عشت مع «ألبير كامو» أهواء طائشة.. وجسدت الجزائر شغفنا ومرضنا المشترك
صفحة 1 من اصل 1
عشت مع «ألبير كامو» أهواء طائشة.. وجسدت الجزائر شغفنا ومرضنا المشترك
البير كامو
عشت مع «ألبير كامو» أهواء طائشة.. وجسدت الجزائر شغفنا ومرضنا المشترك
مع جان دانييل(1)، مؤسس المجلة الفرنسية Le Nouvel Observateur
(جان دانييل Jean Daniel)، كاتب، مؤسس مجلة : Nouvel
Observateur وصاحب افتتاحيات، يتكلم في عمله الأخير عن (ألبير كامو Albert
Camus)، لكن الصداقة التي نسجها الرجلان، انفصمت عراها جراء اختلافهما
بخصوص مسألة استقلال الجزائر.
جان دانييل
< بعد انقضاء خمسين سنة على رحليه، ماذا تريدون تبليغه إلى الشباب، بخصوص ألبير كامو ؟
> ما نادى به كامو، نفسه، أي الحاجة إلى فكر ثاقب يشتغل بناء على
تجلياته القصوى، لا يهدد في أي شيء عشق الحياة. بين الشمس والموت، يكمن ما
سماه ب «قوة الحياة». مع ذلك، لا يحتاج الشباب إلى أي شخص، كي يعبروا عن
وفائهم ل (كامو)، لأنهم لم يتوقفوا قط عن ذلك. روايته (الغريب- L
étranger) قُرئت أكثر خلال الحقبة المُخزية، عندما انقسم أغلبية المثقفين
الفرنسيين بين التواطؤ والاستخفاف. تحقق التعويض أولا مع جائزة نوبل، ثم
راهنا من خلال الفكرة ـ على الرغم من عبثيتها ـ الداعية إلى تحويل رُفاته
نحو مدفن عظماء الأمة، فهي واقعة هائلة و مذهلة حقا.
< وماذا عن مُؤلفه الآخر ( السقوط- La chute )؟
>
إنه عمل مدهش، أحبه كثيرا. لقد كان سارتر على حق، فلا شخص بوسعه الخروج
منه سليما. وفي كل الأحوال، سواء البطل أو الكاتب. فذلك المحامي، يسخر من
ذاته، معترفا بكونه لم يبذل قصارى جهده كي ينقذ امرأة تغرق، مؤكدا أيضا
عجزه عن القيام بذلك مهما حدث. لكنه، لم يخطر على باله تحويل حسرته إلى
اتهام. من المفترض، أن هذا «القاضي النادم»، يُبلّغ عن دجل المثقفين
الباريسيين. لن نفهم أي شيء في نص «La chute» إذا لم ندرك بأن الكاتب يتهم
ذاته ويلتف حولها، كما يقول مونتين Montaigne ثم يتمحور نفسيا. التضليل
يسكن الجميع، بمن فيهم (كامو) نفسه، إنه وضع إنساني. يجب أن نتذكر، السياق
الذي كتب في إطاره كامو، روايته، فقد جاء بعد المحاولة الانتحارية التي
أقدمت عليها زوجته.
< في كتابكم الجديد، الذي يحمل عنوان : [les miens]، تركزون على المرض ؟
>
ذلك مهم جدا، لأن الأمر يتعلق ب «قوة الحياة». عانى (كامو) بقسوة من داء
السل، حيث أحس طيلة حياته، كأنه في حالة نقاهة. تمثلت وضعه هذا جيدا، لأني
عشت الحالة ذاتها منذ أن تعرضت لإصابة سنة 1961 بمدينة (بنزرت)، إلى جانب
أمراض أخرى. لقد ولد (كامو) مشعا، ثمل بإيمان هو في الآن ذاته ملحد، ثم
مستند أيضا على مبدأ وحدة الوجود، لكن عدوانية مرض السل الذي لازمه طويلا،
أشعل شرارة معركة أنهكت (كامو)، إنه باستمرار، بين السماء والأرض.
< لقد عاشرتم (كامو)، لكن أليس بالأحرى أندريه جيد- Gide، هو الذي صاغ تفكيركم ؟
>
بالتأكيد، في البداية. أختي الكبرى، والتي كان فارق العمر يصل بيننا إلى
خمس وعشرين سنة ـ كنا إحدى عشرة إخوة ـ اعتُبرت بمثابة مثقفة الأسرة،
والوحيدة في (البليدة Blida) التي تصلها أعداد «المجلة الفرنسية الجديدة»
NRF. وبالتالي، توفرت على مجموعة كتب. ذات يوم، وأنا في سن الرابعة عشرة،
تناولت جريدة (جيد Gide) ووقع بصري على الجملة التالية : ((إذا لزم الأمر
التضحية بحياتي في سبيل نجاح هذا المشروع العظيم المسمى الاتحاد
السوفياتي، فإنني سأفعل ذلك للتو))، لم أكن متسيسا، وأعرف بالكاد موقع
الاتحاد السوفياتي، لذلك انتبهت إلى هذا البلد الذي يستحق أن يقال عنه هذا
الكلام. غير، أنني سرعان ما تحولت عن هذا المسار، مقتفيا أيضا خطى (جيد
Gide ) في رفضه. لقد صار، الرجل مرجعية لي. كما أن الوقوف على مضامين عمله
:
«Les nourritures terrestres» والذي يجري جزء من أحداثه بمدينة
(البليدة)، شكل لحظة تثقيفية بامتياز. أما، مع كتابه الآخر(سفر الى
الكونغو
Voyage au congo )، فقد استقيت أولى ميولي المناهضة
للاستعمار. غير أنني، أنتمي إلى جيل رفض الاختيار بين الأدب والفلسفة ثم
الالتزام السياسي والصحافي. وجدنا أمامنا، أبطالا استطاعوا تحقيق هذا
المسار الثلاثي أمثال : همنغواي، دوس باسوس ومالرو. خلال، كل حياتي، حاولت
الوفاء لتلك الحقول الثلاثة. تتويجي بجائزة «Prince des Asturies»، مثّّل
لي، اعترافا بهذا الاشتغال.
< لكن لماذا التتلمذ على جيد Gide، بينما ارتبطتم مطلقا ب كامو ؟
> أولا، ليس ثمة تعارض قط. بل على العكس من ذلك، حتى ولو أن جنسانية
(أندريه جيد Gide)، بعيدة عن دونجوانية كامو. أيضا، الصلات ليست من نفس
الطبيعة. لم، تتوفر لدي أية فرصة للالتقاء ب (جيد Gide). لكن، بصحبة كامو،
عشنا معا أهواء طائشة، أتذكر مثلا ولعنا بالرقص. ولا تنسوا خاصة الجزائر،
التي جسدت شغفنا ومرضنا المشترك. حينما، قدمت إلى باريس من أجل الدراسة،
كان الشباب آنذاك متعلقا بمجموعة رموز كبيرة مثل : مالرو، سارتر، كامو.
بالنسبة إليّ، فكامو، بمثابة أحد أقربائي، سحرت بهذا الفاتن منذ اللحظة
الأولى. اهتديت معه، إلى دلالة المقدس والعجز عن الإيمان به ثم مفهوم
التراجيديا والنزوع القوي إلى السعادة. لقد احتضن مجلة : «Caliban» التي
أشرفت عليها ونشر بين صفحاتها ثلاث مقالات ثمينة، واحدة عن لوي غيو Louis
Gailloux وصعوبة الحديث عن البؤس بمعنى آخر «غير معرفة علته». (كامو)، هو
من دفعني إلى كتابة أولى أعمالي، المعنون ب : (الخطأ- L erreur)، الصادر
عن منشورات غاليمار، ضمن السلسلة التي أشرف عليها. تقاسمت مع (كامو)،
لحظات كثيرة حميمية ومفعمة بالحماس، بين سنوات 1947 -1957. اشتركت معه
اهتمامه بالسيد مانديس فرانس Mandès France، وهو الشخصية السياسية الوحيدة
التي أضمر لها (كامو) مشاعر المحبة بل والإعجاب.
أما، عن اختلافي مع
(كامو) في كيفية تقييم التراجيديا الجزائرية، فقد خلق لديّ وضعا مؤلما.
بعد حصوله على نوبل، توصلت منه برسالة قصيرة، انتهت بهاته الجملة :
((المهم، نحن الاثنان نتألم نفسيا)).
< منبركم «Le nouvel observateur» دافع كثيرا عن سارتر. أي موقع اتخذتموه، بخصوص المواجهة بين كامو وسارتر ؟
>
تعود المجابهة إلى حقبة كتاب كامو : [L homme révolté]. كنت، متشبعا بفكر
(كامو) إلى أقصى حد، وأنا كذلك دائما. أتوخى اليوم، أن أطبق ضد الديانات
المتحولة إلى إيديولوجيات، الأطروحات التي التمسها في صراعه مع
الإيديولوجيات حينما تنقلب إلى ديانة. لحظة وفاة (كامو)، تواجدت بتونس من
أجل إنجاز أحد التحقيقات الصحافية. وما إن فتحت مجلة «فرانس أوبسرفاتور»
الصيغة الأولى ل»نوفيل أوبسرفاتور»، قفز إلى بصري التأبين المأتمي الرائع
الذي صاغه سارتر. خطاب، يعطينا إمكانية قراءته في الوقت الحالي. لم، يكن
فقط مؤثرا، بل تضمن كذلك استفسارا جديدا، حول معطيات جزء من الفلسفة
السارترية : الانفتاح الإنساني هنا متوتر. لذا، حينما تم تشكيل هيأة تحرير
(نوفيل أوبسرفاتور)، توجهت للالتقاء بسارتر، فقال لي : ((يسرني أن أستعيد
معكم النقاش حول العنف، والذي توقف بيني وكامو)). لقد، حافظت دائما على
صلتي بسارتر، وكان حاضرا باستمرار في الجريدة عبر مقالات وحوارات.
< ألا يساوركم الندم، لأنكم نشرتم آخر حوارات سارتر، والذي أجراه مع «Benny Lévy» وهو موقف أثار جدلا ؟
>
لا أشعر بأي حسرة، بلغ سارتر حينها سنا متقدما، بالتالي فالرجل منهك، ثم
بلا شك كان تحت تأثير Benny Lévy, حصلت على نسخة أولى من الحوار، لكنها
تميزت برداءتها شكلا ومضمونا، بالتالي لم نتردد في رفضها. بعد شهر، وصل نص
آخر، دائما يثير الحيرة. لكنه متماسك، إنه لسارتر حسب تقييم أعضاء هيئة
التحرير السارتريين. استدعتني (سيمون دوبو فوار) بحنق، وطلبت مني عدم
إخراج هذا الحوار إلى القارئ. بعد ذلك، تلقيت مكالمة هاتفية من سارتر، كي
يبيّن لي، بصوت أرنّ، دقيق ومتماسك بذكاء، اعتقاده المطلق بما يقوم به،
وأن تطور فكره حتى في صيغته اليهودية المعتدلة، لا يمكنه بأي شكل أن يمارس
خيانة في حق ذاته. ثم، أصدرنا الحوار.
< حينما تتحدثون اليوم عن الشيخوخة، تقولون انها إبعاد وحرية في الآن ذاته ...؟
>
الاستبعاد هو اللحظة التي يتكلمون فيها أمامك كما لو أنك لست هنا، عن
موضوعات تعرفها أفضل من الذين يستحضرونها. كما لو فجأة أصبحت شخصا آخر
وفقدت مشروعية ما. قد تستسلم، لهذا الاستبعاد المقزّز وتدعي بأنك التجأت
إلى عالم آخر كي تجد صفاء الاعتزال أو ببساطة الانسحاب، أرفض هذا الوضع.
ولأني أعيش بزخم كل لحظة كما ولو هي الأخيرة، فقد أمدني ذلك بحرية تسعدني.
تذكٌّر، (فرانسوا مورياك François Mauriac)، يجعل هاته اللحظات لذيذة.
> ما نادى به كامو، نفسه، أي الحاجة إلى فكر ثاقب يشتغل بناء على
تجلياته القصوى، لا يهدد في أي شيء عشق الحياة. بين الشمس والموت، يكمن ما
سماه ب «قوة الحياة». مع ذلك، لا يحتاج الشباب إلى أي شخص، كي يعبروا عن
وفائهم ل (كامو)، لأنهم لم يتوقفوا قط عن ذلك. روايته (الغريب- L
étranger) قُرئت أكثر خلال الحقبة المُخزية، عندما انقسم أغلبية المثقفين
الفرنسيين بين التواطؤ والاستخفاف. تحقق التعويض أولا مع جائزة نوبل، ثم
راهنا من خلال الفكرة ـ على الرغم من عبثيتها ـ الداعية إلى تحويل رُفاته
نحو مدفن عظماء الأمة، فهي واقعة هائلة و مذهلة حقا.
< وماذا عن مُؤلفه الآخر ( السقوط- La chute )؟
>
إنه عمل مدهش، أحبه كثيرا. لقد كان سارتر على حق، فلا شخص بوسعه الخروج
منه سليما. وفي كل الأحوال، سواء البطل أو الكاتب. فذلك المحامي، يسخر من
ذاته، معترفا بكونه لم يبذل قصارى جهده كي ينقذ امرأة تغرق، مؤكدا أيضا
عجزه عن القيام بذلك مهما حدث. لكنه، لم يخطر على باله تحويل حسرته إلى
اتهام. من المفترض، أن هذا «القاضي النادم»، يُبلّغ عن دجل المثقفين
الباريسيين. لن نفهم أي شيء في نص «La chute» إذا لم ندرك بأن الكاتب يتهم
ذاته ويلتف حولها، كما يقول مونتين Montaigne ثم يتمحور نفسيا. التضليل
يسكن الجميع، بمن فيهم (كامو) نفسه، إنه وضع إنساني. يجب أن نتذكر، السياق
الذي كتب في إطاره كامو، روايته، فقد جاء بعد المحاولة الانتحارية التي
أقدمت عليها زوجته.
< في كتابكم الجديد، الذي يحمل عنوان : [les miens]، تركزون على المرض ؟
>
ذلك مهم جدا، لأن الأمر يتعلق ب «قوة الحياة». عانى (كامو) بقسوة من داء
السل، حيث أحس طيلة حياته، كأنه في حالة نقاهة. تمثلت وضعه هذا جيدا، لأني
عشت الحالة ذاتها منذ أن تعرضت لإصابة سنة 1961 بمدينة (بنزرت)، إلى جانب
أمراض أخرى. لقد ولد (كامو) مشعا، ثمل بإيمان هو في الآن ذاته ملحد، ثم
مستند أيضا على مبدأ وحدة الوجود، لكن عدوانية مرض السل الذي لازمه طويلا،
أشعل شرارة معركة أنهكت (كامو)، إنه باستمرار، بين السماء والأرض.
< لقد عاشرتم (كامو)، لكن أليس بالأحرى أندريه جيد- Gide، هو الذي صاغ تفكيركم ؟
>
بالتأكيد، في البداية. أختي الكبرى، والتي كان فارق العمر يصل بيننا إلى
خمس وعشرين سنة ـ كنا إحدى عشرة إخوة ـ اعتُبرت بمثابة مثقفة الأسرة،
والوحيدة في (البليدة Blida) التي تصلها أعداد «المجلة الفرنسية الجديدة»
NRF. وبالتالي، توفرت على مجموعة كتب. ذات يوم، وأنا في سن الرابعة عشرة،
تناولت جريدة (جيد Gide) ووقع بصري على الجملة التالية : ((إذا لزم الأمر
التضحية بحياتي في سبيل نجاح هذا المشروع العظيم المسمى الاتحاد
السوفياتي، فإنني سأفعل ذلك للتو))، لم أكن متسيسا، وأعرف بالكاد موقع
الاتحاد السوفياتي، لذلك انتبهت إلى هذا البلد الذي يستحق أن يقال عنه هذا
الكلام. غير، أنني سرعان ما تحولت عن هذا المسار، مقتفيا أيضا خطى (جيد
Gide ) في رفضه. لقد صار، الرجل مرجعية لي. كما أن الوقوف على مضامين عمله
:
«Les nourritures terrestres» والذي يجري جزء من أحداثه بمدينة
(البليدة)، شكل لحظة تثقيفية بامتياز. أما، مع كتابه الآخر(سفر الى
الكونغو
Voyage au congo )، فقد استقيت أولى ميولي المناهضة
للاستعمار. غير أنني، أنتمي إلى جيل رفض الاختيار بين الأدب والفلسفة ثم
الالتزام السياسي والصحافي. وجدنا أمامنا، أبطالا استطاعوا تحقيق هذا
المسار الثلاثي أمثال : همنغواي، دوس باسوس ومالرو. خلال، كل حياتي، حاولت
الوفاء لتلك الحقول الثلاثة. تتويجي بجائزة «Prince des Asturies»، مثّّل
لي، اعترافا بهذا الاشتغال.
< لكن لماذا التتلمذ على جيد Gide، بينما ارتبطتم مطلقا ب كامو ؟
> أولا، ليس ثمة تعارض قط. بل على العكس من ذلك، حتى ولو أن جنسانية
(أندريه جيد Gide)، بعيدة عن دونجوانية كامو. أيضا، الصلات ليست من نفس
الطبيعة. لم، تتوفر لدي أية فرصة للالتقاء ب (جيد Gide). لكن، بصحبة كامو،
عشنا معا أهواء طائشة، أتذكر مثلا ولعنا بالرقص. ولا تنسوا خاصة الجزائر،
التي جسدت شغفنا ومرضنا المشترك. حينما، قدمت إلى باريس من أجل الدراسة،
كان الشباب آنذاك متعلقا بمجموعة رموز كبيرة مثل : مالرو، سارتر، كامو.
بالنسبة إليّ، فكامو، بمثابة أحد أقربائي، سحرت بهذا الفاتن منذ اللحظة
الأولى. اهتديت معه، إلى دلالة المقدس والعجز عن الإيمان به ثم مفهوم
التراجيديا والنزوع القوي إلى السعادة. لقد احتضن مجلة : «Caliban» التي
أشرفت عليها ونشر بين صفحاتها ثلاث مقالات ثمينة، واحدة عن لوي غيو Louis
Gailloux وصعوبة الحديث عن البؤس بمعنى آخر «غير معرفة علته». (كامو)، هو
من دفعني إلى كتابة أولى أعمالي، المعنون ب : (الخطأ- L erreur)، الصادر
عن منشورات غاليمار، ضمن السلسلة التي أشرف عليها. تقاسمت مع (كامو)،
لحظات كثيرة حميمية ومفعمة بالحماس، بين سنوات 1947 -1957. اشتركت معه
اهتمامه بالسيد مانديس فرانس Mandès France، وهو الشخصية السياسية الوحيدة
التي أضمر لها (كامو) مشاعر المحبة بل والإعجاب.
أما، عن اختلافي مع
(كامو) في كيفية تقييم التراجيديا الجزائرية، فقد خلق لديّ وضعا مؤلما.
بعد حصوله على نوبل، توصلت منه برسالة قصيرة، انتهت بهاته الجملة :
((المهم، نحن الاثنان نتألم نفسيا)).
< منبركم «Le nouvel observateur» دافع كثيرا عن سارتر. أي موقع اتخذتموه، بخصوص المواجهة بين كامو وسارتر ؟
>
تعود المجابهة إلى حقبة كتاب كامو : [L homme révolté]. كنت، متشبعا بفكر
(كامو) إلى أقصى حد، وأنا كذلك دائما. أتوخى اليوم، أن أطبق ضد الديانات
المتحولة إلى إيديولوجيات، الأطروحات التي التمسها في صراعه مع
الإيديولوجيات حينما تنقلب إلى ديانة. لحظة وفاة (كامو)، تواجدت بتونس من
أجل إنجاز أحد التحقيقات الصحافية. وما إن فتحت مجلة «فرانس أوبسرفاتور»
الصيغة الأولى ل»نوفيل أوبسرفاتور»، قفز إلى بصري التأبين المأتمي الرائع
الذي صاغه سارتر. خطاب، يعطينا إمكانية قراءته في الوقت الحالي. لم، يكن
فقط مؤثرا، بل تضمن كذلك استفسارا جديدا، حول معطيات جزء من الفلسفة
السارترية : الانفتاح الإنساني هنا متوتر. لذا، حينما تم تشكيل هيأة تحرير
(نوفيل أوبسرفاتور)، توجهت للالتقاء بسارتر، فقال لي : ((يسرني أن أستعيد
معكم النقاش حول العنف، والذي توقف بيني وكامو)). لقد، حافظت دائما على
صلتي بسارتر، وكان حاضرا باستمرار في الجريدة عبر مقالات وحوارات.
< ألا يساوركم الندم، لأنكم نشرتم آخر حوارات سارتر، والذي أجراه مع «Benny Lévy» وهو موقف أثار جدلا ؟
>
لا أشعر بأي حسرة، بلغ سارتر حينها سنا متقدما، بالتالي فالرجل منهك، ثم
بلا شك كان تحت تأثير Benny Lévy, حصلت على نسخة أولى من الحوار، لكنها
تميزت برداءتها شكلا ومضمونا، بالتالي لم نتردد في رفضها. بعد شهر، وصل نص
آخر، دائما يثير الحيرة. لكنه متماسك، إنه لسارتر حسب تقييم أعضاء هيئة
التحرير السارتريين. استدعتني (سيمون دوبو فوار) بحنق، وطلبت مني عدم
إخراج هذا الحوار إلى القارئ. بعد ذلك، تلقيت مكالمة هاتفية من سارتر، كي
يبيّن لي، بصوت أرنّ، دقيق ومتماسك بذكاء، اعتقاده المطلق بما يقوم به،
وأن تطور فكره حتى في صيغته اليهودية المعتدلة، لا يمكنه بأي شكل أن يمارس
خيانة في حق ذاته. ثم، أصدرنا الحوار.
< حينما تتحدثون اليوم عن الشيخوخة، تقولون انها إبعاد وحرية في الآن ذاته ...؟
>
الاستبعاد هو اللحظة التي يتكلمون فيها أمامك كما لو أنك لست هنا، عن
موضوعات تعرفها أفضل من الذين يستحضرونها. كما لو فجأة أصبحت شخصا آخر
وفقدت مشروعية ما. قد تستسلم، لهذا الاستبعاد المقزّز وتدعي بأنك التجأت
إلى عالم آخر كي تجد صفاء الاعتزال أو ببساطة الانسحاب، أرفض هذا الوضع.
ولأني أعيش بزخم كل لحظة كما ولو هي الأخيرة، فقد أمدني ذلك بحرية تسعدني.
تذكٌّر، (فرانسوا مورياك François Mauriac)، يجعل هاته اللحظات لذيذة.
ترجمة : سعيد بوخليط - أجرى الحوار : جوسيان سافينو
4/3/2010
العلم الثقافي
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مواضيع مماثلة
» الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفراي يعيد الاعتبار إلى ألبير كامو .. كيف حاول سارتر «اغتيال» صاحب «الإنسان المتمرد»
» العمل بالكفايات الجذع المشترك أداة العمل بالكفايات
» المغرب (4) - الجزائر (0)
» الجزائر العسكرية مع من؟
» يوميات كأس العالم 2010
» العمل بالكفايات الجذع المشترك أداة العمل بالكفايات
» المغرب (4) - الجزائر (0)
» الجزائر العسكرية مع من؟
» يوميات كأس العالم 2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى