العروسي في الزواقين

في نهاية صيف سنة 1959م شرعت جماعة أولاد عبد الله
في الاستعداد لاصلاح وتجديد مسجدها الذي كان ما زال الى
حدود تلك الفترة مسقفا بالقش.ومع بداية شهر اكتوبربدأ أفراد
الجماعة يطوفون على السكان لجمع التبرعات في موكب
مهيب حاملين الاعلام مرددين الاناشيد الدينية من بردة
وهمزية وغيرهما.وكلما مروا بداروقفوا عند بابها مرددين
دعاء خاصا الى ان يخرج اصحاب الدار بتبرعاتهم حين
ذلك يتم الدعاء لهم بدعاءطويل وكان يتناوب على هذه
المهمة سي احمد بن عبو وسي الطيب بغزوز رحمهما الله
وبمجرد جمع التبرعات الاولى شرع في العمل بالمسجد
وبطبيعة الحال بما ان التبرعات الاولى غير كافية فقد تكررت
عملية الجمع مرات متعددة.واستمر العمل بالمسجد لمدة سنة
كاملة .وحينما تمت عملية البناء والتجديد أقيمت حفلة بسيطة
بالمناسبة يوم الجمعة 23شتنبر1960.
خلال تلك الفترة التي كانت فيه جماعة اولاد عبد الله
تجدد بناء مسجدها كانت جماعة اولاد بن سليمان قد قررت
أن تقوم بنفس العملية بالنسبة لمسجدها الذي كان لا يزال
كما تركه الاجداد.وبالفعل مع بداية شهر اكتوبر60انطلقت
عملية جمع التبرعات بنفس الطريقة التي رأيناها في اولاد
عبد الله والفرق الوحيد هو أن من كان يتولى الدعاء
هو سي احمد احبيبووكان يبدع رحم الله في ذلك اذ كان
دائما يضيف بعض المستملحات او يقوم بحركات تثير
ضحك الحاضرين.وقد تكررت عملية جمع التبرعات
مرات متعددة.واستمر العمل في المسجد لمدة سنة كاملة
وفي هذه المرة لم نكن مجرد متفرجين بل شاركنا ونحن
اطفال في العملية اما بسقي الماء من العين او بجمع
(غجغايج)(اضف هذه الكلمة الى المعجم)او باثارة
الشغب.وبعد انتهاء العمل اقيمت حفلة ضخمة بالمناسبة
يوم الاحد 3شتنبر1961استدعي لها القايد الممتاز وقائد
القبيلة بزومي وكان هو يوسف غلام آنذاك.وقد شاركت في
تلك الحفلة ثلاث فرق للغياطة:فرقة احسينو وفرقة من
العنصرواخرى من بني مزكلدة وحوالي100من البواردية
تم استدعاؤهم من جميع نواحي القبيلة.وشيدت فرارين
الشواء بالمطيرة دالبير كانت لم تغمرها المقابر بعد.
مرت سنة على هذا الحادث وجاء صيف سنة 1962
فقررت جماعة اولاد عبد الله ان تقيم موسما لسيدي عبد
الله وبالفعل أقيم الموسم يوم الاحد19غشت 1962
وهو ما صادف سابع المولد النبوي الشريف.وقد احيت
هذا الموسم فرقة احسينو.ولم تقم جماعة اولاد عبد الله
باستدعاء جماعتي اولاد بن سليمان واحساسن لمشاركتها
في هذا الموسم خصوصا وان معظم سكان هاتين
الجماعتين سيدي عبد الله هو جدهم كذلك.عندها قرر اولاد
بن سليمان واحساسن اقامة موسم مشترك بينهما لسيدي
لحسن بن عيسى المدفون بمقبرة سيدي موسى بن علي
وهو بالمناسية والد سيدي عبد الله.وتقرر ان يكون مقر
الحفل أو الموسم هو الزيتون الرقيق قرب دار سلام
القريش.فمن سيقوم باحياء هذاالحفل؟
انه محمد العروسي
يوم الاحد 2ششنبر1962 استيقظنا باكرا بدون كسل أو
تلكؤ وتسللنا قاصدين الزيتون الرقيق ظانين اننا سنكون
من أوائل الحاضرين فاذا بنا نفاجأ بأن المكان غاص
بالجماهيرالتي من بينها من بات هناك .حضرت في
البداية فرق الغياطة الثلاث التي احيت حفلة تدشين
المسجد.ثم جاء البواردية.وجاء حتى الخيالة من دبوز
ومخافة وعين صف ولكنهم لم يجدوا مكانا صالحا
للسباق.بدأت فرق الغياطة والبواردية تنشط المكان
لكن الكل كان ينتظرويسأل أين العروسي؟هل سيحضر
العروسي ام لا؟لفد جاء الناس من كل فج عميق من
أجله هو بالذات.وبدأت الاشاعات تتردد بأن العروسي
لن يحضر.بقي الامر على ذلك الى حدود الساعة
العاشرة حينما جاء من يخبر الجماهير الحاضرة بأن
السيارة التي تقل جوق العروسي فد وصلت للمدرسة
فاسرع الجميع نحو الطريق لاستقباله.أخيرا وصل
العروسي واستقبلته الجماهير الحاضرة بالصلاة على
النبي.دخل الجوق الى الخيمة المخصصة له وبعد
استراحة قصيرة اذا بكمنجة العروسي تنطلق من مكبر
الصوت انها نفس الكمنجة التي كنا نسمعها من الاذاعة
مساء كل يوم احد.لقد بدأ الصح فانفض الجميع من حول
الغياطة وانكبوا على خيمة العروسي.بل ان الغياطة
انفسهم كانوا في حاجة الى ذلك حتى تتاح لهم هم
الآخرون الفرصة لكي يتفرجوا ويستفيدوا.أنا شخصيا
طول النهار لم المح العروسي ولا جوقه وانما كنت
استمع اليه من بعيد.فلكي ترى العروسي يجب ان
تكون لك اكتاف فولاذية وصدر كالصفاحة.فهل ستمر
الفرصة دون ان ارى العروسي؟ جاء المساء وبدأ
الناس يغادرون المكان.وحينما حل الظلام كان قد
بقي في المكان حوالي 100شخص فقط.أتذكر أنني
وبعض الاصدقاء وقعنا في حيرة.هل نغادر المكان
فنضيع فرصة لا تعوض أم نبقى فنتعرض للعقاب
من طرف عائلاتنا؟وأخيرا قررنا البقاء وليكن ما
يكون.وكان قرارنا صائبا اذ استمتعنا بليلة لا تعوض
ولم نتعرض لاي عقاب او مساءلة.بعد انتهاء
العروسي وجوقه من تناول العشاء جلس ما بقي
من المتفرجين في صفوف منظمة على شكل نصف
دائرة في كامل الهدوء والانضباط فلا وجود للسكارى
والشماكرية آنذاك.ثم انطلق الحفل واخيرا رأيت
العروسي وجوقه .كانوا كلهم شبانا في حوالي
الثلاثين.كان الجوق مكونا من العروسي وخمسة
افراد آخرين.العروسي وفرد آخر يعزفان على الكمان
والثالث على العود والرابع على الناي والخامس على
الدربكة والسادس على الطار.وكانت سهرة لا تنسى في
الهواء الطلق استمرت الى حدود الساعة الرابعة صباحا
غنى خلا لها العروسي بعض اغانيه اما الاغلبية
فكانت اغاني ابراهيم العلمي وكم دهشت حين اكتشفت
ان العروسي يتقن أداء اغاني اابراهيم العلمي عزفا
وغناء.وفي الختام احب ان اشير ان من اشرف على
تنظيم هذه الحفلة بنجاح لا نظير له هما سي العربي
القوارطي رحمه الله وشقيقه الحاج احمد امد الله في
عمره .والسلام

شكرا على توثيقكم لهذه الحقبة من تاريخ الزواقين