صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.
صدى الزواقين Echo de Zouakine
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

نظرة مؤرخ للمغرب في عهد الحسن الثاني .. لقاء- مناقشة مع عبد الله العروي

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

نظرة مؤرخ للمغرب في عهد الحسن الثاني .. لقاء- مناقشة مع عبد الله العروي Empty نظرة مؤرخ للمغرب في عهد الحسن الثاني .. لقاء- مناقشة مع عبد الله العروي

مُساهمة من طرف izarine الخميس 14 أكتوبر 2010 - 19:12

«عبدالله العروي هو، وفق التعبير الجاري، مفكر غني عن التعريف، كما تدل علىذلك غزارة وتنوع إنتاجه، واتساق و عمق أطروحاته الفكرية، وكثرة ما كتب عنه(...).
«لقد اغتنمنا فرصة صدور كتابه الأخير «المغرب والحسن الثاني»، وإتمامعملية نشر مذكراته «خواطر الصباح» لنسعى إلى ملاقاته في حوار ـ مناقشةأردناه منصبا على الجوانب العملية. إذ حاولنا من خلال أسئلتنا أن نعرف بعضعناصر قراءة عبد الله العروي للتاريخ المغربي الراهن (1956 - 1999)، وكيفتلمس شخصيا، كمفكر وكمثقف وفاعل سياسي ملتزم، طريقه في متاهات زمن سياسيطبعته من بين ما طبعه المواجهات الدرامية والفرص الضائعة.
«قراءة عبد الله العروي لعهد الحسن الثاني وللتجربة السياسية المغربيةالمعاصرة بصفة عامة، تتميز، على غرار إنتاجه النظري، باستحضار متواصلللوقائع في تعقدها وتداخلها، مما يجعلها في قطيعة تامة مع النظرة المانويةوالدوغمائية الإيديولوجية. فقد شدت انتباهنا في حديث العروي عن التاريخوالسياسة وموقعه الذاتي كـ «متفرج ملتزم» (عبارة وصف بها آنفا المفكرالفرنسي ريمون آرون)،
عناصر ثلاثة:
«- قراءة إرادوية للتاريخ كمسار منفتح يتحدد بأفكار واختيارات وأفعال البشر، وذلك بعيدا عن كل قدرية عمياء أو تأويل كلياني للتاريخ.
«- إصرار على إعمال العقل في وصف ومقارنة وتأويل الوقائع والأحداث،باعتباره الأداة المتوفرة للبشر لتنظيم وتأويل معيشهم. وهذه العقلانيةالنشطة باستمرار تجعل قراءة العروي للسياسة ـ عكس السائد في الحقل العربيـ أبعد ما تكون عن المقولات الأخفاقية (الخير والشر).
«- ويتمخض عن العنصر السابق انحياز عميق للواقعية في الفكر والفعلالسياسيين، وذلك ضد الطوباوية والرومانسية التي تؤثث الخطاب السياسي فيالمجال العربي ».
بهذه الفقرات الدالة افتتحت مجلة «مقدمات» عددها الصادر في صيف 2006،والذي تضمن ملفا عن فكر عبد الله العروي، وخاصة حوارا/نقاشا مطولا معهأجراه باحثون من هيئة تحرير المجلة في 25 نونبر 2005.
تعميما للفائدة، ونظرا لأهمية الحوار، نقدم ترجمته كاملة لقرائنا.

محمد الصغير جنجار:


نقترح أن يتمحور النقاش بين اعضاء هيئة تحرير «مقدمات» وذ. عبد اللهالعروي حول الكتب الأربع الأخيرة التي نشرها ضيفنا خلال السنوات الخمسةالأخيرة. تتضمن هذه النصوص نوعا من الوحدة الموضوعاتية، ذلك أن موضوعها هوالتاريخ الحديث للمغرب ( 1956 - 1999 )، ويتعلق الأمر بالأجزاء الثلاث من«خواطر الصباح» المنشورة بين 2001 و 2003، والكتاب الأخير الموسوم بـ«المغرب والحسن الثاني» الصادر في 2005. جاء المؤلف الأول على شكل مذكراتسجل ضمنها الكاتب، يوما بعد يوم، ملاحظاته وانطباعاته وتحليلاته المتولدةعن بعض الأحداث التي أثرت فيه والتي حصلت بين 1967 و 1999 . ويمكن القولإن المؤلف جمع في هذه المذكرات المواد التي سيحللها لاحقا ضمن كتابهالأخير.
هكذا، فخواطر الصباح تشبه كراسات ملاحظات الأنثروبولوجيين أو التخطيطاتالأولية للرسامين. ولذا فهذه المذكرات ضرورية بالنسبة لمن يريد قراءة«المغرب والحسن الثاني».
غني عن البيان أن هذا الكتاب الأخير كان منتظرا بتهلف، خاصة بعد نشر خبرصدوره في الصحافة. كان البعض ينتظر أن يضمنه عبد الله العروي معلوماتمثيرة، وأن يكشف بين طياته بعض أسرار حكم الحسن الثاني، وهو تمرين عودتناعليه عناوين صحفية وطنية وأجنيبة معينة منذ 1999.
الكتاب، في الواقع، نص تحليلي وتأملي يوظف المنظومة النظرية والأدواتالتاريخية التي لم يتوقف المؤلف عن تطويرها منذ «الإيديولوجية العربيةالمعاصرة» (1967 ). ونظرا لكونه كذلك، فإن الكتاب خيب ظن الذين كانواينتظرون قراءة معلومات غير معروفة مدوية في صفحاته. وبالمقابل، اكتشفهؤلاء نصا جديدا في تركيبه (شهادة)، لكنه نص يتضمن العديد من عناصرالاستمرارية مع فكر تطور خلال مدة تفوق أربع عشريات.
طلبنا من ذ. عبد الله العروي النقاش مع ثلاثة باحثين، هم أعضاء في هيئةتحرير «مقدمات»، قرأوا مؤلفاته وسيحاولون عبر تساؤلاتهم وتأملاتهم، دعوتهإلى تبيان فكر تميز، في الحقل الفكري العربي، بقوته النظرية و استمراريتهوعمق تحليلاته لإشكالية الحداثة والتحديث والتأخر النظري للمجتمع المغربي.



الحسن الثاني، الوطنية والديموقراطية

حسن رشيق:

«المغرب والحسن الثاني» كتاب مكثف وغني بالمعلومات، الوثائق، التقييماتوالشهادات. إنه يتضمن بورتريهات لفاعلين بصموا التاريخ السياسي الوطني،وأنا أتحدث هنا عن بورتريهات الحسن الثاني، بن بركة، عبد الرحيم بوعبيد،رضى اكديرة، وكذلك بورتريه علال الفاسي ولو بدرجة أقل. المؤلف ثري لدرجةتمنح القارئ سبلا عديدة لمقاربة مضمونه، وسأركز، من جانبي، على سبيليناثنين: الأول يتعلق بالفاعلين والثاني بالكاتب نفسه.
سؤالي الأول هو التالي: ما المضمون الذي يمكن أن نعطيه للوطنية في مراحلما قبل، أثناء وما بعد الحماية؟ بالطبع، لا يمكننا مناقشة شهادة على أساسكونها تحليلا ، او على أساس كونها إيديولوجية سياسية، ومع ذلك، سأتصرف كمالو أن عبد الله العروي يصوغ بعض التعريفات حول الوطنية، رغم أن هذا ليسبالضبط الموضوع المباشر للكتاب.
لماذا نزع الحظوة عن وضع الحسن الثاني كزعيم للوطنية؟ لماذا عدم إضفاء صفةوطني عليه، على غرار الآخرين، بالنسبة للمرحلة التي تمتد إلى 1974، مع بصموطنيته بكونها مختلفة عن وطنية الآخرين بالطبع؟ تقول إن الحسن الثاني كان،إبان مروره بفلورانسا وهو ولي العرش، كان منذ ذاك رئيسا للحزب المناهضللوطنية؟
يجد هذا السؤال سنده في سببين اثنين. السبب الأول ذو طبيعة نظرية: يمكنللوطنية أن تتوافق مع الاستبداد، ذلك أنه لا يوجد، تاريخيا، تناقض بين أنيكون الإنسان وطنيا وعنصريا، ويكفي لتحقق هذا أن يمنح الولاء الأسمى للوطن.
ويمكن للإيديولوجيا أساس هذه الوطنية أن تكون التياسر، الشعبوية، الخ، كماتقول ذلك في كتابك. إن شكلا من أشكال الوطنية ينبعث عن المضمون الذي تضفيهعلى التقليد وإحياء التقليد لدى الحسن الثاني. لقد كان بهذا المعنى، وطنياحيث فشلت الحركة الوطنية التاريخية، الكتلة والآخرون.
إذا ما رجعنا إلى الإنتاج العالم للحركة الوطنية الذي وصلنا على شكل كتبأو صحف مكتوبة، على سبيل المثال، فسنلاحظ أن أسس هذه الحركة كانت اللغةالعربية، القومية العربية والإسلام. وقد تمت تعبئة الجماهير حول هذه الأسسوحول الانتماء للمغرب: «عاش المغرب». لم يكن الانتماء للمغرب يترجم عبرالكتابات، بل عبر المظاهرات والشعارات والملبس وعيد العرش، عبرالاحتفالات... لقد وضع أول عيد للعرش، مثلا، حدا فاصلا بين من هم مسلمونومن هم عرب. لأول مرة أحتفل المغاربة بعيد بشكل مستقل، ليس بوصفهم مسلمينأو عربا، لكن بصفتهم مغاربة.

أصل الآن إلى سؤالي الثاني. ونحن نقرأك، نشعر أن الوطنية متعارضة مع كل ماهو خصوصي وكل ما هو تقليدي. أو بصيغة أخرى أنه لا يمكن للوطنية أن تتوافقلا مع التقليدانية وإعادة خلق التقليد، ولا مع القبلية والخصوصيةوالانتماء الأمازيغي، الخ. ونشعر أيضا أن هذا الموقف يتمفصل مع فكرةاستحالة أن يكون مستبد وطنيا، وأنه كان يجب انتظار سنة 1974 ليصبح الحسنالثاني كذلك، وأنه لم يكن بإمكانه أن يصبح وطنيا إلا عبر اعتناق أطروحاتالكتلة. بالفعل، لقد حصل تقارب في وجهات النظر بين الطرفين، لكنه تقارببين أسلوبين لممارسة الوطنية. فعل الحسن الثاني ذلك بشكل مضمر، فطري،وربما يكون أحمد العلوي هو من وضح أكثر هذا النزوع أفضل من غيره. لماذاإذن تم قبول وطنية مستندة على «الشرع» من قبيل وطنية الحركة الوطنيةالممثلة في الكتلة، وخاصة وطنية حزب الاستقلال، وفي نفس الوقت رفض الوطنيةالقائمة على التقليد نظرا لاعتبار أنها ليست وطنية؟ ومع هذا، فنحن نعلم أنالوطنية في العديد من الدول الأوربية قامت أولا على الثقافة، الحكاياتواللهجات الشعبية. لقد شكل المحلي مصدرا للوطنية المغربية، والثقافةالشعبية حاضرة في هذه الوطنية.
عبد الله العروي:
لقد خصصت أطروحتي لدكتوراه الدولة للوطنية المغربية واستمر اهتماميبالموضوع منذ ذاك. لقد قارنت إيديولوجيا الحسن الثاني التي وسمتهابالملكية، مع إيديولوجيا الوطنية كحزب وليس بوصفها مرادفة لمحبة للوطن.يمكن للمرء أن يكون محبا لوطنه دون أن يكون وطنيا. الوطنية، كما تطورت فيالمغرب في القرن التاسع عشر، تبدو جوهريا أنها من خلق الطبقة الكهنوتيةبمكونيها الاثنين: طبقة العلماء «المستقلين»، أي الذين لم يكن ينفق عليهمالمخزن، والآخرين، الكتاب، الذين كانوا موظفين لدى هذا المخزن. مما جعلنيأعتقد، خلافا لما اعتقده بعض الباحثين ولما صرح به الوطنيون أنفسهم فيحقبة معينة، أعتقد أنه لم تحدث قطيعة إبان قيام الحماية. إن من استلمالمشعل هم سليلو هذه الطبقة الكهنوتية التي حاولت عصرنة البلاد، بتوافق معالعائلة العلوية الحاكمة خلال القرن التاسع عشر، والتي لم تنجح في مسعاهاهذا. وهؤلاء هم من قالوا إبان الحصول على الاستقلال: المغرب الجديد منصنعنا.
والحال أن المنظرين الإيديولوجيين للحماية قاموا بتحليل مغاير لتاريخالمغرب. لقد كانوا يؤكدون على وجود مغربين: مغرب ناطق بالعربية وآخربالأمازيغية، كما تمحورت سياستهم برمتها على الحفاظ عن هذه الازدواجيةراسخة. مما أدى إلى أن الحركة الوطنية مجبرة، بقوة الواقع، على أن تظلأقلية، وذلك كيفما كانت شرعيتها التاريخية من جهة أخرى. نحن لا نتوفر علىالإحصائيات، ورغم ذلك، وبما أن السكان الحضريين كانوا يمثلون بين 15% و20% من مجموع السكان في 1955، وحتى لو أضفنا سكان المناطق القروية،فبإمكاننا التأكيد على أن الوطنيين، الموسومين كذلك على غرار الشيوعيين فيالبلدان الغربية، لم يكن باستطاعتهم أن يتجاوزوا ربع المغاربة. هكذا إذن،يتوفر لدينا تصوران اثنان: واحد سياسي والثاني سوسيولوجي. من يمثل البلادسياسيا ومن يمثلها سوسيولوجيا؟ هذا هو النقاش الذي تواجهت عبره الوطنيةكحزب مع الحسن الثاني. جوابا عن كل الذين كانوا يؤكدون عاليا وجهوريا:إننا نتكلم باسم جميع المغاربة، كان الحسن الثاني يرد: أنتم لا تمثلونهمجميعا لا سوسيولوجيا ولا تاريخيا. كان يعتقد أن المناطق القروية، بلادالسيبة في لغة المخزن والحماية، منغلقة في وجه الإيديولوجيا الوطنية.وفضلا عن ذلك، فقد كان متأثرا ثقافيا بإيديولوجيا لليمين الفرنسي مفادهاأن الوطنيين جمهوريون بالقوة، يستمدون مشروعيتهم من الشعب وليس منالتاريخ. وبصيغة أخرى، فإنه، بالنسبة للوطنيين، إذا كان هناك ملك، فلايمكنه أن يكون سوى ملك المغاربة، وليس ملك المغرب. هكذا، ففي 1958، حينأسس الخطيب وأحرضان الحركة الشعبية وأعلنا نفسهما ناطقين باسم الأغلبيةالصامتة، فإنها دعما تحليل الحسن الثاني الذي كان حينها ولي العهد فحسب.
وأنا أتناول كل هذه القضايا، فرض علي توضيح أنه كان ثمة معسكران، وأنالحسن الثاني، بفعل المصلحة السياسية والمعتقد الإيديولوجي، اختار خندقه،وذلك عبر احتضان ما أسميه المغرب الفولكلوري: الرزة، الجلباب، الفروسية،الخ.
بعدها، انضافت، إلى هذه الخصومة حول الشرعية التاريخية، مشكلة أكثر جديةوذلك أثناء صياغة الدستور. الحسن الثاني دافع بقوة عن الخصوصية المغربية،وعارض صراحة النزعة القومية العربية لدى اليسار، كما عارض بشكل أقل جلاءالإيديولوجية المالكية التقليدية لعلال الفاسي. هذا الأخير كان يريد، فيأعماقه، تحويل النظام الملكي المغربي إلى خلافة أو إمامة شرعية. وهو مارفضه الحسن الثاني، لأن ذلك كان سيقلص من اختصاصاته ويخلق مشاكل مستعصيةمع الخارج. مثلما كان يرفض الديماغوجيا الشعبوية.
حين أقول هذا، فأنا أعطي للحسن الثاني بعد منظر سياسي، ملكي، متشبثبالشرعية ومناهض للوطنية التي لا يمكنها أن تكون، من وجهة نظره، إلاكليانية ويعقوبية، أي معادية للاختلافات الجهوية. وهي الاختلافات التي بذلالحسن الثاني كل ما في وسعه لكي لا تتلاشى. وإذ يُذكر الدستور أن للملكصيانة حقوق و حريات المواطنين و الجماعات، فإن هذا يشكل البصمة المميزةللمحافظة الليبرالية الأوربية، تلك التي تعتقد أنها هزمت الفكر الثوري فيالقرن التاسع عشر والشيوعية في القرن العشرين.
- محمد العيادي:
هناك إشارتان في كتابك تولدان التساؤل بالنسبة لمسألة الوطنية. أولا،تتحدث عن الحسن الثاني وقد تحول إلى زعيم يجادل الوطنيين، وتضيف أن هذاأثر على مفهوم الهيبة مما أدى إلى الانقلابين العسكريين. ثانيا، حين تشيرإلى اختيار المساعدين، فإنك تتحدث على إفقاد الأفراد الجنسية، وإعادتهمللجماعات.
- عبد الله العروي:
لنحدد أولا مفهوم الزعيم: إنه القائد الذي يصل الحكم عن طريق انقلابعسكري. انطلق الأمر في سوريا، ثم استمر بالتتابع في مصر، العراق، الجزائر،الخ. ولكي يصبح هذا القائد شعبيا، فإنه يتسلح بالديماغوجيا. الأمر يتعلقإذن بأسلوب في العمل السياسي، يبدأ بشكل لا واعي قبل أن يصبح مُقعّدا أكثرفأكثر في خطابات طويلة بل وكتب كذلك. في مرحلة معينة، تأثر الحسن الثانيبلا ريب بهذا الأسلوب. كان عليه أن يجد مساعدين لحكم البلاد. أين سيعثرعليهم؟ لقد كان عددهم جد محدود في الأحزاب، مما ولد شكلا جديدا منالمنافسة مع الوطنيين.
إذا توفر لجهة حظ إنتاج شخص مقتدر، فإنه كان يتم اختياره ليصبح، بقوةالواقع وسواء سعى إلى ذلك أم لا، ممثل مصالح جهته لدى السلطة المركزية.وعلاقة بهذه الظاهرة، التي عرفناها جيدا والتي يمكن للذين عاشوا هذهالفترة أن يقدموا أسماء مرتبطة بها، فإنني استعملت صيغة إفقاد الجنسية.كان الفرد، بعد تأميمه داخل الحزب، يعود مجددا إلى أصوله طوعا أو كرها.
أما المجادلة، فهي تقلص دائما من قيمة كل من يتعاطاها بطيبة خاطر.
- محمد العيادي:
وماذا عن الإشكالية الجوهرية المتعلقة بالتناقض بين الوطنية والديمقراطية الجديدة؟
- عبد الله العروي:
في أيامنا هذه، وحتى في بلدان مثل الولايات المتحدة أو فرنسا، انطلقتالتساؤلات حول العلاقات بين الجمهورية والديمقراطية. ويوجد مفهوم الدولةالوطنية في قلب هذه الإشكالية بالطبع. إذا ما استندنا إلى أرسطو، فإننانلاحظ منحى الديمقراطية للتحول إلى ديماغوجيا. و هي تجد، اليوم، أفضلتعبير لها في إيديولوجيا حقوق الإنسان، الإيديولوجيا التي تدعو، كيفماكانت النتائج، إلى الدفاع عن حقوق الفرد في كل مكان ودائما، حتى حين يشكلذلك مسا واضحا بمصالح الأمة والدولة. بينما من البديهي أنه يجب، من وجهةنظر الوطنية، التوقف عند حد معين، وأنه لا يمكن الذهاب إلى آخر حد فيالمنطق الديمقراطي. إننا ننسى وجود مذهب للحقوق المطلقة للفرد، مذهب معروفوجدير بالاحترام هو الفوضوية التي تطالب، بكل منطقية، بالتلاشي التدريجيللدولة. وإذا لم نذهب إلى هذا الحد، فإننا نقع في مآزق ونضطر للبحث علىتوافقات.
أعتقد جازما أنه من المستحيل تحديث بلد دون اعتماد النظام الديمقراطي.وحيث لا تتوفر شروط ذلك، فمن واجب القادة فعل كل شيء، بلا مماطلة، لخلقهذه الشروط، لأنه بدون ديمقراطية لا توجد مسؤولية سياسية. ومن جهة أخرى،كيف نحكم راهنا بلدا يسود فيه الفقر والأمية والزبونية؟ إنها مسألة تقدير،وليس من البديهي أنه بالاستطاعة القيام بالاختيار ذاته في كل مكان.
التقليد والثقافة السياسية
- محمد الطوزي:
«المغرب والحسن الثاني» مصدر ثري للمعلومات، شهادة رجل عاش عددا منالأحداث والأشياء. انطلاقا من هنا، يمكن أن نطرح عليك سؤالا لمعرفة الشروطالتي أنجزت في رحمها تسلسل الأحداث. التسلسل يحيطنا علما بوضع الحدثلنقرأه ونفك شفرته. وبصيغة أخرى، نحن في حضرة كرونولوجيا لشيء ما يخترقالمؤلف، أي بناء الدولة. ومع ذلك، من الواجب أن أسجل كون غياب بعض الأحداثمن كرونولوجيتك، وهي أحداث ليست مهمة بالنسبة لك ربما، لكنها قد تكون كذلكبالنسبة لآخرين. أشير هنا إلى المحاكمات المختلفة والمتكررة. وبصفةشمولية، ما هو إذن الحدث الذي درسته بالنسبة لهذه الحقبة؟
- عبد الله العروي:
ربما هولت الوقائع وأنا أجعل من حكم الحسن الثاني مواجهة دائمة بينه وبينالخندق الوطني، مع حضور شاهد يشرح بين الفينة والأخرى لماذا يقول مايقوله. لنذكر، مع ذلك، بأن الحسن الثاني لم يكن يكل ولا يمل من ترديد أنهعضو في عائلة المقاومين، وذلك خطابا إثر خطاب، وأن له الحق في انتقادالأخطاء السياسية لرفاقه في السلاح. وفي رأيه، فالمحاوران الوحيدانالجديران بأن يتناقش معهما كانا علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد، ذلك أنبن بركة عرف المصير المعلوم لدى الجميع. وكان يرد عليهما إما مباشرة وإمابواسطة أحمد العلوي. لم أخطئ تماما لما قدمت الأحداث كما فعلت. هل جعلتمنه منظرا بالرغم منه؟ لقد حُكم المغاربة من طرف الحسن الثاني طوال 39سنة، فهل سيكونون سعداء لو قيل لهم إنهم رُوضوا من قبل رجل بلا قدراتكبيرة؟
- حسن رشيق:
لنعد إلى سؤال الثقافة السياسية، ثمة طريقتان لتعظيم الأولياء، الأبطال،الملوك، الخ. تعتقد أنه كان يجب إقامة جنازة الحسن الثاني على أساس كونهبطلا وليس وليا. وتقول، وهذا صحيح، إننا لو كنا خضعنا لحماية ألمانية أوبريطانية، لعرفت جنازة الحسن الثاني مراسم عسكرية. قلت إن الأحزابالسياسية الوطنية كانت قليلة الإبداع لما طرحت عليها معالجة الذاكرةوالمراسم.
- عبد الله العروي:
أصر على القول إن المثقف المغربي ينقصه الخيال.
- حسن رشيق:
كباحث أنثروبولوجي، أؤكد على وجود مئات التخصصات الثقافية... هناك ثقافةسياسية تنسى الشخص، التاريخ، تنسى الحدث بمجرد وقوعه. والحال أننا، حيننتكلم عن الديمقراطية، عن الوطنيين، الخ، فإننا نمتح من تراكم للذاكرات.لكنه ليس لدينا متحف تذكاري، في الدار البيضاء مثلا، كل ما نتوفر عليهيتمثل في أسماء شوارع مكرسة لبعض الوطنيين.
ولذا، فإن الثقافة الوطنية، ثقافة تكون ديمقراطية في الآن نفسه، تستحقعلاقة مغايرة مع الماضي غير إعادة إحياء الطابع التقليدي. ليس هناك علاقةديمقراطية «تقدمية» أخرى مع الماضي. كيف ترى علاقة مغايرة لا تكون تقليديةمع الماضي، العلاقة مع الأولياء، الأبطال والأحداث، الخ.
- عبد الله العروي:
يجب التذكير أننا كنا، إبان الحدث، نتوفر على حكومة تستحق هذا الاسم ورئيسحكومة كان يؤدي فعلا هذه المهمة. كان لدينا أمل في المضي نحو الإعمالالتدريجي للدستور. وكان لزاما أن يدفع هذا الأفق المسؤولين، وفي مقدمتهمالحسن الثاني، إلى استشراف المستقبل. لكن روح الروتين منعتهم، حسب رأيي،من ذلك، وخاصة جدار التطير. لقد كان الحسن الثاني متطيرا على غرار كلالمغاربة. ارجعوا إلى ما كتبته في هذا الصدد في «خواطر الصباح». ليس ثمةما هو أكثر حزنا، أكثر إثارة للإحباط النفسي، من جنازات المسلمين. ذلك أنعلاقتنا مع الموت شبه حيوانية، ومن ثمة، فمن العسير توضيحها والتفكيرفيها، ثم تغييرها عقب ذلك. الطقس مثبت منذ قرون تحت عنوان «أدب الموت» فيكتب التقاليد، وله دلالة قانونية، اجتماعية وأخلاقية كبيرة لدرجة لا يمكنمعها لأي أحد التجرؤ على التفكير في إدخال أدنى تغيير عليه.
يمكن تفهم هذا الأمر على المستوى الشخصي، لكنه يمتلك، للأسف، تأثيرا علىمستوى العقل العمومي. رئيس دولة ليس شيخ زاوية، ليس رب عائلة. ويجبالتعامل معه على هذا الأساس (رئاسة الدولة)، لكننا نصدم في هذا المجالبالشعور المساواتي للمسلمين الذين يعتبرون الموت أكبر محقق للمساواة. لقدبقينا فعلا، بالنسبة لهذه النقطة، خارج سلطة روما التي كانت تضع نصبأعينها ترسيخ معنى الدولة لدى مواطنيها، فتنظم، من أجل بلوغ هدفها، بشكلفخيم تربع قادتها على العرش وجنازاتهم في نفس الآن، بل إنها كانت تذهب إلىحد تأليههم. وبالطبع، فالإسلام قد قام، منذ بدايته، ضد هذا الإفراط. لكنهمضى، بدون شك، أكثر من اللازم في الاتجاه المعاكس حيث نلاحظ، طوالتاريخنا، أن هذا أضعف معنى الدولة. وبما أننا غير مشاركين في هذا التقليدالروماني، فإن الجلوس على العرش والجنازة يتمان عندنا بارتجال، مما يفاجئكثيرا ضيوفنا المنتمين لثقافات أخرى ويجعلهم يصفوننا بعدم النضج سياسيا.نحن لا ندفن أبدا الملك، بل أبانا جميعا. هذا أمر لطيف، هذا إنساني،إنساني أكثر من اللازم، والجميع يتذكر المثل القائل «ابن أو علي، سير أوخلي». في ظل هذه الشروط، كيف نرسخ إذن في العقول طموح بناء دولة قوية، غيرمشخصنة، شيء غير ملموس لكنه منذور للبقاء؟ الحسن الثاني كان هو الوحيدالقادر على فهم هذا الانشغال، لأنه ظل يحمل هم تشييد دولة تستحق صفتها هذهبجدارة، لكنه لم يكن ليتجرأ يوما على مس التقليد بسبب تطيره. ربما كانعقله سيقول نعم، لكن قلبه كان سيقول لا بكل تأكيد. هو ذا الحد الذي وصلناإليه.
- محمد الصغير جنجار:
تقول إن الحسن الثاني كان يشعر بنوع من الحصر كلما تعلق الأمر بالقضاياالدينية. وهناك مثال تسوقه في هذا الإطار: كان يريد إصلاح التعليم، لكنطرح سؤال الدين في المدرسة كان يولد الانحصار في كل المستويات.
- عبد الله العروي:
مرة أخرى، هذه حالة جميع المغاربة. إنهم لا يتكلمون سوى على الدين، لكنهملا يتحدثون عنه أبدا بروح نقدية أو ساخرة، بمعنى أنهم يخضعون له، لكن دونأن يشعروا به فعليا.
الدستور، إمارة المؤمنين وانتقال العرش
- محمد العيادي:

أشرت إلى المنافسة بين الوطنيين والحسن الثاني، الذي صار زعيما، وبسطتأطروحة علال الفاسي الذي كان يريد تحويل الملكية إلى خلافة، كما حددتها،وقيامها مكان الدولة. أربط هذا بتقييمك لدستور 62، وهو دستور تسمونهبالعلمانية، لكن شهودا مباشرين يؤكدون أن صيغته الأولى لم تكن تتضمن أيإشارة إلى إمارة المؤمنين. كيف تفسر إدراج هذا الفصل حول إمارة المؤمنين؟كيف حدث الانزياح عن المنطق العلماني أو مسلسل العلمنة الذي كانت تشاركفيه الدولة والأحزاب السياسية قبل 65؟ وكيف يمكن أن نقارب مفهوم الإمامةفي علاقته مع مسلسل إحياء التقليد الذي انتشر بعد 65؟ يبدو لي أنها أسئلةتستحق توضيحات أكثر.
النقطة الثانية: تقول إن الحسن الثاني كان وحده المؤهل لتغيير مراسمالجنازة، وأن هذا كان يجب أن ينجز من أجل نجاح انتقال العرش. تقول إنه كانبالإمكان انتقال العرش وتقديم البيعة وفق سيناريو آخر يمر عبر عمل الوزيرالأول والبرلمان، وتضيف أن الحسن الثاني هو الوحيد الذي كان بإمكانهالإقدام على هذا التغيير.ألم يكن هذا سيشكل قطيعة مهمة في تاريخ السياسةالمغربية؟
- عبد الله العروي:
أذكر أولا أن الحسن الثاني لم يكن يعير كثير أهمية لمنطوق الدستور في حدذاته. لقد كان متيقنا أنه سيوظفه لصالحه في جميع الأحوال. ما يجب أن يهمناإذن هو الممارسة السياسية. إذا طرحتم علي أسئلة تتعلق بالعقيدة، فسأجيبكمبأن مواقفي في هذا الصدد معبر عنها، في نفس الوقت، في الاستشهادات التيتفتتح فصول الكتاب وفي الملاحق الخاصة بالخصوصيات المغربية. لقد تحدثتضمنها طويلا عن الإمامة وإمارة المؤمنين.
في القرن التاسع عشر، كان الحسن الأول يقيم تمييزا بين الشؤون المندرجةضمن اختصاصات المخزن (الشؤون المخزنية) وتلك المتعلقة بالشرع. وكان واضحاللجميع أن الأمر يتعلق بمجالين مختلفين، وهو ما نتج عنه الفصل الوظيفي بينالكتاب والعلماء، حيث لم يكونوا يخضعون لنفس التكوين، ولم يكن لهم نفسالفكر، مثلما لم تكن علاقات السلطان مع الهرمين الوظيفيين متماثلة.
بعدها جاء الفرنسيون الذين عانوا الأمرين لتنظيم الحقل الديني في الجزائر،لدرجة أنهم لم يقروا مدونة الأسرة الخاصة بالمسلمين إلا قبيل الحربالعالمية الأولى، وهذا معطى كثيرا ما يتم إهماله.
ازدواجية السلطة التي وجدها الفرنسيون بالمغرب سهلت مأموريتهم. لقد بسطواسيطرتهم كاملة على المخزن، أي الحكومة الدنيوية، بينما بقي السلطان الشريفيمارس دوره كرئيس لهرم العلماء التراتبي. لم تكن التسمية تهمهم (سلطان،إمام، خليفة، أمير المؤمنين)، فالسلطان بالنسبة لهم زعيم ديني، وهو ليسملكا بالمعنى الغربي. وهذا هو الرأي الذي سعوا إلى مأسسته في 1955بتعيينهم لبن عرفة سلطانا بمباركة حلفائهما، الگلاوي والكتاني.
مع الاستقلال، لم ينتبه الوطنيون إطلاقا لكون المسألة مستعجلة. وتم نقاشهافي أوساط رجال الدين. اللقب لم يكن مهما بالنسبة للفرنسيين، لكنه كان كذلكبالنسبة للعلماء. ومحمد الخامس لم يعد سلطانا، بل صار ملكا، فهل هو أيضا،أو في نفس الوقت، خليفة، إمام، أمير المؤمنين، أمير المسلمين؟ وهو النقاشالذي حصل بين مختلف التيارات التقليدانية أو السلفية. الحسن الثاني، علىغرار الوطنيين، لم يعر الموضوع كثير اهتمام حينها. لكنه استوعب أهميتهشيئا فشيئا، وفي جميع الأحوال، فإنه فعل هذا أسرع من منافسيه. وحسبتحليلي، فإن الحسن الثاني، إذا كان قد قبل في نهاية المطاف حل إمارةالمؤمنين المقترح رغم الإشكاليات الدينية التي يطرحها، فإنه أقدم على ذلكلوقف زيغان آخر كانت تمثله الخلافة المساندة من طرف علال الفاسي وعبد اللهگنون، وهو المقترح الذي كان سيخلق مصاعب مستعصية الحل داخليا وخارجيا.
هل كان الوطنيون سيستفيدون من هذا النقاش لو أتيحت لهم فرصة المشاركة فيه؟أعتقد ذلك. كان بإمكانهم التذكير بازدواجية السلطة في المغرب التقليدي وفيمغرب الحماية، وجعل هذا أساسا لانطلاق علمنة واقعية.
إن الموضوع صعب، ويستلزم توضيحات أكثر. ومع ذلك، لا يمكننا مؤاخذة وطنييتلك الحقبة على عدم الاهتمام به، ذلك أننا نحن كذلك لا نتوفر على نظرةجلية حوله اليوم. يستشهد بعض الإسلاميين بابن حزم أو ابن تيمية، ويقولونإن العاهل الشرعي الوحيد هو أمير المؤمنين وإنه يجب توحيد السلطتينالمدنية والدينية، المخزنية والشرعية، وذلك في قطيعة تامة مع التقاليدالمغربية. وهم يغضون الطرف على كون الأول صاغ نظريته والأندلس على وشكالتلاشي لأنها عجزت عن بناء دولة عقلانية مستقرة. أما الثاني، ابن تيمية،فقد أنشأ آلة حربية ضد التركمان الذين طردوا العرب من السلطة ولم يعترفوالهم إلا بحظوة رمزية. المنظران معا لم يفعلا سوى القيام برد فعل حيال أزمةتدوم منذ قرون. فكيف نقدم ما شكل أصل الأزمة على أساس كونه حلا لها؟ ومعذلك، فهذا ما يقوم به الناس الذين لا يمتلكون أي حس تاريخي، أية معرفةبالتسلسل الفعلي للأحداث.
- محمد العيادي:
سيناريو انتقال العرش!
- عبد الله العروي:
قضية انتقال العرش جد مهمة. وحولها اندلعت أول أزمة كبرى في الإسلام. وحولهذا الموضوع بالضبط، كان الحسن الثاني متشبعا بالشرعية بمعناها لدىالملكيات الغربية. ولذا، فرض انتقال العرش إلى الولد الأكبر سنا، وفعل هذادون أن يعترض العلماء.
- محمد العيادي:
في الواقع، كنت أعني أساسا انتقال العرش في 1999 حين أثرت الموضوع، وفاةالحسن الثاني وتربع ابنه محمد السادس على العرش ودور البرلمان.
- عبد الله العروي:
من أجل فهم نمط تفكير الحسن الثاني، يجب الاهتمام بالجانب الآخر منتكوينه، الجانب التقليدي. ويتعلق الأمر بالعائلة، العلاقة مع الأم، آدابالمعاشرة، الخ. وهنا نكون أمام مستوى شعوري أعمق من مستوى التحليلالسياسي. نظريا، كان من الممكن إدخال عناصر تجديدية اعتمادا على الدستور.وعلى كل حال، فالملكية معرفة بكونها شعبية واجتماعية، وهكذا فإنه كان يكفيتوسيع معنى الكلمات. بدل أن يضمن انتقال العرش عبر بيعة الأسرة، الحكومةومجموعات مختلفة مثلما ظل هذا يحصل باستمرار، يمكن أن يتم ذلك من طرفالشعب ممثلا بالبرلمان. لقد مات الملك، لكن الدولة مستمرة. فمن يمثل هذهالاستمرارية خلال برهة وجيزة من الزمن؟ إنه الوزير الأول وهو يقف أمامممثلي الشعب المجتمعين. مات الملك، عاش الملك، ليس ثمة قطيعة إذن. هكذا،نغادر المنطق العائلي، الشريف، لنلج منطق الدولة. وهذا لا يمنع المراسمالخاصة في أوساط العائلة. أما الجانب العسكري في تنظيم الجنازة، فهو يبرزأننا ندفن القائد، المنظم.

- محمد الصغير جنجار:
فيما يتعلق بما تسميه «المنعطف التقليدي»، ألا تظن أن اعتماد قانونللأحوال الشخصية، في 1957 _ 1958، متخلف بجلاء عن الاختيار التونسيالمعتمد في نفس الحقبة، كان عملا دالا، علاوة على مباركة مختلف القوىالسياسية المغربية له، وأنه شكل، منذ ذاك، مؤشرا على هذا التوجه التقليدي؟
-عبد الله العروي:
لا يمكن الحكم على نظام، كيفما كان، بدون أخذ وضع المجتمع بعين الاعتبار.نصف قرن بعد الاستقلال، توفرنا على وزير أول من اليسار، رجل قانون يعرفجيدا المعاهدات والمواثيق التي وقعت عليها البلاد، والذي عليه، من ثمة،تطبيقها. ومع ذلك، فقد كان هذا الوزير الأول عاجزا عن تطبيق برنامجه.لماذا؟ بكل بساطة، لأن المجتمع المغربي ليس مستعدا، في الواقع، لقبول مبدأالمساواة بين الجنسين.
لماذا تونس؟ لأنها كانت تنتمي، مبدئيا، للإمبراطورية العثمانية، وكان يجب،أوتوماتيكيا، أن تطبق بها الإصلاحات التي اعتمدتها هذه الأخيرة. الحمايةالفرنسية هي التي أوقفت هذا العمل الإصلاحي. في 1955، كانت أغلبية النخبةالتونسية متشبعة بالتغيير.
كان بإمكان الحسن الثاني فرض الإصلاح، لكنه لم يكن مقتنعا بضرورته، بأنالوقت ملائم. ومرة أخرى، لم يكن هذا رأيه بمفرده. راجعوا نصوص علالالفاسي، وحتى المهدي بن بركة، وسترون أن مشكلة الأسرة لم تكن في نظرهمامستعجلة. وهو ذات الموقف الذي ساد، طويلا، في أوساط أحزاب اليسارالأوربية. الدفاع عن النساء لم يجد مجالا مناسبا إلا في البلدانالأنجلو-ساكسونية البروتستانتية.
- محمد العيادي:
حين تتحدث عن الانتقال من عهد محمد الخامس إلى عهد الحسن الثاني، نشعر أنكتعتقد أنه كان ثمة، مع الأول، نزوع تحديثي، إصلاحي، بالنسبة لزوجته نفسهاولابنته، الخ، وأن الحسن الثاني كان أقل عصرية، أقل إصلاحية من والده.
- عبد الله العروي:
هذا رأيي، وهو يعتمد على التجربة التي عشتها. وبدون تكرار ما سبق لي قوله،فإنه من اللازم توضيح نقطة تتعلق بظروف نهاية نظام الحماية. الوطنيونسقطوا في فخهم الذاتي. لقد طالبوا، طوال سنين، بالتطبيق الحرفي لمعاهدةالخزيرات التي هي الإطار القانوني الدولي الذي يندرج في إطاره عقد الحمايةلمارس 1912. إن إلغاء الثاني، يجعلنا في مواجهة الأول. والحال أن معاهدةالخزيرات تشير إلى سيادة السلطان، وليس إلى سيادة المغرب. هكذا، وجد محمدالخامس نفسه، في 1955، متوفرا على مجمل سلطات الحسن الأول. في تلك الفترة،لم يكن أحد واعيا بالأمر، باستثناء الحسن الثاني ربما.
لو كان الإنجليز محل الفرنسيين، لقالوا بدون شك: نعيد لكم السيادة، لكنشرط أن تُعملوا حالا مسلسلا تفوضونها عبره لممثلين منتخبين، مثلمافوضتموها لنا في الماضي. لم يفعل الفرنسيون هذا، فوجدنا نفسنا في نقطةالبداية. وفي 1958، استخلصت النتائج. طالما ليست هناك انتخابات، فلا حزبيمثل الشعب، إن العاهل هو الذي يجسد الإرادة الشعبية مثلما كان عليه الأمردائما. وهذا هو أصل الدستور الممنوح.
هو ذا المنحى الذي يجعلني أعتقد أن مرحلة محمد الخامس كانت انتقالية،مرحلة كان كل شيء ممكنا خلالها. مع الحسن الثاني، الرسالة صارت واضحة:هناك أغلبية سوسيولوجية وأنا أمثلها، وباسمها أحكم بلا شريك. ولما ستتغيرهذه الأغلبية، آنذاك سنتناقش. وكان يجب أن تمر ثلاثون سنة ليعترف بأنالتغيير حصل، وحينها قبل بتقاسم السلطة، ليس بتفويضها.
- محمد الطوزي:
أود العودة إلى مسألة مسلسل إحياء التقليد الذي قدمت توصيفا جيدا له. أليسمن الممكن، على المستوى المصطلحي، مقارنة فعل إحياء التقليد هذا، وهو فعلمفكر فيه بروية أحيانا، بتعبيره المنزلي «القاعدة»، إذ ثمة، في نفس الوقت،إجبارية عدم خرقها وضرورة تغييرها، وذلك عبر خطاب إيديولوجي مفاده عدمالتغيير. هل يمكن مقارنة هذه «القاعدة» مع مفهوم إحياء التقليد كما طبقتهعلى إنجلترا العهد الفيكتوري في القرن التاسع عشر؟
- عبد الله العروي:
الذي يجب معرفته، هو كيف يبنى التقليد. يتم تعريف التقليد، عامة، على أساسأفكار، لكن الجوهري هو المعيش، الموقف اليومي. الجميع يساهم في التقليد فيمجتمع مثل المغرب. لقد قدمت محاضرة حول التربية أمام أعضاء أكاديميةالمملكة الذين كانوا قد أمضوا خمس سنوات لمحاولة صياغة تعريف للتربية.قدمت ملاحظات مفادها أن التربية، بمعناها الواسع، تتم على عدة مستويات،وأن التربية المهيمنة في المغرب هي تلك المنبثقة من الزوايا. ومن الزاوية،انبسطت لتشمل الأسرة، الحرفة، المخزن، بل وحتى القبيلة. ويخلف هذا النموذجآثارا في السلوكات (تقبيل اليد)، المصطلحات المستعملة. فهناك الكلمات التييجب قولها في هذه الحالة أو تلك، الأمثال التي تؤثث بالضرورة الخطاب، الخ.هذا هو المسلسل الذي حاولت توصيفه في نصي «أن تكون مغربيا».
بدون هذا، لا يمكن شرح التشابهات السلوكية داخل جميع شرائح المجتمعالمغربي بمختلف لهجاتها. إن هذا التشابه ينجلي أكثر في حضرة الآخرين. قرأتمؤخرا كتاب المذكرات السياسية لميشيل روكار، وهو يصف ضمنه كيف كان يذهبإلى 115، شارع سان ميشيل، مقر جمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا، حيثكان يلتقي بأصدقاء جزائريين وتونسيين. والحال أننا، نحن الطلبة المغاربة،لم نكن نذهب هناك إلا نادرا، كنا نفضل المكوث مع بعضنا البعض، في شارعلاسيربونت.
هذه التربية المنتشرة هي التي تفسر، حسب اعتقادي، التقليدية العميقة فيمجتمعنا، وتشرح، إلى حد ما، نفَس الأسلمة الذي نلاحظه راهنا، وهو نفس لهخصوصيات حسب ما يبدو لي.
- محمد الطوزي:
من الواضح، في كتاب «المغرب والحسن الثاني»، أن هناك مجازفة كبيرة من طرفالمثقف إزاء كل هذه القضايا. وأضع بالتوازي هذه المجازفة مع صعوبةالمحافظة على وضع المثقف في هذا البلد واستحالة التموقع خارج المجموعة،ويحاول النص تجاوز هذا الوضع. إنك تشهد داخل المدينة، تشهد على علائقالبعض بالبعض الآخر. هل يستطيع المثقف، في هذا السياق ونظرا لوضع هذا النصالذي يتضمن شهادة، أن يصمد من خلال
هذا السعي، التأملي شيئا ما، والذي سبق لك أن تناولته في مؤلفاتك الأولىومنها «أزمة المثقفين العرب»؟ وهل هناك، ارتباطا مع هذا وفي سياق البناءالوطني غير المكتمل، علما أنك تطالب بوطنية المواطنين، هل هناك مكان، هامشلهذا التمرين في رحم ذات التوتر الذي سجلته بين الديموقراطية والوطن،الملكية والجمهورية، الفرد والجماعة؟
- عبد الله العروي:

أعرف، منذ وقت طويل، أن العجين التاريخي ليس لينا جدا. وإدراكي للواقع هوالذي أبعدني دائما عن الحساسية المتياسرة. في البداية، كان فكري يشمل كلالعالم العربي، بعدها ركزت دراساتي حول المغرب ولاحظت بجلاء أنه أكثرتقليدية مما كان يبدو لنا بعد الاستقلال. مما دفعني إلى الإقرار، كرها أوطوعا، بأن الحسن الثاني لم يكن، مقارنة مع الوطنيين، يخاطر. لقد كانهؤلاء، وخاصة الفعاليون مثل المهدي بن بركة، يعتقدون أن كل شيء رهينبالإرادة.
في ظل هذه الشروط، يتمثل دور المثقف في البقاء جد قريب من الواقع ومن ثمةالتذكير، دائما وأبدا، بالبديهيات. ليس عليه لعب هذه الورقة أو تلكللانتماء للأغلبية أو لحشد التصفيقات لصالحه أو للتسلق وظيفيا. في مجتمعحيث الفكر العلمي ليس مهيمنا تحديدا، وفي انتظار تشكل نخبة علمية كثيرةالعدد ومؤثرة، فمن واجبه هو (المثقف) التعبير عن سعة الموضوعي. تريدونبلوغ الهدف كذا، عليكم إذن سلك هذه الطريق وليس ثمة بديل آخر، هو ذا عمقخطابه، خطاب طبيب لمريض (والصورة هذه تابثة لدى المصلحين).
من السهل التعليق: لا تقدم شيئا جديدا، تطلب منا أن نقلد الآخرين، أننتخلى عن تقاليدنا، أن نمسخ هويتنا، أن نخون روحنا، وكل ذلك بدون ضماناتللنجاح. الرد قوي، وهو، على الخصوص، سهل الاستيعاب من طرف الحشود الأميةأو شبه المتعلمة، لكنه رد بلا تأثير في الواقع. ويآتي هذا الرد السلبي منقبل جزء من النخبة، المحبطة أو الباحثة عن مصالح. كان بعض الاقتصاديينيقولون، مدعمين بالأرقام، إن المركز لن يترك إطلاقا دول المحيط ترقى إلىمستواه، وإنه من الضروري قطع كل صلة بالسوق العالمية. من يتذكرهم اليوم؟لقد ظللت أعتقد، وذلك منذ حقبة الاتحاد السوفييتي، أن القطيعة مفهوم فارغ،أن الهدف الحقيقي للسياسة البولشفية (مكر التاريخ) هو تهيئ المجتمعلاقتصاد السوق، وأنه، بعد بلوغ هذا الهدف، سيتم التخلي على الاقتصادالموجه. كنت أستنتج هذه الخلاصة من الكتابات الماركسية نفسها، كما يبينذلك النص الذي كتبته في 1968 بطلب من اليونسكو بمناسبة إحيائها الذكرىالمائوية لصدور كتاب الرآسمال.
في ظل وضع متميز باختلاف جلي بين قيم ثقافية، اختلاف مآله غير محسوم، فيظل هذا الوضع يكون الموقف الشريف للمثقف، المتحرر من كل القيود، هوالتذكير بالمنطق الذي ينطوي عليه ذلك الوضع، أي تحديد عناصر تجاوز الأزمة.أما مسألة معرفة متى سيتكون ذلك ممكنا، بعد خمس أو عشرة سنوات أو خمسينسنة أو أبدا، فهو لايستطيع التنبؤ بها، إنه ليس مجبرا على تقمص دور العراف.
يمكن لقائل أن يقول: وإذا كنت في وضع الفاعل؟ إننا، في هذه الحالة، لانبقى أمام مثقف، بل مصلح. سبق وقلت إن الزعيم لا يمكنه شرعنة (تاريخياوليس سياسيا فقط) سلطته إلا إذا هيأ المجتمع للاستغناء عنه.
- محمد الصغير جنجار:
فيما يتعلق بما تسميه «المنعطف التقليدي»، ألا تظن أن اعتماد قانونللأحوال الشخصية، في 1957 _ 1958، متخلف بجلاء عن الاختيار التونسيالمعتمد في نفس الحقبة، كان عملا دالا، علاوة على مباركة مختلف القوىالسياسية المغربية له، وأنه شكل، منذ ذاك، مؤشرا على هذا التوجه التقليدي؟
-عبد الله العروي:
لا يمكن الحكم على نظام، كيفما كان، بدون أخذ وضع المجتمع بعين الاعتبار.نصف قرن بعد الاستقلال، توفرنا على وزير أول من اليسار، رجل قانون يعرفجيدا المعاهدات والمواثيق التي وقعت عليها البلاد، والذي عليه، من ثمة،تطبيقها. ومع ذلك، فقد كان هذا الوزير الأول عاجزا عن تطبيق برنامجه.لماذا؟ بكل بساطة، لأن المجتمع المغربي ليس مستعدا، في الواقع، لقبول مبدأالمساواة بين الجنسين.
لماذا تونس؟ لأنها كانت تنتمي، مبدئيا، للإمبراطورية العثمانية، وكان يجب،أوتوماتيكيا، أن تطبق بها الإصلاحات التي اعتمدتها هذه الأخيرة. الحمايةالفرنسية هي التي أوقفت هذا العمل الإصلاحي. في 1955، كانت أغلبية النخبةالتونسية متشبعة بالتغيير.
كان بإمكان الحسن الثاني فرض الإصلاح، لكنه لم يكن مقتنعا بضرورته، بأنالوقت ملائم. ومرة أخرى، لم يكن هذا رأيه بمفرده. راجعوا نصوص علالالفاسي، وحتى المهدي بن بركة، وسترون أن مشكلة الأسرة لم تكن في نظرهمامستعجلة. وهو ذات الموقف الذي ساد، طويلا، في أوساط أحزاب اليسارالأوربية. الدفاع عن النساء لم يجد مجالا مناسبا إلا في البلدانالأنجلو-ساكسونية البروتستانتية.
- محمد العيادي:

حين تتحدث عن الانتقال من عهد محمد الخامس إلى عهد الحسن الثاني، نشعر أنكتعتقد أنه كان ثمة، مع الأول، نزوع تحديثي، إصلاحي، بالنسبة لزوجته نفسهاولابنته، الخ، وأن الحسن الثاني كان أقل عصرية، أقل إصلاحية من والده.
- عبد الله العروي:
هذا رأيي، وهو يعتمد على التجربة التي عشتها. وبدون تكرار ما سبق لي قوله،فإنه من اللازم توضيح نقطة تتعلق بظروف نهاية نظام الحماية. الوطنيونسقطوا في فخهم الذاتي. لقد طالبوا، طوال سنين، بالتطبيق الحرفي لمعاهدةالخزيرات التي هي الإطار القانوني الدولي الذي يندرج في إطاره عقد الحمايةلمارس 1912. إن إلغاء الثاني، يجعلنا في مواجهة الأول. والحال أن معاهدةالخزيرات تشير إلى سيادة السلطان، وليس إلى سيادة المغرب. هكذا، وجد محمدالخامس نفسه، في 1955، متوفرا على مجمل سلطات الحسن الأول. في تلك الفترة،لم يكن أحد واعيا بالأمر، باستثناء الحسن الثاني ربما.
لو كان الإنجليز محل الفرنسيين، لقالوا بدون شك: نعيد لكم السيادة، لكنشرط أن تُعملوا حالا مسلسلا تفوضونها عبره لممثلين منتخبين، مثلمافوضتموها لنا في الماضي. لم يفعل الفرنسيون هذا، فوجدنا نفسنا في نقطةالبداية. وفي 1958، استخلصت النتائج. طالما ليست هناك انتخابات، فلا حزبيمثل الشعب، إن العاهل هو الذي يجسد الإرادة الشعبية مثلما كان عليه الأمردائما. وهذا هو أصل الدستور الممنوح.
هو ذا المنحى الذي يجعلني أعتقد أن مرحلة محمد الخامس كانت انتقالية،مرحلة كان كل شيء ممكنا خلالها. مع الحسن الثاني، الرسالة صارت واضحة:هناك أغلبية سوسيولوجية وأنا أمثلها، وباسمها أحكم بلا شريك. ولما ستتغيرهذه الأغلبية، آنذاك سنتناقش. وكان يجب أن تمر ثلاثون سنة ليعترف بأنالتغيير حصل، وحينها قبل بتقاسم السلطة، ليس بتفويضها.
- محمد الطوزي:
أود العودة إلى مسألة مسلسل إحياء التقليد الذي قدمت توصيفا جيدا له. أليسمن الممكن، على المستوى المصطلحي، مقارنة فعل إحياء التقليد هذا، وهو فعلمفكر فيه بروية أحيانا، بتعبيره المنزلي «القاعدة»، إذ ثمة، في نفس الوقت،إجبارية عدم خرقها وضرورة تغييرها، وذلك عبر خطاب إيديولوجي مفاده عدمالتغيير. هل يمكن مقارنة هذه «القاعدة» مع مفهوم إحياء التقليد كما طبقتهعلى إنجلترا العهد الفيكتوري في القرن التاسع عشر؟
- عبد الله العروي:
الذي يجب معرفته، هو كيف يبنى التقليد. يتم تعريف التقليد، عامة، على أساسأفكار، لكن الجوهري هو المعيش، الموقف اليومي. الجميع يساهم في التقليد فيمجتمع مثل المغرب. لقد قدمت محاضرة حول التربية أمام أعضاء أكاديميةالمملكة الذين كانوا قد أمضوا خمس سنوات لمحاولة صياغة تعريف للتربية.قدمت ملاحظات مفادها أن التربية، بمعناها الواسع، تتم على عدة مستويات،وأن التربية المهيمنة في المغرب هي تلك المنبثقة من الزوايا. ومن الزاوية،انبسطت لتشمل الأسرة، الحرفة، المخزن، بل وحتى القبيلة. ويخلف هذا النموذجآثارا في السلوكات (تقبيل اليد)، المصطلحات المستعملة. فهناك الكلمات التييجب قولها في هذه الحالة أو تلك، الأمثال التي تؤثث بالضرورة الخطاب، الخ.هذا هو المسلسل الذي حاولت توصيفه في نصي «أن تكون مغربيا».
بدون هذا، لا يمكن شرح التشابهات السلوكية داخل جميع شرائح المجتمعالمغربي بمختلف لهجاتها. إن هذا التشابه ينجلي أكثر في حضرة الآخرين. قرأتمؤخرا كتاب المذكرات السياسية لميشيل روكار، وهو يصف ضمنه كيف كان يذهبإلى 115، شارع سان ميشيل، مقر جمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا، حيثكان يلتقي بأصدقاء جزائريين وتونسيين. والحال أننا، نحن الطلبة المغاربة،لم نكن نذهب هناك إلا نادرا، كنا نفضل المكوث مع بعضنا البعض، في شارعلاسيربونت.
هذه التربية المنتشرة هي التي تفسر، حسب اعتقادي، التقليدية العميقة فيمجتمعنا، وتشرح، إلى حد ما، نفَس الأسلمة الذي نلاحظه راهنا، وهو نفس لهخصوصيات حسب ما يبدو لي.
- محمد الطوزي:

من الواضح، في كتاب «المغرب والحسن الثاني»، أن هناك مجازفة كبيرة من طرفالمثقف إزاء كل هذه القضايا. وأضع بالتوازي هذه المجازفة مع صعوبةالمحافظة على وضع المثقف في هذا البلد واستحالة التموقع خارج المجموعة،ويحاول النص تجاوز هذا الوضع. إنك تشهد داخل المدينة، تشهد على علائقالبعض بالبعض الآخر. هل يستطيع المثقف، في هذا السياق ونظرا لوضع هذا النصالذي يتضمن شهادة، أن يصمد من خلال
هذا السعي، التأملي شيئا ما، والذي سبق لك أن تناولته في مؤلفاتك الأولىومنها «أزمة المثقفين العرب»؟ وهل هناك، ارتباطا مع هذا وفي سياق البناءالوطني غير المكتمل، علما أنك تطالب بوطنية المواطنين، هل هناك مكان، هامشلهذا التمرين في رحم ذات التوتر الذي سجلته بين الديموقراطية والوطن،الملكية والجمهورية، الفرد والجماعة؟
- عبد الله العروي:
أعرف، منذ وقت طويل، أن العجين التاريخي ليس لينا جدا. وإدراكي للواقع هوالذي أبعدني دائما عن الحساسية المتياسرة. في البداية، كان فكري يشمل كلالعالم العربي، بعدها ركزت دراساتي حول المغرب ولاحظت بجلاء أنه أكثرتقليدية مما كان يبدو لنا بعد الاستقلال. مما دفعني إلى الإقرار، كرها أوطوعا، بأن الحسن الثاني لم يكن، مقارنة مع الوطنيين، يخاطر. لقد كانهؤلاء، وخاصة الفعاليون مثل المهدي بن بركة، يعتقدون أن كل شيء رهينبالإرادة.
في ظل هذه الشروط، يتمثل دور المثقف في البقاء جد قريب من الواقع ومن ثمةالتذكير، دائما وأبدا، بالبديهيات. ليس عليه لعب هذه الورقة أو تلكللانتماء للأغلبية أو لحشد التصفيقات لصالحه أو للتسلق وظيفيا. في مجتمعحيث الفكر العلمي ليس مهيمنا تحديدا، وفي انتظار تشكل نخبة علمية كثيرةالعدد ومؤثرة، فمن واجبه هو (المثقف) التعبير عن سعة الموضوعي. تريدونبلوغ الهدف كذا، عليكم إذن سلك هذه الطريق وليس ثمة بديل آخر، هو ذا عمقخطابه، خطاب طبيب لمريض (والصورة هذه تابثة لدى المصلحين).
من السهل التعليق: لا تقدم شيئا جديدا، تطلب منا أن نقلد الآخرين، أننتخلى عن تقاليدنا، أن نمسخ هويتنا، أن نخون روحنا، وكل ذلك بدون ضماناتللنجاح. الرد قوي، وهو، على الخصوص، سهل الاستيعاب من طرف الحشود الأميةأ
izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

نظرة مؤرخ للمغرب في عهد الحسن الثاني .. لقاء- مناقشة مع عبد الله العروي Empty نظرة مؤرخ للمغرب في عهد الحسن الثاني (2/2) : لقاء- مناقشة مع عبد الله العروي

مُساهمة من طرف said السبت 16 أكتوبر 2010 - 15:36

ننشر،ضمن هذا العدد، ترجمة الجزء الثاني والأخير من الحوار/ النقاش المطول الذيأجراه باحثون من هيئة تحرير مجلة «مقدمات» والذي تضمنه عدد المجلة الصارفي صيف 2006 (انظر عدد أول أمس الأربعاء من التحاد الاشتراكي)
وقد تمحور الحوار حول مرحلة الحسن الثاني، الوطنية، الديموقراطية،الدستور، إمارة المؤمنين، دور المثقف وعلاقته بالسلطة، توظيف التقليد،أوضاع النساء المغربيات والتربية.
وقد صدرت المجلة الحوار/ المناقشة هذا بافتتاحية مما جاء فيها:
«عبد الله العروي هو، وفق التعبير الجاري، مفكر غني عن التعريف، كما تدلعلى ذلك غزارة وتنوع إنتاجه، واتساق و عمق أطروحاته الفكرية، وكثرة ما كتبعنه (...).
«لقد اغتنمنا فرصة صدور كتابه الأخير «المغرب والحسن الثاني»، وإتمامعملية نشر مذكراته «خواطر الصباح» لنسعى إلى ملاقاته في حوار ـ مناقشةأردناه منصبا على الجوانب العملية. إذ حاولنا من خلال أسئلتنا أن نعرف بعضعناصر قراءة عبد الله العروي للتاريخ المغربي الراهن (1956 - 1999)، وكيفتلمس شخصيا، كمفكر وكمثقف وفاعل سياسي ملتزم، طريقه في متاهات زمن سياسيطبعته من بين ما طبعه المواجهات الدرامية والفرص الضائعة.
«قراءة عبد الله العروي لعهد الحسن الثاني وللتجربة السياسية المغربيةالمعاصرة بصفة عامة، تتميز، على غرار إنتاجه النظري، باستحضار متواصلللوقائع في تعقدها وتداخلها، مما يجعلها في قطيعة تامة مع النظرة المانويةوالدوغمائية الإيديولوجية. فقد شدت انتباهنا في حديث العروي عن التاريخوالسياسة وموقعه الذاتي كـ «متفرج ملتزم» (عبارة وصف بها آنفا المفكرالفرنسي ريمون آرون)، عناصر ثلاثة:
«- قراءة إرادوية للتاريخ كمسار منفتح يتحدد بأفكار واختيارات وأفعال البشر، وذلك بعيدا عن كل قدرية عمياء أو تأويل كلياني للتاريخ.
«- إصرار على إعمال العقل في وصف ومقارنة وتأويل الوقائع والأحداث،باعتباره الأداة المتوفرة للبشر لتنظيم وتأويل معيشهم. وهذه العقلانيةالنشطة باستمرار تجعل قراءة العروي للسياسة ـ عكس السائد في الحقل العربيـ أبعد ما تكون عن المقولات الأخفاقية (الخير والشر).
«- ويتمخض عن العنصر السابق انحياز عميق للواقعية في الفكر والفعلالسياسيين، وذلك ضد الطوباوية والرومانسية التي تؤثث الخطاب السياسي فيالمجال العربي ».
said
said
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

نظرة مؤرخ للمغرب في عهد الحسن الثاني .. لقاء- مناقشة مع عبد الله العروي Empty نظرة مؤرخ للمغرب في عهد الحسن الثاني ترجمة سعيد عاهد

مُساهمة من طرف said السبت 16 أكتوبر 2010 - 15:38

لقاء - مناقشة مع عبد الله العروي:
الحسن الثاني، الوطنية، الديمقراطية، الدستور، إمارة المؤمنين، انتقال العرش، دور المثقف ووضعية المرأة

محمد العيادي:
أليس لهذا تقول إن الندرة سند للمخزن؟

عبد الله العروي
إنها فكرة قديمة. لقد جرت العادة أن يقول الناس: «جَوّع كلبك يتبعك» أو«المجاعة هي الكتيبة الخامسة للسلطان». هذا ما نقرأه في جميع كتب السياسةالعمومية.
أما فيما يخص وظيفة المثقف، فيجب النظر إليها داخل هذا المحيط. لقد اتهمتلغة الخشب لأنها تسمح للمرء بالتملص من مسؤولياته. نقول ما يلزم أن يقال،لأن ذلك لا يتطلب، أولا، أي مجهود في لغة لا نتقنها، عربية كانت أوفرنسية، وثانيا لأن هذا يمَكّن المتكلم من إخفاء جهله، وهو جهل نلمسهيوميا على كل المستويات.

محمد العيادي:
ونحن ننصت إليك، تمتلكنا الرغبة في سؤالك إن لم يكن لديك نزوع ثقافوي شيئاما. تتحدث عن المغاربة بطريق يمكنها أن تحيل على نوع من الحتميةالثقافوية. من انبي، أفضل مقاربتك السابقة، أي تحميل المسؤولية للنخبة.

عبد الله العروي
المقاربتان لا تقصيان بعضهما البعض. وحينأتحدث عن التربية، فأنا أشير إلى الذين تتوفر لديهم، أي الذين وسمتَهمبالنخبة. هل هناك استقالة من طرفهم؟ من اللازم علي أن أدقق حكمي حول هذهالنقطة.
ليس نفور النخب من السياسة ظاهرة خاصة بالمغرب، بل صرنا نلاحظها في كلمكان بفعل تطور وسائل الإعلام. هناك، عندنا، نخبة جديدة مكونة من مهنيين،خبراء، لا تتوفر على ثقافة النخبة القديمة، أعني السابقة، وهي ذات نزوعإسلاموي لهذا السبب.
خلال مدة طويلة من الزمن، طالبت بإنجاز دراسة سوسيولوجية حول النخب. لكنندائي لم يجد صدى لأن المثقف، أو من يسم نفسه بهذه الصفة، لا يرغب في رؤيةنفسه في المرآة. وفي غياب مثل هذه الدراسة السوسيولوجية، يَبقى لي أن أعبرعن رأيي، بغض النظر عن قيمته، وهنا أصادف مجددا بعد الثقافة السائدة،التربية، الدور الاجتماعي، السكولوجية، التأسلية (العودة إلى طباع الأسلافالتي ابتعدت عنها الأجيال السالفة _ م). كيف تريدون أن أفسر بشكل آخر هذاالكتوم حيال البديهيات. فضلا على أنني لست أعمى، فأنا أبصر كيف يعيشالمثقف المغربي يوما بعد يوم، أنا لا أحكم عليه من خلال خطابه، بل من خلالسلوكه.

توظيف التقليد وأوضاع النساء المغربيات

ف. العسولي:
إذا فهمت جيدا، فإنه لم يكن باستطاعة المغرب التوفر على مدونة للأحوالالشخصية مثل المدونة التونسية بسبب تقليديته السوسيو-ثقافية العميقة.أتساءل إن لم يكن الأمر يتعلق باختيار سياسي قررته النخبة الحاكمة أكثرمما هو نتيجة لمقاومة ثقافية من طرف المجتمع نفسه.

عبد الله العروي:
كنت من بين الأوائل الذين تحدثوا عن توظيف التقليد، وموقفي الحالي له هدفبيداغوجي. هل السياسة المتبعة لتلبة مطالب المرأة هي السياسة الجيدة فيالأمد البعيد؟ هذا هو السؤال الذي أطرحه على نفسي بصدق.
يكمن أول واجب لرئيس دولة في ضمان الأمن الاجتماعي. ولا يمكن أن ننتقدهلاستعماله التقليد لدعم نظامه، لأن هذه هي السياسة. وإذا أردناه أن يقومبإصلاحات يمكنها، نظرا لطبيعتها، تزعزع توازن المجتمع، فمن اللازم أن يخضعلضغوطات كبيرة. وهي ضغوطات تأتي، حاليا، من الخارج، من المنظمات الدولية،وهو ما كان منعدما في المرحلة التي نتحدث عنها. يبقى مواجه السلطة، النخبةالسياسية، ماذا عنها؟ إنه السؤال الذي أطرحه، وبشكل مشروع حسب ما يبدو لي.هل كانت النخبة السياسية في تلك المرحلة تمتلك ما يكفي من الثقة في قيمالحداثة لاعتمادها كبرنامج وفرض هذا البرنامج؟ خذوا جميع برامج أحزاب تلكالحقبة، حتى أكثرها تقدمية، وستلاحظون أن إصلاحات المجتمع لم تكن على رأسأولوياتها. كان من واجبي، كمؤرخ، أن أذكر بالسياق. لم يكن الحسن الثانيمنفتحا بما فيه الكفاية على مثل هذه الإصلاحات، وهذا ما أكدته، لم يكنكذلك فحسب بفعل معتقدات إيديولوجية أو شخصية أو سياسية بديهية، بل أيضالأنه لم يجد في مواجهته رجالا مقتنعين بضرورة تطبيق هذه الإصلاحات.
ونحن نسجل، من جهة، ضعف الخندق الذي كان بإمكاننا توقع موقف إصلاحي واضحمن قبله، فإننا نجد في المقابل، من جهة أخرى، خندقا مناهضا للإصلاح جدحاضر، وخاصة في مجال مدونة الأسرة التي يجب التذكير بأن السلطات الفرنسيةلم تغيرها. التقنين في حد ذاته كان يطرح مشكلة، كان يعتبر بدعة من طرفالعلماء. كان علال الفاسي يبرر موقفه المعتدل قائلا إن دفع زملائه لقبولمشروع المدونة يفرض عليه الركون للحلول التقليدية للمذهب المالكي. منالمؤكد، إذن، أن مناخ تلك المرحلة لم يكن مواتيا إطلاقا للإصلاح.
هذا ما يدفعني إلى القول إن المشكلة الحقيقية، على هذا المستوى، ليست ذاتطبيعة سياسية، بل ثقافية. من الواجب تنظيم حملة توجيهية فعلية هدفها إقناعالناس بأن مسألة المساواة بين الرجل والمرأة شرط ضروري لتحسين الحياةاليومية للجميع. وإذا ما خسر الرجال في المدى القريب، فإنهم سيكونونرابحين في المدى البعيد. ولا يمكن أن يقوم العلماء بهذا العمل التفسيري،إذ ليست لهم مصلحة في ذلك حتى لو افترضنا جدلا توفرهم على قدرة القيام به.المطلوب هو طرح السؤال التالي على الباحثين الاجتماعيين والاقتصاديين،والمربين، الخ: هل وضعية المرأة في مجتمعنا سبب أساسي في التخلف أم لا؟ويمكنهم طبعا أن يجيبوا سلبيا لأن الكثير من الأنثروبولوجيين يفعلون ذلك.وفي حالة حصول الأمر، سننتقل إلى قضية أخرمثلما فعل أسلافنا. لكن، وفيحالة الجواب إيجابيا، فسنتوجه إلى رجال القانون ليجدوا لنا الحجج، الحلولالقانونية (في قضايا الإرث على سبيل المثال). وفي آخر المطاف فقط، سنطلبمن العلماء البحث عن توافق مع الله. لا شيء من كل هذا مستحيل إذا ما قمنابمجهود على مستوى الخيال، لكن هذا الإعمال للخيال ليس هو نقطة قوتنا.
يتطلب الأمر نقاشا ينكب على التفاصيل، نقاش سيساعد في حد ذاته على تربيةالرأي العام. لكن هذه السبيل ليست هي التي تم اعتمادها، إذ تم تفضيلالتوجه مباشرة إلى «ممثل الله في الأرض». ومن ثمة، فإنه من الضروري أنيطرح الحل المقترح مشكلا، وبالضبط لأنه منبعث من فوق. لقد أضعنا فرصةتربية الشعب. ولتدارك الأمر، يتم شرح نص تم اعتماده، ألم يكن من الواجب أنيكون الشرح قبليا؟

ولا يتمثل الحاجز في توظيف التقليدفحسب، بل في التقليد نفسه. التقليد هوما يجب محاربته، ولكنه من الضروري، قبل ذلك، معرفته وخاصة التعرف عليه.

مفارقة مغربية: الديموقراطية
وحماية الدولة

س. المستاري:
أريد، بارتباط مع طقوس وفاة الحسن الثاني التي صدمتك على كثير منالمستويات، التوقف أولا عند مفهومي القدر والرؤية إلى العالم المهمين،واللذين بينتهما لدى المغاربة سواء كانوا من سوس، طنجة أو من جهات أخرى منالمغرب. يمكننا، على سبيل التندر، أن نسأل المغاربة، بمختلف انتماءاتهم،عن مدى استعدادهم للتبرع بأعضائهم بعد الوفاة لصالح العلم مثلا، أو لإحراقجثتهم. حينها ستكشف الأجوبة عن مجمل البعد الذهني والفكري للوعي الجماعي،ومن ثمة الوعي اللاهوتي-الميتافيزيقي الذي يجسد، إلى حد بعيد، معطى أساسيامن المتعذر مسه، معطى سيعمر عشريات أخرى بدون شك.
ثمة جانب في كتابك لم يشف غليلي. كنت أنتظر أن أجد، بين دفتي هذا الكتاب،تمديدا، وضع الأحداث في أبعادها، لكنني أظن أن العاهل الراحل قد تمتتبرئته من الكثير من الأشياء. نشعر كأننا، من جهة، أمام لعنة تطال المغربيالذي يتصرف مثل فلاح روسي في العهد القيصري: قدري، صالح للسخرة والاستغلالإلى أبعد الحدود، وهو شيء صحيح إلى حد ما، ومن جهة ثانية في حضرة تطرفديني لا يمكن غض الطرف عنه. إن التطرف تولد، فضلا عن ذلك، في ظل ظروفأخرى، شروط أخرى وفي دول عربية إسلامية أخرى، وقد ساهم العاهل الراحل فينموه عبر ازدواجية تمثل بدعة في رأيي. الأمر يتعلق بالازدواجية الكامنة فيإرادة أن يكون الإنسان عصريا وتقليديا في نفس الحين، وهو زيغان يمس البناءالذهني والرؤية للعالم. إن الحداثة، تحديدا، مرحلة متسامية تقضم مجموعالجوهر التقليدي الذي تتأسس عليه الروحانيات، الخ. ليس من الممكن إذن أنيكون المرء حداثيا وتقليديا في الوقت نفسه. والحال أن الحداثة أصبحت اليومشعارا مشتركا، في الآن ذاته، بين الليبراليين واليساريين، والإسلامينأنصار الشرعية والملكية. إذن نحن اليوم، في إطارما يشبه راية الحداثةوالتقليد، أمام ازدواجية جديدة، وأعتقد أنه ما لم تحدث قطيعة صدامية علىمستوى التربية والثقافة، وفي النهاية على مستوى السياسة، وبالبقاء في هذهالازدواجية، لا يمكن أن ننتظر شيئاً.

ع. العروي:
إجمالا لخصتم أطروحتي، حاولت أن أكون موضوعياً فيكتابي، لأنه كان هناك هدف بيداغوجي تجاه الشباب. الحسن الثاني قال لهم:مارسوا الأعمال، لا تمارسوا السياسة. كان معه الحق في ذلك بالنظر للظروف.لقد اتبعوا النصيحة وحقق الكثير منهم نجاحاً باهراً في داخل وخارج البلاد.لا يمكن لأحد أن يلومهم، ولكن النتيجة كانت هي إخلاء المجال السياسي، ولميتم تجديده واقتحمه من هم أقل كفاءة. كان بإمكان آخرين تجديده، كانت لهمالقدرة على ذلك، لكن تم تضليلهم، وأزِن جيداً كلماتي. فهم يعترفون بذلكاليوم من خلال ممارساتهم إن لم يكن من خلال خطاباتهم. القضية مرة أخرى،قضية تربية، لا يمكن أن نسب الماضي الذاتي. وبما أنه كان هناك الكثير منالمسكوت عنه، أحسست أنه من واجبي التذكير بمناخ تلك الفترة.
أخذوا علي أنني أهملت خروقات حقوق الإنسان، تحدث عنها في «خواطر الصباح»،وفي الكتاب عن الحسن الثاني، لم أكن أريد إعادة كتابة التاريخ، ولكن كنتأريد الحديث عن الأحداث، كما عشتها، انطلاقا من 1975، لم يكن لي سوىانشغال واحد، هو الصحراء. لست في حاجة للاعتذار عن ذلك، على العكس. إذاكان البعض قد استعمل المشكل للانتقام من خصومهم، فأنا أقبل ذلك. ويبقى أنالمُعَاش يطرح إشكالية، فعندما يكون لديك اقتناع بأن المصلحة الوطنية فيخطر، تقومون بالاختيار وتتشبثون به، أعتقد أن هذه كانت وضعية بوعبيد الذيكان ديمقراطيا ووطنياً حتى النخاع.
أريد أن أذهب أبعد من ذلك، وهذا ما يعطي لكتابي نبرة خاصة فهو يعبر عنإحساس بالإحباط، فمنذ بداية القرن 19، لم نعرف كيف نزاوج بين الديمقراطيةوالدفاع عن الدولة. فالتاريخ والجغرافيا أجبرتنا في كل مرة على القيامباختيار صعب. التاريخ هو فشل الإصلاحات، والجغرافيا هي Insularité. ولاأعتقد أن هذا التناقض سينتهي عما قريب. فعندما يكون مصير الأمة في خطر،فإن اليسار هو المجبر على تقديم تنازلات. والذين اتهموني باستعمال الوطنيةكذريعة يحكمون على مقاسهم.

حسن رشيق:
أعجبني كثيراً المقطع الذي خصصتموه للخدمة وللسخرة.وكيف ربطتم ذلك بالمسؤولية الفكرية في تحمل المفارقة، وهنا أنقل ما قلتم«المفارقة الإرادية بشكل أو بآخر».

ع. العروي:
نتحدث اليوم ببساطة عن عبد الرحيم بوعبيد. لايمكنكم أن تتصوروا الإحباط البسيكولوجي الذي كان يعيشه. أن تفهم وضعية، هوأن تكون قادراً على إعطاء رداء للمعيش. بوعبيد كان رجلا بحساسية كبيرة.لقد عاش الوضعية كمأساة دائمة.

المثقف والسلطة

ح. رشيق:
أعود الى سؤالي، هناك سلسلة من العناصر التي تشير الى المواقف أو المبادئالتي يجب على المثقف أو الباحث احترامها. أذكر بعضها مثل عدم القيامبالخطوة الأولى نحو الحاكمين، عدم الارتكاز على الخارج للضغط على النظامالقائم مهما كانت هذه السلطة، عدم التقرب من الملك... تشرحون هذا بكثير منالتردد. ولاستكمال هذه الصورة، أريد طرح بعض الأسئلة وأتمنى ألا تكونمزعجة: هل قبلتم القيام ببعض المهام من الملك وليس من الزعيم؟ هل كنتمستقبلون مهام من طرف الملك ـ الزعيم؟ هل كنتم ستقبلون أن تكون مستشاراًلأسباب داخلية وليس لأسباب وطنية؟

ع. العروي:
أجيبكم بكل صدق. المسألة لم تطرح أبداً، وما كانتلتطرح. فيما يخص السياسة الداخلية، لم يكن الحسن الثاني في حاجة لمستشار،و لم يتوفر على مستشار قط في حقيقة الأمر. كثيرا ما أخطأنا حول التأثيرالحقيقي رجل مثل اگديرة. إن سياسة الحسن الثاني كانت، في حقيقة الأمر، منصياغته. كانت له نقاشات مطولة مع رجال كانوا يتقاسمونه نفس حساسيته، رجالمثل هنري كيسينجر، المنظر لسياسة علي منوال ميترنيخ. وثمة من استمر، علىما يبدو، في الترويج لكوني كنت مستشارا له. إنهم يشرفونني كثيرا بهذا،لكنهم يجهلون أنه لا وجود لمستشار سري. المستشارون يعينون بظهير ينشر فيالجريدة الرسمية، وهي الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها الحصول علىراتب متواصل.
كان الحسن الثاني يحب أن نتحدث إليه حول المالية، الفلاحة والطب، لكن ليسالسوسيولوجبا أو الانثروبولوجيا والعلوم السياسية. وبالنسبة إليه، فابنخلدون سفيه، رجل يميط اللثام عن أسرار الحرفة، بينما السياسة تنبني علىالمسكوت عنه، وبشكل أقوى على غير المكتوب. والمفكر تحديدا، في نظره، غيرأهل للفعل السياسي، وهي وجهة نظر تستحق المناقشة.
لقد التقيته أربع أو خمس مرات. طلب لقائي لسببين. كان يعتقد خطأ، أنه كانتلدي علاقات شخصية بالقدافي، وكان يظن أنني سأجد الخطاب المناسب للتحدث إلىرجال اليسار الأوروبيين. والواقع أن الأمر كان يتعلق بمسألة أساسيةبالنسبة لي، والتي يمكنني أن أكون مقنعا بشكل طبيعي حولها.
ما لم يتمكن الكثيرون من فهمه في تلك المرحلة (1975)، أو يودون تناسيهاليوم، هو أن اليسار الوطني كان يعتقد أنه استقطب الحسن الثاني لوجهةنظره. وكان هذا رأيي. لم يكن الأمر محسوما مسبقا بالنظر إلى طريقة تفكيره(الحسن الثاني)، وكذا مصالحه، إلخ. وهو ما أدرجه الجزائريون و أصدقاؤهمالأوروبيون في حساباتهم. الكثيرون، في الداخل والخارج، نصحوه باتخاذالحيطة والحذر. لكن الأمر انتهى به، في آخر دقيقة، إلى اعتماد نفس اختيارالوطنيين، وإن كان قد فعل ذلك لأسباب مختلفة عن أسبابهم.
بعد ذلك، اتخذ المشكل بعدا آخر تجاوز إمكانيات المغرب بكثير. حينها، لميعد بإمكان اليسار فعل شئ لصالحه (الحسن الثاني). وكان كل ما بمقدوراليسار القيام به هو أن يظل وفيا للميثاق الضمني الذي يربطه به. من جدالمشرف لرجل مثل بوعبيدأنه لم يتنكر لوعده الذي قطعه على نفسه، حتى لماكانت لديه أسباب تدعوه للاعتقاد أن الحسن الثاني لم يلتزم بوعده.

التربية عامل حاسم

محمد العيادي:
لا نعثر على مفهوم التاريخانية في كتابك، فقد تم استبداله بمفاهيم الاقتصاد السياسي
والليبرالية. هل يتعلق الأمر بمصطلحات ذات نفس الدلالة؟ هل سبيل الحداثة هو الليبرالية؟

عبد الله العروي:
كنت أود أن يكون لي نقاش معمق معالاقتصاديين، حول الفصل الذي خصصته للسياسة الاقتصادية. وأعتقد انهميهملون، في كثير من الأحيان، الجانب النفسي للمغربي كمستهلك، مقاول أوموفر، الخ..
تاريخانيتي تتجلى، هنا، من خلال الأهمية الكبيرة التي آليتها للتربيةالاقتصادية. إنها فكرة أدافع عنها منذ سنوات، و قد عثرت عليها ثانية مطورةضمن كتاب ذكريات ميشيل روكار الذي ألمحت إليه. وحسب الكتاب، فسبب انحساراتالمجتمع الفرنسي يكمن في ضعف المعارف الاقتصادية على مستوى التعليمالإعدادي. طالما لا نشرح لتلاميذ هذا المستوى الدراسي مصدر الثراء، وطالماالاقتصاد السياسي ليس جزءا أساسيا ضمن منظومة التربية المدنية، لن يحصلهناك تحول في عقلية الأشخاص. فهم ما يزالون يؤمنون بالهبة السماوية. أتصفحكتابا تربويا موجها لتلاميذ يتراوح عمرهم بين 13 و14 سنة، فماذا أقرأ فيالصفحة الأولى من الفصل الأول: ما هو الغيب؟ (السؤال الفلسفي المتعذرتمييزه)... وهو نفس الطفل الذي سيقول له أستاذ الكمياء إن الماء يتكون،بالضرورة، حينما نمزج كميات محددة من الأوكسيجين والهيدروجين، والطفل ذاتهسيسمع في المساء، من خلال التلفاز، أن جو الغد سيكون صحوا أو ممطرا، الخ.ففي أي عالم يتم إعداد هذا الطفل للعيش فيه؟ في عالم اللامتوقع أو عالمالسببية؟ كيف يمكن لمثل هذا الطفل أن يكون واثقا من نفسه وحاسما؟ ومع ذلك،فخلال السنوات الخمسة عشرة الأخيرة، كان وزراء التربية جميعا من رجالاتاليسار. ألم تتح لهم الفرصة ليلقوا نظرة على الكتب المدرسية؟ (الحاضرونيشيرون إلى أن المسألة تم تداولها إعلاميا). إننا نعد رجالا بدهنية مجزأة.
لقد شكل نوع من الإهمال على المستوى الثقافي سببا في انتشار المدالإسلاموي، وذلك ليس في المغرب بمفرده، وحالة مصر عبد الناصر من بينالعوامل التي دفعتني إلى كتابة «الإيديولوجيا العربية المعاصرة». وبعدأربعين سنة، ها نحن نجد أنفسنا في ذات الوضعية. هناك رجال ما يزالونينادون بالاصطفائية، وينادون بإمكانية المزاوجة ما بين الحداثة والتقليدكما لو أن هذا ممكن. إن الحداثة، حينما لا يتم التشبع بها بشكل كامل، لايمكنها إلا أن تعمق التقليد. نحن نشاهد هذا يوميا على شاشات التلفزيون. إننوعا من الاستقطاب الجدي والواضح، هو بدون شكل ضروري.

10/15/2010

الاتحاد الاشتراكي
said
said
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى