معنى الفروسية في فن «التبوريدة» المغاربية
صفحة 1 من اصل 1
معنى الفروسية في فن «التبوريدة» المغاربية
تُعتبر المملكة المغربية من الدول ذات التاريخ العريق في ميدان الفروسية
التقليدية وتربية الخيول، اذ يعود ظهور الخيل في منطقة شمال افريقيا
الواسعة الى أكثر من ثلاثة آلاف عام، كما تشهد بذلك البقايا الأثرية
والفسيفساء الرومانية والرسوم الجدارية في مدينة «ليلى» بضواحي مكناس. وظل
الحصان رمزاً تقليدياً لكل السلطات التي تعاقبت على حكم المغرب، وكان على
الدوام يمثل روح بطولاتها وعنفوانها ووطنيتها، ويكفي أن نذكر الحقبة
التاريخية للانتشار الاسلامي وفتوحاته في تلك البقعة الجغرافية المترامية
الأطراف التي قادها كل من عقبة بن نافع وموسى بن نصير وطارق بن زياد، حيث
إنها أنجزت من على صهوات الخيول العربية، كما أن عرش السلطان المغربي
الحسن الأول كان على صهوة جواده!
«التبوريدة» فن فولكلوري من ألعاب
الفروسية التي اشتهرت بين المغاربة منذ القديم كطريقة احتفالية لإبراز قوة
الفرسان وشجاعتهم ورشاقتهم على صهوات جيادهم، وهم يطلقون البارود من
بنادقهم (بواريدهم). وهي أيضاً استعادة استعراضية – فنية للاحتفاء بدحر
الغاصب والمحتل وربط الماضي بالحاضر، وإظهار العلاقة الحميمة بين الفارس
والفرس، والارتقاء بجمالية «الفرجة» وبهجة الاحتفالية لحصد المتعة
والاعجاب.
ويُنسب اشتقاق كلمة «تبوريدة» الى «البارود» المنطلق من فوهات «بواريد» الفرسان المتبارين.
وتنتشر
«التبوريدة» في جميع مناطق المغرب العربية والأمازيغية السهلية والجبلية،
وخصص لها موسم سنوي في مناطق عدة من البلاد. وذكرت بعض الدراسات التاريخية
أن هذا الاستعراض الاحتفالي يسعى الى تقديم تراث شعبي مستوحى من تاريخ
المغرب الجهادي ضد الغزاة، وذلك عندما كان المجاهدون يمتطون ظهور الخيل
بصفوف منتظمة والبنادق في أيديهم، وعند الاشارة من القائد يكرُّون بأقصى
السرعة لمواجهة قوات الأجنبي الغازي. وتشكل الأغاني والمواويل والصيحات
الحماسية جزءاً مهماً من العرض ليصبح بصرياً – سمعياً بامتياز.
ويؤدي
فن «التبوريدة» فرسان ينتظمون في دوائر حول «شيخ» هو رئيس «السربة»، أي
الفرقة، يتولى مهمة ضبط وتشجيع فرسانه وإثارة حماستهم. وهكذا تبدأ
المسابقة بتحية الجمهور المحتشد، ويعلن «الشيخ» متفاخراً بصوت عال اسم
قبيلته، ثم ينتقل الفرسان من تشكيل الدوائر لينتظموا في صف واحد وبخط
مستقيم للانطلاق الى مسافة مائة متر محدَّدة، وهنا تبرز مهارة الفرسان في
السيطرة على كبح جماح خيولهم وابقائها ضمن الصف.
بعد أن ينطلق
المتبارون وعندما يصيح «المقدم» – شيخ الفرسان- بعبارة «الحفيظ الله»
تدوّ.ي طلقات البنادق في وقت واحد. وهنا تجدر الاشارة الى ان نجاح
«التبوريدة» مرهون بالدقة والتوقيت بأن تكون طلقات البارود مدوّ.ية في
لحظة واحدة، هذا الى جانب الاحتفاظ باستقامة الخط الذي تتجاور فيه الخيول
أثناء عدوها السريع. وتتبع بعض القبائل تقليداً يقضي بأن مرتكبي الأخطاء
يجب أن يعودوا الى نقطة الانطلاق سيراً على الأقدام، وليس على صهوة الجواد
كباقي الفرسان.
يقول الباحث الاجتماعي علي العرفاوي: كانت «التبوريدة»
الشعبية تقام في أوقات معينة من السنة عند الأضرحة والمقامات، وكانت تتم
في جو من التنافس، ويتبارى فيها الرجال لإبراز مواهبهم وطاقاتهم القتالية
التي يتحلى بها الشجعان أيام الحرب، كما أنها في الوقت نفسه وسيلة للتعبير
عن المهارة والبراعة في فن الصيد أيام السلم.
إنها بإيجاز «موروث» يُظهر الاصرار على مواصلة انطلاق الروح المقاومة ضد كل مجتاح ومحتل وغاصب.
ولقد
ألهمت «التبوريدة» عدداً من الفنانين العالميين، وعلى رأسهم الفرنسي رو لا
كروا، اذ كانت لوحاته من أحد الأسباب الحاسمة على انتشار سمعة هذه الألعاب
الاحتفالية.
نساء «التبوريدة»
منذ سنوات لم يعد هذا الفن حكراً على
الرجال، حيث كانت النساء – قبلاً – يكتفين بالمشاهدة وإطلاق الزغاريد وغلق
الآذان بالأيدي عند كل طلقة بارود أو صهيل حصان، فقد أصبحت المرأة مشاركة
وقائدة «سربة».
وقد تأسَّست أول فرقة نسائية لـ«التبوريدة» في العام
2003 بإقليم «الجديدة» وتترأسها اليوم شابة ورثت حب الفروسية عن والدها
الذي ورثه عن والده، وتوجد اليوم سبع فرق نسائية مقابل المئات من الفرق
الرجالية.
وأعطى اشتراك المرأة المغربية في «التبوريدة» نكهة جديدة،
وأصبح «المَحْرَك»، أي الميدان – المضمار، يشهد اقبالا جماهيرياً كثيفاً،
حيث أثبتت المرأة الفارسة قدراتها ومهاراتها في هذا الفن.
وتقول
الفارسة الطالبة في اسبانيا الزاهية أبو الليث انها اهتمت بعالم الفروسية
حين وجدت نفسها تمتطي صهوة الفرس في سن مبكرة، الى أن أصبحت فارسة (قائدة)
تصول وتجول وتقود أول «سربة» نسائية. وتتألف «السربة» أي الفرقة في الغالب
من تسع فتيات.
وتتابع الزاهية فتقول «إن البداية – وكانت في العام 2004
– لم تكن سهلة لأن عناصر الفريق النسائي لم تكن تتجاوز أصابع اليد
الواحدة، وكنت أجد صعوبة بالغة في التنسيق بينهن اثناء اطلاق الفنان
للخيول، ومن ثم لحظة اطلاق البارود في وقت واحد»...
لقد استطاع هذا
التراث أن يفتح في الاعوام الاخيرة نافذة على نوع من حوار الثقافات
والتقاء الحضارات، وأقدمت بعض النساء الأجنبيات على الاهتمام بهذا الفن،
واستطعن أن يفرضن أنفسهن في ميدانه وذلك بمهارات عالية واحساس عميق بعالم
الخيل ومعنى «الفروسية» بدلالاتها وتجلياتها الساحرة. وهذا ما دفع
بالمواطنة الكندية «كليردوشي» إلى ترك عملها كموظفة لدى الامم المتحدة بعد
أن سحرها فضاء الخيل وعشق «التبوريدة» فأتت للمشاركة في مهرجان الفروسية
ضمن الفريق النسائي المغربي.
وتقول دوشي بكل حماسة وتلقائية: فن
«التبوريدة» وسيلة جيدة لفهم المجتمع والثقافة المغربيين، فلقد تمكنت
بفضلها من الوقوف على الكثير من الحقائق والاشكاليات التي لم أكن لأتعرف
إليها وأستوعبها لو اخترت العمل خلف «مكتب»..!
ويشتهر في المغرب اسم
عائشة البحرية التي يُروى أنها سببت متاعب كثيرة للمستعمر الفرنسي
بفروسيتها ومقاومتها برفقة عدد من النساء، وظلَّت هذه الفارسة مجهولة الى
حين وفاتها، ولا يزال ضريحها اليوم على مقربة من أحد ميادين «التبوريدة».
واليوم
تستقطب احتفالات «التبوريدة» السياح من مختلف الجنسيات، كما انها تعد فرصة
للتلاقي والسهر حتى الصباح من خلال احياء ليالي الغناء والطرب الشعبي الذي
تؤديه الفرق الفنية المعروفة على الصعيد الوطني كالستاتي والداوودي
والصنهاجي وحجيب ومأولد البوعزاوي وغيرها...
• فارسة تستعرض مهارتها
• عرض بصري - سمعي بامتياز
التقليدية وتربية الخيول، اذ يعود ظهور الخيل في منطقة شمال افريقيا
الواسعة الى أكثر من ثلاثة آلاف عام، كما تشهد بذلك البقايا الأثرية
والفسيفساء الرومانية والرسوم الجدارية في مدينة «ليلى» بضواحي مكناس. وظل
الحصان رمزاً تقليدياً لكل السلطات التي تعاقبت على حكم المغرب، وكان على
الدوام يمثل روح بطولاتها وعنفوانها ووطنيتها، ويكفي أن نذكر الحقبة
التاريخية للانتشار الاسلامي وفتوحاته في تلك البقعة الجغرافية المترامية
الأطراف التي قادها كل من عقبة بن نافع وموسى بن نصير وطارق بن زياد، حيث
إنها أنجزت من على صهوات الخيول العربية، كما أن عرش السلطان المغربي
الحسن الأول كان على صهوة جواده!
«التبوريدة» فن فولكلوري من ألعاب
الفروسية التي اشتهرت بين المغاربة منذ القديم كطريقة احتفالية لإبراز قوة
الفرسان وشجاعتهم ورشاقتهم على صهوات جيادهم، وهم يطلقون البارود من
بنادقهم (بواريدهم). وهي أيضاً استعادة استعراضية – فنية للاحتفاء بدحر
الغاصب والمحتل وربط الماضي بالحاضر، وإظهار العلاقة الحميمة بين الفارس
والفرس، والارتقاء بجمالية «الفرجة» وبهجة الاحتفالية لحصد المتعة
والاعجاب.
ويُنسب اشتقاق كلمة «تبوريدة» الى «البارود» المنطلق من فوهات «بواريد» الفرسان المتبارين.
وتنتشر
«التبوريدة» في جميع مناطق المغرب العربية والأمازيغية السهلية والجبلية،
وخصص لها موسم سنوي في مناطق عدة من البلاد. وذكرت بعض الدراسات التاريخية
أن هذا الاستعراض الاحتفالي يسعى الى تقديم تراث شعبي مستوحى من تاريخ
المغرب الجهادي ضد الغزاة، وذلك عندما كان المجاهدون يمتطون ظهور الخيل
بصفوف منتظمة والبنادق في أيديهم، وعند الاشارة من القائد يكرُّون بأقصى
السرعة لمواجهة قوات الأجنبي الغازي. وتشكل الأغاني والمواويل والصيحات
الحماسية جزءاً مهماً من العرض ليصبح بصرياً – سمعياً بامتياز.
ويؤدي
فن «التبوريدة» فرسان ينتظمون في دوائر حول «شيخ» هو رئيس «السربة»، أي
الفرقة، يتولى مهمة ضبط وتشجيع فرسانه وإثارة حماستهم. وهكذا تبدأ
المسابقة بتحية الجمهور المحتشد، ويعلن «الشيخ» متفاخراً بصوت عال اسم
قبيلته، ثم ينتقل الفرسان من تشكيل الدوائر لينتظموا في صف واحد وبخط
مستقيم للانطلاق الى مسافة مائة متر محدَّدة، وهنا تبرز مهارة الفرسان في
السيطرة على كبح جماح خيولهم وابقائها ضمن الصف.
بعد أن ينطلق
المتبارون وعندما يصيح «المقدم» – شيخ الفرسان- بعبارة «الحفيظ الله»
تدوّ.ي طلقات البنادق في وقت واحد. وهنا تجدر الاشارة الى ان نجاح
«التبوريدة» مرهون بالدقة والتوقيت بأن تكون طلقات البارود مدوّ.ية في
لحظة واحدة، هذا الى جانب الاحتفاظ باستقامة الخط الذي تتجاور فيه الخيول
أثناء عدوها السريع. وتتبع بعض القبائل تقليداً يقضي بأن مرتكبي الأخطاء
يجب أن يعودوا الى نقطة الانطلاق سيراً على الأقدام، وليس على صهوة الجواد
كباقي الفرسان.
يقول الباحث الاجتماعي علي العرفاوي: كانت «التبوريدة»
الشعبية تقام في أوقات معينة من السنة عند الأضرحة والمقامات، وكانت تتم
في جو من التنافس، ويتبارى فيها الرجال لإبراز مواهبهم وطاقاتهم القتالية
التي يتحلى بها الشجعان أيام الحرب، كما أنها في الوقت نفسه وسيلة للتعبير
عن المهارة والبراعة في فن الصيد أيام السلم.
إنها بإيجاز «موروث» يُظهر الاصرار على مواصلة انطلاق الروح المقاومة ضد كل مجتاح ومحتل وغاصب.
ولقد
ألهمت «التبوريدة» عدداً من الفنانين العالميين، وعلى رأسهم الفرنسي رو لا
كروا، اذ كانت لوحاته من أحد الأسباب الحاسمة على انتشار سمعة هذه الألعاب
الاحتفالية.
نساء «التبوريدة»
منذ سنوات لم يعد هذا الفن حكراً على
الرجال، حيث كانت النساء – قبلاً – يكتفين بالمشاهدة وإطلاق الزغاريد وغلق
الآذان بالأيدي عند كل طلقة بارود أو صهيل حصان، فقد أصبحت المرأة مشاركة
وقائدة «سربة».
وقد تأسَّست أول فرقة نسائية لـ«التبوريدة» في العام
2003 بإقليم «الجديدة» وتترأسها اليوم شابة ورثت حب الفروسية عن والدها
الذي ورثه عن والده، وتوجد اليوم سبع فرق نسائية مقابل المئات من الفرق
الرجالية.
وأعطى اشتراك المرأة المغربية في «التبوريدة» نكهة جديدة،
وأصبح «المَحْرَك»، أي الميدان – المضمار، يشهد اقبالا جماهيرياً كثيفاً،
حيث أثبتت المرأة الفارسة قدراتها ومهاراتها في هذا الفن.
وتقول
الفارسة الطالبة في اسبانيا الزاهية أبو الليث انها اهتمت بعالم الفروسية
حين وجدت نفسها تمتطي صهوة الفرس في سن مبكرة، الى أن أصبحت فارسة (قائدة)
تصول وتجول وتقود أول «سربة» نسائية. وتتألف «السربة» أي الفرقة في الغالب
من تسع فتيات.
وتتابع الزاهية فتقول «إن البداية – وكانت في العام 2004
– لم تكن سهلة لأن عناصر الفريق النسائي لم تكن تتجاوز أصابع اليد
الواحدة، وكنت أجد صعوبة بالغة في التنسيق بينهن اثناء اطلاق الفنان
للخيول، ومن ثم لحظة اطلاق البارود في وقت واحد»...
لقد استطاع هذا
التراث أن يفتح في الاعوام الاخيرة نافذة على نوع من حوار الثقافات
والتقاء الحضارات، وأقدمت بعض النساء الأجنبيات على الاهتمام بهذا الفن،
واستطعن أن يفرضن أنفسهن في ميدانه وذلك بمهارات عالية واحساس عميق بعالم
الخيل ومعنى «الفروسية» بدلالاتها وتجلياتها الساحرة. وهذا ما دفع
بالمواطنة الكندية «كليردوشي» إلى ترك عملها كموظفة لدى الامم المتحدة بعد
أن سحرها فضاء الخيل وعشق «التبوريدة» فأتت للمشاركة في مهرجان الفروسية
ضمن الفريق النسائي المغربي.
وتقول دوشي بكل حماسة وتلقائية: فن
«التبوريدة» وسيلة جيدة لفهم المجتمع والثقافة المغربيين، فلقد تمكنت
بفضلها من الوقوف على الكثير من الحقائق والاشكاليات التي لم أكن لأتعرف
إليها وأستوعبها لو اخترت العمل خلف «مكتب»..!
ويشتهر في المغرب اسم
عائشة البحرية التي يُروى أنها سببت متاعب كثيرة للمستعمر الفرنسي
بفروسيتها ومقاومتها برفقة عدد من النساء، وظلَّت هذه الفارسة مجهولة الى
حين وفاتها، ولا يزال ضريحها اليوم على مقربة من أحد ميادين «التبوريدة».
واليوم
تستقطب احتفالات «التبوريدة» السياح من مختلف الجنسيات، كما انها تعد فرصة
للتلاقي والسهر حتى الصباح من خلال احياء ليالي الغناء والطرب الشعبي الذي
تؤديه الفرق الفنية المعروفة على الصعيد الوطني كالستاتي والداوودي
والصنهاجي وحجيب ومأولد البوعزاوي وغيرها...
• فارسة تستعرض مهارتها
• عرض بصري - سمعي بامتياز
بديعة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 6241
العمر : 39
Localisation : الدارالبيضاء
Emploi : موظفة
تاريخ التسجيل : 03/04/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى