لماذا شارك الفلاحون فى ثورة 1919؟
صفحة 1 من اصل 1
لماذا شارك الفلاحون فى ثورة 1919؟
قد يكون لخروج شريحة
المتعلمين والمثقفين فى ثورة 1919 مبرراته ، لكن أن تخرج العامة أو
الأغلبية الصامته الأمية والفقيرة فهذا ما يحتاج لوقفة ، لماذا خرج
الفلاحون والباعة والعمال ليشاركوا الأفندية والنخبة فى المطالبة بالجلاء
والإستقلال ؟ ، ما الذى جعل مواطن لا يقرأ ولا يكتب ، وبالكاد يوفر قوت
يومه ، ينتفض ويهتف مطالبا بسفر مجموعة من النخبة للتفاوض على جلاء المحتل
؟ ، لماذ قدم هؤلاء البسطاء حياتهم وقودا لمعركة تبتعد كثيرا عن زمام
قريتهم ؟ ، ما الذى يعود على جائع وجاهل ومعدم ومقهور من الهتاف "
الإستقلا التام أو الموت الزؤام " وهو لا يعرف معنى ما يقول ؟ ، ما الذى
يعود عليه من الإستقلال إذا كان هو من العبيد والرعاع فى نظر الحكومة
والإحتلال ؟ .
بعد
انتهاء الحرب العالمية الاولى، وعلى وجه التحديد فى سنة 1918 ، دعا
الرئيس الأمريكى ولسون إلى مبدأ حق الأمم فى تقرير مصيرها ، وطالب _ حسب
صياغة الرافعى _ بإنشاء جمعية أمم لوضع الكفالات لضمان الاستقلال السياسى
، وسلامة الأملاك لجميع البلدان صغيرها وكبيرها ، وقد لاقت هذه الأفكار
تأثيرها فى نفوس بعض السياسين فى مصر ، خاصة وقد أصدرت فرنسا وبريطانيا
تصريحا مشتركا ، عبرتا فيه عن رغبتهما فى تحرير الشعوب التى كانت خاضعة
للاحتلال التركى .
وفى
حفل شاى اقامه السير ريجنلد ونجت المندوب السامى البريطانى ، اتفق بعض
الساسة على الإشتراك فى مؤتمر الصلح العالمى من خلال وفدين ، الأول حكومى
رسمى يمثله رشدى باشا وعدلى باشا ، والثانى _ على حد ذكر محمود أبو الفتح
فى المسألة المصرية _ أهلى يمثل الأمة المصرية ، برئاسة سعد زغلول بصفته
وكيل الجمعية التشريعية المنتخب ، وألتقى سعد وعلى شعراوى باشا وعبدالعزيز
فهمى بك بالمندوب السامى وطلبوا منه التصريح لهم بالسفر إلى انجلترا لحل
القضية المصرية ، وفى نهاية الأمر رفض طلبهم ، وتم تشكيل الوفد ، بالإضافة
للسابقين تم ضم : محمد محمود باشا ، واحمد لطفى السيد ، وعبد اللطيف
المكباتى بك ، ومحمد على بك ، وهم جميعا من اعضاء الجمعية التشريعية ، ثم
تقرر صياغة توكيل لأعضاء الوفد ، يفوضهم فيه الشعب بجميع طوائفه للمطالبة
بحقوق مصر فى تقرير مصيرها ، وقد سجل عبدالرحمن فهمى بك نص البيان فى
مذكراته كالتالى : نحن الموقعين على هذا الأعضاء بالجمعية التشريعية ، قد
أنبنا عنا حضرات ( اسماء الأعضاء ) ولهم ان يضموا إليه من يختارون ، فى ان
يسعوا بالطرق السلمية المشروعة حيثما وجدوا للسعى سبيلا ، فى استقلال مصر
تطبيقا لمبادىء الحرية والعدل التى تنشر رايتها دولة بريطانيا العظمى
وحلفاؤها ، ويؤيدون بموجبها تحرير الشعوب " ، وقاموا بتوزيع التوكيل على
المدن والقرى والنجوع للتوقيع عليه ، وجمعت ألاف التوقيعات بمعرفة وموافقة
الحكومة برئاسة حسين رشدى والسلطان فؤاد ، وبعد فترةوصدر قرار الحكومة
البريطانية برفض سفرهم ، وخاطب سعد أغلب الدول الأوروبية ، وأوضح فى
برقياته ورسائله مطلبهم وتعنت الحكومة البريطانية معهم ، ولكثرة تحركات
سعد ورفاقه بين الجماهير ، اتفق نائب المندوب السامى مع حكومته على اعتقال
المجموعة ونفيهم خارج البلاد خوفا على هيبة بريطانيا العظمى ، فى عصر يوم
8 مارس 1919 ، ألقت السلطات البريطانية القبض على سعد زغلول باشا ، ومحمد
محمود باشا ، وإسماعيل صدقى باشا ، وحمد الباسل باشا ، وتم احتجازهم فى
ثكنة الجنود فى قصر النيل ، فى الساعة الحادية عشرة من صبيحة اليوم التالى
تم نقلهم عبر القطار إلى مدينة بورسعيد ، ومن هناك أقلتهم الباخرة المتجهة
إلى مالطة لتنفيذ قرار بالنفى ، فى نفس اليوم 9 مارس ، بدأت الثورة فى
شكلها السلمى ، حيث قام طلبة كلية الحقوق بالاضراب عن الدراسة ، وسرعان ما
انتشر الخبر ، وعمت المظاهرات المدارس العليا والثانوية وجميع فئات وطبقات
المجتمع ، فى القاهرة والمحافظات بالمدن والقرى ، فى وجه بحرى ووجه قبلى ،
وكان وقود هذه الثورة عامة الناس من الفلاحين والعمال ، حيث كانوا يمثلون
الأغلبية ، خرجوا إلى الطرق والشوارع والميادين ، يحملون الشوم والفؤس
والحجارة فى مواجهة بنادق جنود الإحتلال ، الذين اعتقدوا انها مجرد فتنة
أو هوجة سرعان ما تنتهى ، لكن عندما تطورت الأحداث والمواجهات ، وعندما
قام المهمشون والمستعبدون بقطع الطرق ، والسكك الحديدية ، ووسائل الاتصال
من تليفونات وتليغراف ، ادركت قوات الإحتلا انها الثورة .
المؤرخون
العرب والأجانب أختلفوا فى دوافع هذه الثورة ، وكل منهم حاول ان يتلمس
الأسباب ، الرافعى وبعض من اعتمد عليه من الباحثين ، صنف أسباب الثورة إلى
سياسية واجتماعية واقتصادية وتاريخية ، فى السياسية ترجع إلى تذمر الشعب
من الإحتلال الأجنبى ، وإخلافه وعوده فى الجلاء ، وتغلغله فى شئون البلاد
كبيرها وصغيرها ، وإلغائه دستورها ومحاولة فصل السودان عنها ، ثم اعلانه
الحماية الباطلة عليها فى ديسمبر 1914 ، اضافة إلى ظلم السلطة العسكريو
وبطشها ، واهدارها كرامة المصريين فى السخرة وفى التجنيد ، واعاد الثورة
أيضا إلى مصادرة مواشيهم ومحاصيلهم ، خاصة القطن الذى بيع بأبخس الأثمان ،
وبأسعار أقل كثيرا عن أسعارها فى الأسواق ، اضافة إلى سنوات الجهاد
السابقة للزعيمين مصطفى كامل ومحمد فريد ، وتمهيدهما للثورة على الاحتلال
، كما اعاد الرافعى أبضا قيام الثورة إلى دعوة الرئيس الأمريكى ولسن .
أما
الجماعات التبشيرية والجالية البريطانية فقد كانت لها رؤيتها فى هذه
الثورة ، التى أطلقت عليها مسمى الفتنة ، حيث حملت هذه التقارير بعض
الأوروبيين مسئولية تأجيج الثورة ، وقد حصرت التقارير هؤلاء الأجانب _ على
ذكر د.عاصم السوقى فى ثورة 19 فى الأقاليم _ فى كل من الإيطاليين
والفرنسيين والألمان ثم الأسبان ، وقد تلخصت دوافع وقوفهم مع المصريين فى
التالى : أن فرض الحماية على مصر يؤثر بالضرورة على الإستثمارات الأوروبية
، وأن السياسة البريطانية خلال سنى الحرب العالمية الأولى أساءت
للإوروبيين ، فقد طالت املاكهم المصادرات والإستيلاء ، وأشارت التقارير
أيضا إلى تميز الموظف البريطانى عن نظيره الأوروبى ادبيا وماديا ، ونفس
الشىء ينطبق على المحامين ، وتناولت تقارير الجالية البريطانية أسباب
كراهية المثقفين المصريين ، الأفندية والموظفين للبريطانيين ، حيث أوضحت
ان سلطة الاحتلال قامت بتعيين البريطانيين فى الوظائف التى كان من الممكن
للمصريين القيام بها ، وهذا جعل الموظف المصرى يشعر بالقهر ، اضافة إلى
شعوره بالإحباط فى الفوز بالمناصب العليا ، يضاف إلى ذلك ضعف مرتباتهم
بالقياس لمرتبات الأجانب ، أما اشتراك المحامين فى الثورة فيعود إلى
اقتراح وليم برونييت بجعل اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية المعتمدة فى
المحاكم ، وكان عدد المحامين آنذاك 200 ألف محام ) ، ورصد هذه التقارير
اندماج المثقفين والعامة واتحادهم فى موقف واحد ، هذا مع ان المثقفين
المصريين كانوا ـ على حد زعم التقارير ـ يحتقرون العامة ويعاملونهم
بإزدراء ، وتذكر التقارير ان عدد سكان مصر آنذاك كان حوالى 12 مليونا ،
بينهم على الأقل 11 مليونا من الفلاحين ، اضف إلى هذا ان التقارير حملت
الجاليات الأجنبية والعمد والمشايخ وكبار الموظفين مسئولية قهر واستعباد
العامة ، وهو ما جعل الأهالى يحملون الكراهية لقوات الإحتلال ، واكدت غياب
السياسة المحددة تجاه مصر ، وعجز ادارة الشئون المصرية بواسطة وزارة
الخارجية ، وقصور الإدارة البريطانية فى معالجة العديد من الأمور ، وضعف
مستوى الموظفين البريطانيين .
ومع
وجاهة هذه المبررات التى دونتها تقارير الجالية البريطانية ، والتى ساقها
المؤرخون المصريون ، فهى فى النهاية اهتمت بالنخبة المتعلمة والمثقفة ،
حتى ان معظم ما جاء من أسباب هنا وهناك ، يعود للضيم الذى يقع على فئة
الموظفين والمحامين وأصحاب الأملاك من تجار ومزارعين ، لكن أصحاب الجلاليب
الزرق ما الذى دفعهم لهذه المعركة النخبوية ؟ ، هم فى النهاية لن يتحصلوا
على شىء ، الأجانب يعاملونهم كعبيد ، يضربون بالكرباج ويجبرونهم على
التجنيد والسخرة ، ويستولون على الفتات الذى يطعمون اولادهم منه ، وكذلك
حكومة بلادهم ، البشاوات والبكوات والأفندية يتعاملون معهم بإزدراء
واحتقار وبمعاملة تكاد تكون أسوء من الأجنبى ، كما انهم فى غياب الإحتلال
او وجوده سيظلوا عبيد الأرض ، يقتاتون بمشقة والديانة تطاردهم أينما ذهبوا
، فلماذا وافقوا على الخروج خلف الأفندية ؟ ، ما الذى شجعهم على الثورة ؟ .
ارجع
العديد خروج العامة والفلاحين إلى زيادة الوعى السياسى والتقدم الذى شهده
المجتمع ، وتأثر الفلاحين خلال السنوات التى تفصلهم عن ثورة عرابى بالعديد
من الأفكار التى اكتسبها الأفندية ، او حسب صياغة الرافعى : فلم يكن احد
يتوقع أن الفلاح الساذج البعيد بفطرته عن غمار السياسة وعواصفها ، يندمج
فيها إلى درجة الثورة وخلع قضبان السكك الحديدية وقطع المواصلات ، وبذل
الروح فداء للوطن ، كل هذا يدلك ، على حد زعم الرافعى ، على تقدم الأفكار
فى طبقات الموظفين والأعيان والفلاحين ، وبذلك تقدم المجتمع فى شتى نواحيه
، فى حين أرجع البعض ، خاصة الأجانب منهم خروج الرعاع حسب تسميتهم خلف
الأفندية ، بسبب الديانة ، حيث ان الساسة استخدموا الدين فى السياسة ،
وشحنوا البسطاء ضد المحتل غير المسلم الذى يقهر المسلم وحكومته المسلمه .
أغلب
الظن أن العامل الرئيس لخروج هؤلاء خلف الأفندية موافقة الحكومة والسلطان
ومساندتهما للوفد ، وقد تأكد هذا للفلاحين والعامة من خلال التوكيلات التى
كانوا يوقعون ويختمون ويبصمون عليها ، حيث كانت تتم بعرفة مراكز الشرطة ،
ويشجع عليها العمد والمشايخ والخفر ، حتى ان الحكومة برئاسة حسين رشدى قد
تقدمت بإستقالتها للسلطان فؤاد عدة مرات ، احتجاجا على رفض الحكومة
البريطانية سفر الوفد للتحدث فى قضية الجلاء والإستقلال ، واشترط رشدى
وعدلى سفر الوفد معهما ، هما يمثلان الجانب الرسمى والوفد يمثل الجانب
الأهلى ، وهو ما يعنى أن صاحب الكرباج يساند ويدعم بقوة فكرة التوقيع على
التوكيلات ، ويطالب بالوقوف خلف الفريق المسافر للتحدث عن الجلاء ، واغلب
الظن ان الفلاحين خرجوا فى بداية الثورة خوفا من صاحب الكرباج يسيرون خلف
الأفندية يرددون هتفاتهم ، ثم اكتشفوا بعد ذلك قوة فى اتحادهم وصياحهم ،
واتضح لهم لأول مرة أنهم قادرون على الغضب والرفض ورد الصاع صاعين ، وكانت
فرصة للثأر من سنوات قهر وفقر وعبودية ومهانة ومزلة ، فرصة حتى لو كانت
وقتية لكى يعيد كل منهم بعض من المهانة والمزلة التى لحقت به أمام زوجته
وأولاده وجيرانه فى القرية ، بسبب الديون أو السخرة أو لأتفه الأسباب ،
وما يقوى هذا الظن فرضية معاداة الحومة والسلطان للوفد وفكرة جمع توقيعات
على التوكيلات ، لو كانت الحكومة قد رفضت هذه التوكيلات ، ما سمعنا عنها ،
وما احتشد الصغير والكبير للتوقيع والبصم عليها ، وما شهدت القرة والنجوع
والمدن هذا الحراك الثورى ، كما بقوى هذا أيضا أن سعدا ورفاقة عند علمهم
برفض الحكومة والسلطان لفكرة تشكيل الوفد ، ما فكروا فى تكوينه ، ولا
خاطبوا المندوب السامى ، لكن واقع الأحداث يشير إلى ان الفكرة كانت وليدة
الحكومة وبعض أعضاء الوفد ، حيث تم الإتفاق على سفر وفد حكومى وآخر أهلى ،
وهو ما شجع النخب والعامة على المشاركة كل حسب تفسيره وقنعاته .
الكاتب والباحث المصرى : علاء عريبى
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى