الثقافة الشعبية بين التقليد والحداثة وتأثير العولمة/محمد غانم
صفحة 1 من اصل 1
الثقافة الشعبية بين التقليد والحداثة وتأثير العولمة/محمد غانم
الحلقة الأولى
توطئة
اعتبرت
الثقافة الشعبية في العديد من المجتمعات المتقدمة من بين أهم المداخل
الرئيسية لنشر قيم الديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية في أواخر
القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وتضافرت جهود فعاليات المجتمع
المدني والفاعلين الثقافيين والسياسيين ـ الديموقراطيين/الليبرالييين
والتقدميين (اشتراكيين واشتراكيين ديموقراطيين وشيوعيين••••) في تلك
المجتمعات ـ من أجل مواجهة المظاهر السلبية للثقافة التقليدية (رواسب
النظام الفيودالي) وإحداث تحولات في مكونات البنية الثقافية من ثقافة
شعبية رجعية أو ظلامية إلى ثقافة ششعبية متنورة تمكن من خدمة التنمية
المجتمعية وتوعية أفراد الشعب بحقوقهم وواجباتهم (بغض النظر عن الاختلافات
السياسية والإديولوجية، التي تم تركت لصناديق الاقتراع) وبذلك تم رفع
الحواجز بين ما يسمى بالثقافة العالمة وباقي مكونات ثقافة المجتمع، وتم
بذلك تحويل عدد من مصادر ووسائل التثقيف الأرستقراطي إلى مصادر للتثقيف
الشعبي، بعد تغدية محتوياتها بقيم الديموقراطية والعدالة والمساواة
والحرية والتعايش....، فاصبح الكتاب الشعبي (سلاسل الجيب سلسلة ماذا أعرف؟
مثلا...) في متناول أوسع الفئات الشعبية، وأصبح الجميع يشاهد المسرح
(المسارح المتنقلة).. ودعمت السينما والإذاعة والتلفزة، في فترات لاحقة
هذا التوجه، توجه ما اصطلح على تسميته بالتثقيف الشعبي، التي لعبت دورا
حاسما في نشر القيم المصاحبة والضرورية للمجتمعات الديموقراطية. غير أننا
في المجتمع المغربي (خاصة القوى الديموقراطية التقدمية) لم ننهج هذا
النهج، ولم نستثمر إمكانية الفعل في الثقافة الشعبية وجعلها في خدمة
التوعية الديموقراطية، بل استمر تعاملنا معها، منذ الاستقلال إلى الآن،
يتخذ شكل مبادرات منفردة، لم ترق إلى مستوى تعاقدات تتجسد في مواثيق تتآلف
فيها كل التيارات الديموقراطية الوطنيةالتفدمية، دون حسابات سياسية، سوى
التجند ثقافيا وفنيا، من أجل تأهيل الجماهير الكادحة والشباب على الخصوص،
لممارسة الدموقراطية وقيم المواطنة والتعايش بكل اقتناع، الشيئ الدي ترك
فراغا نعيش آثاره، في الألفية الثالثة، المتجسدة في تدني الوعي السياسي
للجماهير الشعبية، وعزوف نسبة كبيرة منها عن المساهمة في بناء
الديموقراطية المأمولة والدفاع عن مكتسباتها باستماتة، إذا اقتضى الأمر
ذلك. وأعتقد أن تفسير العزوف عن الممارسة السياسبة، واعتبارها مجرد لعبة
يدخلها فقط ذوو المصلحة، ومحترفو السياسة، بل إن غياب توافق القوى
الديموقراطية الوطنية والتقدمية حول ميثاق للتثقيف الشعبي هو مايفسر إلى
حد كبير، نجاح قوى الليبرالية الوحشية في طمس هوية قوى التقدم، وجعلها
تتشابه في أذهان العامة مع بقية الاختيارات، بل وتحولها من اختيارات
للتقدم والتنمية الاجتماعية، إلى اختيارات متقادمة ومتجاوزة.
وأعتقد أن هذا الفراغ في عملية التثقيف الشعبي تعود لعدة أسباب من بينها:
*
عدم وجود قناعة بين سائر قوى التقدم والديموقراطية حول ضرورة التوافق حول
ميثاق للتبقيف الشعبي تدوب فيه الخلافات السياسية والاختيارات
الإيديولوجية، كما أشرنا أعلاه، إضافة إلى:
* وضع الثقافة الشعبية في
الرتبة الثانية بالمقارنة مع الثقافة الوطنية، التي لعبت دورا تاريخيا في
مقاومة الاستعمار، بالدعوة إلى الوحدة الثقافية كعامل لتوحيد الكلمة
وبالتالي توحيد جهود جميع المغاربة من أجل مواجهة مناورات المعمر الرامية
إلى تفريق المغاربة بمحاولات من قبيل الظهير البربري أو ما سمي بالتهدئة
أو بمحاولات التحديث وإخراج المغاربة "من عالم التوحش" إلى "عالم
التحضر"... ذلك أن الحديث عن الثقافة الشعبية سيقود لا محالة إلى الحديث
عن ثقافات شعبية ، وبالتالي عن الاختلاف . ورغم زوال مبررات الدعوة إلى
الثقافة الوطنية أولا ، فقد استمر تأثير مرحلة المقاومة لدى بعض التنظيمات
السياسية وبعض المثقفين.
* اعتبارها ذلك الرصيد التراثي المتوارث أبا
عن جد والذي ينبغي تدارسه في الجامعات وتدوينه في الأرشيفات، أو الاستمتاع
به دون الفعل فيه ، وتحويله إلى أداة في خدمة التحولات السياسية التي
يعرفها المجتمع المغربي، باستثناء بعض المحاولات التي أعطت أكلها ، خاصة
في مطلع السبعينيات ، سواء من طرف هيئات أو جماعات أو أفراد، كما سنرى.
*
أو باعتبارها ـ وهذا هو أخطر هذه الاتجاهات ـ دون مستوى النزول إليها
ودراستها والفعل فيها، أي التعامل معها بتعال. وهذا لا ينفي وجود بعض
الصيحات القليلة التي دعت إلى التثقيف شعبي من منابر منفردة محدودة الأثر
على الجمهور، كمحاولات بعض الفرق المسرحية (مهرجانات مسرح الهواة مع الطيب
الصديقي، مسرح البدوي...) وبعدها ظاهرة الغيوان التي رغم عدم خضو عها
لتأطير سياسي فقد كان لها تأثير في تحول بنية الثقافة الشعبية وأدت إلى
ظهور فرق أخرى تحمل قيما مغايرة للقيم الرجعية، إضافة بعض المجلات التي
كان يصدرها اتحاد كتاب المغرب..... وأعتقد أن عدم توحد القوى الديموقراطية
الوطنيةالتقدمية في الوقت المناسب حول ميثاق للتثقيف الشعبي، يعود أساسا
إلى الفهم السائد لمفهوم الثقافة الشعبية الذي يتم الخلط فيه بين مفهوم
الثقافة الشعبية والثقافة التقليدية. وأرى أنه آن الأوان لإحداث قطيعة مع
هذا الفهم، والتعامل مع الثقافة الشعبية بمنظور جديد يفتح أمامها آفاقا
حقيقية للفعل في الحقل السياسي والاجتماعي، لأنها ـ شئنا أم أبينا ـ تفعل
فيهما من جهة، ولأنها في تطور دائم نحو أفق نجهله من جهة ثانية، نظرا لكون
عدم فعلنا الواعي فيها، يفتح الباب على مصراعيه، إما أمام تطور عفوي
للثقافة الشعبية أو أمام آليات العولمة الثقافية لكي تحولها في الاتجاه
الذي ترغب فيه، نظرا للإمكانيات اللوجيستسكية والمالية التي توظفها ووسائل
الاتصال التي تستخدمها لهذه الغاية، والتي تتمكن بواسطتها من مخاطبة كل
فرد من أفراد المجتمع بشكل مباشر.
بيان اليوم
توطئة
اعتبرت
الثقافة الشعبية في العديد من المجتمعات المتقدمة من بين أهم المداخل
الرئيسية لنشر قيم الديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية في أواخر
القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وتضافرت جهود فعاليات المجتمع
المدني والفاعلين الثقافيين والسياسيين ـ الديموقراطيين/الليبرالييين
والتقدميين (اشتراكيين واشتراكيين ديموقراطيين وشيوعيين••••) في تلك
المجتمعات ـ من أجل مواجهة المظاهر السلبية للثقافة التقليدية (رواسب
النظام الفيودالي) وإحداث تحولات في مكونات البنية الثقافية من ثقافة
شعبية رجعية أو ظلامية إلى ثقافة ششعبية متنورة تمكن من خدمة التنمية
المجتمعية وتوعية أفراد الشعب بحقوقهم وواجباتهم (بغض النظر عن الاختلافات
السياسية والإديولوجية، التي تم تركت لصناديق الاقتراع) وبذلك تم رفع
الحواجز بين ما يسمى بالثقافة العالمة وباقي مكونات ثقافة المجتمع، وتم
بذلك تحويل عدد من مصادر ووسائل التثقيف الأرستقراطي إلى مصادر للتثقيف
الشعبي، بعد تغدية محتوياتها بقيم الديموقراطية والعدالة والمساواة
والحرية والتعايش....، فاصبح الكتاب الشعبي (سلاسل الجيب سلسلة ماذا أعرف؟
مثلا...) في متناول أوسع الفئات الشعبية، وأصبح الجميع يشاهد المسرح
(المسارح المتنقلة).. ودعمت السينما والإذاعة والتلفزة، في فترات لاحقة
هذا التوجه، توجه ما اصطلح على تسميته بالتثقيف الشعبي، التي لعبت دورا
حاسما في نشر القيم المصاحبة والضرورية للمجتمعات الديموقراطية. غير أننا
في المجتمع المغربي (خاصة القوى الديموقراطية التقدمية) لم ننهج هذا
النهج، ولم نستثمر إمكانية الفعل في الثقافة الشعبية وجعلها في خدمة
التوعية الديموقراطية، بل استمر تعاملنا معها، منذ الاستقلال إلى الآن،
يتخذ شكل مبادرات منفردة، لم ترق إلى مستوى تعاقدات تتجسد في مواثيق تتآلف
فيها كل التيارات الديموقراطية الوطنيةالتفدمية، دون حسابات سياسية، سوى
التجند ثقافيا وفنيا، من أجل تأهيل الجماهير الكادحة والشباب على الخصوص،
لممارسة الدموقراطية وقيم المواطنة والتعايش بكل اقتناع، الشيئ الدي ترك
فراغا نعيش آثاره، في الألفية الثالثة، المتجسدة في تدني الوعي السياسي
للجماهير الشعبية، وعزوف نسبة كبيرة منها عن المساهمة في بناء
الديموقراطية المأمولة والدفاع عن مكتسباتها باستماتة، إذا اقتضى الأمر
ذلك. وأعتقد أن تفسير العزوف عن الممارسة السياسبة، واعتبارها مجرد لعبة
يدخلها فقط ذوو المصلحة، ومحترفو السياسة، بل إن غياب توافق القوى
الديموقراطية الوطنية والتقدمية حول ميثاق للتثقيف الشعبي هو مايفسر إلى
حد كبير، نجاح قوى الليبرالية الوحشية في طمس هوية قوى التقدم، وجعلها
تتشابه في أذهان العامة مع بقية الاختيارات، بل وتحولها من اختيارات
للتقدم والتنمية الاجتماعية، إلى اختيارات متقادمة ومتجاوزة.
وأعتقد أن هذا الفراغ في عملية التثقيف الشعبي تعود لعدة أسباب من بينها:
*
عدم وجود قناعة بين سائر قوى التقدم والديموقراطية حول ضرورة التوافق حول
ميثاق للتبقيف الشعبي تدوب فيه الخلافات السياسية والاختيارات
الإيديولوجية، كما أشرنا أعلاه، إضافة إلى:
* وضع الثقافة الشعبية في
الرتبة الثانية بالمقارنة مع الثقافة الوطنية، التي لعبت دورا تاريخيا في
مقاومة الاستعمار، بالدعوة إلى الوحدة الثقافية كعامل لتوحيد الكلمة
وبالتالي توحيد جهود جميع المغاربة من أجل مواجهة مناورات المعمر الرامية
إلى تفريق المغاربة بمحاولات من قبيل الظهير البربري أو ما سمي بالتهدئة
أو بمحاولات التحديث وإخراج المغاربة "من عالم التوحش" إلى "عالم
التحضر"... ذلك أن الحديث عن الثقافة الشعبية سيقود لا محالة إلى الحديث
عن ثقافات شعبية ، وبالتالي عن الاختلاف . ورغم زوال مبررات الدعوة إلى
الثقافة الوطنية أولا ، فقد استمر تأثير مرحلة المقاومة لدى بعض التنظيمات
السياسية وبعض المثقفين.
* اعتبارها ذلك الرصيد التراثي المتوارث أبا
عن جد والذي ينبغي تدارسه في الجامعات وتدوينه في الأرشيفات، أو الاستمتاع
به دون الفعل فيه ، وتحويله إلى أداة في خدمة التحولات السياسية التي
يعرفها المجتمع المغربي، باستثناء بعض المحاولات التي أعطت أكلها ، خاصة
في مطلع السبعينيات ، سواء من طرف هيئات أو جماعات أو أفراد، كما سنرى.
*
أو باعتبارها ـ وهذا هو أخطر هذه الاتجاهات ـ دون مستوى النزول إليها
ودراستها والفعل فيها، أي التعامل معها بتعال. وهذا لا ينفي وجود بعض
الصيحات القليلة التي دعت إلى التثقيف شعبي من منابر منفردة محدودة الأثر
على الجمهور، كمحاولات بعض الفرق المسرحية (مهرجانات مسرح الهواة مع الطيب
الصديقي، مسرح البدوي...) وبعدها ظاهرة الغيوان التي رغم عدم خضو عها
لتأطير سياسي فقد كان لها تأثير في تحول بنية الثقافة الشعبية وأدت إلى
ظهور فرق أخرى تحمل قيما مغايرة للقيم الرجعية، إضافة بعض المجلات التي
كان يصدرها اتحاد كتاب المغرب..... وأعتقد أن عدم توحد القوى الديموقراطية
الوطنيةالتقدمية في الوقت المناسب حول ميثاق للتثقيف الشعبي، يعود أساسا
إلى الفهم السائد لمفهوم الثقافة الشعبية الذي يتم الخلط فيه بين مفهوم
الثقافة الشعبية والثقافة التقليدية. وأرى أنه آن الأوان لإحداث قطيعة مع
هذا الفهم، والتعامل مع الثقافة الشعبية بمنظور جديد يفتح أمامها آفاقا
حقيقية للفعل في الحقل السياسي والاجتماعي، لأنها ـ شئنا أم أبينا ـ تفعل
فيهما من جهة، ولأنها في تطور دائم نحو أفق نجهله من جهة ثانية، نظرا لكون
عدم فعلنا الواعي فيها، يفتح الباب على مصراعيه، إما أمام تطور عفوي
للثقافة الشعبية أو أمام آليات العولمة الثقافية لكي تحولها في الاتجاه
الذي ترغب فيه، نظرا للإمكانيات اللوجيستسكية والمالية التي توظفها ووسائل
الاتصال التي تستخدمها لهذه الغاية، والتي تتمكن بواسطتها من مخاطبة كل
فرد من أفراد المجتمع بشكل مباشر.
بيان اليوم
عدل سابقا من قبل بنت جبالة في السبت 29 أغسطس 2009 - 5:59 عدل 1 مرات
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الثقافة الشعبية بين التقليد والحداثة وتأثير العولمة/محمد غانم
الحلقة الثانية
أولا: إشكالية تحديد مفهوم الثقافة الشعبية1:
هناك
مفاهيم كثيرة استطاعت أن تجد لنفسها موقعا متميزا في الساحة الثقافية، وأن
تضمن تداولا واستمرارية أكثر من غيرها من المفاهيم، نظرا للأدوار الحيوية
والتاريخية التي تمكنت من الإضطلاع بها بالنسبة للحياة السياسية
والاجتماعية للشعوب. وقد استطاعت بعض هذه المفاهيم أن تتحلى بالوضوح وأن
تكتسب إجماعا، في حين بقيت مفاهيم أخرى محاطة بالغموض والاختلاف. وإذا
كانت مفاهيم كالعدالة الاجتماعية والاشتراكية والليبرالية وحقوق الإنسان،
قد ساهمت في بلورة طموحات استراتيجية لشرائح اجتماعية عريضة، وإذا كانت
مفاهيم من قبيل الديموقراطية والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص والشفافية...
قد مكنت من إيجاد صيغ متفق عليها للأشكال الممكنة للتساكن والتعايش، ونظمت
بالتالي عمليات التنافس السياسي من أجل بلوغ السلطة السياسية، التي تمكن
مختلف الشرائح الاجتماعية ومكونات الطبقة السياسية من تحقيق طموحاتها
الاستراتيجية، فإننا نجد مفاهيم أخرى لعبت دورا في عملية التصنيف والتمايز
الاجتماعيين لمختلف الشرائح الاجتماعية المكونة للتشكيلة الاجتماعية لأي
مجتمع من المجتمعات، كمفاهيم البرجوازية والأرستقراطية والبروليتاريا
والجماهير الشعبية، إلى جانب مفاهيم من قبيل الثقافة الوطنية والثقافة
الراقية والثقافة الدنيا وثقافة الخاصة وثقافة الأقلية ...والتي لعبت
الأحزاب السياسية الوطنيةالتقدمية (خلال الاستعمار وكذلك خلال الستينيات
والسبعينيات والتمانينيات ومطلع التسعينيات)، رغم ما عانته من تضييق حصار،
دورا في نشرها كمفاهيم ذات حمولات متنورة، رغم أنها لم تتم في إطار عمل
وحدوي، يحدد كهدف إحداث تحولات تستهدف أساسا حمولات الثقافة الشعبية بكل
مكوناتها. ومفهوم الثقافة الشعبية من المفاهيم التي ساهمت، بطريقتها
الخاصة، في عملية التصنيف والتمايز الاجتماعيين بين الشرائح الاجتماعية
المتضاربة المصالح بعدد من المجتمعات، حيث أن استعماله عرف النور لأول مرة
بالمجتمعات الغربية في القرن الثامن عشر، خاصة بفرنسا حيث تمكنت
البرجوازية (التقدمية آنذاك) في إطار صراعها ضد ثقافة العصور الوسطى التي
هيمنت عليها الكنيسة، من القضاء على النمط السوسيو -اقتصادي والسياسي
الفيودالي. ومنذ ذلك الحين أصبح توظيف مفهوم الثقافة الشعبية يعرف انتشارا
مطردا في أوساط الطبقة السياسية والمثقفين والباحثين في مجالات العلوم
الاجتماعية أو في الحياة اليومية، سواء في فرنسا أو في المجتمعات المصنعة
الأخرى، أو في مجتمعات العالم الثالث الحديثة العهد بالاستقلال، التي عوض
فيها هذا المفهوم مفهوم الثقافة الوطنية، الذي يعرف تداولا واسعا في مراحل
التحرر الوطني 2• غير أن أجرأة هذا المفهوم ستعرف اختلافات جوهرية من
مجتمع إلى آخر، وتزداد حدة الاختلاف بين المجتمعات المصنعة والتي عرفت
ثورات ديمقراطية قديمة وبين المجتمعات غير المصنعة. وقبل أن نقترح مدخلا
أوليا لثقافة الأوساط الشعبية، وقبل أن نتساءل عن مدى مشروعية الحديث عن
الثقافة الشعبية، وعن جذور هذه الثقافة ومجالاتها ومصادرها، أرى أن مقارنة
بين مفهوم الثقافة الشعبية في مجتمعات متباينة لن تكون بدون جدوى.
أ- مفهوم الثقافة الشعبية في المجتمعات الغربية (فرنسا نموذجا):
بالنسبة
لفرنسا مثلا، وخصوصا بعد ثورة 1789، سيتم ابتداع مفاهيم جديدة تصنف
الثقافة الفرنسية إلى ثقافة أرستقراطية لا شعبية أو عليا، وثقافة جماهرية
يسميها البعض "الثقافة الشعبية" وينعتها البعض الآخر "الثقافة العمالية"
في حين تعطيها الطبقات الأرستقراطية لقب الثقافة الدنيا للمجتمع. وقد اتخذ
مفهوم الثقافة الشعبية منذ البداية بُعد تعليم الفئات الشعبية الكادحة، إذ
كان أول هم ثقافي للثوريين الذين كانوا برجوازيين، قد عبر عنه بالتعليم،
وقد لزم قبل كل شيء تنظيم تعليم أساسي حيث يستطيع كل ولد أن يتعلم القراءة
والكتابة والحساب مهما كانت وضعيته الاجتماعية•••3.
وقد جعل الوطنيون
الديموقراطيون في فرنسا، من إشكالية الثقافة الشعبية والتثقيف الشعبي قضية
المرحلة خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، حيث كان هناك إجماع
بين سائر الفصائـل السياسيـة من أجـل خلـق ثقـافـة ترفع فيها الحواجز بين
ما يسمى بالثقافة العالمة والثقافة غير العالمة وتستجيــب للجماهـيــر
الشعبيــة، وهكذا تم تقريب وتبسيط كل مصادر التثقيف، التي كانت حكرا على
الطبقة الارستقراطية، وتقديمها في حلل وأشكال مبسطة وأماكن في متناول
الجميع كالمسرح والأغنيـة والكتاب (في إطار ما ما زال يعرف بسلاسل كتب
الجيب). وستدعم هذه المصادر التثقيفية بالإذاعة والسينما والتلفزة... في
فترة لاحقة، لتتحول عملية التثقيف في الوقت الراهن إلى صناعة تسعى من
خلالها الجماعات ذات المصلحة إلى الفعل المقصود في قيم ومواقف ونماذج سلوك
الناس وميولاتهم الاستهلاكية عبر ما أصبح يصطلح عليه بالسلطة الرابعة.
والثقافة
الشعبية بالنسبة ل: شاربونترو (1969)، ليست هي الثقافة القديمة أو الثقافة
التقليدية بل إنها ثقافة تولد من الحياة "ومنها تستمد غناها وخصوبتها"،
ذلك أن "ثقافة غير متجددة هي ميتة قبل أن تولد"• وبما أن الثقافة الشعبية
هي وليدة الحياة اليومية المعيشة، وبما أنها ليست من إنتاج فئة شعبية دون
أخرى، فإنها ستكون دون شك ثقافة "تناقضات مستمرة" ولعل هذه التناقضات هي
التي تضمن تنوعها وغناها.
أولا: إشكالية تحديد مفهوم الثقافة الشعبية1:
هناك
مفاهيم كثيرة استطاعت أن تجد لنفسها موقعا متميزا في الساحة الثقافية، وأن
تضمن تداولا واستمرارية أكثر من غيرها من المفاهيم، نظرا للأدوار الحيوية
والتاريخية التي تمكنت من الإضطلاع بها بالنسبة للحياة السياسية
والاجتماعية للشعوب. وقد استطاعت بعض هذه المفاهيم أن تتحلى بالوضوح وأن
تكتسب إجماعا، في حين بقيت مفاهيم أخرى محاطة بالغموض والاختلاف. وإذا
كانت مفاهيم كالعدالة الاجتماعية والاشتراكية والليبرالية وحقوق الإنسان،
قد ساهمت في بلورة طموحات استراتيجية لشرائح اجتماعية عريضة، وإذا كانت
مفاهيم من قبيل الديموقراطية والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص والشفافية...
قد مكنت من إيجاد صيغ متفق عليها للأشكال الممكنة للتساكن والتعايش، ونظمت
بالتالي عمليات التنافس السياسي من أجل بلوغ السلطة السياسية، التي تمكن
مختلف الشرائح الاجتماعية ومكونات الطبقة السياسية من تحقيق طموحاتها
الاستراتيجية، فإننا نجد مفاهيم أخرى لعبت دورا في عملية التصنيف والتمايز
الاجتماعيين لمختلف الشرائح الاجتماعية المكونة للتشكيلة الاجتماعية لأي
مجتمع من المجتمعات، كمفاهيم البرجوازية والأرستقراطية والبروليتاريا
والجماهير الشعبية، إلى جانب مفاهيم من قبيل الثقافة الوطنية والثقافة
الراقية والثقافة الدنيا وثقافة الخاصة وثقافة الأقلية ...والتي لعبت
الأحزاب السياسية الوطنيةالتقدمية (خلال الاستعمار وكذلك خلال الستينيات
والسبعينيات والتمانينيات ومطلع التسعينيات)، رغم ما عانته من تضييق حصار،
دورا في نشرها كمفاهيم ذات حمولات متنورة، رغم أنها لم تتم في إطار عمل
وحدوي، يحدد كهدف إحداث تحولات تستهدف أساسا حمولات الثقافة الشعبية بكل
مكوناتها. ومفهوم الثقافة الشعبية من المفاهيم التي ساهمت، بطريقتها
الخاصة، في عملية التصنيف والتمايز الاجتماعيين بين الشرائح الاجتماعية
المتضاربة المصالح بعدد من المجتمعات، حيث أن استعماله عرف النور لأول مرة
بالمجتمعات الغربية في القرن الثامن عشر، خاصة بفرنسا حيث تمكنت
البرجوازية (التقدمية آنذاك) في إطار صراعها ضد ثقافة العصور الوسطى التي
هيمنت عليها الكنيسة، من القضاء على النمط السوسيو -اقتصادي والسياسي
الفيودالي. ومنذ ذلك الحين أصبح توظيف مفهوم الثقافة الشعبية يعرف انتشارا
مطردا في أوساط الطبقة السياسية والمثقفين والباحثين في مجالات العلوم
الاجتماعية أو في الحياة اليومية، سواء في فرنسا أو في المجتمعات المصنعة
الأخرى، أو في مجتمعات العالم الثالث الحديثة العهد بالاستقلال، التي عوض
فيها هذا المفهوم مفهوم الثقافة الوطنية، الذي يعرف تداولا واسعا في مراحل
التحرر الوطني 2• غير أن أجرأة هذا المفهوم ستعرف اختلافات جوهرية من
مجتمع إلى آخر، وتزداد حدة الاختلاف بين المجتمعات المصنعة والتي عرفت
ثورات ديمقراطية قديمة وبين المجتمعات غير المصنعة. وقبل أن نقترح مدخلا
أوليا لثقافة الأوساط الشعبية، وقبل أن نتساءل عن مدى مشروعية الحديث عن
الثقافة الشعبية، وعن جذور هذه الثقافة ومجالاتها ومصادرها، أرى أن مقارنة
بين مفهوم الثقافة الشعبية في مجتمعات متباينة لن تكون بدون جدوى.
أ- مفهوم الثقافة الشعبية في المجتمعات الغربية (فرنسا نموذجا):
بالنسبة
لفرنسا مثلا، وخصوصا بعد ثورة 1789، سيتم ابتداع مفاهيم جديدة تصنف
الثقافة الفرنسية إلى ثقافة أرستقراطية لا شعبية أو عليا، وثقافة جماهرية
يسميها البعض "الثقافة الشعبية" وينعتها البعض الآخر "الثقافة العمالية"
في حين تعطيها الطبقات الأرستقراطية لقب الثقافة الدنيا للمجتمع. وقد اتخذ
مفهوم الثقافة الشعبية منذ البداية بُعد تعليم الفئات الشعبية الكادحة، إذ
كان أول هم ثقافي للثوريين الذين كانوا برجوازيين، قد عبر عنه بالتعليم،
وقد لزم قبل كل شيء تنظيم تعليم أساسي حيث يستطيع كل ولد أن يتعلم القراءة
والكتابة والحساب مهما كانت وضعيته الاجتماعية•••3.
وقد جعل الوطنيون
الديموقراطيون في فرنسا، من إشكالية الثقافة الشعبية والتثقيف الشعبي قضية
المرحلة خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، حيث كان هناك إجماع
بين سائر الفصائـل السياسيـة من أجـل خلـق ثقـافـة ترفع فيها الحواجز بين
ما يسمى بالثقافة العالمة والثقافة غير العالمة وتستجيــب للجماهـيــر
الشعبيــة، وهكذا تم تقريب وتبسيط كل مصادر التثقيف، التي كانت حكرا على
الطبقة الارستقراطية، وتقديمها في حلل وأشكال مبسطة وأماكن في متناول
الجميع كالمسرح والأغنيـة والكتاب (في إطار ما ما زال يعرف بسلاسل كتب
الجيب). وستدعم هذه المصادر التثقيفية بالإذاعة والسينما والتلفزة... في
فترة لاحقة، لتتحول عملية التثقيف في الوقت الراهن إلى صناعة تسعى من
خلالها الجماعات ذات المصلحة إلى الفعل المقصود في قيم ومواقف ونماذج سلوك
الناس وميولاتهم الاستهلاكية عبر ما أصبح يصطلح عليه بالسلطة الرابعة.
والثقافة
الشعبية بالنسبة ل: شاربونترو (1969)، ليست هي الثقافة القديمة أو الثقافة
التقليدية بل إنها ثقافة تولد من الحياة "ومنها تستمد غناها وخصوبتها"،
ذلك أن "ثقافة غير متجددة هي ميتة قبل أن تولد"• وبما أن الثقافة الشعبية
هي وليدة الحياة اليومية المعيشة، وبما أنها ليست من إنتاج فئة شعبية دون
أخرى، فإنها ستكون دون شك ثقافة "تناقضات مستمرة" ولعل هذه التناقضات هي
التي تضمن تنوعها وغناها.
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الثقافة الشعبية بين التقليد والحداثة وتأثير العولمة/محمد غانم
الحلقة الثالثة
وفي
نفس هذا السياق يسير4 VER RET ( M) حيث يميز بين ثقافتين ، ثقافة من درجة
أولى، وثقافة من درجة ثانية، أو ثقافة ممتازة وهي الثقافة العالِمة أو
ثقافة المحظوظين الذين تعلموا، وثقافة دنيا وهي ثقافة الطبقة الشغيلة.
أما
بالنسبة لـ هال HALL فإن الثقافة الشعبية تعني "إذا أخذت كقيمة تربوية،
مجموع الوسائل التي تمكن الأوساط الشعبية من المشاركة في حياة الأشكال
السامية للثقافة5•
هذا النوع من الثقافة بالنسبة ل"هال" أصبح سهل
الانتشار بواسطة تطور وسائل الإعلام، ذلك أن كل البيوت حتى المتواضعة
أصبحت تتوفر على تلفاز ... ومن هنا، أصبح هناك تداخل بين الثقافة الشعبية
وثقافة الإعلام.
ويتحدث 1980 DECERTEAU 6، ليس عن الثقافة (بشكل معرف)
ولكن عن ثقافات، وفي هذا السياق يحاول دراسة الثقافة في ارتباط مع عدة
مؤسسات تثقيفية: الجامعة، المدرسة، الأقليات، كما يحاول دراستها في ظل
السياسات الثقافية خصوصا في الثنائية القائمة بين ثقافة النخبة وثقافة
الجماهير.
وباختصار، يمكن أن نقول أن الثقافة الشعبية بالنسبة للمدرسة
الفرنسية لا تعني - إحياء التراث أو إنعاش الفلكلور أو الآداب الشعبية
القديمة، بل هي تعني تثقيف الجماهير الشعبية وإنتاج وإبداع آداب وفنون
(ثقافة) تستجيب لحاجيات الفئات الشعبية غير "المثقفة"•
1 سبق أن نشرت أجزاء من الفقرات التالية في جريدة الزمن يونيو/يوليوز 1995.
2 1 - راجع أطروحات هنري فانون حول الثقافة الوطنية.
3 شار بونترو الثقافة الشعبية ترجمة بهيم شعبان 1969 منشورات عويدات/بيروت
4 verret , la culture ouvrière ACL ed societé crocus 1988 -3
5 ( E ) HALL , au delà de la culture ed du SEVIL . Point 1979
M) DECERTEAU, la culture au pluriel C.B. edition Paris 1980 6
بما أن الثقافة الشعبية هي وليدة الحياة اليومية المعيشة، وبما أنها ليست
من إنتاج فئة شعبية دون أخرى، فإنها ستكون دون شك ثقافة "تناقضات مستمرة"
ولعل هذه التناقضات هي التي تضمن تنوعها وغناها. وفي نفس هذا السياق يسير1
VER RET ( M) حيث يميز بين ثقافتين، ثقافة من درجة أولى، وثقافة من درجة
ثانية، أو ثقافة ممتازة وهي الثقافة العالِمة أو ثقافة المحظوظين الذين
تعلموا، وثقافة دنيا وهي ثقافة الطبقة الشغيلة. أما بالنسبة لـ هال HALL
فإن الثقافة الشعبية تعني "إذا أخذت كقيمة تربوية، مجموع الوسائل التي
تمكن الأوساط الشعبية من المشاركة في حياة الأشكال السامية للثقافة2• هذا
النوع من الثقافة بالنسبة ل"هال" أصبح سهل الانتشار بواسطة تطور وسائل
الإعلام، ذلك أن كل البيوت حتى المتواضعة أصبحت تتوفر على تلفاز... ومن
هنا، أصبح هناك تداخل بين الثقافة الشعبية وثقافة الإعلام. ويتحدث 1980
DECERTEAU 3، ليس عن الثقافة (بشكل معرف) ولكن عن ثقافات، وفي هذا السياق
يحاول دراسة الثقافة في ارتباط مع عدة مؤسسات تثقيفية: الجامعة، المدرسة،
الأقليات، كما يحاول دراستها في ظل السياسات الثقافية خصوصا في الثنائية
القائمة بين ثقافة النخبة وثقافة الجماهير. وباختصار، يمكن أن نقول أن
الثقافة الشعبية بالنسبة للمدرسة الفرنسية لا تعني - إحياء التراث أو
إنعاش الفلكلور أو الآداب الشعبية القديمة، بل هي تعني تثقيف الجماهير
الشعبية وإنتاج وإبداع آداب وفنون (ثقافة) تستجيب لحاجيات الفئات الشعبية
غير "المثقفة". ب - ويختلف فهم الثقافة الشعبية بالنسبة للباحثين في
المجتمعات العربية؛ حيث نجد أن الثقافة الشعبية - لدى عدد من المثقفين -
لا تضع ضمن أهدافها تعليم الفئات الشعبية، ولا إنتاج ثقافة لخدمتها، ولا
دفعها إلى إنتاج ثقافة خاصة بها، بل إن الثقافة الشعبية تتجسد بالنسبة
إليهم في ذلك الرصيد الثقافي التقليدي الذي تتداوله الفئات الشعبية وفي
الآداب الشعبية - الشفاهية في الغالب والمكتوب أحيانا - وهو ما يسمى
التراث الشعبي. هكذا نجد خليل أحمد خليل (نحو سوسيولوجيا الثقافة الشعبية
4)، يربط الثقافة الشعبية في لبنان بالرواية الشفاهية، ولا يخرج عن هذا
الاتجاه إلا حينما حاول تحليل ظاهرة الكتابة على الجدران، باعتبارها ظاهرة
ترتبط بالحرب الأهلية اللبنانية. فبعد محاولته إعطاء قواعد للثقافة
الشعبية في بداية مؤلفه ركز في كتابه على 7 ظواهر ثقافية شعبية وهي:
التلاسن - الألقاب - الأمثال والحكم - النوادر - التعاويذ والرقي -
الاحتفالية الاعتقادية الاجتماعية - الشعارات والصحافة الجدرانية. ويتساءل
خليل في خاتمة كتابه - على صواب - هل تكفي العينات التي أخذناها من
النموذج اللبناني للثقافة الشعبية، لتأسيس سوسيو لوجيا للثقافة الشعبية،
ويجيب في نفس الوقت "لقد وضعنا هذه العينات الثقافية بأنها شعبية نظرا
لخصوصيتها الجزئية (لكل ظاهرة خصوصية)، ولكننا لانرغب في الوقوف عندها، إذ
علي
هامش:
1 verret , la culture ouvrière ACL ed societé crocus 1988 -3
2 ( E ) HALL , au delà de la culture ed du SEVIL . Point 1979
M) DECERTEAU, la culture au pluriel C.B. edition Paris 1980 3
4 خليل أحمد خليل نحو سوسيولوجيا للثقافة الشعبية، دار الحداثة، 1979
وفي
نفس هذا السياق يسير4 VER RET ( M) حيث يميز بين ثقافتين ، ثقافة من درجة
أولى، وثقافة من درجة ثانية، أو ثقافة ممتازة وهي الثقافة العالِمة أو
ثقافة المحظوظين الذين تعلموا، وثقافة دنيا وهي ثقافة الطبقة الشغيلة.
أما
بالنسبة لـ هال HALL فإن الثقافة الشعبية تعني "إذا أخذت كقيمة تربوية،
مجموع الوسائل التي تمكن الأوساط الشعبية من المشاركة في حياة الأشكال
السامية للثقافة5•
هذا النوع من الثقافة بالنسبة ل"هال" أصبح سهل
الانتشار بواسطة تطور وسائل الإعلام، ذلك أن كل البيوت حتى المتواضعة
أصبحت تتوفر على تلفاز ... ومن هنا، أصبح هناك تداخل بين الثقافة الشعبية
وثقافة الإعلام.
ويتحدث 1980 DECERTEAU 6، ليس عن الثقافة (بشكل معرف)
ولكن عن ثقافات، وفي هذا السياق يحاول دراسة الثقافة في ارتباط مع عدة
مؤسسات تثقيفية: الجامعة، المدرسة، الأقليات، كما يحاول دراستها في ظل
السياسات الثقافية خصوصا في الثنائية القائمة بين ثقافة النخبة وثقافة
الجماهير.
وباختصار، يمكن أن نقول أن الثقافة الشعبية بالنسبة للمدرسة
الفرنسية لا تعني - إحياء التراث أو إنعاش الفلكلور أو الآداب الشعبية
القديمة، بل هي تعني تثقيف الجماهير الشعبية وإنتاج وإبداع آداب وفنون
(ثقافة) تستجيب لحاجيات الفئات الشعبية غير "المثقفة"•
1 سبق أن نشرت أجزاء من الفقرات التالية في جريدة الزمن يونيو/يوليوز 1995.
2 1 - راجع أطروحات هنري فانون حول الثقافة الوطنية.
3 شار بونترو الثقافة الشعبية ترجمة بهيم شعبان 1969 منشورات عويدات/بيروت
4 verret , la culture ouvrière ACL ed societé crocus 1988 -3
5 ( E ) HALL , au delà de la culture ed du SEVIL . Point 1979
M) DECERTEAU, la culture au pluriel C.B. edition Paris 1980 6
بما أن الثقافة الشعبية هي وليدة الحياة اليومية المعيشة، وبما أنها ليست
من إنتاج فئة شعبية دون أخرى، فإنها ستكون دون شك ثقافة "تناقضات مستمرة"
ولعل هذه التناقضات هي التي تضمن تنوعها وغناها. وفي نفس هذا السياق يسير1
VER RET ( M) حيث يميز بين ثقافتين، ثقافة من درجة أولى، وثقافة من درجة
ثانية، أو ثقافة ممتازة وهي الثقافة العالِمة أو ثقافة المحظوظين الذين
تعلموا، وثقافة دنيا وهي ثقافة الطبقة الشغيلة. أما بالنسبة لـ هال HALL
فإن الثقافة الشعبية تعني "إذا أخذت كقيمة تربوية، مجموع الوسائل التي
تمكن الأوساط الشعبية من المشاركة في حياة الأشكال السامية للثقافة2• هذا
النوع من الثقافة بالنسبة ل"هال" أصبح سهل الانتشار بواسطة تطور وسائل
الإعلام، ذلك أن كل البيوت حتى المتواضعة أصبحت تتوفر على تلفاز... ومن
هنا، أصبح هناك تداخل بين الثقافة الشعبية وثقافة الإعلام. ويتحدث 1980
DECERTEAU 3، ليس عن الثقافة (بشكل معرف) ولكن عن ثقافات، وفي هذا السياق
يحاول دراسة الثقافة في ارتباط مع عدة مؤسسات تثقيفية: الجامعة، المدرسة،
الأقليات، كما يحاول دراستها في ظل السياسات الثقافية خصوصا في الثنائية
القائمة بين ثقافة النخبة وثقافة الجماهير. وباختصار، يمكن أن نقول أن
الثقافة الشعبية بالنسبة للمدرسة الفرنسية لا تعني - إحياء التراث أو
إنعاش الفلكلور أو الآداب الشعبية القديمة، بل هي تعني تثقيف الجماهير
الشعبية وإنتاج وإبداع آداب وفنون (ثقافة) تستجيب لحاجيات الفئات الشعبية
غير "المثقفة". ب - ويختلف فهم الثقافة الشعبية بالنسبة للباحثين في
المجتمعات العربية؛ حيث نجد أن الثقافة الشعبية - لدى عدد من المثقفين -
لا تضع ضمن أهدافها تعليم الفئات الشعبية، ولا إنتاج ثقافة لخدمتها، ولا
دفعها إلى إنتاج ثقافة خاصة بها، بل إن الثقافة الشعبية تتجسد بالنسبة
إليهم في ذلك الرصيد الثقافي التقليدي الذي تتداوله الفئات الشعبية وفي
الآداب الشعبية - الشفاهية في الغالب والمكتوب أحيانا - وهو ما يسمى
التراث الشعبي. هكذا نجد خليل أحمد خليل (نحو سوسيولوجيا الثقافة الشعبية
4)، يربط الثقافة الشعبية في لبنان بالرواية الشفاهية، ولا يخرج عن هذا
الاتجاه إلا حينما حاول تحليل ظاهرة الكتابة على الجدران، باعتبارها ظاهرة
ترتبط بالحرب الأهلية اللبنانية. فبعد محاولته إعطاء قواعد للثقافة
الشعبية في بداية مؤلفه ركز في كتابه على 7 ظواهر ثقافية شعبية وهي:
التلاسن - الألقاب - الأمثال والحكم - النوادر - التعاويذ والرقي -
الاحتفالية الاعتقادية الاجتماعية - الشعارات والصحافة الجدرانية. ويتساءل
خليل في خاتمة كتابه - على صواب - هل تكفي العينات التي أخذناها من
النموذج اللبناني للثقافة الشعبية، لتأسيس سوسيو لوجيا للثقافة الشعبية،
ويجيب في نفس الوقت "لقد وضعنا هذه العينات الثقافية بأنها شعبية نظرا
لخصوصيتها الجزئية (لكل ظاهرة خصوصية)، ولكننا لانرغب في الوقوف عندها، إذ
علي
هامش:
1 verret , la culture ouvrière ACL ed societé crocus 1988 -3
2 ( E ) HALL , au delà de la culture ed du SEVIL . Point 1979
M) DECERTEAU, la culture au pluriel C.B. edition Paris 1980 3
4 خليل أحمد خليل نحو سوسيولوجيا للثقافة الشعبية، دار الحداثة، 1979
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الثقافة الشعبية بين التقليد والحداثة وتأثير العولمة/محمد غانم
الحلقة الرابعة
وأعتقد أن في هذا الميل تأثر فقط بالجانب البنيوي للاتجاه الفرنسي في فهمه
للثقافة الشعبية، بمعنى أن الفرنسيين يربطون الثقافة الشعبية بالآداب
والفنون والإنتاج اللغوي - الفكري، ورغم أن خليل أحمد خليل لا يذهب إلى
أبعد من تحليل البنية في حد ذاتها إلا أنه يحصر أيضا الثقافة في كونها
رصيدا فكريا لغويا فنيا ، وذلك على عكس الاتجاه - الأنجلوساكوني الذي نجد
تأثيره بارزا أكثر في الكتابات المصرية1 مثلا، والكتابات حول دول المشرق
العربي (علياء شكري). وبعيدا عن الدراسات التي أجريت حول الثقافة الشعبية
في المجتمعات العربية والتي انطلقت من منطلق الخلط بين الثقافة التقليدية
والثقافة الشعبية ، نجد أن محاولات كبيرة أنجزت في المجتمع المصري امتد
إشعاعها إلى باقي المجتمعات العربية، مثل:
- الكتاب الشعبي: سلاسل الهلال وزدني علما والوطن العربي والمكتبة الجديدة وعالم المعرفة...
- المسرح الذي عرف أيضا قفزات نوعية حتى أصبح فاعلا يوميا في الثقافة الشعبية المصرية،
-
السينما التي تطورت بشكل كبير ومبكر، وأعتقد أن في ذلك نوع من التأثر
بالاتجاهات الأدبية الأنكلوساكسونية التي تطورت فيها السينما بشكل كبير،
على عكس الفرنسيين الذين لم تتحول سينماهم إلى شكل فني ينافس السينما الأ
نكولوساكسونية (الأمريكية على الخصوص). وبما أننا كنا تحث تأثير الفنون
الفرانكوفونية، فإننا فنوننا خضعت لتأثيرها، فلم نطور سينما تنافس شقيقتها
في مصر.
- ترسيخ الأغنية الكلاسيكية في التركيبة الثقافية الشعبية (أم
كلثوم محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، عبد الحليم حافظ)... وغيرها من
الجهود التي تمت في ظل مناخ سياسي متميز ، والتي لا تدرس باعتبارها أصبحت
جزءا من الثقافة الشعبية وباعتبارها ساهمت إلى حد كبير في تغيير القيم
والمواقف والأذواق والمعايير والمعارف ...ليس فقط على المستوى المصري بل
على الصعيد العربي.
ج - أما بالنسبة للمجتمع المغربي - المغاربي:
فهناك
عدة منطلقات في دراسة الثقافة، لكنها تدور في مجملها حول المنظور الفرنسي
للثقافة، باعتبارها رصيدا فكريا فنيا لغويا، ولا تمتد لتشمل مجموع عناصر
الثقافة، في معناها الأنتربولوجي (باستثناء بعض المحاولات مثل المحاولة
الجادة الأخيرة للأستاذ محمد جسوس) 2 وغيره من الباحثين كما سنرى في فقرات
لاحقة. ويمكن أن نسجل - منهجيا - ثلاث منطلقات للتعامل مع الثقافة في
المجتمع المغربي:
* منطلق الباحث الكولونيالي.
* منطلق الباحث الفرنسي للمرحلة ما بعد الكولونيالية.
* منطلق المثقف المغربي (بما في ذلك الملتزم السياسي - الإديولوجي، أوالباحث الأكاديمي).
1
- منطلق الباحث الكولونيالي أو ما أقترح تسميته بالملاحظ الخارجي من منطلق
ذاتي، هم باحثو المرحلة الكولونيالية، فالدراسات الكولونيالية حول الثقافة
في المجتمع المغربي، على الرغم من أن جلها - ركزت على ظواهر ثقافية شعبية
أو تقليدية للمجتمع المغربي، إلا أنها لم تنعت - إلا نادرا - بكونها
دراسات حول الثقافة . ولقد تمحورت هذه الدراسات حول:
- الإسلام "المغربي"، وكيفية انتشار الإسلام (بوسكي) (دراك) 3 (درمنكايم)4•
- أسلمة بعض الممارسات الوثنية: وسترماك ا. دوتي 5.
- المعتقدات اللاإسلامية: م.يبلير6• ج.هادري 7•
- العقلية البربرية والإنسان البربري: BRUNOT 1926•
- العادات والتقاليد : BRUNOT 1926• دوتي.
- القبائل والعلاقات القبلية: ر. مونتاني.
- علاقات السلطة السياسية بالمخزن: لوشاتوليي 8.
والمحاور
التي عالجتها السوسيولوجيا الكولونيالية متعددة، وقد سخرت في أغلبها لخدمة
الاستعمار بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، وأعتقد أن التعامل معها ينبغي أن
يتم من منطلق نقدي لا من منطلق الرافض المبدئي ولا المستقبل الأعمى.
1- راجع في هذا الصدد عددا من المؤلفات الشرقية (العربية عامة حول الأنتربولوجيا الثقافية)
2
- محمد جسوس: راجع أيضا "ملاحضات حول مكانة الثقافة الشعبية في تحولات
المغرب المعاصر". جمعية الجامعة الصيفية أعمال الدورة الثالثة منشورات
عكاض غشت 1988• - محمد جسوس: الأسس المنطقية العامة للثقافة الشعبية
التقليدية بالمغرب جريدة الاتحاد الاشتراكي من 1 فبراير 1995 إلى 21 منه.
3 DRAGUE (G), Esquisse à l?histoire de la religion du Maroc , 1951
4
DERMENGHEIM ; Le culte des saints dans l?islam maghrébin in TEL 66 Ed
1982l 5 Douté (E) Magie et religion dans l?Afrique du Nord CRESM 1980
6 Belaire (M), Archives marocainbes, Fac de lettres Rabat
7 HARDY 5G), l?Ame marocaine d?après la littérature française, Paris, 1926
8LE CHATELIER 5A) la politique marocaine, Revue économique internationale 1904
وأعتقد أن في هذا الميل تأثر فقط بالجانب البنيوي للاتجاه الفرنسي في فهمه
للثقافة الشعبية، بمعنى أن الفرنسيين يربطون الثقافة الشعبية بالآداب
والفنون والإنتاج اللغوي - الفكري، ورغم أن خليل أحمد خليل لا يذهب إلى
أبعد من تحليل البنية في حد ذاتها إلا أنه يحصر أيضا الثقافة في كونها
رصيدا فكريا لغويا فنيا ، وذلك على عكس الاتجاه - الأنجلوساكوني الذي نجد
تأثيره بارزا أكثر في الكتابات المصرية1 مثلا، والكتابات حول دول المشرق
العربي (علياء شكري). وبعيدا عن الدراسات التي أجريت حول الثقافة الشعبية
في المجتمعات العربية والتي انطلقت من منطلق الخلط بين الثقافة التقليدية
والثقافة الشعبية ، نجد أن محاولات كبيرة أنجزت في المجتمع المصري امتد
إشعاعها إلى باقي المجتمعات العربية، مثل:
- الكتاب الشعبي: سلاسل الهلال وزدني علما والوطن العربي والمكتبة الجديدة وعالم المعرفة...
- المسرح الذي عرف أيضا قفزات نوعية حتى أصبح فاعلا يوميا في الثقافة الشعبية المصرية،
-
السينما التي تطورت بشكل كبير ومبكر، وأعتقد أن في ذلك نوع من التأثر
بالاتجاهات الأدبية الأنكلوساكسونية التي تطورت فيها السينما بشكل كبير،
على عكس الفرنسيين الذين لم تتحول سينماهم إلى شكل فني ينافس السينما الأ
نكولوساكسونية (الأمريكية على الخصوص). وبما أننا كنا تحث تأثير الفنون
الفرانكوفونية، فإننا فنوننا خضعت لتأثيرها، فلم نطور سينما تنافس شقيقتها
في مصر.
- ترسيخ الأغنية الكلاسيكية في التركيبة الثقافية الشعبية (أم
كلثوم محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، عبد الحليم حافظ)... وغيرها من
الجهود التي تمت في ظل مناخ سياسي متميز ، والتي لا تدرس باعتبارها أصبحت
جزءا من الثقافة الشعبية وباعتبارها ساهمت إلى حد كبير في تغيير القيم
والمواقف والأذواق والمعايير والمعارف ...ليس فقط على المستوى المصري بل
على الصعيد العربي.
ج - أما بالنسبة للمجتمع المغربي - المغاربي:
فهناك
عدة منطلقات في دراسة الثقافة، لكنها تدور في مجملها حول المنظور الفرنسي
للثقافة، باعتبارها رصيدا فكريا فنيا لغويا، ولا تمتد لتشمل مجموع عناصر
الثقافة، في معناها الأنتربولوجي (باستثناء بعض المحاولات مثل المحاولة
الجادة الأخيرة للأستاذ محمد جسوس) 2 وغيره من الباحثين كما سنرى في فقرات
لاحقة. ويمكن أن نسجل - منهجيا - ثلاث منطلقات للتعامل مع الثقافة في
المجتمع المغربي:
* منطلق الباحث الكولونيالي.
* منطلق الباحث الفرنسي للمرحلة ما بعد الكولونيالية.
* منطلق المثقف المغربي (بما في ذلك الملتزم السياسي - الإديولوجي، أوالباحث الأكاديمي).
1
- منطلق الباحث الكولونيالي أو ما أقترح تسميته بالملاحظ الخارجي من منطلق
ذاتي، هم باحثو المرحلة الكولونيالية، فالدراسات الكولونيالية حول الثقافة
في المجتمع المغربي، على الرغم من أن جلها - ركزت على ظواهر ثقافية شعبية
أو تقليدية للمجتمع المغربي، إلا أنها لم تنعت - إلا نادرا - بكونها
دراسات حول الثقافة . ولقد تمحورت هذه الدراسات حول:
- الإسلام "المغربي"، وكيفية انتشار الإسلام (بوسكي) (دراك) 3 (درمنكايم)4•
- أسلمة بعض الممارسات الوثنية: وسترماك ا. دوتي 5.
- المعتقدات اللاإسلامية: م.يبلير6• ج.هادري 7•
- العقلية البربرية والإنسان البربري: BRUNOT 1926•
- العادات والتقاليد : BRUNOT 1926• دوتي.
- القبائل والعلاقات القبلية: ر. مونتاني.
- علاقات السلطة السياسية بالمخزن: لوشاتوليي 8.
والمحاور
التي عالجتها السوسيولوجيا الكولونيالية متعددة، وقد سخرت في أغلبها لخدمة
الاستعمار بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، وأعتقد أن التعامل معها ينبغي أن
يتم من منطلق نقدي لا من منطلق الرافض المبدئي ولا المستقبل الأعمى.
1- راجع في هذا الصدد عددا من المؤلفات الشرقية (العربية عامة حول الأنتربولوجيا الثقافية)
2
- محمد جسوس: راجع أيضا "ملاحضات حول مكانة الثقافة الشعبية في تحولات
المغرب المعاصر". جمعية الجامعة الصيفية أعمال الدورة الثالثة منشورات
عكاض غشت 1988• - محمد جسوس: الأسس المنطقية العامة للثقافة الشعبية
التقليدية بالمغرب جريدة الاتحاد الاشتراكي من 1 فبراير 1995 إلى 21 منه.
3 DRAGUE (G), Esquisse à l?histoire de la religion du Maroc , 1951
4
DERMENGHEIM ; Le culte des saints dans l?islam maghrébin in TEL 66 Ed
1982l 5 Douté (E) Magie et religion dans l?Afrique du Nord CRESM 1980
6 Belaire (M), Archives marocainbes, Fac de lettres Rabat
7 HARDY 5G), l?Ame marocaine d?après la littérature française, Paris, 1926
8LE CHATELIER 5A) la politique marocaine, Revue économique internationale 1904
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الثقافة الشعبية بين التقليد والحداثة وتأثير العولمة/محمد غانم
الحلقة الخامسة
2-
منطلق الدراسات الفرنسية ألما بعد المرحلة الكولونيالية ستعرف تحولا بخصوص
مسألة الثقافة، إذ لم تعد الدراسات تتم انطلاقا من تصورات أو مناهج
إثنوغرافية كما هو الشأن بالنسبة لعدد من الدراسات الكولونيالية، خصوصا أن
إمكانيات الاستكشاف الميدانية لم تعد متوفرة لهم كما كانت عليه قبل
الاستقلال، كما أن المفاهيم القديمة للكولونياليين (بربرية - قبلية -
تهدئة - تحضير - وحشية - أسلمة...) ستتغير لفائدة مفاهيم جديدة (مثاقفة -
تحديث - محافظة - أصولية ...إلخ). وبالنسبة للدراسات الفرنسية حول الثقافة
في المغرب، نادرا ما نجد حديثا عن ثقافة وطنية أو ثقافة شعبية ، بل إن
الهم الذي قاد جل هؤلاء الباحثين بعد الاستقلال كان ينصب في ثلاثة اتجاهات:
- جذور ثقافة المجتمع المغربي: BERQUE1 1958•
- مدى تأثر ثقافة (الأهالي) بالغرب، أو إلى أي حد تم تحديث ثقافة المجتمع المغربي: 1959 2BOURGEOIT 1968 3A. ADAM 1962•
- علاقة الثقافي بالسياسي : J.C.VATIN 1975 4على سبيل المثال. وإذا كانت
هذه الإشكاليات تثير أيضا اهتمام الباحثين المغاربة، إلا أن تعامل هؤلاء
الباحثين (الفرنسيين) معها تتم بنوع من الاختلاف (والتعالي أحيانا)، قد
تعود إلى اختلاف في المنطلقات BOURGEOIT 1958 أو إلى اختلاف في المناهج.
على أنه ينبغي التمييز هنا بين المرحلتين اللتين ذكرنا في التعامل مع
الباحثين الفرنسيين الذين عالجوا ثقافة المجتمع المغربي:
- ما قبل الاستقلال.
- ما بعد الاستقلال.
3- تداولات الثقافة بالنسبة للمثقف المغربي:
لانجد
بالنسبة للمثقفين المغاربة حديثا عن الثقافة في المجتمع المغربي دون إضافة
نعت تكميلي لمصطلح الثقافة، فالباحثون أو المثقفون المغاربة لا يتحدثون عن
الثقافة إلا باعتبارها:
- ثقافة وطنية 5 أو ثقافة شعبية أو ثقافة
تقليدية أو ثقافة ديمقراطية أو ثقافة عامية أو ثقافة شعبية تقليدية بل من
الباحثين من يتحدث عن ثقافة بلدية أو ثقافة مخزنية أو عن ثقافة عصرية
...إلخ على أن أغلب الكتاب والباحثين يميزون بين الثقافة الوطنية والثقافة
الشعبية ويميلون إلى الحديث عن الثقافة الوطنية باعتبارها ثقافة ترتبط
بمعركة التحرير الوطنية، وباعتبار أنها "ثقافة الكيان الوطني" مهما تمايزت
عاداته وأنماط سلوكه من إقليم إلى آخر أو من منطقة إلى أخرى. فما يميز
الثقافة الوطنية هو بالضبط طابعها الوحدوي، والموحد في لحظة تاريخية معينة
6، في مواجهة محاولات التفتيت الاستعمارية. وبذلك - وعلى غرار ما فعل
فرانس فانون - فإنه يمكن اعتبار الثقافة الوطنية هي ثقافة مواجهة
الاستعمار وقد اتخذت أقصى أشكالها في مواجهة الظهير البربري الاستعماري،
كما تبلورت في خلق مدارس حرة هدفها التكوين الوطني، ونشر الثقافة الوطنية
ضدا على ثقافة المؤسسات التعليمية التي أسسها الاستعمار. وبعد الاستقلال
بدأ مفهوم الثقافة الشعبية يطرح نفسه على الصعيد السياسي (خاصة الأحزاب
الوطنية التقدمية) باعتبار أن الاهتمام بها يعتبر وسيلة من وسائل الاهتمام
بالطبقات الشعبية ورد الاعتبار إلى ثقافتها واهتماماتها. هكذا يقول
الأستاذ محمد برادة في تقديمه للعدد الخاص بالثقافة الشعبية في مجلة آفاق
7 " الاهتمام الذي تحظى به الثقافة الشعبية في الساحة المغربية ليس جديدا،
فقد ظهر في فترات سابقة بدرجات متباينة من الوعي وضمن رؤيات سياسية -
إيديولوجية متعارضة ...وما هو إيجابي في هذه العودة إلى الثقافة الشعبية،
هو أنها ليست عودة ظرفية رغم أن هناك من يريد أن يربطها بسياق سياسي" لا
يجني من ورائه المشروعية والتمثيلية التي لم يستخلصها من مواقفه الفعلية
خلال المعارك الحاسمة 8 ...
1 BERQUE (J) , (ALYOUSSI problèmes de la culture marocaine au 17 éme siècle) ed mouton et co 1958 PARIS
2 L?univers de l?ecolier marocain Fdc L.S.S BOURGEOIS ( p ) + Fascicule 1959 - 1960
3 ADAM ( A) ; enquete au pres de la jeunesse musulmane du MAROC , Fac des letres Aix privence STM 28 . 1963
4 VATIN ( J C ) ; questions culturelles et questions à la culture ; culture et société au Maghreb ( CRESM ) CNRS 1975
5 بومقس عمر الثقافة الوطنية والثقافة الشعبية، أعمال الدورة الأولى، جمعية الجامعة الصيفية بأكادير، مطبعة المحمدية فضالة 1982•
6 بومقس عمر الثقافة الوطنية والثقافة الشعبية، أعمال الدورة الأولى، جمعية الجامعة الصيفية بأكادير، مطبعة المحمدية فضالة 1982•
7 آفاق العدد 9 يناير 1982 كلمة العدد.
8، أعمال الدورة الأولى، جمعية الجامعة الصيفية بأكادير، مطبعة المحمدية فضالة 1982
2-
منطلق الدراسات الفرنسية ألما بعد المرحلة الكولونيالية ستعرف تحولا بخصوص
مسألة الثقافة، إذ لم تعد الدراسات تتم انطلاقا من تصورات أو مناهج
إثنوغرافية كما هو الشأن بالنسبة لعدد من الدراسات الكولونيالية، خصوصا أن
إمكانيات الاستكشاف الميدانية لم تعد متوفرة لهم كما كانت عليه قبل
الاستقلال، كما أن المفاهيم القديمة للكولونياليين (بربرية - قبلية -
تهدئة - تحضير - وحشية - أسلمة...) ستتغير لفائدة مفاهيم جديدة (مثاقفة -
تحديث - محافظة - أصولية ...إلخ). وبالنسبة للدراسات الفرنسية حول الثقافة
في المغرب، نادرا ما نجد حديثا عن ثقافة وطنية أو ثقافة شعبية ، بل إن
الهم الذي قاد جل هؤلاء الباحثين بعد الاستقلال كان ينصب في ثلاثة اتجاهات:
- جذور ثقافة المجتمع المغربي: BERQUE1 1958•
- مدى تأثر ثقافة (الأهالي) بالغرب، أو إلى أي حد تم تحديث ثقافة المجتمع المغربي: 1959 2BOURGEOIT 1968 3A. ADAM 1962•
- علاقة الثقافي بالسياسي : J.C.VATIN 1975 4على سبيل المثال. وإذا كانت
هذه الإشكاليات تثير أيضا اهتمام الباحثين المغاربة، إلا أن تعامل هؤلاء
الباحثين (الفرنسيين) معها تتم بنوع من الاختلاف (والتعالي أحيانا)، قد
تعود إلى اختلاف في المنطلقات BOURGEOIT 1958 أو إلى اختلاف في المناهج.
على أنه ينبغي التمييز هنا بين المرحلتين اللتين ذكرنا في التعامل مع
الباحثين الفرنسيين الذين عالجوا ثقافة المجتمع المغربي:
- ما قبل الاستقلال.
- ما بعد الاستقلال.
3- تداولات الثقافة بالنسبة للمثقف المغربي:
لانجد
بالنسبة للمثقفين المغاربة حديثا عن الثقافة في المجتمع المغربي دون إضافة
نعت تكميلي لمصطلح الثقافة، فالباحثون أو المثقفون المغاربة لا يتحدثون عن
الثقافة إلا باعتبارها:
- ثقافة وطنية 5 أو ثقافة شعبية أو ثقافة
تقليدية أو ثقافة ديمقراطية أو ثقافة عامية أو ثقافة شعبية تقليدية بل من
الباحثين من يتحدث عن ثقافة بلدية أو ثقافة مخزنية أو عن ثقافة عصرية
...إلخ على أن أغلب الكتاب والباحثين يميزون بين الثقافة الوطنية والثقافة
الشعبية ويميلون إلى الحديث عن الثقافة الوطنية باعتبارها ثقافة ترتبط
بمعركة التحرير الوطنية، وباعتبار أنها "ثقافة الكيان الوطني" مهما تمايزت
عاداته وأنماط سلوكه من إقليم إلى آخر أو من منطقة إلى أخرى. فما يميز
الثقافة الوطنية هو بالضبط طابعها الوحدوي، والموحد في لحظة تاريخية معينة
6، في مواجهة محاولات التفتيت الاستعمارية. وبذلك - وعلى غرار ما فعل
فرانس فانون - فإنه يمكن اعتبار الثقافة الوطنية هي ثقافة مواجهة
الاستعمار وقد اتخذت أقصى أشكالها في مواجهة الظهير البربري الاستعماري،
كما تبلورت في خلق مدارس حرة هدفها التكوين الوطني، ونشر الثقافة الوطنية
ضدا على ثقافة المؤسسات التعليمية التي أسسها الاستعمار. وبعد الاستقلال
بدأ مفهوم الثقافة الشعبية يطرح نفسه على الصعيد السياسي (خاصة الأحزاب
الوطنية التقدمية) باعتبار أن الاهتمام بها يعتبر وسيلة من وسائل الاهتمام
بالطبقات الشعبية ورد الاعتبار إلى ثقافتها واهتماماتها. هكذا يقول
الأستاذ محمد برادة في تقديمه للعدد الخاص بالثقافة الشعبية في مجلة آفاق
7 " الاهتمام الذي تحظى به الثقافة الشعبية في الساحة المغربية ليس جديدا،
فقد ظهر في فترات سابقة بدرجات متباينة من الوعي وضمن رؤيات سياسية -
إيديولوجية متعارضة ...وما هو إيجابي في هذه العودة إلى الثقافة الشعبية،
هو أنها ليست عودة ظرفية رغم أن هناك من يريد أن يربطها بسياق سياسي" لا
يجني من ورائه المشروعية والتمثيلية التي لم يستخلصها من مواقفه الفعلية
خلال المعارك الحاسمة 8 ...
1 BERQUE (J) , (ALYOUSSI problèmes de la culture marocaine au 17 éme siècle) ed mouton et co 1958 PARIS
2 L?univers de l?ecolier marocain Fdc L.S.S BOURGEOIS ( p ) + Fascicule 1959 - 1960
3 ADAM ( A) ; enquete au pres de la jeunesse musulmane du MAROC , Fac des letres Aix privence STM 28 . 1963
4 VATIN ( J C ) ; questions culturelles et questions à la culture ; culture et société au Maghreb ( CRESM ) CNRS 1975
5 بومقس عمر الثقافة الوطنية والثقافة الشعبية، أعمال الدورة الأولى، جمعية الجامعة الصيفية بأكادير، مطبعة المحمدية فضالة 1982•
6 بومقس عمر الثقافة الوطنية والثقافة الشعبية، أعمال الدورة الأولى، جمعية الجامعة الصيفية بأكادير، مطبعة المحمدية فضالة 1982•
7 آفاق العدد 9 يناير 1982 كلمة العدد.
8، أعمال الدورة الأولى، جمعية الجامعة الصيفية بأكادير، مطبعة المحمدية فضالة 1982
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الثقافة الشعبية بين التقليد والحداثة وتأثير العولمة/محمد غانم
الحلقة السادسة
وعلى
الرغم من أنه يصعب التمييز بين الذاتي والموضوعي في العديد من الدراسات
السوسيولوجية، إلا أن هناك محاولات جادة تعاملت مع مفهوم الثقافة الشعبية
بنوع من الموضوعية. هكذا نجد محمد بزيكا مثلا، يعرف الثقافة الشعبية بأنها
مصطلح إيديولوجي لا يجد مبررا للاستعمال والتداول إلا في المجتمعات
الطبقية التي تقسم مسألة السلطة وهيمنة مواطنيها إلى طبقة مسيطرة مهيمنة،
وطبقة خاضعة محكومة... ولكل من الطبقتين رؤية وتصور عن الواقع، تصوغ بهما
إديولوجيتها المعروضة على واجهة الثقافة، وفي هذه المجتمعات يصطلح على
ثقافة الطبقة المسيطرة بالثقافة الرسمية، مقابل ثقافة الطبقة المحكومة
المهيمن عليها. وبحسب بزيكا، فالثقافة الشعبية ليست نفيا للثقافة الوطنية
ولكنها تصحيح لها وهذا التصحيح يكتسب معناه من التصحيح السياسي 1• ويميز
عبد الحي الديوري بين الثقافة الشعبية والفلكلور الذي يوجد في الحفلات
والموضات كما يمكن أن يوجد أيضا على الصعيد النظري2••• أما بالنسبة لبومقس
فإنه إذا كانت الثقافة الوطنية تتسم بالروح الوحدوية والمركزية فإن
"الثقافة الشعبية" تنطلق من مفهوم الخصوصية وأهم أبعاد هذه الخصوصية:
1 - البعد اللغوي؛
2 - البعد الإثني؛
3 - البعد الجغرافي: ويهدف إلى تعيين البعد المكاني للترات الشفاهي الشعبي...
وتتميز
الثقافة الشعبية حسب بومقس بميزتين وهما - اللامركزية - والتلقائية، وذلك
على عكس الثقافة الوطنية على أن هذا الاختلاف بين الثقافتين لا يعني
تناقضهما بل إنهما تقومان بوظيفتين متكاملتين. ويميز محمد السوسي بين
الفهم (الفرنسي) للثقافة الشعبية وبين الفهم الذي ينبغي أن يعطاها. وهو في
نظرنا فهم أنتربولوجي للثقافة الشعبية بمعنى أن الثقافة الشعبية عند محمد
السوسي ليست فقط التراث الشفهي الفني، بل إنها هي الثقافة في شموليتها كما
حددتها المدارس السوسيولوجية والأنتربولوجية. ويختلف الأستاذ عبد الله
درقاوي3 مع الأستاذ محمد السوسي في فهمه للثقافة الشعبية حيث يميز بين
الثقافة في معناها العام والثقافة الشعبية التي ينبغي أن تقتصر على
الميادين التي تمتد إليها اختصاصات الفلكلور كعلم ويترجم غالبا بعلم
الموروث الشعبي أو الثقافة الشعبية أو الوعي الشعبي، وهو الذي يشمل كل
مواد الإبداع الشعبي التي تتناقل مواده شفهيا عبر الأجيال بكيفية تلقائية
معبرة عن وجدان الجماعة وهي خارجة طبعا عن ميدان الثقافة المدرسية. وقد
أبرز الأستاذ درقاوي (1980) في مقاله هذا أن العلامة المختار السوسي كان
من أوائل المهتمين بالثقافة الشعبية حين قام بوصف العديد من العادات
السوسية والتعريف بها وتدوينها مثل - العادات الفلاحية - عادات دورة
الحياة - العادات في المواسم - العادات في الأعياد كعاشوراء والمولدية -
التعريف بالأطعمة الشعبية - بعض الممارسات الكهنوتية (أنوال - الناير -
الشعرة المشؤومة - السحر...إلخ) - الصناعات التقليدية - الألعاب ـ الأمثال
والموارد، الأدوية الشعبية - وصف الاثار ...الخ.
1 - آفاق العدد 9 يناير 1982 كلمة العدد
2 - آفاق العدد 9 يناير 1982 كلمة العدد
3 - نفس المصدر السابق
وعلى
الرغم من أنه يصعب التمييز بين الذاتي والموضوعي في العديد من الدراسات
السوسيولوجية، إلا أن هناك محاولات جادة تعاملت مع مفهوم الثقافة الشعبية
بنوع من الموضوعية. هكذا نجد محمد بزيكا مثلا، يعرف الثقافة الشعبية بأنها
مصطلح إيديولوجي لا يجد مبررا للاستعمال والتداول إلا في المجتمعات
الطبقية التي تقسم مسألة السلطة وهيمنة مواطنيها إلى طبقة مسيطرة مهيمنة،
وطبقة خاضعة محكومة... ولكل من الطبقتين رؤية وتصور عن الواقع، تصوغ بهما
إديولوجيتها المعروضة على واجهة الثقافة، وفي هذه المجتمعات يصطلح على
ثقافة الطبقة المسيطرة بالثقافة الرسمية، مقابل ثقافة الطبقة المحكومة
المهيمن عليها. وبحسب بزيكا، فالثقافة الشعبية ليست نفيا للثقافة الوطنية
ولكنها تصحيح لها وهذا التصحيح يكتسب معناه من التصحيح السياسي 1• ويميز
عبد الحي الديوري بين الثقافة الشعبية والفلكلور الذي يوجد في الحفلات
والموضات كما يمكن أن يوجد أيضا على الصعيد النظري2••• أما بالنسبة لبومقس
فإنه إذا كانت الثقافة الوطنية تتسم بالروح الوحدوية والمركزية فإن
"الثقافة الشعبية" تنطلق من مفهوم الخصوصية وأهم أبعاد هذه الخصوصية:
1 - البعد اللغوي؛
2 - البعد الإثني؛
3 - البعد الجغرافي: ويهدف إلى تعيين البعد المكاني للترات الشفاهي الشعبي...
وتتميز
الثقافة الشعبية حسب بومقس بميزتين وهما - اللامركزية - والتلقائية، وذلك
على عكس الثقافة الوطنية على أن هذا الاختلاف بين الثقافتين لا يعني
تناقضهما بل إنهما تقومان بوظيفتين متكاملتين. ويميز محمد السوسي بين
الفهم (الفرنسي) للثقافة الشعبية وبين الفهم الذي ينبغي أن يعطاها. وهو في
نظرنا فهم أنتربولوجي للثقافة الشعبية بمعنى أن الثقافة الشعبية عند محمد
السوسي ليست فقط التراث الشفهي الفني، بل إنها هي الثقافة في شموليتها كما
حددتها المدارس السوسيولوجية والأنتربولوجية. ويختلف الأستاذ عبد الله
درقاوي3 مع الأستاذ محمد السوسي في فهمه للثقافة الشعبية حيث يميز بين
الثقافة في معناها العام والثقافة الشعبية التي ينبغي أن تقتصر على
الميادين التي تمتد إليها اختصاصات الفلكلور كعلم ويترجم غالبا بعلم
الموروث الشعبي أو الثقافة الشعبية أو الوعي الشعبي، وهو الذي يشمل كل
مواد الإبداع الشعبي التي تتناقل مواده شفهيا عبر الأجيال بكيفية تلقائية
معبرة عن وجدان الجماعة وهي خارجة طبعا عن ميدان الثقافة المدرسية. وقد
أبرز الأستاذ درقاوي (1980) في مقاله هذا أن العلامة المختار السوسي كان
من أوائل المهتمين بالثقافة الشعبية حين قام بوصف العديد من العادات
السوسية والتعريف بها وتدوينها مثل - العادات الفلاحية - عادات دورة
الحياة - العادات في المواسم - العادات في الأعياد كعاشوراء والمولدية -
التعريف بالأطعمة الشعبية - بعض الممارسات الكهنوتية (أنوال - الناير -
الشعرة المشؤومة - السحر...إلخ) - الصناعات التقليدية - الألعاب ـ الأمثال
والموارد، الأدوية الشعبية - وصف الاثار ...الخ.
1 - آفاق العدد 9 يناير 1982 كلمة العدد
2 - آفاق العدد 9 يناير 1982 كلمة العدد
3 - نفس المصدر السابق
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الثقافة الشعبية بين التقليد والحداثة وتأثير العولمة/محمد غانم
الحلقة السابعة
وقد تم اهتمام المختار السوسي بهذه القضايا في وقت كانت تعتبر فيه (حطا من مكانة العالم أو المثقف وانتقاصا من درجته العلمية ... ورغم إلحاح الأستاذ درقاوي على ضرورة حصر الثقافة الشعبية في الفلكلور كعلم إلا أنه وسع المفهوم مع المختار السوسي ليشمل عدة قضايا تدخل في مجال المعاش اليومي. وباختصار يمكن أن نقول أن اهتمام الباحثين في المغرب بالثقافة الشعبية يحصرها - إلا ما ندر- في التراث الشفهي والفني القديم، وأن البعض منهم يربطون بين النهوض السياسي والنهوض بالثقافة الشعبية، وهناك أقلية تحاول الربط بين مفهوم الثقافة الشعبية والمعاش اليومي. وأعتقد أن الاتجاه الذي يحصر الثقافة الشعبية في الفلكلور أو الأدب الشعبي المتوارث فقط، إنما يقصر في حق الثقافة الشعبية (بل أكثر من ذلك فإنه يتحدث في واقع الأمر عن ثقافة تقليدية محضة) لأنه لن يعالج ـ في الحقيقة ـ سوى جزء من الثقافة الشعبية مما سينفي عنها صبغة التطور والديناميكية فيبتعد بذلك عن البحث في الثقافة اليومية المعيشة، وهي أيضا شعبية بالنسبة لنا. والتعاريف التي تعطى عامة، لدى سوسيولوجيي المجتمعات المتقدمة، للثقافة تؤكد على أنها ديناميكية ومتطورة باستمرار وتتضمن آليات للتفويت من فرد لآخر كما تؤكد على أنها تؤطر حياة الناس بتوفيرها مجموعة قيم ومعايير ومعارف ونماذج سلوك ...وهذا ما لا تتضمنه العديد من تعاريف الباحثين المغاربة للثقافة الشعبية.
صعوبات تعريف الثقافة الشعبية نظرا لسواد الفهم الستاتيكي للثقافة الشعبية خلال عقود من الزمن، فإن إعطاء تعريف دقيق ـ يحظى بالإجماعـ لمفهوم الثقافة الشعبية، أصبح أمرا غير يسير، نظرا لكثرة تداوله بين المثقفين والمهتمين والباحثين في العلوم الإنسانية ورجال السياسة، وعامة الناس ...، ونظرا للتداخل الذي يعرفه هذا المفهوم مع مفاهيم أخرى، كالثقافة التقليدية، وثقافة الأوساط الشعبية والفلكلور والتراث والثقافات الجهوية (الأمازيغية، الموريسكسة، القروية العربية...)؛ وهي مفاهيم يتم تداولها بين الباحثين دون إعطائها تعاريف دقيقة تمكن من التمييز بين كل مجال من هذه المجالات، من جهة، وترتبط أكثر بالتطور الذي عرفه مفهوم الثقافة من لدن الباحثين السوسيولوجيين والأنثروبولوجيين من جهة ثانية. ويمكن إجمال صعوبات تعريف الثقافة الشعبية من منظور جديد فيما يلي: * أن التصور السائد حاليا يتعامل مع "الثقافة الشعبية" باعتبارها تنحصر في الآداب والفنون التي تنتسب إلى أعراق معينة (أمثال، أساطير أو "خبير"، أغاني شعبية غير عصرية( أي لا تخضع للنوطا )وفلكلور وقصص الأنبياء وقصص قديمة وسير وأخبار أبطال العرب والمسلمين القدامى،...). ولا يشمل هذا الفهم للثقافة الشعبية باقي مكونات الثقافة الأخرى من قيم ونماذج سلوك ومعايير وأشكال تعبير وغيرها. والشيء نفسه ينطبق على التعامل مع الثقافة التقليدية ـ التي لم تكن ثقافة تقليدية في فترات زمنية سالفة بل كانت هي الثقافة السائدة والفاعلة في عصورها ـ . بمعنى أن التركيز يتم على المنتوج الشفهي المتوارث ولا يركز على دورها في الحياة اليومية، وبالتالي يتم اختزال نسبة هامة من هاته الثقافة. * لا يتم تحديد المقصود بمفهوم الشعبي؛ فهل يقصد به القديم أم المتداول من طرف الأوساط الشعبية أم المرغوب فيه من طرف مختلف شرائح المجتمع أو من طرف فئات عريضة من هذه الشرائح؟ ذلك أن الرصيد الثقافي الذي يتم اعتباره شعبيا لم يعد في مجمله كذلك إذا اعتبرنا أن معيار شعبية شيء ما هو مدى تمثله أو تداوله من طرف أوسع الفئات الشعبية،في الوقت الراهن ؛ وبما أننا أصبحنا نجد أنفسنا أمام تراث يجهله جل الشباب والمراهقين والأطفال( إن لم أقل أن عددا كبيرا من الكهول- الذين قد تتعدى نسبتهم 80% من ساكنة المجتمع المغربي - أصبحوا يجهلونه أو يتجاهلونه أو يحتقرونه أو يرفضونه…) فإنه يحق لنا أن نعيد النظر في مفهوم الشعبي وأن نميز بين تراث كان شعبيا في فترات سابقة، وبين وضعية هذا التراث الآن، حيث أصبح مجهولا لكونه لم يعد متداولا، باستثناء بعض المحاولات، التي تسعى إلى نشر جوانب منه، والتي تتسم بالمحدودية وبكونها مجهودات فردية ـ كبعض مسرحيات الطيب الصديقي والطيب لعلج ومسرح البدوي، ومحاولات ناس الغيوان وجيل جيلالة وتاكادة ... ـ علاوة على كونها تنتقي أصنافا دون غيرها "العيطة، الملحون، الطرب الأندلسي، فلكلور الأقاليم، وبعض الأمثال القليلة جدا (والتي يتم تمريرها في بعض المسرحيات) وكذا بعض القصص والسير كالأزلية... التي تم تقديمها على وسائل الإعلام في شكل أرجوزات للأطفال في الثمانينيات..."، ويتم تقديم هذه الأصناف الأدبية بشكل منسوخ نسخا غير أمين في أغلب الحالات.
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الثقافة الشعبية بين التقليد والحداثة وتأثير العولمة/محمد غانم
الحلقة الثامنة
يتم
التعامل مع الثقافة الشعبية باعتبارها جامدة ولا تتغير، في حين لا توجد
أية ثقافة لا تتطور لأن كل الثقافات تعرف دينامية تتغير وثيرتها باختلاف
الأزمنة والأمكنة، وكل ثقافة تتطور مصيرها الموت،
كما أن الجهوية تحد
من إمكانية اعتبار هذا الرصيد الثقافي شعبيا بشكل مطلق بالنسبة لجميع
الأقاليم، فما يعتبر شعبيا بالنسبة للمناطق الجنوبية (ورزازات سوس...) قد
لا يعتبر كذلك بالنسبة لمناطق فاس أو الشاوية أو وجدة مثلا، وهذا ما يدفع
إلى الحديث عن نسبية الثقافة الشعبية، أي أنها تبقى شعبية بالنسبة إلى فئة
أو عرق أوجهة ما. (كارتباط فنون الملحون بالمدن العتيقة وارتباط فن العيطة
بالمناطق القروية الناطقة بالعربية "العروبية" أو الجبلية..... وانتشار فن
السيرة والقصص بواسطة الحلقة التي تعرف رواجا فقط في المدن، وارتباط
الألعاب البهلوانية (أولاد سيدي أحمد أوموسى...) وأنواع معينة من أحواش
بمناطق سوس.
من جهة أخرى فإننا نعيش ومنذ أزيد من 4/1 قرن، فيما أعتقد
، سيرورة تحول الثقافة التقليدية إلى "ثقافة النخبة"، ذلك أن حفظة هذا
التراث (الذي كان ينتشر في كل الأوساط الشعبية أصبحوا يشكلون أقلية، كما
أن ممارسيه أصبحوا قليلين أيضا، ويحق للمرء أمام هذا الوضع أن يتساءل هل
ستعرف الأجيال اللاحقة أن المجتمع المغربي كان يعرف أشياء إسمها "الأمثال
الشعبية"، أو الخبير (هاينة، عيشة رميدة...)، أو قصص المغامرات، أو قصص
الأنبياء أو سير أبطال المعارك الحربية العرب أو المسلمون: عنترة ابن شداد
والأمير عبد الوهاب الظاهر بيبرص والملك سيف بن ذي يزن وغيرهم). وهل
سيعرفون أن المجتمع المغربي عرف فنونا غنائية كانت تغنى في المناسبات...
إننا
نعيش تحول ما كان بالفعل "ثقافة شعبية" في فترات تاريخية سابقة إلى مجرد
رصيد ثقافي تقليدي تحفظه قلة من الناس أو اتخذت مبادرات لتدوين وحفظ جوانب
قليلة منه في الأرشيفات. ذلك أن هذا التراث كان شعبيا حينما كانت له قنوات
ومصادر تعمل على حفظه ونشره من جيل لآخر "المنحدر العرقي، الحلقة ولبساط،
الكتب الصفراء، لمسيد، النخب شعبية (من فقهاء وعوادات، وعرافين وأمناء
حرف، وقادة الخيالة)، الفلسفات الاجتماعية العفوية،..." بأبسط الوسائل
وأكثرها وفرة، وهذه القنوات والمصادر (مؤسسات وأشخاصا) كان وجودها
واستمرارها في الوجود رهين برواج ذلك الرصيد الثقافي. أي أن عددا منهم كان
يحترفه، وعدد آخر كان يمارسه كهواية لها مرتادوها، وفي كلتي الحالتين كان
يعتبر إلى حدود السبعينيات مصدر عيش رئيسي أو ثانوي لأولائك الأشخاص.
أما
اليوم وأمام انقراض أو تقلص مصادر حفظ ونشر "تلك الثقافة" وأمام ظهور
مصادر جديدة بديلة لنشر الثقافة (وسائل الإعلام السمعية البصرية، المدرسة
تطور حياة الشارع المغربي الأحزاب السياسية والنقابات، الجماعات الدينية
الجمعيات...)، فإننا لم نعد أمام "ثقافة شعبية" بالمعنى المتداول للكلمة
بل إننا أمام ثقافة شعبية من نوع جديد، تحتوي مزيجا من العناصر الثقافية
التحديثية التي تتعايش مع عناصر ثقافية تقليدية وأخرى عالِمة ـ إذ للمؤسسة
التعليمية أثرها أيضا في تحول الثقافة الشعبية، لأن العديد من عناصرها
تمكنت من الانصهار في تركيبة الثقافة الشعبية وأصبحت جزءا منهاـ وأصبحت
تشكل نوعا جديدا من الثقافة الشعبية (أو ثقافة الجماهير (الذي كان ينعت
بعامة الناس من طرف النخب التقليدية) الذين أصبح جزء كبير مهم منهم
متعلما، ويسمح له تعليمه بالمساهمة في عملية المثاقفة مع الآخر)، خصوصا
إذا اعتبرنا أن الشعبي هو ما تتمثله أوسع الفئات من الجماهير الشعبية.
مفهوم التقليدي في الثقافة:
وحتى
تتضح الرؤيا بخصوص الثقافة الشعبية أقترح فتح قوس للحديث عن الثقافة
التقليدية. والثقافة التقليدية فيما نرى، هي مجموع العناصر الثقافية
القديمة التي عرفها المجتمع المغربي قبل مجيء الاستعمار، المتوارثة عبر
التقليد والعادة، سواء منها تلك العناصر التي كانت تعرف تداولا شعبيا
واسعا أم تلك التي كانت محدودة التداول والانتشار كالثقافة التقليدية
المكتوبة.
وتمتد جذور بعض عناصر الثقافة التقليدية إلى ما قبل مجيء
الإسلام، (ديانات وثنية ديانات مسيحية ويهودية، معتقدات زراعية مختلف
الديانات والمعتقدات التي دخلت المغرب قبل الإسلام كتعدد الآلهة - إله
الخمر وإله الخصب وإله الشمس ـ...) وقد أغنتها تراكمات الأحداث التاريخية
التي عرفها المجتمع المغربي منذ ظهور الإنسان بالمغرب إلى العصر الراهن،
عبر الإبداع المحلي وعمليات المثاقفة التي عرفها المغاربة مع باقي
الحضارات الأوربية والإفريقية والأسيوية وكذلك عبر دخول الإسلام والعرب ،
وما تلا ذلك من تفاعلات داخلية وخارجية، تعاقبت خلالها عدة دول على الحكم.
الحلقة التاسعة
تداخلت
كل تلك العناصر الثقافية فيما بينها بشكل بات يصعب معه - بالنسبة "لعامة
الناس" - التمييز في البنية الثقافية التقليدية بين ما هو إسلامي وما هو
وثني، بين ما يرجع إلى أصل عربي أو إلى أصل بربري أو إلى أصل مسيحي أو
يهودي... وكان "عامة الناس" ـ يتداو لونه بكامله على أنه تراث مستمد من
الإسلام وعلى أن نماذج سلوك الآباء والأجداد (السلف الصالح) هي النماذج
التي ينبغي اتباعها وعدم الزيغ عنها. فتجد في هذه البنية مثلا ميولا نحو
ممارسة تقديس بعض الأفعال والأشياء أو الكائنات الحية (ظاهرة البركة أو
التبرك من الأشخاص والأشياء والأفعال …) وتجد فيها ميولا نحو التطير من
بعض الأفعال والأشياء والكائنات الحية (ظاهرة النحس) كما تجد فيها ممارسات
لاتقاء شر الأرواح الشريرة (الجن) ولاستجلاب عون الأرواح المباركة
(الأولياء وبعض الأشياء المادية…) إلى جانب الاعتقاد في عدة أساطير لتفسير
نشوء الكون وفنائه وطرق متعددة للاحتفال (كالمواسم والأعياد الزراعية...).
كما تتضمن البنية الثقافية التقليدية أرصدة فنية وأدبية (فلكلور
وأمثال...)، وقيما ومواقف ومعايير وأشكال تعبير تتعدد بتعدد الأعراق التي
يتكون منها المجتمع المغربي وبتعدد الحضارات التي تعاقبت عليه.
الثقافة الشعبية منظور جديد:
من
الطبيعي ان يجد الباحث صعوبة في تحديد مفهوم الثفافة (من منطلق أكاديمي)،
نظرا لتعدد التعاريف التي اعطيت لهذا المفهوم وتنوعها (أحصينا أزيد من 160
تعريفا للثقافة)، ونظرا لتعدد أوجه استعمالها ولتنوع الفئات الاجتماعية
التي تقبل على توظيفها كمفهوم (بدءا من عامة الناس إلى الأدباء فالطبقة
السياسية والمؤرخين فعلماء النفس والاجتماع والانتربولوجيين والاتنولوجيين
وغيرهم…)• ومن الناحية اللغوية فكلمة ثقافة ليست كلمة جديدة بل انها كلمة
قديمة جدا غير انها كانت تؤدي من الناحية اللغوية معاني أخرى غير المعاني
التي الحقت بها مع الانتروبولوجيا والاتنولوجيا وعلم الاجتماع وعلم النفس
الاجتماعي وعلم الثقافة 30••• فبالنسبة للمجتمعات الغربية واذا اخذنا
فرنسا كمثال فان كلمة ثقافة CULTURE تحمل عدة معاني منها زراعة الارض،
والزراعة الميكروبية او الباكتيرية، والتنمية المنهجية للجسم، ويرتبط
المعنى الرابع بالحياة الاجتماعية 31• إما أنها قد تعني تنمية بعض القدرات
العقلية بواسطة تداريب ذهنية معينة أو مجموع المعارف المكتسبة التي تمكن
من تنمية الحس النقدي والذوق والحكم القيمي وهي بهذا المعنى توازي: معرفة،
تربية، تكوين، تعليم، تعلم. وقد نتحدث عن ثقافة فلسفية أو ادبية أو ثقافة
فنية أو ثقافة كلاسيكية، او ثقافة إعلامية: وهي الثقافة التي تبثها وسائل
الاعلام في مجتمع ما بارتباط مع ايديولوجية معينة. كما نجد من يتحدث عن
الثقافة باعتبارها تشمل مجموع المظاهر الثقافية لحضارة ما، كالثقافة
اليونانية أواللاثينية أو الثقافة الغربية او الثقافة الشرقية او الثقافة
الفرنسية ...وفي مقابل كل ذلك يتحدث السوسيولوجيون والانتروبولوجيون
الأنكلوساكسيون عن الثقافة باعتبارها نماذج سلوك مكتسبة في مجتمعات بشرية
معينة ....ويربط بعض الباحثين، وخصوصا الالمان بين الثقافة والحضارة. كما
يتم التمييز بين الثقافة المادية والثقافة اللامادية بالنسبة لعدد من
الدارسين المختصين.... أما بالنسبة للمجتمعات العربية فإن كلمة ثقافة لم
تُعرف إلا حديثا رغم استعمال العرب لفعل ثقف للدلالة على عدة معاني32
منها: ثقفه اي أدركه ووصل عليه، وثقفه بالرمح اي طعنه به، وثَقِف الخَلُّ
أي صار شديد الحموضة، وثَقِف الشيءَ: ظفر به، وثقف الرمح المعوج أو نحوه:
قومه وسواه، كما استخدم العرب فعل (ثقف، يثقف، ثقفا) للدلالة على عمليات
ذهنية من قبيل ثقفه بمعنى غلبه في الحذق والمهارة. واستعمل ايضا فعل ثقف
يثقف بمعنى صار حاذقا ماهرا وثقف الشيء بمعنى تعلمه سريعا وثقَّف (المرءَ)
بمعنى هذبه وعلمه ومن هنا كان اشتقاق كلمة الثقافة التي اصبحت كما هو
الشان بالنسبة للمجتمعات الغربية تحمل عدة معاني منها التعلم والثقافة
الجسمية والثقافة الصحية والثقافة المسرحية مثلا... وهذا يعني ان مختلف
المعاني القديمة للكلمتين قد عرفت تحولا جذريا بالنسبة للمجتمعين الغربي
والعربي خصوصا في القرن الأخير. وقد انعكس هذا التحول على الموسوعات
والقواميس الحديثة، فأصبحنا نجد ان التعاريف اللغوية القديمة لهذه الكلمة
سوف تتغير او ستنضاف إليها تعاريف ترتبط أكثر بالعمليات الذهنية أو تنمية
الجسم أو أنها ترتبط بالمجتمع في شموليته، حتى انه أصبح يوازَى بمفهوم
"حضارة" في بعض الحالات.
30 راجع MALINOWSKI ;une theorie scientifique de la culture
31 انظر PETIT ROBERT ; dict. du Français vivant
32 انظر الرائد.
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الثقافة الشعبية بين التقليد والحداثة وتأثير العولمة/محمد غانم
الحلقة العاشرة
بالنسبة
للمجتمع المغربي لابد من الاشارة الى ان هاته كلمة ثقافة تحمل ابعادا اخرى
في الدارجة المحلية؛ فـ: "المثَقَّف "تعني العاجز جنسيا بسبب سحر او عمل
شيطاني، كما هو معروف. وتستعمل كلمة "ثِقاف" للدلالة على هذا العمل
السحري. غيران القاموس اللغوي المحلي عرف انتشار كلمة مثقف بمعنى الحاصل
على شهادات دراسية عليا فيقال "فلان عنده ثقافة واسعة "بمعنى انه تقدم في
تحصيل العلم. ولا تنطبق كلمة مثقف في الاوساط الشعبية الا على من حصَّل
تعليما عصريا، اما من حصَّل تعليما دينيا محضا فهو يسمى فقيها او عالما.
ومعنى هذا ان كلمة ثقافة في المجتمع المغربي (حسب الفهم الشعبي للكلمة) لا
تتسع لتشمل نماذج السلوك والقيم والمعايير وغيرها بل تقتصر فقط على عملية
التعلم العصري• اما فيما يتعلق بالتعاريف المختصة في مجال العلوم
الانسانية فإن تعريف الثقافة يختلف فيها باختلاف منطلقاتها العلمية.
فبالنسبة للتاريخ العام "يمكننا ان نحدد جذور هذا المفهوم (مفهوم الثقافة)
في المانيا حيث ابتدأ يستعمل في أواخر القرن الثامن عشر في دراسات نستطيع
ان نطلق عليها اسم دراسات في "التاريخ العام"... (حيث كان اصحابها)
مدفوعين بحب ا ستطلاع رائع وفريد من اجل اكتناه تنوع المجتمعات والحضارات"
33• ولقد ركز هؤلاء الباحثون على اللحظات التي ارتقت فيها المعارف
و"الفنون وتهذبت العادات وصلحت المؤسسات الاجتماعية ..." وقد استعمل
اصطلاح "ثقافة" على وجه التحديد كي يصف هذا التطورالذي شهدته بعض
المجتمعات33 ...هكذا نجد أدلونغ ADELUNG سنة 1882 يميز في كتابه "محاولة
في تاريخ الثقافة للجنس البشري" بين ثمانية مراحل تاريخية، ويقارنها بعمر
حياة البشر الفردية"33• ويميل غي روشيه على غرار العديد من الباحثين
الآخرين الى اعتبار ان المؤرخين (الالمان) "استعاروا هذا الاصطلاح من
اللغة الفرنسية حيث لم يكن له رغم ذلك هذا المعن" 34 من هنا يأتي هذا
التمييز بين معنى الثقافة والحضارة لدى المؤرخين الالمان باعتبار ان
الثقافة ينبغي ان تعني" بصورة رئيسية: العلم والتكنولوجيا وتطبيقاتها، اما
الحضارة فهي تضم مجموع الوسائل الجماعية التي يلجأ اليها الانسان حتى
يمارس سيطرته على نفسه وينمو عقليا واخلاقيا وروحيا، فالفنون والفلسفية
والدين والقانون جميعها إذن وقائع حضارية" 35• غير ان علماء الاجتماع
والانتروبولوجيا لم يعيروا "اي اهتمام لهذا التمييز الذي بدا لهم وهميا
وموصوما بثنائية غامضة، هذه الثنائية انما هي مستوحاة من المعارضة الخاطئة
بين الروح والمادة ...ان الغالبية العظمى من علماء الانتروبولوجيا يتجنبون
استعمال اصطلاح "حضارة" اويستخدمون اصطلاح ثقافة بمعنىحضارة" .36 وبالنسبة
لعلم النفس فان الثقافة "في معناها العام تشكل مجموع افعال الوسط التي
تُضمن بواسطتها التنشئة الاجتماعية للافراد خلال نموهم واندماجهم في
منظومة اجتماعية ما... وتؤدي هذه الثقافة الى تحصيل وسائل الاتصال (لغة،
قراءة، كتابة) وبعض ادوات التفكير والفعل (كالحساب) ورصيد مشترك من
المعارف والمعتقدات وترتيب معين للقيم وكذا للتوجهات... وتستكمل بواسطة
تربية اقل او اكثر تخصصا، وبتعليم يمكن من التوظيف الاجتماعي للانشطة
الفردية" 37• وفي هذا الاتجاه يسير عدد من الباحثين في ميدان علم النفس
حيث ينطلقون من تأثير الوسط الاجتماعي في الفرد ومن تمة جاء تركيزهم على
مسألة تنمية الجسم والعقل38، وعلىعملية التنشئة الاجتماعية والتعلم في
تعريفهم للثقافة. وبتعبير أخر فاننا نرى ان الباحثين السيكولوجيين ينطلقون
من محورية الفرد في الثقافة كالتركيز مثلا على اعتبار "ان الثقافة هي
عملية انتقائية توجه ردود افعال البشر نحو منبهات داخلية وخارجية وهذا
مفهوم سيكولوجي يتضمن دراسة المنبه او المثير بالاضافة الى الاستجابة
...وعلى هذا الاساس السيكولوجي، تكون الثقافة هي مجموعة من "اساليب ردود
الفعل" وانماط السلوك الانساني وما تخلفه جميعا من آثار أو "اضافات" من
فعل البشرومن "نتاج الانسان كعضوفي جماعة 39"•
33 عن غي روشيه؛ مدخل الى علم الاجتماع العام؛ ص: 129
34 عن نفس المصدر السابق ص: 130
35 عن نفس المصدر السابق ص: 130
36 عن نفس المصدر السابق ص: 130
37 راجع PIERON (H) vocabulaire de la psychologie
38 راجع SILLAMY ;Dict. de psychologie
39 انظر محمد اسماعيل قباري؛ الانتروبولوجيا؛ ص: 440
الحلقة الحادية عشرة
الثقافة بنية قائمة الذات
غير
ان تعريف الثقافة من منظور سيكولوجي محض سيسقطنا في تضييق مجال الثقافة
وحدودها وربطها فقط بالفرد الذي يتمثلها وهذا يعني اننا ننفي عنها تاريخها
الذي لا يعرفه كافة افراد المجتمع وبنياتها التي قد تكون في العديد من
الحالات مستقلة عن الافراد والتأثيرات التي تخضع لها الثقافة نتيجة
التحولات التي تعرفها مختلف بنيات المجتمع.... ولعل هذه الاسباب -وربما
لأسباب اخرى غيرها -هي التي جعلت جل التعاريف السوسيولوجية والانتربولوجية
تؤكد على اعتبار الثقافة، بنية قائمة الذات، ومن تمة اتجهت جهود الباحثين
في مجال علم الاجتماع الى التنقيب عن مكوناتها ووظائفها وجذورها التاريخية
وتحولاتها وصراعاتها وحركيتها ...ونظرا لتعدد المدارس السوسيولوجية
والانتربولوجية فقد تعددت التعاريف التي اعطيت للثقافة بدورها وهكذا تم
تعريفها انطلاقا من محتوياتها، اي باعتبارها مجموعة معطيات كما هو الشأن
بالنسبة لتايلور مثلا وتم تعريفها انطلاقا من وظائفها، اي باعتبارها نماذج
سلوكية كما فعل بوءاس وكروبروكلوكهون... كما تم الانطلاق في تعريفها من
تصور بنيوي، اي باعتبارها مجموعة بنيات أو انماط على غرار راد كليف براون
وولف40. وعرفت باعتبارها بنية فوقية اي انها مجرد افراز للبنيات التحتية
الاقتصادية كما هو الشان لدى المادية التاريخية. ومن اقدم التعاريف التي
اعطيت للثقافة نجد تعريف تايلور الذي يعرفها بانها "ذلك الكل المعقد الذي
يتضمن المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والتقاليد والعادات التي
يكتسبها الانسان من حيث هو عضو في المجتمع 41". والملاحظ ان هذا التعريف
يقتصر فقط على المحتوى 42• كما ان منظومته المفاهيمية لا تعكس التطور الذي
حصل في مجالات السوسيولوجيا في القرن العشرين. من جهة أخرى نجد ت .اليوت
يعيب على تايلور إهماله للفرد والطبقة اوالفئة الاجتماعية في تعريف
الثقافة، باعتبار ان اليوت يؤكد على ضرورة تعريف الثقافة انطلاقا من ثلاث
مستويات؛ وهي الفرد والطبقة الاجتماعية والمجتمع حيث يؤكد ان ارتباطات
كلمة ثقافة تختلف" بحسب ما نعنيه من نمو فرد او فئة او طبقة او نمو مجتمع
باسره....(مع) ان ثقافة الفرد تتوقف على ثقافة فئة او طبقة وان ثقافة
الفئة او الطبقة تتوقف على ثقافة المجتمع كله الذي تنتمي اليه تلك الفئة
او الطبقة وبناء على ذلك فان ثقافة المجتمع هي الاساسية، ومعنى كلمة
"الثقافة" بالنسبة الى المجتمع كله هو المعنى الذي يجب بحثه اولا ...43".
واذا كان إليوت يلح على ضرورة ربط الثقافة بوضع محدد - اذ انه ليست هناك
ثقافة واحدة - فان باحثين اخرين من امثال بيلز وكروبر وراد كليف براون...
يميلون الى اضفاء صبغة التجريدية على الثقافة باعتبار انها "لا تعبرعن اي
شيء واقعي محسوس، وانما عن تجريد وغالبا ما يستخدم كتجريد غامض" 44 غير ان
هذا الاتجاه في تعريف الثقافة لم يلق الترحيب من لدن العديد من علماء
الاجتماع والانتروبولوجيا، وهكذا نجد هوايت يعارض بشدة تعريف الثقافة
بانها تجريدات غير محسوسة وغير قابلة للملاحظة لان مثل ذلك التعريف سيبعد
الانتروبولوجيا الثقافية عن نطاق العلوم، ذلك ان العلم سواء أ كان طبيعيا
أم اجتماعيا فلابد له ان يدرس امرا محسوسا واقعيا يمكن ملاحظته وقياسه
والتعبير عنه كلما امكن ذلك ." فالثقافة لايمكن ان تكون غير الأمور
المحسوسة التي تتمثل في الاشياء والافعال والافكار التي هي من صنع
الانسان، وعلى عالم الانتروبولوجيا الثقافية ان يلاحظ تلك الامور المحسوسة
بصورة موضوعية "(44)• وقد عارض هوايت الاتجاه السيكولوجي (خاصة السلوكي)
بنفس الحدة التي عارض بها الاتجاه التجريدي، ليخلص في النهاية الى إعطاء
تعريف للثقافة انطلاقا من "نظرية الرمزية" والتي تتلخص في قدرة الانسان
على "إعطاء معان للاشياء وللافعال التي يلاحظها وكذلك القدرة على فهم تلك
المعاني"44. وانطلاقا من هذه النظرية يعرف هوايت الثقافة بانها "الاشياء
والافعال ذات المعاني والتي تدرس في الإطار (خارج الشخصي)"؛ ولقد أدت به
هذه التحاليل إلى اقتراح تعويض الانتروبولوجيا الثقافية (بعلم الثقافة)؛
غير انه لم يلق ترحيبا كبيرا من طرف المهتمين44. ولم يقتنع غي روشيه بكل
هذه التعاريف، فوضع تعريفا خاصا مستأنسا فيه بتعريف تايلورحيث اعتبر ان
"الثقافة هي مجموع (من العناصر) له علاقة بطرق التفكير والشعور والسلوك،
وهذه الطرق صيغت في قواعد واضحة نوعا ما والتي - لكون جمع من الاشخاص قد
اكتسبها وتعلمها وشارك فيها - تستخدم بصورة موضوعية ورمزية في آن معا، من
اجل تكوين هؤلاء الاشخاص في جماعة خاصة ومميزة45" وعلى الرغم من الشمولية
التي سعى غي روشيه الى اضفائها على هذا التعريف؛ حيث انه حاول ان يضمنها
اربعة خاصيات رئيسية وهي:
* انها تقدم طرقا في التفكير والشعور والسلوك
* وانها مصاغة في قواعد
* وانها مشتركة بين مجموعة من الاشخاص
*
كما ان لها نمط في الاكتساب او نقل المعلومات46؛ فان هذا التعريف في حد
ذاته لم يصغ بما يكفي من الوضوح للتعبير عن هذه الخصوصيات دون تذييله بها،
كما انه اهمل نقطا نرى انها من سمات الثقافة وعلى اي تعريف ان يتضمنها مثل
استقلال عناصر هامة في الثقافة عن الأفراد ؛ فاللغة والأفكار والفنون
والعلوم ...توجد في استقلال عن الأفراد ويمكن أن تكون مدونة في شكل وثائق
أو بواسطة الوسائل السمعية البصرية أوان تكون قائمة بذاتها كالمعمار
والملابس...
40 راجع SUMPF •••، dict.de sociologie (culture)
41 عن محمد اسماعيل قباري؛ ص: 438
42 نفس المصدر السابق.
43 عن اليوت؛ ملاحظات نحو تعريف الثقافة؛ ص: 24
44 عن عاطف وصفي؛ الانتروبولوجيا الثقافية؛ ص: 67•
44 عن غي روشيه ؛ مدخل الى علم الاجتماع؛ ص: 137
46 نفس المصدر السابق ونفس الصفحة
بالنسبة
للمجتمع المغربي لابد من الاشارة الى ان هاته كلمة ثقافة تحمل ابعادا اخرى
في الدارجة المحلية؛ فـ: "المثَقَّف "تعني العاجز جنسيا بسبب سحر او عمل
شيطاني، كما هو معروف. وتستعمل كلمة "ثِقاف" للدلالة على هذا العمل
السحري. غيران القاموس اللغوي المحلي عرف انتشار كلمة مثقف بمعنى الحاصل
على شهادات دراسية عليا فيقال "فلان عنده ثقافة واسعة "بمعنى انه تقدم في
تحصيل العلم. ولا تنطبق كلمة مثقف في الاوساط الشعبية الا على من حصَّل
تعليما عصريا، اما من حصَّل تعليما دينيا محضا فهو يسمى فقيها او عالما.
ومعنى هذا ان كلمة ثقافة في المجتمع المغربي (حسب الفهم الشعبي للكلمة) لا
تتسع لتشمل نماذج السلوك والقيم والمعايير وغيرها بل تقتصر فقط على عملية
التعلم العصري• اما فيما يتعلق بالتعاريف المختصة في مجال العلوم
الانسانية فإن تعريف الثقافة يختلف فيها باختلاف منطلقاتها العلمية.
فبالنسبة للتاريخ العام "يمكننا ان نحدد جذور هذا المفهوم (مفهوم الثقافة)
في المانيا حيث ابتدأ يستعمل في أواخر القرن الثامن عشر في دراسات نستطيع
ان نطلق عليها اسم دراسات في "التاريخ العام"... (حيث كان اصحابها)
مدفوعين بحب ا ستطلاع رائع وفريد من اجل اكتناه تنوع المجتمعات والحضارات"
33• ولقد ركز هؤلاء الباحثون على اللحظات التي ارتقت فيها المعارف
و"الفنون وتهذبت العادات وصلحت المؤسسات الاجتماعية ..." وقد استعمل
اصطلاح "ثقافة" على وجه التحديد كي يصف هذا التطورالذي شهدته بعض
المجتمعات33 ...هكذا نجد أدلونغ ADELUNG سنة 1882 يميز في كتابه "محاولة
في تاريخ الثقافة للجنس البشري" بين ثمانية مراحل تاريخية، ويقارنها بعمر
حياة البشر الفردية"33• ويميل غي روشيه على غرار العديد من الباحثين
الآخرين الى اعتبار ان المؤرخين (الالمان) "استعاروا هذا الاصطلاح من
اللغة الفرنسية حيث لم يكن له رغم ذلك هذا المعن" 34 من هنا يأتي هذا
التمييز بين معنى الثقافة والحضارة لدى المؤرخين الالمان باعتبار ان
الثقافة ينبغي ان تعني" بصورة رئيسية: العلم والتكنولوجيا وتطبيقاتها، اما
الحضارة فهي تضم مجموع الوسائل الجماعية التي يلجأ اليها الانسان حتى
يمارس سيطرته على نفسه وينمو عقليا واخلاقيا وروحيا، فالفنون والفلسفية
والدين والقانون جميعها إذن وقائع حضارية" 35• غير ان علماء الاجتماع
والانتروبولوجيا لم يعيروا "اي اهتمام لهذا التمييز الذي بدا لهم وهميا
وموصوما بثنائية غامضة، هذه الثنائية انما هي مستوحاة من المعارضة الخاطئة
بين الروح والمادة ...ان الغالبية العظمى من علماء الانتروبولوجيا يتجنبون
استعمال اصطلاح "حضارة" اويستخدمون اصطلاح ثقافة بمعنىحضارة" .36 وبالنسبة
لعلم النفس فان الثقافة "في معناها العام تشكل مجموع افعال الوسط التي
تُضمن بواسطتها التنشئة الاجتماعية للافراد خلال نموهم واندماجهم في
منظومة اجتماعية ما... وتؤدي هذه الثقافة الى تحصيل وسائل الاتصال (لغة،
قراءة، كتابة) وبعض ادوات التفكير والفعل (كالحساب) ورصيد مشترك من
المعارف والمعتقدات وترتيب معين للقيم وكذا للتوجهات... وتستكمل بواسطة
تربية اقل او اكثر تخصصا، وبتعليم يمكن من التوظيف الاجتماعي للانشطة
الفردية" 37• وفي هذا الاتجاه يسير عدد من الباحثين في ميدان علم النفس
حيث ينطلقون من تأثير الوسط الاجتماعي في الفرد ومن تمة جاء تركيزهم على
مسألة تنمية الجسم والعقل38، وعلىعملية التنشئة الاجتماعية والتعلم في
تعريفهم للثقافة. وبتعبير أخر فاننا نرى ان الباحثين السيكولوجيين ينطلقون
من محورية الفرد في الثقافة كالتركيز مثلا على اعتبار "ان الثقافة هي
عملية انتقائية توجه ردود افعال البشر نحو منبهات داخلية وخارجية وهذا
مفهوم سيكولوجي يتضمن دراسة المنبه او المثير بالاضافة الى الاستجابة
...وعلى هذا الاساس السيكولوجي، تكون الثقافة هي مجموعة من "اساليب ردود
الفعل" وانماط السلوك الانساني وما تخلفه جميعا من آثار أو "اضافات" من
فعل البشرومن "نتاج الانسان كعضوفي جماعة 39"•
33 عن غي روشيه؛ مدخل الى علم الاجتماع العام؛ ص: 129
34 عن نفس المصدر السابق ص: 130
35 عن نفس المصدر السابق ص: 130
36 عن نفس المصدر السابق ص: 130
37 راجع PIERON (H) vocabulaire de la psychologie
38 راجع SILLAMY ;Dict. de psychologie
39 انظر محمد اسماعيل قباري؛ الانتروبولوجيا؛ ص: 440
الحلقة الحادية عشرة
الثقافة بنية قائمة الذات
غير
ان تعريف الثقافة من منظور سيكولوجي محض سيسقطنا في تضييق مجال الثقافة
وحدودها وربطها فقط بالفرد الذي يتمثلها وهذا يعني اننا ننفي عنها تاريخها
الذي لا يعرفه كافة افراد المجتمع وبنياتها التي قد تكون في العديد من
الحالات مستقلة عن الافراد والتأثيرات التي تخضع لها الثقافة نتيجة
التحولات التي تعرفها مختلف بنيات المجتمع.... ولعل هذه الاسباب -وربما
لأسباب اخرى غيرها -هي التي جعلت جل التعاريف السوسيولوجية والانتربولوجية
تؤكد على اعتبار الثقافة، بنية قائمة الذات، ومن تمة اتجهت جهود الباحثين
في مجال علم الاجتماع الى التنقيب عن مكوناتها ووظائفها وجذورها التاريخية
وتحولاتها وصراعاتها وحركيتها ...ونظرا لتعدد المدارس السوسيولوجية
والانتربولوجية فقد تعددت التعاريف التي اعطيت للثقافة بدورها وهكذا تم
تعريفها انطلاقا من محتوياتها، اي باعتبارها مجموعة معطيات كما هو الشأن
بالنسبة لتايلور مثلا وتم تعريفها انطلاقا من وظائفها، اي باعتبارها نماذج
سلوكية كما فعل بوءاس وكروبروكلوكهون... كما تم الانطلاق في تعريفها من
تصور بنيوي، اي باعتبارها مجموعة بنيات أو انماط على غرار راد كليف براون
وولف40. وعرفت باعتبارها بنية فوقية اي انها مجرد افراز للبنيات التحتية
الاقتصادية كما هو الشان لدى المادية التاريخية. ومن اقدم التعاريف التي
اعطيت للثقافة نجد تعريف تايلور الذي يعرفها بانها "ذلك الكل المعقد الذي
يتضمن المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والتقاليد والعادات التي
يكتسبها الانسان من حيث هو عضو في المجتمع 41". والملاحظ ان هذا التعريف
يقتصر فقط على المحتوى 42• كما ان منظومته المفاهيمية لا تعكس التطور الذي
حصل في مجالات السوسيولوجيا في القرن العشرين. من جهة أخرى نجد ت .اليوت
يعيب على تايلور إهماله للفرد والطبقة اوالفئة الاجتماعية في تعريف
الثقافة، باعتبار ان اليوت يؤكد على ضرورة تعريف الثقافة انطلاقا من ثلاث
مستويات؛ وهي الفرد والطبقة الاجتماعية والمجتمع حيث يؤكد ان ارتباطات
كلمة ثقافة تختلف" بحسب ما نعنيه من نمو فرد او فئة او طبقة او نمو مجتمع
باسره....(مع) ان ثقافة الفرد تتوقف على ثقافة فئة او طبقة وان ثقافة
الفئة او الطبقة تتوقف على ثقافة المجتمع كله الذي تنتمي اليه تلك الفئة
او الطبقة وبناء على ذلك فان ثقافة المجتمع هي الاساسية، ومعنى كلمة
"الثقافة" بالنسبة الى المجتمع كله هو المعنى الذي يجب بحثه اولا ...43".
واذا كان إليوت يلح على ضرورة ربط الثقافة بوضع محدد - اذ انه ليست هناك
ثقافة واحدة - فان باحثين اخرين من امثال بيلز وكروبر وراد كليف براون...
يميلون الى اضفاء صبغة التجريدية على الثقافة باعتبار انها "لا تعبرعن اي
شيء واقعي محسوس، وانما عن تجريد وغالبا ما يستخدم كتجريد غامض" 44 غير ان
هذا الاتجاه في تعريف الثقافة لم يلق الترحيب من لدن العديد من علماء
الاجتماع والانتروبولوجيا، وهكذا نجد هوايت يعارض بشدة تعريف الثقافة
بانها تجريدات غير محسوسة وغير قابلة للملاحظة لان مثل ذلك التعريف سيبعد
الانتروبولوجيا الثقافية عن نطاق العلوم، ذلك ان العلم سواء أ كان طبيعيا
أم اجتماعيا فلابد له ان يدرس امرا محسوسا واقعيا يمكن ملاحظته وقياسه
والتعبير عنه كلما امكن ذلك ." فالثقافة لايمكن ان تكون غير الأمور
المحسوسة التي تتمثل في الاشياء والافعال والافكار التي هي من صنع
الانسان، وعلى عالم الانتروبولوجيا الثقافية ان يلاحظ تلك الامور المحسوسة
بصورة موضوعية "(44)• وقد عارض هوايت الاتجاه السيكولوجي (خاصة السلوكي)
بنفس الحدة التي عارض بها الاتجاه التجريدي، ليخلص في النهاية الى إعطاء
تعريف للثقافة انطلاقا من "نظرية الرمزية" والتي تتلخص في قدرة الانسان
على "إعطاء معان للاشياء وللافعال التي يلاحظها وكذلك القدرة على فهم تلك
المعاني"44. وانطلاقا من هذه النظرية يعرف هوايت الثقافة بانها "الاشياء
والافعال ذات المعاني والتي تدرس في الإطار (خارج الشخصي)"؛ ولقد أدت به
هذه التحاليل إلى اقتراح تعويض الانتروبولوجيا الثقافية (بعلم الثقافة)؛
غير انه لم يلق ترحيبا كبيرا من طرف المهتمين44. ولم يقتنع غي روشيه بكل
هذه التعاريف، فوضع تعريفا خاصا مستأنسا فيه بتعريف تايلورحيث اعتبر ان
"الثقافة هي مجموع (من العناصر) له علاقة بطرق التفكير والشعور والسلوك،
وهذه الطرق صيغت في قواعد واضحة نوعا ما والتي - لكون جمع من الاشخاص قد
اكتسبها وتعلمها وشارك فيها - تستخدم بصورة موضوعية ورمزية في آن معا، من
اجل تكوين هؤلاء الاشخاص في جماعة خاصة ومميزة45" وعلى الرغم من الشمولية
التي سعى غي روشيه الى اضفائها على هذا التعريف؛ حيث انه حاول ان يضمنها
اربعة خاصيات رئيسية وهي:
* انها تقدم طرقا في التفكير والشعور والسلوك
* وانها مصاغة في قواعد
* وانها مشتركة بين مجموعة من الاشخاص
*
كما ان لها نمط في الاكتساب او نقل المعلومات46؛ فان هذا التعريف في حد
ذاته لم يصغ بما يكفي من الوضوح للتعبير عن هذه الخصوصيات دون تذييله بها،
كما انه اهمل نقطا نرى انها من سمات الثقافة وعلى اي تعريف ان يتضمنها مثل
استقلال عناصر هامة في الثقافة عن الأفراد ؛ فاللغة والأفكار والفنون
والعلوم ...توجد في استقلال عن الأفراد ويمكن أن تكون مدونة في شكل وثائق
أو بواسطة الوسائل السمعية البصرية أوان تكون قائمة بذاتها كالمعمار
والملابس...
40 راجع SUMPF •••، dict.de sociologie (culture)
41 عن محمد اسماعيل قباري؛ ص: 438
42 نفس المصدر السابق.
43 عن اليوت؛ ملاحظات نحو تعريف الثقافة؛ ص: 24
44 عن عاطف وصفي؛ الانتروبولوجيا الثقافية؛ ص: 67•
44 عن غي روشيه ؛ مدخل الى علم الاجتماع؛ ص: 137
46 نفس المصدر السابق ونفس الصفحة
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الثقافة الشعبية بين التقليد والحداثة وتأثير العولمة/محمد غانم
الحلقة الثانية عشرة
كما
انه فيما نرى لاتوجد ثقافة مطلقة بل ان الحديث ينبغي ان يتم عن ثقافة
مجتمع من المجتمعات، وداخل كل مجتمع يمكن الحديث عن ثقافات جهوية وثقافات
قطاعية وثقافات تهم جماعة دون اخرى كالاحزاب السياسية بمعنى، انه لاتوجد
ثقافة بشكل مطلق بل ثقافات تتعايش فيما بينها..... واهمل هذا التعريف ايضا
الجانب التراكمي للثقافة، فالثقافة التي يعيشها مجتمع من المجتمعات اليوم
هي نتيجة عدة تراكمات تاريخية ونتيجة عدة تفاعلات مع ثقافات وحضارات اخرى
ادت الى افراز ثقافة تتخذ هذا الشكل دون غيره، وبتعبير اخر فان لكل ثقافة
(سواء تعلق الامر بثقافة مجتمع ما أو بجماعة ما) مرجعياتها التي تتشبت بها
والتي تخطط لحاضرها ومستقبلها انطلاقا منها، وتاريخها الذي حافظت خلاله
على عناصر ثقافية معينة ونبذت خلاله عددا من العناصر الثقافية التي كانت
محسوبة عليها فيما مضى والتي ربما استمرت اقلية في تبنيها، كما ان لكل
ثقافة، نسبيا، القدرة على استقبال تراكمات جديدة نتيجة التحولات التي
تعرفها بيئتها، بمعنى ان كل الثقافات التي تستطيع ان تضمن لنفسها
الاستمرار هي ثقافة ديناميكية ومتطورة ....من جهة اخرى اهمل هذا التعريف
مسالة الصراعات (أو التعايشات) الداخلية بين ثقافات فرعية فئوية او عرقية
او طبقية داخل المجتمع الواحد بل ان التعايش بين الثقافات يفرض نفسه في
المجتمعات المركبة كما هو الشان بالنسبة للمجتمع المغربي الذي تعرف اغلب
مدنه تعايشا بين عدة ثقافات، كالثقافة الامازيغية والثقافة الموريسكية
والثقافة القروية دات الاصل العربي ....وعلاوة على ذلك اغفل تعريف غي روشي
كون كل ثقافة تتضمن نسقا تبريريا للسلوك الواجب اتباعه يتخذ شكل اساطير
واديان وايديولوجيات ...كما ان تعريفه لم يتضمن عددا من الخصائص التي تتسم
بها الثقافة، كالنسقية والرمزية... وعليه فاننا نرى ان الثقافة هي مجموع
من العناصر التي عرفت تراكما وتطورا عبر التاريخ والمتعايشة فيما بينها
(او المتصارعة احيانا)، والتي تسمح للفرد داخل جماعة ما بامتلاك طرقها
ومبرراتها "في التفكير والشعور والسلوك"، بهدف التحكم في الطبيعة والبيئة،
كما تسمح له بضمان توا صل دائم مع باقي افرادها؛ وهي توجد في استقلال عن
الناس رغم ان تمثلها لا يمكن ان يتم الا بواسطتهم. وتتبلور العناصر
الثقافية في شكل معارف ومهارات وقيم وافكار نمطية ونماذج سلوك وقواعد او
معايير واضحة ومتعارف عليها من طرف تلك الجماعة. ويتم تفويت الثقافة من
جيل الى جيل عبر عدة قنوات، وبواسطة جهاز من الوسائل الرمزية، ورغم احتواء
الثقافة لعناصر ثابثة أو شبه ثابثة، فان اغلب عناصرها الاخرى تخضع للتحول
والتغيير المستمر لاسباب متعددة.
التحول الثقافي
مفهوم الشعبي
وحتى
نعطي لمفهوم الثقافة الشعبية مدلولها الحقيقي لا بد من الحديث أيضا عن
معنى كلمة شعبية. ذلك أنني أعتقد ان الاتجاه - الذي يحصر الثقافة الشعبية
في التراث الفني- يجد مبرره في غموض وتعددية استعمال كلمة "شعبي"، فكلمة
شعبي تحمل عدة معاني منها:
- أنها تعني (ما/من) يتعلق به الشعب، نقول
مثلا كرة القدم كرة شعبية أو المناضل الفلاني له شعبية، أو الصنف الغنائي
(كذا) هو صنف شعبي باعتبار أنه صنف مرغوب فيه من طرف فئات شعبية واسعة.
- وتعني ايضا ماتنتجه فئات واسعة من الشعب (أنسجة، ألبسة تقليدية، مأكولات، نكث، أغاني، ستيريوتيبات، معايير للتصنيف...)
-
أو ما تقبل فئات عريضة على استهلاكه أو الأمثال والحكم فنقول مثلا آداب
شعبية أو كالكسكس فنقول مثلا أكلة شعبية. - كما أن كلمة شعبي تعني ماتنتجه
نخبة ما (حزب أو جماعة أو جمعية) لخدمة الجماهير الشعبية، كالبرامج
السياسية الشعبية مقابل السياسات اللاشعبية.
- كما تعني مايملكه الشعب عامة ويتداوله كالأغاني الشعبية والرقصات الشعبية (فلكلور، أمثال).
إن
هذه الاستعمالات المتعددة لمفهوم الشعبي، هي التي أدت إلى الاختلاف الحاصل
في تعريف الثقافة الشعبية، إذ أنها تتأرجح بين تعاريف أنتربولوجية وتعاريف
سياسية وتعاريف أدبية تحصرها في التراث الأدبي والفني.
وتلافيا لهذا اللبس والاختلاف الصارخ في تعريف مفهوم الثقافة الشعبية فلا بد من التمييز بين 4 استعمالات رئيسية:
- مفهوم الثقافة أو الثقافات الشعبية؛
- مفهوم الثقافة التقليدية؛
- مفهوم الثقافة الشعبية التقليدية؛
- مفهوم ثقافة الاوساط الشعبية.
كما
انه فيما نرى لاتوجد ثقافة مطلقة بل ان الحديث ينبغي ان يتم عن ثقافة
مجتمع من المجتمعات، وداخل كل مجتمع يمكن الحديث عن ثقافات جهوية وثقافات
قطاعية وثقافات تهم جماعة دون اخرى كالاحزاب السياسية بمعنى، انه لاتوجد
ثقافة بشكل مطلق بل ثقافات تتعايش فيما بينها..... واهمل هذا التعريف ايضا
الجانب التراكمي للثقافة، فالثقافة التي يعيشها مجتمع من المجتمعات اليوم
هي نتيجة عدة تراكمات تاريخية ونتيجة عدة تفاعلات مع ثقافات وحضارات اخرى
ادت الى افراز ثقافة تتخذ هذا الشكل دون غيره، وبتعبير اخر فان لكل ثقافة
(سواء تعلق الامر بثقافة مجتمع ما أو بجماعة ما) مرجعياتها التي تتشبت بها
والتي تخطط لحاضرها ومستقبلها انطلاقا منها، وتاريخها الذي حافظت خلاله
على عناصر ثقافية معينة ونبذت خلاله عددا من العناصر الثقافية التي كانت
محسوبة عليها فيما مضى والتي ربما استمرت اقلية في تبنيها، كما ان لكل
ثقافة، نسبيا، القدرة على استقبال تراكمات جديدة نتيجة التحولات التي
تعرفها بيئتها، بمعنى ان كل الثقافات التي تستطيع ان تضمن لنفسها
الاستمرار هي ثقافة ديناميكية ومتطورة ....من جهة اخرى اهمل هذا التعريف
مسالة الصراعات (أو التعايشات) الداخلية بين ثقافات فرعية فئوية او عرقية
او طبقية داخل المجتمع الواحد بل ان التعايش بين الثقافات يفرض نفسه في
المجتمعات المركبة كما هو الشان بالنسبة للمجتمع المغربي الذي تعرف اغلب
مدنه تعايشا بين عدة ثقافات، كالثقافة الامازيغية والثقافة الموريسكية
والثقافة القروية دات الاصل العربي ....وعلاوة على ذلك اغفل تعريف غي روشي
كون كل ثقافة تتضمن نسقا تبريريا للسلوك الواجب اتباعه يتخذ شكل اساطير
واديان وايديولوجيات ...كما ان تعريفه لم يتضمن عددا من الخصائص التي تتسم
بها الثقافة، كالنسقية والرمزية... وعليه فاننا نرى ان الثقافة هي مجموع
من العناصر التي عرفت تراكما وتطورا عبر التاريخ والمتعايشة فيما بينها
(او المتصارعة احيانا)، والتي تسمح للفرد داخل جماعة ما بامتلاك طرقها
ومبرراتها "في التفكير والشعور والسلوك"، بهدف التحكم في الطبيعة والبيئة،
كما تسمح له بضمان توا صل دائم مع باقي افرادها؛ وهي توجد في استقلال عن
الناس رغم ان تمثلها لا يمكن ان يتم الا بواسطتهم. وتتبلور العناصر
الثقافية في شكل معارف ومهارات وقيم وافكار نمطية ونماذج سلوك وقواعد او
معايير واضحة ومتعارف عليها من طرف تلك الجماعة. ويتم تفويت الثقافة من
جيل الى جيل عبر عدة قنوات، وبواسطة جهاز من الوسائل الرمزية، ورغم احتواء
الثقافة لعناصر ثابثة أو شبه ثابثة، فان اغلب عناصرها الاخرى تخضع للتحول
والتغيير المستمر لاسباب متعددة.
التحول الثقافي
مفهوم الشعبي
وحتى
نعطي لمفهوم الثقافة الشعبية مدلولها الحقيقي لا بد من الحديث أيضا عن
معنى كلمة شعبية. ذلك أنني أعتقد ان الاتجاه - الذي يحصر الثقافة الشعبية
في التراث الفني- يجد مبرره في غموض وتعددية استعمال كلمة "شعبي"، فكلمة
شعبي تحمل عدة معاني منها:
- أنها تعني (ما/من) يتعلق به الشعب، نقول
مثلا كرة القدم كرة شعبية أو المناضل الفلاني له شعبية، أو الصنف الغنائي
(كذا) هو صنف شعبي باعتبار أنه صنف مرغوب فيه من طرف فئات شعبية واسعة.
- وتعني ايضا ماتنتجه فئات واسعة من الشعب (أنسجة، ألبسة تقليدية، مأكولات، نكث، أغاني، ستيريوتيبات، معايير للتصنيف...)
-
أو ما تقبل فئات عريضة على استهلاكه أو الأمثال والحكم فنقول مثلا آداب
شعبية أو كالكسكس فنقول مثلا أكلة شعبية. - كما أن كلمة شعبي تعني ماتنتجه
نخبة ما (حزب أو جماعة أو جمعية) لخدمة الجماهير الشعبية، كالبرامج
السياسية الشعبية مقابل السياسات اللاشعبية.
- كما تعني مايملكه الشعب عامة ويتداوله كالأغاني الشعبية والرقصات الشعبية (فلكلور، أمثال).
إن
هذه الاستعمالات المتعددة لمفهوم الشعبي، هي التي أدت إلى الاختلاف الحاصل
في تعريف الثقافة الشعبية، إذ أنها تتأرجح بين تعاريف أنتربولوجية وتعاريف
سياسية وتعاريف أدبية تحصرها في التراث الأدبي والفني.
وتلافيا لهذا اللبس والاختلاف الصارخ في تعريف مفهوم الثقافة الشعبية فلا بد من التمييز بين 4 استعمالات رئيسية:
- مفهوم الثقافة أو الثقافات الشعبية؛
- مفهوم الثقافة التقليدية؛
- مفهوم الثقافة الشعبية التقليدية؛
- مفهوم ثقافة الاوساط الشعبية.
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الثقافة الشعبية بين التقليد والحداثة وتأثير العولمة/محمد غانم
الحلقة الثالثة عشرة
الثقافات الشعبية محاولة للتركيب
"الثقافة الشعبية فيما نرى، هو ما نعيشه في الوقت الراهن من عناصر ثقافية تتمثلها أوسع الفئات الشعبية أي ثقافة الشعب التي تتعايش فيها عناصر كونية (شرقية وغربية وشمالية وجنوبية) مع عناصر ثقافية محلية عرفت النور في الماضي والحاضر المتجدد باستمرار. (إضافة عناصر تعريف الثقافة) وإذا كانت الثقافة التقليدية هي مجموع العناصر الثقافية القديمة سواء منها تلك التي تم تمثلها من طرف العامة أو تم تداولها فقط من طرف الخاصة .فإن الساحة الفكرية بالمغرب ـ في إطار التنظير للثقافة ـ عرفت طرحا ثالثا يطرح الثقافة غير الرسمية (أو غير المخزنية) من منظور تركيبي، أي أنها تركز أساسا على العناصر الثقافية التقليدية التي عرفت شعبية وانتشارا لدى الأجيال السابقة (في الماضي القريب أو البعيد). هكذا نجد الأستاذ محمد جسوس مثلا (جريدة الاتحاد الاشتراكي من 1 فبراير 1995 إلى 21 منه) لا يتحدث عن ثقافة شعبية ولا عن ثقافة تقليدية، بل إنه يتحدث عن ثقافة شعبية تقليدية، وأعتقد أن لهذا المفهوم المركب حسناته في التمييز بين الشعبي والتقليدي في ثقافة الوسط من جهة، كما أن تدقيقه بشكل أكثر إجرائية قد يمكننا من تصنيف ثقافة الأوساط الشعبية إلى صنفين على الأقل: تنقل إلى فقرة الثقافة الشعبية عند المثقفين المغاربة. وعليه فإننا نجد أنفسنا أمام منظومتين ثقافيتين وهما: أ- ثقافة عرفت شعبية في السابق؛ وهي مجموع العناصر الثقافية التي عرفت تداولا واسعا في الماضي بين عامة الناس، كالفلكلور، والأمثال الشعبية، وسير الأبطال (عنترة ابن شداد)، والملوك المسلمين - العرب وقصص المغامرات، والقصص الغرامية (ألف ليلة وليلة) وطرق الاحتفال وأساطير تفسير الكون••• ومجموع نماذج السلوك، وطبيعة العلاقات والقيم وأشكال التعبير والاتصال التي عرفتها الأوساط الشعبية قبل اكتساح الثقافة العصرية للعقليات. وهذا النوع من الثقافة كان يهيمن بشكل كبير في الأوساط الشعبية إلى حدود أواسط السبعينات (على الأقل بالنسبة للمدن الكبرى). وذلك لعدة أسباب نذكر منها:
* عدم تمكن السلطة الرابعة (خصوصا التلفزة) من القضاء على مصادر التثقيف التقليدية الأخرى (كالحلقة ولمسيد والنخب الشعبية التقليدية...) وذلك نظرا لحداثتها بالنسبة للمجتمع المغربي، ونظرا لعدم تمكن فئات عريضة من تمثل ما كانت تقدمه التلفزة، إما لكون هذه الفئات لم تكن تملك هذا الجهاز، أو لكونها لم تكن تفهم ما يقدم به (من برامج ناطقة بالعربية الفصحى أو الفرنسية) أو لكون بعضها كان يعتبر أن التفرج على جهاز التلفزيون ينبغي أن يقتصر على بعض البرامج (كالأخبار أو النشرة الجوية...) وذلك لكون التفرج على باقي البرامج كان يعتبر عيبا في بعض الأوساط، وممارسة الفرجة ينبغي ألا تتم في حضور الآباء والأعمام أو الإخوة الكبار (ظاهرة الحياء...) وقد أدى هذا الوضع إلى استمرار تأثير مصادر التثقيف التقليدية حتى بعد ظهور التلفزة في الستينات، لأنها كانت مصادر في متناول الجميع، وكانت لهذه المصادر سلطة معنوية على أغلبية أفراد المجتمع.
* محدودية انتشار المدرسة والتعليم العصري بصفة عامة، خصوصا خلال وبعيد الاستعمار مما لم يكن يسمح للأوساط الشعبية بالتفتح على عناصر ثقافية تحديثية.
* حداثة العهد بالبداوة، إذ أن أغلب سكان المدن الكبرى لتلك الفترة هم مهاجرون قدموا إليها من أوساط قروية، مع ما يتبع ذلك من تشبث بقيم المنحدرات العرقية لهؤلاء. وقد كانت هذه الأسباب وغيرها عاملا ساهم في الحد من انتشار ظاهرة المثاقفة مع الغرب كما ساهمت في الدفع بأجيال ما قبل السبعينات إلى الانغلاق الثقافي وما ينجم عنه من تشبث بمجمل عناصر الثقافة التقليدية. ب- وفي مقابل هذه الثقافة التقليدية نجد صنفا آخر، هو الثقافة الشعبية للفترة الراهنة وهي مجموع العناصر الثقافية التي تعرف تداولا بين أوسع الفئات الشعبية في الوقت الراهن خصوصا خلال وبعد الثمانينات والتي تتسم أساسا ب:
* خضوعها لسلطة وسائل الإعلام الغربية وغير الغربية...
* تخلصها من ثقافة المنحدرات العرقية القروية أو الحضارية التقليدية.
* تفتحها على ثقافة الغرب عبر عوامل الهجرة، والهجرة المضادة واتساع قاعدة المستفيدين من التعليم... مما سمح لهم بتفهم الآخر بل وتبني بعض عناصره الثقافية ... وتمييزا لهذه الثقافة عن الثقافة التقليدية فإنني أقترح تسميتها: إما "ثقافة الأوساط الشعبية" أو بالثقافات الشعبية الحديثة؟؟؟؟، والتي تعني بالنسبة لي ليس فقط ما هو تقليدي ولا ما هو حديث بل مجموع ما يتمثله الناس من عناصر ثقافية يتعايش فيها القديم والحديث، الشرقي والغربي، الشمالي والجنوبي ويستمد محتوياته من عدة مصادر.
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الثقافة الشعبية بين التقليد والحداثة وتأثير العولمة/محمد غانم
الحلقة الرابعة عشرة
التثقيف أو التنشئة الاجتماعية
الحديث عن قنوات التثقيف هو في جوهره حديث في التنشئة الاجتماعية، كما ان الحديث عن التنشئة الاجتماعية سيقود الى الحديث عن معناها ووظائفها ومصادرها، وما دمنا بصدد بحث ثقافة المراهقين في المجتمع المغربي فاننا ملزمون بمقاربة بعض تجلياتها بالنسبة للمجتمع المغربي. والتنشئة الاجتماعية حسب بعض الباحثين هي: "الادماج الاجتماعي للطفل خلال نموه، حيث تمنح له وسائل الاتصال واللغة ومجموعة من المعارف، وحيث يدفع الى اكتساب قواعد الحياة والعادات وانماط التفكير ومجالات الحيز الزمني والمعتقدات والتصورات المطابقة للوسط الاجتماعي الذي تربَّى فيه" 67• وإذا كان بييرون باعتباره مختصا في مجال علم النفس يحصر عملية التنشئة الاجتماعية في مرحلة الطفولة فإن غي روشيه سينطلق من منظور سوسيولوجي ليجعلها تمتد لتشمل حياة الانسان بكاملها. ويسير عدد من الباحثين السيكولوجيين في نفس سياق بييرون في تعريفهم للتنشئة الاجتماعية مع بعض التميز الناجم عن المنطلق النظري اوعن الوسط الذي ينطلق منه الباحث مثل: كلوتيي بكندا 68؛ وشيلد بامريكا؛ غير ان التعريف السوسيولوجي المحض والسيكولوجي المحض لم يقنع العديد من الباحثين فاتجهوا في تعريف التنشئة الاجتماعية منحى تركيبيا يمزج بين التنشئة والهوية من منظور سيكوسوسيولوجي 69 وعليه يمكن ان نعرف التنشئة الاجتماعية بكونها عملية "لاتقتصر فقط على تكييف الفرد مع المعايير الاجتماعية، بل هي من جهة، عملية مواصلة تغييرية مدى الحياة بهدف الادماج الاجتماعي النسبي والمستمر للفرد، ومن جهة اخرى، وسيلة لتشريب المعايير والقيم والتمثلات الاجتماعية، انها تكييف نسبي للفرد في سياق اطار حياته الفردية والجماعية" 70 ومن نفس المنظور يمكن ان نعرف الهوية بانها "العملية/الصيرورة التي بواسطتها يتعرف ويبني الفرد مظاهر عضويته، سواء كانت هذه المظاهر حاضرة، ماضية، او مستقبلية، كواقع او كمشروع؛ والتي بواسطتها ايضا يتم تحديد/تعريف الفرد، ويصبح هو نفسه قابلا لهذا التعريف/التحديد. انها الدينامية المتطورة التي تفسح المجال لبعض التبادلات الصراعية للافصاح عن نفسها في ازمات" 71• وقد اكدت جل الدرا سات على ان للتنشئة الاجتماعية عدة وظائف تمحورت في أغلبها حول تكيف الفرد مع وسطه. ويتم هذا التكيف عبر ثلاثة وظائف رئيسية 72 وهي: اكتساب الثقافة؛ أي اكتساب المعارف والنماذج والقيم والرموز…؛ و تكامل الشخصية؛ وذلك بان تصبح عناصر المجتمع والثقافة جزءا مهما في بناء الشخصية النفسية؛ واحداث تماثل لدرجة كافية في طرق السلوك والتفكيروالشعور. كما ان التنشئة الاجتماعية تمكن الفرد من تحصيل عدة مكتسبات منها احداث تطابق تام بين مصالح الافراد ومصالح الجماعات وتمكين الفرد من التكيف الثقافي مع العناصر الجديدة في الثقافة، وتوفيرمسافة اجتماعية بين الافراد ويقصد بها "ذلك التعاطف الموجود بين افراد الجماعة ...73• ومن جهة اخرى فقد اكدت العديد من الدرا سات على جدوى درا سة مصادر التنشئة الاجتماعية. وقد اختلف الباحثون في تسمية هذه المصادر؛ فقد أ سماها غي روشيه سنة 1983 عناصر التنشئة؛ وأ سماها أبوهلال سنة 1979 طرق التنشئة في حين يتحدث كلوتيي سنة 1977عن عوامل التنشئة الاجتماعية.
67 عن PIERON (H) vocabulaire de la langue pédagogique انظر مصطلح تنشئة socialisation؛ راجع ايضا غي روشيه؛ ص: 164
68 راجع CLOUTIER (R) et autres; psychologie du developpement: adolescence; p.p : 8-14
69 راجع مصطفى حدية؛ Socialisation et identité ; p.p: 6-12 راجع ايضا لنفس الباحث التنشئة الاجتماعية بين الاسرة والمدرسة في الوسط القروي ؛ ندوة الاسرة والطفل في المجتمع المغربي المعاصر؛ ص 101
70 عن م.محسن ملحق العدد 17 من مجلة التربية والتعليم ؛ ص : 27 حيث يقدم ترجمة لتعريف مصطفى حدية لمفهوم التنشئة الاج.
71 نفس المصدر السابق
72 راجع حسن شحاتة سعفان؛ اسس علم الاجتماع؛ ص: 260
73 نفس المصدر السابق
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الثقافة الشعبية بين التقليد والحداثة وتأثير العولمة/محمد غانم
الحلقة الخامسة عشرة
ثلاثة مقاييس لتصنيف عناصر التنشئة الاجتماعية
يرى
غي روشيه ضرورة استحضار 3 مقاييس لتصنيف عناصر التنشئة الاجتماعية 74:
الجهات التي تقوم بالتنشئة، و اهداف التنشئة، والفئات المستهدفة من
التنشئة. وبناء على هذه المقاييس يصنف عناصر التنشئة على النحو التالي:
جماعات لها كهدف معلن التنشئة الاج جماعات ليس لها كهدف معلن التنشئة الاج
- العائلة -الكنيسة - الطائفة
- معمل - نقابة
- قرية من فئة عمرية - ناد للمسنين
- فئة من الرفاق - حركة شباب - أقران
- مدرسة - حركة تربوية - قرابة
- حزب - حركة اجتماعية
كما
يستحضر الباحث الى جانب هذه العناصر تقنيات اتصال الجماهير (وسائل
الاعلام) واوساط التنشئة في حد ذاتها (أوساط ريفية -جماعات عرقية -قومية
ثقافية - طبقات اجتماعية - جماعات مرجعية)•
في حين نجد ابوهلال يتحدث
عن مصادر رسمية ومصادر غير رسمية للتثقيف 75: والمصادر الرسمية بالنسبة
اليه هي (التعلم بالطرق الرسمية أي عن طريق المدارس والمناهج المنظمة
والمعلمين الذين يقومون بنقل الثرات الثقافي للاجيال"• اما الطرق غير
الرسمية فهي تلك التي "تتم بوا سطة الحياة مع العائلة والتعلم بالتفاعل
والاحتكاك والمحاكاة، ثم الانتقال الى العالم الخارجي (اي خارج الاسرة)
الى رفاق اللعب وأصدقاء العمل، ويدخل ضمن هذه الطريقة ايضا التعلم بواسطة
وسائل الايصال والاتصال كالراديو والتليفيزيون"• اما بالنسبة لكلوتيي
فيلخص ما أ سماه عوامل التنشئة الاجتماعية في خمسة عوامل 76 الاسرة
والمدرسة والوسط المهني ومجتمع الرفاق وجماعاتهم اضافة الى وسائل الاتصال
الجماهيري. وقد ركز الاستاذ مصطفى حدية بالنسبة لدراسته للتنشئة
الاجتماعية على عاملين وهما الاسرة والمدرسة رغم انه لم ينف امكانية تدخل
باقي العوامل الاخرى في هذه العملية باعتبار ان عملية التنشئة الاجتماعية
هي صيرورة تمتد لتغطي كل حياة الفرد. وبناء عليه فاننا نرى ان مصادر
التنشئة الاجتماعية تشمل كل قنوات التثقيف التي تؤثر بشكل او باخر في
شخصية الفرد سواء تم هذا التأثير عن طريق الاحتكاك المباشر او عن طريق
الاشعاع غير المباشر. فالاسرة والمدرسة ومختلف وسائل الاعلام وكل
الفاعليات غير الرسمية المتدخلة من قريب او من بعيد في عملية تثقيف المرء
كجماعات الاقران والاحزاب السياسية والجماعات الدينية والمساجد ودور
الشباب والملاعب الرياضية ووسائل التثقيف التقليدية (من حلقة، ومسيد،
وبساط...) كلها في اعتقادي مصادر تصارع بعضها البعض للظفر بتنشئة الطفل او
المراهق على طريقتها ووفق اهدافها، ومعنى هذا فان عملية التنشئة
الاجتماعية داخل المجتمع الواحد تعكس تناقضات المجتمع فهي لا تعرف محتوى
واحدا ولا اتجاها واحدا ، فما تسعى الاسرة الى تنشئة ابنائها عليه قد
يناقض ما ترمي التلفزة الى زرعه في نفسية الابناء وقد يتناقض في الكثير من
الحالات مع طموحات المدرسة في مجال التنشئة، كما ان جماعات الاقران قد تضع
ما تمثله الطفل او المراهق داخل اسرته وداخل المدرسة موضع شك، وقد تزكي
قيما ونماذج سلوك يتلقونها عبر وسائل الاعلام الغربية او داخل جماعات
سياسية او دينية مما يجعلنا أمام تنشئة اجتماعية مضادة... كما ان عدم
التجانس بين الاسر المغربية مثلا سيؤدي الى تنشئات متمايزة لاطفال الوسط
الواحد وقد عكف الاستاذ مصطفى حدية على هذا الجانب وابرز من خلال الدراسة
الميدانية التي انجزها بوسط قروي ان التنشئة الاجتماعية تتأثر بعدة عوامل
منها اختلاف الاوساط الاجتماعية والاوضاع السوسيومهنية للاباء وجنس الطفل
المعني بالتنشئة ومستواه الدراسي77• واعتقد ان نفس ما لاحظه بالنسبة
للاوساط القروية سينطبق على الاوساط الحضرية مع نوع من الحدة، خصوصا اذا
اخذنا بعين الاعتبار مجموع العوامل التي تصارع الاسرة والمدرسة
(المتناقضتين اصلا في العديد من المجالات) لاعادة قولبة الانساق القيمية
للطفل والمراهق. وهذا ما سنحاول بحثه بالتركيز على دور جماعات المراهقين
ودور وسائل الاعلام الغربية في هذا التصارع الصريح احيانا والمتستر في
اغلب الحالات من اجل الهيمنة على المراهقين
74 راجع غي روشيه؛ مدخل إلى علم الاجتماع العام؛ ص.ص: 184-194
75 راجع أبو هلال؛ مقدمة إلى الانتروبولوجيا التربوية؛ ص: 224
76 راجع CLOUTIER (R) et autres; psychologie du developpement: adolescence; p.p :8-14
77 راجع م. محسن م.ع.17 مجلة التربية والتعليم؛ ص.ص: 31-33؛ حيث وردت ترجمة لهذه الفقرة من كتاب م.حدية المشار إليه سابقا.
ثلاثة مقاييس لتصنيف عناصر التنشئة الاجتماعية
يرى
غي روشيه ضرورة استحضار 3 مقاييس لتصنيف عناصر التنشئة الاجتماعية 74:
الجهات التي تقوم بالتنشئة، و اهداف التنشئة، والفئات المستهدفة من
التنشئة. وبناء على هذه المقاييس يصنف عناصر التنشئة على النحو التالي:
جماعات لها كهدف معلن التنشئة الاج جماعات ليس لها كهدف معلن التنشئة الاج
- العائلة -الكنيسة - الطائفة
- معمل - نقابة
- قرية من فئة عمرية - ناد للمسنين
- فئة من الرفاق - حركة شباب - أقران
- مدرسة - حركة تربوية - قرابة
- حزب - حركة اجتماعية
كما
يستحضر الباحث الى جانب هذه العناصر تقنيات اتصال الجماهير (وسائل
الاعلام) واوساط التنشئة في حد ذاتها (أوساط ريفية -جماعات عرقية -قومية
ثقافية - طبقات اجتماعية - جماعات مرجعية)•
في حين نجد ابوهلال يتحدث
عن مصادر رسمية ومصادر غير رسمية للتثقيف 75: والمصادر الرسمية بالنسبة
اليه هي (التعلم بالطرق الرسمية أي عن طريق المدارس والمناهج المنظمة
والمعلمين الذين يقومون بنقل الثرات الثقافي للاجيال"• اما الطرق غير
الرسمية فهي تلك التي "تتم بوا سطة الحياة مع العائلة والتعلم بالتفاعل
والاحتكاك والمحاكاة، ثم الانتقال الى العالم الخارجي (اي خارج الاسرة)
الى رفاق اللعب وأصدقاء العمل، ويدخل ضمن هذه الطريقة ايضا التعلم بواسطة
وسائل الايصال والاتصال كالراديو والتليفيزيون"• اما بالنسبة لكلوتيي
فيلخص ما أ سماه عوامل التنشئة الاجتماعية في خمسة عوامل 76 الاسرة
والمدرسة والوسط المهني ومجتمع الرفاق وجماعاتهم اضافة الى وسائل الاتصال
الجماهيري. وقد ركز الاستاذ مصطفى حدية بالنسبة لدراسته للتنشئة
الاجتماعية على عاملين وهما الاسرة والمدرسة رغم انه لم ينف امكانية تدخل
باقي العوامل الاخرى في هذه العملية باعتبار ان عملية التنشئة الاجتماعية
هي صيرورة تمتد لتغطي كل حياة الفرد. وبناء عليه فاننا نرى ان مصادر
التنشئة الاجتماعية تشمل كل قنوات التثقيف التي تؤثر بشكل او باخر في
شخصية الفرد سواء تم هذا التأثير عن طريق الاحتكاك المباشر او عن طريق
الاشعاع غير المباشر. فالاسرة والمدرسة ومختلف وسائل الاعلام وكل
الفاعليات غير الرسمية المتدخلة من قريب او من بعيد في عملية تثقيف المرء
كجماعات الاقران والاحزاب السياسية والجماعات الدينية والمساجد ودور
الشباب والملاعب الرياضية ووسائل التثقيف التقليدية (من حلقة، ومسيد،
وبساط...) كلها في اعتقادي مصادر تصارع بعضها البعض للظفر بتنشئة الطفل او
المراهق على طريقتها ووفق اهدافها، ومعنى هذا فان عملية التنشئة
الاجتماعية داخل المجتمع الواحد تعكس تناقضات المجتمع فهي لا تعرف محتوى
واحدا ولا اتجاها واحدا ، فما تسعى الاسرة الى تنشئة ابنائها عليه قد
يناقض ما ترمي التلفزة الى زرعه في نفسية الابناء وقد يتناقض في الكثير من
الحالات مع طموحات المدرسة في مجال التنشئة، كما ان جماعات الاقران قد تضع
ما تمثله الطفل او المراهق داخل اسرته وداخل المدرسة موضع شك، وقد تزكي
قيما ونماذج سلوك يتلقونها عبر وسائل الاعلام الغربية او داخل جماعات
سياسية او دينية مما يجعلنا أمام تنشئة اجتماعية مضادة... كما ان عدم
التجانس بين الاسر المغربية مثلا سيؤدي الى تنشئات متمايزة لاطفال الوسط
الواحد وقد عكف الاستاذ مصطفى حدية على هذا الجانب وابرز من خلال الدراسة
الميدانية التي انجزها بوسط قروي ان التنشئة الاجتماعية تتأثر بعدة عوامل
منها اختلاف الاوساط الاجتماعية والاوضاع السوسيومهنية للاباء وجنس الطفل
المعني بالتنشئة ومستواه الدراسي77• واعتقد ان نفس ما لاحظه بالنسبة
للاوساط القروية سينطبق على الاوساط الحضرية مع نوع من الحدة، خصوصا اذا
اخذنا بعين الاعتبار مجموع العوامل التي تصارع الاسرة والمدرسة
(المتناقضتين اصلا في العديد من المجالات) لاعادة قولبة الانساق القيمية
للطفل والمراهق. وهذا ما سنحاول بحثه بالتركيز على دور جماعات المراهقين
ودور وسائل الاعلام الغربية في هذا التصارع الصريح احيانا والمتستر في
اغلب الحالات من اجل الهيمنة على المراهقين
74 راجع غي روشيه؛ مدخل إلى علم الاجتماع العام؛ ص.ص: 184-194
75 راجع أبو هلال؛ مقدمة إلى الانتروبولوجيا التربوية؛ ص: 224
76 راجع CLOUTIER (R) et autres; psychologie du developpement: adolescence; p.p :8-14
77 راجع م. محسن م.ع.17 مجلة التربية والتعليم؛ ص.ص: 31-33؛ حيث وردت ترجمة لهذه الفقرة من كتاب م.حدية المشار إليه سابقا.
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الثقافة الشعبية بين التقليد والحداثة وتأثير العولمة/محمد غانم
الحلقة السادسة عشرة
التحول والتجديد الثقافي
التحول
الثقافي ليس وقفا على مجتمع دون اخر، بل انه امر طبيعي ولازم لتقدم
المجتمعات، ولقد عرفت سائر المجتمعات -ولازالت تعرف - تحولات ثقافية جاءت
كانعكاس للتطور الذي عرفته البشرية في المجالات التكنولوجية -والاقتصادية،
وخاصة في مجال صناعة الافكار التي تطورت بتطور وسائل الاتصال وتقنيات
التواصل حتى اصبحت وسائل الاعلام تعتبر بحق سلطة رابعة يحسب لها الف حساب،
ولقد لعبت هذه السلطة ادوارا حاسمة في تغيير القيم الاجتماعية والاخلاقية
والاقتصادية والاستهلاكية... كما لعبت ادوارا في إغناء معارف الناس وتغيير
مواقف فئات اجتماعية وا سعة في مجال السياسة، وساهمت في تغيير عادات الناس
وتقاليدهم وغيرها. وإذا كانت سيرورة التحول الثقافي الجذري للمجتمعات
الغربية قد عرفت النور منذ عدة قرون وعرفت التورات الصناعية والتكنولوجية
والمعلوماتية ....منذ زمن فإن دول العالم الثالث لم تعرف بداية التحول في
اتجاه الحداثة الا في مطلع القرن الحالي، بل ان التحول الثقافي (في شكله
التحديثي) لم يعرف الانتشار في الاوساط التقليدية والشعبية الا في العقود
الاخيرة. وقد شكل التحول الثقافي للجماعات محور درا سات متعددة اتخذت
اتجاهين: اولهما؛ دراسة التحول الثقافي داخل جماعات صغيرة انطلاقا من
منظور (ميكروسوسيولوجي) لمعرفة كيف يمكن احداث تغيير في مواقف الافراد
انطلاقا من تاثير الجماعات فيهم، وذلك ما تقوم به الدراسات التجريبية
المخبرية على الخصوص. وثانيهما؛ دراسة التحول الثقافي من منظورشمولي
(ماكرولوجي) باعتباره عنصرا من عناصر التحول الاجتماعي بصفة عامة. وتحاول
هذه الدرا سات معرفة كيف حدث هذا التحول؟ وماهي اسبابه؟ وماهي تجلياته؟
وهذا وضع مجتمعات العالم الثالث. وقد اعتمدت أغلب هذه الدرا سات مناهج
وتقنيات تناسب درا سة ظاهرة التحول الثقافي في وضعه الطبيعي. ومن اهم
القضايا التي استأثرت باهتمام الباحثين في هذا المجال نجد اشكالية عوامل
التحول الثقافي باعتبار ان الثقافة ديناميكية ولا تحتمل الركود، بمعنى
انها تتغير وتتحرك وتتطوربشكل مستمر،... وتتداخل عوامل كثيرة لاحداث
التحول الثقافي، ولكن التحول الثقافي لا يتم كالتغير البيولوجي عن طريق
الطفرة والانتخاب الطبيعي، وانما يأتي كاستجابات لحاجات الانسان ولارادته.
وهناك مجموعتان من العوامل اجمعت العديد من الدراسات على اعتبارهما
اساسيتين في احداث التحول الثقافي: عوامل داخلية؛ كالاختراع والاكتشاف
وعوامل خارجية كالانتشار الثقافي والتثاقف. بمعنى ان هناك مصادر أو أ سباب
مباشرة تؤدي الى احداث تغيير في البنية الثقافية منها ان التغيير في
البيئة، يؤدي الى تغيير في الثقافة؛ وأن الاتصالات المباشرة بين الثقافات
المختلفة يؤدي الى التغيير الثقافي؛ وكذا اقتباس ما يتناسب من الثقافات
الوافدة مع قيم ومعتقدات المجتمع المقتبِس؛ كما يؤدي التغيير في عنصر
ثقافي ما أو في مركب ثقافي ما إلى تغييرات اخرى على العناصر الثقافية
الباقية 64• والتغيير لايكون اعتباطيا، بل إنه يخضع لعدة قواعد ومبادئ
منها:
* ان هناك عناصرثقافية يكون تغييرها أسهل من العناصرالاخرى مثل العناصرالمادية على عكس القيم مثلا
* وان هناك تفاوت في إمكانية دمج بعض العناصر الثقافية الجديدة ببقية عناصر الثقافة...
* كما ان هؤلاء الذين لايقوَوْن على استيعاب التجديد وتقبله يقفون منه موقف المقاوم.
* يكون تقبل التغيير أسهل إذا جاء هذا التغيير أثناء مرور الثقافة بمحنة أو بمصيبة، إذ يصبح هناك تخلخل في مدى الالتزام بالقيم.
* يمكن رفض نقل بعض المخترعات ...وذلك لانها ربما تنافس صناعات محلية تكون أقل جودة وتطورا منها.
* عند حدوث التغيير نجد ان الناس يتبنون العناصر الجديدة ولكنهم لا يستوعبونها بالسرعة اللازمة.
كما ان وجود الاتجاهات السلبية في ثقافة نحوثقافة اخرى سيعوق تقبل العناصرالثقافية القادمة منها.
64 راجع ابو هلال مقدمة الى الانتروبولوجيا الثقافية؛ ص: 186•
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الثقافة الشعبية بين التقليد والحداثة وتأثير العولمة/محمد غانم
الحلقة السابعة عشرة
التحول الثقافي في المجتمع المغربي
بالنسبة للمجتمع المغربي المستقل- وفي غياب دراسة اكاديمية عميقة حول موضوع التحول الثقافي - نرى انه يمكن التمييز فيه بين أربع حقب ثقافية شعبية، حقبة ماقبل الاستعمار وحقبة الفترة الاستعمارية وحقبة ما بعد الاستقلال الى مطلع السبعينات، وحقبة ما بعد التسعينيات إلى مطلع الافية الثالثة. وسأقتصر هنا على دراسة المرحلتية الأخيرتين نظرا لكون المرحلتين الأولتين من اختصاص التاريخ الاجتماعي. وقد اتسمت الحقبة الثالثة، من بين مااتسمت به، باتساع رقعة تأثير المجال القروي في المجال الحضري حيث كانت نسبة البادية تقارب 70%، بل ان الحواضر نفسها لم تكن قد قطعت الصلة ثقافيا مع العالم القروي خاصة في الأحياء الهامشية. وكانت تلك هي سمات التحول الثقافي الذي عرفته المدن المغربية انذاك، وهو ما يمكن تسميته ببدونة المدن أو بدونة هوامش المدن على الاقل، ذلك ان المهاجرين من البوادي الى المدن كانوا ياتونها محملين ومتشبعين بعناصر ثقافية تقليدية وقروية، كما ان تردد اغلبهم على البادية كان يتم بشكل منتظم مع ما يستتبع ذلك من استمرار انتشار الثقافة التقليدية القروية بالاحياء التي كانوا يتجمعون بها والتي كانت في اغلب الحالات مدنا للصفيح؛ كما اتسمت هذه الحقبة بهيمنة الميولات السياسية الوطنية والتقدمية - اليسارية استمرارا للحركة الوطنية التي كان منظروها يؤكدون ان عملية التحرير لم تنته بعد، وكان المثقف النموذجي انذاك هو المثقف المناضل او "المثقف العضوي" الذي ينبغي ان يتماشى انتاجه الفكري او الفني مع الاتجاهات السياسية التقدمية، وهذا ما جعل العديد من المثقفين يعزفون عن الانتاج الفني لأجل الفن، في استقلال عن السياسة، لان ذلك كان يعتبر عملا غير تقدمي، يخدم "البورجوازية" ولا يخدم الجماهير الكادحة، وهذا في اعتقادي هو ما يفسر هذا النقص الذي تعرفه الساحة الثقافية في مجال الابداع الفني، فباستثناء بعض المبادرات المحدودة التي عرفت انتشارا وتجاوبا جماهيريا (كناس الغيوان ولمشاهب مثلا…) فان المثقف المغربي كان يوجه قدراته الى العمل السياسي اكثر من توجيهها الى العمل الفني. ولم تكن للمدرسة انذاك قدرة على تغطية كل الحاجيات حتى بالنسبة للمدن مما جعل نسبة الامية تستمر في ارتفاع، وقد ادى ذلك الى استمرارانتشارالادب الشفاهي التقليدي. من جهة اخرى سجلت تلك الفترة محدودية انتشار التيليفيزيون، كما ان هذا الجهاز لم يكن بامكانه انذاك فرض هيمنته على الناس نظرا لضعف اساليبه وامكانياته وقد ترك المجال انذاك للراديو الذي كان يعتمد اساسا على الروايات الشفاهية المسلسلة التي كانت في جوهرها امتدادا للرواية في شكلها التقليدي من حلقة وبساط ...(والتي كان لها اثرلا يستهان به)، وامام الفراغ الثقافي والترفيهي والتعليمي الذي كان يعيشه المغاربة انذاك فقد وجدت قنوات التثقيف التقليدية المجال المناسب للاستمرار في لعب دورها التقليدي في التثقيف والترفيه والتعليم في الستينيات ومطلع السبعينيات؛ وقنوات التثقيف التقليدية متعددة منها المنحذر العرقي و لمسيد و "الحلقة" والسوق والنخب التقليدية الشعبية (كالفقيه والعراف والعشاب والبراح وامناء الحرف…) والمواسم الزراعية ومواسم الزوايا والتجمعات التقليدية الاحتفالية (فولكلور، واحتفال بالاعياد…) وغيرها. كما لعبت الاحزاب السياسية دورا في تطعيم البنية الثقافية للمجتمع المغربي وذلك بنشر مواقف ونماذج سلوك وطموحات سياسية مغايرة لما يروج له بطرق رسمية. وقد كانت لكل هذه القنوات مصداقية كبيرة في اوساط المقبلين عليها مما كان يجعل تأثيرها عميق، ودورها كبير في حفظ ونقل جزء لايستهان به من الثرات من جيل الى جيل.
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الثقافة الشعبية بين التقليد والحداثة وتأثير العولمة/محمد غانم
الحلقة الثامنة عشرة
التحول الثقافي في المجتمع المغربي غداة ظهور مفهوم النظام العالمي الجديد
الحقبة
الرابعة بدأت - فيما أرى -منذ أواسط السبعينات، وقد تزامنت من جهة مع
التحولات والاختلالات التي عرفها العالم إثر انهيار المنظومة الاشتراكية
وظهور مفهوم النظام العالمي الجديد، وتميزت ببداية تحولات سياسية وسوسيو
اقتصادية وثقافية مصحوبة ببداية الازمة المالية والاقتصادية التي ستعرف
اوجها خلال التسعينات واواخرالثمانينات. وقد جاءت هذه التحولات كانعكاس
للتحولات الديموغرافية (حيث انه علاوة على النمو الديموغرافي، ظهرت فئات
اجتماعية جديدة لم يكن يعرفها المجتمع المغربي سابقا، كفئة المثقفين
الحداثيين التي ما فتئت رقعتها تتسع يوما عن يوم، وظهوراو اتساع رقعة فئات
مهنية لم تكن موجودة سابقا او كانت رقعتها محدودة كفئة الموظفين
والتقنييين المختصين كالمهندسين...) والى جانب التحولات الديموغرافية نجد
التحولات الاقتصادية، التي تعتبر نواة مجموع التحولات والتي تتسم بدخول
المغرب مجالات اقتصادية جديدة في مجال الصناعة وارتباط الصناعة التقليدية
بقطاع السياحة، الى جانب اعتماده على الفلاحة كقطاع رئيسي. ونظرا لاعتماد
الاقتصاد المغربي على عدة مرتكزات غير داخلية (كسقوط المطر ومدى توافد
السياح والدين الخارجي والظرفية الاقتصادية الدولية...) فانه يعرف ازمة
تتصاعد كلما حصل انتكاس او توتر في احدى مرتكزاته الخارجية، وتعتبر هذه
الاختيارات والاوضاع الاقتصادية اساسا للتحولات الاجتماعية التي طالت
التنضيد الطبقي للمجتمع المغربي والبنية الاسرية بتفاحل تحولها من اسرة
ممتدة الى اسرة نووية مع ما ترتب عن ذلك من اعادة النظر في سلطة الاب وفي
وضع الزوجة والابناء داخل الاسرة... وستتظافر مجموعة من العوامل لتؤدي الى
انتشار البطالة بصفة عامة والبطالة الجامعية (أو بطالة غير الأميين) على
الخصوص، كظاهرة لم يكن يعرفها المجتمع المغربي سابقا، وكذا انتشار بعض
الافات الاجتماعية كاستعمال المخدرات واستعمال العنف... كما تميزت هذه
الحقبة بنمو المجال الحضري بالنسبة لما كان عليه، وببداية احداث قطيعة مع
القرية خاصة في اوساط الشباب، بمعنى احداث قطيعة تامة مع مصدر هام من
مصادر نشر عدد من العناصر الثقافية التقليدية الا وهو المنحذر العرقي،
وستتم هذه العملية نتيجة بيع أو إهمال اغلب الاباء الذين هاجروا الى المدن
اراضيهم التي كانوا يملكون في القرية، ونتيجة هجرة اقاربهم بدورهم الى
المدن مما جعل فرصة الاحتكاك بالقرية اصبحت ضئيلة جدا. كما انعكست تلك
التحولات الاقتصادية الى جانب الظرفية العالمية (النظام العالمي الجديد)
على الممارسة السياسية التي تميزت بدخول المجتمع المغربي في صيرورة تحول
ترمي الى دمقرطة الحياة السياسية، مما ادى الى ظهور احزاب جديدة من اليمين
ومن اليسار الى جانب الاحزاب التقليدية وتغيير خطاب عدة هيئات سياسية
ونقابية كانت راديكالية فيما مضى وظهور تحالفات وتكتلات جديدة، ودخول
المغرب في عدة تجارب انتخابية نيابية وطنية ومحلية مع ما يقتضي كل ذلك من
توسيع مجالات حرية الافراد والجماعات وغيرها بل ان هذه التحولات طالت
المجالات المعرفية العلميةالتيكنولوجية (التمدرس والاحتكاك المعرفي
بالاخر...) التي يعرفها المجتمع المغربي، وشملت حتى فهم عامة الناس
للاسلام نتيجة ظهور التيارات الاصولية من جهة ونتيجة نمو حجم المتعلمين
القادرين على قراءة وفهم القرآن والحديث وعلوم الدين ، فلم يعد شرح امور
الدين وقفا على "الفقيه" الذي كان متأثرا الى حد كبير بالفكر الاسطوري او
"لحلايقي" كما كان في السابق، بل ان كل متعلم مسلم اصبح بامكانه ان يشرح
الامور الدينية المستعصية على الاميين. وفي مقابل ذلك تمكن الابناء
المتعلمون من الاطلاع على ثقافات ومعارف وحضارات اخرى مغايرة لما كان
يعرفه اباؤهم، وقد تم ذلك نتيجة الدورالذي لعبته المدرسة كقناة تثقيف
تحديثية. كما ستعرف وسائل الاعلام السمعية البصرية في فترة مابعد
السبعينات وخاصة في مطلع الثمانينات ثورة بالنسبة للمجتمع المغربي: اولا
بانتشارها على نطاق واسع في المدن والقرى؛ ثانيا بتطويرقدراتها على
التاثير في المتلقي، وثالثا بارتباطها اكثر بالمجتمعات الغربية، سواء تعلق
الامر بالسينما او بمختلف الفنون وغيرها. واذا كانت فترة الستينات واوائل
السبعينيات فترة عرفت مدا للاتجاهات السياسية التقدمية واليسارية، فستعرف
اواخر السبعينات بداية انتعاش الجماعات الاصولية مع ما سيصاحب ذلك من ظهور
قيم ونماذج سلوك جديدة وتصورات اثرث بطريقتها في البنية الثقافية للمجتمع
واتارث ردود فعل ايجابة احيانا وسلبية احيانا اخرى. والى جانب ذلك ستظهر
احزاب غير يسارية في الساحة، وستنتعش احزاب كانت تصنف الى عهد قريب ضمن
الاحزاب اليمينية كحزب الاستقلال. وامام هذه التحولات وتحولات اخرى لم
نذكرها والتي طالت الانساق القيمية ونماذج السلوك والاتجاهات والطموحات
وغيرها فان قنوات التثقيف التقليدية بدورها لم يعد لها مكان لعدة اسباب
منها:
* تجاوز ما كانت تروج له تلك القنوات خاصة بالنسبة للنخب التقليدية الشعبية التي لم تعد نخبا نظرا لظهور وظائف جديدة؛
*
كما ان ظاهرة المواسم لم تعد تقليدية تحمل نفس الابعاد العقائدية التي
كانت لها في السابق بل اصبحت في اغلب الحالات تستغل للسياحة، وأصبحت تنعت
بكونها مواسم ثقافية في العديد من الحالات؛
* وتقلصت ظاهرة "لمسيد" كمؤسسة تقليدية كانت تؤدي عدة وظائف تربوية ودينية واجتماعية؛
*
ولم تعد الحلقة قادرة على الاستمرار في اغلب المدن (باستثناء القليل منها)
نظرا للنمو العمراني الذي لم يترك لها الموقع المناسب لتنتظم فيه، كما ان
اغلب ما كانت تقدمه لم يعد يستأثر باهتمام الانسان المغربي نظرا لوجود
وسائل ترفيه وتثقيف اخرى، كما ان جل "لحلايقية" فقدوا المصداقية، باستثناء
مايرتبط بالسحر والعرافة (أي ما لاتستطيع التلفزة فعل شيء فيه) وبعض
الغرائبيات هي التي لا زالت تتلقى اقبالا من طرف فئات جد محدودة من الناس.
التحول الثقافي في المجتمع المغربي غداة ظهور مفهوم النظام العالمي الجديد
الحقبة
الرابعة بدأت - فيما أرى -منذ أواسط السبعينات، وقد تزامنت من جهة مع
التحولات والاختلالات التي عرفها العالم إثر انهيار المنظومة الاشتراكية
وظهور مفهوم النظام العالمي الجديد، وتميزت ببداية تحولات سياسية وسوسيو
اقتصادية وثقافية مصحوبة ببداية الازمة المالية والاقتصادية التي ستعرف
اوجها خلال التسعينات واواخرالثمانينات. وقد جاءت هذه التحولات كانعكاس
للتحولات الديموغرافية (حيث انه علاوة على النمو الديموغرافي، ظهرت فئات
اجتماعية جديدة لم يكن يعرفها المجتمع المغربي سابقا، كفئة المثقفين
الحداثيين التي ما فتئت رقعتها تتسع يوما عن يوم، وظهوراو اتساع رقعة فئات
مهنية لم تكن موجودة سابقا او كانت رقعتها محدودة كفئة الموظفين
والتقنييين المختصين كالمهندسين...) والى جانب التحولات الديموغرافية نجد
التحولات الاقتصادية، التي تعتبر نواة مجموع التحولات والتي تتسم بدخول
المغرب مجالات اقتصادية جديدة في مجال الصناعة وارتباط الصناعة التقليدية
بقطاع السياحة، الى جانب اعتماده على الفلاحة كقطاع رئيسي. ونظرا لاعتماد
الاقتصاد المغربي على عدة مرتكزات غير داخلية (كسقوط المطر ومدى توافد
السياح والدين الخارجي والظرفية الاقتصادية الدولية...) فانه يعرف ازمة
تتصاعد كلما حصل انتكاس او توتر في احدى مرتكزاته الخارجية، وتعتبر هذه
الاختيارات والاوضاع الاقتصادية اساسا للتحولات الاجتماعية التي طالت
التنضيد الطبقي للمجتمع المغربي والبنية الاسرية بتفاحل تحولها من اسرة
ممتدة الى اسرة نووية مع ما ترتب عن ذلك من اعادة النظر في سلطة الاب وفي
وضع الزوجة والابناء داخل الاسرة... وستتظافر مجموعة من العوامل لتؤدي الى
انتشار البطالة بصفة عامة والبطالة الجامعية (أو بطالة غير الأميين) على
الخصوص، كظاهرة لم يكن يعرفها المجتمع المغربي سابقا، وكذا انتشار بعض
الافات الاجتماعية كاستعمال المخدرات واستعمال العنف... كما تميزت هذه
الحقبة بنمو المجال الحضري بالنسبة لما كان عليه، وببداية احداث قطيعة مع
القرية خاصة في اوساط الشباب، بمعنى احداث قطيعة تامة مع مصدر هام من
مصادر نشر عدد من العناصر الثقافية التقليدية الا وهو المنحذر العرقي،
وستتم هذه العملية نتيجة بيع أو إهمال اغلب الاباء الذين هاجروا الى المدن
اراضيهم التي كانوا يملكون في القرية، ونتيجة هجرة اقاربهم بدورهم الى
المدن مما جعل فرصة الاحتكاك بالقرية اصبحت ضئيلة جدا. كما انعكست تلك
التحولات الاقتصادية الى جانب الظرفية العالمية (النظام العالمي الجديد)
على الممارسة السياسية التي تميزت بدخول المجتمع المغربي في صيرورة تحول
ترمي الى دمقرطة الحياة السياسية، مما ادى الى ظهور احزاب جديدة من اليمين
ومن اليسار الى جانب الاحزاب التقليدية وتغيير خطاب عدة هيئات سياسية
ونقابية كانت راديكالية فيما مضى وظهور تحالفات وتكتلات جديدة، ودخول
المغرب في عدة تجارب انتخابية نيابية وطنية ومحلية مع ما يقتضي كل ذلك من
توسيع مجالات حرية الافراد والجماعات وغيرها بل ان هذه التحولات طالت
المجالات المعرفية العلميةالتيكنولوجية (التمدرس والاحتكاك المعرفي
بالاخر...) التي يعرفها المجتمع المغربي، وشملت حتى فهم عامة الناس
للاسلام نتيجة ظهور التيارات الاصولية من جهة ونتيجة نمو حجم المتعلمين
القادرين على قراءة وفهم القرآن والحديث وعلوم الدين ، فلم يعد شرح امور
الدين وقفا على "الفقيه" الذي كان متأثرا الى حد كبير بالفكر الاسطوري او
"لحلايقي" كما كان في السابق، بل ان كل متعلم مسلم اصبح بامكانه ان يشرح
الامور الدينية المستعصية على الاميين. وفي مقابل ذلك تمكن الابناء
المتعلمون من الاطلاع على ثقافات ومعارف وحضارات اخرى مغايرة لما كان
يعرفه اباؤهم، وقد تم ذلك نتيجة الدورالذي لعبته المدرسة كقناة تثقيف
تحديثية. كما ستعرف وسائل الاعلام السمعية البصرية في فترة مابعد
السبعينات وخاصة في مطلع الثمانينات ثورة بالنسبة للمجتمع المغربي: اولا
بانتشارها على نطاق واسع في المدن والقرى؛ ثانيا بتطويرقدراتها على
التاثير في المتلقي، وثالثا بارتباطها اكثر بالمجتمعات الغربية، سواء تعلق
الامر بالسينما او بمختلف الفنون وغيرها. واذا كانت فترة الستينات واوائل
السبعينيات فترة عرفت مدا للاتجاهات السياسية التقدمية واليسارية، فستعرف
اواخر السبعينات بداية انتعاش الجماعات الاصولية مع ما سيصاحب ذلك من ظهور
قيم ونماذج سلوك جديدة وتصورات اثرث بطريقتها في البنية الثقافية للمجتمع
واتارث ردود فعل ايجابة احيانا وسلبية احيانا اخرى. والى جانب ذلك ستظهر
احزاب غير يسارية في الساحة، وستنتعش احزاب كانت تصنف الى عهد قريب ضمن
الاحزاب اليمينية كحزب الاستقلال. وامام هذه التحولات وتحولات اخرى لم
نذكرها والتي طالت الانساق القيمية ونماذج السلوك والاتجاهات والطموحات
وغيرها فان قنوات التثقيف التقليدية بدورها لم يعد لها مكان لعدة اسباب
منها:
* تجاوز ما كانت تروج له تلك القنوات خاصة بالنسبة للنخب التقليدية الشعبية التي لم تعد نخبا نظرا لظهور وظائف جديدة؛
*
كما ان ظاهرة المواسم لم تعد تقليدية تحمل نفس الابعاد العقائدية التي
كانت لها في السابق بل اصبحت في اغلب الحالات تستغل للسياحة، وأصبحت تنعت
بكونها مواسم ثقافية في العديد من الحالات؛
* وتقلصت ظاهرة "لمسيد" كمؤسسة تقليدية كانت تؤدي عدة وظائف تربوية ودينية واجتماعية؛
*
ولم تعد الحلقة قادرة على الاستمرار في اغلب المدن (باستثناء القليل منها)
نظرا للنمو العمراني الذي لم يترك لها الموقع المناسب لتنتظم فيه، كما ان
اغلب ما كانت تقدمه لم يعد يستأثر باهتمام الانسان المغربي نظرا لوجود
وسائل ترفيه وتثقيف اخرى، كما ان جل "لحلايقية" فقدوا المصداقية، باستثناء
مايرتبط بالسحر والعرافة (أي ما لاتستطيع التلفزة فعل شيء فيه) وبعض
الغرائبيات هي التي لا زالت تتلقى اقبالا من طرف فئات جد محدودة من الناس.
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الثقافة الشعبية بين التقليد والحداثة وتأثير العولمة/محمد غانم
الحلقة التاسعة عشرة
المراحل الرئيسية في تطور الثقافة الشعبية الحديثة
رأينا في الفقرات السابقة أنه ينبغي أن نميز في حديثنا عن الثقافة الشعبية بين المعنى المتداول حاليا من طرف عدد من المهتمين لهذا المفهوم، والذي يخلط بين مفهومي الثقافة التقليدية والثقافة الشعبية واقترحنا أن يتم تعريف الثقافة الشعبية بكونها تركيبة متطورة عبر الزمان والمكان، بمعنى أن ما كان يعتبر ثقافة شعبية بالأمس قد لا يكون كذلك اليوم أو غدا إذا لم يعد متداولا، وقد يصبح شعبيا مرة أخرى إذا تم إنعاشه، وميزنا بينها وبين الفلكلور والتراث الذي اقترحنا الاقتصار على نعته بالثقافة التقليدية. ذلك أن لتحديد المفهوم أثر على طرق دراسته، وعلى التعامل معه في أرضية الواقع. فدراسة الثقافة الشعبية مثلا باعتبارها ميدانا خاضعا للتطور المستمر سيقودنا إلى اعتماد منهجية تقربنا من ملامسة تجلياتها وتطورها. وأقترح أن ترتكز هاته المنهجية على 3 أبعاد أساسية وهي:
* مصادر او قنوات نشر الثقافة التقليدية من جهة،
* عناصر الثقافة التقليدية من جهة ثانية
* وبما أن الثقافة الشعبية هي مجموعة عناصر تتطور باستمرار تبعا لمصادر التثقيف السائدة في الوسط الذي تنمو فيه وتبعا لعوامل التحول التي تساهم في تطورها، فإننا نقترح ضرورة تتبع تطورها باستمرار وذلك عبر المقارنة بين محمولات الأجيال التي تمثلها في نفس الوسط في هذا الإطار يمكن أن نتحدث عن عدة مراحل في تطور الثقافة الشعبية:
* ما قبل المرحلة الكولونيالية، وقد اتسمت بسواد الثقافة التقليدية مع بعض محاولات التحديث التي عرفها المجتمع المغربي بين الفينة والأخرى على يد بعض السلاطين كالمولى الحسن الأول.
* المرحلة الكولونيالية والتي عرفت تدخل عنصرين حاسمين إلى جانب مكونات الثقافة التقليدية وهما:
* ثقافة المعمر،
* وثقافة الحركة الوطنية المناهضة لثقافة المعمر، حيث سادت قيم ومواقف ونماذج سلوك وطنية إضافة إلى إغناء الرصيد اللغوي بمفاهيم بمصطلحات جديدة من قبيل الوطنيين، والفدائيين، والخونة، والمظاهرات... إلى جانب مفاهيم ترتبط بالسلفية أو بالدعوة إلى الحداثية، علاوة على أشكال تعبير أخرى فنية وأدبية...
* مرحلة ما بعد الاستقلال إلى حدود السبعينيات،
* مرحلة ما بعد التسعينيات،
وقد انصب اهتمامنا في هذه المحاولة على المقارنة بين مرحلتين معاصرتين في تاريخ تطور الثقافة الشعبية، وهما:
* ثقافة الأوساط الشعبية لما بعد الاستقلال إلى غاية منتصف السبعينيات،
* ثقافة الأوساط الشعبية خلال التسعينيات،
وقد ركزنا على هاتين المرحلتين لسببين:
أولا ـ لأن المجتمع المغربي إلى حدود مطلع السبعينيات عرف انطلاقة عدة تحولات كانت لها انعكاسات عميقة على ثقافة الإنسان المغربي و تمثلاته، ولعبت الحركات التقدمية دورا هاما فيها باعتبارها المعارض الأول في تلك المرحلة. كما اتسمت على الصعيد الدولي باحتدام الصراع بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي.
ثانيا ـ لكون مرحلة التسعينيات اتسمت بعدة ظواهر لم تتمكن التنظيمات الديموقراطية والتقدمية لعب دور الريادة فيها ـ خاصة على مستوى بلورة مجهوداتها السياسية المتعلقة بدمقرطة البلاد ـ نظرا لظهور معارضات جديدة، إما أصولية أو يمينية. وهكذا عرفت هذه المرحلة صياغة جديدة للتركيبة الثقافية الشعبية، انعكست بشكل مباشر على قيم ومعايير ونماذج سلوك الإنسان المغربي، صياغة لم تساهم فيها الأحزاب والتيارات السياسية الوطنية التقدمية، كما هو الشأن بالنسبة لدورها في قولبة الثقافة الشعبية في الستينيات وأواسط السبعينيات، وتخضع هذه التركيبة في جزء كبير منها إلى تأثير التفاعلات العالمية، المتسمة بهيمنة المعسكر الرأسمالي (إلى جانب ظاهرة محاولة عولمة الثقافة التي تتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية...).
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الثقافة الشعبية بين التقليد والحداثة وتأثير العولمة/محمد غانم
الحلقة العشرون
الثقافة الشعبية في مرحلة السبعينيات بين استمرارية التقليد وبداية تجدر الحداثية
1ـ
المناخ العام لمرحلة السبعينيات اتسمت هذه المرحلة في تاريخ الثقافة
الشعبية - بصفة عامة - إلى جانب استمرارية عناصر متعددة من الثقافة
التقليدية، بعدة سمات جعلت هذه الثقافة تعرف قفزة نوعية في تاريخها بـ:
على المسوى السياسي:
* حدوث تحولات في الاختيارات الايديولوجية
والسياسية للأحزاب التقدمية اتسمت أساسا بظهور الاتحاد الاشتراكي للقوات
الشعبية، الذي يعتبر امتدادا للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وظهور الحزب
الشيوعي تحث إسم التحرر والاشتراكية تم حزب التقدم والاشتراكية،
*
ظهور الحركات اليسارية الراديكالية التي انفصلت عن الأحزاب السياسية
اليسارية منذ أواخر الستينيات، على غرار باقي المجتمعات الأوروبية
المجاورة،
* غليان الشارع المغربي بعد ركود دام زهاء عقد من الزمن، منذ مظاهرات 1965،
* الحركات الانقلابية العسكرية الفاشلة التي عرفها المغرب في بداية السبعينيات،
*
انتشار ظاهرة "الهيبزم" في أوساط بعض الشباب، مع ما يصحب الظاهرة من قيم
ونماذج سلوك، * بداية محتشمة للانفراج السياسي بإعطاء المشروعية للأحزاب
الوطنية التقدمية التي طلبتها،
* عودة الإجماع السياسي سنة 1975 حول القضية الوطنية،
*
انخراط كبير في الحياة السياسية للأحزاب اليسارية، خاصة من طرف المثقفين
والشباب والتلاميذ، * كما سيعرف المغرب بعد منتصف السبعينيات بقليل ظهور
أول حزب تدعمه الإدارة ويدعمها آنذاك، على المستوى الاقتصادي:
* من حيث الوضعية الاقتصادية عرفت المرحلة بداية الارتفاع الصاروخي للأسعار،
* بداية التحولات التكنولوجية والصناعية. على المستوى الفني
*
ظهور حركات فنية ملتزمة (ناس الغيوان، لمشاهب ..جيل جيلالة..) لاقت ترحيبا
كبيرا من طرف الشباب الثائر والمثقفين، نظرا للتيارات التي كانت سائدة
آنذاك، والتي كانت تنبذ كل فن غير ملتزم. لذا لم تنتعش حركات الفن من أجل
الفن إلا البعض منها؛ كالأغنية العصرية وبعض المسرحيات واسكيتشات عبد
الرؤوف وبلقاس والوزير التي كان لها جمهورها، إلى جانب الفولكلور والأغاني
الشعبية، ومسرح الهواة الذي كان أغلب رواده ملتزمون، وقد لعبت كل هذه
العوامل دورا كبيرا في إعادة صياغة تركيبة الثقافة الشعبية استمر أثرها
أزيد من عقد من الزمن، لتعرف انعطافا آخر في أواخر الثمانينيات
والتسعينيات. بحيث يمكن أن أقول أن تلك المرحلة عرفت تغلغلا للاتجاهات
التقدمية في الأوساط الشعبية الحضرية والشباب والمراهقين، وأساسا في أوساط
الطلبة والأساتذة الذين خضعوا لتأثير الحركات الطلابية في جامعتي الرباط
وفاس إلى جانب التلاميذ الذين أثر فيهم إشعاع الأحزاب التقدمية والحركات
اليسارية عبر القطاع الطلابي والأساتذة التقدميين، مع ما نجم عن ذلك من
تسييس للثقافة الشعبية الشيء الذي أثر على المنظومة القيمية والمعايير
ونماذج السلوك والاختيارات الفنية...؛ فكان نبذ كبير للانتهازية والارتزاق
والاستبداد. أولا: الثقافة الشعبية في مرحلة ما قبل السبعينيات 1ـ مصادر
وقنوات الثقافة التقليدية لمرحلة السبعينيات سبق أن أكدت في الفقرات
السابقة أن دراسة الثقافة ينبغي أن تتم انطلاقا من مصادرها ومحتوياتها 1•
وبما أنه يصعب الإحاطة بكل مصادر وعناصر الثقافية التقليدية ـ التي كانت
شعبية في مراحل سابقة من تاريخ المجتمع المغربي ـ نظرا لتشعبها وتعددها،
فقد اخترنا عينة من المصادر والعناصر الثقافية للوقوف على كيفية تطورها من
خلال تعامل مراهقي التسعينيات معها، ونرمي من وراء هذه المقارنة، إلى
استنتاج مدى تمثل المراهقين لهذه الثقافة التقليدية أو جهلهم أو رفضهم
لها، باعتبار أن مراهقي التسعينيات هم راشدو مطلع الألفية الثالثة، الشيء
الذي يسمح في اعتقادي إلى تكوين صورة عما قد تؤول إليه الثقافة الشعبية،
إذا لم يكن هناك تدخل إرادي، في العقود المقبلة. ونقصد بالمصادر الثقافية
كل المؤسسات أو الأشخاص الذين ساهموا في بلورة الثقافة التقليدية أو في
تكريسها والحفاظ عليها، أو في نشرها وتفويتها من شخص لآخر أو من جيل لآخر.
والمصادر الثقافية متعددة منها: * مصادر أو مرجعيات تاريخية عرفها المجتمع
المغربي على مدى تعاقب الحقب التاريخية؛ وهي تتضمن:
* مرجعيات
عقائدية لا إسلامية تمتد إلى ما قبل مجيء الإسلام من معتقدات وثنية،
وبقايا الديانات التعددية، وتأثير الديانات اليهودية والمسيحية،
والمعتقدات السحرية….
* مصادر حضارية وقد تم التأثر بها نتيجة
الاحتكاك بالحضارات الغازية (من حضارات رومانية ووندالية وفينيقية
ومتوسطية (استعمار فرنسي - ا سباني...). أو نتيجة الاحتكاك بالثقافات
المجاورة كالحضارات الإفريقية ...أو من خلال الاحتكاك بحضارات المجتمعات
التي غزاها المغاربة في أوربا وإفريقيا.
* المصادر الإسلامية -العربية التي عرفها المغاربة مند دخول الإسلام إلى المغرب...
*
هذا علاوة على التفاعلات الداخلية السوسيو-اقتصادية والسياسية والثقافية
التي عرفها المجتمع المغربي بيــن كل مكوناته العرقية والطبقية والمهنية
والطوائف الدينية عبر التاريخ والتي شكلت بدورها مصدرا من المصادر
التاريخية التي ساهمت في تغذية البنية الثقافية للمجتمع المغربي بصفة
عامة. 1- هذا جزء من الدراسة التي أنجزناها حول موضوع تأثير المنافسات
الجماعية على ثقافة المراهقين وقد وظفنا لإنجاز هذا الدراسة دليلا
للمقابلات التي أجريناها مع الراشدين (الذين كانوا شبابا أو مراهقين في
مطلع السبعينيات، وقد بلغ عدد العينة 42 راشدا) كما استخدمنا تقنية
الاستمارة التي تم توزيعها على عينة المراهقين (600 مراهق يتابعون دراستهم
بمؤسسات تعليمية في أوساط شعبية).
الثقافة الشعبية في مرحلة السبعينيات بين استمرارية التقليد وبداية تجدر الحداثية
1ـ
المناخ العام لمرحلة السبعينيات اتسمت هذه المرحلة في تاريخ الثقافة
الشعبية - بصفة عامة - إلى جانب استمرارية عناصر متعددة من الثقافة
التقليدية، بعدة سمات جعلت هذه الثقافة تعرف قفزة نوعية في تاريخها بـ:
على المسوى السياسي:
* حدوث تحولات في الاختيارات الايديولوجية
والسياسية للأحزاب التقدمية اتسمت أساسا بظهور الاتحاد الاشتراكي للقوات
الشعبية، الذي يعتبر امتدادا للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وظهور الحزب
الشيوعي تحث إسم التحرر والاشتراكية تم حزب التقدم والاشتراكية،
*
ظهور الحركات اليسارية الراديكالية التي انفصلت عن الأحزاب السياسية
اليسارية منذ أواخر الستينيات، على غرار باقي المجتمعات الأوروبية
المجاورة،
* غليان الشارع المغربي بعد ركود دام زهاء عقد من الزمن، منذ مظاهرات 1965،
* الحركات الانقلابية العسكرية الفاشلة التي عرفها المغرب في بداية السبعينيات،
*
انتشار ظاهرة "الهيبزم" في أوساط بعض الشباب، مع ما يصحب الظاهرة من قيم
ونماذج سلوك، * بداية محتشمة للانفراج السياسي بإعطاء المشروعية للأحزاب
الوطنية التقدمية التي طلبتها،
* عودة الإجماع السياسي سنة 1975 حول القضية الوطنية،
*
انخراط كبير في الحياة السياسية للأحزاب اليسارية، خاصة من طرف المثقفين
والشباب والتلاميذ، * كما سيعرف المغرب بعد منتصف السبعينيات بقليل ظهور
أول حزب تدعمه الإدارة ويدعمها آنذاك، على المستوى الاقتصادي:
* من حيث الوضعية الاقتصادية عرفت المرحلة بداية الارتفاع الصاروخي للأسعار،
* بداية التحولات التكنولوجية والصناعية. على المستوى الفني
*
ظهور حركات فنية ملتزمة (ناس الغيوان، لمشاهب ..جيل جيلالة..) لاقت ترحيبا
كبيرا من طرف الشباب الثائر والمثقفين، نظرا للتيارات التي كانت سائدة
آنذاك، والتي كانت تنبذ كل فن غير ملتزم. لذا لم تنتعش حركات الفن من أجل
الفن إلا البعض منها؛ كالأغنية العصرية وبعض المسرحيات واسكيتشات عبد
الرؤوف وبلقاس والوزير التي كان لها جمهورها، إلى جانب الفولكلور والأغاني
الشعبية، ومسرح الهواة الذي كان أغلب رواده ملتزمون، وقد لعبت كل هذه
العوامل دورا كبيرا في إعادة صياغة تركيبة الثقافة الشعبية استمر أثرها
أزيد من عقد من الزمن، لتعرف انعطافا آخر في أواخر الثمانينيات
والتسعينيات. بحيث يمكن أن أقول أن تلك المرحلة عرفت تغلغلا للاتجاهات
التقدمية في الأوساط الشعبية الحضرية والشباب والمراهقين، وأساسا في أوساط
الطلبة والأساتذة الذين خضعوا لتأثير الحركات الطلابية في جامعتي الرباط
وفاس إلى جانب التلاميذ الذين أثر فيهم إشعاع الأحزاب التقدمية والحركات
اليسارية عبر القطاع الطلابي والأساتذة التقدميين، مع ما نجم عن ذلك من
تسييس للثقافة الشعبية الشيء الذي أثر على المنظومة القيمية والمعايير
ونماذج السلوك والاختيارات الفنية...؛ فكان نبذ كبير للانتهازية والارتزاق
والاستبداد. أولا: الثقافة الشعبية في مرحلة ما قبل السبعينيات 1ـ مصادر
وقنوات الثقافة التقليدية لمرحلة السبعينيات سبق أن أكدت في الفقرات
السابقة أن دراسة الثقافة ينبغي أن تتم انطلاقا من مصادرها ومحتوياتها 1•
وبما أنه يصعب الإحاطة بكل مصادر وعناصر الثقافية التقليدية ـ التي كانت
شعبية في مراحل سابقة من تاريخ المجتمع المغربي ـ نظرا لتشعبها وتعددها،
فقد اخترنا عينة من المصادر والعناصر الثقافية للوقوف على كيفية تطورها من
خلال تعامل مراهقي التسعينيات معها، ونرمي من وراء هذه المقارنة، إلى
استنتاج مدى تمثل المراهقين لهذه الثقافة التقليدية أو جهلهم أو رفضهم
لها، باعتبار أن مراهقي التسعينيات هم راشدو مطلع الألفية الثالثة، الشيء
الذي يسمح في اعتقادي إلى تكوين صورة عما قد تؤول إليه الثقافة الشعبية،
إذا لم يكن هناك تدخل إرادي، في العقود المقبلة. ونقصد بالمصادر الثقافية
كل المؤسسات أو الأشخاص الذين ساهموا في بلورة الثقافة التقليدية أو في
تكريسها والحفاظ عليها، أو في نشرها وتفويتها من شخص لآخر أو من جيل لآخر.
والمصادر الثقافية متعددة منها: * مصادر أو مرجعيات تاريخية عرفها المجتمع
المغربي على مدى تعاقب الحقب التاريخية؛ وهي تتضمن:
* مرجعيات
عقائدية لا إسلامية تمتد إلى ما قبل مجيء الإسلام من معتقدات وثنية،
وبقايا الديانات التعددية، وتأثير الديانات اليهودية والمسيحية،
والمعتقدات السحرية….
* مصادر حضارية وقد تم التأثر بها نتيجة
الاحتكاك بالحضارات الغازية (من حضارات رومانية ووندالية وفينيقية
ومتوسطية (استعمار فرنسي - ا سباني...). أو نتيجة الاحتكاك بالثقافات
المجاورة كالحضارات الإفريقية ...أو من خلال الاحتكاك بحضارات المجتمعات
التي غزاها المغاربة في أوربا وإفريقيا.
* المصادر الإسلامية -العربية التي عرفها المغاربة مند دخول الإسلام إلى المغرب...
*
هذا علاوة على التفاعلات الداخلية السوسيو-اقتصادية والسياسية والثقافية
التي عرفها المجتمع المغربي بيــن كل مكوناته العرقية والطبقية والمهنية
والطوائف الدينية عبر التاريخ والتي شكلت بدورها مصدرا من المصادر
التاريخية التي ساهمت في تغذية البنية الثقافية للمجتمع المغربي بصفة
عامة. 1- هذا جزء من الدراسة التي أنجزناها حول موضوع تأثير المنافسات
الجماعية على ثقافة المراهقين وقد وظفنا لإنجاز هذا الدراسة دليلا
للمقابلات التي أجريناها مع الراشدين (الذين كانوا شبابا أو مراهقين في
مطلع السبعينيات، وقد بلغ عدد العينة 42 راشدا) كما استخدمنا تقنية
الاستمارة التي تم توزيعها على عينة المراهقين (600 مراهق يتابعون دراستهم
بمؤسسات تعليمية في أوساط شعبية).
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الثقافة الشعبية بين التقليد والحداثة وتأثير العولمة/محمد غانم
الحلقة الواحد والعشرون
مصادر التثقيف التقليدية
إلى
جانب هذه المصادر التاريخية التي تمت دراستها من طرف العديد من الباحثين
والتي لعبت دون أدنى شك دورها التاريخي في بلورة ثقافة الوسط، فإننا نجد
أن هناك:
* بنيات أو مؤسسات تقليدية أو أشخاص استمر تأثيرها قائما إلى
غاية السبعينات بالنسبة للأوساط الشعبية، وقد عملت هاته المؤسسات وهؤلاء
الأشخاص على تكريس الرصيد الثقافي التقليدي وتفويته من جيل إلى جيل،
كالمنحدر العرقي و"الحلقة "و"لمسيد" والنخب التقليدية...
* كما نجد إلى
جانب هذه البنيات والأشخاص (أو المصادر التقليدية) مصادر تثقيف حديثة لها
تأثير ملموس في ثقافة الوسطين المدروسين، غير أن طبيعة تأثيرها تتباين
باختلاف الحقب ومن بين هذه المصادر نجد: ـ المدرسة ـ والسمعيات البصرية ـ
ونجوم المرحلة ـ والهيآت السياسية والنقابية والدينية والثقافية
والاجتماعية ـ وحياة الشارع اليومية وغيرها. وسنعمل في هذه النقطة على
إبراز سمات 7 مصادر أو قنوات لتفويت الثقافة كان لها تأثير على ثقافة
الوسط خلال وقبل السبعينات حتى يتسنى لنا قياس مدى تمكن المراهقين من
الاحتكاك والتأثر بها. وقد قسمت هذه المصادر إلى نوعين:
* مصادر
التثقيف التقليدية وقد ركزت فيها على أربع مصادر على سبيل المثال لا الحصر
وهي المنحدر العرقي والنخب التقليدية الشعبية و"الحلقة" والثقافة لمسيدية،
*
أما النوع الثاني من المصادر فهو مصادر التثقيف الحديثة؛ وقد ركزت فيه على
ثلاث نماذج وهي وسائل الإعلام السمعي البصري وإشعاع نخب المرحلة وحياة
الشارع اليومية.
أ ـ مصادر التثقيف التقليدية (حي يعقوب المنصور نموذجا)
* المنحدر العرقي:
حاولت
معرفة مدى تأثير المنحدرات العرقية في ثقافة حي يعقوب المنصور من ثلاث
زوايا: معرفة المناطق التي هاجر منها سكان المنطقة؛ ومعرفة أماكن ميلاد
ونشأة أفراد عينة الراشدين التي أجرينا معها مقابلات لإنجاز هذا المبحث
وأخيرا معرفة مدى احتكاك أفراد هذه العينة بمنحدراتهم العرقية بعد هجرتهم
إلى المدينة. وفيما يخص أماكن الميلاد والنشأة، فقد تأكد لنا، من خلال
الوثائق التي حصلنا عليها من جماعة يعقوب المنصور وعمالة تمارة الصخيرات
كما أكدنا في الفقرتين السابقتين، أن أغلب سكان المنطقتين ينحدرون بشكل
مباشر من منحدرات قروية ، وقد تأكدت لنا نفس النتيجة من خلال المقابلات
التي أجريناها مع العينة العشوائية للراشدين.. إذ أن جل أفراد العينة لم
يزدادوا في الرباط باستثناء18%، وذلك على عكس عينة المراهقين الذين تأكد
أن جلهم ازدادوا بمدينة الرباط باستثناء 3% فقط منهم هم الذين ازدادوا
خارج مدينة الرباط. ويمكن أن نؤكد أنه إذا كانت مدينة الرباط قد عرفت
ثقافة حضرية مند زمن بعيد، فإن أحياءها الشعبية ، التي عاشت على الهامش
منذ الاستعمار، قد انطلقت ثقافتها أصلا من ثقافة قروية (عربية وبربرية)
كانت نتيجة من نتائج الهجرة من البادية إلى المدينة، ولقد تقوقعت لفترة
طويلة من الزمن في حدود محيطها المكون من مدن الصفيح المنغلقة على نفسها،
والسكن المتواضع الذي يسمح باستمرار هذه الأنماط الثقافية. ولم تقتصر هذه
الهجرة على إقليم واحد بل إنها شملت جل الأقاليم، ولم تعرف لهجة واحدة بل
إنها عرفت جل اللهجات، فهي إذن ثقافة مركبة ومتعايشة. أما فيما يتعلق بدور
المنحدر العرقي فقد أكدت الدراسة الميدانية أن كل أفراد العينة سبق لهم أن
زاروا مناطقهم الأصلية أكثر من 8 مرات؛ وأن 50% منهم يزورونها سنويا؛
ويقضي بها قرابة 50% منهم أزيد من 10 أيام في كل زيارة.، وهذا يدل من جهة
على التشبث بثقافة المنحدر العرقي وعلى تشبعهم بها من جهة ثانية وعلى
استمرار تأثير المنحدر العرقي في البنية الثقافية للمعنيين. وذلك على عكس
المراهقين الذين تبين أنهم أحدثوا قطيعة مع منحدر آبائهم، وبالتالي مع
ثقافة ذلك المنحدر.ذلك أن 55% من أفراد العينة لم يسبق لهم أن زاروا
إطلاقا موطن آبائهم الأصلي، وأن 22% زاروها مرة واحدة طيلة حياتهم، وأن
22% زاروها أقل من 5 مرات طيلة حياتهم، وهذا يعني أن قرابة 77% منهم لم
يتعرفوا ـ نهائيا أو بما يكفي ـ على حياة البادية ونمط عيش سكانها
وعاداتهم واحتفاليتهم ولم يتشبعوا بقيمهم ومعاييرهم… وهذا يعني أن المنحدر
العرقي الذي كان المزود الرئيسي لثقافة الستينيات، لم يعد في التسعينيات
كذلك.
مصادر التثقيف التقليدية
إلى
جانب هذه المصادر التاريخية التي تمت دراستها من طرف العديد من الباحثين
والتي لعبت دون أدنى شك دورها التاريخي في بلورة ثقافة الوسط، فإننا نجد
أن هناك:
* بنيات أو مؤسسات تقليدية أو أشخاص استمر تأثيرها قائما إلى
غاية السبعينات بالنسبة للأوساط الشعبية، وقد عملت هاته المؤسسات وهؤلاء
الأشخاص على تكريس الرصيد الثقافي التقليدي وتفويته من جيل إلى جيل،
كالمنحدر العرقي و"الحلقة "و"لمسيد" والنخب التقليدية...
* كما نجد إلى
جانب هذه البنيات والأشخاص (أو المصادر التقليدية) مصادر تثقيف حديثة لها
تأثير ملموس في ثقافة الوسطين المدروسين، غير أن طبيعة تأثيرها تتباين
باختلاف الحقب ومن بين هذه المصادر نجد: ـ المدرسة ـ والسمعيات البصرية ـ
ونجوم المرحلة ـ والهيآت السياسية والنقابية والدينية والثقافية
والاجتماعية ـ وحياة الشارع اليومية وغيرها. وسنعمل في هذه النقطة على
إبراز سمات 7 مصادر أو قنوات لتفويت الثقافة كان لها تأثير على ثقافة
الوسط خلال وقبل السبعينات حتى يتسنى لنا قياس مدى تمكن المراهقين من
الاحتكاك والتأثر بها. وقد قسمت هذه المصادر إلى نوعين:
* مصادر
التثقيف التقليدية وقد ركزت فيها على أربع مصادر على سبيل المثال لا الحصر
وهي المنحدر العرقي والنخب التقليدية الشعبية و"الحلقة" والثقافة لمسيدية،
*
أما النوع الثاني من المصادر فهو مصادر التثقيف الحديثة؛ وقد ركزت فيه على
ثلاث نماذج وهي وسائل الإعلام السمعي البصري وإشعاع نخب المرحلة وحياة
الشارع اليومية.
أ ـ مصادر التثقيف التقليدية (حي يعقوب المنصور نموذجا)
* المنحدر العرقي:
حاولت
معرفة مدى تأثير المنحدرات العرقية في ثقافة حي يعقوب المنصور من ثلاث
زوايا: معرفة المناطق التي هاجر منها سكان المنطقة؛ ومعرفة أماكن ميلاد
ونشأة أفراد عينة الراشدين التي أجرينا معها مقابلات لإنجاز هذا المبحث
وأخيرا معرفة مدى احتكاك أفراد هذه العينة بمنحدراتهم العرقية بعد هجرتهم
إلى المدينة. وفيما يخص أماكن الميلاد والنشأة، فقد تأكد لنا، من خلال
الوثائق التي حصلنا عليها من جماعة يعقوب المنصور وعمالة تمارة الصخيرات
كما أكدنا في الفقرتين السابقتين، أن أغلب سكان المنطقتين ينحدرون بشكل
مباشر من منحدرات قروية ، وقد تأكدت لنا نفس النتيجة من خلال المقابلات
التي أجريناها مع العينة العشوائية للراشدين.. إذ أن جل أفراد العينة لم
يزدادوا في الرباط باستثناء18%، وذلك على عكس عينة المراهقين الذين تأكد
أن جلهم ازدادوا بمدينة الرباط باستثناء 3% فقط منهم هم الذين ازدادوا
خارج مدينة الرباط. ويمكن أن نؤكد أنه إذا كانت مدينة الرباط قد عرفت
ثقافة حضرية مند زمن بعيد، فإن أحياءها الشعبية ، التي عاشت على الهامش
منذ الاستعمار، قد انطلقت ثقافتها أصلا من ثقافة قروية (عربية وبربرية)
كانت نتيجة من نتائج الهجرة من البادية إلى المدينة، ولقد تقوقعت لفترة
طويلة من الزمن في حدود محيطها المكون من مدن الصفيح المنغلقة على نفسها،
والسكن المتواضع الذي يسمح باستمرار هذه الأنماط الثقافية. ولم تقتصر هذه
الهجرة على إقليم واحد بل إنها شملت جل الأقاليم، ولم تعرف لهجة واحدة بل
إنها عرفت جل اللهجات، فهي إذن ثقافة مركبة ومتعايشة. أما فيما يتعلق بدور
المنحدر العرقي فقد أكدت الدراسة الميدانية أن كل أفراد العينة سبق لهم أن
زاروا مناطقهم الأصلية أكثر من 8 مرات؛ وأن 50% منهم يزورونها سنويا؛
ويقضي بها قرابة 50% منهم أزيد من 10 أيام في كل زيارة.، وهذا يدل من جهة
على التشبث بثقافة المنحدر العرقي وعلى تشبعهم بها من جهة ثانية وعلى
استمرار تأثير المنحدر العرقي في البنية الثقافية للمعنيين. وذلك على عكس
المراهقين الذين تبين أنهم أحدثوا قطيعة مع منحدر آبائهم، وبالتالي مع
ثقافة ذلك المنحدر.ذلك أن 55% من أفراد العينة لم يسبق لهم أن زاروا
إطلاقا موطن آبائهم الأصلي، وأن 22% زاروها مرة واحدة طيلة حياتهم، وأن
22% زاروها أقل من 5 مرات طيلة حياتهم، وهذا يعني أن قرابة 77% منهم لم
يتعرفوا ـ نهائيا أو بما يكفي ـ على حياة البادية ونمط عيش سكانها
وعاداتهم واحتفاليتهم ولم يتشبعوا بقيمهم ومعاييرهم… وهذا يعني أن المنحدر
العرقي الذي كان المزود الرئيسي لثقافة الستينيات، لم يعد في التسعينيات
كذلك.
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
مواضيع مماثلة
» حكاياتنا الشعبية في زمن العولمة
» الخلافة العثمانية ... التحديث والحداثة في القرن التاسع عشر
» الخلافة العثمانية والتحديث والحداثة ... في القرن التاسع عشر
» علا غانم
» علا غانم
» الخلافة العثمانية ... التحديث والحداثة في القرن التاسع عشر
» الخلافة العثمانية والتحديث والحداثة ... في القرن التاسع عشر
» علا غانم
» علا غانم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى