالصنف القبصي type capsien له شبه قوي بالنوع النطوفي الفلسطيني (Natoufiens) و يلاحظ المؤرخون أن صنفا آخر صحراوي المحتد قد انضم إليه إبان
جفاف الفيافي الجنوبية فاتجه ليلتقي بالإنسان الأطلسي ويحدد الجيولوجيون هذه
الفترة من (العهد الحجري الأعلى) أي الحديث بنحو خمسين ألف سنة قبل الميلاد في حين
تحدد الفترات الأخرى بمليون سنة في (إنسان التشاد) وخمسة ملايين بالنسبة لإنسان
كينيا وقد ناقش العلماء هذه التواريخ الباهظة التي أثارتها نظرية (داروين ) في
النشوء والارتقاء ومن هؤلاء العلماء اينشتاين (Einstein) وبيبرسن ( Biberson) في كتابه (أصل الإنسان)
وقد
لاحظ العالم الباكستاني مولانا قوصر نيازي Causer
Niazi في كتابه " خلق الإنسان " Creation
of Man (ص 6 ) أن العالم ( كارلطون ) أكد أن العالم خلق قبل الميلاد بسبعة آلاف
سنة وقد ورد ذلك مفصلا في كتاب " تاريخ الإنسان " The History of Man , p. 63 .كما لاحظ ويلز H.G. Wells في
كتابه " الخطوط الكبرى للتاريخ " ( Outlines of History )
أن هذه المدة يمكن رفعها إلى اثني عشر ألف
سنة بل وحتى عشرين ألفا على الأكثر ولم يقل أحد من العلماء قبل قولة داروين عام 1858
م أن عمرالانسان سبعمائة ألف سنة وقد فند العالم الباكستاني هذه الدعوى بالحجج
العلمية قي جزء كبير من كتابه مستندا إلى نصوص المؤرخين والفلاسفة والنسابين من بينهم العرب والمسلمون.
ومن
جهة أخرى انطلق من أقصى جنوب الجزيرة العربية إنسان مشرقي آخر عثر على بقاياه في
بلاد اليمن ويشهد كثيرمن المؤرخين أن هذه الفئة اليمنية قد هاجرت إلى (ليبيا)
عبر(مصر) - واكبها كنعانيون
فينيقيون
- وذلك بواسطة أمير حميري هو (إفريقش) هم صنهاجة ومصمودة وكتامة والغريب أن ابن
خلدون (التاريخ ج 6 ص 91 ) قلد (ابن حزم) في إنكار دخول (إفريقش
بن صيفي) إلى المغرب بدعوى أن مؤرخي مصر لم يشيروا إلى مرور هذا الأمير الحميري من
(دلتا النيل) وقد غفل ابن خلدون عن كون (بحر القلزم) (أي البحر الأحمر) هو أقرب
طريق من اليمن إلى الصحراء الإفريقية المغربية .
والذي
يهمنا من هجرة اليمنيين أن في ضمنهم القبائل المغربية الثلاث المتجمعة كلها في
(غمارة) المصمودية وبعض أجزاء الريف الصنهاجية والكتامية وهو يدل على انغمار منطقة
الشاون الغمارية منذ هذا العهد ضمن المهاجرات التي كانت مسرحا للإنسان الإفريقي
الأسيوي (5)
ويضاف
إلى هذه الهجرات هجرة كنعانية عربية هي هجرة الفينيقيين الذين أسسوا عام 1101 قبل الميلاد مدينة لبطة الكبرى Leptis Magna ( ولبطة هي لمطة في سياق مكة وبكة في
الأسلوب القرآني ) وهي (لمطة ) الواقعة اليوم على بعد نحو ستين كلم من طرابلس
الغرب وقد أسسوا في نفس السنة مدينة عتيقة Utique بتونس (عززوها بعد ذلك عام
814 قبل الميلاد بتأسيس (قرطاج) ( أي قرية حداش أو القرية الحديثة )
واختار الفينيقيون شمالي المغرب لإقامة مدينة ليكسوس (Lixus) ( التي اقتبس اسمها من قبيلة آل كوس (
اللكوس) ومعنى ذلك اختيار الكنعانيين منطقة (الهبط) لإقامة أول مركز تجاري لهم على
شاطئ المحيط الأطلنطي ومعلوم أن (الهبط) يشمل في عرف المؤرخين المحدثين مجموع
المنطقة الشمالية الممتدة من طنجة عبر
أصيلا و العرائش والقصر الكبير إلى البصرة والشاون ووزان ومسارة ولابدع أن تكون
لهذه المنطقة ميزة خاصة هي التي حدت العلامة (ابن رشد) وهو الفيلسوف الطبيب الذي
لايهتم بالتاريخ إلى وضع رسالة حول (الهبط) أشار إليها الوزير اليحمدي (6 ) (وهو من علماء (يحمد)
بالمنطقة).
وإذا
قفزنا إلى عهد ما قبل الميلاد نلاحظ أن (شفشاون) تقع ضمن الثالوث المعروف عند
الرومان (Miles ) والذي ينطلق من (تامودة) قرب تطوان
ليصل إلى (تاموسيدا ) قرب المهدية ثم (شالة) مارا في ضلعيه الشرقي والغربي بالبصرة
(باناسا) والقصر الكبير (Oppidum Novum ) ووزان وكانت الشاون تعرف آنذاك ب(Oppinum ) ( حسب كودار Godard في وصف وتاريخ المغرب ج 1 ص 77 ) (7 ).
وقد
كان للرومان جولات في هذه المنطقة حيث أطلقوا على (سبتة) اسم (Septem Fratres ) عام (240 ق.م.) حيث لجأ أسطول فينيقي رده
الرومان وكان ذلك إرهاصا لسقوط ( قرطاج) عام 146 ق.م. أعقبها انحياز فلول من القرطاجيين
إلى (الهبط) حيث انطلقوا في مراكب قرطاجية مغربية من المحيط عبروا مياهه طوال ثلاث
سنوات وصلوا بعدها إلى شواطئ ما سمي (البرازيل) والذي يؤكد ذلك وجود كتابات
بالبونية أي لغة قرطاج الكنعانية تحمل تاريخ 125 ق.م. (
. ( 8كما
يشرح لنا سبب كتابة ابن رشد عن (الهبط)
حيث ذكر رونان Renan في كتابه حول ابن رشد Averroès
et l'Averroïsme أن كريسطوف كولومب Christophe
Colomb اعترف بأنه لم يشعر بوجود قارة يابسة وراء
المحيط حتى قرأ كتاب (الكليات ) (Colliget) في الطب لابن رشد في مخطوطته اللاتينية .
ومن
مظاهر حميرية المنطقة و عروبتها أن صالحا بن منصور الحميري هو الذي نشر الإسلام
بها زمن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك وعلى يديه أسلم من فيها من صنهاجة
وغمارة (9).
وقد
قامت غمارة بدور كبير في ربط المغرب بالأندلس منذ عام ( 92 هـ) انطلاقا من (سبتة )
التي كان (يوليان) الغماري عاملا عليها و ما لبثت المنطقة أن وقعت في قبضة الوالي
عمر بن عبيد الله المرادي الذي ضم طنجة إلى سبتة
عام (114 هـ) توالت بعدها فتن ظهر خلالها البرغواطيون بعد أن
انقرض بنو أمية في الشرق
عام (
132 هـ) واستولى عبدالرحمان
الداخل (وأمه من نفزة في المنطقة) بعد خمس سنوات على جانب كبير من العدوتين برز
خلالها (الخوارج) الذين ناضلوا طوال عقدين من السنين إلى عام (157 هـ) ضمن ( 375 ) معركة (حسب ابن خلدون)
ظهر بعدها المولى إدريس الأكبر عام (172 هـ) فكانت (غمارة) أول من
بايعه من القبائل وشد أزره منذ عام (188 هـ) للقضاء على الخوارج
وفصل المغرب عن الدعوة العباسية (بالرغم عن وجود أشراف عباسيين بغمارة ( 10) وفي عام ( 213 هـ) قسم المغرب بين أبناء
المولى إدريس الإثني عشر فاختص (القاسم) بالمنطقة ثم انتقلت إلى أخيه (عمر) مع
باقي الساحل المتوسطي إلى أوائل القرن الرابع الهجري حيث ظلت حواضر الهبط مراكز
حضارية في قبضة الأدارسة فالحموديون وهم من حفدة الأميرعمر ظلوا (رغم انتشار
دولتهم بالأندلس بعد الأربعمائة ) في مدشر (تازغدرة) بغمارة ولهم عقب بالصخرة من
بني كرفط بخندق البيرفي بني مسارة ( الدرر البهية للفضيلي ج 2 ص 156 ) وكذلك
قلب منطقة شفشاون (1) تمتد ما بين نهر النكور شرقا وبلاد الهبط غربا مع قربها من بوغاز
جبل طارق أي المجاز التقليدي منذ فجر التاريخ بين العدوتين الجنوبية و الشمالية أي
بين القارتين الإفريقية والأوربية الأمر الذي جعل منها مهبطا للفينيقيين والرومان
وربما فريق من العمالقة وحتى أهل القوقاز ومدينة شفشاون نفسها قائمة على أنقاض
مدينة رومانية (2) وهنالك آثارعتيقة ترجع لهذا العهد مثل قنطرتي تلمبوط ومدشر
(ماكو) شرقي المدينة على بعد 15 كلم من الشاون وقد كان (يوليان) الغماري واليا للمنطقة من قبل
القوط بإسبانيا قبل انطلاق الفتح الإسلامي على يد موسى بن نصير(3)
وطارق بن زياد منذ (عام 88 هـ) ولايزال مسجد ابن نصير قائما بين شفشاون وتطوان و كذلك مسجد
الشرافات المنسوب لطارق بن زياد وقد انبثقت في نفس الفترة أيام الوليد بن عبد
الملك عام 92 هـ مملكة نكور أو إمارة بني صالح ابن منصور الحميري العربي شرقي
المنطقة قرب باديس.
فكلمة
شفشاون تشير في مفهومها الأصيل إلى قمتي الجبل المحيط بها و هو ( إشاون) ومعناه
القرنان ونلاحظ وجود النسبة إلى الشاون قبل تأسيسها بقرون مثل العلامة أحمد بن
محمد بن عبدالرحمان الشاوني شيخ القاضي عياض ( فهرسة عياض ص 61).
ولكننا
نتساءل هنا قبل تحليل المراحل التي مرت بها المنطقة بعد الفتح الإسلامي عما كانت
عليه منذ فجرالتاريخ؟
إن
الحفريات التي قام بها الجيولوجيون قد كشفت منذ العصر الحجري الأول عن بقايا إنسان
مستحجر يرى الأركيلوجيون أن عهده سيتراوح بين ثلاثمائة ألف ومائة ألف سنة قبل
ميلاد المسيح عليه السلام وهو صنف بشري يوصف بالأطلسي لأنه عثر عليه بسلسلة جبال
الأطلس و يظهر من موقع الأماكن التي عثر بها عليه أن الإنسان الأول في فئاته
المجهولة كان يتنقل عبر مناطق مغربية مختلفة ولذلك تم العثور لحد الآن على ما يعرف
(بإنسان سيدي عبدالرحمان) بعين الذياب في أنفا (الدارالبيضاء) و(إنسان القبيبات )
قرب رباط الفتح ثم (إنسان أسفي ) الذي وجدت جمجمتان تمثلانه عام 1962 في ( جبل الرهود) قرب آسفي و أخيرا (إنسان فاس)
بهيكله الكامل سنة 1985 ولا يستبعد أن يعثر يوما ما في منطقة غمارة على بقايا إنسان متحجر
لا سيما وان السبيل الذي نهجه الإنسان المغربي كان ينتجع فيه المياه الوافرة و
المراعي الخصبة حيث انطلق من (تافوغالت) بالمغرب الشرقي (4) إلى أن وصل إلى أقصى الجنوب العامر الذي تحدث الإدريسي عما وراءه
مما سماه بالثلث الخالي وأغرب ما يلفت النظر في هذا النهج انبثاقه من الشرق نظرا
لشبه هذا الصنف المغربي بصنف عثر عليه بمدينة (قبصة) بتونس يعرف بالصنف القبصي type capsien له شبه قوي بالنوع النطوفي الفلسطيني (Natoufiens) و يلاحظ المؤرخون أن صنفا آخر صحراوي المحتد قد انضم إليه إبان
جفاف الفيافي الجنوبية فاتجه ليلتقي بالإنسان الأطلسي ويحدد الجيولوجيون هذه
الفترة من (العهد الحجري الأعلى) أي الحديث بنحو خمسين ألف سنة قبل الميلاد في حين
تحدد الفترات الأخرى بمليون سنة في (إنسان التشاد) وخمسة ملايين بالنسبة لإنسان
كينيا وقد ناقش العلماء هذه التواريخ الباهظة التي أثارتها نظرية (داروين ) في
النشوء والارتقاء ومن هؤلاء العلماء اينشتاين (Einstein) وبيبرسن ( Biberson) في كتابه (أصل الإنسان)
وقد
لاحظ العالم الباكستاني مولانا قوصر نيازي Causer
Niazi في كتابه " خلق الإنسان " Creation
of Man (ص 6 ) أن العالم ( كارلطون ) أكد أن العالم خلق قبل الميلاد بسبعة آلاف
سنة وقد ورد ذلك مفصلا في كتاب " تاريخ الإنسان " The History of Man , p. 63 .كما لاحظ ويلز H.G. Wells في
كتابه " الخطوط الكبرى للتاريخ " ( Outlines of History )
أن هذه المدة يمكن رفعها إلى اثني عشر ألف
سنة بل وحتى عشرين ألفا على الأكثر ولم يقل أحد من العلماء قبل قولة داروين عام 1858
م أن عمرالانسان سبعمائة ألف سنة وقد فند العالم الباكستاني هذه الدعوى بالحجج
العلمية قي جزء كبير من كتابه مستندا إلى نصوص المؤرخين والفلاسفة والنسابين من بينهم العرب والمسلمون.
ومن
جهة أخرى انطلق من أقصى جنوب الجزيرة العربية إنسان مشرقي آخر عثر على بقاياه في
بلاد اليمن ويشهد كثيرمن المؤرخين أن هذه الفئة اليمنية قد هاجرت إلى (ليبيا)
عبر(مصر) - واكبها كنعانيون
فينيقيون
- وذلك بواسطة أمير حميري هو (إفريقش) هم صنهاجة ومصمودة وكتامة والغريب أن ابن
خلدون (التاريخ ج 6 ص 91 ) قلد (ابن حزم) في إنكار دخول (إفريقش
بن صيفي) إلى المغرب بدعوى أن مؤرخي مصر لم يشيروا إلى مرور هذا الأمير الحميري من
(دلتا النيل) وقد غفل ابن خلدون عن كون (بحر القلزم) (أي البحر الأحمر) هو أقرب
طريق من اليمن إلى الصحراء الإفريقية المغربية .
والذي
يهمنا من هجرة اليمنيين أن في ضمنهم القبائل المغربية الثلاث المتجمعة كلها في
(غمارة) المصمودية وبعض أجزاء الريف الصنهاجية والكتامية وهو يدل على انغمار منطقة
الشاون الغمارية منذ هذا العهد ضمن المهاجرات التي كانت مسرحا للإنسان الإفريقي
الأسيوي (5)
ويضاف
إلى هذه الهجرات هجرة كنعانية عربية هي هجرة الفينيقيين الذين أسسوا عام 1101 قبل الميلاد مدينة لبطة الكبرى Leptis Magna ( ولبطة هي لمطة في سياق مكة وبكة في
الأسلوب القرآني ) وهي (لمطة ) الواقعة اليوم على بعد نحو ستين كلم من طرابلس
الغرب وقد أسسوا في نفس السنة مدينة عتيقة Utique بتونس (عززوها بعد ذلك عام
814 قبل الميلاد بتأسيس (قرطاج) ( أي قرية حداش أو القرية الحديثة )
واختار الفينيقيون شمالي المغرب لإقامة مدينة ليكسوس (Lixus) ( التي اقتبس اسمها من قبيلة آل كوس (
اللكوس) ومعنى ذلك اختيار الكنعانيين منطقة (الهبط) لإقامة أول مركز تجاري لهم على
شاطئ المحيط الأطلنطي ومعلوم أن (الهبط) يشمل في عرف المؤرخين المحدثين مجموع
المنطقة الشمالية الممتدة من طنجة عبر
أصيلا و العرائش والقصر الكبير إلى البصرة والشاون ووزان ومسارة ولابدع أن تكون
لهذه المنطقة ميزة خاصة هي التي حدت العلامة (ابن رشد) وهو الفيلسوف الطبيب الذي
لايهتم بالتاريخ إلى وضع رسالة حول (الهبط) أشار إليها الوزير اليحمدي (6 ) (وهو من علماء (يحمد)
بالمنطقة).
وإذا
قفزنا إلى عهد ما قبل الميلاد نلاحظ أن (شفشاون) تقع ضمن الثالوث المعروف عند
الرومان (Miles ) والذي ينطلق من (تامودة) قرب تطوان
ليصل إلى (تاموسيدا ) قرب المهدية ثم (شالة) مارا في ضلعيه الشرقي والغربي بالبصرة
(باناسا) والقصر الكبير (Oppidum Novum ) ووزان وكانت الشاون تعرف آنذاك ب(Oppinum ) ( حسب كودار Godard في وصف وتاريخ المغرب ج 1 ص 77 ) (7 ).
وقد
كان للرومان جولات في هذه المنطقة حيث أطلقوا على (سبتة) اسم (Septem Fratres ) عام (240 ق.م.) حيث لجأ أسطول فينيقي رده
الرومان وكان ذلك إرهاصا لسقوط ( قرطاج) عام 146 ق.م. أعقبها انحياز فلول من القرطاجيين
إلى (الهبط) حيث انطلقوا في مراكب قرطاجية مغربية من المحيط عبروا مياهه طوال ثلاث
سنوات وصلوا بعدها إلى شواطئ ما سمي (البرازيل) والذي يؤكد ذلك وجود كتابات
بالبونية أي لغة قرطاج الكنعانية تحمل تاريخ 125 ق.م. (
. ( 8كما
يشرح لنا سبب كتابة ابن رشد عن (الهبط)
حيث ذكر رونان Renan في كتابه حول ابن رشد Averroès
et l'Averroïsme أن كريسطوف كولومب Christophe
Colomb اعترف بأنه لم يشعر بوجود قارة يابسة وراء
المحيط حتى قرأ كتاب (الكليات ) (Colliget) في الطب لابن رشد في مخطوطته اللاتينية .
ومن
مظاهر حميرية المنطقة و عروبتها أن صالحا بن منصور الحميري هو الذي نشر الإسلام
بها زمن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك وعلى يديه أسلم من فيها من صنهاجة
وغمارة (9).
وقد
قامت غمارة بدور كبير في ربط المغرب بالأندلس منذ عام ( 92 هـ) انطلاقا من (سبتة )
التي كان (يوليان) الغماري عاملا عليها و ما لبثت المنطقة أن وقعت في قبضة الوالي
عمر بن عبيد الله المرادي الذي ضم طنجة إلى سبتة
عام (114 هـ) توالت بعدها فتن ظهر خلالها البرغواطيون بعد أن
انقرض بنو أمية في الشرق
عام (
132 هـ) واستولى عبدالرحمان
الداخل (وأمه من نفزة في المنطقة) بعد خمس سنوات على جانب كبير من العدوتين برز
خلالها (الخوارج) الذين ناضلوا طوال عقدين من السنين إلى عام (157 هـ) ضمن ( 375 ) معركة (حسب ابن خلدون)
ظهر بعدها المولى إدريس الأكبر عام (172 هـ) فكانت (غمارة) أول من
بايعه من القبائل وشد أزره منذ عام (188 هـ) للقضاء على الخوارج
وفصل المغرب عن الدعوة العباسية (بالرغم عن وجود أشراف عباسيين بغمارة ( 10) وفي عام ( 213 هـ) قسم المغرب بين أبناء
المولى إدريس الإثني عشر فاختص (القاسم) بالمنطقة ثم انتقلت إلى أخيه (عمر) مع
باقي الساحل المتوسطي إلى أوائل القرن الرابع الهجري حيث ظلت حواضر الهبط مراكز
حضارية في قبضة الأدارسة فالحموديون وهم من حفدة الأميرعمر ظلوا (رغم انتشار
دولتهم بالأندلس بعد الأربعمائة ) في مدشر (تازغدرة) بغمارة ولهم عقب بالصخرة من
بني كرفط بخندق البيرفي بني مسارة ( الدرر البهية للفضيلي ج 2 ص 156 ) وكذلك
عدل سابقا من قبل عبدالبارئ بوهالي في الإثنين 23 فبراير 2009 - 10:15 عدل 1 مرات
عبدالبارئ بوهالي- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1789
العمر : 68
تاريخ التسجيل : 23/08/2006
رد: المسار الحضاري في منطقة الشاون/عبدالعزيز بن عبد الله
العمرانيون
الذين مازالت فئة منهم بسماتة وحجر النسر وبني خالد في غمارة ومنهم أولاد التبر
بفاس ( الدرر ج 2 ص 171 ).
وكانت
منطقة الهبط منذ القرن الثالث ممرا لقوافل تجارية تنحدر من (قرطبة) لتتجه عبر
(بصرة الكتان) على نحو (18 ) كلم من سوق أربعاء الغرب إلى
(سجلماسة ) ثم اليمن والبصرة الشرقية - حسب ابن خرداذبة و الاصطخري وابن حوقل -
وكان من مظاهر التطور الاقتصادي في هذا المسار وخاصة في سجلماسة التعامل بحوالات
مصرفية بدل عملة التبادل المحلي.
وهنا
وقعت المنطقة في أرجوحة بدأت بسطو الأمويين الأندلسيين عليها عام (337)
تخلله صراع حاد بين (مغراوة) و (بني يفرن) انتهى بانتصار الأمويين عام ( 387
هـ) على المغراويين الذين ظلوا مع ذلك متمسكين بالمنطقة طوال نحو مائة سنة إلى عام
(460
هـ) فانقرضوا بظهور يوسف بن تاشفين ( 11) .
والذي
يلاحظ من هذا الصراع بين قادة العدوتين تبلور مظاهر الفتنة بين فئات مشرقية مثل
اليمانية ومضر و فئات أندلسية مغربية انتقل بعضها إلى الريف حيث أسست طائفة منها
مدينة بكاملها في بني قميل بين مثيوة و بني بوفراح - عام ( 209 هـ - 824 م ) (المغرب للبكري ص 70) - على رأسها محمد بن أبي عون ومحمد بن عبدون وجماعة من الأندلسيين
البحريين. وكذلك آل بنعبدالله الذين أقاموا قرية تحمل إسمهم في عمالة الحسيمة
دائرة بني ورغيال وآل الناصر التطوانيون وغيرهم في ضفاف (وادلو).
ولعل
هذا التجمع المغربي الأندلسي على طول الساحل الجنوبي للمتوسط كان نتيجة للهجمات
التي قام بها القراصنة السكندنافيون والتي تبلورت عام 230 هـ / 844 م في غارتهم على لشبونة واشبيلية ومدينة نكور ونجد حتى في مرسى
بجاية على بعد 175 كلم شرقي الجزائر مشتى الأندلسيين في القرن الخامس (ابن خلدون ج 1
ص 619
) حيث بدأ التبادل مع البندقية وبيزا وجنوة ومرسيليا ومن هذه القبائل الأندلسية
بنورزين بغمارة أصلهم من سهل بني رزين Albarracin
قرب شنتمرية وهي قبيلة
هوارية.
وفي
عام (470 هـ) جاز ابن تاشفين إلى الأندلس استجابة لصرخة المعتمد بن عباد
إلا أنه أبا قبل ذلك إلا منازلة سكوت
لتحرير سبتة وما انتقض من
غمارة فهدم (نكور ) وعندما خلفه ولده علي
بن يوسف عام (500 هـ) واصل تحصين الريف بإقامة قلاع مثل قلعة (أمركو) وظل رجال
غمارة يناوئون إلى أن توفي عام (537 هـ) فانضم مصامدة المنطقة في غمارة و وادي لو وتطوان وباديس إلى
الخليفة الموحدي عبدالمومن ابن علي الذي اقتحم الريف والهبط بعد عام ( 542
هـ) وعزز موانئ الريف بنحو مائة قطعة من أسطوله الذي أصبح (كما يقول أندري جوليان
في (تاريخ إفريقيا الشمالية ) أعظم أسطول في البحر المتوسط ) وبعد وفاة الخليفة
عبدالمومن بايع الموحدون ولده أبا يعقوب يوسف عام (558 هـ) فاتجه عام (563 هـ) إلى استئصال شافة الثائرين مرزدغ الصنهاجي الذي انبثفت دعوته
من غمارة عام ( 559 هـ) وكذلك سبع بن منغفاد
عام (561 هـ) فعقد لأخيه أبي علي على غمارة وسبتة التي أصبحت آنذاك في
طليعة مراكز إنتاج الورق الذي لا يضاهيه سوى ورق شاطبة بالأندلس.
وعندما
بويع الخليفة الموحدي عبدالواحد الملقب بالرشيد أول عام ( 630 هـ) منح الأندلسيين عام (637 هـ) حق اللجوء إلى المغرب حسب ظهير شريف حرره قاضي الرباط آنذاك
أبو المطرف بن عميرة المخزومي ولعل ذلك كان سبب انضمام الإشبيليين إلى المولى
الرشيد عام (635 هـ) عندما حاول الأمير ابن هود اقتحام مصب أبي
رقراق. وقد تخللت هذه الفترة أحداث جرفت بالأندلس بعد سقوط قرطبة عام (633 هـ) وبداية مضايقة سواحل الريف من طرف المراكب الإسبانية الصليبية
حيث هاجرت فئات أندلسية إلى هذه الشواطئ من الحسيمة إلى وادي لو وكان أول لقاء بين
الموحدين وبني مرين بوادي نكور حيث انتصر المرينيون عام ( 613هـ) (
الاستقصا ج 2 ص 4 ) بعد أن انهارت قوى
الموحدين في (وقعة العقاب) عام ( 609 هـ) وتزايد الصراع دفاعا عن
حوزة السواحل الجنوبية للمتوسط بعد أن استكمل بنو مرين احتلال المنطقة عام (684 هـ) بجواز رابع إلى الأندلس ومر قرن كامل (12) ساده تناوش متراكم في
المنطقة فاستقر بنووطاس في الريف واقتحم بنومرين بعض أجزائها متخذين من حاضرة
تطوان مركزا جديدا بعد أن مر على بناء قصبتها في عهد الخليفة يوسف المريني نحو ربع
قرن (685 هـ) وانهزم أبوالحسن في (وقعة طريف ) Reo de
Salado عام (741 هـ) و خلال ذلك كان أبو
ثابت عامر المريني الذي هلك والده الأمير عبدالله بغمارة قد اختط عام ( 706 هـ) مدينة تطوان كمركز لتنسيق الغارات التي كان يشرف عليها شخصيا
في الريف وجبالة وكان قد مر على بناء قصبتها ربع قرن ( 685 هـ) وقفز بنو الأحمر أمراء
غرناطة إلى (سبتة) فاحتلوها عام (786 هـ)
فتمخضت
المناوشات بين الإخوة المتناحرين عن احتلال البرتغاليين لهذه المدينة عام ( 818
هـ / 1414م)
فانفسح المجال للسطو على مدن الهبط وقراه انطلق من (القصر الصغير) يوم ثالث أكتوبر
(863 هـ / 1458 م) بعد السيطرة بحرا على جزيرة المقدنوس (13) عام (841 هـ / 1437 م ) (14). هنا ظهر أمراء بني راشد في جبل من جبال غمارة وهو جبل الشاون
لتجميع قوى الجهاد في معقله الطبيعي الحصين. فانبرى المجاهد الشريف الحسن بن محمد
العلمي المعروف بأبي جمعة فخطط منذ عام (876 هـ / 1471 م) لمدينة في عدوة وادي شفشاون حيث استمد مواد عمرانها من منطقتها
الثرية بالحجر الجيري الصلب الذي ساعد على تعزيز قلعتها لتحرير (سبتة) ثم استكمل
عمرانها ابن عمه علي بن موسى بن راشد بعد أن توفي هو شهيدا بدسيسة الإفرنج فبنى
قصبة شفشاون (الاستقصا ج 2 ص161 / ج 3 ص 19 ) وقد درس الأمير علي في قرية الخزينة بالريف وانطلقت من (قرية
الخروب ) بجبل الحبيب الواقع على بعد أربعين كيلومتر من تطوان عمليات أخرى خاضها
بنو راشد لتحرير طنجة وأصيلا.(15 )
وأصبحت
قلعة شفشاون أشبه بفاس متناسقة الحضارة والعمران في عداد مدائن المغرب (16
) قد تعززت قصبتها وأبراجها وتحصيناتها العسكرية بأبنية امتدت مع هجرة الأندلسيين
إليها خاصة في العدوة الجديدة فامتزج التزاوج منذ اللحظة الأولى بين أبهة دار
الإمارة والجامع الكبير.
على
أن الشبه بفاس لم ينحصر في المحيط الجبلي ووفرة المياه وانقسام الحضارة إلى عدوتين
فحسب بل إن نشاط الصناع والتجار نما بسرعة في أحياء سكنية ما لبثت أن اتسمت بعد
بضعة عقود من السنين بتقسيمات عمرانية برز من خلالها الطابع الحضاري والاقتصادي
معا فقامت حومة الأندلسيين تغطي حوالي ثلث سكان ملأ آل بنعبدالله وحدهم الجزء من
الوادي الذي يحمل اسمهم ولعل أبرز وجوه الشبه بين فاس وشفشاون (فاس الصغرى) هو
هجرات الأندلسيين منذ نشأتهما الواحدة - أواخر القرن الثاني الهجري بعد وقعة
الربض (17) والثانية أواخر القرن التاسع الهجري فكانت الجالية الأندلسية مع
أشراف (جبل العلم) موئل القطب الكبير مولاي عبدالسلام بن مشيش أولى الفئات التي
عمرت المدينة منذ تشييد معالمها أعقبتها بعد نيف وعقد من السنين موجة أخرى انحدرت
من غرناطة عام (888 هـ) بعد أن مرت بتطوان التي ظلت تصلها بشفشاون حركة مكوكية
للمجاهدين الذين كانوا يغيرون على السواحل الأسبانية انطلاقا من وادي مرتيل لللجوء
عند الاقتضاء إلى معقلهم الجبلي وقد كانت للأمير علي بن موسى بن راشد (18)
في غرناطة آخر معقل أندلسي جولات وصولات في محاربة الأسبان بجانب إخوانه
الأندلسيين الذين التحقوا به لمواصلة الجهاد من أقرب حصن في العدوة الجنوبية وهو
شفشاون وقد قام بنو راشد في أول انتفاضتهم قبيل سقوط غرناطة بتشييد تطوان التي
اختطها أبو ثابت عام ( 706 هـ) كمركز لتنسيق الغارات في الريف والجبل ضد خصومه من أدعياء
العرش وكان قد مر على قصبتها نحو ربع قرن (685 هـ) وأصبحت الشاون بتواكب مع تطوان قاعدة الجهاد بقيادة علي المنضري ضد الوجود
الأجنبي وكان المفروض أن تغرق الحاضرة الجبلية الجديدة في تخطيط عسكري رصين
يستلزمه موقعها الاستراتيجي ولكن انبثاق روح وثابة لدى الأشراف العلميين وزملائهم
الغرناطيين لم تغفل الجانب الحضاري العمراني والاقتصادي ضمانا لنوع من الاكتفاء
الذاتي في منطقة قد يعزلها الجهاد الموصول عن بقية الأطراف ولكن تواكب الجهاد ظل
قائما بين شفشاون وتطوان وفاس العاصمة التي بلور الجهاد فيها الأمير مولاي إبراهيم
بن علي بن راشد الذي توفي بها عام (947 هـ) بعد أن كان وزيرا لأحمد الوطاسي فقام أخوه معززا بأفواج جديدة
من الأندلسيين كان لهم ضلع في توسيع وقعة الجهاد وتركيز العمران في آن واحد
بالأحياء الجديدة في المدينة وظلت الإمارة الراشدية في نضالها المتماسك زهاء القرن
( 876
هـ - 969 هـ) إلى أن قام ضدها السعديون فوجه السلطان عبدالله الغالب الأمير
محمد بن عبدالقادر السعدي كتيبة للقضاء على الأمير محمد بن علي بن راشد عام ( 960
هـ/1560م) وبذلك انهزم بنو راشد
وغادر آخر أمرائهم شفشاون إلى ثغر (ترغة) عام (969 هـ) للانتقال بحرا إلى الشرق والاستقرار بالمدينة المنورة.
وهنا
بدأت مراكز منطقة الهبط تتساقط في يد العدو وقعت خلالها (مالقة) في قبضة الأسبان (892 هـ) ثم غرناطة عام (897 هـ) وكان لسقوط الأندلس
وغزو الإيبيريين من الأسبان والبرتغاليين لسواحل المغرب الشمالية رد فعل قوي في
نفوس الجماهير وخاصة (الهبط) الذي انتفض للجهاد بقيادة السعديين في (معركة وادي
المخازن) ( جمادى الأولى 986 هـ/ 4 غشت 1578 م) (19) فانهزم البرتغاليون وفقدوا
استقلالهم مندمجين طوال أزيد من ستين سنة في المملكة الأسبانية فخطبت أوربا ود
السلطان أحمد الذهبي المنتصر في
الذين مازالت فئة منهم بسماتة وحجر النسر وبني خالد في غمارة ومنهم أولاد التبر
بفاس ( الدرر ج 2 ص 171 ).
وكانت
منطقة الهبط منذ القرن الثالث ممرا لقوافل تجارية تنحدر من (قرطبة) لتتجه عبر
(بصرة الكتان) على نحو (18 ) كلم من سوق أربعاء الغرب إلى
(سجلماسة ) ثم اليمن والبصرة الشرقية - حسب ابن خرداذبة و الاصطخري وابن حوقل -
وكان من مظاهر التطور الاقتصادي في هذا المسار وخاصة في سجلماسة التعامل بحوالات
مصرفية بدل عملة التبادل المحلي.
وهنا
وقعت المنطقة في أرجوحة بدأت بسطو الأمويين الأندلسيين عليها عام (337)
تخلله صراع حاد بين (مغراوة) و (بني يفرن) انتهى بانتصار الأمويين عام ( 387
هـ) على المغراويين الذين ظلوا مع ذلك متمسكين بالمنطقة طوال نحو مائة سنة إلى عام
(460
هـ) فانقرضوا بظهور يوسف بن تاشفين ( 11) .
والذي
يلاحظ من هذا الصراع بين قادة العدوتين تبلور مظاهر الفتنة بين فئات مشرقية مثل
اليمانية ومضر و فئات أندلسية مغربية انتقل بعضها إلى الريف حيث أسست طائفة منها
مدينة بكاملها في بني قميل بين مثيوة و بني بوفراح - عام ( 209 هـ - 824 م ) (المغرب للبكري ص 70) - على رأسها محمد بن أبي عون ومحمد بن عبدون وجماعة من الأندلسيين
البحريين. وكذلك آل بنعبدالله الذين أقاموا قرية تحمل إسمهم في عمالة الحسيمة
دائرة بني ورغيال وآل الناصر التطوانيون وغيرهم في ضفاف (وادلو).
ولعل
هذا التجمع المغربي الأندلسي على طول الساحل الجنوبي للمتوسط كان نتيجة للهجمات
التي قام بها القراصنة السكندنافيون والتي تبلورت عام 230 هـ / 844 م في غارتهم على لشبونة واشبيلية ومدينة نكور ونجد حتى في مرسى
بجاية على بعد 175 كلم شرقي الجزائر مشتى الأندلسيين في القرن الخامس (ابن خلدون ج 1
ص 619
) حيث بدأ التبادل مع البندقية وبيزا وجنوة ومرسيليا ومن هذه القبائل الأندلسية
بنورزين بغمارة أصلهم من سهل بني رزين Albarracin
قرب شنتمرية وهي قبيلة
هوارية.
وفي
عام (470 هـ) جاز ابن تاشفين إلى الأندلس استجابة لصرخة المعتمد بن عباد
إلا أنه أبا قبل ذلك إلا منازلة سكوت
لتحرير سبتة وما انتقض من
غمارة فهدم (نكور ) وعندما خلفه ولده علي
بن يوسف عام (500 هـ) واصل تحصين الريف بإقامة قلاع مثل قلعة (أمركو) وظل رجال
غمارة يناوئون إلى أن توفي عام (537 هـ) فانضم مصامدة المنطقة في غمارة و وادي لو وتطوان وباديس إلى
الخليفة الموحدي عبدالمومن ابن علي الذي اقتحم الريف والهبط بعد عام ( 542
هـ) وعزز موانئ الريف بنحو مائة قطعة من أسطوله الذي أصبح (كما يقول أندري جوليان
في (تاريخ إفريقيا الشمالية ) أعظم أسطول في البحر المتوسط ) وبعد وفاة الخليفة
عبدالمومن بايع الموحدون ولده أبا يعقوب يوسف عام (558 هـ) فاتجه عام (563 هـ) إلى استئصال شافة الثائرين مرزدغ الصنهاجي الذي انبثفت دعوته
من غمارة عام ( 559 هـ) وكذلك سبع بن منغفاد
عام (561 هـ) فعقد لأخيه أبي علي على غمارة وسبتة التي أصبحت آنذاك في
طليعة مراكز إنتاج الورق الذي لا يضاهيه سوى ورق شاطبة بالأندلس.
وعندما
بويع الخليفة الموحدي عبدالواحد الملقب بالرشيد أول عام ( 630 هـ) منح الأندلسيين عام (637 هـ) حق اللجوء إلى المغرب حسب ظهير شريف حرره قاضي الرباط آنذاك
أبو المطرف بن عميرة المخزومي ولعل ذلك كان سبب انضمام الإشبيليين إلى المولى
الرشيد عام (635 هـ) عندما حاول الأمير ابن هود اقتحام مصب أبي
رقراق. وقد تخللت هذه الفترة أحداث جرفت بالأندلس بعد سقوط قرطبة عام (633 هـ) وبداية مضايقة سواحل الريف من طرف المراكب الإسبانية الصليبية
حيث هاجرت فئات أندلسية إلى هذه الشواطئ من الحسيمة إلى وادي لو وكان أول لقاء بين
الموحدين وبني مرين بوادي نكور حيث انتصر المرينيون عام ( 613هـ) (
الاستقصا ج 2 ص 4 ) بعد أن انهارت قوى
الموحدين في (وقعة العقاب) عام ( 609 هـ) وتزايد الصراع دفاعا عن
حوزة السواحل الجنوبية للمتوسط بعد أن استكمل بنو مرين احتلال المنطقة عام (684 هـ) بجواز رابع إلى الأندلس ومر قرن كامل (12) ساده تناوش متراكم في
المنطقة فاستقر بنووطاس في الريف واقتحم بنومرين بعض أجزائها متخذين من حاضرة
تطوان مركزا جديدا بعد أن مر على بناء قصبتها في عهد الخليفة يوسف المريني نحو ربع
قرن (685 هـ) وانهزم أبوالحسن في (وقعة طريف ) Reo de
Salado عام (741 هـ) و خلال ذلك كان أبو
ثابت عامر المريني الذي هلك والده الأمير عبدالله بغمارة قد اختط عام ( 706 هـ) مدينة تطوان كمركز لتنسيق الغارات التي كان يشرف عليها شخصيا
في الريف وجبالة وكان قد مر على بناء قصبتها ربع قرن ( 685 هـ) وقفز بنو الأحمر أمراء
غرناطة إلى (سبتة) فاحتلوها عام (786 هـ)
فتمخضت
المناوشات بين الإخوة المتناحرين عن احتلال البرتغاليين لهذه المدينة عام ( 818
هـ / 1414م)
فانفسح المجال للسطو على مدن الهبط وقراه انطلق من (القصر الصغير) يوم ثالث أكتوبر
(863 هـ / 1458 م) بعد السيطرة بحرا على جزيرة المقدنوس (13) عام (841 هـ / 1437 م ) (14). هنا ظهر أمراء بني راشد في جبل من جبال غمارة وهو جبل الشاون
لتجميع قوى الجهاد في معقله الطبيعي الحصين. فانبرى المجاهد الشريف الحسن بن محمد
العلمي المعروف بأبي جمعة فخطط منذ عام (876 هـ / 1471 م) لمدينة في عدوة وادي شفشاون حيث استمد مواد عمرانها من منطقتها
الثرية بالحجر الجيري الصلب الذي ساعد على تعزيز قلعتها لتحرير (سبتة) ثم استكمل
عمرانها ابن عمه علي بن موسى بن راشد بعد أن توفي هو شهيدا بدسيسة الإفرنج فبنى
قصبة شفشاون (الاستقصا ج 2 ص161 / ج 3 ص 19 ) وقد درس الأمير علي في قرية الخزينة بالريف وانطلقت من (قرية
الخروب ) بجبل الحبيب الواقع على بعد أربعين كيلومتر من تطوان عمليات أخرى خاضها
بنو راشد لتحرير طنجة وأصيلا.(15 )
وأصبحت
قلعة شفشاون أشبه بفاس متناسقة الحضارة والعمران في عداد مدائن المغرب (16
) قد تعززت قصبتها وأبراجها وتحصيناتها العسكرية بأبنية امتدت مع هجرة الأندلسيين
إليها خاصة في العدوة الجديدة فامتزج التزاوج منذ اللحظة الأولى بين أبهة دار
الإمارة والجامع الكبير.
على
أن الشبه بفاس لم ينحصر في المحيط الجبلي ووفرة المياه وانقسام الحضارة إلى عدوتين
فحسب بل إن نشاط الصناع والتجار نما بسرعة في أحياء سكنية ما لبثت أن اتسمت بعد
بضعة عقود من السنين بتقسيمات عمرانية برز من خلالها الطابع الحضاري والاقتصادي
معا فقامت حومة الأندلسيين تغطي حوالي ثلث سكان ملأ آل بنعبدالله وحدهم الجزء من
الوادي الذي يحمل اسمهم ولعل أبرز وجوه الشبه بين فاس وشفشاون (فاس الصغرى) هو
هجرات الأندلسيين منذ نشأتهما الواحدة - أواخر القرن الثاني الهجري بعد وقعة
الربض (17) والثانية أواخر القرن التاسع الهجري فكانت الجالية الأندلسية مع
أشراف (جبل العلم) موئل القطب الكبير مولاي عبدالسلام بن مشيش أولى الفئات التي
عمرت المدينة منذ تشييد معالمها أعقبتها بعد نيف وعقد من السنين موجة أخرى انحدرت
من غرناطة عام (888 هـ) بعد أن مرت بتطوان التي ظلت تصلها بشفشاون حركة مكوكية
للمجاهدين الذين كانوا يغيرون على السواحل الأسبانية انطلاقا من وادي مرتيل لللجوء
عند الاقتضاء إلى معقلهم الجبلي وقد كانت للأمير علي بن موسى بن راشد (18)
في غرناطة آخر معقل أندلسي جولات وصولات في محاربة الأسبان بجانب إخوانه
الأندلسيين الذين التحقوا به لمواصلة الجهاد من أقرب حصن في العدوة الجنوبية وهو
شفشاون وقد قام بنو راشد في أول انتفاضتهم قبيل سقوط غرناطة بتشييد تطوان التي
اختطها أبو ثابت عام ( 706 هـ) كمركز لتنسيق الغارات في الريف والجبل ضد خصومه من أدعياء
العرش وكان قد مر على قصبتها نحو ربع قرن (685 هـ) وأصبحت الشاون بتواكب مع تطوان قاعدة الجهاد بقيادة علي المنضري ضد الوجود
الأجنبي وكان المفروض أن تغرق الحاضرة الجبلية الجديدة في تخطيط عسكري رصين
يستلزمه موقعها الاستراتيجي ولكن انبثاق روح وثابة لدى الأشراف العلميين وزملائهم
الغرناطيين لم تغفل الجانب الحضاري العمراني والاقتصادي ضمانا لنوع من الاكتفاء
الذاتي في منطقة قد يعزلها الجهاد الموصول عن بقية الأطراف ولكن تواكب الجهاد ظل
قائما بين شفشاون وتطوان وفاس العاصمة التي بلور الجهاد فيها الأمير مولاي إبراهيم
بن علي بن راشد الذي توفي بها عام (947 هـ) بعد أن كان وزيرا لأحمد الوطاسي فقام أخوه معززا بأفواج جديدة
من الأندلسيين كان لهم ضلع في توسيع وقعة الجهاد وتركيز العمران في آن واحد
بالأحياء الجديدة في المدينة وظلت الإمارة الراشدية في نضالها المتماسك زهاء القرن
( 876
هـ - 969 هـ) إلى أن قام ضدها السعديون فوجه السلطان عبدالله الغالب الأمير
محمد بن عبدالقادر السعدي كتيبة للقضاء على الأمير محمد بن علي بن راشد عام ( 960
هـ/1560م) وبذلك انهزم بنو راشد
وغادر آخر أمرائهم شفشاون إلى ثغر (ترغة) عام (969 هـ) للانتقال بحرا إلى الشرق والاستقرار بالمدينة المنورة.
وهنا
بدأت مراكز منطقة الهبط تتساقط في يد العدو وقعت خلالها (مالقة) في قبضة الأسبان (892 هـ) ثم غرناطة عام (897 هـ) وكان لسقوط الأندلس
وغزو الإيبيريين من الأسبان والبرتغاليين لسواحل المغرب الشمالية رد فعل قوي في
نفوس الجماهير وخاصة (الهبط) الذي انتفض للجهاد بقيادة السعديين في (معركة وادي
المخازن) ( جمادى الأولى 986 هـ/ 4 غشت 1578 م) (19) فانهزم البرتغاليون وفقدوا
استقلالهم مندمجين طوال أزيد من ستين سنة في المملكة الأسبانية فخطبت أوربا ود
السلطان أحمد الذهبي المنتصر في
عبدالبارئ بوهالي- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1789
العمر : 68
تاريخ التسجيل : 23/08/2006
رد: المسار الحضاري في منطقة الشاون/عبدالعزيز بن عبد الله
المعركة
ولم يغب عن ذهن المنصور في هذا الخضم ما كان يهدد كيان المملكة من الخارج لولا
النزاعات الأوربية التي وجد بها الخليفة السعدي حاجزا موقتا وكان الصراع قائما
آنذاك بين بلاد النمسا وانجلترا وفرنسا وهولندا مما قلص سياسة التوسع الإفريقي
الأسبانية وكان المنصور قد استولى عام (990 هـ) على بعض منافذ الصحراء مثل توات وكورارة فتاقت نفسه إلى توحيد
الكتلة الإسلامية غربي القارة الإفرقية حيث كان أمير برنو قد استعان بالسعديين على
نشر الدعوة الإسلامية بالمنطقة وكان وجود بقايا جيوب الاحتلال البرتغالية وراء
ثخوم الصحراء المغربية يقض مضجع المنصور فاقترح على أميركاغو من آل سكية ترتيب
خراج على معدن الملح بتغازي لتمويل الجهاد المشترك فرفض الأمير إسحاق طلبه فكان
ذلك مطية لغزو السودان من أجل تحصين الحدود الجنوبية للمملكة. وقد شعرت (البابوية)
بانهيار الحكم البرتغالي فبادرت بتقسيم النفوذ في القارة الإفريقية بين إسبانيا
والبرتغال التي اعترفت لجارتها عام (1074 هـ/ 1663 م) بنفوذ كامل على المنطقة بعد أن استمر البرتغاليون في التحكم
فيها نحوا من مائتين وخمسين سنة (250) (20 ).
وما
إن تهلهل وضع الملوك السعديين بانقسام مملكتهم إلى مملكة مراكش و مملكة فاس حتى
ظهرت إمارات مستقلة كالدلائيين في الأطلس الأوسط والخضر غيلان في الهبط وعبدالله
أعراس في الحسيمة وكان مولاي علي الشريف جد الملوك العلويين قدجاهد في الأندلس حيث
خاض سبعا وعشرين غزوة على عدد غزوات الرسول عليه السلام وتعلق به الغرناطيون رغبة
في مبايعته فبعد صيت الأسرة العلوية الماجدة وبايعت سجلماسة الأمير محمدا بن مولاي
الشريف بن علي عام (1050 هـ) فاستنجد به الخلط الهبطيون ضد الدلائيين ثم انبرى أخوه مولاي
الرشيد الذي رأى فيه المغرب قائدا حربيا جعل حدا لما تمخض عن تقسيم البلاد من خلل
في الاقتصاد و تفكك في السياسة وانحلال في الحقل الاجتماعي وعندما استتب له الأمر
اتخذ من تازة عام 1075 هـ عاصمة له وهاجم عبدالله أعراس أمير الحسيمة
وهزم الخضر غيلان الذي فر من القصر الكبير إلى أصيلا ثم إلى الجزائر واعتقل رئيس
تطوان أحمد النقسيس واستولى على زاوية الدلاء عام ( 1071 هـ) وفي السنة التي توفي فيها (1082 هـ) وجه كتيبة من الفرسان إلى طنجة لتحريرها وكان البريطانيون قد
استقروا بها بعد أن زوج اخوان السادس أخته لكارلوس الثاني ملك انجلترا موجها إليه
العروس بمفاتيح طنجة مما حدا فرنسا إلى التفكير في احتلال مراكز في ساحل الريف
وخاصة (الحسيمة) (21) حيث كان (رولان فريجوس) R. Fréjus) ) يراوغ لتأسيس شركة فرنسية فرفض الأمير العلوي ذلك وكانت اتفاقات
بعض الملوك السعديين مع الدول المسيحية قد خلفت ذكريات مؤلمة لم تزل عالقة بنفوس
الشعب وهذا ما حدا المولى الرشيد إلى عدم استئصال أساطيل القرصنة بكل من (مرتيل)
و(أبي رقراق) الذين كانا يشكلان حاجزا دفاعيا ضد المغير الأوربي الذي كان يتعلل
بأبسط الأسباب للتدخل في شؤون المغرب و الانتشار على الساحل كالانجليز في طنجة والبرتغاليين
في البريجة (الجديدة) والأسبان في المعمورة (المهدية) وأصيلا والعرائش بينما طفق
الفرنسيون يمخرون بسفنهم الحربية عباب المتوسط على طول الساحل بين الريف ومصب
الملوية فقام المولى الرشيد بتحصين مرسى الحسيمة والمزمة وحجرة نكور وصارع
الانجليز الذين كانوا يعملون من وراء الخضر غيلان .
وبعد
وفاة المولىالرشيد آلى المولى إسماعيل على نفسه تحرير الجيوب المحتلة من ربقة
البرتغاليين والأسبان ففك المهدية من القيود التي ظلت تخنقها نحوا من سبعين سنة (1092 هـ) ثم حرر طنجة عام (1095 هـ) ثم العرائش وأصيلا (1101 هـ) واستغرق المولى إسماعيل أزيد من ربع قرن (1111-1083 هـ) في النضال الدائب لتحرير المراكز المحتلة ولولا
ازدواج الجبهتين -جبهة العدو الأجنبي وأدعياء الملك - لاستطاع أن يحرر ما بقي من
مدن ساحلية في قبضة الأجانب مثل الجديدة وسبتة ومليلية و في هذه الفترة اندرجت
منطقة غمارة والشاون في سلك المغرب الموحد الهادئ عدا فترة اعتلاء السلطان المولى
عبدالله بن المولى إسماعيل الذي لم يكن في مستوى والده فاستبد أحمد الريفي قائد
الثغور الشمالية فصده عن احتلال تطوان قائدها عمر لوقاش الذي استخفه الظفر فطمح
إلى اعتلاء العرش فظل المغرب طوال ثلاثين سنة يتأرجح بين الأدعياء والطامعين فقتل
الثائر أحمد بن علي أمير الريف واستعاد المغرب أمنه وطمانينته في ظل السلطان محمد
بن عبدالله الذي بويع عام (1157 هـ) فعزز الثغور بحاميات
قوامها 16.500 جندي وأقام الأبراج في المراسي وعزز حماية المياه الإقليمية بخمسين
سفينة حربية منها ثلاثون فركاطة يديرها ستون قائدا وخمسة آلاف بحار وألفان اثنان
من الرماة وتولى بعده ولده مولاي اليزيد (1206-1204 هـ) فاستأنف محاربة الأسبان
واعتقل قناصلهم ورعاياهم بالصويرة والعرائش ثم قام المولى سليمان (1238-1206 هـ) بإخماد ثورة الأخماس في
غمارة
عام (1208 هـ) وقد رشح المولى سليمان للملك ابن أخيه المولى عبدالرحمان بن
هشام وأصبح أساس الروابط الدبلوماسية مع أوربا ضمان حرية التجارة وحل المشاكل
القرصنية بالكف عن الجهاد في البحر ولكن فرنسا أبت إلا العمل على تقليص الأسطول
الوطني وأجبرت المغرب بعد معركة (إيسلي ) على التنازل عما كان يتقاضاه من تعويضات
من دول أوربية مثل السويد والدانمارك وهامبورغ وبريم وأثارت ضد المغرب حربا شعواء
لمساندته للزعيم الجزائري عبدالقادر بن محيىالدين وانتهى الأمر باستقرار فرنسا في
عاصمة الجزائر في محرم 1246 هـ / 5 يوليوز 1830 وهنا وجد الأسبان المجال لاحتلال (الجزر الجعفرية) وأقاموا
الأبنية في الحدود بين سبتة والأنجرة بدل الأكواخ الخشبية فهدمها الجمهور وكانت
ذريعة لإشعال حرب تطوان التي انهزم فيها المغرب يوم 13 رجب 1276 هـ/ 5 يبراير 1860 وقد اضطر السلطان إلى طبع سياسة الدولة بطابع جديد استجابة للوازم
العصر فاتخذ من طنجة عاصمة دبلوماسية يشرف على الدبلوماسية فيها وزير البحر وعندما
بويع الحسن الأول عام ( 1290 هـ) أقام بأشقار (Cap
Spartel ) قرب طنجة برج المنار
لتوجيه السفن المغربية الأجنبية في المحيط واستعرت عام (1310 هـ) معركة عنيفة بين أهل غمارة ومجموع الريف من جهة و الأسبان من
جهة أخرى لتطاول هؤلاء على مساحات وراء الحدود وما كاد المولى الحسن الأول يلفظ
أنفاسه في ثالث ذي الحجة عام 1311 هـ / 1894 م حتى بدأت القضية المغربية تتسم بطابع دولي من جراء الصراع الذي
تولد عن أطماع الدول الأوربية التي شجعت فرنسا على اقتطاع أطراف المغرب الشرقي
بفرض اتفاقيتي 1319 هـ (20 يوليوز 1901 و 20 أبريل 1902 ) أعقبتها معاهدة فرضت على المولى عبدالعزيز في (14
ذي القعدة 1328 هـ / 17 نونبر 1909 ) ابتزت فوائد جديدة في الحسيمة وسبتة مع تعويضات حربية بدأت في
العام التالي تحتل العرائش والقصر الكبير.
وأسفرت
الدسائس المنسقة بين بعض دول أوربا عن تشديد الضغط على المغرب بواسطة القروض
الإجبارية وحركات التهدئة المتعللة بحماية الرعايا الغربيين والثخوم الشرقية
المجاورة للجزائر وماكاد نبأ توقيع معاهدة الحماية يطرق الأسماع حتى انتفض السكان
في مجموع أنحاء المغرب وكان المجاهد محمد امزيان قد انبرى قبل ذلك عام 1909 فاصطدم بثلاث فرق أسبانية مات من رجالها جنرالان اثنان وعشرة آلاف
جندي ثم ثارت شفشاون وتطوان عام 1913 (22) وقد انبرى آل عبدالكريم
الخطابي غب الحرب العظمى لمواصلة الغارات على الأسبان وكان والد الزعيم محمد بن
عبدالكريم الخطابي قد حاصر (تفريست) فمرض وتزعم ولداه تحرير (دار أبارا ) المحتلة
بثلة من المجاهدين الأشاوس الذين لم يبلغوا عدد رجال أهل بدر فطاردا الأسبان بعد
انهزام شنيع مات منهم في غمرته أربعمائة جندي وستة ضباط وتعزز الروافة بالعتاد
والمدافع والذخيرة المسلوبة وكان زعيم الريف قد أضاف إلى تكوينه الإسلامي في جامعة
القرويين دراية سياسية وحنكة عسكرية باتصاله بالأسبان في (مليلية) حيث تولى القضاء
واكتشف نقاط الضعف عند الخصم فعزل من منصبه بعد احتجاج والده ضد احتلال الشاوية
واعتقل مع أخيه عام 1920 ثم أطلق سراحهما فكانت نقطة انطلاق كللت بمعركة
(أنوال) التي انهزم فيها الأسبان يوم (21 يوليوز 1921 ) بعداصطدام شديد مدة ستة أيام استولى المجاهدون الريفيون على
عشرات المراكز الحربية و (220 ) مدفع و(20.000 ) بندقية ومليون خرطوشة علاوة على السيارات مما ساعد الجيش الريفي
وفي ضمنه مجاهدو شفشاون على خوض غمار موقعة (عريت) والضرب على أيدي الأسبان الذين
طوردت فلولهم إلى أرباض مليلية ثم توبعت المعركة بين مليلية والحسيمة ( 23 ) أسفرت عن أسلاب تعزز بها الجيش الريفي فاستدعي الجنرال برانجي
قائد عملية الريف ومقيم إسبانيا العام بالشمال إلى مالقة للتشاور حول الصلح ولكن
العزم قر على الصمود بحشد خمسين ألف جندي أسباني لتطويق بني عروس وخاصة أجدير -أحد
معاقل آل بنعبدالله - وفي يوم خامس وعشري مارس 1922 تصدت المدفعية الريفية لجيش
العدو حول الحسيمة فخسر (برانجي) ثمانية آلاف بين قتلى وأسرى ودمر المغاربة مراكز
كما أغرقوا بوارج حربية بمفعول سفينتهم الوحيدة واهتاج الأسبان وانصاعوا للاتفاق
ولكن مطالبة الريفيين باستقلال المنطقة مع المغرب الشمالي عن النفوذ الأسباني عرقل
المهادنة وفي عام 1923 استولى رجال المقاومة على مراكز العدو بين (جبل
درسة) وشفشاون وكبدوه هزيمة فظيعة حول مدينة (داغيت) تخرج بعدها موقع الجيوش
الأسبانية فبادرت حكومة مدريد بطلب الصلح وانتدبت وفدا للتفاوض فأصر الريفيون على
إلغاء الحماية بينما عرض الأسبان على الزعيم ابن عبدالكريم النيابة في الريف عن خليفة
السلطان وكانت الحكومة الريفية تعتبر نفسها مستقلة في نطاق جمعية وطنية ترأسها
الزعيم وخلفه عليها أخوه امحمد وساعده وزراء للمالية والخارجية والتجارة وكان
دستور الجماعة المجاهدة التي ظلت عالقة بالعرش
ولم يغب عن ذهن المنصور في هذا الخضم ما كان يهدد كيان المملكة من الخارج لولا
النزاعات الأوربية التي وجد بها الخليفة السعدي حاجزا موقتا وكان الصراع قائما
آنذاك بين بلاد النمسا وانجلترا وفرنسا وهولندا مما قلص سياسة التوسع الإفريقي
الأسبانية وكان المنصور قد استولى عام (990 هـ) على بعض منافذ الصحراء مثل توات وكورارة فتاقت نفسه إلى توحيد
الكتلة الإسلامية غربي القارة الإفرقية حيث كان أمير برنو قد استعان بالسعديين على
نشر الدعوة الإسلامية بالمنطقة وكان وجود بقايا جيوب الاحتلال البرتغالية وراء
ثخوم الصحراء المغربية يقض مضجع المنصور فاقترح على أميركاغو من آل سكية ترتيب
خراج على معدن الملح بتغازي لتمويل الجهاد المشترك فرفض الأمير إسحاق طلبه فكان
ذلك مطية لغزو السودان من أجل تحصين الحدود الجنوبية للمملكة. وقد شعرت (البابوية)
بانهيار الحكم البرتغالي فبادرت بتقسيم النفوذ في القارة الإفريقية بين إسبانيا
والبرتغال التي اعترفت لجارتها عام (1074 هـ/ 1663 م) بنفوذ كامل على المنطقة بعد أن استمر البرتغاليون في التحكم
فيها نحوا من مائتين وخمسين سنة (250) (20 ).
وما
إن تهلهل وضع الملوك السعديين بانقسام مملكتهم إلى مملكة مراكش و مملكة فاس حتى
ظهرت إمارات مستقلة كالدلائيين في الأطلس الأوسط والخضر غيلان في الهبط وعبدالله
أعراس في الحسيمة وكان مولاي علي الشريف جد الملوك العلويين قدجاهد في الأندلس حيث
خاض سبعا وعشرين غزوة على عدد غزوات الرسول عليه السلام وتعلق به الغرناطيون رغبة
في مبايعته فبعد صيت الأسرة العلوية الماجدة وبايعت سجلماسة الأمير محمدا بن مولاي
الشريف بن علي عام (1050 هـ) فاستنجد به الخلط الهبطيون ضد الدلائيين ثم انبرى أخوه مولاي
الرشيد الذي رأى فيه المغرب قائدا حربيا جعل حدا لما تمخض عن تقسيم البلاد من خلل
في الاقتصاد و تفكك في السياسة وانحلال في الحقل الاجتماعي وعندما استتب له الأمر
اتخذ من تازة عام 1075 هـ عاصمة له وهاجم عبدالله أعراس أمير الحسيمة
وهزم الخضر غيلان الذي فر من القصر الكبير إلى أصيلا ثم إلى الجزائر واعتقل رئيس
تطوان أحمد النقسيس واستولى على زاوية الدلاء عام ( 1071 هـ) وفي السنة التي توفي فيها (1082 هـ) وجه كتيبة من الفرسان إلى طنجة لتحريرها وكان البريطانيون قد
استقروا بها بعد أن زوج اخوان السادس أخته لكارلوس الثاني ملك انجلترا موجها إليه
العروس بمفاتيح طنجة مما حدا فرنسا إلى التفكير في احتلال مراكز في ساحل الريف
وخاصة (الحسيمة) (21) حيث كان (رولان فريجوس) R. Fréjus) ) يراوغ لتأسيس شركة فرنسية فرفض الأمير العلوي ذلك وكانت اتفاقات
بعض الملوك السعديين مع الدول المسيحية قد خلفت ذكريات مؤلمة لم تزل عالقة بنفوس
الشعب وهذا ما حدا المولى الرشيد إلى عدم استئصال أساطيل القرصنة بكل من (مرتيل)
و(أبي رقراق) الذين كانا يشكلان حاجزا دفاعيا ضد المغير الأوربي الذي كان يتعلل
بأبسط الأسباب للتدخل في شؤون المغرب و الانتشار على الساحل كالانجليز في طنجة والبرتغاليين
في البريجة (الجديدة) والأسبان في المعمورة (المهدية) وأصيلا والعرائش بينما طفق
الفرنسيون يمخرون بسفنهم الحربية عباب المتوسط على طول الساحل بين الريف ومصب
الملوية فقام المولى الرشيد بتحصين مرسى الحسيمة والمزمة وحجرة نكور وصارع
الانجليز الذين كانوا يعملون من وراء الخضر غيلان .
وبعد
وفاة المولىالرشيد آلى المولى إسماعيل على نفسه تحرير الجيوب المحتلة من ربقة
البرتغاليين والأسبان ففك المهدية من القيود التي ظلت تخنقها نحوا من سبعين سنة (1092 هـ) ثم حرر طنجة عام (1095 هـ) ثم العرائش وأصيلا (1101 هـ) واستغرق المولى إسماعيل أزيد من ربع قرن (1111-1083 هـ) في النضال الدائب لتحرير المراكز المحتلة ولولا
ازدواج الجبهتين -جبهة العدو الأجنبي وأدعياء الملك - لاستطاع أن يحرر ما بقي من
مدن ساحلية في قبضة الأجانب مثل الجديدة وسبتة ومليلية و في هذه الفترة اندرجت
منطقة غمارة والشاون في سلك المغرب الموحد الهادئ عدا فترة اعتلاء السلطان المولى
عبدالله بن المولى إسماعيل الذي لم يكن في مستوى والده فاستبد أحمد الريفي قائد
الثغور الشمالية فصده عن احتلال تطوان قائدها عمر لوقاش الذي استخفه الظفر فطمح
إلى اعتلاء العرش فظل المغرب طوال ثلاثين سنة يتأرجح بين الأدعياء والطامعين فقتل
الثائر أحمد بن علي أمير الريف واستعاد المغرب أمنه وطمانينته في ظل السلطان محمد
بن عبدالله الذي بويع عام (1157 هـ) فعزز الثغور بحاميات
قوامها 16.500 جندي وأقام الأبراج في المراسي وعزز حماية المياه الإقليمية بخمسين
سفينة حربية منها ثلاثون فركاطة يديرها ستون قائدا وخمسة آلاف بحار وألفان اثنان
من الرماة وتولى بعده ولده مولاي اليزيد (1206-1204 هـ) فاستأنف محاربة الأسبان
واعتقل قناصلهم ورعاياهم بالصويرة والعرائش ثم قام المولى سليمان (1238-1206 هـ) بإخماد ثورة الأخماس في
غمارة
عام (1208 هـ) وقد رشح المولى سليمان للملك ابن أخيه المولى عبدالرحمان بن
هشام وأصبح أساس الروابط الدبلوماسية مع أوربا ضمان حرية التجارة وحل المشاكل
القرصنية بالكف عن الجهاد في البحر ولكن فرنسا أبت إلا العمل على تقليص الأسطول
الوطني وأجبرت المغرب بعد معركة (إيسلي ) على التنازل عما كان يتقاضاه من تعويضات
من دول أوربية مثل السويد والدانمارك وهامبورغ وبريم وأثارت ضد المغرب حربا شعواء
لمساندته للزعيم الجزائري عبدالقادر بن محيىالدين وانتهى الأمر باستقرار فرنسا في
عاصمة الجزائر في محرم 1246 هـ / 5 يوليوز 1830 وهنا وجد الأسبان المجال لاحتلال (الجزر الجعفرية) وأقاموا
الأبنية في الحدود بين سبتة والأنجرة بدل الأكواخ الخشبية فهدمها الجمهور وكانت
ذريعة لإشعال حرب تطوان التي انهزم فيها المغرب يوم 13 رجب 1276 هـ/ 5 يبراير 1860 وقد اضطر السلطان إلى طبع سياسة الدولة بطابع جديد استجابة للوازم
العصر فاتخذ من طنجة عاصمة دبلوماسية يشرف على الدبلوماسية فيها وزير البحر وعندما
بويع الحسن الأول عام ( 1290 هـ) أقام بأشقار (Cap
Spartel ) قرب طنجة برج المنار
لتوجيه السفن المغربية الأجنبية في المحيط واستعرت عام (1310 هـ) معركة عنيفة بين أهل غمارة ومجموع الريف من جهة و الأسبان من
جهة أخرى لتطاول هؤلاء على مساحات وراء الحدود وما كاد المولى الحسن الأول يلفظ
أنفاسه في ثالث ذي الحجة عام 1311 هـ / 1894 م حتى بدأت القضية المغربية تتسم بطابع دولي من جراء الصراع الذي
تولد عن أطماع الدول الأوربية التي شجعت فرنسا على اقتطاع أطراف المغرب الشرقي
بفرض اتفاقيتي 1319 هـ (20 يوليوز 1901 و 20 أبريل 1902 ) أعقبتها معاهدة فرضت على المولى عبدالعزيز في (14
ذي القعدة 1328 هـ / 17 نونبر 1909 ) ابتزت فوائد جديدة في الحسيمة وسبتة مع تعويضات حربية بدأت في
العام التالي تحتل العرائش والقصر الكبير.
وأسفرت
الدسائس المنسقة بين بعض دول أوربا عن تشديد الضغط على المغرب بواسطة القروض
الإجبارية وحركات التهدئة المتعللة بحماية الرعايا الغربيين والثخوم الشرقية
المجاورة للجزائر وماكاد نبأ توقيع معاهدة الحماية يطرق الأسماع حتى انتفض السكان
في مجموع أنحاء المغرب وكان المجاهد محمد امزيان قد انبرى قبل ذلك عام 1909 فاصطدم بثلاث فرق أسبانية مات من رجالها جنرالان اثنان وعشرة آلاف
جندي ثم ثارت شفشاون وتطوان عام 1913 (22) وقد انبرى آل عبدالكريم
الخطابي غب الحرب العظمى لمواصلة الغارات على الأسبان وكان والد الزعيم محمد بن
عبدالكريم الخطابي قد حاصر (تفريست) فمرض وتزعم ولداه تحرير (دار أبارا ) المحتلة
بثلة من المجاهدين الأشاوس الذين لم يبلغوا عدد رجال أهل بدر فطاردا الأسبان بعد
انهزام شنيع مات منهم في غمرته أربعمائة جندي وستة ضباط وتعزز الروافة بالعتاد
والمدافع والذخيرة المسلوبة وكان زعيم الريف قد أضاف إلى تكوينه الإسلامي في جامعة
القرويين دراية سياسية وحنكة عسكرية باتصاله بالأسبان في (مليلية) حيث تولى القضاء
واكتشف نقاط الضعف عند الخصم فعزل من منصبه بعد احتجاج والده ضد احتلال الشاوية
واعتقل مع أخيه عام 1920 ثم أطلق سراحهما فكانت نقطة انطلاق كللت بمعركة
(أنوال) التي انهزم فيها الأسبان يوم (21 يوليوز 1921 ) بعداصطدام شديد مدة ستة أيام استولى المجاهدون الريفيون على
عشرات المراكز الحربية و (220 ) مدفع و(20.000 ) بندقية ومليون خرطوشة علاوة على السيارات مما ساعد الجيش الريفي
وفي ضمنه مجاهدو شفشاون على خوض غمار موقعة (عريت) والضرب على أيدي الأسبان الذين
طوردت فلولهم إلى أرباض مليلية ثم توبعت المعركة بين مليلية والحسيمة ( 23 ) أسفرت عن أسلاب تعزز بها الجيش الريفي فاستدعي الجنرال برانجي
قائد عملية الريف ومقيم إسبانيا العام بالشمال إلى مالقة للتشاور حول الصلح ولكن
العزم قر على الصمود بحشد خمسين ألف جندي أسباني لتطويق بني عروس وخاصة أجدير -أحد
معاقل آل بنعبدالله - وفي يوم خامس وعشري مارس 1922 تصدت المدفعية الريفية لجيش
العدو حول الحسيمة فخسر (برانجي) ثمانية آلاف بين قتلى وأسرى ودمر المغاربة مراكز
كما أغرقوا بوارج حربية بمفعول سفينتهم الوحيدة واهتاج الأسبان وانصاعوا للاتفاق
ولكن مطالبة الريفيين باستقلال المنطقة مع المغرب الشمالي عن النفوذ الأسباني عرقل
المهادنة وفي عام 1923 استولى رجال المقاومة على مراكز العدو بين (جبل
درسة) وشفشاون وكبدوه هزيمة فظيعة حول مدينة (داغيت) تخرج بعدها موقع الجيوش
الأسبانية فبادرت حكومة مدريد بطلب الصلح وانتدبت وفدا للتفاوض فأصر الريفيون على
إلغاء الحماية بينما عرض الأسبان على الزعيم ابن عبدالكريم النيابة في الريف عن خليفة
السلطان وكانت الحكومة الريفية تعتبر نفسها مستقلة في نطاق جمعية وطنية ترأسها
الزعيم وخلفه عليها أخوه امحمد وساعده وزراء للمالية والخارجية والتجارة وكان
دستور الجماعة المجاهدة التي ظلت عالقة بالعرش
عبدالبارئ بوهالي- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1789
العمر : 68
تاريخ التسجيل : 23/08/2006
رد: المسار الحضاري في منطقة الشاون/عبدالعزيز بن عبد الله
المغربي
(24)
يطالب بإلغاء كل اتفاق يمس بحقوق المغاربة واستقلالهم وتعويض الريفيين عن الخسائر
التي لحقت بهم خلال اثني عشر عاما من الكفاح وقد أوفد الزعيم رسله آنذاك إلى باريس
ولندن وفي طليعتهم أخوه امحمد عام 1923 ووجه عريضة لعصبة الأمم وكان للزعيم اختصاصات القائد الأعلى للجيش
من أجل رسم خطوط الدفاع وقد تعزز جانب هذا الهيكل عام 1924 بانضمام قبائل الجبل بين تطوان والأنجرة ووادي لو وشفشاون ثم قوات
أخرى من الفنيدق إلى العرائش ضمن منطقة الهبط فاضطر رئيس حكومة مدريد الجنرال
(بريمودي ريفيرا ) إلى استيناف المفاوضات فجدد المجاهدون مطالبتهم بجلاء الأسبان
عن المغرب ودفع تعويضات قوامها عشرون مليون بسيطة وخمس عشرة طائرة ومائة وعشرون
مدفعا ولكن الأسبان رفضوا وبدأوا مع ذلك ينسحبون عن مائتي مركز من مراكزهم وهنا
شعرت فرنسا بخطر هذه الاندلاعة التي توشك أن تهدد وجودها جنوبي المغرب ففتح قائدها
المريشال اليوطي جبهة جديدة وكان يحسب أن أسبانيا ستكفيه هذه المئونة ولكن توالي
الهزمات الأسبانية حدته إلى المبادرة بالهجوم على الحصون الأمامية الريفية في وادي
ورغة وكان جانب من الفكر العام في كل من فرنسا واسبانيا قد بدأ ينظر إلى الزعيم
محمد بن عبد الكريم كبطل لاستقلال المغرب ويدعو إلى مساعدته مما حدا الحزب
الراديكالي والاشتراكي إلى مطالبة الحكومة الفرنسية بجعل حد لهذه المغامرة بمفاوضة
الزعيم الريفي لإقرار الصلح ولكن المريشال (بيتان) الذي عينته فرنسا لقيادة
العمليات كان من أنصار مواصلة الحرب بتطويق الريف وإثارة القبائل ثم مهاجمة قلب
المقاومة وبعد انهزام فرنسا في (ورغة ) فكرت في تنسيق جهودها مع إسبانيا التي
أنهكتها حرب الريف ففكرت في احتلال (أجدير) لإنقاذ سمعتها ونجح (بيتان) في إقناع
الجنيرال (ريفيرا) الأسباني بالنزول في (الحسيمة) معززا بالأسطول الفرنسي ثم
احتلال أجدير وكان اليوطي قد أقيل من منصبه كمقيم عام بالمغرب وخلفه السيد ( ستيغ)
وتأزمت الحالة لأن عوامل الثورة الريفية اندلعت في الحواضر لاسيما بعد وصول
المجاهدين إلىتازة وتطوان في حملات ظافرة بالبيبان والكيفان وبعد أن تواردت رسل
زعيم الريف إلى قواد الأطلس تدعوهم للانتفاضة مع الشمال وقاطع الناس مدارس من
الحماية خاصة بفاس فأحست فرنسا بتزايد الخطر الداهم الذي أصبح يهددها لا في المغرب
وحده بل في إفريقيا فحشدت في ربيع 1926 اثنين وخمسين جنرالا ومائة وعشرين ألف رجل واثنين وعشرين سربا من
الطائرات وعتادا ضخما للقيام بحملة مشتركة ورغم كون (ستيغ) لم يكن يرى سوى وسيلة
واحدة لإنقاذ الموقف وهي التفاوض حيث طار لباريس وأقنع وزير الحرب فإن الحكومة
الفرنسية لم تقتنع فأسفرت الحملة المنسقة التي عززت بعناصر التخاذل ودعاة الهزيمة
من رجال القبائل والمشعوذين عن استسلام محمد بن عبدالكريم يوم خامس عشر ماي 1926
فنفي مع أخيه محمد وباقي عائلته إلى جزيرة (لارينيون) وقد قضى الزعيم في منفاه
إحدى وعشرين سنة قررت فرنسا إثرها نقله عام 1947إلى
بلادها فدبر مكتب المغرب العربي لدى نزول الزعيم وأسرته بقناة السويس خطة لاختطافه
فتمت العملية بنجاح واستقر ابن عبد الكريم مع عائلته بالقاهرة وأكرمت مصر وفادته
واتصل بجلالة الملك الراحل محمد الخامس عام 1960 أثناء رحلته إلى الشرق فأقنعه جلالته بالعودة إلى الوطن وقرر
الزعيم الرجوع للاستقرار بطنجة ولكن المنية عاجلته يوم حادي عشر رمضان 1382 هـ / 6
يبراير 1963 .
وما
لبث المغرب بعد توقف الجهاد الحربي أن تلاحم في نطاق حركة وطنية اتصلت خيوطها (عام
1930
) بعد صدور الظهير البربري بين الشمال والجنوب وكانت المقاومة مازالت مستمرة
بنواحي الأطلس والصحراء إلى عام (( 1936 فلم يمر آنذاك أكثر من عقد من السنين حتى بادر جلالة المرحوم محمد
الخامس في رحلته إلى طنجة عام (1947 ) بالمطالبة بالانضمام إلى الكتلة العربية المستقلة وكان رحمه
الله قد مهد لذلك في مؤتمر آنفا بالدارالبيضاء عام 1943 بحيث لم تدم حماية فرنسا و إسبانيا فعلا أكثر من عشرين سنة ( 1956 - 1936
) بفضل الجهاد المشترك الموصول بين جميع أجزاء المغرب الحر.
1
) تسمى أيضا الشاون وشيشاون وقد وهم البكري فظن أن شفشاون تقع على بعد ثلاثين ميلا
من نفيس (المغرب الأقصى ص 154 ) وهو يقصد شيشاوة
2) المجلة الأسيوية - المجلد العاشر ص 152 - و في شرق المنطقة بين عين بردة وتمزقانة
بحدود مثيوة يقوم أمام جرف البهموت كاف العروس وهو مغارة طويلة يقال إنها تغطي
مدينة جوفية عتيقة كما توجد في مدينة مزراوة أنقاض مدينة توصف بأنها عتيقة أيضا
3) يوجد كتاب لابن عرضون
الشفشاوني يسمى ( مناقب موسى بن نصير وأخبار سكان شفشاون )
)
يظهر أن مياه المحيط كانت تصل آنذاك إلى ممر تازة فكانت السهول مغمورة بالمياه
ولعل الإنسان الأول المنطلق من الشرق اختار الجبال ممرا له فمر بجبل الشاون بعد
خروجه من تافوغالت في المغرب الشرقي لينطلق عبر الاطلس إلى فاس ومنها عبر سهول
الغرب إلى الرباط ثم أنفا وبعد انحسار المياه إلى المحيط وقع الجفاف جنوبا فانتقل
صنف من الإنسان الأول من الصحراء ليلتقي بالإنسان الشرقي
5)
انتشرت صنهاجة شمالا فيما يسمى ب(جبل صنهاجة) الواقع جنوبي سبتة بجوار (نكور)
(البيذق ص 46) /الاستبصار- ص 129 طبعة زغلول / وصف إفريقيا - ليون الإفريقي ص 12
عام 1956 ) وكذلك (صنهاجة) السراير) بإقليم الحسيمة تضم كتامة وتوجد فرق
منها بفاس (ابن خلدون ص 151
) وجبل يزناسن والقصر الكبير وناحية مراكش
6
) محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد الوزير (1132 هـ) وأحمد اليحمدي وزير المولى إسماعيل (راجع سنا المهتدي إلى
محاسن الأحمدي لعلي مصباح الزرويلي الأخماسي (1130 هـ)
7
) وقد تحدث المؤرخون عن وجود مدينة Jagath فرب
تطوان و Accra بأسفي
8
) كانت منقوشة على حجر قد كتب عليها ( احنا بني افرانم من كنعان لا نحمل الحكَرة )
(ومعناها نحن بني افرانم لا نتحمل الاحتقار)
و مازالت كلمتا (احنا) و(حكَرة) مستعملتين في العامية المغربية وينتج عن ذلك
كما لاحظه كوتيي في (العصور الغامضة ...) أن اللغة العربية دخلت إلى المغرب مع
هؤلاء الكنعانيين قبل الإسلام بنحو ألف وسبعمائة سنة وقد أشار إلى ذلك مخطوط في
مكتبة (افرانكو) بمدريد نص على أول قطعة بحرية قد انطلقت من أصيلا.
( 9 المغرب في ذكر بلاد إفريقية ( المغرب) وهو جزء من مسالك البكري
طبعه (دوسلان) بالجزائر عام 1911 (ص 92 -90)
راجع
دور (المزمة) في بلد نكور في هذا المجال (المغرب ص 99) /ابن عذارى ج 1 ص 252 طبعة بيروت 1950/ دوكاستر- الوثائق الغميسة - السلسلة الأولى- العلويون ج 1
ص 33 - 21
/ الذخيرة السنية ص 39/
والمزمة
حسب الإدريسي تقع على بعد 20
ميلا من (بوزكور) وهم اسم نكور ( راجع وصف إفريقيا المقتبس من نزهة المشتاق
الإدريسي ص 111 - طبعة الجزائر 1957 ).
10
) يظهر أن العباسيين أشراف منعدمون بالمغرب ( الاستقصا ج 3 ص 108 ) عدا في غمارة حسب الاستاذ عبدالله كَنون (مجلة لسان الدين ج 4
ص 17
من السنة الثامنة)
11
) وفي هذه الفترة زرع قاسم بن محمد الملقب بكَنون بذور الشيعة في غمارة وهلك في
قلعة (النسر) و خلفه ولده أبوالعيش أحمد بن القاسم الذي دعا للناصر الأموي ونقض
طاعة الشيعة وقد ظهر أبوعبدالله الشيعي بكتامة داعيا للرضى ( تاريخ ابن خلدون م. 6 ص 447 )
12
) إلى هذا العهد كان مجموع شمال المغرب يعرف بسوس الأدنى ( راجع البيان لابن عذارى
وكتابنا (سوس بوابة الصحراء) ولعل التسمية جاءت من الأندلس حيث كان شمال المغرب
أقرب إليها من (سوس الأقصى).
13)
المعروفة في الخرائط القديمة باسم (جزيرة المرجان) Ile
de Corail وقد سميت أيضا بجزيرة
الثورة كناية عن جهادها ضد العدو المغير
14)
وقد سيطر الأسبان في نفس الوقت على القصر الكبير وأصيلا وطنجة.
15
) راجع أيضا (وثائق دوكاستر -السعديون - السلسلة الأولى - م 1 ص 5 - 135 / م. 3 ) حيث أشار إلى الأميرإبراهيم بن علي بن راشد وزير أحمد الوطاسي
المعروف عند الإسبان ب Malabrin والموصوف بزعيم شيشاون
16
) مرآة المحاسن لمحمد العربي الفاسي ص 168 الطبعة الحجرية بفاس
17
) كان عدد الأسر المهاجرة ثمانمائة (800 )
18
) الخزينة مدينة في الريف حيث درس مولاي علي بن راشد أمير شفشاون وهي اليوم -كما
يقول Moulièras - كما كانت منذ عشرين أو ثلاثين قرنا. Le
Maroc Inconnu T.1 p. 120
19 ) كانت مدينة القصر الكبير هي منطلق الجهاد في الهبط وكان آل
الفاسي الفهري يقطنونها منذ أن ارتحلوا إليها من (مالقة) في القرن الرابع الهجري
فكان لهم حظ كبير في (معركة وادي المخازن) بعد أن عادوا من فاس إلى مسقط رأسهم بها
فسموا بالفاسيين
راجع
"مولاي علي بن راشد" أمير شفشاون للأستاذ محمد بن عزوز حكيم -طبعة تطوان
1950
- وكذلك كتاب فولان Fulan (نظرات حول الريف والشاون) - طبعة لندن 1935 / الإحياء و الإنعاش بذكر من استوطن قلعية وشفشاون قديما وحديثا
من أبناء سيدي ورياش ) للحاج العربي الورياشي / لمحات من تاريخ الأخماس وشفشاون
لأحمد الريسوني جريدة القصر 1960 - عدد 4 عام 2)
20
) في آخر السعديين كانت كثير من المراكز المغربية قد احتلها البرتغاليون فحررها
العلويون الذين قاموا بدور تحريري وعمراني هام في منطقة الشاون حيث قام السلطان
محمد بن عبدالله بتعيين رجالات أكفياء على رأسها أمثال علي العروسي البوزراري وإلى
شفشاون والقائد العياشي الذي كان عاملا على تارودانت وأحمد بن بلة الشياظمي (عام 1190
هـ) (تاريخ الضعيف ص 179) وكان القائد علىطنجة آنذاك هو محمد وبلة الشياظمي وكان (أحمد بن
حدو) قد عين على ولاية الإقليم في العهد الإسماعيلي مع ابن أخيه أحمد بن علي
الريفي (1125 هـ) بعد وفاة القائد علي بن عبد الله الريفي (ص 96
) وكان من بين هؤلاء الولاة مجاهدون عرفوا باستماتتهم في الكفاح ضد العدو وقد
استمر هذا النضال في الشاون حيث عرفت هذه المدينة المجاهدة أحد أبنائها وهو
الفدائي عبدالله الشفشاوني مدرب منظمة اليد السوداء الذي نفذ الفرنسيون فيه الحكم
بالإعدام في 13 ذي الحجة 1374 هـ / 2 غشت 1955 بسجن العادر.
21
) طمع الأسبان منذ القرن السادس عشر الميلادي في جزر المزمة الثلاث الواقعة في
الفرضة التي ينصب فيها وادي نكور ووادي غيس وفي مدينة المزمة التي هدمها مولاي
الرشيد عام 1666 وهي غير مدينة نكور خلافا لابن خلدون وأكبر هذه الجزر هي المعروفة
بحجرة نكور حيث أسس الأسبان مركزا عام 1673 م
(دوكاستر
-الفلاليون - السلسلة الثانية ج 1 ص 21 ) وقد لاحظ فريجوس في رحلته أن مرسى البوزيم Albouzème تقع على بعد ثلاث مراحل غربي نكور وهو موقع مدينة المزمة القديمة
وان واليها في عهده كان هو الشيخ أحمد اعراس صهر مولاي رشيد الذي تنازع مع اعراس
وهدم مدينته لرفضه معونته لانتزاع فاس من الدلائيين (ص 122) ويزعم أن اعراس كان قد اودع في قصبة المزمة حيث كان يسكن ، ثلاثة
ملايين دينار ذهبي (ص 128 ).
22)
في عام 1913 حاول الأسبان الهجوم على الشاون فاصطدموا بقبائل (جبالة ) التي
أوقفتهم في حوز تطوان حتى اضطروا إلى الاتفاق مع الشريف الريسوني الذي كان نفوذه
ممتدا شمالي (جبالة) فهادن الأسبان عام (
1337هـ / 1918
).
23
) الشاون هو المركز الأساسي للأخماس في طريق الحسيمة بكتامة
24)
يزعم الأسبان أن الزعيم ابن عبدالكريم كان يعتزم إقامة حكم جمهوري وهي نفس الدعوة التي
روجها أنصار الملكية الأسبانية عندما ادعوا أن المهاجرين الأندلسيين إلى المغرب
أوائل القرن العاشر الهجري أقاموا ثلاث جمهوريات حول نهر أبي رقراق وكان ذلك دسيسة
منهم لحمل الملوك السعديين وعلى رأسهم المولى زيدان على محاربتهم وطردهم من المغرب
والواقع أن الأندلسيين إنما شكلوا لتعزيز جهادهم ديوانا سياسيا على نسق (آية
الأربعين) التي كان العمل جاريا بها في الأطلس وحتى في الأندلس ولم يسبق للمغرب
وحتى معظم القارة الأوربية أن عرفت في ذلك العصر نظاما سياسيا جمهوريا وقد بادر
الزعيم ابن عبد الكريم بمجرد عودته من المنفى ففند هذا الزعم مخاطبا جلالة المرحوم
محمد الخامس ب (ملكي)
الرموز
: خع ( الخزانة العامة بالرباط)
خم أو خح ( الخزانة الملكية أو
الخزانة الحسنية)
خق (خزانة جامعة القرويين)
خس ( الخزانة السودية) (بني
سودة) بفاس
د.م. دليل المؤرخ لإبن سودة
(24)
يطالب بإلغاء كل اتفاق يمس بحقوق المغاربة واستقلالهم وتعويض الريفيين عن الخسائر
التي لحقت بهم خلال اثني عشر عاما من الكفاح وقد أوفد الزعيم رسله آنذاك إلى باريس
ولندن وفي طليعتهم أخوه امحمد عام 1923 ووجه عريضة لعصبة الأمم وكان للزعيم اختصاصات القائد الأعلى للجيش
من أجل رسم خطوط الدفاع وقد تعزز جانب هذا الهيكل عام 1924 بانضمام قبائل الجبل بين تطوان والأنجرة ووادي لو وشفشاون ثم قوات
أخرى من الفنيدق إلى العرائش ضمن منطقة الهبط فاضطر رئيس حكومة مدريد الجنرال
(بريمودي ريفيرا ) إلى استيناف المفاوضات فجدد المجاهدون مطالبتهم بجلاء الأسبان
عن المغرب ودفع تعويضات قوامها عشرون مليون بسيطة وخمس عشرة طائرة ومائة وعشرون
مدفعا ولكن الأسبان رفضوا وبدأوا مع ذلك ينسحبون عن مائتي مركز من مراكزهم وهنا
شعرت فرنسا بخطر هذه الاندلاعة التي توشك أن تهدد وجودها جنوبي المغرب ففتح قائدها
المريشال اليوطي جبهة جديدة وكان يحسب أن أسبانيا ستكفيه هذه المئونة ولكن توالي
الهزمات الأسبانية حدته إلى المبادرة بالهجوم على الحصون الأمامية الريفية في وادي
ورغة وكان جانب من الفكر العام في كل من فرنسا واسبانيا قد بدأ ينظر إلى الزعيم
محمد بن عبد الكريم كبطل لاستقلال المغرب ويدعو إلى مساعدته مما حدا الحزب
الراديكالي والاشتراكي إلى مطالبة الحكومة الفرنسية بجعل حد لهذه المغامرة بمفاوضة
الزعيم الريفي لإقرار الصلح ولكن المريشال (بيتان) الذي عينته فرنسا لقيادة
العمليات كان من أنصار مواصلة الحرب بتطويق الريف وإثارة القبائل ثم مهاجمة قلب
المقاومة وبعد انهزام فرنسا في (ورغة ) فكرت في تنسيق جهودها مع إسبانيا التي
أنهكتها حرب الريف ففكرت في احتلال (أجدير) لإنقاذ سمعتها ونجح (بيتان) في إقناع
الجنيرال (ريفيرا) الأسباني بالنزول في (الحسيمة) معززا بالأسطول الفرنسي ثم
احتلال أجدير وكان اليوطي قد أقيل من منصبه كمقيم عام بالمغرب وخلفه السيد ( ستيغ)
وتأزمت الحالة لأن عوامل الثورة الريفية اندلعت في الحواضر لاسيما بعد وصول
المجاهدين إلىتازة وتطوان في حملات ظافرة بالبيبان والكيفان وبعد أن تواردت رسل
زعيم الريف إلى قواد الأطلس تدعوهم للانتفاضة مع الشمال وقاطع الناس مدارس من
الحماية خاصة بفاس فأحست فرنسا بتزايد الخطر الداهم الذي أصبح يهددها لا في المغرب
وحده بل في إفريقيا فحشدت في ربيع 1926 اثنين وخمسين جنرالا ومائة وعشرين ألف رجل واثنين وعشرين سربا من
الطائرات وعتادا ضخما للقيام بحملة مشتركة ورغم كون (ستيغ) لم يكن يرى سوى وسيلة
واحدة لإنقاذ الموقف وهي التفاوض حيث طار لباريس وأقنع وزير الحرب فإن الحكومة
الفرنسية لم تقتنع فأسفرت الحملة المنسقة التي عززت بعناصر التخاذل ودعاة الهزيمة
من رجال القبائل والمشعوذين عن استسلام محمد بن عبدالكريم يوم خامس عشر ماي 1926
فنفي مع أخيه محمد وباقي عائلته إلى جزيرة (لارينيون) وقد قضى الزعيم في منفاه
إحدى وعشرين سنة قررت فرنسا إثرها نقله عام 1947إلى
بلادها فدبر مكتب المغرب العربي لدى نزول الزعيم وأسرته بقناة السويس خطة لاختطافه
فتمت العملية بنجاح واستقر ابن عبد الكريم مع عائلته بالقاهرة وأكرمت مصر وفادته
واتصل بجلالة الملك الراحل محمد الخامس عام 1960 أثناء رحلته إلى الشرق فأقنعه جلالته بالعودة إلى الوطن وقرر
الزعيم الرجوع للاستقرار بطنجة ولكن المنية عاجلته يوم حادي عشر رمضان 1382 هـ / 6
يبراير 1963 .
وما
لبث المغرب بعد توقف الجهاد الحربي أن تلاحم في نطاق حركة وطنية اتصلت خيوطها (عام
1930
) بعد صدور الظهير البربري بين الشمال والجنوب وكانت المقاومة مازالت مستمرة
بنواحي الأطلس والصحراء إلى عام (( 1936 فلم يمر آنذاك أكثر من عقد من السنين حتى بادر جلالة المرحوم محمد
الخامس في رحلته إلى طنجة عام (1947 ) بالمطالبة بالانضمام إلى الكتلة العربية المستقلة وكان رحمه
الله قد مهد لذلك في مؤتمر آنفا بالدارالبيضاء عام 1943 بحيث لم تدم حماية فرنسا و إسبانيا فعلا أكثر من عشرين سنة ( 1956 - 1936
) بفضل الجهاد المشترك الموصول بين جميع أجزاء المغرب الحر.
1
) تسمى أيضا الشاون وشيشاون وقد وهم البكري فظن أن شفشاون تقع على بعد ثلاثين ميلا
من نفيس (المغرب الأقصى ص 154 ) وهو يقصد شيشاوة
2) المجلة الأسيوية - المجلد العاشر ص 152 - و في شرق المنطقة بين عين بردة وتمزقانة
بحدود مثيوة يقوم أمام جرف البهموت كاف العروس وهو مغارة طويلة يقال إنها تغطي
مدينة جوفية عتيقة كما توجد في مدينة مزراوة أنقاض مدينة توصف بأنها عتيقة أيضا
3) يوجد كتاب لابن عرضون
الشفشاوني يسمى ( مناقب موسى بن نصير وأخبار سكان شفشاون )
)
يظهر أن مياه المحيط كانت تصل آنذاك إلى ممر تازة فكانت السهول مغمورة بالمياه
ولعل الإنسان الأول المنطلق من الشرق اختار الجبال ممرا له فمر بجبل الشاون بعد
خروجه من تافوغالت في المغرب الشرقي لينطلق عبر الاطلس إلى فاس ومنها عبر سهول
الغرب إلى الرباط ثم أنفا وبعد انحسار المياه إلى المحيط وقع الجفاف جنوبا فانتقل
صنف من الإنسان الأول من الصحراء ليلتقي بالإنسان الشرقي
5)
انتشرت صنهاجة شمالا فيما يسمى ب(جبل صنهاجة) الواقع جنوبي سبتة بجوار (نكور)
(البيذق ص 46) /الاستبصار- ص 129 طبعة زغلول / وصف إفريقيا - ليون الإفريقي ص 12
عام 1956 ) وكذلك (صنهاجة) السراير) بإقليم الحسيمة تضم كتامة وتوجد فرق
منها بفاس (ابن خلدون ص 151
) وجبل يزناسن والقصر الكبير وناحية مراكش
6
) محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد الوزير (1132 هـ) وأحمد اليحمدي وزير المولى إسماعيل (راجع سنا المهتدي إلى
محاسن الأحمدي لعلي مصباح الزرويلي الأخماسي (1130 هـ)
7
) وقد تحدث المؤرخون عن وجود مدينة Jagath فرب
تطوان و Accra بأسفي
8
) كانت منقوشة على حجر قد كتب عليها ( احنا بني افرانم من كنعان لا نحمل الحكَرة )
(ومعناها نحن بني افرانم لا نتحمل الاحتقار)
و مازالت كلمتا (احنا) و(حكَرة) مستعملتين في العامية المغربية وينتج عن ذلك
كما لاحظه كوتيي في (العصور الغامضة ...) أن اللغة العربية دخلت إلى المغرب مع
هؤلاء الكنعانيين قبل الإسلام بنحو ألف وسبعمائة سنة وقد أشار إلى ذلك مخطوط في
مكتبة (افرانكو) بمدريد نص على أول قطعة بحرية قد انطلقت من أصيلا.
( 9 المغرب في ذكر بلاد إفريقية ( المغرب) وهو جزء من مسالك البكري
طبعه (دوسلان) بالجزائر عام 1911 (ص 92 -90)
راجع
دور (المزمة) في بلد نكور في هذا المجال (المغرب ص 99) /ابن عذارى ج 1 ص 252 طبعة بيروت 1950/ دوكاستر- الوثائق الغميسة - السلسلة الأولى- العلويون ج 1
ص 33 - 21
/ الذخيرة السنية ص 39/
والمزمة
حسب الإدريسي تقع على بعد 20
ميلا من (بوزكور) وهم اسم نكور ( راجع وصف إفريقيا المقتبس من نزهة المشتاق
الإدريسي ص 111 - طبعة الجزائر 1957 ).
10
) يظهر أن العباسيين أشراف منعدمون بالمغرب ( الاستقصا ج 3 ص 108 ) عدا في غمارة حسب الاستاذ عبدالله كَنون (مجلة لسان الدين ج 4
ص 17
من السنة الثامنة)
11
) وفي هذه الفترة زرع قاسم بن محمد الملقب بكَنون بذور الشيعة في غمارة وهلك في
قلعة (النسر) و خلفه ولده أبوالعيش أحمد بن القاسم الذي دعا للناصر الأموي ونقض
طاعة الشيعة وقد ظهر أبوعبدالله الشيعي بكتامة داعيا للرضى ( تاريخ ابن خلدون م. 6 ص 447 )
12
) إلى هذا العهد كان مجموع شمال المغرب يعرف بسوس الأدنى ( راجع البيان لابن عذارى
وكتابنا (سوس بوابة الصحراء) ولعل التسمية جاءت من الأندلس حيث كان شمال المغرب
أقرب إليها من (سوس الأقصى).
13)
المعروفة في الخرائط القديمة باسم (جزيرة المرجان) Ile
de Corail وقد سميت أيضا بجزيرة
الثورة كناية عن جهادها ضد العدو المغير
14)
وقد سيطر الأسبان في نفس الوقت على القصر الكبير وأصيلا وطنجة.
15
) راجع أيضا (وثائق دوكاستر -السعديون - السلسلة الأولى - م 1 ص 5 - 135 / م. 3 ) حيث أشار إلى الأميرإبراهيم بن علي بن راشد وزير أحمد الوطاسي
المعروف عند الإسبان ب Malabrin والموصوف بزعيم شيشاون
16
) مرآة المحاسن لمحمد العربي الفاسي ص 168 الطبعة الحجرية بفاس
17
) كان عدد الأسر المهاجرة ثمانمائة (800 )
18
) الخزينة مدينة في الريف حيث درس مولاي علي بن راشد أمير شفشاون وهي اليوم -كما
يقول Moulièras - كما كانت منذ عشرين أو ثلاثين قرنا. Le
Maroc Inconnu T.1 p. 120
19 ) كانت مدينة القصر الكبير هي منطلق الجهاد في الهبط وكان آل
الفاسي الفهري يقطنونها منذ أن ارتحلوا إليها من (مالقة) في القرن الرابع الهجري
فكان لهم حظ كبير في (معركة وادي المخازن) بعد أن عادوا من فاس إلى مسقط رأسهم بها
فسموا بالفاسيين
راجع
"مولاي علي بن راشد" أمير شفشاون للأستاذ محمد بن عزوز حكيم -طبعة تطوان
1950
- وكذلك كتاب فولان Fulan (نظرات حول الريف والشاون) - طبعة لندن 1935 / الإحياء و الإنعاش بذكر من استوطن قلعية وشفشاون قديما وحديثا
من أبناء سيدي ورياش ) للحاج العربي الورياشي / لمحات من تاريخ الأخماس وشفشاون
لأحمد الريسوني جريدة القصر 1960 - عدد 4 عام 2)
20
) في آخر السعديين كانت كثير من المراكز المغربية قد احتلها البرتغاليون فحررها
العلويون الذين قاموا بدور تحريري وعمراني هام في منطقة الشاون حيث قام السلطان
محمد بن عبدالله بتعيين رجالات أكفياء على رأسها أمثال علي العروسي البوزراري وإلى
شفشاون والقائد العياشي الذي كان عاملا على تارودانت وأحمد بن بلة الشياظمي (عام 1190
هـ) (تاريخ الضعيف ص 179) وكان القائد علىطنجة آنذاك هو محمد وبلة الشياظمي وكان (أحمد بن
حدو) قد عين على ولاية الإقليم في العهد الإسماعيلي مع ابن أخيه أحمد بن علي
الريفي (1125 هـ) بعد وفاة القائد علي بن عبد الله الريفي (ص 96
) وكان من بين هؤلاء الولاة مجاهدون عرفوا باستماتتهم في الكفاح ضد العدو وقد
استمر هذا النضال في الشاون حيث عرفت هذه المدينة المجاهدة أحد أبنائها وهو
الفدائي عبدالله الشفشاوني مدرب منظمة اليد السوداء الذي نفذ الفرنسيون فيه الحكم
بالإعدام في 13 ذي الحجة 1374 هـ / 2 غشت 1955 بسجن العادر.
21
) طمع الأسبان منذ القرن السادس عشر الميلادي في جزر المزمة الثلاث الواقعة في
الفرضة التي ينصب فيها وادي نكور ووادي غيس وفي مدينة المزمة التي هدمها مولاي
الرشيد عام 1666 وهي غير مدينة نكور خلافا لابن خلدون وأكبر هذه الجزر هي المعروفة
بحجرة نكور حيث أسس الأسبان مركزا عام 1673 م
(دوكاستر
-الفلاليون - السلسلة الثانية ج 1 ص 21 ) وقد لاحظ فريجوس في رحلته أن مرسى البوزيم Albouzème تقع على بعد ثلاث مراحل غربي نكور وهو موقع مدينة المزمة القديمة
وان واليها في عهده كان هو الشيخ أحمد اعراس صهر مولاي رشيد الذي تنازع مع اعراس
وهدم مدينته لرفضه معونته لانتزاع فاس من الدلائيين (ص 122) ويزعم أن اعراس كان قد اودع في قصبة المزمة حيث كان يسكن ، ثلاثة
ملايين دينار ذهبي (ص 128 ).
22)
في عام 1913 حاول الأسبان الهجوم على الشاون فاصطدموا بقبائل (جبالة ) التي
أوقفتهم في حوز تطوان حتى اضطروا إلى الاتفاق مع الشريف الريسوني الذي كان نفوذه
ممتدا شمالي (جبالة) فهادن الأسبان عام (
1337هـ / 1918
).
23
) الشاون هو المركز الأساسي للأخماس في طريق الحسيمة بكتامة
24)
يزعم الأسبان أن الزعيم ابن عبدالكريم كان يعتزم إقامة حكم جمهوري وهي نفس الدعوة التي
روجها أنصار الملكية الأسبانية عندما ادعوا أن المهاجرين الأندلسيين إلى المغرب
أوائل القرن العاشر الهجري أقاموا ثلاث جمهوريات حول نهر أبي رقراق وكان ذلك دسيسة
منهم لحمل الملوك السعديين وعلى رأسهم المولى زيدان على محاربتهم وطردهم من المغرب
والواقع أن الأندلسيين إنما شكلوا لتعزيز جهادهم ديوانا سياسيا على نسق (آية
الأربعين) التي كان العمل جاريا بها في الأطلس وحتى في الأندلس ولم يسبق للمغرب
وحتى معظم القارة الأوربية أن عرفت في ذلك العصر نظاما سياسيا جمهوريا وقد بادر
الزعيم ابن عبد الكريم بمجرد عودته من المنفى ففند هذا الزعم مخاطبا جلالة المرحوم
محمد الخامس ب (ملكي)
الرموز
: خع ( الخزانة العامة بالرباط)
خم أو خح ( الخزانة الملكية أو
الخزانة الحسنية)
خق (خزانة جامعة القرويين)
خس ( الخزانة السودية) (بني
سودة) بفاس
د.م. دليل المؤرخ لإبن سودة
عدل سابقا من قبل عبدالبارئ بوهالي في الإثنين 23 فبراير 2009 - 10:17 عدل 1 مرات
عبدالبارئ بوهالي- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1789
العمر : 68
تاريخ التسجيل : 23/08/2006
عبدالبارئ بوهالي- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1789
العمر : 68
تاريخ التسجيل : 23/08/2006
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى