عمر الشريف
صفحة 1 من اصل 1
عمر الشريف
لو
نظرت إلى عيني عمر الشريف، ستفاجئك مسحة حزن لا تخفي على أحد، وهو بدوره،
لا يحاول أن يخفيها، حتى منحت لوجهه جمالا من نوع خاص، وهي نظرة لا يمكن
إلا أن تراها على وجه شخص ما فجع في أحد والديه، بعد شهر على الأقل من
تاريخ الوفاة، عندما تعود الدموع إلى مآقيها ويبقى ذكراها شجيا مرسوما بين
عينيه.
ربما
شكلت ملامحه حلما متكررا للمراهقات على امتداد سنوات طويلة، وجذبت أقلاما
كثيرة تحاول وصفها، فيكتب خيري شلبي، على سبيل المثال " عينان نافورتان
يتسابق فيهما الشعاع في شلالات متدفقة بالمشاعر الحية، كل عين جورة، في كل
جورة حمرة تفتح لها أزرق صافي الزرقة، كأنها قبس من البحر السكندري،
العينان فيهما سماحة مصر، ذكاء مصر، عراقة مصر، حرارة قلبها ورقة نسيمها
واعتدال مناخها".
لم
يكن عمر لشريف مجرد لوحة فنية تسر الناظرين، بل شكل بتاريخه الفني قصة
صعود وهبوط درامية، احتار التاريخ في التعامل معها، ربما لأنه لا يصادف
مثلها كثيرا أثناء سيرة.
البداية
ولد
عمر الشريف لأسرة برجوازية، البعض قال: إنها يهودية، وآخرون قالوا إنها
مسيحية كاثوليكية، كانت تقطن الإسكندرية باسم ميشيل شلهوب عام 1932،
وتمتد أصوله إلى لبنان، كان أبوه يعمل بتجارة الأخشاب، وهي مهنة توارثتها
العائلة، وقد دخل مدرسة فيكتوريا، وهي التي رافقه فيها عدد كبير من مشاهير
الأدب والسياسة، فيما بعد منهم الراحلون "الملك حسين بن طلال "، والكاتب
الأشهر إدوارد سعيد، وقد تعلم التمثيل على مسرحها، وهو بعد لم يبلغ
الثانية عشرة، وقد عاش طفولة مدللة، شاركه فيها مجموعة من الرفاق أبرزهم
الممثل الشهير، فيما بعد، "أحمد رمزي".
ذات
مرة قابل عرافة يونانية في الإسكندرية، وعندما وجدته شارد الذهن ينظر إلى
قطة سوداء في أحد أركان الغرفة، قالت له ستصبح مشهورا وستغادر مصر، وهو ما
تحقق على نحو مثير بعد ذلك.
كانت
نقطة التحول الأولى في حياته، عندما قابل يوسف شاهين مصادفة في شارع طلعت
حرب "سليمان باشا وقتها" وسط القاهرة فرآه شاهين مشروع بطل سينمائي، ولم
يكن لعمر الشريف أن يرفض الفرصة، فقدم "صراع في الوادي "، مع فاتن حمامة
التي دربته كثيرا على نطق العامية المصرية، بشكل سليم بعد أن كانت طريقته
في الكلام متأثرة بدراسته الأجنبية، وكانت سببا في اختيار اسمه عمر، بعد
أن وجد أن اسم ميشيل أجنبيا، ولن يتقبله الجمهور بسهولة.
أحس
عمر بشيء ما من ناحية فاتن حمامة الممثلة الأولى وقتها، وكان الاقتراب
منها شيئا صعبا، نظرا لحواجز الشهرة، لكن الحواجز ما لبثت أن انهارت بعد
أن قبلته قبلتها الشهيرة داخل الفيلم، وهي ما أصابته بالإغماء وقتها، فخر
فاقد الوعي، وبعدها توالت المفاجآت كالقنابل، فقد انفصلت عن زوجها المخرج
عز الدين ذو الفقار، وتزوجت عمر بعد أن أشهر إسلامه، وهو الشيء الذي أصاب
والديه بالصدمة، ولكنهما حضرا عقد القران وشد والده على يديه قائلا: " كل
شيء لا اعتراض عليه ما دام سيسعدك".
توالت
بعد ذلك أفلامه في السينما المصرية، التي أصبح في فترة قصيرة أحد نجومها،
فقدم " صراع في الميناء" و " بداية ونهاية" و " نهر الحب" ، و" في بيتنا
رجل " ، " غرام الأسياد" وغيرها.
وبعد
ذلك كان الانطلاق إلى العالمية إلى هوليود في وقت لم يكن فيه الأعلى موهبة
في السينما المصرية، فقد سبقه وقتها محمود مرسي ورشدي أباظة على الأقل،
لكن لعبت المصادفة دورا حيويا، عندما قرر"ديفيد لين" إخراج فيلم "لورانس
العرب "، الذي لعب دورا حيويا في المنطقة في مرحلة ما بعد الحرب الثانية،
وطلب بطلا عربيا حتى يعطي مصداقية للعمل، كما فعل في فيلمه عن الهند
وفيتنام واستعان بممثلين منهما، وجاء إلى القاهرة، وطلب ممثلين يجيدون
الإنجليزية، فكان رشدي أباظة، الذي رفض أن تجري له اختبارات في التمثيل
فتقدم عمر الشريف، ونجح في اجتيازها وقام بدور على "على " _المناضل الذي
يحاول تحرير الأرض من الأتراك، ويفاجأ بمستعمرين آخرين بعد خروجهم، وشاركه
"انتوني كوين"، الذي قام بدور "أبو الطائي"، ونال الفيلم 7 جوائز أوسكار وقد شاهدته ملكة إنجلترا في عرض خاص، وهو ما جعله يعيش وقتها أسعد لحظات حياته.
توالت
بعد ذلك أفلامه الناجحة " جيفارا" و"فتاة مرحة" و "جنكيز خان" و "دكتور
زيفاجو"، وغيرها، كان أداؤه في البداية متأثرا بمدرسة التمثيل الشخصي، ثم
تحول إلى مدرسة أخرى، بمرور الوقت والنضج الفني وهي مدرسة "الممثل –
الشخصية"، وهي الطريقة التي رأيناها في الراحلين محمود مرسي، أحمد زكي، و
حاليا أيمن زيدان.
وكانت
رائعته "دكتور زيفاجو" هي قمة أدائه التمثيلي، وهو يحكي عن قصة كاتب روسي،
نفي من بلاده ثم قتل لأفكاره ورواياته المناهضة للأوضاع السيئة فيها.
في
هذا الفيلم وصف النقاد تمثيله " بالأداء الاستنباطي"، الذي يعتمد على حركة
العين ومشاعر التعبير بالوجه دون الصراخ والانفعالات الزائدة، وقد أبدع
عمر الشريف فيه، خصوصا في المشهد الذي يرى فيه الجيش الروسي يقتحم مدينته،
وهو أعزل لا يستطيع أن يقاوم.
في هذا المشهد اكتفى عمر الشريف بنظرة حزينة يائسة ظلت في أحزان الناس كثيرا.
احتل
بعد ذلك مكانة النجم الأول في هوليوود، لكن لكنته الأجنبية كانت سببا في
قلة الأدوار التي يؤديها، فبدأت الأضواء تنحسر عنه تدريجيا، رحل إلى
باريس، وما لبث أن عاد إلى القاهرة وقدم تجربة " الأراجوز" مع هاني لاشين،
ونجحت فنيا وفشلت جماهيريا، ثم كانت التجربة الأهم في " في المواطن مصري "
مع صلاح أبو سيف، وكان أداؤه رائعا للغاية، ثم اشترك في تجربة "ضحك ولعب
وجد ولعب "، فشلت فنيا وجماهيريا، فعاد إلى هوليوود مشاركا أنطونيو
بانديراس ، كضيف شرف في المحارب رقم 13.
ougrari- عدد الرسائل : 245
العمر : 55
تاريخ التسجيل : 02/08/2006
رد: عمر الشريف
عاد
إلى باريس مرة أخرى مستقرا بها، بعد أن فشل في التأقلم في جو القاهرة بعد
سنوات في الغربة، ثم يلمع أخيرا مع دوره الرائع في فيلم " السيد إبراهيم
وزهور القرآن"، الذي قام فيه بدور بقال مسلم تنمو علاقة سوية بينه وبين
صبي يهودي، ونال عنه عدة جوائز من مهرجانات عالمية.
قد
قدم عمر الشريف للسينما المصرية 27 فيلما لا يرضى عن أغلبها، كما قدم عددا
من المسرحيات على مسارح العالم منها "آمال كبيرة" لتشارلز ديكنز ،وقدمه
على مسرح ترافيرس في لندن، كما قدم كاليجولا لألبير كامو وغيرها من
المسرحيات.
الألم
كانت
حياة عمر الشريف أبلغ دليل على أن الكبار يتألمون أيضا، فالشهرة والمال
وعناق المعجبات لا يضمن السعادة في كل الأحوال، وربما رافق الألم لأوقات
طويلة لأنه نبع من أشياء لا يبخل عليها بمشاعره، كان أولها حكايته مع
النساء، وقصص حبه التي انتهت غالبا بالفشل، وكانت أولى تجاربه مع فتاة
فرنسية، تدعى "يان لي مولار"، وهو لا يزال صبيا، وقد عرفها في رحلة برفقة
عمه وزوجته وانتهت عام 1947 .. وكانت التجربة الأهم في حياته العاطفية
فاتن حمامة، التي اقترن بها في قصة أشبه بالأساطير اليونانية القديمة،
وأنجب منها ابنه طارق، وكان سفره للخارج وتفرغه للشهرة والفن سببا كافيا
للانفصال .. كان الاختيار صعبا، لكن في النهاية انحاز لفنه وتحمل الثمن
جزءا من سعادته الشخصية، حاول أن يعوض مرارا بالدخول في مغامرات عاطفية
سريعة انتهت في الأغلب مثل سابقاتها إلى طريق مسدود منها علاقته بـ"باربرا
ستراسند"، بعد أن جمعهما فيلم "فتاة مرحة": " كنت أبحث عن امرأة خجولة وهو
ما لم أجده في أمريكا .. هكذا قال ذات مرة، ولكنه نسي أن يقول "كنت أبحث
عن فاتن حمامة".
كانت
الضريبة التي دفعها عمر الشريف هي انتزاعه من حياة شخصية مستقرة، بيت ووطن
وأسرة تلتف حوله، فهو ضيف دائم في فنادق أوروبا، لا يستطيع أن يتكلم أو
ينشئ علاقات دائمة، وهو ما أكسبه بعض الصفات السيئة منها التدخين والقمار:
" كنت لا أحتمل استنشاق السجائر، ومرة بمرة تخللت إلى جسدي حتى أصبحت أدخن
100 سيجارة يوميا، كذلك النساء، كنت وحيدا، فلماذا لا أتناول غذائي مع
امرأة فاتنة".
لكن
كان الألم الأبرز في حياة عمر الشريف سهام التشكيك في وطنيته التي انطلقت
من مصر في مناسبات عديدة، منها عندما ترشح لرئاسة مهرجان القاهرة
السينمائي، ولمّح البعض إلى أصول يهودية له، لإبعاده عن المنصب الذي لم
يطلبه ، وقد كان.
الصراحة
هي الملح الأبرز في شخصية عمر الشريف، وهو ما أوصل جمهوره إلى حد الصدمة
أحيانا رغم أنها تريح صاحبه وتصالحه مع نفسه، فقد سئل مرة عن ابنه غير
الشرعي "روبين "، الذي أنجبه من صحفية إيطالية تسمى بولا دهلوكا، وكان
الولد يشبهه إلى حد التطابق، فقال: " ليس معنى أنني ضاجعت أمه أنه ابني،
إنني مجرد متبرع بالسائل المنوي". كانت الإجابة قاسية وصادمة، لكنه يؤمن
بأنها الحقيقة.
أراحت
الصراحة عمر الشريف من الاكتئاب الذي يصاب به أغلب النجوم إذا وصلوا لسن
متأخر، وحرموا من بريق الماضي :" عندما كنت صغيرا كانوا يغيرون السيناريو
من أجلي أما الآن فلا يقبلون رجلا كهلا، وأنا لست حزينا لأنني كنت كذلك،
فقد كان الفيلم يعتمد في توزيعه علىّ وعلى يحي شاهين وشادية وعبد الحليم،
وكذلك الآن فالفرصة للصغار".
هذا
التصالح مع النفس مكّنه من البحث بروية عما يناسبه، فعاد مرة أخرى للتألق
مع عادل إمام في حسن ومرقص، وينتظر الآن عرض "المسافر" ليجني ثمار عبقريته
التمثيلية، إذا كان الشريف سيترك تاريخا سينمائيا مرموقا، فإن أبرز ما
يثبته الآن أن الكبار لا يموتون أبدا.
محمد فتحي يونس
ougrari- عدد الرسائل : 245
العمر : 55
تاريخ التسجيل : 02/08/2006
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى