ذاكرة مغربية في تاريخ فرنسا : الفرنسيُّون الأحـْرار في المغرب المأزوم (1955-1945)
صفحة 1 من اصل 1
ذاكرة مغربية في تاريخ فرنسا : الفرنسيُّون الأحـْرار في المغرب المأزوم (1955-1945)
آن ماري روزيلي
ترجمة : عبد الرحيم حُـزَلْ
مغامرةٌ جميلةٌ هذه التي نركبها بترجمة هذا الكتاب. ومن جوانب الصعوبة في
هذه المغامرة ما يواجه هذا النوع من الكتابات المترجمَ به من صنوف الصعاب
والمعيقات، بحكم كثرة ما يثير من مشكلات، بله إشكاليات، لاتصاله بالحفر
والمساءلة بقضايا لا تزال من صميم راهننا المغربي. إن من الصعب دائماً، أن
نترجم كتاباً وضعه أجنبي في تاريخنا القريب، ولاسيما ما كان منه داخلاً في
فترة ما قبل الاستقلال بقليل؛ تلك الفترة العصيبة من تاريخ المغرب، التي لا
نزال لا نعرف فيها، إلى اليوم، كتاباً جامعاً نسلم معه بشيء من اليقين.
وأما الكتاب الذي آثرناه بالترجمة في هذا المضمار فهو كتاب «?الفرنسيون
الأحرار في المغرب المأزوم»، الذي يُطلِعنا على صفحةٍ من العلاقات الفرنسية
المغْربية، ظلتْ غير معروفة جيداً، مع ما هي عليه من أهمية وبروز في تاريخ
القضاء على الاحتلال.
صفحات سوَّدتْها حفنةٌ من فرنسيِّي المغرب، ساندوا، في الأزمة التي
عاشَها المغرب في السنوات الأخيرة من عهد الحماية، مطلبَ المغاربة في
الاستقلال، الذي اعتبروه مطلباً عادلاً ومحتَّماً ليس منه مفر.
وقد انخرط هؤلاء الأحرار الطوباويُّون، المخالِفون للاتجاه الذي كان
يسير فيه الرأي السائد عند مواطنيهم، انخراطاً لم يعْبأوا بما كان يحفل به
من مخاطر؛ بما فيها المخاطرة بحياتهم، في معركة ?سلمية ساعدتْ على إحقاق
الحق، كما كانتْ منشأَ صداقات ثابتة ودائمة بين هؤلاء الفرنسيين وبين
الوطنيين المغاربة.
الاتحاد الاشتراكي
عدل سابقا من قبل izarine في الثلاثاء 13 يوليو 2010 - 20:09 عدل 2 مرات
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
رد: ذاكرة مغربية في تاريخ فرنسا : الفرنسيُّون الأحـْرار في المغرب المأزوم (1955-1945)
تلك كانت سنوات
1950؛ وقت أن كانت فرنسا تنهض في جَهْد ومشقة، من سنوات الحداد والدمار
والخراب، التي نابتْها من الحرب العالمية الثانية ومن الاحتلال. ويستعيد
الفرنسيون الحريةَ، ويستردون الجمهورية.
وما أكثر أولئك منهم الذين كانوا، في ذلك العالم المضطرب، يعتقدون أن في
الإمكان العودةَ إلى زمن ما قبل الحرب؛ ذلك الزمن الهنيِّ الرغيد، رغم
متطلبات الحياة اليومية بالغة الصعوبة وحالة الاقتصاد الميؤوس منها.
وظل الفرنسيون، من اليمين واليسار على حد سواء، يطوون جنُبَهم على حنين
حارق إلى الأمجاد التي كانوا ينعمون بها في الأمس. ثم لم يلبث ذلك الحنين
أن خلَفه همٌّ وانشغال بالحفاظ على ما كان الإمبراطوريةَ الاستعماريةَ
الفرنسيةَ.
ذلك بأن التغيُّر طال علاقات القوة، كما طال الذهنيات. وإذا الحلفاء من
أمريكيين وبريطانيين وفرنسيين، كما نستدل من خطاب الجنرال دوغول في
برازافيل، قد صاروا يَعِدِون بالتعجيل باستقلال الشعوب المستعمَرة، التي
كانت، إلى ذلك الحين، ترزح تحت وصاية قوة من القوى الأوروبية. وهلَّلتْ هذه
الشعوب، في آسيا كما هلَّلت في إفريقيا، لهذا الالتزام من الحلفاء، وشدت
عليه بالنواجذ، وطالبت أوصياءَها القدامى بتحقيقه. وتلك كانت فترةً من
المشاورات والتوترات التي كانت تتحول، أحياناً، إلى صراعات ستطبع مسيرةَ
تلك الشعوب في سعيها إلى التخلص من ربقة الاحتلال.
والمغرب ظل صديقاً مخلصاً وفياً لفرنسا على امتداد تاريخهما المشترك.
وقد أصبح، يومئذ، يتحقق له من النضج ما يؤهله للوصول، بسرعة، إلى تحقيق
سيادته الوطنية. والجنود المغاربة قاتلوا ببسالة، إلى جنب رفاقهم
الفرنسيين، في جميع المعارك التي شهدتْها إيطاليا، ولاسيما المعارك التي
دارت رحاها في إقليم بروفانس. ويظل المهاجرون المغاربة في فرنسا، إلى هذا
اليوم، يمثلون أكبر نسبة من المهاجرين وأكثرها تميُّزاً. وقد كان في
الإمكان أن تؤول السلطات في المغرب إلى نظام ملكي منبثق عن نخبة مثقفة
ديمقراطية وتحررية على نحو أصيل، من دون صدامات، ومن دون تلك الحوادث التي
ترتبت عنه، والتي ليس يدخل في موضوع كتابنا أن نعيد التذكير بها في هذا
المقام. وحسبنا أن نقول إن عمل الوطنيين المغاربة لم يكن يلقى التفهُّم ولا
القبول دائماً، من مواطنينا، سواء منهم من كان مقيماً في المغرب، أو ?
وبوجه خاص ? أولئك منهم الذين كانوا مقيمين في فرنسا، على الرغم مما كان
يتصف به هؤلاء الرجال من الخصال والمزايا اللائحة التي لا تشوبها شائبة.
ولأقتصر على التمثيل لما أقول بعبد الرحيم بوعبيد، الذي سنح لي، في ما بعد،
وتحديداً في شهر فبراير من سنة 1956، أن أنشر مقالاً في الاحتفاء به،
عندما أصبح أول سفير للمغرب المستقل في باريس.
لقد كان بعض الرجال والنساء، في المغرب، كما في فرنسا (التي كان يُزاد
إلى اسمها، أيامئذ، وسْم «البلد الأصلي»)، ومعظمهم ينتمون إلى اليسار
الاجتماعي والديمقراطية المسيحية، ممن يجمعون إلى حدس القلب النباهةَ
السياسية، يتعاطفون مع العمل التحرري الذي كان ينهض به الديمقراطيون
المغاربة. لكن من أسفٍ أنهم لم يكونوا سوى أقلية، يقولون ما يقولون ويفعلون
ما يفعلون بعكس الشعور العام الذي كان سائداً عند الفرنسيين غير المطلعين.
وفي تلك الظروف، وفي ذلك الجو الذي كانتْ تغلب عليه غرائز المعاداة،
وكسل الرأي [العام]، جاءت لزيارتي، ذات يوم من سنة 1953، صحافيةٌ شديدة
التحمس وشجاعة؛ تلك هي آن ماري روزيلي، فعرضت عليَّ موضوع كتابها هذا، وما
لبثتت حتى أقنعتْني به، ثم سلمت إليَّ نصاً، قمت بنشره في صحيفة «لو مين
ليبر»، بصفتي رئيسَ تحرير تلك اليومية الجهوية التي كانت تصدر في جهة الغرب
(فيما آثرت صحف أخرى، من شدة حيطتها، أو من فرط خوفها من القناعة التي
كانت تحملها تلك الصحافية، والحماسة التي كانت تعبِّر بها عنها، أن تمتنع
عن نشر ذلك النص.. تم أعقبت ذلك مقالاتٌ أخرى، تضيء التحول الذي تشهده
الأوضاع في المغرب.
وبذا أمكنني أن أتعرَّف على عمل الفرنسيين الأحرار في المغرب، وهم الذين
سيتعرَّف قراء هذا المؤلَّف على أسمائهم تباعاً، بتوالي الشهادات الواردة
فيه، مرفقة بشهادات بعض أصدقائهم المغاربة.
لقد أحببت معركتهم، وتتبَّعتها، في يسر وسهولة شديدين، ولاسيما أنها
تلتقي، بدون شك، مع التقليد الجمهوري الذي نشأْت وترعرعْت فيه، ثم توقفت،
في عام 1943، على مقربة من مدينة الدار البيضاء، بين من سيكونون في
المستقبل جيوشَ التحالف التي ستجتاح أوروبا، فإذا بي أقع في حب المغرب
والمغاربة. وهذا يعني أنني أجد متعة وسعادة في المشاركة، ههنا، في تقديم
التحية لأولئك «الجنود الرواد».
إن دوري كشاهد يظل، بالمقارنة مع الأدوار التي لعبها أولئك الفواعل سالفي
الذكر، دوراً متواضعاً جداً. لكن الشعور بأنني كنت نافعاً، وبأنني قدمت ما
يشبه الكفالة أو الضمانة إلى رجال يتحلون بالكرم وبعد النظر، في وقت لم يكن
قد أُقِرَّ لهم بعدُ، بهاتين المزيتيْن، يمثل بالنسبة إليَّ ذكرى سعيدة.ذ
فليتقبَّلْ مني هذه الشهادة ههنا، كلُّ أولئك الذين أدين لهم بالامتنان.
ولتدم العلاقات الودية بين المغرب وفرنسا.
1950؛ وقت أن كانت فرنسا تنهض في جَهْد ومشقة، من سنوات الحداد والدمار
والخراب، التي نابتْها من الحرب العالمية الثانية ومن الاحتلال. ويستعيد
الفرنسيون الحريةَ، ويستردون الجمهورية.
وما أكثر أولئك منهم الذين كانوا، في ذلك العالم المضطرب، يعتقدون أن في
الإمكان العودةَ إلى زمن ما قبل الحرب؛ ذلك الزمن الهنيِّ الرغيد، رغم
متطلبات الحياة اليومية بالغة الصعوبة وحالة الاقتصاد الميؤوس منها.
وظل الفرنسيون، من اليمين واليسار على حد سواء، يطوون جنُبَهم على حنين
حارق إلى الأمجاد التي كانوا ينعمون بها في الأمس. ثم لم يلبث ذلك الحنين
أن خلَفه همٌّ وانشغال بالحفاظ على ما كان الإمبراطوريةَ الاستعماريةَ
الفرنسيةَ.
ذلك بأن التغيُّر طال علاقات القوة، كما طال الذهنيات. وإذا الحلفاء من
أمريكيين وبريطانيين وفرنسيين، كما نستدل من خطاب الجنرال دوغول في
برازافيل، قد صاروا يَعِدِون بالتعجيل باستقلال الشعوب المستعمَرة، التي
كانت، إلى ذلك الحين، ترزح تحت وصاية قوة من القوى الأوروبية. وهلَّلتْ هذه
الشعوب، في آسيا كما هلَّلت في إفريقيا، لهذا الالتزام من الحلفاء، وشدت
عليه بالنواجذ، وطالبت أوصياءَها القدامى بتحقيقه. وتلك كانت فترةً من
المشاورات والتوترات التي كانت تتحول، أحياناً، إلى صراعات ستطبع مسيرةَ
تلك الشعوب في سعيها إلى التخلص من ربقة الاحتلال.
والمغرب ظل صديقاً مخلصاً وفياً لفرنسا على امتداد تاريخهما المشترك.
وقد أصبح، يومئذ، يتحقق له من النضج ما يؤهله للوصول، بسرعة، إلى تحقيق
سيادته الوطنية. والجنود المغاربة قاتلوا ببسالة، إلى جنب رفاقهم
الفرنسيين، في جميع المعارك التي شهدتْها إيطاليا، ولاسيما المعارك التي
دارت رحاها في إقليم بروفانس. ويظل المهاجرون المغاربة في فرنسا، إلى هذا
اليوم، يمثلون أكبر نسبة من المهاجرين وأكثرها تميُّزاً. وقد كان في
الإمكان أن تؤول السلطات في المغرب إلى نظام ملكي منبثق عن نخبة مثقفة
ديمقراطية وتحررية على نحو أصيل، من دون صدامات، ومن دون تلك الحوادث التي
ترتبت عنه، والتي ليس يدخل في موضوع كتابنا أن نعيد التذكير بها في هذا
المقام. وحسبنا أن نقول إن عمل الوطنيين المغاربة لم يكن يلقى التفهُّم ولا
القبول دائماً، من مواطنينا، سواء منهم من كان مقيماً في المغرب، أو ?
وبوجه خاص ? أولئك منهم الذين كانوا مقيمين في فرنسا، على الرغم مما كان
يتصف به هؤلاء الرجال من الخصال والمزايا اللائحة التي لا تشوبها شائبة.
ولأقتصر على التمثيل لما أقول بعبد الرحيم بوعبيد، الذي سنح لي، في ما بعد،
وتحديداً في شهر فبراير من سنة 1956، أن أنشر مقالاً في الاحتفاء به،
عندما أصبح أول سفير للمغرب المستقل في باريس.
لقد كان بعض الرجال والنساء، في المغرب، كما في فرنسا (التي كان يُزاد
إلى اسمها، أيامئذ، وسْم «البلد الأصلي»)، ومعظمهم ينتمون إلى اليسار
الاجتماعي والديمقراطية المسيحية، ممن يجمعون إلى حدس القلب النباهةَ
السياسية، يتعاطفون مع العمل التحرري الذي كان ينهض به الديمقراطيون
المغاربة. لكن من أسفٍ أنهم لم يكونوا سوى أقلية، يقولون ما يقولون ويفعلون
ما يفعلون بعكس الشعور العام الذي كان سائداً عند الفرنسيين غير المطلعين.
وفي تلك الظروف، وفي ذلك الجو الذي كانتْ تغلب عليه غرائز المعاداة،
وكسل الرأي [العام]، جاءت لزيارتي، ذات يوم من سنة 1953، صحافيةٌ شديدة
التحمس وشجاعة؛ تلك هي آن ماري روزيلي، فعرضت عليَّ موضوع كتابها هذا، وما
لبثتت حتى أقنعتْني به، ثم سلمت إليَّ نصاً، قمت بنشره في صحيفة «لو مين
ليبر»، بصفتي رئيسَ تحرير تلك اليومية الجهوية التي كانت تصدر في جهة الغرب
(فيما آثرت صحف أخرى، من شدة حيطتها، أو من فرط خوفها من القناعة التي
كانت تحملها تلك الصحافية، والحماسة التي كانت تعبِّر بها عنها، أن تمتنع
عن نشر ذلك النص.. تم أعقبت ذلك مقالاتٌ أخرى، تضيء التحول الذي تشهده
الأوضاع في المغرب.
وبذا أمكنني أن أتعرَّف على عمل الفرنسيين الأحرار في المغرب، وهم الذين
سيتعرَّف قراء هذا المؤلَّف على أسمائهم تباعاً، بتوالي الشهادات الواردة
فيه، مرفقة بشهادات بعض أصدقائهم المغاربة.
لقد أحببت معركتهم، وتتبَّعتها، في يسر وسهولة شديدين، ولاسيما أنها
تلتقي، بدون شك، مع التقليد الجمهوري الذي نشأْت وترعرعْت فيه، ثم توقفت،
في عام 1943، على مقربة من مدينة الدار البيضاء، بين من سيكونون في
المستقبل جيوشَ التحالف التي ستجتاح أوروبا، فإذا بي أقع في حب المغرب
والمغاربة. وهذا يعني أنني أجد متعة وسعادة في المشاركة، ههنا، في تقديم
التحية لأولئك «الجنود الرواد».
إن دوري كشاهد يظل، بالمقارنة مع الأدوار التي لعبها أولئك الفواعل سالفي
الذكر، دوراً متواضعاً جداً. لكن الشعور بأنني كنت نافعاً، وبأنني قدمت ما
يشبه الكفالة أو الضمانة إلى رجال يتحلون بالكرم وبعد النظر، في وقت لم يكن
قد أُقِرَّ لهم بعدُ، بهاتين المزيتيْن، يمثل بالنسبة إليَّ ذكرى سعيدة.ذ
فليتقبَّلْ مني هذه الشهادة ههنا، كلُّ أولئك الذين أدين لهم بالامتنان.
ولتدم العلاقات الودية بين المغرب وفرنسا.
عدل سابقا من قبل izarine في الثلاثاء 13 يوليو 2010 - 20:09 عدل 1 مرات
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
رد: ذاكرة مغربية في تاريخ فرنسا : الفرنسيُّون الأحـْرار في المغرب المأزوم (1955-1945)
ديباجة
تطمح الصفحات
الموالية إلى المساهمة في إضاءة مسار أولئك الرجال الذين يستحقون الامتنان
والعرفان لما اتصفوا به من وضوح، وما أبلوا من شجاعة وما تحلوا به من
نزاهة.
ونأمل من هذه الصفحات كذلك إلى أن تكون باعثاً على التفكير في المثَل
الذي تركوه لنا، ويكونَ فيها ما يشجع أولئك الذي يقاتلون مثلهم، في جميع
جهات العالم وفي جميع الأوقات والظروف، في معركة الواجب، التي لا تنتهي.
وليس على القارئ أن يطلب من هذا الكتاب أن يعطيه سرداً تاريخياً شاملاً
للأحداث، أو يأتيه بتحليلها السياسي أو الاجتماعي. فلقد سبقني متخصصون كثر
إلى إنجاز هذا العمل المهم : مؤرخون من أمثال شارل أندري جوليان، وهيرفي
بلوشو، وجورج أوفيد، الذين سيجد القارئ إلماعاً إلى مؤلفاتهم في ملحقات هذا
الكتاب. كما تمدنا مذكرات كتاب الأخبار، ويوميات رجال السياسة بمحددات
خاصة، في شأن الأحداث التي عرفوها في تلك الفترة.
ومن المؤلفات الجديدة التي أبان مؤلفوها عن اهتمام خاص بالمغرب، كتاب
الدكتور غي ديلانوا، وهو كاتب ولِد في المغرب، وفيه عاش طوال 45 عاماً،
وزاول فيه عمله. ولم يكن في الأحداث التي يسردها مجردَ كاتب أخبار صادق، بل
كان كذلك شاهداً مشاركاً في ما يتحدث عنه من أعمال. ولقد وضع ديلانوا
كتابه «?مذكرات تاريخية في نهاية الحماية» في ثلاثة أجزاء. وتشكل رسائله،
التي نتوفر عليها، والتي كانت المادة الأساس لمشروع كتابه الحالي، تشكل هذه
الرسائل كذلك مرجعاً غاية في الأهمية والنفع، ناهيك عما جاء به كذلك من
حوارات قيِّمة. لقد كان هدفنا من هذا البحث يتمثل، بكل تواضع، في جمع بعض
الشهادات ?المتقاطعة والشهادات التلقائية، التي قدمت لنا في ?حمية ذاتية
مؤثرة، بتعبير جاك بيرك، في المقدمة التي وضعها لكتاب غي ديلانو. إنها
شهادات تضيء لنا بواعث الأحرار وأحاسيسهم ومساراتهم، كما تأتينا ببعض
التفاصيل الطريفة التي لا نجدها في الكتابات الأخبارية الرسمية.
ولربما بدت هذه الشهادات ناقصة، ودون ما هي عليه في الواقع، من الكثرة؛
بيد أن السنين والتشتتات، والأمراض، والمعيقات، والوفيات قد جعلت، للأسف،
من العسير البحث عن هذه الشهادات. فقد صرفت في البحث عنها مدة تمتد من
نونبر 1993 إلى مارس 1996. كما أن هذا البحث قد اصطدم، في بعض الأحيان،
بتحفظات كان من المتعذر التغلب عليها، كان يبعث عليها تواضع جدير
بالاحترام. لكن شديد التحفظ، لم يكن في إمكاننا التغلب عليه أو تطويعه...
ومع ذلك فإن الشهادات التي اجتمعت لدينا تبدو ذات قيمة دالة، بما هي
عليه من تنوع. كما تحمل شهادات بعض الأصدقاء المغاربة ?إضافة ثمينة، فضلاً
عن الأرشيفات الشخصية في صحافة تلك الفترة، التي شاءت الأقدار أن تبقى على
حالها دون أن يطالها البلى.
وأود أن أتقدم بجزيل شكري، في هذا المقام، إلى جميع أولئك الذين أمدوني
بعونهم الثمين، بحكم الصداقة والتفهم والكرم والصبر؛ بمساهمتهم في البحث عن
?الشهود وموافاتي بالرسائل الزاخرة بالذكريات الحية والصور والوثائق
الأرشيفية المتنوعة والحوارات التي أدلوا بها إليَّ والأسرار التي أفضوا
إلي بها في الحديث عن صديق عزيز....
كما أتقدم بالشكر إلى أولئك الذين بدونهم لم أكن لأركب مغامرة طرق هذا
الملف.
وأخص منهم بالذكر :
سيدي محمد سمرقندي، مدير مجلة ?آفاق مغربية، الحاملة لعنوان فرعي دال هو
«الحق في الذاكرة» الذي كان أول من أبدى اهتمامه بهذا المشروع. فبفضله
أمكنني أن أنشر في عام 1994 (العدد 2526 - بمناسبة الذكرى الرابعة لـ
«?رسالة 75?»، تلك المبادرة الشجاعة التي قام بها الأحرار، مقالاً مطولاً
كان بمثابة خطاطة وتمهيد للعمل الحالي. كما أشكر السيدة نجاة بوعبيد، زوجة
المقاوم الكبير والزعيم المغربي والصديق الوفي لكثير من الأحرار عبد الرحيم
بوعبيد، والذي تأسست ?مؤسسة ثقتافية تخليداً لذكراه. فقد كان لي في
تجشيعاتها عون كبير على إنجاز هذاالعمل.
عدل سابقا من قبل izarine في الثلاثاء 13 يوليو 2010 - 20:10 عدل 1 مرات
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
فرنسا التي ليست جميلة ولا عظيمة
إن الاتصالات
والصداقات الشبابية التي قامت بين المغاربة والفرنسيين قد نسجت بينهم روابط
حقيقية ومتينة ودائمة.
ولدينا في هذا الصدد دليل بليغٌ، أشبه ما يكون بعكس المشهد؛ يقدمه لنا
الدكتور الحراق. فقد ظل الرجل، على امتداد كل التقلبات التي حفلت بها حياته
خلال سني دراسته وأثناء ممارسته لمهنة طب الأسنان، في السنوات الأخيرة
الحرجة من عمر الحماية، ثم بعد الاستقلال، في مختلف المناصب السفيرية
التي تقلب فيها، ظل يتصل بزملائه ثم بأصدقائه من الأحرار، بصداقة متينة
ووفية. وتعتبر شهادته الحارة والانفعالية في بعض الأحيان، باعتباره مسلماً
تقياً، كثير الاستشهاد بالآيات القرآنية، ويعززها بجميع الأدلة والحجج
القاطعة والمقنعة، تعتبر ذات قيمة خاصة بما يستحضر فيها من معيش ـ شخصي.
فقد ظل عبد السلام الحراق يحتفظ للمدة التي قضاها في ليسي غورو في
الرباط، مسقط رأسه، حيث تم له القبول بفضل شهرة أسرته، بذكريات يجد متعة في
استحضارها من خلال نسْج صورة مرحلة كاملة. فقد قال :
«كان والدي، يوم إقامة نظام الحماية، «رايس»، أي قائداً لواحدة من تلك
التشكيلة من القوارب المرفئة التي تقوم بالربط بين مدينتي الرباط وسلا،
متنقلة من ضفة إلى أخرى من مصب وادي بورقرار؛ حيث تقوم ـ عارضة ـ خطيرة
تجبر السفنَ على التوقف في هذه الناحية من الوادي. وقد كانت هذه الجماعة
فخورة ببحاريها المحنكين الشجعان، الذين ظلوا، لوقت طويل، يدافعون عن
ساحلهم من تسرب القراصنة الأوروبيين، وظلوا يُعرفون بالنبل والشهامة.
وعلاوة على ذلك، فقد كان والدي سليل أحد الشرفاء. وكان بين أجداده شيخ
مبجل؛ هو «سيدي الحراق، الذي كانت له مراسلات مع الأمير مولاي عبد القادر،
ويوجد ضريحه في تطوان « (من رسالة بتاريخ 14 دجنبر 1993).
إنها ألقاب كانت ذات أهمية في زمن ليوطي. وقد كان الشاب عبد السلام
يتعرَّض في كثير من الأحيان، لأصناف من المعاملات المحقِّرة المعتادة في
عنصرية الشارع. لكنه لم يلبث أن وجد في ليسي غورو جواً ودياً ورفيعاً.
وقال الحراق كذلك :
«كنا حفنة صغيرة من المغاربة، منغمرين في حشد من زملاء الدراسة
الأوروبيين. لكننا أقمنا وإياهم علاقات صداقة حقيقية ظلت نموذجية إلى هذا
اليوم.
ذلك بأن هذه الصداقات قاومت الأحداث المأساوية التي كان يمكن أن تحدِثَ
فيها قطائع يتعذر ترميمها.
ما أكثر الألوان في قوس قزح...
إن الأحرار، سواء منهم الذين كان مولدهم في المغرب، أو الذين قدموا
إليه حديثاً، يبينون، على الرغم من الاختلاف الشديد في ـ مظاهرهم ـ، عن
بعض الثوابت اللافتة للنظر في دوافعهم ومحركاتهم. إن التزامهم، سواء أكان
مبكراً أو متأخراً جداً، وسواء أكان تلقائياً أو جاء بعد طول تفكُّر، إنما
ابتدأ من لحظة وعي محتمة، أو هزة قوية جداً للمشاعر.
إنه التزام يستند، في بنيته الثقافية، إلى منظومة من المثُل؛ سياسية
وفلسفية ودينية...، وما كانت بالمثل النظرية أو المجردة فحسب، بل كانت
مثلاً قد خبرها هؤلاء الأحرار بعمق، واقترنت عند معظمهم بشخصيات وأحداث
نموذجية.
وهاكم بعض الأمثلة عليها. فأما أنطوان مازيلا وجاك رايتزر، وهما
مناضلان من بواكير شبابهم، ويجدر بنا أن نثير الانتباه إلى الصداقة الطويلة
التي جمعت بين الرجلين. فقد قال مازيلا إنها صداقةٌ ابتدأت «من سنة 1936،
وتحديداً بداية من عهد فيشي، وظللنا نتقاسم على الدوام جميع قناعاتنا...».
فقد كانت المثل الجمهورية التي شكلت مرجعياتهما اللازمة.
لقد انطلقنا من القيم الفرنسية التقليدية : الحرية، والمساواة والأخوة،
لكن بقلب ترتيبها؛ فالأخوة هي الأصل، وهي تكون في مخالطة المغاربة
والالتحام وإياهم بعلاقات ودية، وشخصية، وفي أننا كنا نحس أنفسنا مجروحين
مما يجرحهم. فكنا نحس بالتمييز الذي كانوا عرضة وهدفاً له، وكنا نعاني منه،
وندينه. ثم أدركنا في الأخير أن الحلول لا يمكن أن توجد في غير الإقرار
لهم بالحق في الحرية» (من حوار ، 24 يناير 1995).
وأما أنطوان مازيلا فقد انضافت إلى تلك المبادئ عنده تجربتان : تجربة
النقابي النشيط المتوفز، وتجربة المراسل الحربي، المرافق لجيوش الحلفاء في
إيطاليا، وفي كاسينو على وجه التخصيص؛ حيث تأثر بالغ التأثر بالشجاعة
والاستماتة اللتين أبان عنهما الجنود المغاربة المقاتلون في سبيل تحرُّر
فرنسا. فانبرى يعرِّف العالمَ بما كان يحرر من مقالاته في صحيفة «لبوتي
ماروكان» ( راجع الملحق الموسوم بـ «فوق قمم لامينارد»، 02-1944).
وأما جاك رايتزر، فقد كان تأثره كبيراً بالمثل الذي كان يجسده له
والده، فقال عنه : «كان والدي مقاوماً منذ بواكير شبابه. ولقد تعرض
للاعتقال في العام 1940، ومثل أمام المحكمة العسكرية لكانات، وحبِس (شارك
في الحبس بيير مينديس فرانس وفانسن مونتايل»، وكانت وفاته بعد اعتقال طويل»
(رسالة 1 فبراير 1944).
والصداقات الشبابية التي قامت بين المغاربة والفرنسيين قد نسجت بينهم روابط
حقيقية ومتينة ودائمة.
ولدينا في هذا الصدد دليل بليغٌ، أشبه ما يكون بعكس المشهد؛ يقدمه لنا
الدكتور الحراق. فقد ظل الرجل، على امتداد كل التقلبات التي حفلت بها حياته
خلال سني دراسته وأثناء ممارسته لمهنة طب الأسنان، في السنوات الأخيرة
الحرجة من عمر الحماية، ثم بعد الاستقلال، في مختلف المناصب السفيرية
التي تقلب فيها، ظل يتصل بزملائه ثم بأصدقائه من الأحرار، بصداقة متينة
ووفية. وتعتبر شهادته الحارة والانفعالية في بعض الأحيان، باعتباره مسلماً
تقياً، كثير الاستشهاد بالآيات القرآنية، ويعززها بجميع الأدلة والحجج
القاطعة والمقنعة، تعتبر ذات قيمة خاصة بما يستحضر فيها من معيش ـ شخصي.
فقد ظل عبد السلام الحراق يحتفظ للمدة التي قضاها في ليسي غورو في
الرباط، مسقط رأسه، حيث تم له القبول بفضل شهرة أسرته، بذكريات يجد متعة في
استحضارها من خلال نسْج صورة مرحلة كاملة. فقد قال :
«كان والدي، يوم إقامة نظام الحماية، «رايس»، أي قائداً لواحدة من تلك
التشكيلة من القوارب المرفئة التي تقوم بالربط بين مدينتي الرباط وسلا،
متنقلة من ضفة إلى أخرى من مصب وادي بورقرار؛ حيث تقوم ـ عارضة ـ خطيرة
تجبر السفنَ على التوقف في هذه الناحية من الوادي. وقد كانت هذه الجماعة
فخورة ببحاريها المحنكين الشجعان، الذين ظلوا، لوقت طويل، يدافعون عن
ساحلهم من تسرب القراصنة الأوروبيين، وظلوا يُعرفون بالنبل والشهامة.
وعلاوة على ذلك، فقد كان والدي سليل أحد الشرفاء. وكان بين أجداده شيخ
مبجل؛ هو «سيدي الحراق، الذي كانت له مراسلات مع الأمير مولاي عبد القادر،
ويوجد ضريحه في تطوان « (من رسالة بتاريخ 14 دجنبر 1993).
إنها ألقاب كانت ذات أهمية في زمن ليوطي. وقد كان الشاب عبد السلام
يتعرَّض في كثير من الأحيان، لأصناف من المعاملات المحقِّرة المعتادة في
عنصرية الشارع. لكنه لم يلبث أن وجد في ليسي غورو جواً ودياً ورفيعاً.
وقال الحراق كذلك :
«كنا حفنة صغيرة من المغاربة، منغمرين في حشد من زملاء الدراسة
الأوروبيين. لكننا أقمنا وإياهم علاقات صداقة حقيقية ظلت نموذجية إلى هذا
اليوم.
ذلك بأن هذه الصداقات قاومت الأحداث المأساوية التي كان يمكن أن تحدِثَ
فيها قطائع يتعذر ترميمها.
ما أكثر الألوان في قوس قزح...
إن الأحرار، سواء منهم الذين كان مولدهم في المغرب، أو الذين قدموا
إليه حديثاً، يبينون، على الرغم من الاختلاف الشديد في ـ مظاهرهم ـ، عن
بعض الثوابت اللافتة للنظر في دوافعهم ومحركاتهم. إن التزامهم، سواء أكان
مبكراً أو متأخراً جداً، وسواء أكان تلقائياً أو جاء بعد طول تفكُّر، إنما
ابتدأ من لحظة وعي محتمة، أو هزة قوية جداً للمشاعر.
إنه التزام يستند، في بنيته الثقافية، إلى منظومة من المثُل؛ سياسية
وفلسفية ودينية...، وما كانت بالمثل النظرية أو المجردة فحسب، بل كانت
مثلاً قد خبرها هؤلاء الأحرار بعمق، واقترنت عند معظمهم بشخصيات وأحداث
نموذجية.
وهاكم بعض الأمثلة عليها. فأما أنطوان مازيلا وجاك رايتزر، وهما
مناضلان من بواكير شبابهم، ويجدر بنا أن نثير الانتباه إلى الصداقة الطويلة
التي جمعت بين الرجلين. فقد قال مازيلا إنها صداقةٌ ابتدأت «من سنة 1936،
وتحديداً بداية من عهد فيشي، وظللنا نتقاسم على الدوام جميع قناعاتنا...».
فقد كانت المثل الجمهورية التي شكلت مرجعياتهما اللازمة.
لقد انطلقنا من القيم الفرنسية التقليدية : الحرية، والمساواة والأخوة،
لكن بقلب ترتيبها؛ فالأخوة هي الأصل، وهي تكون في مخالطة المغاربة
والالتحام وإياهم بعلاقات ودية، وشخصية، وفي أننا كنا نحس أنفسنا مجروحين
مما يجرحهم. فكنا نحس بالتمييز الذي كانوا عرضة وهدفاً له، وكنا نعاني منه،
وندينه. ثم أدركنا في الأخير أن الحلول لا يمكن أن توجد في غير الإقرار
لهم بالحق في الحرية» (من حوار ، 24 يناير 1995).
وأما أنطوان مازيلا فقد انضافت إلى تلك المبادئ عنده تجربتان : تجربة
النقابي النشيط المتوفز، وتجربة المراسل الحربي، المرافق لجيوش الحلفاء في
إيطاليا، وفي كاسينو على وجه التخصيص؛ حيث تأثر بالغ التأثر بالشجاعة
والاستماتة اللتين أبان عنهما الجنود المغاربة المقاتلون في سبيل تحرُّر
فرنسا. فانبرى يعرِّف العالمَ بما كان يحرر من مقالاته في صحيفة «لبوتي
ماروكان» ( راجع الملحق الموسوم بـ «فوق قمم لامينارد»، 02-1944).
وأما جاك رايتزر، فقد كان تأثره كبيراً بالمثل الذي كان يجسده له
والده، فقال عنه : «كان والدي مقاوماً منذ بواكير شبابه. ولقد تعرض
للاعتقال في العام 1940، ومثل أمام المحكمة العسكرية لكانات، وحبِس (شارك
في الحبس بيير مينديس فرانس وفانسن مونتايل»، وكانت وفاته بعد اعتقال طويل»
(رسالة 1 فبراير 1944).
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
رد: ذاكرة مغربية في تاريخ فرنسا : الفرنسيُّون الأحـْرار في المغرب المأزوم (1955-1945)
إنه ميراث من
المدنية كان على رايتزر أن يضطلع به بعدئذ، بكل أنــــــفة واعتداد، بما هو
مرجع لعمله؛ هو القائل :
«بعد أن فررت والتحقت بدوغول، عملت في الشرق الأوسط تحت إمــــرة
الجنرال كاترو، وقد كان صديقاً لوالدي «.
وأما النياشين الكثيرة التي حاز عليها جاك رايزر، ونخص منها بالذكر
وسام الحرب، ووسام المقاتل المتطوِّع للمقاومة، ووسام المقاتل المتطوِّع في
سبيل فرنسا الحرة، بالإضافة إلى وسام الشرف»، فإنه لم يكن يذكرها أو يعتد
بها إلا في بعض المواقف الاستثنائية، عندما كان عمله التحرري يجر عليه
انتقادات المنتقدين لوطنيته. وقد كانت نزاهته على قدر شجاعته. فقد جمعته
مقابلة مع رئيس الجمهورية فانسن أوريول في سنة 1953، فأكد خلالها قوله :
«إنني لا أنشد أي منفعة. فأنا أعيش في المغرب منذ أربعين سنة، ولم
أُصِبْ فيه ثراء. بل أعمل ما أعمل دفاعاً عن حقوق الإنسان. (وثيقة نقلها
جاك رايتزر).
ومن غريب أن الفرنسيين الذين ولِدوا في المغرب قبل أربعين سنة، وكانوا
متشبعين بالمثُل نفسها ومتجردين من الأحكام المسبقة، قد عاشوا، لبعض الوقت،
في جهل بالانحرافات السياسية لنظام الحماية. ومن هؤلاء غي ديلانوا. فقد
أمضى الرجل طفولته في وئام وانسجام مع الوسط المغربي، ثم اتجه إلى العمل
بالطب، وفاءً لوالديْه وتفانيهما في مداواة مرضاهم. وقد كان قناعة مكينة
بالمهمة الحضارية لفرنسا (في المغرب (وهو الذي قال في هذا الصدد :
«كنت في مقتبل العمر طبيباً ميسور الحال، استقررت في مدينة أوروبية،
على الرغم من معرفتي باللغة العربية، وتجردي من أي أحكام مسبقة. وكان المال
يحيطني، برغم أنفي، بشيء من التمييز العنصري ، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي
اهتديت فيه إلى «سبيلي الصحيحة» (من رسالة بتاريخ 20 شتنبر 1989).
ثم كانت الصدمة قاسية، قال فيها :
«تم تعييني في سنة 1951 طبيبَ عمل في مصنع كوسوما للسكر، وهو أكبر مقاولة
في مدينة الدار البيضاء، إذ يشغِّل أزيد من ألفي عامل. وسرعان ما تبيَّنت
الحقيقة الاستعمارية، والاستغلال الذي كان يقع على اليد العاملة هزيلة
الأجر، والتمييز الجائر، وبؤس الساكنة العاملة، والعسف الشنيع الذي ينزله
بها المشغلون المستفيدين من تواطؤ البوليس» (من حوار بتاريخ 4 أكتوبر
1989).
هذا الاكتشاف أدخل الاضطراب والبلبلة في تفكير الدكتور الشاب، الذي ورث
عن أبويه ـ ميراثاً من المثُل الديمقراطية ـ . فقد رأى أن فرنسا أخلَّت
بـ «المهمة الحضارية « التي تتبجح بها، وأنها فقدت ثقة الشعوب التي تدعي
نفاقاً أنها تقوم بـ» حمايتها» ، وما هي في الواقع إلا « تستعمرها و
تستعبدها» . فكان سبباً في تحول الدكتور ديلانوا إلى صف الأحرار.
وشبيهاً بمسار غي ديلانوا كان مسار الصحافية كريستيان داربور، التي
استقرت في المغرب منذ الطفولة، والذي قالت عنه :
«كنت ميالة، بحكم تربيتي، إلى الحقيقة والعدل، وهو ميلٌ وجد التحمس
والتشجيع من والديَّ، وكنت ذات روح «فروسية» ورثْتُها من أصلي السكسوني،
ومن اكتشافي، وأنا أقترب من الرابعة عشرة من عمري، لسيرانو دو بيرجوراك،
الذي جعلْته لي قدوة ومرجعاً «.
وقد كان عندها مرجعاً شديد الرسوخ. فيومَ بيَّن أحد الأساتذة للشابة
كريستيان لاواقعية بطلها، لم تتمالك نفسها من الرد عليه أنها ستوجِد، في
تلك الحالة، تلك الشخصيةَ. بيد أن المثُل التي كانت تتغذى عليها تربيتها
كانت تسير يومئذ في توافق وتوازٍ مع التصور التقليدي لنظام الحماية، والذي
قالت عنه :
«لم أتساءل طيوال فترة مراهقتي عن مشروعية وجودنا في المغرب. فقد كنت
أحمل في ذهني كثيراً من الصور التي نسجها إيبينال للجمال الحضاري لبلدنا.
وكان ليوطي حاضراً ليضفي المصداقية على هذه الرؤية إلى نظام الحماية. فلم
يكن بالرجل الذي يحتقر المغاربة، بل قد يكون وقد حاربهم، اكتشف عظمتَهم من
شجاعتهم ونبلهم واعتدادهم بنفوسهم. ومن أسفٍ أن أولئك الذين زعموا أنهم
خلَفوه كانوا من طينة دون طنته. وقد تحتم عليَّ أن أراجع تصوري للأمور، وأن
أعي أنها تكن بتلك البساطة التي كنت أتصوَّرها لها .
وسرعان ما تعرَّضَتْ كريستيان داربور لصدمة عجَّلت بتحولها :
«لقد افتُضِح أمام ناظري الدجل الفرنسي يوم أن كانت «المصيدة» التي
نصبتْها مصالح البوليس التابعة لنظام الحماية في مقر النقابات في الدار
البيضاء في دجنبر 1952، وقد كان افتضاحاً من قوة لا يمكن دحضها... وآلمني
أن أقول في قرارة نفسي إن فرنسا لم تكن في أعين المغاربة لا جميلة ولا
عظيمة . وصرت أصبو منذئذ إلى أن أكون شاهدة على فرنسا الأخرى، فرنستي. ومنذ
أن تفتحت عيناي، لم أغمضهما أبداً» (من رسالة في دجنبر 1996).
آن ماري روزيلي
المدنية كان على رايتزر أن يضطلع به بعدئذ، بكل أنــــــفة واعتداد، بما هو
مرجع لعمله؛ هو القائل :
«بعد أن فررت والتحقت بدوغول، عملت في الشرق الأوسط تحت إمــــرة
الجنرال كاترو، وقد كان صديقاً لوالدي «.
وأما النياشين الكثيرة التي حاز عليها جاك رايزر، ونخص منها بالذكر
وسام الحرب، ووسام المقاتل المتطوِّع للمقاومة، ووسام المقاتل المتطوِّع في
سبيل فرنسا الحرة، بالإضافة إلى وسام الشرف»، فإنه لم يكن يذكرها أو يعتد
بها إلا في بعض المواقف الاستثنائية، عندما كان عمله التحرري يجر عليه
انتقادات المنتقدين لوطنيته. وقد كانت نزاهته على قدر شجاعته. فقد جمعته
مقابلة مع رئيس الجمهورية فانسن أوريول في سنة 1953، فأكد خلالها قوله :
«إنني لا أنشد أي منفعة. فأنا أعيش في المغرب منذ أربعين سنة، ولم
أُصِبْ فيه ثراء. بل أعمل ما أعمل دفاعاً عن حقوق الإنسان. (وثيقة نقلها
جاك رايتزر).
ومن غريب أن الفرنسيين الذين ولِدوا في المغرب قبل أربعين سنة، وكانوا
متشبعين بالمثُل نفسها ومتجردين من الأحكام المسبقة، قد عاشوا، لبعض الوقت،
في جهل بالانحرافات السياسية لنظام الحماية. ومن هؤلاء غي ديلانوا. فقد
أمضى الرجل طفولته في وئام وانسجام مع الوسط المغربي، ثم اتجه إلى العمل
بالطب، وفاءً لوالديْه وتفانيهما في مداواة مرضاهم. وقد كان قناعة مكينة
بالمهمة الحضارية لفرنسا (في المغرب (وهو الذي قال في هذا الصدد :
«كنت في مقتبل العمر طبيباً ميسور الحال، استقررت في مدينة أوروبية،
على الرغم من معرفتي باللغة العربية، وتجردي من أي أحكام مسبقة. وكان المال
يحيطني، برغم أنفي، بشيء من التمييز العنصري ، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي
اهتديت فيه إلى «سبيلي الصحيحة» (من رسالة بتاريخ 20 شتنبر 1989).
ثم كانت الصدمة قاسية، قال فيها :
«تم تعييني في سنة 1951 طبيبَ عمل في مصنع كوسوما للسكر، وهو أكبر مقاولة
في مدينة الدار البيضاء، إذ يشغِّل أزيد من ألفي عامل. وسرعان ما تبيَّنت
الحقيقة الاستعمارية، والاستغلال الذي كان يقع على اليد العاملة هزيلة
الأجر، والتمييز الجائر، وبؤس الساكنة العاملة، والعسف الشنيع الذي ينزله
بها المشغلون المستفيدين من تواطؤ البوليس» (من حوار بتاريخ 4 أكتوبر
1989).
هذا الاكتشاف أدخل الاضطراب والبلبلة في تفكير الدكتور الشاب، الذي ورث
عن أبويه ـ ميراثاً من المثُل الديمقراطية ـ . فقد رأى أن فرنسا أخلَّت
بـ «المهمة الحضارية « التي تتبجح بها، وأنها فقدت ثقة الشعوب التي تدعي
نفاقاً أنها تقوم بـ» حمايتها» ، وما هي في الواقع إلا « تستعمرها و
تستعبدها» . فكان سبباً في تحول الدكتور ديلانوا إلى صف الأحرار.
وشبيهاً بمسار غي ديلانوا كان مسار الصحافية كريستيان داربور، التي
استقرت في المغرب منذ الطفولة، والذي قالت عنه :
«كنت ميالة، بحكم تربيتي، إلى الحقيقة والعدل، وهو ميلٌ وجد التحمس
والتشجيع من والديَّ، وكنت ذات روح «فروسية» ورثْتُها من أصلي السكسوني،
ومن اكتشافي، وأنا أقترب من الرابعة عشرة من عمري، لسيرانو دو بيرجوراك،
الذي جعلْته لي قدوة ومرجعاً «.
وقد كان عندها مرجعاً شديد الرسوخ. فيومَ بيَّن أحد الأساتذة للشابة
كريستيان لاواقعية بطلها، لم تتمالك نفسها من الرد عليه أنها ستوجِد، في
تلك الحالة، تلك الشخصيةَ. بيد أن المثُل التي كانت تتغذى عليها تربيتها
كانت تسير يومئذ في توافق وتوازٍ مع التصور التقليدي لنظام الحماية، والذي
قالت عنه :
«لم أتساءل طيوال فترة مراهقتي عن مشروعية وجودنا في المغرب. فقد كنت
أحمل في ذهني كثيراً من الصور التي نسجها إيبينال للجمال الحضاري لبلدنا.
وكان ليوطي حاضراً ليضفي المصداقية على هذه الرؤية إلى نظام الحماية. فلم
يكن بالرجل الذي يحتقر المغاربة، بل قد يكون وقد حاربهم، اكتشف عظمتَهم من
شجاعتهم ونبلهم واعتدادهم بنفوسهم. ومن أسفٍ أن أولئك الذين زعموا أنهم
خلَفوه كانوا من طينة دون طنته. وقد تحتم عليَّ أن أراجع تصوري للأمور، وأن
أعي أنها تكن بتلك البساطة التي كنت أتصوَّرها لها .
وسرعان ما تعرَّضَتْ كريستيان داربور لصدمة عجَّلت بتحولها :
«لقد افتُضِح أمام ناظري الدجل الفرنسي يوم أن كانت «المصيدة» التي
نصبتْها مصالح البوليس التابعة لنظام الحماية في مقر النقابات في الدار
البيضاء في دجنبر 1952، وقد كان افتضاحاً من قوة لا يمكن دحضها... وآلمني
أن أقول في قرارة نفسي إن فرنسا لم تكن في أعين المغاربة لا جميلة ولا
عظيمة . وصرت أصبو منذئذ إلى أن أكون شاهدة على فرنسا الأخرى، فرنستي. ومنذ
أن تفتحت عيناي، لم أغمضهما أبداً» (من رسالة في دجنبر 1996).
آن ماري روزيلي
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
توجد في المغرب وسائل أخرى غير إراقة الدماء
شبيهة بهذه
الدوافع قادت فرنسياً آخر من الأحرار، جاء هذه المرة من فرنسا؛ ذلك هو
باسكال كوب. فقد كان مقاوماً، جمع من حوله بعض رجال المقاومة في جنوب
فرنسا، وكان يتولى قيادتهم. وقد كان مقرباً من جون مولان، فالتحق بلندن،
وخلَف أستيي في ?المجلس الوطني للمقاومة?، وأصبح مساعد كامي في صحيفة
«كومبا». ولقد قال في ما بعد مؤكداً بشدة :
«كنا نستفظع العيش بين أناس محرومين من أقدس حقوقهم. ولم يكن في مقدورنا أن
نكون أحراراً إلا بين ظهراني شعب حر. وما كان خوضنا للمعركة التي خضناها
إلا بهدف أن نكون منسجمين مع ضمائرنا، ومن أجل أن نمثِّل بلدنا أكرم تمثيل.
لقد خضنا تلك المعركة في المغرب، كما كان في الإمكان أن نخوضها في غيره من
البلدان. إنها معركة من أجل التحرر، ودفع كل أشكال القمع».(من كلمة ألقاها
في اجتماع ضم الأحرار والمغاربة، ونشرتها صحيفة «ماروك بريس»، بتاريخ 8
يناير 1956).
وجاء فرنسي آخر إلى المغر بذكرى حية عن الاحتلال والمقاومة؛ ذلك هو هنري
روبير كازالي. ثم أتبع نظرتَه الجديدة بتحليل يسير في الاتجاه نفسه.
وكازولي ابنٌ لمعلِّم مقاوم في أرييج، قد اعتُقِلَ، ونفيَ، وأعدِم في معسكر
الانتقامات. فواصل الابن مسار والده في المقاومة والتحرر. فكان التحاقه
بالطيران. ولما وضعت الحرب أوزارها، شرع هنري روبير كازالي في الدراسة في
مدرسة الأرصاد الجوية، وابتدأ عمله مهندساً إرصادياً. وقد قال في هذا الصدد
:
«تخرِّجت في شتنبر 1948 بصفة المهندس المتدرب من المدرسة، وعيِّنت في
المغرب رفقة ثلاثة من زملائي. فتوجهنا إلى الدار البيضاء. وكان أول ما
اندهشت له أنه لم يكن لي في المصلحة التي أعمل فيها زميل مغربي واحد». (من
رسالة بتاريخ دجنبر 1993).
وكانت المعاينة الثانية ذلك التفاوتَ الاجتماعي الصادم، والذي قال عنه
كازالي :
«ومع أننا عشنا في بادئ الأمر وضعية صعبة؛ من ناحيتي السكنى والتموُّن،
فإنها كانت وضعية أرحمَ بكثير من الوضعية التي اكتشفناها في دور الصفيح
المجاورة للثكنة، حيث كانت أسر بكاملها تأتي في كل صباح، لتقلِّب في
مزابلنا. وقد لزمنا أن نتعوَّد على العيش بجوار هذا البؤس الذي كانت
المجهودات الفردية عاجزة عن التخفيف منه. إن هذا التعايش بين بؤس سكان كانت
جماهير لا تفتأ في تزايد مستمر للاحتشاد حول المدن، وبين الثراء المعروض
في بعض الأحيان في غير حياء في أحياء سكنية قد أصبح بطول الوقت أمراً لا
يُطاق. وقد تكون التوترات الناجمة عن هذه الثنائية القطبية هي التي أدتْ،
من دون شك، بعد بضع سنوات من وصولي إلى المغرب، إلى انفجار النظام
الإمبريالي»(نفسه).
ومنذئذ رُسِم مسار هنري روبير كازالي :
«لقد بدا لي الانتماء إلى التيار التحرري هو أقل ما يتعيَّن عليَّ أن أفعل،
بحكم أصولي السياسية، فقد كان والدي مقاوماً، ولقد اعتُقِلَ، وأُعدِم،
ولعزمي ألا أنحرف عن الخط السياسي والأخلاقي الذي رسمه لي، وتعاطفي مع
«اليسار الجديد» وانخراطي في الكونفدرالية العامة للشغالين».
وقدِم أستاذ للفسلسفة في مقتبل العمر؛ ذلك هو أوليفيي كوتينو، إلى المغرب
في سنة 1953، بعد مقام قصير كان له في ياوندي، في سنة 1951، قال عنه «إنه
فتَّح ذهنه على المشكلات الاستعمارية». وكان قد دعاه أحد الجامعيين؛ ذلك هو
بول روبير، للمشاركة في إعداد المعجم الشهير «روبير الكبير». وكان الفريق
العامل في إعداد ذلك المعجم قد استقر في الجزائر العاصمة، ثم انتقل بعدئذ،
في يناير 1953، إلى مدينة الدار البيضاء. وقال أوليفيي كوتينو في شرح سبب
مجيئه إلى المغرب :
«ما الذي دعانا إلى إنجاز هذا العمل المبارك في المغرب؟ لقد دعتنا إلى ذلك
أسباب بسيطةٌ. لقد كان «معجم روبير» يُباع بالاكتتاب، وكانت الضرائب التي
توجبها الحماية غاية في اليسر والتهاود».
لكن هيئة تحرير «معجم روبير» لم (تقتنِع) بأوليفيي كوتينو. وقد قال في ذلك :
«لم أكن بلغت الثلاثين، وقد كان سني ذاك غير كاف لإشباع حيويتي. وفي شتنبر
1953 أنشأت مركزاً ثقافياً صار يتوافد عليه بعض الشبان من فرنسيي المغرب
لمتابعة بعض المحاضرات والدروس في اللغتين العربية والدارجة. وقد اكتشفت أن
مواطنيَّ كانوا لا يعرفون من اللغة العربية غير بعض الكلمات النفعية» (من
حوار معه في 28 يوليوز 1995).
وهو شذوذ سرعان ما تكشَّف للقادم الجديد، كما تكشَّف له في الوقت ذاته،
التمييز (العنصري)، وبعض التصرفات البوليسية الخشنة المثيرة للغضب. قال
كوتينو :
«إنها أنشطة وتجارب وجهتني نحو تفكير نقدي في وضعية الحماية. وقد واصل
أوليفيي كوتينو تعاونه في إعداد «معجم روبير»، لكنه أخذ يقوم بموازاة لذلك
بمبادرات أخرى. فبعد أن أنشأ ذلك المركز الثقافي، قام بإنشاء ثانوية ذات
تسيير ذاتي؛ إذ يشارك التلاميذ في تسييرها. وقد كان «كور باسكال» أول مؤسسة
من هذا النوع، وقد استقبلت حوالي مائة من الفتيات والفتيان، من فرنسيين
ومغاربة. وحظيت دروس أوليفيي كوتينو والمنهاج الذي كان يتبعه فيها بالتقدير
والتثمين. وأمكن له أن يرتبط بعلاقات متنوِّعة بفعل مختلف هذه الأنشطة.
وسرعان ما تأدى من تلك الالتقاءات إلى التعرُّف على الأحرار. وقد كان أول
من تعرَّف عليه منهم روبير أوران. ثم تعرَّف في ما بعد على غي ديلانو، وعلى
نقيب المحامين بول بوتان، الذي سيصير كاتباً متعاوناً مع مجلته
«كونفليون»، وباسكال كوبو وأنطوان مازيلا، الذي عهِد إليه بتحرير بعض
المقالات لأجل صحيفة «مارووك بريس». وقد قال عنهم :
«كان هؤلاء الأصدقاء يشتركون جميعاً في حالة فكرية إنسانية. فقد كانوا
مجلولين على التسامح واحترام الآخرين، من غير دوغمائية أو انقياد أدلوجي.
وكان التقليد الجمهوري الذي نشأ في عام 1798، ثم اكتمل تشكله النهائي في
عام 1898، هو مرجعنا غير المباشر. وعليه فقد كنا نستمدُّ مثَلنا من مصادر
عمل المسيحيين الملتزمين بالقيم الديمقراطية» (حوار 28 يوليوز 1995).
الدوافع قادت فرنسياً آخر من الأحرار، جاء هذه المرة من فرنسا؛ ذلك هو
باسكال كوب. فقد كان مقاوماً، جمع من حوله بعض رجال المقاومة في جنوب
فرنسا، وكان يتولى قيادتهم. وقد كان مقرباً من جون مولان، فالتحق بلندن،
وخلَف أستيي في ?المجلس الوطني للمقاومة?، وأصبح مساعد كامي في صحيفة
«كومبا». ولقد قال في ما بعد مؤكداً بشدة :
«كنا نستفظع العيش بين أناس محرومين من أقدس حقوقهم. ولم يكن في مقدورنا أن
نكون أحراراً إلا بين ظهراني شعب حر. وما كان خوضنا للمعركة التي خضناها
إلا بهدف أن نكون منسجمين مع ضمائرنا، ومن أجل أن نمثِّل بلدنا أكرم تمثيل.
لقد خضنا تلك المعركة في المغرب، كما كان في الإمكان أن نخوضها في غيره من
البلدان. إنها معركة من أجل التحرر، ودفع كل أشكال القمع».(من كلمة ألقاها
في اجتماع ضم الأحرار والمغاربة، ونشرتها صحيفة «ماروك بريس»، بتاريخ 8
يناير 1956).
وجاء فرنسي آخر إلى المغر بذكرى حية عن الاحتلال والمقاومة؛ ذلك هو هنري
روبير كازالي. ثم أتبع نظرتَه الجديدة بتحليل يسير في الاتجاه نفسه.
وكازولي ابنٌ لمعلِّم مقاوم في أرييج، قد اعتُقِلَ، ونفيَ، وأعدِم في معسكر
الانتقامات. فواصل الابن مسار والده في المقاومة والتحرر. فكان التحاقه
بالطيران. ولما وضعت الحرب أوزارها، شرع هنري روبير كازالي في الدراسة في
مدرسة الأرصاد الجوية، وابتدأ عمله مهندساً إرصادياً. وقد قال في هذا الصدد
:
«تخرِّجت في شتنبر 1948 بصفة المهندس المتدرب من المدرسة، وعيِّنت في
المغرب رفقة ثلاثة من زملائي. فتوجهنا إلى الدار البيضاء. وكان أول ما
اندهشت له أنه لم يكن لي في المصلحة التي أعمل فيها زميل مغربي واحد». (من
رسالة بتاريخ دجنبر 1993).
وكانت المعاينة الثانية ذلك التفاوتَ الاجتماعي الصادم، والذي قال عنه
كازالي :
«ومع أننا عشنا في بادئ الأمر وضعية صعبة؛ من ناحيتي السكنى والتموُّن،
فإنها كانت وضعية أرحمَ بكثير من الوضعية التي اكتشفناها في دور الصفيح
المجاورة للثكنة، حيث كانت أسر بكاملها تأتي في كل صباح، لتقلِّب في
مزابلنا. وقد لزمنا أن نتعوَّد على العيش بجوار هذا البؤس الذي كانت
المجهودات الفردية عاجزة عن التخفيف منه. إن هذا التعايش بين بؤس سكان كانت
جماهير لا تفتأ في تزايد مستمر للاحتشاد حول المدن، وبين الثراء المعروض
في بعض الأحيان في غير حياء في أحياء سكنية قد أصبح بطول الوقت أمراً لا
يُطاق. وقد تكون التوترات الناجمة عن هذه الثنائية القطبية هي التي أدتْ،
من دون شك، بعد بضع سنوات من وصولي إلى المغرب، إلى انفجار النظام
الإمبريالي»(نفسه).
ومنذئذ رُسِم مسار هنري روبير كازالي :
«لقد بدا لي الانتماء إلى التيار التحرري هو أقل ما يتعيَّن عليَّ أن أفعل،
بحكم أصولي السياسية، فقد كان والدي مقاوماً، ولقد اعتُقِلَ، وأُعدِم،
ولعزمي ألا أنحرف عن الخط السياسي والأخلاقي الذي رسمه لي، وتعاطفي مع
«اليسار الجديد» وانخراطي في الكونفدرالية العامة للشغالين».
وقدِم أستاذ للفسلسفة في مقتبل العمر؛ ذلك هو أوليفيي كوتينو، إلى المغرب
في سنة 1953، بعد مقام قصير كان له في ياوندي، في سنة 1951، قال عنه «إنه
فتَّح ذهنه على المشكلات الاستعمارية». وكان قد دعاه أحد الجامعيين؛ ذلك هو
بول روبير، للمشاركة في إعداد المعجم الشهير «روبير الكبير». وكان الفريق
العامل في إعداد ذلك المعجم قد استقر في الجزائر العاصمة، ثم انتقل بعدئذ،
في يناير 1953، إلى مدينة الدار البيضاء. وقال أوليفيي كوتينو في شرح سبب
مجيئه إلى المغرب :
«ما الذي دعانا إلى إنجاز هذا العمل المبارك في المغرب؟ لقد دعتنا إلى ذلك
أسباب بسيطةٌ. لقد كان «معجم روبير» يُباع بالاكتتاب، وكانت الضرائب التي
توجبها الحماية غاية في اليسر والتهاود».
لكن هيئة تحرير «معجم روبير» لم (تقتنِع) بأوليفيي كوتينو. وقد قال في ذلك :
«لم أكن بلغت الثلاثين، وقد كان سني ذاك غير كاف لإشباع حيويتي. وفي شتنبر
1953 أنشأت مركزاً ثقافياً صار يتوافد عليه بعض الشبان من فرنسيي المغرب
لمتابعة بعض المحاضرات والدروس في اللغتين العربية والدارجة. وقد اكتشفت أن
مواطنيَّ كانوا لا يعرفون من اللغة العربية غير بعض الكلمات النفعية» (من
حوار معه في 28 يوليوز 1995).
وهو شذوذ سرعان ما تكشَّف للقادم الجديد، كما تكشَّف له في الوقت ذاته،
التمييز (العنصري)، وبعض التصرفات البوليسية الخشنة المثيرة للغضب. قال
كوتينو :
«إنها أنشطة وتجارب وجهتني نحو تفكير نقدي في وضعية الحماية. وقد واصل
أوليفيي كوتينو تعاونه في إعداد «معجم روبير»، لكنه أخذ يقوم بموازاة لذلك
بمبادرات أخرى. فبعد أن أنشأ ذلك المركز الثقافي، قام بإنشاء ثانوية ذات
تسيير ذاتي؛ إذ يشارك التلاميذ في تسييرها. وقد كان «كور باسكال» أول مؤسسة
من هذا النوع، وقد استقبلت حوالي مائة من الفتيات والفتيان، من فرنسيين
ومغاربة. وحظيت دروس أوليفيي كوتينو والمنهاج الذي كان يتبعه فيها بالتقدير
والتثمين. وأمكن له أن يرتبط بعلاقات متنوِّعة بفعل مختلف هذه الأنشطة.
وسرعان ما تأدى من تلك الالتقاءات إلى التعرُّف على الأحرار. وقد كان أول
من تعرَّف عليه منهم روبير أوران. ثم تعرَّف في ما بعد على غي ديلانو، وعلى
نقيب المحامين بول بوتان، الذي سيصير كاتباً متعاوناً مع مجلته
«كونفليون»، وباسكال كوبو وأنطوان مازيلا، الذي عهِد إليه بتحرير بعض
المقالات لأجل صحيفة «مارووك بريس». وقد قال عنهم :
«كان هؤلاء الأصدقاء يشتركون جميعاً في حالة فكرية إنسانية. فقد كانوا
مجلولين على التسامح واحترام الآخرين، من غير دوغمائية أو انقياد أدلوجي.
وكان التقليد الجمهوري الذي نشأ في عام 1798، ثم اكتمل تشكله النهائي في
عام 1898، هو مرجعنا غير المباشر. وعليه فقد كنا نستمدُّ مثَلنا من مصادر
عمل المسيحيين الملتزمين بالقيم الديمقراطية» (حوار 28 يوليوز 1995).
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
رد: ذاكرة مغربية في تاريخ فرنسا : الفرنسيُّون الأحـْرار في المغرب المأزوم (1955-1945)
لم يكن
الاستعماريون يروْن في تعليلات الأحرار، أياً كانت مصادرها، سوى تعبيرات
متعددة الأشكال عن أدلوجة ماركسية، مخرِّبة، وكانوا يعتبرون أتباعها
ومُشايعيها مستفزين خطرين.
وحكى جاك بيرك، الذي كان في سنة 1934 عضواً في مصالح الإقامة، ثم أصبح في
ما بعد مراقِباً مدنياً غيرَ امتثالي (وهذه نوعية نادرة جداً)، حكى عن
التقلبات التي طبعت مساره المهني في كتابه «مذكرات من الضفتين» (1989)،
قائلاً :
«كانت اختياراتي تزداد مع الأيام ميلاً إلى اليسار؛ وكانت لي اتصالات
بمناضلين مخلصين لقناعاتهم، ذلكم هم المسئولون عن صحيفة الكونفدرالية
العامة للعمال «لوبوتي ماروكان»، التي كان يرأس تحريرها أنطوان مازيلا. بل
إن الأمر بلغ بي إلى الانخراط في الكونفدرالية. وقد كان ذلك فعلاً خارقاً،
إذ صرت عاراً على المراقبة المدنية».
كان يُنظَر يومئذ إلى الشيوعيين في ريبة وانعدام للثقة. وهو ما أثار في نفس
هنري روبير كازالي سخطاً شديداً، عبَّر عنه في كتاب له؛ إذ كتب :
«كنت أتجوَّل في ربوع البلاد، وإذا بي أتوقف في إحدى القرى، وأستفسر من
المراقب المدني عن عدد الفرنسيين المقيمين فيها. فكان جوابه عن سؤالي مما
أثار دهشتي واستغرابي؛ إذ قال : «يوجد فيها سبعة، بالإضافة إلى شيوعي، يعمل
معلماً» (من كتاب «جولة ميكولي»، نشر هورواث).
ونحن نتصوَّر السخطَ الذي تملَّك وقتها هنري روبير كازالي، وهو ابن
المعلِّم، والمنتمي، في جرأةٍ وشجاعة، إلى اليسار، بسبب هذا التمييز. وأما
في ما بعد سنة 1952 فلم يعد للشيوعيين وجودٌ؛ ذلك بأن عملية كاريير سانطرال
المأساوية (والتي سوف نعود بالحديث إليها في وقت لاحق) كانت ذريعة
لإشراكهم في القمع، والحكم عليهم بالطرد والإبعاد. وقد كان أكثر عمليات
الإبعاد فضائحية وتلوثاً بسوء النية واللاإنسانية ذلك الذي وقع على بيير
بارن.
فقد حلَّ بيير بارن بالمغرب في سنة 1916، وكان بعد ضابطاً في ريعان الشباب،
يحظى بتقدير ليوطي. وقد كان أصيب خلال الحرب، فترك الجيش واستقر على مقربة
من مدينة الدار البيضاء في سنة 1933 . فكان يعامل عماله بالعدل والإنصاف.
وقد بارن ارتبط بالمغاربة، حتى الوطنيين منهم، بعلاقات صداقة. ولم يتورّع
عن إدانة واستنكار ما وقف عليه من مظاهر الحيف والجور على صفحات جريدة كانت
تصدر في ذلك العهد؛ تلك هي «الاستقلال». فأصبح بيير بارن بذلك هدفاً لحقد
الاستعماريين، الذين لم يكن من الغريب أن صاروا يرمونه بـ»القائد
الاستقلالي الشيوعي»، وهي عبارة كانت يومئذ جارية على الألسن في «سشم
الأحرار». فقد كتب جاك بيرك :
«في تلك الفترة لم يكن في إمكان الفرنسيين أن يقوموا بأي عمل غير استنكار
التعسفات، وقد كان استنكاراً جديراً بالتقدير».
والواقع أن المخاطر التي كانت تتهدَّد الأحرار لم تكن تنحصر في الإهانات
والسب والشتم. فالأساتذة الثلاثة عشر الذين وقَّعوا في الدار البيضاء في
سنة 1952 رسالةً احتجاجية على القمع المفرط لمظاهرة عمالية تحوَّلت بفعل
استفزازات رجال البوليس إلى فتنة وهياج، أدوا ثمن جرأتهم وشجاعتهم بمختلف
العقوبات، التي طالت حتى غير المدرِّسين. فقد بادرت الإقامة العامة إلى طرد
نحو أربعين من المناضلين النقابيين، والشيوعيين بين حقيقيين ومزعومين، وقد
كان من بينهم بيير بارن، الذي لُفِّقت له في تلك المناسبة تهمة زائفة. فقد
سبق لبيير بارن أن كتب في صحيفة «الاستقلال» : «توجد في المغرب وسائل أخرى
غير إراقة الدماء». فعمدت مصالح الإقامة، في اتهامها لبيير بارن،
بالاستشهاد بهذا النص، بعد تحريفه؛ إذ جعلتْه على النحو التالي : «لا توجد
في المغرب وسائل أخرى غير إراقة الدماء». ولم يُتَح لبيير بارن أن يأتي
بتكذيبٍ لهذا التحريف، فكان اعتقاله، ورمْيه في طائرةٍ حملَت المبعَدين،
وقد وضعت الأصفاد في معصمه الوحيد؛ ذلك بأن بيير بارن، وهو الضابط الشجاع،
كان قد فقد إحدى ذراعيه خلال الحرب....
الاستعماريون يروْن في تعليلات الأحرار، أياً كانت مصادرها، سوى تعبيرات
متعددة الأشكال عن أدلوجة ماركسية، مخرِّبة، وكانوا يعتبرون أتباعها
ومُشايعيها مستفزين خطرين.
وحكى جاك بيرك، الذي كان في سنة 1934 عضواً في مصالح الإقامة، ثم أصبح في
ما بعد مراقِباً مدنياً غيرَ امتثالي (وهذه نوعية نادرة جداً)، حكى عن
التقلبات التي طبعت مساره المهني في كتابه «مذكرات من الضفتين» (1989)،
قائلاً :
«كانت اختياراتي تزداد مع الأيام ميلاً إلى اليسار؛ وكانت لي اتصالات
بمناضلين مخلصين لقناعاتهم، ذلكم هم المسئولون عن صحيفة الكونفدرالية
العامة للعمال «لوبوتي ماروكان»، التي كان يرأس تحريرها أنطوان مازيلا. بل
إن الأمر بلغ بي إلى الانخراط في الكونفدرالية. وقد كان ذلك فعلاً خارقاً،
إذ صرت عاراً على المراقبة المدنية».
كان يُنظَر يومئذ إلى الشيوعيين في ريبة وانعدام للثقة. وهو ما أثار في نفس
هنري روبير كازالي سخطاً شديداً، عبَّر عنه في كتاب له؛ إذ كتب :
«كنت أتجوَّل في ربوع البلاد، وإذا بي أتوقف في إحدى القرى، وأستفسر من
المراقب المدني عن عدد الفرنسيين المقيمين فيها. فكان جوابه عن سؤالي مما
أثار دهشتي واستغرابي؛ إذ قال : «يوجد فيها سبعة، بالإضافة إلى شيوعي، يعمل
معلماً» (من كتاب «جولة ميكولي»، نشر هورواث).
ونحن نتصوَّر السخطَ الذي تملَّك وقتها هنري روبير كازالي، وهو ابن
المعلِّم، والمنتمي، في جرأةٍ وشجاعة، إلى اليسار، بسبب هذا التمييز. وأما
في ما بعد سنة 1952 فلم يعد للشيوعيين وجودٌ؛ ذلك بأن عملية كاريير سانطرال
المأساوية (والتي سوف نعود بالحديث إليها في وقت لاحق) كانت ذريعة
لإشراكهم في القمع، والحكم عليهم بالطرد والإبعاد. وقد كان أكثر عمليات
الإبعاد فضائحية وتلوثاً بسوء النية واللاإنسانية ذلك الذي وقع على بيير
بارن.
فقد حلَّ بيير بارن بالمغرب في سنة 1916، وكان بعد ضابطاً في ريعان الشباب،
يحظى بتقدير ليوطي. وقد كان أصيب خلال الحرب، فترك الجيش واستقر على مقربة
من مدينة الدار البيضاء في سنة 1933 . فكان يعامل عماله بالعدل والإنصاف.
وقد بارن ارتبط بالمغاربة، حتى الوطنيين منهم، بعلاقات صداقة. ولم يتورّع
عن إدانة واستنكار ما وقف عليه من مظاهر الحيف والجور على صفحات جريدة كانت
تصدر في ذلك العهد؛ تلك هي «الاستقلال». فأصبح بيير بارن بذلك هدفاً لحقد
الاستعماريين، الذين لم يكن من الغريب أن صاروا يرمونه بـ»القائد
الاستقلالي الشيوعي»، وهي عبارة كانت يومئذ جارية على الألسن في «سشم
الأحرار». فقد كتب جاك بيرك :
«في تلك الفترة لم يكن في إمكان الفرنسيين أن يقوموا بأي عمل غير استنكار
التعسفات، وقد كان استنكاراً جديراً بالتقدير».
والواقع أن المخاطر التي كانت تتهدَّد الأحرار لم تكن تنحصر في الإهانات
والسب والشتم. فالأساتذة الثلاثة عشر الذين وقَّعوا في الدار البيضاء في
سنة 1952 رسالةً احتجاجية على القمع المفرط لمظاهرة عمالية تحوَّلت بفعل
استفزازات رجال البوليس إلى فتنة وهياج، أدوا ثمن جرأتهم وشجاعتهم بمختلف
العقوبات، التي طالت حتى غير المدرِّسين. فقد بادرت الإقامة العامة إلى طرد
نحو أربعين من المناضلين النقابيين، والشيوعيين بين حقيقيين ومزعومين، وقد
كان من بينهم بيير بارن، الذي لُفِّقت له في تلك المناسبة تهمة زائفة. فقد
سبق لبيير بارن أن كتب في صحيفة «الاستقلال» : «توجد في المغرب وسائل أخرى
غير إراقة الدماء». فعمدت مصالح الإقامة، في اتهامها لبيير بارن،
بالاستشهاد بهذا النص، بعد تحريفه؛ إذ جعلتْه على النحو التالي : «لا توجد
في المغرب وسائل أخرى غير إراقة الدماء». ولم يُتَح لبيير بارن أن يأتي
بتكذيبٍ لهذا التحريف، فكان اعتقاله، ورمْيه في طائرةٍ حملَت المبعَدين،
وقد وضعت الأصفاد في معصمه الوحيد؛ ذلك بأن بيير بارن، وهو الضابط الشجاع،
كان قد فقد إحدى ذراعيه خلال الحرب....
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
فرنسي يفضح الامتيازات الضريبية الممنوحة للكلاوي ومداخيله من القوادة
كانت بداية جاك
جواني بالعمل عسكرياً، ثم انقطع عنه بسبب المرض، ليعمل بعد ذلك مستشاراً في
بنك دولة المغرب. وقد أمكن له أن يعي مشكلات الاحتلال بعد أن أعيد تكوينه
وترحيله إلى المغرب، مسقط رأسه. فقد كان مولده في مدينة مراكش سنة 1921،
لأب ضابط في شؤون الأهالي، قدِم إلى المغرب في سنة 1917 .
أمضى جاك جواني طفولته في مدن مغربية كمراحل، وتابع، شأن كثير من مواطنيه،
دراسته في فرنسا، وتحديداً في المدرسة العسكرية في لافليش. وفي سنة 1940
أعادته الحرب إلى بلدان المغرب، فاستقر أول الأمر في الجزائر، ثم في تونس؛
حيث شارك في الطور النهائي من الحملة [على هذا البلد]. ثم اضطره المرض في
لأخير للعودة إلى المغرب، وتحديداً إلى آزرو، ووجَّهه نحو التفكير الفلسفي
والسياسي.
قال جواني في هذا الصدد :
«اكتشفت بفضل صديق لإمانويل مونيي فلسفة هذا الأخير للشخصانية وتطبيقها في
المغرب. وقد تعرفت على الأستاذ بوطان، وكتبت بعض المقالات التقنية
في مجلاته. ثم انخرطت في الحركة الجمهورية الشعبية، واتخذت لي موقعاً في ـ
الجناح اليساري ـ المعارض لسياسة بيدو. وانخرطت كذلك في حركة «الحياة
الجديدة» التي كانت تضم مسيحيين يساريين همهم أن ينخرطوا في المجتمع الذي
يعيشون فيه» (من رسالة بتاريخ 10 يونيو 1995).
لقد كان جاك جواني يتناول المشكلة المغربية من خلال القضايا
الاجتماعية. وكان أول عمل معارِض قام به هو المتمثل في أطروحته للدكتوراه
في القانون التي كرسها لموضوع يتصل بميدان صعب، بل حارق. وهو القائل :
«قمت بدراسة تطور نظام الضريبة المغربي على عهد الحماية منذ أن قام هذا
النظام (في 3 مجلدات، باريس، 1953). وقد جئت في هذا الكتاب بانتقادات لهذه
الضريبة، همت الامتيازات الضريبية الممنوحة إلى بعض الأعيان، خاصة منهم
الكلاوي الذي أوردت جرداً بدخوله وعائداته من القوادة. وقد حصلت على
الوثائق التي اعتمدتها في هذه الدراسة بكل بساطة، من الوثائق الرسمية غير
المنشورة، التي كنت أصل إليها بيسر وسهولة. لكن لم يكن للإقامة أن تنظر
بعين الرضا إلى هذا العمل». (من حوار معه في 8 مارس 1996).
كلا، إن الإقامة لم تثمِّن الحس النقدي لهذا المستشار الشاب العامل في بنك
الدولة، والذي سبق لها أن منعت مقالاً من مقالاته بعنوان : «المغرب، قضية
دولية». وقد أوضح جاك جواني أن تلك كانت ، مقاربة أولية، لكن حذِرة.
ومن بين الفرنسيين الذين كرسوا مهنتهم لخدمة الدفاع عن حقوق المغاربة، نذكر
المحامين الذين يستحقون تحية خاصة لشجاعتهم وتفانيهم المثاليين.
ومن هؤلاء الأستاذ بول بوطان، وقد كان محامياً في مقتبل العمر. قدِم إلى
المغرب في سنة 1920، والتحق بسلك المحاماة في الرباط، وأقام بمكناس؛ حيث
كان نقيباً للمحامين في الفترة بين 1939 و1944 .
ولم يلبث بوطان أن جمع إلى أنشطته المهنية عملاً نضالياً في الميدانين
الاجتماعي والفلاحي. وأصدر مجلات إخبارية كثيرة. ثم أنشأ مركز العمل
الاجتماعي وملحقه «أيام العمل الاجتماعي»، الذي سنتعرَّف على دوره أثناء
تناولنا لمجموعات الأحرار.
بدأ الأستاذ بوتان اتصالاته بالوطنيين منذ سنة 1947، وأخذ يساند مطالبهم
المشروعة، وطرق في غير تحفُّظ آفاق الاستقلال. وأدان تعسفات الإدارة
وإفراطها في القمع. ودافع باستماتة عن المتهمين أمام المحاكم. وهو عمل كان
من البديهي أن يصير «سياسياً»؛ كان يقبل عليه بجماع سلطته المعنوية. وقد
جاء عبد الرحيم بوعبيد (وهو يومئذ مسؤولٌ عن حزب الاستقلال) بشهادة صارخة
في هذا الشأن قال فيها :
«لقد فرض بول بوتان، بمعرفته العميقة بالمشكلات، وبفضل استقامته
الثقافية ونزاهته الأخلاقية بوجه خاص. ولم نكن نوافق بول بوطان دائماً
وجهاتِ نظره حول المشكلات المطروحة للنقاش، لكنه لم يكن يحمل أجوبة جاهزة.
فقد كان يطرح الأسئلة ويجيد الإنصات للأسئلة. وعندما تعرَّضنا للحبس
(1952-1954)، كان الأستاذ بوتان يقوم بزيارتنا (وكان هو من تولى الدفاع عن
النقابي المحجوب بن الصديق). وكان يشجعنا بقناعاته الثابتة، في مواجهة أسوإ
الاحتمالات» («كونفليونس»، أبريل 1967).
وهنالك مدافع آخر شجاع عن المغاربة؛ ذلك هو المحامي فرانسيس دارو في
الرباط. وقد كان عبد الرحيم بوعبيد عمل لديه متدرباً في سنة 1951 . وقد
ثمَّن الأستاذ دارو ذكاءه الحاد واستقامته الثقافية واعتداله. وكان يخصه
بعطفه الأبوي.
جواني بالعمل عسكرياً، ثم انقطع عنه بسبب المرض، ليعمل بعد ذلك مستشاراً في
بنك دولة المغرب. وقد أمكن له أن يعي مشكلات الاحتلال بعد أن أعيد تكوينه
وترحيله إلى المغرب، مسقط رأسه. فقد كان مولده في مدينة مراكش سنة 1921،
لأب ضابط في شؤون الأهالي، قدِم إلى المغرب في سنة 1917 .
أمضى جاك جواني طفولته في مدن مغربية كمراحل، وتابع، شأن كثير من مواطنيه،
دراسته في فرنسا، وتحديداً في المدرسة العسكرية في لافليش. وفي سنة 1940
أعادته الحرب إلى بلدان المغرب، فاستقر أول الأمر في الجزائر، ثم في تونس؛
حيث شارك في الطور النهائي من الحملة [على هذا البلد]. ثم اضطره المرض في
لأخير للعودة إلى المغرب، وتحديداً إلى آزرو، ووجَّهه نحو التفكير الفلسفي
والسياسي.
قال جواني في هذا الصدد :
«اكتشفت بفضل صديق لإمانويل مونيي فلسفة هذا الأخير للشخصانية وتطبيقها في
المغرب. وقد تعرفت على الأستاذ بوطان، وكتبت بعض المقالات التقنية
في مجلاته. ثم انخرطت في الحركة الجمهورية الشعبية، واتخذت لي موقعاً في ـ
الجناح اليساري ـ المعارض لسياسة بيدو. وانخرطت كذلك في حركة «الحياة
الجديدة» التي كانت تضم مسيحيين يساريين همهم أن ينخرطوا في المجتمع الذي
يعيشون فيه» (من رسالة بتاريخ 10 يونيو 1995).
لقد كان جاك جواني يتناول المشكلة المغربية من خلال القضايا
الاجتماعية. وكان أول عمل معارِض قام به هو المتمثل في أطروحته للدكتوراه
في القانون التي كرسها لموضوع يتصل بميدان صعب، بل حارق. وهو القائل :
«قمت بدراسة تطور نظام الضريبة المغربي على عهد الحماية منذ أن قام هذا
النظام (في 3 مجلدات، باريس، 1953). وقد جئت في هذا الكتاب بانتقادات لهذه
الضريبة، همت الامتيازات الضريبية الممنوحة إلى بعض الأعيان، خاصة منهم
الكلاوي الذي أوردت جرداً بدخوله وعائداته من القوادة. وقد حصلت على
الوثائق التي اعتمدتها في هذه الدراسة بكل بساطة، من الوثائق الرسمية غير
المنشورة، التي كنت أصل إليها بيسر وسهولة. لكن لم يكن للإقامة أن تنظر
بعين الرضا إلى هذا العمل». (من حوار معه في 8 مارس 1996).
كلا، إن الإقامة لم تثمِّن الحس النقدي لهذا المستشار الشاب العامل في بنك
الدولة، والذي سبق لها أن منعت مقالاً من مقالاته بعنوان : «المغرب، قضية
دولية». وقد أوضح جاك جواني أن تلك كانت ، مقاربة أولية، لكن حذِرة.
ومن بين الفرنسيين الذين كرسوا مهنتهم لخدمة الدفاع عن حقوق المغاربة، نذكر
المحامين الذين يستحقون تحية خاصة لشجاعتهم وتفانيهم المثاليين.
ومن هؤلاء الأستاذ بول بوطان، وقد كان محامياً في مقتبل العمر. قدِم إلى
المغرب في سنة 1920، والتحق بسلك المحاماة في الرباط، وأقام بمكناس؛ حيث
كان نقيباً للمحامين في الفترة بين 1939 و1944 .
ولم يلبث بوطان أن جمع إلى أنشطته المهنية عملاً نضالياً في الميدانين
الاجتماعي والفلاحي. وأصدر مجلات إخبارية كثيرة. ثم أنشأ مركز العمل
الاجتماعي وملحقه «أيام العمل الاجتماعي»، الذي سنتعرَّف على دوره أثناء
تناولنا لمجموعات الأحرار.
بدأ الأستاذ بوتان اتصالاته بالوطنيين منذ سنة 1947، وأخذ يساند مطالبهم
المشروعة، وطرق في غير تحفُّظ آفاق الاستقلال. وأدان تعسفات الإدارة
وإفراطها في القمع. ودافع باستماتة عن المتهمين أمام المحاكم. وهو عمل كان
من البديهي أن يصير «سياسياً»؛ كان يقبل عليه بجماع سلطته المعنوية. وقد
جاء عبد الرحيم بوعبيد (وهو يومئذ مسؤولٌ عن حزب الاستقلال) بشهادة صارخة
في هذا الشأن قال فيها :
«لقد فرض بول بوتان، بمعرفته العميقة بالمشكلات، وبفضل استقامته
الثقافية ونزاهته الأخلاقية بوجه خاص. ولم نكن نوافق بول بوطان دائماً
وجهاتِ نظره حول المشكلات المطروحة للنقاش، لكنه لم يكن يحمل أجوبة جاهزة.
فقد كان يطرح الأسئلة ويجيد الإنصات للأسئلة. وعندما تعرَّضنا للحبس
(1952-1954)، كان الأستاذ بوتان يقوم بزيارتنا (وكان هو من تولى الدفاع عن
النقابي المحجوب بن الصديق). وكان يشجعنا بقناعاته الثابتة، في مواجهة أسوإ
الاحتمالات» («كونفليونس»، أبريل 1967).
وهنالك مدافع آخر شجاع عن المغاربة؛ ذلك هو المحامي فرانسيس دارو في
الرباط. وقد كان عبد الرحيم بوعبيد عمل لديه متدرباً في سنة 1951 . وقد
ثمَّن الأستاذ دارو ذكاءه الحاد واستقامته الثقافية واعتداله. وكان يخصه
بعطفه الأبوي.
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
عندما تعرض عبد الرحيم بوعبيد للاعتقال
وعندما تعرض عبد
الرحيم بوعبيد ورفاقه في حزب الاستقلال، وتحديداً منهم محمد اليزيدي
والحاج عمر بن عبد الجليل للاعتقال وأُلقوا في السجن بتهمة التدبير لفتنة
في الدار البيضاء، قام الأستاذ دارو يتحدى العناد الحاقد لـ «المتطرفين»،
وحرص على الدفاع عن قضيتهم. وقد كانت قضية شبه ميؤوس منها. فقد اتُّهموا
بالتآمر على أمن الدولة، وهي تهمة يُعاقب عليها في محكمة عسكرية بالإعدام،
من دون إمكانية للاستئناف، ويعجل فيها التنفيذ. ولقد قام الأستاذ دارو، في
شجاعة لا تلين، بتوظيف كفاءته واستعمال جميع الطعون المسطرية الممكنة من
أجل تأجيل البث في القضية وتأجيل الجلسات وكسب الوقت والتغلب شيئاً فشيئاً
على المخاطر. وقد كان يجمع إلى جرأته وعناده ثقة تواصلية. فكان إذا عاد من
زيارات « زبائنه وأصدقائه الأعزاء» يطمئن أسرهم وأقرباءهم القلقين بقوله :
«سوف ننقذهم بقوة مودتنا». وكذلك كان؛ فقد تم الإفراج عن السجناء في شتنبر
1954، وتبرئتهم بحجة عدم وجود وجه لإقامة الدعوى.
لقد أبان الأستاذ دارو عن كفاءة كبيرة ومهارة ومثابرة في إطار خطة ذكيبة،
وتحلى كذلك بالكثير من التفاني، غير محتسب مجهوداته. وقد كتب إليَّ في ما
بعد، بانفعاله المتجدد، المتوقد مع كل تذكُّر :
«كنت أقول وأكرر القول لأصدقائنا الذين تعرضوا لذلك الخطر الكبير، إنه بفضل
إيماني الثابت طوال شهور وشهور، أمكن نجدتهم بأعجوبة، وتخليصهم من الحبس.
وأما ما حدث بعد ذلك فقد كان بفضل إيمانهم هم أيضاً، وبفضل شجاعتهم
وذكائهم» (من رسالة بتاريخ 14 نونبر 1995).
ولم يكن لهذه الالتزامات أن تمر من دون أن تكون لها تأثيراتٌ على العلاقات
ما بين الفرنسيين والمغاربة. فقد ساهمت تلك الالتزامات في توطيد روابط
التعاطف التي أمكن لبعضها أن ينشأ امتداداً الاتصالات المهنية.
ومن ذلك، على سبيل التمثيل، أن الدكتور الراقي، الذي حصل على شهاداته
في جراحة الأسنان، قد اتخذ له عيادة في سنة 1950 في مدينة الدار البيضاء.
وربما بدا في الأمر مخاطرة؛ ففي الدار البيضاء «كنت أول مغربي يمارس تلك
المهنة». وشاءت الصدفة أن يجاور زميلاً في مقتبل العمر، مختصاً بأمراض
القلب، هو الدكتور غي ديلانوا. وقد قال في ذلك :
«تعرفنا على بعضنا؛ فقد كان يعالج القلوب وكنت أعالج الأسنان. واتصلت بينا
عرى المودَّة. وبلغ التآلف بيننا إلى ما يتجاوز اختصاصينا المهنيين،
وانعقدت ببيننا صداقة متينة مدى الحياة» (من رسالة بتاريخ 14 دجنبر 1993).
وقد كان التنافذ نفسه من جانب الزبناء. قال الراقي :
«لقد كانت الشهادات التي حصلت عليها في فرسنا مما منح الثقة للشريحة
الأوروبية من السكان، والتي تكونت منها زبانة كانت تزداد مع الوقت
اتساعاً».
وقد كانت أول أوروبية تلجأ إلى العلاج على يد الدكتور الراقي هي السيدة
كوتينو، زوجة أوليفيي كوتينو. وقد ساهمت في الشهادة على كفاءة طبيب الأسنان
الشاب لدى بعض الفرنسيين الذين كانوا لا يزالون متردَّدين في تلقي العلاج
على يد عربي. ويواصل الراقي حديثه في هذا الصدد قائلاً:
«وهكذا اتسعت دائرة الزبناء، وإذا المحادثات ذات الطبيعة المفرطة في
العمومية قد أصبحت تتمِّم الملاحظات المهنية الخالصة. وكان البوح والتصريح
ينتهيان في بعض الأحيان إلى حوار ودي، حيث كنا نحس بوجود «ذرات متماسكة»
بيننا».
وقد اتفق أن تعرَّف عدد غير يسير من هؤلاء الفرنسيين عند أوليفيي وماري
كوتينو الذين عرَّفوا بعض أصدقائهم على الدكتور الراقي، مما كان مصدر
اغتباط كبير لهذا الأخير، وهو القائل : «لقد تأتَّى لي بذلك الولوج إلى بعض
النوادي؛ حيث التقيت فرنسيين حقيقيين ذوي ثقافة كبيرة، فكانوا شديدي
الاهتمام بنا».
الرحيم بوعبيد ورفاقه في حزب الاستقلال، وتحديداً منهم محمد اليزيدي
والحاج عمر بن عبد الجليل للاعتقال وأُلقوا في السجن بتهمة التدبير لفتنة
في الدار البيضاء، قام الأستاذ دارو يتحدى العناد الحاقد لـ «المتطرفين»،
وحرص على الدفاع عن قضيتهم. وقد كانت قضية شبه ميؤوس منها. فقد اتُّهموا
بالتآمر على أمن الدولة، وهي تهمة يُعاقب عليها في محكمة عسكرية بالإعدام،
من دون إمكانية للاستئناف، ويعجل فيها التنفيذ. ولقد قام الأستاذ دارو، في
شجاعة لا تلين، بتوظيف كفاءته واستعمال جميع الطعون المسطرية الممكنة من
أجل تأجيل البث في القضية وتأجيل الجلسات وكسب الوقت والتغلب شيئاً فشيئاً
على المخاطر. وقد كان يجمع إلى جرأته وعناده ثقة تواصلية. فكان إذا عاد من
زيارات « زبائنه وأصدقائه الأعزاء» يطمئن أسرهم وأقرباءهم القلقين بقوله :
«سوف ننقذهم بقوة مودتنا». وكذلك كان؛ فقد تم الإفراج عن السجناء في شتنبر
1954، وتبرئتهم بحجة عدم وجود وجه لإقامة الدعوى.
لقد أبان الأستاذ دارو عن كفاءة كبيرة ومهارة ومثابرة في إطار خطة ذكيبة،
وتحلى كذلك بالكثير من التفاني، غير محتسب مجهوداته. وقد كتب إليَّ في ما
بعد، بانفعاله المتجدد، المتوقد مع كل تذكُّر :
«كنت أقول وأكرر القول لأصدقائنا الذين تعرضوا لذلك الخطر الكبير، إنه بفضل
إيماني الثابت طوال شهور وشهور، أمكن نجدتهم بأعجوبة، وتخليصهم من الحبس.
وأما ما حدث بعد ذلك فقد كان بفضل إيمانهم هم أيضاً، وبفضل شجاعتهم
وذكائهم» (من رسالة بتاريخ 14 نونبر 1995).
ولم يكن لهذه الالتزامات أن تمر من دون أن تكون لها تأثيراتٌ على العلاقات
ما بين الفرنسيين والمغاربة. فقد ساهمت تلك الالتزامات في توطيد روابط
التعاطف التي أمكن لبعضها أن ينشأ امتداداً الاتصالات المهنية.
ومن ذلك، على سبيل التمثيل، أن الدكتور الراقي، الذي حصل على شهاداته
في جراحة الأسنان، قد اتخذ له عيادة في سنة 1950 في مدينة الدار البيضاء.
وربما بدا في الأمر مخاطرة؛ ففي الدار البيضاء «كنت أول مغربي يمارس تلك
المهنة». وشاءت الصدفة أن يجاور زميلاً في مقتبل العمر، مختصاً بأمراض
القلب، هو الدكتور غي ديلانوا. وقد قال في ذلك :
«تعرفنا على بعضنا؛ فقد كان يعالج القلوب وكنت أعالج الأسنان. واتصلت بينا
عرى المودَّة. وبلغ التآلف بيننا إلى ما يتجاوز اختصاصينا المهنيين،
وانعقدت ببيننا صداقة متينة مدى الحياة» (من رسالة بتاريخ 14 دجنبر 1993).
وقد كان التنافذ نفسه من جانب الزبناء. قال الراقي :
«لقد كانت الشهادات التي حصلت عليها في فرسنا مما منح الثقة للشريحة
الأوروبية من السكان، والتي تكونت منها زبانة كانت تزداد مع الوقت
اتساعاً».
وقد كانت أول أوروبية تلجأ إلى العلاج على يد الدكتور الراقي هي السيدة
كوتينو، زوجة أوليفيي كوتينو. وقد ساهمت في الشهادة على كفاءة طبيب الأسنان
الشاب لدى بعض الفرنسيين الذين كانوا لا يزالون متردَّدين في تلقي العلاج
على يد عربي. ويواصل الراقي حديثه في هذا الصدد قائلاً:
«وهكذا اتسعت دائرة الزبناء، وإذا المحادثات ذات الطبيعة المفرطة في
العمومية قد أصبحت تتمِّم الملاحظات المهنية الخالصة. وكان البوح والتصريح
ينتهيان في بعض الأحيان إلى حوار ودي، حيث كنا نحس بوجود «ذرات متماسكة»
بيننا».
وقد اتفق أن تعرَّف عدد غير يسير من هؤلاء الفرنسيين عند أوليفيي وماري
كوتينو الذين عرَّفوا بعض أصدقائهم على الدكتور الراقي، مما كان مصدر
اغتباط كبير لهذا الأخير، وهو القائل : «لقد تأتَّى لي بذلك الولوج إلى بعض
النوادي؛ حيث التقيت فرنسيين حقيقيين ذوي ثقافة كبيرة، فكانوا شديدي
الاهتمام بنا».
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
تجمعات الأحرار
إن تلك النوادي
التي كان يؤمها الفرنسيون الحقيقيون، والتي شعر الدكتور الراقي أنه لقي
فيها حفاوة الاستقبال، هي مجموعات صغيرة كوَّنها الفرنسيون لإذاعة الأخبار
وتشجيع التبادلات والتمكين من تحليل الأوضاع وتقليب النظر في الحلول
الممكنة.
وقد كان الأحرار يبتغون التعويض عن محدودية حرية الاجتماع والتعبير التي
يفرضها (نظام) «حالة الحصار»، لكن كان يُفترَض بهم أن يحسبوا حساباً
للقوانين المعمول بها؛ وهو ما كان يجعل الاجتماعات محدودة الأفراد، ويجعلها
في بعض الأحيان اجتماعات سرية، وكان يفرض توقي الحيطة والحذر في النقاشات.
فقد كانت الأهداف السياسية ممنوعة، ولذلك لزم اعتماد أسلوب المواربة في
مقاربة المشكلات العميقة، ولو كانت مقاربة سطحية. وذلك أضعف الإيمان. بيد
أن تلك المجموعات كانت أماكن مفتوحة، وقد تأكدت إيجابية أعمالها.
ومن ذلك أن فيليكس ناتاف قد أنشأ مجموعة « الصداقات المغربية»، وأنشأ روبير
أورين مجموعة « جيريس» (مجموعة الدراسات والتفكير الاقتصادي والاجتماعي) ،
بسبب حظر الأنشطة السياسية... وأنشأ الأستاذ بول بوتان مجموعة «
السكرتارية الاجتماعية».
وقد كانت كل واحدة من هذه المجموعات تنحدر من مؤسسة خاصة، لكنها كانت تلتقي
في ما تنشد من أهداف، وقد تبلغ تلك الأهداف عندها إلى التداخل. ومن أمثلة
ذلك أن جاك جواني، عضو «جيرس»، والذي كان مسؤولاً عن مجموعة الرباط، قد
شارك في الأسابيع الاجتماعية، وكان يتعاون مع المجلات التي أصدرها الأستاذ
بوتان. وكان بعض أعضاء هذه المجموعات على صلة بالحركات الموجودة في فرنسا،
والمهتمة بالمشكلات نفسها. فقد كان جاك جواني وأوليفيي كوتينو على صلة
بمجموعة «الحياة الجديدة» و»حزب الجمهورية الشابة». وقد مكَّنت هذه
الاتصالات من توسيع مجالات العمل.
كان فيليكس ناتاف يرمي من إنشائه مجموعة «الصداقات المغربية»، بصورة
خاصة، إلى تيسير العلاقات الفعلية والملموسة في الحياة اليومية ما بين
اليهود والمسلمين والمسيحيين، وتحقيق آمالهم وطموحاتهم المشتركة. وقد أعلن
هيرفي بلوشو في كتابه « الفرنسيون الأحرار في المغرب» (الصادر عن جامعة
بروفنس، 1973) أن مجموعة الصداقات المغربية كانت عنصراً مهماً ضمن التيار
التحرري.
وقدَّم عبد الرحيم بوعبيد التحية إلى مؤسس تلك المجموعة فيليكس ناتاف
في المقدمة التي وضعها لكتابه «استقلال المغرب» (الصادر عن بلون، 1975).
ومما قال فيها :
«كان فيليكس ناتاف طوال السنوات 1951 ـ 1955 أحد أكثر الرجال نشاطاً
بين الأحرار الفرنسيين في المغرب، والذي لا أفتأ أحمل له كل التقدير... لقد
بدأت أول الأخبار عن أنشطة مجموعة «الصداقات المغربية» تصل إلينا، أنا
ورفاقي في حزب الاستقلال، مع مطلع سنة 1953، ونحن في محبسنا في سجن الدار
البيضاء الذي زُجَّ بنا فيه بأمر من المحكمة العسكرية بتهمة المس بأمن
الدولة، بما كان يعرِّضنا لحكم الإعدام... وقد كانت مجموعة «الصداقات
المغربية» تضم فرنسيين وبعض الشخصيات المغربية، الموصوفة بأنها «معتدلة»...
وهو ما كان يشعرنا بشيء من الارتياب. ولقد أدركْنا أن القسم الفرنسي من
مجموعة «الصداقات المغربي» كان يسعى دوماً إلى ربط الاتصال بقادة حزب
الاستقلال، وذلك أولاً من خلال الوسطاء من المغاربة، ثم في ما بعد بصفة
مباشرة... ومؤلَّف فيليكس يعيد، من خلال وثائق تلك المرحلة، رسمَ مختلف
أطوار عمل الأحرار، الذي ظل على الدوام عملاً يقظاً وظل بالأخص عملاً
متواصلاً لا ينقطع» (مصدر مذكور).
كان مؤسس «مجموعة الدراسات والتفكير الاقتصادي والاجتماعي» روبير أوران
تاجراً في مدينة الدار البيضاء، وكانت زوجته تعمل في التعليم الثانوي. وقد
كان أوران قبل ذلك جندياً، فأصيب في الحرب، كما كان اشتراكياً، يصادق
الشيوعيين والمسيحيين الملتزمين. وقد نسج علاقات تعاطف مع بعض المغاربة على
أثَر مقامه في جنوب ورززات. قال في هذا الصدد :
«إنني أحتفظ بذكرى رائعة لتلك الروابط الدافئة مع السكان. فكان من الطبيعي
أن أرتبط بعلاقات صداقة مع بعض المغاربة الذين اتفق أن كانوا من الوطنيين
(أمثال عبد الرحيم بوعبيد والمهدي بنبركة وعبد الله إبراهيم)» (من حوار معه
- 19 يناير 1994).
وسرعان ما أصبح
أحد المتدينين الفرانسيسكانيين؛ هو الأب جون بيركمان شابير، مشاركاً
مثابراً في اجتماعات «مجموعة الدراسات والتفكير الاقتصادي والاجتماعي».
وشابير قدِم إلى المغرب في سنة 1947، تحذوه «الرغبة في الاقتراب من العالم
المغربي، و إذن المسلم».
وقد خلَف الأب شابير بعدئذ مونسينيور أميدي لوفيفر أسقفاً في الرباط.
ثم صار بعد ذلك أسقفاً في بيربنيان حتى سنة 1955 . وكانت ذكرى وزارته في
المغرب هي أكثر ما علق بفؤاده من ذكريات، وقد استحْضرها في سنة 1940؛ فقال
:
«إن لقاءاتي الأولى في المغرب قد فتحت عيني على حقائق الأمور. وقد كان
أول من اتصلت به من المغاربة طبيبٌ عملت وإياه مدة من زمن في مصلحة البرص.
ثم تعرفت في ما بعد على الوطنيين (أمثال كريم العمراني وبن بركة... ثم كان
اتصالي في الدار البيضاء بمجموعة مسيحيين مؤتلفين حول روبير أوران. وقد
كانوا يهتدون بروحانية الأب دو فوكو وروحانية قرينيه في المغرب الأب
بيرغير، ناسك القباب، والأب بواسونيي، وهو دونه شهرة. فصرت أحضر الاجتماعات
فأتعرف على من كان يحضرها من الأحرار، وقد صاروا لي أصدقاء، كأسرة شابوني
وفيليكس ناتاف... ولم تكن هذه الاجتماعات تقتصر على المسيحيين وحدهم، بل
يشارك فيها كذلك من كانوا يسمَّون «مناضلي اليسار»، وقد كان بعضهم من غير
المسيحيين وليس يعني ذلك أننا كنا من «اليمين» (من حوار سجِّل في 2 فبراير
1994).
ولم تلبث تلك المجموعة أن تعزَّزت بمناضلين مغاربة التحقوا بها طوعاً
واختياراً. ولم ينس جاك جواني، بعد انقضاء أربعين سنة، تلك التداولات
المثمرة للرأي التي نتجت عن تلك الاجتماعات، وقد قال فيها :
«ما زلت أحفظ في ذاكرتي بقسماتِهم الفتية، إذ كانوا يومئذ في ريعان
الشباب، قد جاءوا من شتى الآفاق، فكان منهم المنحدرون من فاس والمنحدرون من
الرباط والمنحدرون من مكناس. وكانوا ينتمون إلى تيارات سياسية شديدة
التنوُّع، فكان منهم المنتمون إلى حزب الشورى والاستقلال، وكان منهم
المنتمون إلى حزب الاستقلال» (من رسالة 8 يونيو 1995).
وقال مونسينور شابير مستخلصاً :
«كنا نقلِّب التفكير جماعةً في المشكلات المغربية التي كانت تطرحها
وضعية المغرب، ونفكر في الحلول الممكنة بما تملي علنا قناعاتنا» (من حوار
مذكور).
وجاء الأستاذ بوتان بتصوير لتكوَّن «السكرتارية الاجتماعية» التي قام
بإنشائها في سنة 1950 :
«السكارتارية الاجتماعية» مجموعة للدراسات والتفكير والبحث استعداداً
للعمل. وقد كان انطلاق المجموعة من لاشيء. وهي تضمَّ بعض المنخرطين. وكانت
أولى مبادراتها قيامها بالعمل التضامني لفائدة العجزة. وقد انتبهنا في تلك
المناسبة إلى أن قدرَنا أن نتصدَّى إلى مشكلات العلاقات بين الحي المسيحي
والحي المسلم. فقد كان المسيحيون يعانون من هذه المشكلةَ، لكنهم لم يفعلوا
شيئاً في المدن، كما لم يحركوا ساكناً في البوادي. وقد لاحظنا أن تلك
العلاقات كانت تكاد تقتصر على علاقات الشغل. ثم إذا المغاربة قد صاروا، في
سنة 1952، يتردَّدون على «ملتقياتـ»ـنا، وقد كان الجو السائد فيها يفيض
وداً» (ملاحظات سجلتها المؤلفة أثناء أحد تلك الاجتماعات، في ماي 1953).
كان ذلك مبتدأَ الأسابيع الاجتماعية التي انعقدت في «لاسورس»، وهو مركز
ثقافي خاص في الرباط. وقد كانت الهيآت العليا في الإقامة تعتبر الموضوعات
السياسية موضوعات «تخريبية»، ما جعل الحيطة أمراً لازماً في تلك
الاجتماعات، وكان من الضروري الاقتصار فيه على تناول المشكلات من الجانبين
الاقتصادي والاجتماعي وعدم تجاوزهما. وبذلك اقتضى الأمر تحاشي المشكلات
الجوهرية، وإلا فالاقتصار على مقاربتها بالإيجاز والتلميح.
وقد اتفق للأستاذ بوتان أن تحدَّث في اجتماع للسكرتارية الاجتماعية
حضرته في الرباط، في المشكلات الملموسة التي تعرفها العلاقات بين الفرنسيين
والمغاربة، وتحدث عن المبادرات البسيطة التي تضفي التناغم على الحياة
اليومية : اللباقة والمراعاة وكلمة «شكراً» تُقال للمنادي الصغير [على
بضاعة]، والابتسامة نقابل بها بائع الصحف. ثم قال مستخلصاً :
«إن الأمر كله يعود إلى مشكلة عقلية. ومن أجل الوصول إلى حلول إيجابية
ينبغي أن نضع أنفسنا في موضع المغاربة، على جميع الأصعدة؛ بما فيها الصعيد
الذي لا ينبغي لنا أن نتحدث عنه ههنا» (مصدر مذكور) .
وقد قوبل هذا الكلام بموجة من الضحك من الحضور الذين أدركوا تمام الإدراك
مغزى ذلك التلميح. إنها محرمات الحماية وضغط الرأي المهيمن. وقد كان مجرَّد
عدم الظهور بمظهر الموافق على جميع الأفكار المسلَّمة يضع صاحبه موضع شك
وارتباب. فقد قال مونسينيور شابير مستذكراً :
«كانت مجموعتنا موضع ارتياب. وأذكر أنه أثناء أحد الصيامات الكبيرى
ذهبت لإلقي محاضرةً في مكناس، غير أن ما قلت في تلك المحاضرة ، ولم يكن
يمتُّ بصلة إلى ما يسمى بالموضوعات «التخريبية»، قد أفزَع الخوري، فمنعني
من مصافحة الحاضرين عند الخروج. ثم لم يجد بداً من التعجيل بحملي في
سيارته» (من حوار مذكور).
التي كان يؤمها الفرنسيون الحقيقيون، والتي شعر الدكتور الراقي أنه لقي
فيها حفاوة الاستقبال، هي مجموعات صغيرة كوَّنها الفرنسيون لإذاعة الأخبار
وتشجيع التبادلات والتمكين من تحليل الأوضاع وتقليب النظر في الحلول
الممكنة.
وقد كان الأحرار يبتغون التعويض عن محدودية حرية الاجتماع والتعبير التي
يفرضها (نظام) «حالة الحصار»، لكن كان يُفترَض بهم أن يحسبوا حساباً
للقوانين المعمول بها؛ وهو ما كان يجعل الاجتماعات محدودة الأفراد، ويجعلها
في بعض الأحيان اجتماعات سرية، وكان يفرض توقي الحيطة والحذر في النقاشات.
فقد كانت الأهداف السياسية ممنوعة، ولذلك لزم اعتماد أسلوب المواربة في
مقاربة المشكلات العميقة، ولو كانت مقاربة سطحية. وذلك أضعف الإيمان. بيد
أن تلك المجموعات كانت أماكن مفتوحة، وقد تأكدت إيجابية أعمالها.
ومن ذلك أن فيليكس ناتاف قد أنشأ مجموعة « الصداقات المغربية»، وأنشأ روبير
أورين مجموعة « جيريس» (مجموعة الدراسات والتفكير الاقتصادي والاجتماعي) ،
بسبب حظر الأنشطة السياسية... وأنشأ الأستاذ بول بوتان مجموعة «
السكرتارية الاجتماعية».
وقد كانت كل واحدة من هذه المجموعات تنحدر من مؤسسة خاصة، لكنها كانت تلتقي
في ما تنشد من أهداف، وقد تبلغ تلك الأهداف عندها إلى التداخل. ومن أمثلة
ذلك أن جاك جواني، عضو «جيرس»، والذي كان مسؤولاً عن مجموعة الرباط، قد
شارك في الأسابيع الاجتماعية، وكان يتعاون مع المجلات التي أصدرها الأستاذ
بوتان. وكان بعض أعضاء هذه المجموعات على صلة بالحركات الموجودة في فرنسا،
والمهتمة بالمشكلات نفسها. فقد كان جاك جواني وأوليفيي كوتينو على صلة
بمجموعة «الحياة الجديدة» و»حزب الجمهورية الشابة». وقد مكَّنت هذه
الاتصالات من توسيع مجالات العمل.
كان فيليكس ناتاف يرمي من إنشائه مجموعة «الصداقات المغربية»، بصورة
خاصة، إلى تيسير العلاقات الفعلية والملموسة في الحياة اليومية ما بين
اليهود والمسلمين والمسيحيين، وتحقيق آمالهم وطموحاتهم المشتركة. وقد أعلن
هيرفي بلوشو في كتابه « الفرنسيون الأحرار في المغرب» (الصادر عن جامعة
بروفنس، 1973) أن مجموعة الصداقات المغربية كانت عنصراً مهماً ضمن التيار
التحرري.
وقدَّم عبد الرحيم بوعبيد التحية إلى مؤسس تلك المجموعة فيليكس ناتاف
في المقدمة التي وضعها لكتابه «استقلال المغرب» (الصادر عن بلون، 1975).
ومما قال فيها :
«كان فيليكس ناتاف طوال السنوات 1951 ـ 1955 أحد أكثر الرجال نشاطاً
بين الأحرار الفرنسيين في المغرب، والذي لا أفتأ أحمل له كل التقدير... لقد
بدأت أول الأخبار عن أنشطة مجموعة «الصداقات المغربية» تصل إلينا، أنا
ورفاقي في حزب الاستقلال، مع مطلع سنة 1953، ونحن في محبسنا في سجن الدار
البيضاء الذي زُجَّ بنا فيه بأمر من المحكمة العسكرية بتهمة المس بأمن
الدولة، بما كان يعرِّضنا لحكم الإعدام... وقد كانت مجموعة «الصداقات
المغربية» تضم فرنسيين وبعض الشخصيات المغربية، الموصوفة بأنها «معتدلة»...
وهو ما كان يشعرنا بشيء من الارتياب. ولقد أدركْنا أن القسم الفرنسي من
مجموعة «الصداقات المغربي» كان يسعى دوماً إلى ربط الاتصال بقادة حزب
الاستقلال، وذلك أولاً من خلال الوسطاء من المغاربة، ثم في ما بعد بصفة
مباشرة... ومؤلَّف فيليكس يعيد، من خلال وثائق تلك المرحلة، رسمَ مختلف
أطوار عمل الأحرار، الذي ظل على الدوام عملاً يقظاً وظل بالأخص عملاً
متواصلاً لا ينقطع» (مصدر مذكور).
كان مؤسس «مجموعة الدراسات والتفكير الاقتصادي والاجتماعي» روبير أوران
تاجراً في مدينة الدار البيضاء، وكانت زوجته تعمل في التعليم الثانوي. وقد
كان أوران قبل ذلك جندياً، فأصيب في الحرب، كما كان اشتراكياً، يصادق
الشيوعيين والمسيحيين الملتزمين. وقد نسج علاقات تعاطف مع بعض المغاربة على
أثَر مقامه في جنوب ورززات. قال في هذا الصدد :
«إنني أحتفظ بذكرى رائعة لتلك الروابط الدافئة مع السكان. فكان من الطبيعي
أن أرتبط بعلاقات صداقة مع بعض المغاربة الذين اتفق أن كانوا من الوطنيين
(أمثال عبد الرحيم بوعبيد والمهدي بنبركة وعبد الله إبراهيم)» (من حوار معه
- 19 يناير 1994).
وسرعان ما أصبح
أحد المتدينين الفرانسيسكانيين؛ هو الأب جون بيركمان شابير، مشاركاً
مثابراً في اجتماعات «مجموعة الدراسات والتفكير الاقتصادي والاجتماعي».
وشابير قدِم إلى المغرب في سنة 1947، تحذوه «الرغبة في الاقتراب من العالم
المغربي، و إذن المسلم».
وقد خلَف الأب شابير بعدئذ مونسينيور أميدي لوفيفر أسقفاً في الرباط.
ثم صار بعد ذلك أسقفاً في بيربنيان حتى سنة 1955 . وكانت ذكرى وزارته في
المغرب هي أكثر ما علق بفؤاده من ذكريات، وقد استحْضرها في سنة 1940؛ فقال
:
«إن لقاءاتي الأولى في المغرب قد فتحت عيني على حقائق الأمور. وقد كان
أول من اتصلت به من المغاربة طبيبٌ عملت وإياه مدة من زمن في مصلحة البرص.
ثم تعرفت في ما بعد على الوطنيين (أمثال كريم العمراني وبن بركة... ثم كان
اتصالي في الدار البيضاء بمجموعة مسيحيين مؤتلفين حول روبير أوران. وقد
كانوا يهتدون بروحانية الأب دو فوكو وروحانية قرينيه في المغرب الأب
بيرغير، ناسك القباب، والأب بواسونيي، وهو دونه شهرة. فصرت أحضر الاجتماعات
فأتعرف على من كان يحضرها من الأحرار، وقد صاروا لي أصدقاء، كأسرة شابوني
وفيليكس ناتاف... ولم تكن هذه الاجتماعات تقتصر على المسيحيين وحدهم، بل
يشارك فيها كذلك من كانوا يسمَّون «مناضلي اليسار»، وقد كان بعضهم من غير
المسيحيين وليس يعني ذلك أننا كنا من «اليمين» (من حوار سجِّل في 2 فبراير
1994).
ولم تلبث تلك المجموعة أن تعزَّزت بمناضلين مغاربة التحقوا بها طوعاً
واختياراً. ولم ينس جاك جواني، بعد انقضاء أربعين سنة، تلك التداولات
المثمرة للرأي التي نتجت عن تلك الاجتماعات، وقد قال فيها :
«ما زلت أحفظ في ذاكرتي بقسماتِهم الفتية، إذ كانوا يومئذ في ريعان
الشباب، قد جاءوا من شتى الآفاق، فكان منهم المنحدرون من فاس والمنحدرون من
الرباط والمنحدرون من مكناس. وكانوا ينتمون إلى تيارات سياسية شديدة
التنوُّع، فكان منهم المنتمون إلى حزب الشورى والاستقلال، وكان منهم
المنتمون إلى حزب الاستقلال» (من رسالة 8 يونيو 1995).
وقال مونسينور شابير مستخلصاً :
«كنا نقلِّب التفكير جماعةً في المشكلات المغربية التي كانت تطرحها
وضعية المغرب، ونفكر في الحلول الممكنة بما تملي علنا قناعاتنا» (من حوار
مذكور).
وجاء الأستاذ بوتان بتصوير لتكوَّن «السكرتارية الاجتماعية» التي قام
بإنشائها في سنة 1950 :
«السكارتارية الاجتماعية» مجموعة للدراسات والتفكير والبحث استعداداً
للعمل. وقد كان انطلاق المجموعة من لاشيء. وهي تضمَّ بعض المنخرطين. وكانت
أولى مبادراتها قيامها بالعمل التضامني لفائدة العجزة. وقد انتبهنا في تلك
المناسبة إلى أن قدرَنا أن نتصدَّى إلى مشكلات العلاقات بين الحي المسيحي
والحي المسلم. فقد كان المسيحيون يعانون من هذه المشكلةَ، لكنهم لم يفعلوا
شيئاً في المدن، كما لم يحركوا ساكناً في البوادي. وقد لاحظنا أن تلك
العلاقات كانت تكاد تقتصر على علاقات الشغل. ثم إذا المغاربة قد صاروا، في
سنة 1952، يتردَّدون على «ملتقياتـ»ـنا، وقد كان الجو السائد فيها يفيض
وداً» (ملاحظات سجلتها المؤلفة أثناء أحد تلك الاجتماعات، في ماي 1953).
كان ذلك مبتدأَ الأسابيع الاجتماعية التي انعقدت في «لاسورس»، وهو مركز
ثقافي خاص في الرباط. وقد كانت الهيآت العليا في الإقامة تعتبر الموضوعات
السياسية موضوعات «تخريبية»، ما جعل الحيطة أمراً لازماً في تلك
الاجتماعات، وكان من الضروري الاقتصار فيه على تناول المشكلات من الجانبين
الاقتصادي والاجتماعي وعدم تجاوزهما. وبذلك اقتضى الأمر تحاشي المشكلات
الجوهرية، وإلا فالاقتصار على مقاربتها بالإيجاز والتلميح.
وقد اتفق للأستاذ بوتان أن تحدَّث في اجتماع للسكرتارية الاجتماعية
حضرته في الرباط، في المشكلات الملموسة التي تعرفها العلاقات بين الفرنسيين
والمغاربة، وتحدث عن المبادرات البسيطة التي تضفي التناغم على الحياة
اليومية : اللباقة والمراعاة وكلمة «شكراً» تُقال للمنادي الصغير [على
بضاعة]، والابتسامة نقابل بها بائع الصحف. ثم قال مستخلصاً :
«إن الأمر كله يعود إلى مشكلة عقلية. ومن أجل الوصول إلى حلول إيجابية
ينبغي أن نضع أنفسنا في موضع المغاربة، على جميع الأصعدة؛ بما فيها الصعيد
الذي لا ينبغي لنا أن نتحدث عنه ههنا» (مصدر مذكور) .
وقد قوبل هذا الكلام بموجة من الضحك من الحضور الذين أدركوا تمام الإدراك
مغزى ذلك التلميح. إنها محرمات الحماية وضغط الرأي المهيمن. وقد كان مجرَّد
عدم الظهور بمظهر الموافق على جميع الأفكار المسلَّمة يضع صاحبه موضع شك
وارتباب. فقد قال مونسينيور شابير مستذكراً :
«كانت مجموعتنا موضع ارتياب. وأذكر أنه أثناء أحد الصيامات الكبيرى
ذهبت لإلقي محاضرةً في مكناس، غير أن ما قلت في تلك المحاضرة ، ولم يكن
يمتُّ بصلة إلى ما يسمى بالموضوعات «التخريبية»، قد أفزَع الخوري، فمنعني
من مصافحة الحاضرين عند الخروج. ثم لم يجد بداً من التعجيل بحملي في
سيارته» (من حوار مذكور).
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
صحافيو فرنسا ومهمة تحت المراقَبة
ظل وضع الصحافة
على نحو ما صوَّرْنا إلى غاية سنة 1954؛ فيومئذٍ وجدت مجموعة «ماص» نفسَها
في مواجهة التأثير المتزايد لصحيفة تحررية، كان (العدو) يأتي من فرنسا.
فصحف فرنسا التي كانت تزعم أنها تتمتع بأشكال من الحرية مع عقدية الإقامة،
وهي «لوموند» و»فرانس ـ أوبسرفاتور» و»كومبا»، و»تيموانياج كريثيان»
و»لوكانار أونشيني»، و»لومانيتي» أصبحت هذه الصحافة مهددة بالمنع من
الدخول إلى المغرب.
فما كان الصحافيون القادمون من البلد الأصلي فرنسا يفلتون من الضغوط التي
كانت تقع على زملائهم المقيمين في المغرب. فقد كانوا يخضعون للمراقبة في
تحركاتهم، وفي ما قد يزمعون إنجازه من استطلاعات أو لقاءات مع المغاربة،
وكان يُقدَّم لهم، فضلاً عن ذلك، من النصائح ما يراد به إفهامهم ، ما
ينبغي قوله وما لا ينبغي قوله، وهي مغامرة قيِّض لي أن أعيشها أنا أيضاً،
وخَبَرها من زملائي كثيرون. ويمكن لأي تمرُّد، في هذا المضمار، أن يجر على
صاحبه صنوفاً من المضايقات والمنغصات. وقد يصل به في بعض الأحيان إلى حد
الطرد والإبعاد؛ ذلك ما حدث لإيباري، الصحافية المرموقة الجريئة في صحيفة
?فرانس أوبسرفاتور.
ففي يوليوز 1953 ( وقد كانت انطلقت «عملية» واسعة للقياد ضد السلطان)،
انعقد مؤتمر للصحافة الجهوية في مراكش ، وهي يومئذ منطقة نفوذ الكلاوي
متزعم القياد والباشوات المتمردين ، لصحافيي المغرب وفرنسا ، وقد أتاح لي
الفرصة لأكتب إلى جون شوتم، الكاتب العام لصحيفة «لومين ليبر لومان»، الذي
لم يقدر على التنقل، لكن كان يهتم بقضايا المغرب ومشكلاته .
وإنه لمما يبعث على الحزن أن نفكر أن الأشخاص، ولاسيما الصحافيين منهم،
الذين كانوا يحاولون الحصول على وثائق موضوعية، لا مجرد وثائق تخص جانباً
واحداً، قد اعتُبِروا بمثابة «مهيِّجين»، أو «مزعجين»، أو فرنسيين تخلوا
عن فرنسيتهم، لأنهم لم يكونوا يقتصرون بمصادرهم الإخبارية على الناطق
الرسمي باسم الإقامة. ومن قبيل ذلك أن صحيفة «ماروك-ريس» قد أثارت حفيظة
بعض الزملاء المغاربة، كما لقيت منازعة من أسبوعية «باريس»، أن تجرأت، في
ما يبدو، على دعوة صحافيي فرنسا إلى التنقل بشيء من الحرية، واستفسار
أعوان آخرين غير الكلاوي، وربما طلبوا مقابلة السلطان ، وهو ما بدا أنه
تجاوز حدود اللياقة، حيث إن تلك المبادرة لم تحصل على «تأشـيرة»
الإقـامة..» (من رسالة بتاريخ 21 يوليوز 1953).
وهكذا صار عمل الصحافيين مغامرة ليست مخاطرها بالهيِّنة، بل كانت
تتخلَّلها، في بعض الأحيان، حوادث مأساوية لا يليق بنا أن نغفلها، أو نمر
من دون الوقوف عندها.
فقد نشرت صحيفة «لوموند» في يوم 24-25 مارس 1985، رسالة لأحد القراء،
بعنوان «صحافيون»، رد على مقال صوَّر المخاطر التي يتعرَّض لها الصحافيون
في بعض المواضع «الساخنة» يومئذ في العالم؛ كالهند وبريطانيا وبلدان الشرق
وإسبانيا... وعبر ود هذا القار لو يتدارك ذلك النقصَ الذي وقف عليه في هذه
القائمة، وأضاف إليه «البلدان الاستعمارية، أو البلدان الواقعة تحت
الحماية؛ حيث كان الصحافيون يمارسون مهنتهم إلى وقت قريب»؟
فقد كتب :
«إن هؤلاء الزملاء الذين كانوا يصارعون رأياً محافظاً وسلطة متعسفة وحقيقة
رسمية مزيفة، وينددون بعدالة قد استُهزِئَ منها، وكانوا يلاقون حقداً
شديداً، وكان يُسعى بالرقابة والتخويف، بله الاعتداء على حياتهم، إلى
تكميم أفواههم. لكن عبثاً حاول خصومهم؛ فتلك، كما يؤكد المراسل، هي
«المهنة ـ الشغف»، التي تتطلب في صاحبها قدراً كبيراً من التفاني والشجاعة.
انظر النص الكامل في ملحق كتابنا.
إن ما يطبع هذه الشهادة من صدق واضح، وما تنم عنه جلياً من تجربة معيشة
يجعلانها شهادة مؤثرة. وإن التوقيع الذي حملته ليثير الفضول. فقد جاءت
موقعة باسم «جون ـ فرونسوا هنري». فهل تراه يكون اسماً مزدوجاً؟ أم هي
ثلاثة أسماء؟ أم يكون اسماً مستعاراً؟
إن قلة من القراء من في استطاعتهم أن يتأدوا إلى مفتاح هذا اللغز. فجون
وهنري وفرونسوا ، والمراد به فرونسواز، هي أسماء الأبناء الثلاثة لأنطوان
مازيلا، الذي تولى في سنة 1954 رئاسة تحرير صحيفة «ماروكبريس»، التي
انتقلت يومئذ جانب إلى الأحرار، الذين كادوا أن يلقوا حتفَهم بفعل قنبلة
أُلقيَتْ على شرفة الشقة حيث كان الأطفال فيها ينامون.
وقد ظلت هذه الذكرى عن ذلك الحب الأبوي الذي أصيبَ أفظَع إصابة، ظلت هذه
الذكرى «كابوساً»، قد يعاود الظهور متى حدث ما ينكأ الجرح، ولو بعد ثلاثين
سنة. وكذلك يعبر هذا التوقيع المهدى إلى أولئك الأطفال عن المحبة لهم.
لقد كان كمن يحاول طرد الأرواح الشريرة عن ذاكرته، لكنه يحترس أيما
احتراس، من استدعاء تجربة شخصية، ولا يكتب إلا ليحيي وفاء الفريق الصغير
من رفاق المعركة الواحدة، ويحيِّي زملاءه الفرنسيين الذين ساندوه في
مغامرتهم الجديدة؛ تلك المغامرة التي خاضوها في صحيفة «ماروك ـ بريس».
اختراق الوهم وتغيير في قمة «ماروك-ريس»
نشأت صحيفة «ماروك ـ بريس» عن اندماج الصحيفتين المحافظتين «لابريس
ماروكين» و»لوماروك كوتيديان». وقد تولى إدارتَها، في البداية، مارسيل
بييروتون (وهو وزير سابق للداخلية في حكومة فيشي) ، تولى رئاسة تحريرها
أليكس ديلبيرو (وهو الآخر فيشاوي). والرجلان اثناهما محافِظان. ولم تُبِن
الصحيفة الجديدة، في البداية، عن أي تميُّز عن الخط الذي تشترك فيه صحف
الحماية. لكن طرأ تحوُّلٌ على خط تحريرها؛ حيث ظهرت على صفحاتها مقالات
تشذ عن «التفكير التقليدي».
لكن حدث أن جاءت هذه الصحيفة، في 21 نونبر 1953، بعنوان صارخ، فإذا هي به
كمن يصب على الأذهان المطمئنة ماء بارداً، بفعل تحليل على غير قليل من
التشاؤم، للوضعية، ختمته بتحذير قاس :
«إياكم والغباء».
لقد تحرَّر المغرب، منذ ثلاثة أشهر، من «العقدة الغوردية» التي تحررنا، في
ما نعتقد، من كل معيق لحاجته إلى التطوُّر، وتسمح بتزويد المغاربة بدولة
ديمقراطية. وإنه ليوم تاريخي، يبدو، حسب الأصداء التي تم التقاطها في
أخبار الصحافة، كأنه يوم للمغفلين.
وأما المغفلون فهم أولئك الذين اعتقدوا، بما هم عليه من حسن نية، أنه قد
كان يهيَّأُ لتدابير قد اختمرت وقتاً طويلاً، لكن عاق إخراجَها إلى حيز
الوجود سلطان قد أعماه عناده.
فقد بدا منذ ذلك اليوم أن مجهود بعض الموظفين السامين في الرباط قد اتجه
بكامله إلى هدف واحد «تقرير أقل ما يمكن من الإصلاحات، والعمل على عدم
تنفيذ أي واحد منها.
فمن كان شريكاً للإدارة؟ فنحن نعرف هذه الإدارة هلوعة وجِلة، لكن لا يمكن
أن يخطر ببالنا أن يصل منها هلعها ووجلها إلى أن تظل تضرب أخماساً في
أسداس، تحت الضغوطات الخاصة التي تتلقاها من مترشح من المترشحين من خشيته
أن لا يُعاد ترشيحه، أو بفعل استفتاءات منتظرة، وصارت لازمة أكثر من أي
وقت مضى.
فهل يقيَّض لجبل النصوص أن يلد، في الممارسة، فأراً؟
لا يزال يساورنا الشك في هذا الأمر إلى اليوم.
آن ماري روزيلي
على نحو ما صوَّرْنا إلى غاية سنة 1954؛ فيومئذٍ وجدت مجموعة «ماص» نفسَها
في مواجهة التأثير المتزايد لصحيفة تحررية، كان (العدو) يأتي من فرنسا.
فصحف فرنسا التي كانت تزعم أنها تتمتع بأشكال من الحرية مع عقدية الإقامة،
وهي «لوموند» و»فرانس ـ أوبسرفاتور» و»كومبا»، و»تيموانياج كريثيان»
و»لوكانار أونشيني»، و»لومانيتي» أصبحت هذه الصحافة مهددة بالمنع من
الدخول إلى المغرب.
فما كان الصحافيون القادمون من البلد الأصلي فرنسا يفلتون من الضغوط التي
كانت تقع على زملائهم المقيمين في المغرب. فقد كانوا يخضعون للمراقبة في
تحركاتهم، وفي ما قد يزمعون إنجازه من استطلاعات أو لقاءات مع المغاربة،
وكان يُقدَّم لهم، فضلاً عن ذلك، من النصائح ما يراد به إفهامهم ، ما
ينبغي قوله وما لا ينبغي قوله، وهي مغامرة قيِّض لي أن أعيشها أنا أيضاً،
وخَبَرها من زملائي كثيرون. ويمكن لأي تمرُّد، في هذا المضمار، أن يجر على
صاحبه صنوفاً من المضايقات والمنغصات. وقد يصل به في بعض الأحيان إلى حد
الطرد والإبعاد؛ ذلك ما حدث لإيباري، الصحافية المرموقة الجريئة في صحيفة
?فرانس أوبسرفاتور.
ففي يوليوز 1953 ( وقد كانت انطلقت «عملية» واسعة للقياد ضد السلطان)،
انعقد مؤتمر للصحافة الجهوية في مراكش ، وهي يومئذ منطقة نفوذ الكلاوي
متزعم القياد والباشوات المتمردين ، لصحافيي المغرب وفرنسا ، وقد أتاح لي
الفرصة لأكتب إلى جون شوتم، الكاتب العام لصحيفة «لومين ليبر لومان»، الذي
لم يقدر على التنقل، لكن كان يهتم بقضايا المغرب ومشكلاته .
وإنه لمما يبعث على الحزن أن نفكر أن الأشخاص، ولاسيما الصحافيين منهم،
الذين كانوا يحاولون الحصول على وثائق موضوعية، لا مجرد وثائق تخص جانباً
واحداً، قد اعتُبِروا بمثابة «مهيِّجين»، أو «مزعجين»، أو فرنسيين تخلوا
عن فرنسيتهم، لأنهم لم يكونوا يقتصرون بمصادرهم الإخبارية على الناطق
الرسمي باسم الإقامة. ومن قبيل ذلك أن صحيفة «ماروك-ريس» قد أثارت حفيظة
بعض الزملاء المغاربة، كما لقيت منازعة من أسبوعية «باريس»، أن تجرأت، في
ما يبدو، على دعوة صحافيي فرنسا إلى التنقل بشيء من الحرية، واستفسار
أعوان آخرين غير الكلاوي، وربما طلبوا مقابلة السلطان ، وهو ما بدا أنه
تجاوز حدود اللياقة، حيث إن تلك المبادرة لم تحصل على «تأشـيرة»
الإقـامة..» (من رسالة بتاريخ 21 يوليوز 1953).
وهكذا صار عمل الصحافيين مغامرة ليست مخاطرها بالهيِّنة، بل كانت
تتخلَّلها، في بعض الأحيان، حوادث مأساوية لا يليق بنا أن نغفلها، أو نمر
من دون الوقوف عندها.
فقد نشرت صحيفة «لوموند» في يوم 24-25 مارس 1985، رسالة لأحد القراء،
بعنوان «صحافيون»، رد على مقال صوَّر المخاطر التي يتعرَّض لها الصحافيون
في بعض المواضع «الساخنة» يومئذ في العالم؛ كالهند وبريطانيا وبلدان الشرق
وإسبانيا... وعبر ود هذا القار لو يتدارك ذلك النقصَ الذي وقف عليه في هذه
القائمة، وأضاف إليه «البلدان الاستعمارية، أو البلدان الواقعة تحت
الحماية؛ حيث كان الصحافيون يمارسون مهنتهم إلى وقت قريب»؟
فقد كتب :
«إن هؤلاء الزملاء الذين كانوا يصارعون رأياً محافظاً وسلطة متعسفة وحقيقة
رسمية مزيفة، وينددون بعدالة قد استُهزِئَ منها، وكانوا يلاقون حقداً
شديداً، وكان يُسعى بالرقابة والتخويف، بله الاعتداء على حياتهم، إلى
تكميم أفواههم. لكن عبثاً حاول خصومهم؛ فتلك، كما يؤكد المراسل، هي
«المهنة ـ الشغف»، التي تتطلب في صاحبها قدراً كبيراً من التفاني والشجاعة.
انظر النص الكامل في ملحق كتابنا.
إن ما يطبع هذه الشهادة من صدق واضح، وما تنم عنه جلياً من تجربة معيشة
يجعلانها شهادة مؤثرة. وإن التوقيع الذي حملته ليثير الفضول. فقد جاءت
موقعة باسم «جون ـ فرونسوا هنري». فهل تراه يكون اسماً مزدوجاً؟ أم هي
ثلاثة أسماء؟ أم يكون اسماً مستعاراً؟
إن قلة من القراء من في استطاعتهم أن يتأدوا إلى مفتاح هذا اللغز. فجون
وهنري وفرونسوا ، والمراد به فرونسواز، هي أسماء الأبناء الثلاثة لأنطوان
مازيلا، الذي تولى في سنة 1954 رئاسة تحرير صحيفة «ماروكبريس»، التي
انتقلت يومئذ جانب إلى الأحرار، الذين كادوا أن يلقوا حتفَهم بفعل قنبلة
أُلقيَتْ على شرفة الشقة حيث كان الأطفال فيها ينامون.
وقد ظلت هذه الذكرى عن ذلك الحب الأبوي الذي أصيبَ أفظَع إصابة، ظلت هذه
الذكرى «كابوساً»، قد يعاود الظهور متى حدث ما ينكأ الجرح، ولو بعد ثلاثين
سنة. وكذلك يعبر هذا التوقيع المهدى إلى أولئك الأطفال عن المحبة لهم.
لقد كان كمن يحاول طرد الأرواح الشريرة عن ذاكرته، لكنه يحترس أيما
احتراس، من استدعاء تجربة شخصية، ولا يكتب إلا ليحيي وفاء الفريق الصغير
من رفاق المعركة الواحدة، ويحيِّي زملاءه الفرنسيين الذين ساندوه في
مغامرتهم الجديدة؛ تلك المغامرة التي خاضوها في صحيفة «ماروك ـ بريس».
اختراق الوهم وتغيير في قمة «ماروك-ريس»
نشأت صحيفة «ماروك ـ بريس» عن اندماج الصحيفتين المحافظتين «لابريس
ماروكين» و»لوماروك كوتيديان». وقد تولى إدارتَها، في البداية، مارسيل
بييروتون (وهو وزير سابق للداخلية في حكومة فيشي) ، تولى رئاسة تحريرها
أليكس ديلبيرو (وهو الآخر فيشاوي). والرجلان اثناهما محافِظان. ولم تُبِن
الصحيفة الجديدة، في البداية، عن أي تميُّز عن الخط الذي تشترك فيه صحف
الحماية. لكن طرأ تحوُّلٌ على خط تحريرها؛ حيث ظهرت على صفحاتها مقالات
تشذ عن «التفكير التقليدي».
لكن حدث أن جاءت هذه الصحيفة، في 21 نونبر 1953، بعنوان صارخ، فإذا هي به
كمن يصب على الأذهان المطمئنة ماء بارداً، بفعل تحليل على غير قليل من
التشاؤم، للوضعية، ختمته بتحذير قاس :
«إياكم والغباء».
لقد تحرَّر المغرب، منذ ثلاثة أشهر، من «العقدة الغوردية» التي تحررنا، في
ما نعتقد، من كل معيق لحاجته إلى التطوُّر، وتسمح بتزويد المغاربة بدولة
ديمقراطية. وإنه ليوم تاريخي، يبدو، حسب الأصداء التي تم التقاطها في
أخبار الصحافة، كأنه يوم للمغفلين.
وأما المغفلون فهم أولئك الذين اعتقدوا، بما هم عليه من حسن نية، أنه قد
كان يهيَّأُ لتدابير قد اختمرت وقتاً طويلاً، لكن عاق إخراجَها إلى حيز
الوجود سلطان قد أعماه عناده.
فقد بدا منذ ذلك اليوم أن مجهود بعض الموظفين السامين في الرباط قد اتجه
بكامله إلى هدف واحد «تقرير أقل ما يمكن من الإصلاحات، والعمل على عدم
تنفيذ أي واحد منها.
فمن كان شريكاً للإدارة؟ فنحن نعرف هذه الإدارة هلوعة وجِلة، لكن لا يمكن
أن يخطر ببالنا أن يصل منها هلعها ووجلها إلى أن تظل تضرب أخماساً في
أسداس، تحت الضغوطات الخاصة التي تتلقاها من مترشح من المترشحين من خشيته
أن لا يُعاد ترشيحه، أو بفعل استفتاءات منتظرة، وصارت لازمة أكثر من أي
وقت مضى.
فهل يقيَّض لجبل النصوص أن يلد، في الممارسة، فأراً؟
لا يزال يساورنا الشك في هذا الأمر إلى اليوم.
آن ماري روزيلي
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
تغير حقيقي على مستوى القمة
فإذا كان فرنسيو هذا البلد يرغبون في استعادة شيء من المصداقية عند فرنسا، فليس عليهم أن يقبلوا بأن يكونوا مغفلين في هذه المناورة الجديدة، التي تخالف، على نحو بيِّن، مصالحَهم الواضحة» توقيع هنري سارتو. إنه تغيُّر حقيقي على مستوى القمة. فماذا حدث؟ لقاء سارتو-مازيلا كان جاك والتر، المهندس، والرئيس المدير العام لشركة المناجم «زليجة»، قد اشترى صحيفة «ماروك-ريس». وكان يطمح إلى أن يجعل منها صحيفة إخبارية يومية كبيرة. فقد أدرك والتر، بفكره المتفتح المقدام، أن النجاح يقتضي إسناد مناصب المسؤولية إلى خيرة الرجال وثِقاتهم. فلذلك انفصل عن بيروتون وعن ديلبيرو، وجعل بدلاً عنهما، في منصب الرئيس المدير العام القائد هنري سارتو، وجعل في منصب المدير ورئيس التحرير أنطوان مازيلا. وأما القائد هنري سارتو فهو ضابط سابق في شؤون الأهالي، اضطرته إصابة بليغة في الحرب إلى التحول إلى الحياة المدنية، وقد اكتسب فيها تخصص مهندس في التنظيم. وأما مازيلا فهو يقول في هذا الصدد : «لقد وجدت نفسي مديراً ورئيس تحرير، عندما دُعيَ سارتو من لدُن والتر من أجل القيام بإعادة هيكلة للمقاولة. وحيث إن والتر كان في حاجة كذلك إلى صحافي، وأنه كان يعرفني منذ أن كانت تلك «المغامرة المحزنة» التي مرت بي في صحيفة «لوبوتي ماروكان دي سوار»، فقد دعاني للعمل في صحيفته» (من رسالة بتاريخ 21 مارس 1996). لقد كان اختيار هذين الرجلين المتخصصين اختياراً موفقاً. ولم يكن يخلو الجمع بين هاتين الشخصيتين من بعض الجسارة. فقد كان هنري سارتو اكتسب من عمله في شؤون الأهالي معرفة معمقة بالشعب المغربي، الذي كان مقدراً لصفاته الأصيلة ومعجباً بثقافته. ثم إن سارتو كان كذلك حسب وصف غي ديلانوا «رجلاً يمتاز بصرامة ثقافية كبيرة». فقد كان متكتماً ومتحفظاً، و»يتصف بنوع من الشدة واحترام النظام قد ورثهما من ماضيه العسكري». وأما أنطوان مازيلا فقد كان مساره مختلفاً، وهو مسار رسمه لنا صديقه جلبير فيالا، الصحافي الذي كان في ذلك الوقت رئيساً للمصلحة السياسية للوكالة المركزية للصحافة (A.C.P.)، وكان له به اتصالات كثيرة. فقد قال عنه : «إنني أحتفظ لأنطوان مازيلا، بعد سنوات عديدة، ذكرى مشرقة. فقد كان الرجل يتميز بهيبة اكتسبها من ممارسته للرياضات، كانت تجعل صاحبها محطاً للأنظار في شوارع الدار البيضاء ! وكان إنساناً ودوداً، لا تفارقه الابتسامة حتى في أحلك الظروف» (من حوار بتاريخ 4 شتنبر 1995). وعليه فقد كان الرجلان مختلفين طبعاً ومختلفين تكويناً، لكنهما كانا هما الاثنان صائبين في أحكامهما ومتساويين في نزاهتمها. ولقد تقاربا في ما بينهما في تعاون كانت الثقة الكاملة التي خصهما بها أنطوان والتر تجعل لهما فيه حرية التصرف. ولقد شكل الرجلان «تنظيماً» لحمته صداقة متينة. وقد حدثني أنطوان مازيلا ذات يوم (تخالط حديثه طيف ابتـــسامة من الانفـــــعال الذي خلفه عنده ذلك المسار البطولي) بقوله : «ومع ذلك فإن بدايات ذلك التعاون لم تكن سهلة ويسيرة دائماً. فأما هنري سارتو، الضابط في شؤون الأهالي، قد تكون على احترام التراتبية ! (كان في البداية «يقف وقوف الجندي» أمام الجنرال غيوم، الذي كان يرى فيه جنرالاً أكثر مما يرى فيه مقيماً). وأما أنا فقد جئت من المجال النقابي، فكانت لي رؤية نقدية إلى الواقع المغربي حيث عشت منذ سني الطفولة ! وكان هنري سارتو في البداية يثق في الجنرال غيوم، فكان يسلم بتحليلاته للوضعية المغربية ويسلم بالحلول التي يأتي بها لها : الإصلاحات التي كان يقول إنها صارت ممكنة بعد خلع السلطان... وقد لبثنا منتظرين تلك الإصلاحات لثلاثة شهور ! فما لاحظ سارتو أن وعود الجنرال غيوم كانت تظل من غير تحقيق، وأن الأكاذيب كانت تقود سياسة الإقامة وأن آرائي كانت على العكس ذات أساس، وأن توقعاتي كانت لا تلبث أن تتحقق، حينذاك قرر بعد لأي أن يتحرك. فقد قال لي : «ينبغي أن نفعل شيئاً». لأن سارتو كان في منتهى الاستقامة. وكانت جدارته كبيرة. أكبر مما كان يتحلى به أي واحد منا، نحن الأحرار الملتزمين منذ وقد طويل. وقد شق لنفسه في الصحيفة مساراً عظيماً. وإن جدارته لكبيرة ولاسيما أنه لم يكن من عالم الصحافة. لقد سخر ضميره للعمل بما تليه عليه مبادئ المهنة» (من حوار بتاريخ 6 يناير 1994). وقد كان الجمع بين هذين المسؤولين عملاً مثمراً. فقد كانا يشتركان في طريقة تحليلهما للأحداث، ويتقاسمان القناعات نفسها بشأن الحلول التي ينبغي البحث عنها. ولقد وحد هنري سارتو وأنطوان مازيلا كفاءاتهما ومروءتهما للفعل. وقد وضعا نصب أعينهما هدفاً أساسياً يتمثل في تكوين رأي عام متنور، بواسطة الأداة المتميزة، الصحيفة، التي هي بين أيديهما، بإعطاء قرائهما الأخبار ذان الصحة المتناهية، والعناصر التي تمكنهم من التقييم الموضوعي. ومن حول هذين الرجلين اءتلفت مجموعة صغيرة من الصحافيين، أولئك أنفسهم الذين كانت بداية اشتغالهم بالصحافة في صحيفة «لوبوتي ماروكان»، ونخص منهم بالذكر برتران بليغ وكريستيان داربور، اللذين سيشكلان بعد ذلك «النواة الصلبة» لهيأة تحرير «ماروك-بريس». لقد كان نفي السلطان في رأي صحيفة «ماروك-بريس» هو الحدث الحاسم الذي مكن لها أن تفتح ثلمة في السلطة المتراصة للصحافة الاستعمارية. وستكون المأثرة التي ستحسب لهذه الصحيفة نشرها في يوم 11 ماي 1954 «رسالة 75». 75 موقعاً للمطالبة بتغيير للسياسة صارت الوضعية في المغرب في مطلع العام 1954، تبعث على القلق، وكثرت الاعتداءات. وقد سجلت صحيفة «لافيجي» في عدد ليوم 24 يناير، أنه وقع في مدة 164 يوماً : 45 اعتداءاً، و99 حريقاً، و48 اعتداء بالمتفجرات، و45 عملاً تخريبياً. وانضافت إلى الاعتداءات كذلك الإضرابات و»مقاطعة» المنتجات الفرنسية (خاصة التبغ) التي كان المغاربة يتلقون بها التعليمات مع التهديد بالقتل وكانت الشرطة تحاول جهدها لمنع تطبيقها. ثم تواردت الأخبار المتشائمة بشأن حرب الهند الصينية، فزادت من جو القلق والحيرة بفعل الاضطرابات التي تحفل بها الحياة اليومية بسبب من انعدام الأمن، فزادت تلك الأخبار من تعكير الأجواء. لكن حدث عن طريق المصادفة ، لكنها مصادفة كم هي جديرة بأن تدفع إلى التأمل ، أن جاءت الصفحة الأولى من صحيفة «ماروك-بريس» ليوم 11 ماي 1954 تجمع بين العنوانين اللذين سيصيران يشكلان الحدثين في ذلك اليوم : في جهة اليسار «ديك استري سجيناً، ومعه عشرة آلاف آخرون»، وفي جهة اليمين، عنوان على القدر نفسه من المفاجأة لغير قليل من القراء : «في رسالة إلى رئيس الجمهورية، فرنسيو المغرب يطالبون بتغيير السياسة في الرباط». وقد جاءت تلك الرسالة معتدلة في نبرتها، ومؤثرة في محتواها. فقد أدان فيها الموقعون الخمسة والسبعون انحرافات نظام الحماية، والأزمة المغربية التي بلغت مداها، والآفاق المأساوية لدوامة العنف. وأشار الموقعون إلى أولى التدابير التي ينبغي اتخاذها على الفور من أجل إعادة الهدوء، وهي «تحرير السجناء السياسيين، وإعادة النظر في التدابير التي كانت سبباً في الوضعية السياسية الحالية، وتطبيق الإصلاحات الهيكلية الضرورية». وهي صيغة ضمنية قيل فيها كل شيء. وقد سلِّمتْ أصلية هذه الرسالة، في يوم 8 ماي، إلى رئيس الجمهورية روني كوتي، ونشرت صحيفة ، لوموند نصها الكامل في اليوم نفسه الذي ظهرت في صحيفة «ماروك-ريس»، ثم تناقلتها صحف أخرى. لقد فتحت رسالة 75 ثغرة حاسمة في الصحافة الاستعمارية، فما عاد في الإمكان التستر على المشكلة المغربية. | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
فرنسا تطرد أربعين من الفرنسيين الأحرار من المناضلين النقابيين والشيوعيِّين
لقيت القطيعة التي كانت من بعض كاثوليكيي المغرب مع التوجه الامتثالي لتراتبية تؤيد، في مجموعها، السياسة الاستعمارية، تأييداً، في عام 1952، في موقف منشق في قمة السلطة الكاثوليكية في المغرب؛ كما تجلى في موقف أسقف الرباط (كان لقبه الصحيح في ذلك الوقت هو القس البابوي)، مونسيسنيور أميديس لوفيفر. فقد وجه القس لوفيفر في فبراير 1952، كما جرت العادة في بداية الصوم الكبير، إلى مسيحيي المغرب «رسالة» يشدد لهم التذكير بمبادئ العدالة التي جاءت بها الأناجيل عامة، وخاصة تجاه المغاربة، «الذين لا يفترض بهم أن ينسوا أنهم ضيوف عليهم». فخلف هذا الكلام انفعالاً قوياً وسط الجماعة الكاثوليكية. ويقول مونسينيور شابير متذكراً : «لقد كان «نجاحاً باهراً»، فـ»مومسينيور قد اتخذ موقفاً واضحاً وأعلن أنه يؤيد تحولاً للبلاد نحو الاستقلالية المشروعة»(فلم يكن يُستعمل بعد لفظ «الاستقلال»)، يمارس فيها المغاربة مسؤولياتهم بحرية. وقد صدم بعض المسيحيين مما اعتبروه تدخلاً غير مقبول في السياسة». وبدت تلك «الرسالة» في غاية «التخريب»، بحيث رفض بعض الخوريين أن يقرأوها على رعاياهم التي كانت في أصلها موجهة إليهم ومقتصرة دون غيرهم». لكن أولئك من المسحيين الذين أقروا بما جاء فيها قاموا باستنساخها بنصها الكامل، وقاموا بتوزيعها على محيطهم من أجل تحقيق إخبار محدود النطاق في ظاهره، لكن سيصير له امتداد صارخ. خاصة في فرنسا، و(كما لا يعلم مونسينيور لوفيرفر) بين الأوساط المغربية. فقال متعجباً (إذ تفاجأ، لكن ربما لم يشعر باستياء). وقد كنت شاهدة قريبة على هذا «الإفشاء للسر»، فلذلك لا أرى مضرة، بعد انقضاء كل تلك السنوات، في التذكير بمجريات ذلك الأمر، مع التكتم عن أسماء المشتركين فيه، إذ لم يتح لي أن أسألهم موافقتهم لإفشاء ذلك السر. لقد حُمل مستنسخ ذلك النص إلى البلد الأصلي بأيدي بعض الفرنسيين، فنبا العلم به إلى بعض الطلاب المغاربة الداخلين في أوساطهم. فطلبوا أن يطلعوا عليه بعض الرفاق، وقاموا بترجمته لنشره في جريدة «داخلية»، ثم سلموه بعد ذلك إلى بعض الصحف. وقال لي أحد هؤلاء الوسطاء : «إنك تعلمين حقاً أننا لا يمكننا أن ننغاضى عن مثل هذه الشهادة». وقد كانت أسبوعية «تيموانياج كريثيان» (الشهادة المسيحية) هي السباقة إلى نشر تلك الرسالة، في صورة موسعة. وتحدثت عنها صحف أخرى، بما فيها بعض اليوميات التي تصدر في الأقاليم الفرنسية (وهي من الصحف «غير الامتثالية» النادرة، من قبيل : «لوكوريي دو لويست» التي تصدر في أنجير)، وجاءت منها بمقاطع مسهبة أرفقتها بتعاليق تشيد بهذه الرسالة. وحينئذ عادت رسالة مونسينيور لوفيفر إلى المغرب؛ فلم يعد للصحافة المحلية، سواء من المؤيدة غير المؤيدة لها، أن تتجاهلها. وإذا المغاربة الذين علموا بهذه الرسالة قد تلقوها بالتعاطف، هي التي جاءت تقر لهم بمطامحهم، ولم تكترث بمشاعر العداء التي قابلها بها الاستعماريون. وقد حدثني سي محمد بنزيان، مدير مدرسة محمد جسوس في الرباط، ذات يوم بمرارة قائلاً : «كانوا يزعمون أننا لا نحب فرنسا. وهذا شيء غير معقول. فنحن الذين عشنا في فرنسا، ونعرف بثقافتها وتاريخها، ونعلم أن فرنسا كانت في الطليعة للمناداة بالحرية؛ حريتها وحرية الآخرين، كنا نثق في فرنسا. وإنما نروم النضال ضد التجاوزات التي اقترفها فرنسيون سيئون. ولو كنتم في موضعنا لفعلتم المثل» (من حوار ، أبريل 1951). وذلك هو نفسه معنى كلام باسكال كوبو. وقد صرح لي عبد الرحيم بوعبيد في الفترة نفسها في مكتب صحيفة «الاستقلال»، التي لم تكن تعرضت بعد للمنع، بقوله : «إن فرنسيي المغرب يتصورون أننا إنما نريد أن نجردهم (من ممتلكاتهم) ونطردهم. ونحن لا ننكر أن الفرنسيين الذين استقروا في المغرب منذ خمس وعشرين سنة، قد صار لهم فيه مصاح، وأنهم قد اندمجوا في البلاد. ونعرف جيداً أننا نفتقر إلى الأطر». وهو موقف نجد له تأكيداً عند مونسينيور شابير في قوله : «يمكنني أن أشهد أنني لم أشعر في يوم من الأيام في أي لقاء من اللقاءات التي جمعتني بالمغاربة بمشاعر عداء لفرنسا». وهذا أمر يمكن أن تشهد عليه العامة من سكان المدن العتيقة؛ فهي لا تخفي كذلك تقديرها ومودتها للدكاترة والممرضين والمدرسين، الذين يمكن أن نشهد على تفانيهم ونزاهتهم. وما تبدلت هذه المشاعر إلا وقت أن صارت الإقامة تسلك تلك السياسة الضالة القائمة على العنف، فاستولى السخط على القلوب، وتكونت بذور حقد فأطلقت «دوامة العنف»، التي ركب الأحرار الفرنسيون، بـ «طوباويتـ»تهم الراسخة، أعظم المخاطر، واستماتوا في بذل الجهود لإحقاق العدل والإعداد للتهيئة وإنقاذ الصداقة. تصاعد الأخطار عرفت سنة 1952 ارتفاعاً مهولاً في الأخطار التي صارت تتهدد نظام الحماية. فقد ظل التوتر الذي نشأ بداية من سنة 1947 (بفعل خطاب السلطان في مدينة طنجة، وتعيين الجنرال جوان مقيماً عاماً)، ثم اشتد واستفحل منذ سنة 1951 بين الإقامة العامة والقصر، كان ذلك التوتُّر لا يفتأ في تزايد. فقد ظل السلطان على مقاومته العنيدة للضغوط التي صار يمارسها عليه الجنرال غيوم، الذي خلَف الجنرال جوان، لكنه واصل سياستَه. فقد دافع سيدي محمد بن يوسف عن صلاحياته ضد تعسُّفات الإقامة، وطالب بالإصلاحات الضرورية واللازمة لتحديث البلاد، وعارض مشروع السيادة المشتركة، التي تكرِّس، على نحو ملموس، انقيادَ المغرب، وتنتهك بنود معاهدة الحماية. وقد [دبِّرتْ] محاولة للتمرد على السلطان، في سنة 1951 لكن باءت بالفشل، وإذا الإقامة قد صارت تستهدف الوطنيين؛ فاعتقلت منهم كثيراً، وطوَّحت بزعمائهم نفياً إلى الجنوب. عملية «كاريير سانطرال» لقد بلغ السخط من الشعب كل مبلغٍ، حتى تفجَّر في دجنبر 1952، في قضية كارييل سانطرال؛ تلك العملية الدموية التي دارت وقائعها في مدينة الدار البيضاء، والتي ستصير، على نحو غير مباشر، إلى أولى ردود الفعل السياسية عند الوطنيين. فقد قامت مظاهرةٌ احتجاجية اغتيال النقابي التونسي فرحات حشاد، فاتخذها البوليس ذريعة لاستفزازاته، التي قوبلت بأشكال من الشغب، وحدث فيها السلطات (بونيفاس، رئيس الشرطة)، لإعمال قمعه الشرس والشامل. وقد كان الدكتور الحراقي شاهداً، من مقر عيادته لجراحة الأسنان، على تلك الأحداث المأساوية. ومما قال فيها : «كنت أسكن بحي الحبوس، قبالة محكمة الباشا الشهيرة، وكانت نافذة عيادتي تطل على الساحة التي يوجد مدخل تلك البناية؛ فهذا أتاح لي أن أعاين الأحداث المؤلمة التي وقعت في سنة 1952، والتي اهتزت لها أرجاء الدار البيضاء، لمقتل فرحات حشاد، وكانت سبباً في وقوع اعتقالات كثيرة على أثَر المظاهرة التضامنية التي قامت بها الطبقة العاملة. ومن أسف أن عمالنا الذين اعتادوا مرارة الجور والظلم قد صاروا يتجرعون شقاء السجن الذي نزل بهم» (من رسالة بتاريخ نونبر 1994). ثم جاءت التصريحات الرسمية تزعم إقامة الأدلة على وجود مؤامرة ،نقابية،استقلالية،شيوعية (وهو مزيج كثير الورود في الكتابات الرسمية)، وأنه قد كان من المستعجل الحيلولة دون مثيري الشغب والقيام بما يقومون به من تخريب. وعليه، وكما ذكر الحراقي : «في هذا المناخ من الاحتقار والحقد، كان محتماً للمشاعر أن تتأجَّج. وقد حيكت بعض المؤامرات للقضاء على العناصر المشكِّلة لحزب الاستقلال «رأس الحيَّة»؛ وتلك هي الصورة التي كان المقيم العام غيوم يجعلها لنا ، هو الذي توعَّدنا، بلغته العقابية، ليُطعمنَّنا تبناً» (من رسالة بتاريخ 14 دجنبر 1993). وعليه، فقد اعتُقِل الزعماء الوطنيون، بمجرد الافتراض والتخمين، وقبل إجراء أي تحقيق، فتعرضوا للمضايقات والحبس، بعد أن ترِكوا عرضةً للشتائم والتهديدات من الاستعماريين الذين هيَّجهم ما صار يدور من شائعات مغلوطة. ولم تكتف الإقامة بما أنزلت بالوطنيين المغاربة من اعتقالات، حتى قامت بطرد حوالي أربعين من الفرنسيين، من مناضلين نقابيين وشيوعيِّين ومدرسين وأطر ودكاترة ومحامين، لمجرد أن عبَّروا عن آرائهم السياسية. وقامت بما قامت به في حقهم في ظروف مشينة. | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
القمعَ الوحشي الذي امتد إلى جبال الأطلس جعل سكانها ناقمين
لقد كان من
البديهي أن تعمل صحافة المغرب، وقد كانت كلها بأيدي الاستعماريين، على
مجاملة الإقامة العامة؛ فأسهبت في نشر أخبارها، وأرفقتها بتعاليق من شأنها
أن تُدخل الروع في نفوس الفرنسيين. وحينئذ وجد بعض هؤلاء الصحافيين في
الدار البيضاء، ممن كانوا شهوداً على مجريات تلك الأمور، في أنفسهم
الشجاعة والجرأةَ على الجهر بالحقيقة. فقد بعثوا إلى مديري الصحف برسالة
احتجاج وتكذيب جماعية، وعضدوها بالأدلة الدامغة والشهادات التي يمكن
التحقق منها. والخلاصة أنهم طالبوا بإجراء تحقيق منصف في السبب المحدد
وراء أعمال العنف والعدد الحقيقي من القتلى (إذ يبدو أن الصحافة قد هولت
كثيراً من عدد الضحايا الفرنسيين)، وفداحة الأعمال الانتقامية، ومصير
المعتقلين.
كان الموقعون ثلاثة عشر أستاذاً في التعليم الثانوي في
مدينة الدار البيضاء. فعاقبتهم الإقامة العامة على تلك المبادرة بعقوبات
مختلفة، واتخذت في حقهم تدابير وإجراءات تأديبية، بل إنها ببعضهم حد
الطرد. لكن هذا العمل الأول ذا الطابع السياسي المعلَن سوف يكون له أثر
حاسم على الرأي العام في فرنسا، وسوف يكون مثارَ عمل تنخرط فيه شخصيات من
أكثرها تمثيلية؛ من مثقفين بارزين وصحافيين ذائعي الصيت. وتواصلت
الاحتجاجات المتفرقة في المغرب. وقد أشار الأستاذ بوتان إلى العسف الذي
طبع تلك الاعتقالات وخشونة الأساليب البوليسية وظروف الحبس المشينة.
واستنكر الأب بييريغير، من منسكه في القباب، القمعَ الوحشي الذي امتد إلى جبال الأطلس، والذي صيَّر سكان هذه الناحية «يائسين».
وسواء أكانت هذه الاحتجاجات تتم في الخفاء أو كانت تلقى الاستنكار
والاعتراض، فهي قد صبَّت، في فرنسا، في رسالة للثلاثة عشر. وقد تجسد السخط
والاستنكار والشجب التي أثارتها في الاجتماع الشهير للمثقفين الكاثوليك
(الذي انعقد يوم 27 يناير 1953) ، والذي كان من بين المتحدثين فيه الأستاذ
ماسينيون وفرونسوا مورياك وشارل أندري جوليان وبيير بارا وبيير كورفال
والأب فوايوم... وقد ضم ذلك اللقاء مناضلين من اليسار ومسيحيين ملتزمين
وجرائد رأي من قبيل «تيموانياج كريتيان» و»فران ـ تيرور» و»كومبا»
و»لوبسرفاتور»، و»لوكنار أونشيني» و»لوفيغارو»، من خلال الافتتاحيات التي
كان يكتبها فرونسوا مورياك من أجل خبر وعمل سوف يتواصلان من دون كلل أو
فتور في سبيل القضية نفسِها : التحقيقات التي قام بها بارا في المغرب
(انظر كتابه «إنصافاً للمغرب، 1953)، وأعمال اللجنة الفرنسية المغاربية
(فـ. مورياك ولـ. ماسينيون وشـ. أنـ. جوليان)، ومظاهرات تضامنية مختلفة،
وحملات صحافية...
وسوف تكون الطريق وعرة مزروعة بالعراقيل في وجه الأحرار من الضفتين. لكنها لم تكن لتمنع من أن مشكلة المغرب قد أصبحت مطروحة.
وبدا انتصار ، المتفوقين في المغرب، بعد الأعمال الانتقامية التي استهدفت
المحتجِّين، أمراً مسلماً به. ثم حلت سنة 1953، فإذا هي تنذر بتجدد أزمة
سوف تبلغ برؤوس المؤامرة التي تدبرها الإقامة والباشوات والقياد
المتواطئون معها على السلطان إلى أقصى مداها.
وشهدت الشهور الأولى من تلك السنة اتساعاً نطاق الدسائس وأعمال العنف التي
كان يحيكه «المتآمرون» (جوان -الخفي لكنه حاضر)، وغيوم، والكلاوي. ولم يجد
الباشوات والقياد (سواء أكانوا مدركين لما يدبرون أو كانوا مضلَّلين)، من
يعارضهم، في ما خلا ذلك الرجل الشجاع سي البكاي، باشا مدينة صفرو
المستقيل، وأحرضان، القايد «المستقيل»، فقد كان رفضهما هما الاثنان باتاً
وقاطعاً؛ لم يفلَّه تهديدٌ، أن يوقعا العريضة المطالِبة بخلع سلطان المغرب.
وصار الشعب من عجزه يكظم غيظه، كشأن ذلك الرجل الوفي الحرَّاقي، وهو القائل :
«لقد أحسسنا جميعاً بمرارة الخضوع لنظام ذلك شأنه من الجبن والقمع. ومن
ملاحظتِنا أن الذين بأيديهم مقاليد الحل والعقد في هذه المشكلة لا يريدون
القبول بتاتاً بحل يخشون أن يكون مضراً بمصالحهم» (من رسالة بتاريخ نونبر
1994).
ولم يكن للأحرار، بطبيعة الحال، أن يلبثوا مكتوفي الأيدي إزاء التهديد
بالمأساة والغدر والخيانة. بيد أن وسائل الفعل لديهم من داخل النظام
القائم بدت كالمعدومة والباطلة. وقد كانت الحظوظ القليلة لتلافي الأسوإ
يمكن أن تأتي من مناضلي فرنسا، الذين كانوا وإياهم على اتصال دائم، والذين
كانوا يتمتعون بقدر كبير من الحرية في العمل، وإن كان يسير في تقلص مستمر.
وقد حاول روبير بارا وروبير دي مونفالون، بعد رحلتهما الثانية، أن يقوما
بآخر المساعي لدى السلطات الفرنسية. وبذلا في سبيل ذلك جهوداً لم يفلحا
بها في شيء، فإذا هما يأخذان في مناصرة السلطان إلى أن كان ذلك الخلع
العنيف الذي تعرَّض له. ويعتبَر كتاب روبير بارا، الذي أشرنا إليه في ملحق
كتابِنا، شهادة تتبع يوماً بيوم الأحداث والطوارئ التي عاشها صاحبه خلال
تلك الأيام المأساوية والمؤلمة.
لكن جاك رايتز، الحاد والجريء، قد حاول القيام بتدخل أكثر جرأة وإقداماً؛
فقد كان من قبيل ما يسمى بالفرصة الأخيرة، للحيلولة دون «المتطرفين»
وتحقيق مرامهم. وقد كان رايتزر على وعي بالفضيحة التي كان يجري الإعداد
لها، وكان مدركاً ما سيكون لها من عواقب كارثية. فكان يريد أن يفيد من
العلاقات التي تربطه بشخصيات متنفذة في باريس من أجل إقناع الحكومة بألا
تطيل يدي الإقامة في شؤون المغرب وتدعها تفعل ما تشاء.
وقد سعى رايتز، من أجل تقوية جانبه، إلى طلب دعم صديقه بيير كلوستيرمان،
الطيَّار الشهير في الطيران الفرنسي الحر، والنائب البرلماني عن سين ـ إ
مارن، وكذلك حصل على دعم صديق آخر له، وأخي سلاح، كان على وفاء مكين
للسلطان؛ ذلك هو الليوتنان كولونيل سي البكاي، باشا مدينة صفرو، الذي تطوع
في معارك التحرير، حيث فقدَ إحدى ساقيه، بما شكل ضمانة لا تقبل الجدال
لوطنيته ووفائه وإحلاصه على حد سواء.
وقد أفلح رايتز، بعد طول مشاورات مع الفرنسيين الذين يشاركونه قناعاته
(كان فيهم الأستاذ بوتان وأنطوان مازيلا والأستاذ بايسيير والدكتور دوبوا
ـ روكبير طبيب السلطان) . وفيما كان التوتر في تصاعد في الرباط بفعل إقالة
بعض القياد والباشوات، الذين رفضوا توقيع العريضة التي أعدتها الإقامة ضد
السلطان، واشتد ضغط اللوبي الاستعماري على رجال السياسة الفرنسيين، إذا
جاك رايتزر وبيير كلوستيرمان وسي البكاي يتوجَّهون إلى باريس وينذرون
أصدقاءهم والصحافة بوجوب التعجيل بالعمل. وقد حملوا رسالة من السلطان إلى
رئيس الجمهورية فانسن أوريول، الذي خصهم بالاستقبال.
وابتدأ حينئذ نقاش مؤثر، ترك لنا جاك رايتزر روايته الدقيقة. فقد خاطب الرئيس بقوله :
«سيدي الرئيس، لقد قضى والدي في سجون فيشي، وحاربت أنا وشقيقي في صفوف
القوات الفرنسية الحرة. ونحن متعلقان بهذا البلد. أنا أعيش بين المغاربة،
ولاسيما الشبان منهم، وأفهمهم. إنهم يعانون في شعورهم بكرامتهم ويألمون في
تساميهم. إنني لم أصب ثراء، بل أفعل ما أفعل دفاعاً عن حقوق الإنسان. فليس
في المغرب غير حقيقة واحدة؛ الحقيقة التي تريدها الحماية الفرنسية،
ويريدها الأثرياء. فأنا في نظرهم فرنسي سيء. لكن ينبغي أن نقول الحقيقة،
وهي أن ثمة مؤامرة يحيكها سياسيون سامون، يسخرون الكلاوي ضد السلطان. فلا
ينبغي للوجود الفرنسي في الغرب أن يكون تحالف مصالح، بل ينبغي أن يكون
إشعاعاً لثقافتنا» (وثيقة من أرشيف جاك رايتزر).
وهي كلمات أضاف إليها شهادة آية في الإيلام؛ إذ قال :
«إن صفتي كمعطوب حرب كبير، تجيز لي أن أؤكد لك، سيدي الرئيس، أن المغاربة
ليسوا معادين للفرنسيين، بل هم مناهضون لأولئك الذين يريدون، تحت ذريعة
وجود فرنسي تعسفي، أن يحرموهم حق الحياة. فمن أجل رجال مثلنا نحن حاربنا
من أجل تحرير فرنسا ، فكروا في حالتنا النفسية « أن نكون أوفياء لسلطاننا
من دون أن نتنكَّر للعلم الذي نعمل تحت لوائه» (نفسه).
ثم تحدث بيير كلوستيرمان فقال لرئيس الجمهورية إنه هو الوحيد القادر على
الحيلولة دون وقوع ما لا تحمَد عقباه. لكن الرئيس لم يزد على أن قال :
«إنني لا أنظر إلى شؤون المغرب إلا من علٍ، لأن هذا البلد لا يدخل ضمن
الاتحاد الفرنسي. فما عليكم، ولحالة هذه، إلا أن تتوجهوا إلى بيدو».
وكذلك كان. فقد توجه بيير كلوستيرمان لمقابلة وزير الشؤون الخارجية، فعاد يجر ذيول الإحباط. وقال في ذلك :
«وجدت أمامي مخاطباً منطوياً على نفسه كل الانطواء، فلم أجد بداً من القبول بالأمر الواقع» (نفسه).
آن ماري روزيلي
البديهي أن تعمل صحافة المغرب، وقد كانت كلها بأيدي الاستعماريين، على
مجاملة الإقامة العامة؛ فأسهبت في نشر أخبارها، وأرفقتها بتعاليق من شأنها
أن تُدخل الروع في نفوس الفرنسيين. وحينئذ وجد بعض هؤلاء الصحافيين في
الدار البيضاء، ممن كانوا شهوداً على مجريات تلك الأمور، في أنفسهم
الشجاعة والجرأةَ على الجهر بالحقيقة. فقد بعثوا إلى مديري الصحف برسالة
احتجاج وتكذيب جماعية، وعضدوها بالأدلة الدامغة والشهادات التي يمكن
التحقق منها. والخلاصة أنهم طالبوا بإجراء تحقيق منصف في السبب المحدد
وراء أعمال العنف والعدد الحقيقي من القتلى (إذ يبدو أن الصحافة قد هولت
كثيراً من عدد الضحايا الفرنسيين)، وفداحة الأعمال الانتقامية، ومصير
المعتقلين.
كان الموقعون ثلاثة عشر أستاذاً في التعليم الثانوي في
مدينة الدار البيضاء. فعاقبتهم الإقامة العامة على تلك المبادرة بعقوبات
مختلفة، واتخذت في حقهم تدابير وإجراءات تأديبية، بل إنها ببعضهم حد
الطرد. لكن هذا العمل الأول ذا الطابع السياسي المعلَن سوف يكون له أثر
حاسم على الرأي العام في فرنسا، وسوف يكون مثارَ عمل تنخرط فيه شخصيات من
أكثرها تمثيلية؛ من مثقفين بارزين وصحافيين ذائعي الصيت. وتواصلت
الاحتجاجات المتفرقة في المغرب. وقد أشار الأستاذ بوتان إلى العسف الذي
طبع تلك الاعتقالات وخشونة الأساليب البوليسية وظروف الحبس المشينة.
واستنكر الأب بييريغير، من منسكه في القباب، القمعَ الوحشي الذي امتد إلى جبال الأطلس، والذي صيَّر سكان هذه الناحية «يائسين».
وسواء أكانت هذه الاحتجاجات تتم في الخفاء أو كانت تلقى الاستنكار
والاعتراض، فهي قد صبَّت، في فرنسا، في رسالة للثلاثة عشر. وقد تجسد السخط
والاستنكار والشجب التي أثارتها في الاجتماع الشهير للمثقفين الكاثوليك
(الذي انعقد يوم 27 يناير 1953) ، والذي كان من بين المتحدثين فيه الأستاذ
ماسينيون وفرونسوا مورياك وشارل أندري جوليان وبيير بارا وبيير كورفال
والأب فوايوم... وقد ضم ذلك اللقاء مناضلين من اليسار ومسيحيين ملتزمين
وجرائد رأي من قبيل «تيموانياج كريتيان» و»فران ـ تيرور» و»كومبا»
و»لوبسرفاتور»، و»لوكنار أونشيني» و»لوفيغارو»، من خلال الافتتاحيات التي
كان يكتبها فرونسوا مورياك من أجل خبر وعمل سوف يتواصلان من دون كلل أو
فتور في سبيل القضية نفسِها : التحقيقات التي قام بها بارا في المغرب
(انظر كتابه «إنصافاً للمغرب، 1953)، وأعمال اللجنة الفرنسية المغاربية
(فـ. مورياك ولـ. ماسينيون وشـ. أنـ. جوليان)، ومظاهرات تضامنية مختلفة،
وحملات صحافية...
وسوف تكون الطريق وعرة مزروعة بالعراقيل في وجه الأحرار من الضفتين. لكنها لم تكن لتمنع من أن مشكلة المغرب قد أصبحت مطروحة.
وبدا انتصار ، المتفوقين في المغرب، بعد الأعمال الانتقامية التي استهدفت
المحتجِّين، أمراً مسلماً به. ثم حلت سنة 1953، فإذا هي تنذر بتجدد أزمة
سوف تبلغ برؤوس المؤامرة التي تدبرها الإقامة والباشوات والقياد
المتواطئون معها على السلطان إلى أقصى مداها.
وشهدت الشهور الأولى من تلك السنة اتساعاً نطاق الدسائس وأعمال العنف التي
كان يحيكه «المتآمرون» (جوان -الخفي لكنه حاضر)، وغيوم، والكلاوي. ولم يجد
الباشوات والقياد (سواء أكانوا مدركين لما يدبرون أو كانوا مضلَّلين)، من
يعارضهم، في ما خلا ذلك الرجل الشجاع سي البكاي، باشا مدينة صفرو
المستقيل، وأحرضان، القايد «المستقيل»، فقد كان رفضهما هما الاثنان باتاً
وقاطعاً؛ لم يفلَّه تهديدٌ، أن يوقعا العريضة المطالِبة بخلع سلطان المغرب.
وصار الشعب من عجزه يكظم غيظه، كشأن ذلك الرجل الوفي الحرَّاقي، وهو القائل :
«لقد أحسسنا جميعاً بمرارة الخضوع لنظام ذلك شأنه من الجبن والقمع. ومن
ملاحظتِنا أن الذين بأيديهم مقاليد الحل والعقد في هذه المشكلة لا يريدون
القبول بتاتاً بحل يخشون أن يكون مضراً بمصالحهم» (من رسالة بتاريخ نونبر
1994).
ولم يكن للأحرار، بطبيعة الحال، أن يلبثوا مكتوفي الأيدي إزاء التهديد
بالمأساة والغدر والخيانة. بيد أن وسائل الفعل لديهم من داخل النظام
القائم بدت كالمعدومة والباطلة. وقد كانت الحظوظ القليلة لتلافي الأسوإ
يمكن أن تأتي من مناضلي فرنسا، الذين كانوا وإياهم على اتصال دائم، والذين
كانوا يتمتعون بقدر كبير من الحرية في العمل، وإن كان يسير في تقلص مستمر.
وقد حاول روبير بارا وروبير دي مونفالون، بعد رحلتهما الثانية، أن يقوما
بآخر المساعي لدى السلطات الفرنسية. وبذلا في سبيل ذلك جهوداً لم يفلحا
بها في شيء، فإذا هما يأخذان في مناصرة السلطان إلى أن كان ذلك الخلع
العنيف الذي تعرَّض له. ويعتبَر كتاب روبير بارا، الذي أشرنا إليه في ملحق
كتابِنا، شهادة تتبع يوماً بيوم الأحداث والطوارئ التي عاشها صاحبه خلال
تلك الأيام المأساوية والمؤلمة.
لكن جاك رايتز، الحاد والجريء، قد حاول القيام بتدخل أكثر جرأة وإقداماً؛
فقد كان من قبيل ما يسمى بالفرصة الأخيرة، للحيلولة دون «المتطرفين»
وتحقيق مرامهم. وقد كان رايتزر على وعي بالفضيحة التي كان يجري الإعداد
لها، وكان مدركاً ما سيكون لها من عواقب كارثية. فكان يريد أن يفيد من
العلاقات التي تربطه بشخصيات متنفذة في باريس من أجل إقناع الحكومة بألا
تطيل يدي الإقامة في شؤون المغرب وتدعها تفعل ما تشاء.
وقد سعى رايتز، من أجل تقوية جانبه، إلى طلب دعم صديقه بيير كلوستيرمان،
الطيَّار الشهير في الطيران الفرنسي الحر، والنائب البرلماني عن سين ـ إ
مارن، وكذلك حصل على دعم صديق آخر له، وأخي سلاح، كان على وفاء مكين
للسلطان؛ ذلك هو الليوتنان كولونيل سي البكاي، باشا مدينة صفرو، الذي تطوع
في معارك التحرير، حيث فقدَ إحدى ساقيه، بما شكل ضمانة لا تقبل الجدال
لوطنيته ووفائه وإحلاصه على حد سواء.
وقد أفلح رايتز، بعد طول مشاورات مع الفرنسيين الذين يشاركونه قناعاته
(كان فيهم الأستاذ بوتان وأنطوان مازيلا والأستاذ بايسيير والدكتور دوبوا
ـ روكبير طبيب السلطان) . وفيما كان التوتر في تصاعد في الرباط بفعل إقالة
بعض القياد والباشوات، الذين رفضوا توقيع العريضة التي أعدتها الإقامة ضد
السلطان، واشتد ضغط اللوبي الاستعماري على رجال السياسة الفرنسيين، إذا
جاك رايتزر وبيير كلوستيرمان وسي البكاي يتوجَّهون إلى باريس وينذرون
أصدقاءهم والصحافة بوجوب التعجيل بالعمل. وقد حملوا رسالة من السلطان إلى
رئيس الجمهورية فانسن أوريول، الذي خصهم بالاستقبال.
وابتدأ حينئذ نقاش مؤثر، ترك لنا جاك رايتزر روايته الدقيقة. فقد خاطب الرئيس بقوله :
«سيدي الرئيس، لقد قضى والدي في سجون فيشي، وحاربت أنا وشقيقي في صفوف
القوات الفرنسية الحرة. ونحن متعلقان بهذا البلد. أنا أعيش بين المغاربة،
ولاسيما الشبان منهم، وأفهمهم. إنهم يعانون في شعورهم بكرامتهم ويألمون في
تساميهم. إنني لم أصب ثراء، بل أفعل ما أفعل دفاعاً عن حقوق الإنسان. فليس
في المغرب غير حقيقة واحدة؛ الحقيقة التي تريدها الحماية الفرنسية،
ويريدها الأثرياء. فأنا في نظرهم فرنسي سيء. لكن ينبغي أن نقول الحقيقة،
وهي أن ثمة مؤامرة يحيكها سياسيون سامون، يسخرون الكلاوي ضد السلطان. فلا
ينبغي للوجود الفرنسي في الغرب أن يكون تحالف مصالح، بل ينبغي أن يكون
إشعاعاً لثقافتنا» (وثيقة من أرشيف جاك رايتزر).
وهي كلمات أضاف إليها شهادة آية في الإيلام؛ إذ قال :
«إن صفتي كمعطوب حرب كبير، تجيز لي أن أؤكد لك، سيدي الرئيس، أن المغاربة
ليسوا معادين للفرنسيين، بل هم مناهضون لأولئك الذين يريدون، تحت ذريعة
وجود فرنسي تعسفي، أن يحرموهم حق الحياة. فمن أجل رجال مثلنا نحن حاربنا
من أجل تحرير فرنسا ، فكروا في حالتنا النفسية « أن نكون أوفياء لسلطاننا
من دون أن نتنكَّر للعلم الذي نعمل تحت لوائه» (نفسه).
ثم تحدث بيير كلوستيرمان فقال لرئيس الجمهورية إنه هو الوحيد القادر على
الحيلولة دون وقوع ما لا تحمَد عقباه. لكن الرئيس لم يزد على أن قال :
«إنني لا أنظر إلى شؤون المغرب إلا من علٍ، لأن هذا البلد لا يدخل ضمن
الاتحاد الفرنسي. فما عليكم، ولحالة هذه، إلا أن تتوجهوا إلى بيدو».
وكذلك كان. فقد توجه بيير كلوستيرمان لمقابلة وزير الشؤون الخارجية، فعاد يجر ذيول الإحباط. وقال في ذلك :
«وجدت أمامي مخاطباً منطوياً على نفسه كل الانطواء، فلم أجد بداً من القبول بالأمر الواقع» (نفسه).
آن ماري روزيلي
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
فرنسيون أعداء لفرنسا
كان هنري روبير كازولي من أوائل المتفاعلين مع رسالة 75، وقد قال :
«ذات يوم من شهر ماي 1954 أطلعني أحد زملائي في مصلحة الأرصاد على الصحيفة
التي نشرت فيها رسالة رفعها خمسة وسبعون من فرنسيي المغرب لمساندة
المطالبة بالاستقلال. وقد دعت الصحيفة الموافقين على مضمون هذه الرسالة
إلى الإعراب عن موقفهم. فبادرت وزميلي إلى إرسال اسمينا الشخصيين
والعائليين ومهنتنا وعنوانينا، فتم نشرها» (من رسالة بتاريخ 10 دجنبر
1993).
وإذا ما قلبنا النظر في رسائل «الفرنسيين المنضمين إلى الخمسة والسبعين»،
كما أسمتهم صحيفة «ماروك بريس» في إحدى عناوينها، تبين لنا أن «الرسالة»
قد كانت «محركاً» لرأي عام ظل إلى ذلك الحين محروماً من الوسائل للتعبير
عن نفسه.
دوافعهم
السيد موريس ريشار، مصور : «عطفاً على رسالتكم التي وجهتموها إلى السيد
رئيس الجمهورية، أتشرف بإبلاغكم أنني متفق معكم كلياً وأرجوكم أن تقبلوني
في مجموعتكم».
السيد بليني، مدير صحيفة «هوتيلري إ توريست» : «إنني أتبنى بالكامل ومن
دون تحفظ الموقف الذي اتخذه الموقعون الذين يشرفني أن أكون عارفاً
بمعظمهم».
السيد دنيس كايو، مالك مستغل، 32 سنة، من شمال إفريقيا : «تجدون ههنا
تعبيري عن اعتناقي التام والكامل للأهداف التي تنشدها رسالتكم الموجهة إلى
رئيس الجمهورية».
السيد دييتش، مساعدة اجتماعية : «حيث إنني لم تتح لي الإمكانية للتوقيع
على الرسالة الموجهة إلى رئيس الجمهورية، فإنني أرجوكم أن تتقبلوا انخراطي
فيها».
المحامي فرونسوا ثييري، محام بالمغرب منذ سنة 1931 : «إن سداد واعتدال
نبرة رسالتكم التي وجهها كثير من فرنسيي المغرب إلى رئيس الجمهورية، والتي
نشرتها صحيفتكم يوجبان علي أن أقول إنني أؤيدكم إلى كل ما جاء فيها».
السيد بيير ميديبييل، كاتب عام لشركة : «إنني أعلن انخراطي عن طيب خاطر في
كل حركة، قد تكون لجنتكم هي الفاتحة لها، وتهدف إلى تجسيد الفكرة ووجهة
النظر المعبر عنهما في الرسالة التي وجهتموها إلى رئيس الدولة، والمنشورة
في صحيفة «ماروك-بريس».
السيدة مارغريت شانو، مديرة شرفية لمدرسة، تقيم في المغرب منذ 30 سنة :
«لقد علمت بالرسالة التي وجهتموها إلى رئيس الجمهورية والتي تطالبون فيها
بوضع نهاية لسياسة غبية، فأتشرف بأن أتقدم إليكم بطلب انخراطي في حركتكم».
السيد بيزومب، طبيب أسنان : «إنني أرى من واجبي أن أبادر إلى الاستجابة
إلى ندائكم في هذا اليوم. والحقيقة أنني كنت أنتظره، وأتمناه. ولم يكن في
الإمكان أن يصدر إلا عنكم، واسمحوا لي أن أشكركم وأهنئكم على شجاعتكم
ووطنيتكم. ثم إن هذا النداء ليس سوى النتيجة المنطقية لافتتاحياتكم».
السيد روني غانون، مناضل نقابي مسيحي : «إنني أثمن بقوة الالتزام الشخصي
والرزين والمتعدد المعاني والممثل لأكثر بكثير من عدد أولئك الذين جرؤوا
على إطلاقه، بفعل قيمة الفكرة والعمل التي يعلنون عنها، لمعارضة «نزعة
اتباعية» خوافة وعمياء، عدا أنها شديدة التقلب! ولذلك أنضم من غير تحفظ
إلى عمل «الخمسة والسبعين» وإلى مصيرهم، وأنا أرسل إليكم بهذه الرسالة لما
قد ترون من الغايات النافعة».
ومن بين الرسائل الأشد طولاً والأبلغ دلالة نذكر رسالة السيد موريس لامبير
التي جاء فيها : «أيها السادة، إنني أرى من واجبي أن أتقدم إليكم بطلب
انضمامي إلى الجهود التي تبذلونها للتعبير عن فكر الفرنسيين التواقين إلى
يروا [فرنسا] تنتهج في حق الشعب المغربي سياسة تقوم على التفهم والثقة
والشجاعة في مقابل السياسة التي تتبعها اليوم. رسالة يرسلها إليكم إنسان
بسيط، يقيم في مراكش منذ خمس وعشرين سنة، وسط الأهالي، وهو مغتم منذ شهر
غشت الماضي من الأساليب التحقيرية والعنيفة التي يرى فرنسا تعامل بها هذا
الشعب. وهو سعيد بأن ارتفعت أصوات الفرنسيين أخيراً في المغرب ضد هذه
الأساليب وهذه السياسة التي لن تكون نتيجتها إلا أن تزيد من إبعادنا في كل
يوم عن هؤلاء الناس الذين لم نلق منهم حتى اليوم إلا الوفاء والصداقة».
لقد جاءت هذه الرسائل جميعاً، ما كان فيها إعراب عن موافقة مختصرة، أو
تعبير عن تعاطف، أو انخراط قوي تحركه التزامات سياسية أو اجتماعية، أو
تبعث عليه حماسة قلبية كريمة، كما في تلك الرسالة الحارة الني بعث بها
موريس لامبير، جاءت تلك الرسائل لتشد من أزر سارتو ومازيلا و»الخمسة
والسبعين»، بالتأكيد لهم أنهم كانوا في ذلك المثال الذي يحملون أكثر بكثير
مما كان يفترض لهم البعض.
ويقول أنطوان مازيلا مذكراً في هذا الصدد : «وبذلك تكونت تلك المجموعة
الصغيرة من أنسيين عازمين على تحسين مصير إخوتكم المغاربة». ثم يضيف : «لم
يكن هنالك أحرار من الدرجة الأولى وآخرون من الدرجة الثانية، ولا كان
هنالك مقدَّمون، بل كان كل واحد لازماً في موقعه؛ لقد كان كوماندو طليعياً
حقيقياً، على استعداد لمواجهة كل شيء للانتصار لشعار فرنسا، وإظهار وجهها
الحقيقي» (من رسالة بتاريخ 7 فبراير 1996).
الهجوم المضاد من المتطرفين
وبطبيعة الحال، فإن الخطة غير المتوقعة من الأحرار قد أزعجت بعض الاستعماريين، إذ رأوا فيها تهديداً لهيمنتهم.
كتب أوليفيي كوتينو : «في هذه الرسالة ندعو إلى واقعية متنورة (لكن ما
أعظم القول بالواقعية من طوباوية!...). فقد كان لحفنة المحررين لهذه
الرسالة سمعة سيئة في المغرب. فقد كانوا يعتبرون أعداء لفرنسا» (من رسالة
بتاريخ ماي 1995).
وسرعان ما توالت ردود الفعل.
كان أول ردود الفعل هو ذلك الصادر عن جمعية «الحضور الفرنسي» الذي بعثت
ببرقية احتجاج إلى رئيس الجمهورية تنكر فيه كل تمثيلية وكل مصداقية عن
«الخمسة والسبعين»، وتزعم لنفسها أنها الناطقة الوحيدة بلسان «400 ألف
فرنسي و7 ملايين مغربي» (التي تفترض أنهم راضون جميعاً عن فرنسا). وبطبيعة
الحال فقد أفسحت الصحف التابعة لوكالة «ماص» حيزاً كبيراً لبرقية «الحضور
الفرنسي». فقد جاءت صحيفة «لافيجي ماروكين» بعنوان في عددها ليوم 11 ماي
1954 يقول :
«احتجاج من «الحضور الفرنسي» على مناورة».
وتقول البرقية التي وجهتها جمعية «الحضور الفرنسي» إلى رئيس الجمهورية :
«باسم آلاف الفرنسيين والمغاربة المنضوين في الجمعية الفرنسية المغربية
«الحضور الفرنسي» للدفاع عن المصالح المعنوية والمادية المشتركة لسكان
المغرب، نتوجه إليكم بكل احترام باعتباركم رئيس الجمهورية والحارس الأسمى
للمصالح العامة».
إننا نرفع أصواتنا عالياً بالاحتجاج على الادعاء غير الصحيح من كل الوجوه
بالتخويف المزعوم الذي أريد له أن يظهر بالمظهر السياسي. قف. نعلن أن
التدابير المراد بها حماية الأمن العام للأسر المغربية والفرنسية لا
تتنافى ولا تعرقل، بل تشرط على العكس، الإصلاحات السياسية والاجتماعية
التي ستتحقق بعد ذلك.
ونؤكد على الخداع الذي طبع المزاعم القائلة إننا تجاهلنا جميع المحاورين
المغاربة من ذوي الأهلية، فلم نستبعد من الحوار غير أقلية من القتلة
وأولئك الذين يوحون إليهم بما يفعلون ويمولونهم. قف. ونلاحظ أن هؤلاء
يستمدون التشجيع على مبادراتهم المشينة من بعض الفرنسيين من ناقصي الأهلية
من أمثال أولئك الموقعين على تلك «الرسالة». ونحن نحتج على مناوراتهم
المنحرفة الرامية إلى إرجاع أسرة السلطان المخلوع ضداً على إرادة سبعة
ملايين مغربي، وهي مناورات يمكن أن تنجم عنها اضطرابات خطيرة.
ونثير انتباهكم أنتم الواعون المدركون للمصالح التي توحد بين فرنسا
والاتحاد الفرنسي. ونطلب إليكم أن تتفضلوا بنقل خطابنا إلى الحكومة ونعرب
لكم بكل احترام عن عميق وفائنا. التـــوقيع : «الحضور الفرنـــسي» 39 شارع
غينمير، الدار البيضاء.
«ذات يوم من شهر ماي 1954 أطلعني أحد زملائي في مصلحة الأرصاد على الصحيفة
التي نشرت فيها رسالة رفعها خمسة وسبعون من فرنسيي المغرب لمساندة
المطالبة بالاستقلال. وقد دعت الصحيفة الموافقين على مضمون هذه الرسالة
إلى الإعراب عن موقفهم. فبادرت وزميلي إلى إرسال اسمينا الشخصيين
والعائليين ومهنتنا وعنوانينا، فتم نشرها» (من رسالة بتاريخ 10 دجنبر
1993).
وإذا ما قلبنا النظر في رسائل «الفرنسيين المنضمين إلى الخمسة والسبعين»،
كما أسمتهم صحيفة «ماروك بريس» في إحدى عناوينها، تبين لنا أن «الرسالة»
قد كانت «محركاً» لرأي عام ظل إلى ذلك الحين محروماً من الوسائل للتعبير
عن نفسه.
دوافعهم
السيد موريس ريشار، مصور : «عطفاً على رسالتكم التي وجهتموها إلى السيد
رئيس الجمهورية، أتشرف بإبلاغكم أنني متفق معكم كلياً وأرجوكم أن تقبلوني
في مجموعتكم».
السيد بليني، مدير صحيفة «هوتيلري إ توريست» : «إنني أتبنى بالكامل ومن
دون تحفظ الموقف الذي اتخذه الموقعون الذين يشرفني أن أكون عارفاً
بمعظمهم».
السيد دنيس كايو، مالك مستغل، 32 سنة، من شمال إفريقيا : «تجدون ههنا
تعبيري عن اعتناقي التام والكامل للأهداف التي تنشدها رسالتكم الموجهة إلى
رئيس الجمهورية».
السيد دييتش، مساعدة اجتماعية : «حيث إنني لم تتح لي الإمكانية للتوقيع
على الرسالة الموجهة إلى رئيس الجمهورية، فإنني أرجوكم أن تتقبلوا انخراطي
فيها».
المحامي فرونسوا ثييري، محام بالمغرب منذ سنة 1931 : «إن سداد واعتدال
نبرة رسالتكم التي وجهها كثير من فرنسيي المغرب إلى رئيس الجمهورية، والتي
نشرتها صحيفتكم يوجبان علي أن أقول إنني أؤيدكم إلى كل ما جاء فيها».
السيد بيير ميديبييل، كاتب عام لشركة : «إنني أعلن انخراطي عن طيب خاطر في
كل حركة، قد تكون لجنتكم هي الفاتحة لها، وتهدف إلى تجسيد الفكرة ووجهة
النظر المعبر عنهما في الرسالة التي وجهتموها إلى رئيس الدولة، والمنشورة
في صحيفة «ماروك-بريس».
السيدة مارغريت شانو، مديرة شرفية لمدرسة، تقيم في المغرب منذ 30 سنة :
«لقد علمت بالرسالة التي وجهتموها إلى رئيس الجمهورية والتي تطالبون فيها
بوضع نهاية لسياسة غبية، فأتشرف بأن أتقدم إليكم بطلب انخراطي في حركتكم».
السيد بيزومب، طبيب أسنان : «إنني أرى من واجبي أن أبادر إلى الاستجابة
إلى ندائكم في هذا اليوم. والحقيقة أنني كنت أنتظره، وأتمناه. ولم يكن في
الإمكان أن يصدر إلا عنكم، واسمحوا لي أن أشكركم وأهنئكم على شجاعتكم
ووطنيتكم. ثم إن هذا النداء ليس سوى النتيجة المنطقية لافتتاحياتكم».
السيد روني غانون، مناضل نقابي مسيحي : «إنني أثمن بقوة الالتزام الشخصي
والرزين والمتعدد المعاني والممثل لأكثر بكثير من عدد أولئك الذين جرؤوا
على إطلاقه، بفعل قيمة الفكرة والعمل التي يعلنون عنها، لمعارضة «نزعة
اتباعية» خوافة وعمياء، عدا أنها شديدة التقلب! ولذلك أنضم من غير تحفظ
إلى عمل «الخمسة والسبعين» وإلى مصيرهم، وأنا أرسل إليكم بهذه الرسالة لما
قد ترون من الغايات النافعة».
ومن بين الرسائل الأشد طولاً والأبلغ دلالة نذكر رسالة السيد موريس لامبير
التي جاء فيها : «أيها السادة، إنني أرى من واجبي أن أتقدم إليكم بطلب
انضمامي إلى الجهود التي تبذلونها للتعبير عن فكر الفرنسيين التواقين إلى
يروا [فرنسا] تنتهج في حق الشعب المغربي سياسة تقوم على التفهم والثقة
والشجاعة في مقابل السياسة التي تتبعها اليوم. رسالة يرسلها إليكم إنسان
بسيط، يقيم في مراكش منذ خمس وعشرين سنة، وسط الأهالي، وهو مغتم منذ شهر
غشت الماضي من الأساليب التحقيرية والعنيفة التي يرى فرنسا تعامل بها هذا
الشعب. وهو سعيد بأن ارتفعت أصوات الفرنسيين أخيراً في المغرب ضد هذه
الأساليب وهذه السياسة التي لن تكون نتيجتها إلا أن تزيد من إبعادنا في كل
يوم عن هؤلاء الناس الذين لم نلق منهم حتى اليوم إلا الوفاء والصداقة».
لقد جاءت هذه الرسائل جميعاً، ما كان فيها إعراب عن موافقة مختصرة، أو
تعبير عن تعاطف، أو انخراط قوي تحركه التزامات سياسية أو اجتماعية، أو
تبعث عليه حماسة قلبية كريمة، كما في تلك الرسالة الحارة الني بعث بها
موريس لامبير، جاءت تلك الرسائل لتشد من أزر سارتو ومازيلا و»الخمسة
والسبعين»، بالتأكيد لهم أنهم كانوا في ذلك المثال الذي يحملون أكثر بكثير
مما كان يفترض لهم البعض.
ويقول أنطوان مازيلا مذكراً في هذا الصدد : «وبذلك تكونت تلك المجموعة
الصغيرة من أنسيين عازمين على تحسين مصير إخوتكم المغاربة». ثم يضيف : «لم
يكن هنالك أحرار من الدرجة الأولى وآخرون من الدرجة الثانية، ولا كان
هنالك مقدَّمون، بل كان كل واحد لازماً في موقعه؛ لقد كان كوماندو طليعياً
حقيقياً، على استعداد لمواجهة كل شيء للانتصار لشعار فرنسا، وإظهار وجهها
الحقيقي» (من رسالة بتاريخ 7 فبراير 1996).
الهجوم المضاد من المتطرفين
وبطبيعة الحال، فإن الخطة غير المتوقعة من الأحرار قد أزعجت بعض الاستعماريين، إذ رأوا فيها تهديداً لهيمنتهم.
كتب أوليفيي كوتينو : «في هذه الرسالة ندعو إلى واقعية متنورة (لكن ما
أعظم القول بالواقعية من طوباوية!...). فقد كان لحفنة المحررين لهذه
الرسالة سمعة سيئة في المغرب. فقد كانوا يعتبرون أعداء لفرنسا» (من رسالة
بتاريخ ماي 1995).
وسرعان ما توالت ردود الفعل.
كان أول ردود الفعل هو ذلك الصادر عن جمعية «الحضور الفرنسي» الذي بعثت
ببرقية احتجاج إلى رئيس الجمهورية تنكر فيه كل تمثيلية وكل مصداقية عن
«الخمسة والسبعين»، وتزعم لنفسها أنها الناطقة الوحيدة بلسان «400 ألف
فرنسي و7 ملايين مغربي» (التي تفترض أنهم راضون جميعاً عن فرنسا). وبطبيعة
الحال فقد أفسحت الصحف التابعة لوكالة «ماص» حيزاً كبيراً لبرقية «الحضور
الفرنسي». فقد جاءت صحيفة «لافيجي ماروكين» بعنوان في عددها ليوم 11 ماي
1954 يقول :
«احتجاج من «الحضور الفرنسي» على مناورة».
وتقول البرقية التي وجهتها جمعية «الحضور الفرنسي» إلى رئيس الجمهورية :
«باسم آلاف الفرنسيين والمغاربة المنضوين في الجمعية الفرنسية المغربية
«الحضور الفرنسي» للدفاع عن المصالح المعنوية والمادية المشتركة لسكان
المغرب، نتوجه إليكم بكل احترام باعتباركم رئيس الجمهورية والحارس الأسمى
للمصالح العامة».
إننا نرفع أصواتنا عالياً بالاحتجاج على الادعاء غير الصحيح من كل الوجوه
بالتخويف المزعوم الذي أريد له أن يظهر بالمظهر السياسي. قف. نعلن أن
التدابير المراد بها حماية الأمن العام للأسر المغربية والفرنسية لا
تتنافى ولا تعرقل، بل تشرط على العكس، الإصلاحات السياسية والاجتماعية
التي ستتحقق بعد ذلك.
ونؤكد على الخداع الذي طبع المزاعم القائلة إننا تجاهلنا جميع المحاورين
المغاربة من ذوي الأهلية، فلم نستبعد من الحوار غير أقلية من القتلة
وأولئك الذين يوحون إليهم بما يفعلون ويمولونهم. قف. ونلاحظ أن هؤلاء
يستمدون التشجيع على مبادراتهم المشينة من بعض الفرنسيين من ناقصي الأهلية
من أمثال أولئك الموقعين على تلك «الرسالة». ونحن نحتج على مناوراتهم
المنحرفة الرامية إلى إرجاع أسرة السلطان المخلوع ضداً على إرادة سبعة
ملايين مغربي، وهي مناورات يمكن أن تنجم عنها اضطرابات خطيرة.
ونثير انتباهكم أنتم الواعون المدركون للمصالح التي توحد بين فرنسا
والاتحاد الفرنسي. ونطلب إليكم أن تتفضلوا بنقل خطابنا إلى الحكومة ونعرب
لكم بكل احترام عن عميق وفائنا. التـــوقيع : «الحضور الفرنـــسي» 39 شارع
غينمير، الدار البيضاء.
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
لا يمكن إنجاز شيء عظيم من غير ذرة من حب
ملابسات نشر رسالة 75 كان آخر أطوار هذه العملية هو الذي جرى في ليلة 10 وصبيحة 11 ماي. فقد توجه سارتو وشارل سوليي إلى باريس ليسلما تلك الرسالة إلى رئيس الجمهورية. والتحق الدكتور ديلانوا في الدار البيضاء بأنطوان مازيلا في مقر الصحيفة. وستقاسم الرجلان ملابسات «ليلة السلاح» المشهودة تلك. وقد دون غي دولانوا تلك الملابسات في مذكراته وقدم لي أنطوان مازيلا عنها بصوت المتوفز الرواية التالية : «كانت النسخة المسلمة إلى (قسم) التنضيد توجد في مكتبي، وقت أن نبهني كاتب التحرير بأن الشرطة تطلبني. وكان المفوض كولومي، وهو تلميذ سابق في الليسي. فجعل يحاول أن يثنيني عن نشر الرسالة. فرفضت. وألح عليَّ. ثم انصرف حانقاًً متوعداً. فلما انصرف عدت إلى استكمال العمل من حيث توقف. ثم رن الهاتف؛ وكانت مكالمة من المستشار السياسي للمنطقة المدنية الذي قدم إليه مفوض الشرطة تقريره بطبيعة الحال. فكان الطلب نفسه، فقوبل بالرفض نفسه. ثم عدت إلى استئناف العمل من جديد. وإن هي إلا هنيهة حتى رن الهاتف ثانية. وكانت المكالمة تلك المرة من رئيس المنطقة السيد فوكوني، فجعل يلح عليَّ بود (كان ذا ميول تحررية) لأصرف نظري عن نشر تلك الرسالة، ويبين لي مخاطر ذلك الأمر. فكان الرد نفسه أن «لا». فلما رن الهاتف في المرة الثالثة تملكني وغي ديلانوا الخوف نفسه : أن يكون إعلاناً من الإقامة بتوقيف الصحيفة أو منعها... لكن ما سمعنا كان صوت سارتو. فقد هاتفنا من باريس حيث قدم نص الرسالة إلى رئيس الجمهورية، ليطمئننا بأن «الطريق باتت سالكة». فأمكننا أن نتم العمل في جو من الهدوء. ثم حملت وديلانوا «العجين» إلى الفرن ليبدأ السحب...» (من حوار بتاريخ 6 مارس 1996). وفي الصباح الباكر «أقفل» ذلك العدد من الصحيفة، ونقل إلى مختلف نقاط البيع في المغرب. فترددت في سائر أنحاء البلاد أصداء خطاب لصحيفة جديدة مستقلة. كانوا 75 فتلقوا تعزيزاً فورياً كان مكمن قوة «رسالة 75» في موقفها الجماعي، ومقترحاتها السياسية والتكوينية الواضحة وفي الدعم الإعلامي الذي وجدته من صحيفة واسعة الانتشار، جديرة بأن تعبئ الرأي العام. لقد كانت «صاعقة» عصفت بالطمأنينة التي كانت تنعم بها الأوعاء «المتعودة». فقلبت المعطيات التقليدية للسياسة الفرنسية في المغرب، وأقامت على المجموعة المتماسكة التي يكونها «المتفوقون» والجمعية النافذة التي يؤلفها «متطرفون» الاستعمار من جماعة «الحضور الفرنسي» ذلك التيار الواعد، مهما كان لا يزال ضعيفاً : التيار التحرري. وقد أكد الموقعون الخمسة والسبعون الأوائل، كما أكد أعضاء هيأة التحرير، مهما تعددت مهنهم، وتوجهاتهم السياسية أو الدينية الشخصية، على إجماع قوي بينهم. ومن قبيل ذلك ما صرح به مارسيل جارة، المحاسب في مقاولة خاصة، في قوله : «إنا جمهوري ديمقراطي، ومسيحي قد تلقيت تكويني في المدرسة العمومية وفي الأنشطة الكشفية، وأنا مناضل نشيط، قدمت إلى المغرب سنة 1950، رفقة زوجتي وأبنائي». ويتبين من هذه الشهادة بشكل جلي، أنه قد تم فهم هدف الذي كان يرمي إليه مطلقو تلك «الرسالة» بشكل جيد : «لقد انضممت إلى «رسالة 75» للاحتجاج على حكومة بلدي بيدو، من الحركة الجمهورية الشعبية وضد جمعية «الحضور الفرنسي»، التي أقدمت على نفي السلطان إلى مدغشقر وكانت تعترض على استقلال المغرب» (من رسالة بتاريخ 29 نونبر 1993). وليس أكثر من هذا وضوحاً. وقد حصلت كريستيان داربور على ما يؤكد قناعاتها التي حملتها وهي بعد طفلة. قالت : «لقد رأيت سيرانو رأي العيان، فقد التقيته في خمسة وسبعين نسخة... على الأقل». (من رسالة بتاريخ 29 نونبر 1996). ذلك بأن الإجماع، في التنوع الواحد، يوجد في رسائل الموافقة التي تقاطرت على الصحيفة، خلال الأسبوع الذي تلا نشر «الرسالة» والتي تم نشرها في عدد يوم 18 ماي 1954 . لكن البرقية التي أرسلها «المتطرفون» إلى رئيس الجمهورية قوبــــلت كذلك، وفي المـــــقابل، بهجوم مضاد مــــن لدن القراء الأحرار . وتولت نشر رسائلهم صحيفة «ماروك-بريس». وقد جاءت بعض الرسائل معبرة عن سخط أصحابها. فهذا السيد ثييري، وهو رجل صناعة، ومن قدماء المحاربين في الهند الصينية والسيدة ثييري كتبا في رسالتهما : «إن المزاعم الفاضحة بـ «حضور فرنسي» تجعل من واجبي أن أرسل بانخراطي في نص الرسالة التي قام بتوقيعها 75 من فرنسيي المغرب والمتوجهة إلى رئيس الجمهورية. وتنضم زوجتي إليَّ لنرسل إليكم، من خلال توقيعها، ههنا اتخراطها في نص رسالة نفسها». ونشرت رسالة أخرى على أربعة أعمدة في وسط الصفحة. وورد في «مؤطرها»، عنوانها بأحرف بارزة : «تعاليق على برقية»، فلم يكن بد من أن تثير إليها الانتباه. وقد كانت رداً قوياً على «الحضور الفرنسي». تقول هذه الرسالة : «أن يكون «الحضور الفرنسي « هي الناطق باسم وطن الفرنسيين فذلك شيء أقبل به، لكن ما أنا مقتنع به هو أنه إذا لو كان في الإمكان محاربة الكذب والافتراء، وهما وسيلتان دعائيتان، بكل حرية، فسينهار هذا التجمع المحترم في رمشة العين». وتصدى المرسل بالإدانة إلى الابتزازات والتعسفات والتجاوزات القمعية، التي كانت «الحضور الفرنسي» ترفض الإقرار بها، ثم أشار إلى أن «رسالة 75» قد جاءت في أوانها : «ينبغي أن نهنئ أنفسنا بأن كان للفرنسيين من جميع المعتقدات وجميع الآراء الشجاعة بأن يواجهوا السياسة التي صارت تزيد في كل يوم من مواجهة المغرب مع فرنسا. إن صورة فرنسا هي صورة الحرية وصورة العدالة وصورة الديمقراطية». ثم توجه بكلامه إلى أنصار جمعية «الحضور الفرنسي» : «عليكم أن تتشبعوا اليوم بفكر ليوطي : «لا يمكن إنجاز شيء عظيم من غير ذرة من حب. وفي غد سيكون قد فات الأوان». آن ماري روزيلي | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
قنابل تستهدف الفرنسيين الأحرار وبيوتهم واغتيالات لفرنسيين بسبب مناصرتهم للمغاربة
فالذي يبدو أن
«رسالة 75» لم تكن تؤدي دور المحرك للرأي العام التحرري فحسب، بل أصبحت
رابطة تضامن وصداقة. وقد تحدث أوليفيي كوتينو عن الأعمال الانتقامية التي
استهدف بها، فقال في نهاية حديثه : «كان يمكن أن نبتلى بما هو أسوأ» .
وذلك الأسوأ كان يستهدف خاصة المسؤولين عن صحيفة «ماروك بريس»، سارتو
ومازيلا، هذين «الديماغوجيين عديمي الذمة»، حسب النعت الذي رمتهما به
صحيفة «لافيجي» في عددها ليوم 12 يونيو 1954 المذنبين اللذين لا يغفر لهما
أن كانا من وراء «رسالة 75».
فما أن نشرت تلك الرسالة، حتى انقلبت الأمور، جاء تحذير للموقعين عليها
واضحاً من غير لبس فيه (نقلته صحيفة «ماروك بريس» في عددها ليوم 18 ماي) :
«فلتتجنسوا [بالجنسية المغربية] واكفونا شركم، إن كنتم لا تريدون أن يكون
أول ردود أفعالنا موجهاً ضدكم. فليس من المستبعد أن تستهدفكم «قنابل محلية
الصنع»، أو طلقات مسدس في الرقبة. فعليكم أن تلتزموا الهدوء».
إن أسلوب هذه «الرسالة» التي بعث بها هذا الشجاع المجهول توحي بأنها صادرة
عن شخص مهيَّج منعزل. ومن أسف أن أشكال الانتقال إلى الفعل التي جاءت بعد
ذلك قد أكدت حقيقة هذا التهديد.
ففي يوم 12 يونيو، وقت أن كان المقيم العام فرانسي لاكوست يستلم مهامه
خلفاً للجنرال غيوم، إذا منشور قد وزع على أوسع نطاق، يعلن عن تأسيس «لجنة
اليقظة للعمل على حماية المغرب والدفاع عنه» (COVAC) . وقد جاء هذا
المنشور يستنكر «تقصير الحكومة الفرنسية التي باتت خاضعة لضغط الفرنسيين
عديمي الضمير الموقعين على رسالة 75» وصحيفة «ماروك بريس» التي تقدم الدعم
للعمل الإرهابي الذي يقوض المغرب»، ويدعو الفرنسيين «الوطنيين» إلى
«التكتل من أجل الانتقال إلى الفعل».
وقامت مجموعة أخرى هي «منظمة الدفاع والعمل ضد الإرهاب» (ODAT) بإطلاق
منشور آخر في المعنى نفسه، وتشير إلى الخونة الذين يتعين القطاء عليهم.
وكان ذلك مبتدأ ما سمي «إرهاباً مضاداً». وسرعان ما أسفر عن أول استعراض له. وقد استهدف به منزل أنطوان مازيلا.
ويقول أ. مازيلا متذكراً :
«في 11 أكتوبر1954 كنت في طريق عودتي رفقة الزعماء الوطنيين المفرج عنهم
في تلك الآونة، وكنت أقصد بيتي، بعد أن مررت بالصحيفة لأعيد قراءة آخر
المسودات. وبعد ساعتين، أي في الواحدة صباحاً (تراهم ترصدوني في طريق
العودة؟) إذا الأرهابيون يلقون بقنبلة فتنفجر في شرفتي، وترتمي شظاياها في
الشقة، وفي الحجرة حيث ينام الأطفال، وقد نجت بنيتي من الموت بأعجوبة.
وأراني وزوجتي التي كنت أعهدها شجاعة، كيف يعجزها الغضب وهي ترى أبناءنا
الثلاثة فزعين يبكون فيما الشرطة تجتاح الشقة لكي «تفتح تحقيقاً»، وكأنها
كانت تجهل بهوية الجناة... وفيما كان رجال الشرطة يلتقطون الشظايا التي
اخترقت جنبات الصالون، كنت في غاية الارتباك، وأنا أسأل نفسي هل يحق لي من
أجل الدفاع عن نفسي أن أعرض سلامة أسرتي للمخاطر.
إن الصدمة التي أحدثها انفجار القنبلة، والشعور الذي كان يعاود زوجتي من
تفكيرها في المخاطر التي تعرض لها الأطفال، قد كان لها ثأثير شديد على
نفسيتها، بحيث اضطرت إلى قضاء عدة أشهر في فرنسا لتسلو عن أزمتها» (من
رسالة بتاريخ 6 أكتوبر 1994).
وقد خلف هذا الاعتداء الجبان عند أنطوان مازيلا ألماً يتعذر عن الوصف. وقد
كتب إليَّ برسالة أخرى في سنة 1995 فكانت أبلغ في التعبير عن تلك
المعاناة. قال :
«أن يستهدفني أعدائي، فذلك شيء طبيعي. وأما أن يتعرضوا لأسرتي، فذلك فعل
حقير. وقد لبثت لسنوات لا أغفر لمن دبر ذلك الاعتداء الجبان... ثم رفضت في
سنة 1977 أن أذهب لأشهد في محاكمة لمناهضي الإرهابيين، وكتبت أن كل تلك
الأحداث تنتمي إلى زمن ولى وانقضى، قد تحمل فيه كل واحد مسؤولياته عن
معرفة بالوقائع وإدراك للأخطار التي كانت تتهدده».
وقد كانت المخاطر مع ذلك بادية لائحة، لأن الاعتداءات كانت لا تفتأ تتكرر.
ويشهد جلبير فيالا على أن»شجاعة مازيلا لم تضعف يوماً. وما رأيته يوماً قد حمل سلاحاً» (من حوار في 1995).
ووقع اعتداء آخر على رئيس تحرير صحيفة «ماروك بريس» في يوم 26 دجنبر، لكن
تم إبطالها بفضل تدخل مفتش للشرطة وعضو في شبكة لمناهضة الإرهابيين (كشأن
بعض زملائه). وكان اسمه فوريستيي. وقد كان في شبابه رياضياً، وساعده
مازيلا في إيجاد شغل. فبقي يحفظ له الجميل. وعليه فقد قام فوريستيي بإعلام
سارتو بما كان يدبَّر له. وقد عاد مازيلا يومها إلى المغرب، بعد مقام في
فرنسا ارتأت صحيفته أنه أمر ضروري، بعد ذلك الاعتداء الأول، فأعيد إلى
باريس لإبعاد مخاطر جديدة قد صارت لائحة للعيان.
وأما فوريستيي فقد لقي حتفه بعيد ذك، في حادثة سير بقيت أسبابها غامضة، فلم يكن بد أن تثير حولها بعض الشكوك...
إن الاعتداء الأول الذي استهدف مازيلا قد تلته اعتداءات أخرى كثيرة،
استُهدف بها بعض الأحرار من بين أكثرهم شهرة. ففي يوم 28 أكتوبر ألقيت
قنبلة على جاك رايتزر، وأخرى على بيير كلوسترمان. ولم تسفر القنبلتان عن
ضحايا، لكن خلفت خسائر مادية. وفور ذلك كتب هنري سارتو افتتاحية قوية
يستنكر فيها النوايا السافرة التي تحرك المتطرفين :
«إن القنبلة التي ألقيت على منزل السيد كلوسترمان، بالإضافة إلى سلسلة
اعتداءات سبق أن شنها الإرهاب الذي يسمي نفسه فرنسياً، قد جاءت لتكرس
الانحطاط (...) ويزيد في بيان هذا الجبن استعمال طريقة في استهداف ضحايا
من الأطفال. وعندما يستهدف الاعتداء جندياً مجيداً، يعرف بتلك السمعة، حتى
في الأمم الأجنبية، فتلك فضيحة...
وليس أمعن في خيانة فرنسا من أن يدعي المعتدون أنهم يستلهونها في ما
يقترفون من حقارات. والتواطؤ بالصمت شكل آخر من الخيانة. وإذا كانت شرطة
الحماية عاجزة عن التدخل، فلتتم الاستعانة بفرق من البلد الأصلي. فشرف
الفرنسيين وكرامة فرنسا في خطر» («ماروك بريس» عدد 29 أكتوبر 1954).
ومما يؤسف له أن هذه التحذيرات النبيهة لم تجد آداناً صاغية من لدن
السلطات. فقد صارت مناهضة الإرهاب التي لا تلقى عقاباً تطيل بتوالي
الأسابيع من قائمة الأعمال المشينة. وباتت الاعتدءات تطول ضحايا آخرين من
غير الفرنسيين الأحرار. فهي قد شملت كذلك أصدقاءهم من المغاربة.
وقال الدكتور الحراقي في هذا الصدد :
«إن تلاقي وجهات نظرنا، فرنسيين ومغاربة قد اتحدوا للدفاع عن القضية
الشرعية الواحدة قد كان لزاماً أن تضعنا «في كيس واحد»، ونواجه التهديدات
نفسها، و نكون ضحايا مشتركين لمجرمين عمي» (من رسالة بتاريخ 1994).
ذلك بأن منشورا لا يعرف له صاحب، قد تم توزيعه في الدار البيضاء في 1954،
وأوردته صحيفة «ليكسبريس» في عددها ليوم 18 يونيو، يبين «الحصة الكبيرة»
المخصصة للمغاربة. وقال الدكتور الحراقي : «كان اسمي في العمود الأيمن،
وغي ديلانوا في العمود الأيسر. وقد اشتمل المنشور على 15 من أسماء
المغاربة و17 من أسماء الفرنسيين قد عينوا لتتم تصفيتهم».
آن ماري روزيلي
«رسالة 75» لم تكن تؤدي دور المحرك للرأي العام التحرري فحسب، بل أصبحت
رابطة تضامن وصداقة. وقد تحدث أوليفيي كوتينو عن الأعمال الانتقامية التي
استهدف بها، فقال في نهاية حديثه : «كان يمكن أن نبتلى بما هو أسوأ» .
وذلك الأسوأ كان يستهدف خاصة المسؤولين عن صحيفة «ماروك بريس»، سارتو
ومازيلا، هذين «الديماغوجيين عديمي الذمة»، حسب النعت الذي رمتهما به
صحيفة «لافيجي» في عددها ليوم 12 يونيو 1954 المذنبين اللذين لا يغفر لهما
أن كانا من وراء «رسالة 75».
فما أن نشرت تلك الرسالة، حتى انقلبت الأمور، جاء تحذير للموقعين عليها
واضحاً من غير لبس فيه (نقلته صحيفة «ماروك بريس» في عددها ليوم 18 ماي) :
«فلتتجنسوا [بالجنسية المغربية] واكفونا شركم، إن كنتم لا تريدون أن يكون
أول ردود أفعالنا موجهاً ضدكم. فليس من المستبعد أن تستهدفكم «قنابل محلية
الصنع»، أو طلقات مسدس في الرقبة. فعليكم أن تلتزموا الهدوء».
إن أسلوب هذه «الرسالة» التي بعث بها هذا الشجاع المجهول توحي بأنها صادرة
عن شخص مهيَّج منعزل. ومن أسف أن أشكال الانتقال إلى الفعل التي جاءت بعد
ذلك قد أكدت حقيقة هذا التهديد.
ففي يوم 12 يونيو، وقت أن كان المقيم العام فرانسي لاكوست يستلم مهامه
خلفاً للجنرال غيوم، إذا منشور قد وزع على أوسع نطاق، يعلن عن تأسيس «لجنة
اليقظة للعمل على حماية المغرب والدفاع عنه» (COVAC) . وقد جاء هذا
المنشور يستنكر «تقصير الحكومة الفرنسية التي باتت خاضعة لضغط الفرنسيين
عديمي الضمير الموقعين على رسالة 75» وصحيفة «ماروك بريس» التي تقدم الدعم
للعمل الإرهابي الذي يقوض المغرب»، ويدعو الفرنسيين «الوطنيين» إلى
«التكتل من أجل الانتقال إلى الفعل».
وقامت مجموعة أخرى هي «منظمة الدفاع والعمل ضد الإرهاب» (ODAT) بإطلاق
منشور آخر في المعنى نفسه، وتشير إلى الخونة الذين يتعين القطاء عليهم.
وكان ذلك مبتدأ ما سمي «إرهاباً مضاداً». وسرعان ما أسفر عن أول استعراض له. وقد استهدف به منزل أنطوان مازيلا.
ويقول أ. مازيلا متذكراً :
«في 11 أكتوبر1954 كنت في طريق عودتي رفقة الزعماء الوطنيين المفرج عنهم
في تلك الآونة، وكنت أقصد بيتي، بعد أن مررت بالصحيفة لأعيد قراءة آخر
المسودات. وبعد ساعتين، أي في الواحدة صباحاً (تراهم ترصدوني في طريق
العودة؟) إذا الأرهابيون يلقون بقنبلة فتنفجر في شرفتي، وترتمي شظاياها في
الشقة، وفي الحجرة حيث ينام الأطفال، وقد نجت بنيتي من الموت بأعجوبة.
وأراني وزوجتي التي كنت أعهدها شجاعة، كيف يعجزها الغضب وهي ترى أبناءنا
الثلاثة فزعين يبكون فيما الشرطة تجتاح الشقة لكي «تفتح تحقيقاً»، وكأنها
كانت تجهل بهوية الجناة... وفيما كان رجال الشرطة يلتقطون الشظايا التي
اخترقت جنبات الصالون، كنت في غاية الارتباك، وأنا أسأل نفسي هل يحق لي من
أجل الدفاع عن نفسي أن أعرض سلامة أسرتي للمخاطر.
إن الصدمة التي أحدثها انفجار القنبلة، والشعور الذي كان يعاود زوجتي من
تفكيرها في المخاطر التي تعرض لها الأطفال، قد كان لها ثأثير شديد على
نفسيتها، بحيث اضطرت إلى قضاء عدة أشهر في فرنسا لتسلو عن أزمتها» (من
رسالة بتاريخ 6 أكتوبر 1994).
وقد خلف هذا الاعتداء الجبان عند أنطوان مازيلا ألماً يتعذر عن الوصف. وقد
كتب إليَّ برسالة أخرى في سنة 1995 فكانت أبلغ في التعبير عن تلك
المعاناة. قال :
«أن يستهدفني أعدائي، فذلك شيء طبيعي. وأما أن يتعرضوا لأسرتي، فذلك فعل
حقير. وقد لبثت لسنوات لا أغفر لمن دبر ذلك الاعتداء الجبان... ثم رفضت في
سنة 1977 أن أذهب لأشهد في محاكمة لمناهضي الإرهابيين، وكتبت أن كل تلك
الأحداث تنتمي إلى زمن ولى وانقضى، قد تحمل فيه كل واحد مسؤولياته عن
معرفة بالوقائع وإدراك للأخطار التي كانت تتهدده».
وقد كانت المخاطر مع ذلك بادية لائحة، لأن الاعتداءات كانت لا تفتأ تتكرر.
ويشهد جلبير فيالا على أن»شجاعة مازيلا لم تضعف يوماً. وما رأيته يوماً قد حمل سلاحاً» (من حوار في 1995).
ووقع اعتداء آخر على رئيس تحرير صحيفة «ماروك بريس» في يوم 26 دجنبر، لكن
تم إبطالها بفضل تدخل مفتش للشرطة وعضو في شبكة لمناهضة الإرهابيين (كشأن
بعض زملائه). وكان اسمه فوريستيي. وقد كان في شبابه رياضياً، وساعده
مازيلا في إيجاد شغل. فبقي يحفظ له الجميل. وعليه فقد قام فوريستيي بإعلام
سارتو بما كان يدبَّر له. وقد عاد مازيلا يومها إلى المغرب، بعد مقام في
فرنسا ارتأت صحيفته أنه أمر ضروري، بعد ذلك الاعتداء الأول، فأعيد إلى
باريس لإبعاد مخاطر جديدة قد صارت لائحة للعيان.
وأما فوريستيي فقد لقي حتفه بعيد ذك، في حادثة سير بقيت أسبابها غامضة، فلم يكن بد أن تثير حولها بعض الشكوك...
إن الاعتداء الأول الذي استهدف مازيلا قد تلته اعتداءات أخرى كثيرة،
استُهدف بها بعض الأحرار من بين أكثرهم شهرة. ففي يوم 28 أكتوبر ألقيت
قنبلة على جاك رايتزر، وأخرى على بيير كلوسترمان. ولم تسفر القنبلتان عن
ضحايا، لكن خلفت خسائر مادية. وفور ذلك كتب هنري سارتو افتتاحية قوية
يستنكر فيها النوايا السافرة التي تحرك المتطرفين :
«إن القنبلة التي ألقيت على منزل السيد كلوسترمان، بالإضافة إلى سلسلة
اعتداءات سبق أن شنها الإرهاب الذي يسمي نفسه فرنسياً، قد جاءت لتكرس
الانحطاط (...) ويزيد في بيان هذا الجبن استعمال طريقة في استهداف ضحايا
من الأطفال. وعندما يستهدف الاعتداء جندياً مجيداً، يعرف بتلك السمعة، حتى
في الأمم الأجنبية، فتلك فضيحة...
وليس أمعن في خيانة فرنسا من أن يدعي المعتدون أنهم يستلهونها في ما
يقترفون من حقارات. والتواطؤ بالصمت شكل آخر من الخيانة. وإذا كانت شرطة
الحماية عاجزة عن التدخل، فلتتم الاستعانة بفرق من البلد الأصلي. فشرف
الفرنسيين وكرامة فرنسا في خطر» («ماروك بريس» عدد 29 أكتوبر 1954).
ومما يؤسف له أن هذه التحذيرات النبيهة لم تجد آداناً صاغية من لدن
السلطات. فقد صارت مناهضة الإرهاب التي لا تلقى عقاباً تطيل بتوالي
الأسابيع من قائمة الأعمال المشينة. وباتت الاعتدءات تطول ضحايا آخرين من
غير الفرنسيين الأحرار. فهي قد شملت كذلك أصدقاءهم من المغاربة.
وقال الدكتور الحراقي في هذا الصدد :
«إن تلاقي وجهات نظرنا، فرنسيين ومغاربة قد اتحدوا للدفاع عن القضية
الشرعية الواحدة قد كان لزاماً أن تضعنا «في كيس واحد»، ونواجه التهديدات
نفسها، و نكون ضحايا مشتركين لمجرمين عمي» (من رسالة بتاريخ 1994).
ذلك بأن منشورا لا يعرف له صاحب، قد تم توزيعه في الدار البيضاء في 1954،
وأوردته صحيفة «ليكسبريس» في عددها ليوم 18 يونيو، يبين «الحصة الكبيرة»
المخصصة للمغاربة. وقال الدكتور الحراقي : «كان اسمي في العمود الأيمن،
وغي ديلانوا في العمود الأيسر. وقد اشتمل المنشور على 15 من أسماء
المغاربة و17 من أسماء الفرنسيين قد عينوا لتتم تصفيتهم».
آن ماري روزيلي
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
الفرنسيون والمغاربة يحتجون على سياسة الإقامة والمغاربة أكثر ضحايا الاغتيال بالرصاص
لقد تمكن
الدكتور الحراقي من الحصول على أصل ذلك المنشور، وهو يضم الأسماء التالية :
القائد سارتو،الدكتور الحراقي، الدكتور ديلانوا،جليل التازي، السيد فوكونو
،برتران فيليب، الحاج عمر السبتي ،أحمد الزغراري، بيير كلوسترمان ،المحجوب
بن الصديق، أنطوان مازيلا،الطيب بن بوعزة، جاك رايتزر ،شارل سوليي،
الدكتور الجبلي ،جاك لوميغر دوبروي، الدكتور الجبلي،بول أوبير، الدكتور
غريفان،الحاج عابد السوسي، السيدة رزوق،السيدة جون شارل لوغران، مارسيل
أكافيفا ،السيد مارانزاني، الدكتور الخطيب ،السيدة لويغي، السيدة
بايسيير،الحاج بابي برادة، بيير بارن ،المهدي بن بركة، قبيل الأمراني.
ومن جملة الشخصيات الواردة أسماؤهم في هذه القائمة كان المغاربة مهم من
تكبدوا أفدح الخسائر مناهضة الإرهاب. وينبغي أن نذكر السيد السلاوي الذي
فقد تعرض للاغتيال بالرصاص في 20 غشت 1955 (واسمه غير وارد في المنشور) ،
ثم اغتيل من بعده عبد الكريم الديوري بالرصاص في 1 دجنبر 1955، واغتيل من
بعدهما الطاهر السبتي برشقة رشَّاشة في 2 يناير 1955، ثم كان اغتيال الحاج
بابي برادة بطلقة في الرأس في 4 دجنبر 1955. وأما الفرنسيون الواردة
أسماؤهم في هذه القائمة فقد كتبت لهم السلامة من الاعتداءات التي
استهدفتهم، ومنهم من تعرض لأكثر من اعتداء واحد، في ما خلا جاك لوميغر
دوبروي الذي تعرض للاغتيال في 11 يناير 1955، والذي ستسنح لنا الفرصة
للعودة إليه بالحديث.
فجر من الأمل يهل على المغاربة
لم يكن للمغاربة أن يلبثوا غير مكترثين بالتضامن الذي أبان عنه (الفرنسيون)
الأحرار، ولا أن يظلوا متجاهلين مواقفهم التي كان فيها مساندة واضحة
لمطامحهم الوطنية ولا أن يبقوا غير مهتمين بال... الذي كانت تقوم له صحيفة
«ماروك بريس» لساناً معبراً.
ويقول الدكتور الحراقي متذكراً :
«لقد كنا نلتهم صحيفة «ماروك بريس». فقد كانت الصحيفة الوحيدة التي «تعارض»
الصحافة الاستعمارية لمجموعة ماص» (من رسالة بتاريخ 1994).
ويزيد الدكتور ديلانوا مبيناً :
«إنها قراءة لم تكن تخلو من مخاطر. فمجرد حمل صحيفة «ماروك بريس» يمكن أن
يعرض المرء للاعتداء. ومن ذلك أننا بعد تجاسرنا على القول جهاراً إن القوة
مآلها إلى الفشل صرنا عرضة للشتائم والإهانات : فقد صرنا أهدافاً
للاعتداءات. لكننا زرعنا الأمل في قلوب المغاربة».
وهذا أمر يشهد عليه الدكتور الحراقي، حيث قال :
«لقد كان فعل الموقعين على «رسالة 75» في خضم مأساتنا المتلاطم العاج
بالمخاطر، كأنها طوافة قد تشبث بها غرقى، وسارت بهم تدلهم على أنوار شط
النجاة. وقد صرنا من اتصالنا بهؤلاء الأصدقاء، الذين يعيشون بين ظهرانينا،
ويهتمون بمشكلاتنا، والذي يرتفع مع الشجاعة التي اتصف بها فرنسيون أخيار
على الجريمة التي كانوا عليها شهوداً، صرنا ندفع عنا أسباب اليأس».
والشعور نفسه بالمواساة والتشجيع وجده عبد الرحيم بوعبيد ورفاقه من حزب
الاستقلال المعتقلين في سجن الدار البيضاء. فقد كتب عبد الرحيم بوعبيد :
«كنا متهمين بالمس بأمن الدولة، بما يجعلنا، أمام محكمة عسكرية، مستحقين
لعقوبة الإعدام، فقد كنا نرزح تحت ظلمة الليل الاستعماري. وأن يقرر بعض
الفرنسيين المقيمين في المغرب أن يتحركوا، ويرفعوا أصواتهم بعارضتهم
للسياسة الرسمية التي تنتهجها الإقامة، ويستحثوا الأوساط السياسية
والبرلمانية والصحافية في فرنسا، فذلك كان حدثاً قد أشعرنا بتشجيع معنوي
كبير؛ وأكد لنا أنه ما زال بالإمكان التشبث بالأمل! (من توطئته لكتاب
فليكس ناتاف، سبق ذكره).
رسالة 128
ما كادت تمر شهران على إطلاق «رسالة 75» في 25 يوليوز 1954، حتى قامت مائة
وثمانية وعشرون شخصية مغربية (قد اجتمع فيها المحامون والأطباء والمدرسون)
ومعهم طلبة وعمال، بتوجيه رسالة إلى المقيم العام (وهو يومها فرانسي
لاكوست) تستعيد مضامين «رسالة 75». وقد حمل الدكتور الحراقي هذه الرسالة
إلى الإقامة العامة يرافقه الدكتور حصار والحاج محمد الزبدي، المفوض البلدي
في الرباط.
«جاءت هذه الرسالة تطالب بالعودة إلى جو الهدوء، من أجل مناقشة صريحة
للمشكلات الراهنة. وقد أشارت الرسالة إلى أن بؤرة تلك المشكلات تتمثل في
السيادة المغربية، وخلع صاحب الجلالة بن يوسف. واشتملت الرسالة كذلك على
إعلان يطمئن الفرنسيين المقيمين في المغرب، الذين لم يكن للمغاربة أن
ينكروا عليهم مصالحهم المشروعة. وتختتم الرسالة بتمني دوام الصداقة
الفرنسية المغربية» (مقتطف من صحيفة «لافيجي» توصلت به من لدن الدكتور عبد
السلام الحراقي).
وقد أدى نشر هذه الرسالة في الصحافة، في المغرب كما في فرنسا، بطبيعة
الحال، إلى إثارة موجة من الاحتجاجات والانتقادات، من لدن «الاستعماريين»،
ولاسيما أنها جاءت تندرج في حركة مماثلة، وإن تنوعت مصادرها، في أماكن شتى
من المغرب.
عريضة علماء المغرب
ففي 29 يوليوز علماء فاس إلى المقيم العام برسالة يؤكدون فيها تعلقهم
بالسلطان المنفي، فهو وحده القائد الديني الشرعي. ويبررون هذا الإعلان
المتأخر بالإكراه الذي ظلوا يتعرضون له إلى ذلك اليوم. وختموا رسالتهم
بدعوة المقيم العام إلى حل الأزمة الخطيرة الجارية، بالحل الوحيد الصحيح؛
ألا وهو عودة سيدي محمد بن يوسف. فجاء الرد باعتقال الحرس الأسود لأربعين
عالماً من داخل حرم مولاي إدريس، وهو مكان مقدس، وملاذ مصون.
فبلغ السخط والنقمة أوجهما بين الشعب المغربي وفي فرنسا عند العارفين
بالتقاليد الدينية المقرونة بهذا المكان، والتي لا يمكن للتعدي عليها إلا
أن يزيد في تأجيج روح المقاومة لدى المغاربة. ولذلك بادرت اللجنة المسيحية
«فرنسا-الإسلام»، وخاصة أعضاؤها لوي ماسينيون وجون شيل، النائب البرلماني
عن الاتحاد الفرنسي، بنشر احتجاج صارخ، جاء فيه :
«إن اللجنة المسيحية «فرنسا-الإسلام، التي تأسست سنة 1947 لتنحني أمام
العلماء الأربعين الذين تعرضوا للضرب بأن قاموا بواجبهم الشرعي الإسلامي
بأداء الشهادة بما تملي عليهم ضمائرهم. فلقد انتزعوا من ملاذ آمن، هو حرم
مولاي إدريس في فاس، بأيدي جنود من المرتزقة، قد انتهكوا حقاً في اللوذ
بالأماكن الدينية مقرر من قديم الزمان. ونحن نعتقد أنه لا يمكن لإنسانية
جديدة أن تتأسس، في شمال أفريقيا، ولا في أي مكان آخر، وسوف لا يكتب لها أن
تتأسس إلا على احترام المقدسات» (اللجنة، باريس، 18 غشت 1954).
وأدان فرونسوا مورياك، في دفتر المذكرات الخاص بصحيفة «ليكسبريس» في ذلك
اليوم نفسه، النفاق الذي ينطوي عليه ذلك الاعتقال، الذي أريد تصويره في
صورة العملية «المغربية الدينية التي تمت بأيدي مغربية». وكتب مبيناً : «إن
الحرس السلطاني الأسود الذي سخر لهذه العملية لسلطان كان يفعل ما يفعل تحت
إمرة الفرنسيين. فلم يكن له أن يخرج من ثكنته بدون موافقة الإقامة
العامة».
الدكتور الحراقي من الحصول على أصل ذلك المنشور، وهو يضم الأسماء التالية :
القائد سارتو،الدكتور الحراقي، الدكتور ديلانوا،جليل التازي، السيد فوكونو
،برتران فيليب، الحاج عمر السبتي ،أحمد الزغراري، بيير كلوسترمان ،المحجوب
بن الصديق، أنطوان مازيلا،الطيب بن بوعزة، جاك رايتزر ،شارل سوليي،
الدكتور الجبلي ،جاك لوميغر دوبروي، الدكتور الجبلي،بول أوبير، الدكتور
غريفان،الحاج عابد السوسي، السيدة رزوق،السيدة جون شارل لوغران، مارسيل
أكافيفا ،السيد مارانزاني، الدكتور الخطيب ،السيدة لويغي، السيدة
بايسيير،الحاج بابي برادة، بيير بارن ،المهدي بن بركة، قبيل الأمراني.
ومن جملة الشخصيات الواردة أسماؤهم في هذه القائمة كان المغاربة مهم من
تكبدوا أفدح الخسائر مناهضة الإرهاب. وينبغي أن نذكر السيد السلاوي الذي
فقد تعرض للاغتيال بالرصاص في 20 غشت 1955 (واسمه غير وارد في المنشور) ،
ثم اغتيل من بعده عبد الكريم الديوري بالرصاص في 1 دجنبر 1955، واغتيل من
بعدهما الطاهر السبتي برشقة رشَّاشة في 2 يناير 1955، ثم كان اغتيال الحاج
بابي برادة بطلقة في الرأس في 4 دجنبر 1955. وأما الفرنسيون الواردة
أسماؤهم في هذه القائمة فقد كتبت لهم السلامة من الاعتداءات التي
استهدفتهم، ومنهم من تعرض لأكثر من اعتداء واحد، في ما خلا جاك لوميغر
دوبروي الذي تعرض للاغتيال في 11 يناير 1955، والذي ستسنح لنا الفرصة
للعودة إليه بالحديث.
فجر من الأمل يهل على المغاربة
لم يكن للمغاربة أن يلبثوا غير مكترثين بالتضامن الذي أبان عنه (الفرنسيون)
الأحرار، ولا أن يظلوا متجاهلين مواقفهم التي كان فيها مساندة واضحة
لمطامحهم الوطنية ولا أن يبقوا غير مهتمين بال... الذي كانت تقوم له صحيفة
«ماروك بريس» لساناً معبراً.
ويقول الدكتور الحراقي متذكراً :
«لقد كنا نلتهم صحيفة «ماروك بريس». فقد كانت الصحيفة الوحيدة التي «تعارض»
الصحافة الاستعمارية لمجموعة ماص» (من رسالة بتاريخ 1994).
ويزيد الدكتور ديلانوا مبيناً :
«إنها قراءة لم تكن تخلو من مخاطر. فمجرد حمل صحيفة «ماروك بريس» يمكن أن
يعرض المرء للاعتداء. ومن ذلك أننا بعد تجاسرنا على القول جهاراً إن القوة
مآلها إلى الفشل صرنا عرضة للشتائم والإهانات : فقد صرنا أهدافاً
للاعتداءات. لكننا زرعنا الأمل في قلوب المغاربة».
وهذا أمر يشهد عليه الدكتور الحراقي، حيث قال :
«لقد كان فعل الموقعين على «رسالة 75» في خضم مأساتنا المتلاطم العاج
بالمخاطر، كأنها طوافة قد تشبث بها غرقى، وسارت بهم تدلهم على أنوار شط
النجاة. وقد صرنا من اتصالنا بهؤلاء الأصدقاء، الذين يعيشون بين ظهرانينا،
ويهتمون بمشكلاتنا، والذي يرتفع مع الشجاعة التي اتصف بها فرنسيون أخيار
على الجريمة التي كانوا عليها شهوداً، صرنا ندفع عنا أسباب اليأس».
والشعور نفسه بالمواساة والتشجيع وجده عبد الرحيم بوعبيد ورفاقه من حزب
الاستقلال المعتقلين في سجن الدار البيضاء. فقد كتب عبد الرحيم بوعبيد :
«كنا متهمين بالمس بأمن الدولة، بما يجعلنا، أمام محكمة عسكرية، مستحقين
لعقوبة الإعدام، فقد كنا نرزح تحت ظلمة الليل الاستعماري. وأن يقرر بعض
الفرنسيين المقيمين في المغرب أن يتحركوا، ويرفعوا أصواتهم بعارضتهم
للسياسة الرسمية التي تنتهجها الإقامة، ويستحثوا الأوساط السياسية
والبرلمانية والصحافية في فرنسا، فذلك كان حدثاً قد أشعرنا بتشجيع معنوي
كبير؛ وأكد لنا أنه ما زال بالإمكان التشبث بالأمل! (من توطئته لكتاب
فليكس ناتاف، سبق ذكره).
رسالة 128
ما كادت تمر شهران على إطلاق «رسالة 75» في 25 يوليوز 1954، حتى قامت مائة
وثمانية وعشرون شخصية مغربية (قد اجتمع فيها المحامون والأطباء والمدرسون)
ومعهم طلبة وعمال، بتوجيه رسالة إلى المقيم العام (وهو يومها فرانسي
لاكوست) تستعيد مضامين «رسالة 75». وقد حمل الدكتور الحراقي هذه الرسالة
إلى الإقامة العامة يرافقه الدكتور حصار والحاج محمد الزبدي، المفوض البلدي
في الرباط.
«جاءت هذه الرسالة تطالب بالعودة إلى جو الهدوء، من أجل مناقشة صريحة
للمشكلات الراهنة. وقد أشارت الرسالة إلى أن بؤرة تلك المشكلات تتمثل في
السيادة المغربية، وخلع صاحب الجلالة بن يوسف. واشتملت الرسالة كذلك على
إعلان يطمئن الفرنسيين المقيمين في المغرب، الذين لم يكن للمغاربة أن
ينكروا عليهم مصالحهم المشروعة. وتختتم الرسالة بتمني دوام الصداقة
الفرنسية المغربية» (مقتطف من صحيفة «لافيجي» توصلت به من لدن الدكتور عبد
السلام الحراقي).
وقد أدى نشر هذه الرسالة في الصحافة، في المغرب كما في فرنسا، بطبيعة
الحال، إلى إثارة موجة من الاحتجاجات والانتقادات، من لدن «الاستعماريين»،
ولاسيما أنها جاءت تندرج في حركة مماثلة، وإن تنوعت مصادرها، في أماكن شتى
من المغرب.
عريضة علماء المغرب
ففي 29 يوليوز علماء فاس إلى المقيم العام برسالة يؤكدون فيها تعلقهم
بالسلطان المنفي، فهو وحده القائد الديني الشرعي. ويبررون هذا الإعلان
المتأخر بالإكراه الذي ظلوا يتعرضون له إلى ذلك اليوم. وختموا رسالتهم
بدعوة المقيم العام إلى حل الأزمة الخطيرة الجارية، بالحل الوحيد الصحيح؛
ألا وهو عودة سيدي محمد بن يوسف. فجاء الرد باعتقال الحرس الأسود لأربعين
عالماً من داخل حرم مولاي إدريس، وهو مكان مقدس، وملاذ مصون.
فبلغ السخط والنقمة أوجهما بين الشعب المغربي وفي فرنسا عند العارفين
بالتقاليد الدينية المقرونة بهذا المكان، والتي لا يمكن للتعدي عليها إلا
أن يزيد في تأجيج روح المقاومة لدى المغاربة. ولذلك بادرت اللجنة المسيحية
«فرنسا-الإسلام»، وخاصة أعضاؤها لوي ماسينيون وجون شيل، النائب البرلماني
عن الاتحاد الفرنسي، بنشر احتجاج صارخ، جاء فيه :
«إن اللجنة المسيحية «فرنسا-الإسلام، التي تأسست سنة 1947 لتنحني أمام
العلماء الأربعين الذين تعرضوا للضرب بأن قاموا بواجبهم الشرعي الإسلامي
بأداء الشهادة بما تملي عليهم ضمائرهم. فلقد انتزعوا من ملاذ آمن، هو حرم
مولاي إدريس في فاس، بأيدي جنود من المرتزقة، قد انتهكوا حقاً في اللوذ
بالأماكن الدينية مقرر من قديم الزمان. ونحن نعتقد أنه لا يمكن لإنسانية
جديدة أن تتأسس، في شمال أفريقيا، ولا في أي مكان آخر، وسوف لا يكتب لها أن
تتأسس إلا على احترام المقدسات» (اللجنة، باريس، 18 غشت 1954).
وأدان فرونسوا مورياك، في دفتر المذكرات الخاص بصحيفة «ليكسبريس» في ذلك
اليوم نفسه، النفاق الذي ينطوي عليه ذلك الاعتقال، الذي أريد تصويره في
صورة العملية «المغربية الدينية التي تمت بأيدي مغربية». وكتب مبيناً : «إن
الحرس السلطاني الأسود الذي سخر لهذه العملية لسلطان كان يفعل ما يفعل تحت
إمرة الفرنسيين. فلم يكن له أن يخرج من ثكنته بدون موافقة الإقامة
العامة».
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
حركة «الضمير الفرنسي» الحرة في تحد لجمعية «الحضور الفرنسي» الاستعمارية في حلبة القضية الوطنية
وداخل المغرب
كتب هنري سارتو افتتاحية أسماها «أن نرى بوضوح»، في فاتح غشت، يستخلص فيها
الدروس من مختلف ردود الأفعال على «رسالة 75» ، ومما جاء فيها :
«إن من الطبيعي أن تصطدم مثل هذه التعبيرات عن الآراء بجميع أولئك (سواء
أكانوا يشكلون أغلبية ساحقة أم لا) الذين هم على موقف مخالف. لكن ذلك لا
يكفي سبباً للسكوت عنها. فإن كان هنالك من مشكلة، فلن يتسنى حلها
بتجاهلها». إن رسالة 128 من الشخصيات المغربية، التي تلقت آلافاً من
تعبيرات التأييد، والرسالة التي صدرت عن سكان مدينة سلا وبلغ عدد الموقعين
عليها 7600، ورسالة 38 عالم من مدينة فاس والبرقية التي بعث بها الشرفاء
الحسينيون ليست بالوقائع البسيطة التي يمكن تجاهلها، بل هي فئة من الأفعال
يلزم كل واحد أن يعرف بها، بقدر ما يلزمه أن يعرف بغيرها من معطيات المشكلة
: من أجل أن يرى بوضوح».
وقد كانت مختلف هذه التعاليق الصحافية تمثل دوافع قوية لبث الشجاعة في نفوس
المغاربة. يقول الدكتور الحراقي : «فالجسور لم تنقطع. فقد كان الفرنسيون
والمغاربة يقومون، كل من جانبه، بالدور المنوط بهم وصولاً إلى أن تنتصر
الحرية. وقد تُلقيت هذه الاتصالات بكل ترحيب. ومنذ البداية بلغ الخبر بها
إلى زعماء حزب الاستقلال الذين كانوا رهن السجن. فعندما قمت بزيارة
أصدقائنا داخل السجن، لم يفتني أن أشير إلى أهمية تلك الاتصالات. وقد وجدت
تشجيعاً خاصاً من لدن عبد الرحيم بوعبيد على الاستمرار فيها» (من رسالة
بتاريخ 1994).
«رسالة 75» من منظور الفرنسيين
إذا كان أوليفيي كوتينو يرى أن «رسالة 75» لم يكن لها من تأثير كبير داخل
«القصر الجمهوري»، فإنها لم تلق التجاهل من الصحافة الفرنسية. فسواء تلقتها
تلك الصحافة بالتأييد أو بالعداء، فلقد أفردت لها تعاليق على قدر من
الاتساع. وكما وقع داخل المغرب، فقد انهالت الصحف الاستعمارية على الأحرار
بفيض من السخرية والشتائم؛ من نعتهم بـ «الحالمين الأغرار» إلى رميهم بـ
«شركاء القتلة» و»الخونة المأجورين». بيد أن صحف اليسار : «لوبسرفاتور»
و»فران تيرور» و»ليكسبريس»، وصحيفة ملتزمة من قبيل «تيموانياج كريثيان»،
وأسبوعية ساخرة مثل «لوكانار أونشيني» تلقت مبادرة أختها بالدعم والمساندة،
في عقب «لوموند» التي نشرت النص الكامل للرسالة في يوم ظهورها على صفحات
«ماروك-بريس».
بل إن الرسالة وجدت التأييد من بعض الصحف الجهوية (وإن كانت تغلب على وسطها
النزعة المحافظة). فكما كان شأن بيير كورفال إذ هو في أنجير، ها هي ذي
«لوكوريي دو لويست»، التي أصبح في الحقيقة كاتب افتتاحياتها، بعد أن طرد من
إدارة صحيفة «الفجر»، لسان «الحركة الجمهورية الشعبية» (M.R.P.)،(وزعيمها
ج. بيدو)، فقد كتب في يوم 21 ماي 1954 :
«إن بعض الفرنسيين من المقيمين في المغرب قد ساءتهم الوضعية المتفاقمة،
فوجدوا في أنفسهم الشجاعة ليرفعوا أصواتهم محذرين. ففي يوم 8 ماي بادر خمسة
وسبعون منهم، يشغلون مناصب مهمة داخل المملكة الشريفة، إلى توجيه رسالة
إلى المقيم العام كوتي، ليلفتوا انتباهه إلى خطورة الوضع يومذاك. وقد كان
من الطبيعي أن يلقوا الإدانة والاستنكار من فرنسيين آخرين تقتصر سياستهم
على ألا يروا إلا مصالحهم الشخصية الصغيرة، أو يسمعوا غير ما توسوس لهم بهم
جماعتهم. إن رجالاً من ذوي الخبرة بالمشكلات المغربية من أمثال هنري
سارتو، مدير «ماروك-بريس»، ولورين كروز، الموظف البنكي في مدينة الدار
البيضاء، وسوليي رجل الأعمال، ولوميغر دوبروي، رجل الصناعة، لم يترددوا،
منذ أسابيع، في إطلاق صرخاتهم التحذيرية المكروبة والقوية.
ونحن نعلم أنهم اللسان المعبر عن كثير من مواطنينا الذين تجاسروا أخيراً
على كسر طوق الصمت الذي فرض عليهم من إدارة وصحافة قصيرتا النظر».
والتأييد نفسه لقيته تلك الرسالة من لجنة «فرانس-ماغريب»، التي حاول رئيسها
فرونسوا مورياك ونائباه لوي ماسينيون وشارل أندري جوليان، منذ سنة 1952 أن
يدروا الأسوأ، ولبثوا حزانى أن لم يفلحوا في ذلك.
وقد التقيت الأستاذ ماسينيون في يونيو 1954، وكان يعد لرحلة إسلامية مسيحية
لـ «أهل الكهف» إلى فيو-مارشي في بروتان، وهي رحلة كان يسعى إلى اتخاذها
وسيلة للمصالحة والصداقة. وقد أسر إليَّ قوله :
«إن «رسالة 75» بارقة أمل في قلب صيف مثقل بالكرب، لأنها جاءت نتيجة
لاختبارات صادقة للضمير».
وكان في تلك الرسالة تشجيع وشد من أرز المناضلين في البلد الأصلي الذين
وجدوا في أحرار المغرب ضامنين موثوقين. وقد كان الاستعماريون إلى هذا الحين
يلجأون إلى الحجة الدامغة التي بنى عليها «الغالبون» مصداقيتهم الوحيدة،
وهي أنهم «رجال الميدان»، وأنهم وحدهم من يملك المعرفة الصحيحة بالواقع
(المغربي) المعيش. فما عاد بمقدورهم يومذاك أن يعتدوا بإجماعهم. ووجب أن
يحسبوا حساباً للأصوات «المخالفة»، لكنها آراء ذات مصداقية. وقد أصاب عبد
الرحيم بوعبيد في تقدير هذا الدور الذي لعبه الأحرار؛ حيث كتب :
«لقد أدى ذلك الموقف منهم إلى تقوية تيار الرأي المعادي للاستعمار جاخل
فرنسا. فهذا قد مكن «لجنة فرانس-ماغريب» ومكن الأحزاب السياسية والأوساط
البرلمانية والصحافة من الاطلاع بشكل جيد، ومنتظم بوجه خاصة، على التطور
المأساوي للوضعية داخل البلاد» (من مؤلف مذكور).
ولئن لم تكن «رسالة 75» هي المبادرة الوحيدة، ولا الأولى، التي قام بها
الأحرار، فإنها تستحق أن تحاط باهتمام خاص من أوجه وجوانب مختلفة. فلقد
كشفت الرسالة، من خلال أشكال التجمع التي تحقق لها، كما يشير هرفي بلونشو،
عن وجود «تيار تحرري» لعب دوراً ناجعاً في تطور الأحداث. ويذكرنا الدكتور
الحراقي بهذا الأمر في صورة قال فيها :
«كان «الموقعون على رسالة 75» قليلين عدداً، لكن ما كان أعظمهم بقيمة
الضمير. فلقد أعادوا القاطرة إلى السكة بعد أن انحرفت عنها. فكانوا بذلك
نماذج تحتذى في خدمة قيم فرنسية حقيقية» (من رسالة بتاريخ 14 دجنبر 1993).
ثم إن الرسالة قد تجازوت سياقها الحدثي لتكتسي قيمة رمزية كبرى بما اجتمع
لها من اتفاق القناعات الديمقراطية وبالمثال الذي جاءت تغذيه [في النفوس].
فهذا أوليفيي كوتينوا يرى أن الرسالة كانت «الشاهد الذي يؤكد على حيوية
الضمير الفرنسي عبر الأجيال» (من حوار بتاريخ 18 يوليوز 1995).
ولم يكن من باب الصدفة أن نرى الحركة التي غدت لها الرسالة ميثاقاً، والتي
قام بتأسيسها على أثر نشر هذه الرسالة بعض الموقعين عليها، وأسموها «الضمير
الفرنسي».
«الضمير الفرنسي» فرع من رسالة 75
تأسست هذه الحركة في يونيو 1954، بعد شهر من نشر «رسالة 75»، فجاءت لتكون
امتداداً وهيكلة لعملها، بتوضيح أهدافها ومواءمتها مع الظروف والحيثيات.
وقد بادر إلى تأسيس هذه الحركة بعض من قاموا بتحرير تلك الرسالة. ولم تضم
الحركة جميع الموقعين على الرسالة، ليس لتخليهم عن قناعاتهم، بل لشتى
الأسباب الشخصية. وفي المقابل، فقد التحق بحركة «الضمير الفرنسي» بعض
المتعاطفين من غير الموقعين على الرسالة. فيما استمر بعض أعضائها في
المشاركة في مجموعات أخرى (كمجموعة الدراسة والبحث الاقتصادي والاجتماعي
(GERES) و»الكتابة الاجتماعية»). وبذلك تشكلت «النواة» لتلك الحركة الفتية،
وانتخب غي ديلانوا رئيساً لها بالإجماع، وباسكال كوبو كاتباً عاماً لها،
وأوليفيي كوتينو أميناً على صندوقها، وروبير أوران وبول بوتان عضوين في
مجلسها. وكان اقتراح من أوليفيي كوتينو هو الذي حسم النقاش حول اسم هذه
الحركة. يقول :
«لقد اقترحت هذا الاسم استلهاماً من مؤلف كان أهداني إياه تلاميذي. وكان
اسمه «الضمائر الفرنسية» (بصيغة الجمع)، وهو يدور حول بعض الشخصيات التي
مرت في تاريخ فرنسا، واشتهرت بصفاتها الأخلاقية العالية؛ من أمثال بايار،
«الفارس الذي اشتهر بالشجاعة وحسن الأدب» (من حوار بتاريخ 18 يوليوز 1995).
ولقد بدا هذا الاسم موافقاً للدوافع الأصلية التي كانت من وراء هذه الحركة.
ويسجل غي ديلانوا من جانبه أن هذا الاسم كان يذكر باسكال كوبو بالكلمات
الأولى التي وردت في الرسالة : «وعياً (Conscients) بالمسؤوليات التي تقع
علينا ، نحن فرنسيي المغرب». وقد كان هذا الاسم كذلك تحدياً قوياً لـ
«المتطرفين». كتب أوليفيي كوتينو كذلك :
«لقد تجاسرنا على مواجهة جمعية «الحضور الفرنسي» المتعسفة بـ «الضمير
الفرنسي» الذي كانت مرجعَنا المباشر فيه التقاليد الجمهورية» (من رسالة
بتاريخ ماي 1995).
كتب هنري سارتو افتتاحية أسماها «أن نرى بوضوح»، في فاتح غشت، يستخلص فيها
الدروس من مختلف ردود الأفعال على «رسالة 75» ، ومما جاء فيها :
«إن من الطبيعي أن تصطدم مثل هذه التعبيرات عن الآراء بجميع أولئك (سواء
أكانوا يشكلون أغلبية ساحقة أم لا) الذين هم على موقف مخالف. لكن ذلك لا
يكفي سبباً للسكوت عنها. فإن كان هنالك من مشكلة، فلن يتسنى حلها
بتجاهلها». إن رسالة 128 من الشخصيات المغربية، التي تلقت آلافاً من
تعبيرات التأييد، والرسالة التي صدرت عن سكان مدينة سلا وبلغ عدد الموقعين
عليها 7600، ورسالة 38 عالم من مدينة فاس والبرقية التي بعث بها الشرفاء
الحسينيون ليست بالوقائع البسيطة التي يمكن تجاهلها، بل هي فئة من الأفعال
يلزم كل واحد أن يعرف بها، بقدر ما يلزمه أن يعرف بغيرها من معطيات المشكلة
: من أجل أن يرى بوضوح».
وقد كانت مختلف هذه التعاليق الصحافية تمثل دوافع قوية لبث الشجاعة في نفوس
المغاربة. يقول الدكتور الحراقي : «فالجسور لم تنقطع. فقد كان الفرنسيون
والمغاربة يقومون، كل من جانبه، بالدور المنوط بهم وصولاً إلى أن تنتصر
الحرية. وقد تُلقيت هذه الاتصالات بكل ترحيب. ومنذ البداية بلغ الخبر بها
إلى زعماء حزب الاستقلال الذين كانوا رهن السجن. فعندما قمت بزيارة
أصدقائنا داخل السجن، لم يفتني أن أشير إلى أهمية تلك الاتصالات. وقد وجدت
تشجيعاً خاصاً من لدن عبد الرحيم بوعبيد على الاستمرار فيها» (من رسالة
بتاريخ 1994).
«رسالة 75» من منظور الفرنسيين
إذا كان أوليفيي كوتينو يرى أن «رسالة 75» لم يكن لها من تأثير كبير داخل
«القصر الجمهوري»، فإنها لم تلق التجاهل من الصحافة الفرنسية. فسواء تلقتها
تلك الصحافة بالتأييد أو بالعداء، فلقد أفردت لها تعاليق على قدر من
الاتساع. وكما وقع داخل المغرب، فقد انهالت الصحف الاستعمارية على الأحرار
بفيض من السخرية والشتائم؛ من نعتهم بـ «الحالمين الأغرار» إلى رميهم بـ
«شركاء القتلة» و»الخونة المأجورين». بيد أن صحف اليسار : «لوبسرفاتور»
و»فران تيرور» و»ليكسبريس»، وصحيفة ملتزمة من قبيل «تيموانياج كريثيان»،
وأسبوعية ساخرة مثل «لوكانار أونشيني» تلقت مبادرة أختها بالدعم والمساندة،
في عقب «لوموند» التي نشرت النص الكامل للرسالة في يوم ظهورها على صفحات
«ماروك-بريس».
بل إن الرسالة وجدت التأييد من بعض الصحف الجهوية (وإن كانت تغلب على وسطها
النزعة المحافظة). فكما كان شأن بيير كورفال إذ هو في أنجير، ها هي ذي
«لوكوريي دو لويست»، التي أصبح في الحقيقة كاتب افتتاحياتها، بعد أن طرد من
إدارة صحيفة «الفجر»، لسان «الحركة الجمهورية الشعبية» (M.R.P.)،(وزعيمها
ج. بيدو)، فقد كتب في يوم 21 ماي 1954 :
«إن بعض الفرنسيين من المقيمين في المغرب قد ساءتهم الوضعية المتفاقمة،
فوجدوا في أنفسهم الشجاعة ليرفعوا أصواتهم محذرين. ففي يوم 8 ماي بادر خمسة
وسبعون منهم، يشغلون مناصب مهمة داخل المملكة الشريفة، إلى توجيه رسالة
إلى المقيم العام كوتي، ليلفتوا انتباهه إلى خطورة الوضع يومذاك. وقد كان
من الطبيعي أن يلقوا الإدانة والاستنكار من فرنسيين آخرين تقتصر سياستهم
على ألا يروا إلا مصالحهم الشخصية الصغيرة، أو يسمعوا غير ما توسوس لهم بهم
جماعتهم. إن رجالاً من ذوي الخبرة بالمشكلات المغربية من أمثال هنري
سارتو، مدير «ماروك-بريس»، ولورين كروز، الموظف البنكي في مدينة الدار
البيضاء، وسوليي رجل الأعمال، ولوميغر دوبروي، رجل الصناعة، لم يترددوا،
منذ أسابيع، في إطلاق صرخاتهم التحذيرية المكروبة والقوية.
ونحن نعلم أنهم اللسان المعبر عن كثير من مواطنينا الذين تجاسروا أخيراً
على كسر طوق الصمت الذي فرض عليهم من إدارة وصحافة قصيرتا النظر».
والتأييد نفسه لقيته تلك الرسالة من لجنة «فرانس-ماغريب»، التي حاول رئيسها
فرونسوا مورياك ونائباه لوي ماسينيون وشارل أندري جوليان، منذ سنة 1952 أن
يدروا الأسوأ، ولبثوا حزانى أن لم يفلحوا في ذلك.
وقد التقيت الأستاذ ماسينيون في يونيو 1954، وكان يعد لرحلة إسلامية مسيحية
لـ «أهل الكهف» إلى فيو-مارشي في بروتان، وهي رحلة كان يسعى إلى اتخاذها
وسيلة للمصالحة والصداقة. وقد أسر إليَّ قوله :
«إن «رسالة 75» بارقة أمل في قلب صيف مثقل بالكرب، لأنها جاءت نتيجة
لاختبارات صادقة للضمير».
وكان في تلك الرسالة تشجيع وشد من أرز المناضلين في البلد الأصلي الذين
وجدوا في أحرار المغرب ضامنين موثوقين. وقد كان الاستعماريون إلى هذا الحين
يلجأون إلى الحجة الدامغة التي بنى عليها «الغالبون» مصداقيتهم الوحيدة،
وهي أنهم «رجال الميدان»، وأنهم وحدهم من يملك المعرفة الصحيحة بالواقع
(المغربي) المعيش. فما عاد بمقدورهم يومذاك أن يعتدوا بإجماعهم. ووجب أن
يحسبوا حساباً للأصوات «المخالفة»، لكنها آراء ذات مصداقية. وقد أصاب عبد
الرحيم بوعبيد في تقدير هذا الدور الذي لعبه الأحرار؛ حيث كتب :
«لقد أدى ذلك الموقف منهم إلى تقوية تيار الرأي المعادي للاستعمار جاخل
فرنسا. فهذا قد مكن «لجنة فرانس-ماغريب» ومكن الأحزاب السياسية والأوساط
البرلمانية والصحافة من الاطلاع بشكل جيد، ومنتظم بوجه خاصة، على التطور
المأساوي للوضعية داخل البلاد» (من مؤلف مذكور).
ولئن لم تكن «رسالة 75» هي المبادرة الوحيدة، ولا الأولى، التي قام بها
الأحرار، فإنها تستحق أن تحاط باهتمام خاص من أوجه وجوانب مختلفة. فلقد
كشفت الرسالة، من خلال أشكال التجمع التي تحقق لها، كما يشير هرفي بلونشو،
عن وجود «تيار تحرري» لعب دوراً ناجعاً في تطور الأحداث. ويذكرنا الدكتور
الحراقي بهذا الأمر في صورة قال فيها :
«كان «الموقعون على رسالة 75» قليلين عدداً، لكن ما كان أعظمهم بقيمة
الضمير. فلقد أعادوا القاطرة إلى السكة بعد أن انحرفت عنها. فكانوا بذلك
نماذج تحتذى في خدمة قيم فرنسية حقيقية» (من رسالة بتاريخ 14 دجنبر 1993).
ثم إن الرسالة قد تجازوت سياقها الحدثي لتكتسي قيمة رمزية كبرى بما اجتمع
لها من اتفاق القناعات الديمقراطية وبالمثال الذي جاءت تغذيه [في النفوس].
فهذا أوليفيي كوتينوا يرى أن الرسالة كانت «الشاهد الذي يؤكد على حيوية
الضمير الفرنسي عبر الأجيال» (من حوار بتاريخ 18 يوليوز 1995).
ولم يكن من باب الصدفة أن نرى الحركة التي غدت لها الرسالة ميثاقاً، والتي
قام بتأسيسها على أثر نشر هذه الرسالة بعض الموقعين عليها، وأسموها «الضمير
الفرنسي».
«الضمير الفرنسي» فرع من رسالة 75
تأسست هذه الحركة في يونيو 1954، بعد شهر من نشر «رسالة 75»، فجاءت لتكون
امتداداً وهيكلة لعملها، بتوضيح أهدافها ومواءمتها مع الظروف والحيثيات.
وقد بادر إلى تأسيس هذه الحركة بعض من قاموا بتحرير تلك الرسالة. ولم تضم
الحركة جميع الموقعين على الرسالة، ليس لتخليهم عن قناعاتهم، بل لشتى
الأسباب الشخصية. وفي المقابل، فقد التحق بحركة «الضمير الفرنسي» بعض
المتعاطفين من غير الموقعين على الرسالة. فيما استمر بعض أعضائها في
المشاركة في مجموعات أخرى (كمجموعة الدراسة والبحث الاقتصادي والاجتماعي
(GERES) و»الكتابة الاجتماعية»). وبذلك تشكلت «النواة» لتلك الحركة الفتية،
وانتخب غي ديلانوا رئيساً لها بالإجماع، وباسكال كوبو كاتباً عاماً لها،
وأوليفيي كوتينو أميناً على صندوقها، وروبير أوران وبول بوتان عضوين في
مجلسها. وكان اقتراح من أوليفيي كوتينو هو الذي حسم النقاش حول اسم هذه
الحركة. يقول :
«لقد اقترحت هذا الاسم استلهاماً من مؤلف كان أهداني إياه تلاميذي. وكان
اسمه «الضمائر الفرنسية» (بصيغة الجمع)، وهو يدور حول بعض الشخصيات التي
مرت في تاريخ فرنسا، واشتهرت بصفاتها الأخلاقية العالية؛ من أمثال بايار،
«الفارس الذي اشتهر بالشجاعة وحسن الأدب» (من حوار بتاريخ 18 يوليوز 1995).
ولقد بدا هذا الاسم موافقاً للدوافع الأصلية التي كانت من وراء هذه الحركة.
ويسجل غي ديلانوا من جانبه أن هذا الاسم كان يذكر باسكال كوبو بالكلمات
الأولى التي وردت في الرسالة : «وعياً (Conscients) بالمسؤوليات التي تقع
علينا ، نحن فرنسيي المغرب». وقد كان هذا الاسم كذلك تحدياً قوياً لـ
«المتطرفين». كتب أوليفيي كوتينو كذلك :
«لقد تجاسرنا على مواجهة جمعية «الحضور الفرنسي» المتعسفة بـ «الضمير
الفرنسي» الذي كانت مرجعَنا المباشر فيه التقاليد الجمهورية» (من رسالة
بتاريخ ماي 1995).
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
دوامة العنف : تعبئة مشؤومة من الحكومة
إن الاستنفار
الذي صارت إليه الإقامة وغياب الإصلاحات الموعودة بما هي نتيجة لنفي
السلطان، والقمع، والعمى الذي أصاب حكومة باريس كانت كلها عوامل تزيد كل
يوم في حدة الأزمة؛ وأدت إلى تزايد وتيرة العمليات الفدائية.
وبعد قرابة العام على خلع السلطان، نشرت صحيفة «لافيجي» ملخصاً مقلقاً
بأرقام مؤقتة : 372 اعتداء بالسلاح، و139 اعتداء بالمتفجرات و129 عملاً
تخريبياً - وقع فيها 153 قتيلاً (32 من الأوروبيين و121 من المغاربة) -
و523 جريحاً (134 من الأوروبيين و389 من المغاربة). وفي 30 يونيو 1954 وقع
اغتيال الدكتور إيرو، مدير صحيفة «لافيجي»، فقوبل باستياء قوي في الأوساط
الفرنسية.
وفي الدار البيضاء صارت الاعتداءات تكاد تكون يومية؛ فهي تقع في مختلف
أنحاء البلاد، وتحمل بصمات المجموعات المنظمة، من قبيل «اليد السوداء».
وبلغ التوتر مداه لدى اقتراب ذكرى خلع محمد بن يوسف؛ وهي في الروزنامة
الإدارية (20 غشت)، وقد صادفت يومها عيد الأضحى - وهو عيد متحرك - الذي
كان مبتدؤه تحديداً في 20 غشت 1953 . فاندلعت المظهرات في وجدة (18 غشت
1954)، وفي بور ليوطي «القنيطرة» (في 28 غشت). ووقعت مأساة وادي زم في 20
غشت 1955 . وقد كانت كلها من فعل تنظيم مقاوم مسلح.
المقاومة المسلحة من المغاربة لمناهضي «الإرهاب» المتطرفين
تم تقديم مدبري العمليات الفدائية إلى المحاكم العسكرية الاستثنائية، التي
أحدثت لتحل محل القضاء الشريف المعهود، فأعلنوا جهاراً، لكن من غير ضغينة،
عن الأسباب التي دفعتهم إلى القيام بتلك الأعمال.
الراشيدي، أحد المتهمين في محاكمة «اليد السوداء» (في 2 و5/6 يوليوز 1954)
: «إن العنف سببه الوضعية الحالية. فقد طرِد سلطاننا : فيكون ما قمت به
يدخل في الجريمة السياسية».
العرايشي : «لسنا إرهابيين، بل نحن مقامون. فبعد أن تم خلع السلطان أصبحنا
في وضع من الخواء : فلا حزب، ولا جرائد، ولاإمكانية للاحتجاج. فلم يكن لنا
بد من اللجوء إلى الأسلحة».
منصور، المدبر لعملية مارشي سانطرال : «كان سلطاننا يسعي إلى التقدم
بالشعب المغربي، وكان يمثل الأمل في الاستقلال. ولذلك كنا نحبه. ولو أعادت
إلينا الإدارة سلطاننا لتوقف الإرهاب» («ماروك-بريس»، 9 دجنبر 1954).
الشفشاوني : «لست مجرماً، بل أنا إنسان حر يدافع عن دينه وعن سلطانه. ومنذ
اليوم الذي اعتدي فيه على السلطان أصبحت مستعداً للموت» («ماروك بريس» ،
تقرير الجلسات 2 يونيو/ 5 يوليوز 1954).
ولزم المحامين في ذلك الجو من الخوف والكراهية الذي أشاعه انعدام الأمن،
أن يتحلوا بالكثير من الشجاعة ليقوموا بالدفاع على المتهمين. غير ذلك لم
يكن ليفت في عضد المحاميين جون-شارل لوغران ولويغي في محاكمات وجدة وفاس
ومراكش. على الرغم من الشتائم والمهانات والتهديدات بالموت التي كانوا
تنهال عليهم. وكان المحاميان هدفاً لتعبيرات عدوانية حتى وهما داخل
المحكمة؛ حيث كانت قراءة بعض المناشير سبباً في هياج الجمهور والتعرض لهما
بالسخرية والتسفيه. وحتى لقد تعرض جون - شارل لوميغر، ذات يوم، للمحاصرة
في بيته من بضع مئات من الممسوسين الأراعن.
ولزم الأحرار كذلك أن يتحلوا بالشجاعة، بعد أن صُعقوا بمقتل الضحايا،
والمتعاطفين مع الأسر في مصابها، ليستطيعوا مقاومة الضغط الذي كانوا
يلقونه من الاستعماريين ومواصلة مطالبهم بعدالة هادئة ومحاكم نزيهة. لكن
الأحرار كانت لهم معاييرهم الخاصة بهم؛ فالاحتلال الألماني والمقاومة في
الأدغال والمعارك في سبيل التحرر التي شارك فيها بعضهم، كانت ذكراها لا
تزال قريبة إليهم. وكانوا يعلمون جيداً أن محاكم فيشي ومحاكم التفتيش
والمواطنين الفرنسيين كانوا يدخلون هم أيضاً في جملة «الإرهاب».
كتب غي ديلانوا :
«ما أكثر المغاربة الذي أعدموا رمياً بالرصاص، وما أكثر الأحكام بالإعدام
الصادرة عن المحكمة الدائمة للقوات المسلحة، «باسم الشعب الفرنسي»! فمن
بين القضاة خطر بباله أن هؤلاء «الإرهابيين» إنما كانوا في واقع الأمر
«مقاومين»؟ ومن ذا الذي سولت له نفسه أن يرمي بالرصاص «مؤمنين»؟ - كان
الإسلام في أرض إفريقيا شيئاً مجهولاً من القضاة ومن وزاراتنا. فغاب عنهم
الطابع الديني للقرار الذي اتخذوه بخلع الملك» (م. ذ.، ج. 2، ص. 35).
وأكد جاك رايتزر كذلك قائلاً :
«وحدها بعض الإجراءات الاستعجالية : الإفراج عن المعتقلين السياسيين
والمفاوضات مع محمد بن يوسف كانت كفيلة بإعادة الهدوء إلى البلاد قبل أن
يحدث ما هو أسوأ».
بيد أن الأسوأ كان على الأبواب؛ كما يظهر في اشتداد وتيرة العمليات
الفدائية من طرف المغاربة، والعمليات التي كان يقوم بها الفرنسيون ممن
يزعمون أنهم «مناهضون للإرهاب».
كتب غي ديلانوا في سنة 1989 :
«إن من الصعب أن أسترجع ذكرى أعمال العنف، أو أسترجع الفظاعات التي بلوناها، بعد أن مرت عليها خمس وثلاثون سنة».
وقد كان ديلانوا كتب برسالة إلى رئيس الحكومة، بيير منديس فرانس، يثير
انتباهه إلى هذه الظاهرة الجديدة التي تبعث على الكثير من المخاوف :
«إن في ظهور (تيار) «مناهض للإرهاب» يزعم لنفسه أنه فرنسي وقد ظل إلى
اليوم يحاط بحِلم غريب، قد بلغ بالغضب كل مداه. وقد أصبح بعض العناصر من
الجالية الفرنسية وبعض المراقبين المدنيين والضباط في شؤون الأهالي يشكلون
أخطر حاجز يحول دون قيام السياسة الإصلاحية والبانية التي نروم (أن تكون
سياستنا في هذا البلد). فما حدث هو بالفعل «سيبة» من نوع جديد» («لوموند»
، 6 نونبر 1954).
فقد أصبح البارزون من الأحرار والمغاربة الذين يشتبه في كونهم أصدقاء لهم،
وأصبح المارة أنفسهم هدفاً لرماة من النخبة مسلحين بأسلحة متطورة تدعو إلى
الاستغراب، ثم إن هؤلاء ما عادوا فرادى، بل منظمين، من قبيل المجموعة التي
كان يحركها صاحب المقهى فيفال، الذي كان يدير عملياته المشؤومة. وقد كان
بالإمكان التعرف على الأماكن حيث يوجد أمثاله من المنفذين، لكن لم تكن
سبيل إلى القبض عليهم، أو يفرج عنهم ما أن يتعرضوا للاعتقال.
وبدت الشرطة على سلبية مثيرة للعجب، إلى أن جاءت الدعوة الاستعجالية، بعد
لأي، من البلد الأصلي لإجراء تحقيق؛ فكشف عن أن بعض رجال الشرطة كانوا
جزءاً من شبكات لمناهضة «الإرهاب»...
الذي صارت إليه الإقامة وغياب الإصلاحات الموعودة بما هي نتيجة لنفي
السلطان، والقمع، والعمى الذي أصاب حكومة باريس كانت كلها عوامل تزيد كل
يوم في حدة الأزمة؛ وأدت إلى تزايد وتيرة العمليات الفدائية.
وبعد قرابة العام على خلع السلطان، نشرت صحيفة «لافيجي» ملخصاً مقلقاً
بأرقام مؤقتة : 372 اعتداء بالسلاح، و139 اعتداء بالمتفجرات و129 عملاً
تخريبياً - وقع فيها 153 قتيلاً (32 من الأوروبيين و121 من المغاربة) -
و523 جريحاً (134 من الأوروبيين و389 من المغاربة). وفي 30 يونيو 1954 وقع
اغتيال الدكتور إيرو، مدير صحيفة «لافيجي»، فقوبل باستياء قوي في الأوساط
الفرنسية.
وفي الدار البيضاء صارت الاعتداءات تكاد تكون يومية؛ فهي تقع في مختلف
أنحاء البلاد، وتحمل بصمات المجموعات المنظمة، من قبيل «اليد السوداء».
وبلغ التوتر مداه لدى اقتراب ذكرى خلع محمد بن يوسف؛ وهي في الروزنامة
الإدارية (20 غشت)، وقد صادفت يومها عيد الأضحى - وهو عيد متحرك - الذي
كان مبتدؤه تحديداً في 20 غشت 1953 . فاندلعت المظهرات في وجدة (18 غشت
1954)، وفي بور ليوطي «القنيطرة» (في 28 غشت). ووقعت مأساة وادي زم في 20
غشت 1955 . وقد كانت كلها من فعل تنظيم مقاوم مسلح.
المقاومة المسلحة من المغاربة لمناهضي «الإرهاب» المتطرفين
تم تقديم مدبري العمليات الفدائية إلى المحاكم العسكرية الاستثنائية، التي
أحدثت لتحل محل القضاء الشريف المعهود، فأعلنوا جهاراً، لكن من غير ضغينة،
عن الأسباب التي دفعتهم إلى القيام بتلك الأعمال.
الراشيدي، أحد المتهمين في محاكمة «اليد السوداء» (في 2 و5/6 يوليوز 1954)
: «إن العنف سببه الوضعية الحالية. فقد طرِد سلطاننا : فيكون ما قمت به
يدخل في الجريمة السياسية».
العرايشي : «لسنا إرهابيين، بل نحن مقامون. فبعد أن تم خلع السلطان أصبحنا
في وضع من الخواء : فلا حزب، ولا جرائد، ولاإمكانية للاحتجاج. فلم يكن لنا
بد من اللجوء إلى الأسلحة».
منصور، المدبر لعملية مارشي سانطرال : «كان سلطاننا يسعي إلى التقدم
بالشعب المغربي، وكان يمثل الأمل في الاستقلال. ولذلك كنا نحبه. ولو أعادت
إلينا الإدارة سلطاننا لتوقف الإرهاب» («ماروك-بريس»، 9 دجنبر 1954).
الشفشاوني : «لست مجرماً، بل أنا إنسان حر يدافع عن دينه وعن سلطانه. ومنذ
اليوم الذي اعتدي فيه على السلطان أصبحت مستعداً للموت» («ماروك بريس» ،
تقرير الجلسات 2 يونيو/ 5 يوليوز 1954).
ولزم المحامين في ذلك الجو من الخوف والكراهية الذي أشاعه انعدام الأمن،
أن يتحلوا بالكثير من الشجاعة ليقوموا بالدفاع على المتهمين. غير ذلك لم
يكن ليفت في عضد المحاميين جون-شارل لوغران ولويغي في محاكمات وجدة وفاس
ومراكش. على الرغم من الشتائم والمهانات والتهديدات بالموت التي كانوا
تنهال عليهم. وكان المحاميان هدفاً لتعبيرات عدوانية حتى وهما داخل
المحكمة؛ حيث كانت قراءة بعض المناشير سبباً في هياج الجمهور والتعرض لهما
بالسخرية والتسفيه. وحتى لقد تعرض جون - شارل لوميغر، ذات يوم، للمحاصرة
في بيته من بضع مئات من الممسوسين الأراعن.
ولزم الأحرار كذلك أن يتحلوا بالشجاعة، بعد أن صُعقوا بمقتل الضحايا،
والمتعاطفين مع الأسر في مصابها، ليستطيعوا مقاومة الضغط الذي كانوا
يلقونه من الاستعماريين ومواصلة مطالبهم بعدالة هادئة ومحاكم نزيهة. لكن
الأحرار كانت لهم معاييرهم الخاصة بهم؛ فالاحتلال الألماني والمقاومة في
الأدغال والمعارك في سبيل التحرر التي شارك فيها بعضهم، كانت ذكراها لا
تزال قريبة إليهم. وكانوا يعلمون جيداً أن محاكم فيشي ومحاكم التفتيش
والمواطنين الفرنسيين كانوا يدخلون هم أيضاً في جملة «الإرهاب».
كتب غي ديلانوا :
«ما أكثر المغاربة الذي أعدموا رمياً بالرصاص، وما أكثر الأحكام بالإعدام
الصادرة عن المحكمة الدائمة للقوات المسلحة، «باسم الشعب الفرنسي»! فمن
بين القضاة خطر بباله أن هؤلاء «الإرهابيين» إنما كانوا في واقع الأمر
«مقاومين»؟ ومن ذا الذي سولت له نفسه أن يرمي بالرصاص «مؤمنين»؟ - كان
الإسلام في أرض إفريقيا شيئاً مجهولاً من القضاة ومن وزاراتنا. فغاب عنهم
الطابع الديني للقرار الذي اتخذوه بخلع الملك» (م. ذ.، ج. 2، ص. 35).
وأكد جاك رايتزر كذلك قائلاً :
«وحدها بعض الإجراءات الاستعجالية : الإفراج عن المعتقلين السياسيين
والمفاوضات مع محمد بن يوسف كانت كفيلة بإعادة الهدوء إلى البلاد قبل أن
يحدث ما هو أسوأ».
بيد أن الأسوأ كان على الأبواب؛ كما يظهر في اشتداد وتيرة العمليات
الفدائية من طرف المغاربة، والعمليات التي كان يقوم بها الفرنسيون ممن
يزعمون أنهم «مناهضون للإرهاب».
كتب غي ديلانوا في سنة 1989 :
«إن من الصعب أن أسترجع ذكرى أعمال العنف، أو أسترجع الفظاعات التي بلوناها، بعد أن مرت عليها خمس وثلاثون سنة».
وقد كان ديلانوا كتب برسالة إلى رئيس الحكومة، بيير منديس فرانس، يثير
انتباهه إلى هذه الظاهرة الجديدة التي تبعث على الكثير من المخاوف :
«إن في ظهور (تيار) «مناهض للإرهاب» يزعم لنفسه أنه فرنسي وقد ظل إلى
اليوم يحاط بحِلم غريب، قد بلغ بالغضب كل مداه. وقد أصبح بعض العناصر من
الجالية الفرنسية وبعض المراقبين المدنيين والضباط في شؤون الأهالي يشكلون
أخطر حاجز يحول دون قيام السياسة الإصلاحية والبانية التي نروم (أن تكون
سياستنا في هذا البلد). فما حدث هو بالفعل «سيبة» من نوع جديد» («لوموند»
، 6 نونبر 1954).
فقد أصبح البارزون من الأحرار والمغاربة الذين يشتبه في كونهم أصدقاء لهم،
وأصبح المارة أنفسهم هدفاً لرماة من النخبة مسلحين بأسلحة متطورة تدعو إلى
الاستغراب، ثم إن هؤلاء ما عادوا فرادى، بل منظمين، من قبيل المجموعة التي
كان يحركها صاحب المقهى فيفال، الذي كان يدير عملياته المشؤومة. وقد كان
بالإمكان التعرف على الأماكن حيث يوجد أمثاله من المنفذين، لكن لم تكن
سبيل إلى القبض عليهم، أو يفرج عنهم ما أن يتعرضوا للاعتقال.
وبدت الشرطة على سلبية مثيرة للعجب، إلى أن جاءت الدعوة الاستعجالية، بعد
لأي، من البلد الأصلي لإجراء تحقيق؛ فكشف عن أن بعض رجال الشرطة كانوا
جزءاً من شبكات لمناهضة «الإرهاب»...
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
فرنسا ليست مع الأمازيغ ولا العرب ولا الإقطاعيين ولا البروليتاريا ولا الأثرياء ولا الفقراء ولا المحافظين ولا الشبان التقدميين، بل مع المستحيل!
بيير منديس فرانس :
الآمال والخيبات
لقد أدت تقلبات الحكومة وأزماتها الداخلية إلى إدخال الوضعية في مأزق،
فصارت تخفق الإخفاق الدريع في شرط إرجاع الملك وينتهي إلى الإخفاق في
التسويات التي كانت تلاقي الرفض من المغاربة.
وقد لاحت بارقة أمل للأحرار والوطنيين وقت أن جاء بيير منديس فرانس في 18
يونيو 1954، ليخلف لانييل في الإقامة العامة. وبدت النهاية التي آلت إليها
سياسة فرنسا في تونس بشير خير.
وقد اهتبل محامي الزعماء الوطنيين الشجاع الأستاذ دارو هذا التغير، فنقل
أثناء عطلته في فرنسا رسالة إلى بيير منديس فرانس كتبها زميل شاب له في
مكتب الرباط؛ ذلك هو أحمد رضا اكديرة، «موجهة إلى الفرنسي الأول، الذي ولد
وصوله إلى المغرب أمالاً عريضة في نفوس المغاربة».
لقد كانت تلك الرسالة نداء مؤثراً إلى عودة السلطان من منفاه. وأجاز
الأستاذ دارو لنفسه، بحكم «السنوات الأربعين التي عاشها في المغرب، حيث لم
يلق [من المغاربة] إلا مودة وصداقة»، ليقدم مساندته المعنوية إلى صاحب هذه
الرسالة، التي أكد أنه يشاطره مشاعره :
«إنه يمثل مفخرة للأجيال الصاعدة ولجميع المثقفين الذين درسوا في بلدنا،
فاعتنقوا المثل الفرنسية الكبرى. وهو يحظى بالتقدير والتعاطف من أعضاء
مكتبنا كافة حيث يعمل كاتباً تحت التدريب. وبطبيعة الحال فهو وطني، مثل
سائر المغاربة المستقلين، لكن وطنيته قوامها اعتدال وحب لبلده، وكذلك
لبلدنا.
إنه يبثكم كربه من المأساة المغربية، ويدعوكم، شخصياً، إلى حلها، بمجرد
إصداركم للقرار الذي يراه ناجعاً؛ ألا وهو إرجاع السلطان المنفي في مدغشقر
إلى عرشه... فقد كان نفي السلطان في سنة 1953 مبتدأ المأساة التي نعيش...
وبعد أن السلطان أميراً للمؤمنين ورمزاً للوحدة الوطنية، أصبح حاملاً كذلك
لوسام الشهيد.
ولقد أجمع المغاربة، من العامة إلى المثقفين إلى الأعيان؛ سواء منهم العرب
أو الأمازيغيون، أجمعوا الآن كلمتهم على القول : «إننا نؤثر الموت في سبيل
مليكنا. إن مخاطبكم الوحيد، سيدي الرئيس، يوجد في مدغشقر... (نص نقله
الأستاذ دارو ، الأرشيفات الشخصية للمؤلفة).
ومن أسف أن السياسة التي انتهجها بيير منديس-فرانس في المغرب لم تكن على
منوال سياسته في تونس (كان المقربون إليه يقولون عنه : «كان وهو الرجل
«النظامي»، يريد أن يتبع روزنامة لا يخرج عنها»). فسار، ومعه كريستيان فوشي
(في وزارة الشؤون المغربية والتونسية)، على النهج المتصلب الذي كان من
أسلافهما.
فقد أعلن رئيس الحكومة أمام الجمعية الوطنية في يوم 10 غشت :
«ينبغي لفرنسا أن تحاول، باتفاق مع السلطان الحالي سيدي محمد بن عرفة، أن تعيد إحياء الوفاق وتهدئة النفوس».
وأكد الوزير من جانبه قائلاً :
«إن السياسة الوحيدة التي ستمكن من حماية العمل الفرنسي في المغرب هي
السياسة التي لا تجعلنا منحازين لا إلى جانب العالم الأمازيغي ولا إلى جانب
العالم العربي ولا إلى جانب البوادي ولا إلى جانب المدن، ولا إلى جانب
الإقطاعيين ولا إلى جانب البروليتاريا؛ ولا إلى جانب الأثرياء ولا إلى جانب
الفقراء، ولا إلى جانب المحافظين ولا إلى جانب الشبان التقدميين».
وذلك هو المستحيل! وخيل لمن سمعوا هذا الخطاب أنهم في حلم. فلم يق غير حل
واحد؛ هو الجمود... فقد كان تجديد الوعود بالإصلاحات أمراً غير قابل للتحقق
في إطار هذه الشروط. فالإصلاحات التي تم الإعلان عنها في سنة 1953 كمقابل
عن نفي سيدي محمد بن يوسف، الذين كان، حسبما زعموا، معارضاً لها، قد لقيت
مع ذلك الاعتراض عليها من قبل «جماعة الضغط» التي يكونها الاستعماريون.
فصارت بعد ذلك لا يعلن عنها إلا قوبلت بشك وارتياب. وأما التأكيد الذي جاء
بيير منديس-فرانس في 27 غشت يقول فيه إن تلك الإصلاحات ستتم «مناقشتها
باتفاق مع بن عرفة» فقد «أصاب بخيبة عميقة أولئك من الأحرار والوطنيين
المغاربة الذين كانوا قد عقدوا الأمل على شخص رئيس الحكومة، تيمناً
بالسياسة التي كانت منه في تونس.
فهذا الصحافي شارل-ألبان مارتيل في صحيفة «لوموند» قد كتب يومها :
«كانت خيبة الأوساط المغربية كبيرة بعد التصريح الذي كان من السيد منديس فرانس في 27 غشت من فوق منصة الجمعية الوطنية.
وأنا من جانبي أخشى أنة تكون هذه الخيبة قوية ولاسيما أن الشعب المغربي كان
ينتظر الكثير من السيد منديس-فرانس، الذي عرف في أوضاع أخرى، كانت على
الأقل بقدر صعوبة (الوضعية المغربية)، كيف يظهر ما هو متصف به من بعد نظر
وشجاعة... فلا سبيل إلى قيام حوار فرنسي مغري إلا بإزالة العراقيل التي
تحول دون تحقق السيادة المغربية.
فعندما يؤكد السيد منديس-فرانس أنه «لاجدوى من التستر عن الحركة المهمة
التي تساند محمداً بن يوسف»، فإن هذا يجيز لي الاعتقاد بأن الوفاء البديهي
من الشعب المغربي لمليكه الشرعي قد كتِب له الاعتراف أخيراً» (12 غشت
1954).
ثم لا يلبث شارل-ألبان ميشيل أن ينوه في ختام مقاله بعنصر يبعث على الرضا :
«إنني سعيد بأن أعرف أن الحكومة الفرنسية قد ألغت الاتهامات المشينة التي
كانت تؤاخذ بها سيدي محمداً، ذك الرجل الذي اعتبره دوغول له رفيق تحرير».
ذلك بأن وزارة الخارجية قد اضطرت إلى الإعلان أن الاتهامات التي روجت لها
الصحافة الاستعمارية، والتي تزعم للسلطان أنه تعاون، أثناء الحرب، مع
النازيين «باطلة ولا تقوم على أساس». وقد سئل الجنرال دوغول في هذه القضية
من طرف بعض الصحافيين في أحد المؤتمرات الصحافية، فاكتفي بالقول :»لقد
اتخذت منه رفيق تحرير».
وهي واحدة من تلك «الجمل الصغيرة» والقاطعة التي عرفت عن الجنرال. وقد كان
سيدي محمد من بين الشخصيات الأجنبية النادرة التي حصلت على هذا الوسام
الرفيع في يوم 14 يوليوز 1945، أثناء زيارة رسمية كانت له إلى باريس.
الإفراج عن الوطنيين
لكن في أواخر شتنبر 1954 بدأت تلوح بعض العلامات المقتضبة، لكنها لا تعدم أهمية، ربما كانت مبشراً بقرب حدوث حل.
ففي 24 من ذلك الشهر تم الإفراج عن الوطنيين الأحد والخمسين الذين تعرضوا
للاعتقال في دجنبر 1952، بتهمة «التآمر على أمن الدولة» الموجبة للحكم
عليهم بالإعدام، بعد أن ارتأت المحكمة العسكرية أنه لاموجب لإقامة الدعوى،
وقامت بتبرئتهم. وقد كان بينهم كبار قادة حزب الاستقلال : محمد اليازيدي
وعبد الرحيم بوعبيد وعمر بن عبد الجليل والزعيم النقابي المحجوب بن الصديق.
فجاء الأحرار للقائهم. وقد ظل عبد الرحيم بوعبيد يحتفظ بذكرى لذلك اللقاء
عشرين سنة بعد، «وهي لا تزال بعد حية موارة» (من التوطئة التي وضعها لكتاب
فيليكس ناتاف «استقلال المغرب» الصادر عن Plon سنة 1975).
«لقد أمكننا لدى الإفراج عنا أن نتعرف مباشرة على مجموعات الأحرار
الفرنسيين. وقد كانت تلك اللقاءات كأنها تجديد للقاء بأناس كنا على معرفة
بهم من زمن بعيد. لكننا لم في الأحاديث التي دارت بيننا على اتفاق تام في
أمور كثيرة. لكننا وجدنا أنفسنا بحق أمام أناس تحركهم عزيمة صادقة للوصول
إلى نتيجة. وإذا عرضنا عليهم موقفنا من بعض جوانب المشكلة، أصغوا إلينا بكل
انتباه، لكن كفرنسيين يبعثهم الحرص على الذود عن مصالح بلدهم. وإذا كانوا
أمام الحكومة الفرنسية أو أمام المقيم العام، كانت وجهة نظرها هي ما يشرحون
له ويتناولونها بالتعاليق، وكثيراً ما ينبرون للدفاع عن بعض الجوانب
فيها».
وعلاوة على ذلك فقد وقعت اتصالات سرية بين الزعماء المغاربة ومبعوثي
الحكومة. ولئن كان الوطنيون لم يُعترَف لهم بعد بصفة «المحاورين
المقبولين»، فإن ما اتصفوا به من اعتدال وواقعية قد ضمن لهم مستمعين أرهفوا
السمع إلى ما يقولون.
فقد كتب لي عبد الرحيم بوعبيد :
«إن ما كان يشغلنا في المقام الأول هو تحطيم الحلقة الجهنمية من القمع
والعنف، والخروج من المأزق بخلق جو من الانفراج والتهدئة النسبية» (دجنبر
1954).
ومن أسف أن تلك المبادرات لم تلبث أن توقفت، بسبب العناد الذي كان من
الحكومة الفرنسية والإصرار على تجاهل المشكلة التي ليس منها مناص؛ مشكلة
الحقوق الملكية.
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
لاكوست يخلف جوان، لكن الوضعية المغربية تظل رهينة بنفوذ جماعة الضغط الاستعمارية
اتخذ رئيس الحكومة الجديد إدغار فور أنطوان بيناي وزيراً للشؤون الخارجية وجعل بيير جولي خلفاً لفوشي في الشؤون المغربية.
وقد كان المقيم العام الجديد فرانسي لاكوست خلف منذ 20 ماي 1954، الجنرال
غيوم في المغرب. إنه مدني يخلف عسكرياً؛ فكان الانطباع الذي أوحى به إلى
الأحرار انطباعاً طيباً، مثلما أثار نوعاً من الكراهية لدى الاستعماريين
الذين تحسروا على ذهاب العسكريين «الحازمين». فكان هؤلاء وكان أولئك معاً
في ارتقاب للكيفية التي ستتطور بها الأحداث.
كتبت كريستيان داربور:
«كان أول عمل بادر إليه فرانسي لاكوست لدى وصوله إلى الرباط أن دعا إليه
الخمسة والسبعين (الذين كانت رسالتهم سبباً في تعيينه) لملاقاته في مقر
الإقامة. لكن أرادته الطيبة لم تتمكن من التغلب لوقت طويل على مصالح إدارته
التي كانت تخضع لـ «جماعة الضغط» جوان/بونيفاس. فلم يتغير شيء منذ مجيئه».
ويخيل إلى الناس أن المعرفة التي كانت لإدغار فور بأحداث 1953 كان من شأنها
أن تحمل على الاعتقاد بأن سياسته ستقوض حالة الجمود السائد المشين. لكن
سرعان ما تكشف انحرافها؛ كما تجلى في عناده المستميت للبحث عن «رجل ثالث»
يمكن له أن يطرد بن عرفة من غير أن تكون له صلة ببن يوسف...
وقد حاول الأوروبيون أن يعطوا الحكومة الجديدة فكرة أدق عن الأوضاع. وقدم
الوزير جولي إلى المغرب في أبريل 1955، فاستقبله القائد سارتو والدكتور
ديلانوا بحضور فرانسي لاكوست، وعرضا عليه الشروط «التي لامناص منها» لعودة
الهدوء؛ وهي تمتيع المغاربة بالحقوق الأساسية وتسوية مشكلة العرش حسبما
يؤملون.
وكتب الدكتور ديلانوا :
«لقد رمونا في شيء من السخرية بـ «الفلاسفة العامين. وأما مشكلة العرش
فخرسوا إزاءها فلم ينبسوا فيها لكلمة» (م. ذ.، ج. III، ص. 170).
غير أن ذلك لم يكن له أن يثبط من همم الأحرار. فقد تواصلت اجتماعاتهم في
الدار البيضاء كما في الرباط لنقل الأخبار التي تقوم الرقابة بإخفائها أو
تقوم بتصفيتها، والتفيكر في الأعمال التي من شأنها أن تستجيب بصورة أفضل
إلى تلك الظروف.
وإذا أعضاء «مجموعة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية» وحركة «الضمير
الفرنسي» : الدكتور ديلانوا وجون بيركمان شابير وجاك جواني وهنريان دي
شابوناي وروبير أوران وهنري كازولي، قد بات ينضاف إليهم من المغاربة على
الدوام.
ويتذكر مونسينيور شابير في هذا الصدد قائلاً:
«لقد استمررنا في السر على اتصالاتنا الدائمة بأصدقائنا المغاربة. وأنا
ههنا أفكر في كريم العمراني والمهدي بن بركة ورضا اكديرة من بين آخرين» (من
حوار مذكور).
وكتب جاك جواني:
«كانوا يأتون من شتى الآفاق؛ وكان معظمهم من البرورجوازية. فهذا ساهم في
اتساع النطاق السياسي إلى حد كبير؛ فكان المشاركون من حزب الشوري
والاستقلال (P.D.I) ومن مختلف الاتجاهات في حزب الاستقلال وأولئك الذين
كانوا يسمون «المعتدلين» (من رسالة بتاريخ 8 يونيو 1995).
وانتقل العمل إلى السرية، كما قال مونسينيور شابير، وليس في هذه العبارة من
تهويل. فقد باتت التهديدات من طرف مناهضي العمليات الفدائية تجبر الأحرار
على ترك مكان اجتماعهم المعهود في الرباط : «لاسورس»، ذلك المركز الثقافي
الخاص المشرع الأبواب للفكر الليبرالي. وأصبح المشاركون مضطرين، تحت ضغط
أشكال المراقبة المعادية، ألا يناموا في مكان واحد وأصبحوا في كل مرة
يغيرون مكان اجتماعتهم.
كتب جاك جواني:
«إنه بيت متواضع ذو ستائر زرقاء في تمارة».
وكتب مونسينيور شابير:
«بيت قديم في المدينة العتيقة».
ويأتينا الدكتور الحراقي بذوره بذكريات وإن غلب عليها المواصفات الهندسية :
«عندما أفكر أننا ذات مرة كنا قبالة حانة لاجيروند، تلك الحانة المشؤومة
التي يملكها أفيفال، المدبر للكثير من الاعتداءات، والذي كان «زبانيته»
يخرجون في المساء ليجوبوا أرجاء المدينة لكي «يصيبوا أهدافاً» بين
المغاربة! فكنا نعرف أننا تحت المراقبة! لكن الله كان يكلؤنا بحمايته...».
وعلى الرغم من التقلبات التي كانت تحفل بها تلك الأوقات، فقد كانت تلك
الاجتماعات لا تقتصر على الوقوف عند المشكلات الآنية (كان الأمر الأساسي هو
المتمثل في عودة السلطان) بل كانت تتعداها إلى معالجة المشكلات الداخلة في
المستقبل البعيد.
كتب مونسينيور شابير في هذا الصدد :
«كنا على ثقة بتحقق تقدم للحل المأمول على الرغم من كل العراقيل، بما فيها
المشكلات التي كانت ستواجه المغرب المستقل. ومن ذلك على سبيل التمثيل أن
المهدي بن بركة كان يوجه جل اهتمامه إلى تكوين الشبيبة، وكان يبدي اهتماماً
بالأساليب المتبعة في حلقات «حركة الشبيبة العمالية المسيحية» (J.O.C.)
. وقد طلب مني أن أجيئه ببعض الوثائق الداخلة في هذا الباب فلبيت طلبه» (من
حوار مذكور).
وكان جاك جواني يهتم من جانبه بنشاط بمشكلات تكوين الأطر المغربية من
الشبان الذين سيحلون محل الأطر الفرنسية، ويدرس الشروط المناسبة لهذا
الإبدال. وقد جاء عبد الرحيم بوعبيد بعد ذلك بشهادة في هذه العملية أن
الأحرار «قد أصبحوا مخاطبين مميزين». وقال :
«إنهم لم يحاولوا في أي لحظة أن يبدلونا عن مواقفنا في الأمور الأساسية التي نطمح إليها».
وكانت تلك الاجتماعات بالنسبة إلى جاك جواني كذلك ذات فائدة كبيرة، بفضل ما
كان يُتبادل فيها من أخبار ومعلومات، كانت «تغذي» نشاطها السياسي.
كتب :
«كنت أنقل بصفتي الشخصية جميع الأخبار المفيدة لأصدقائي في باريس؛ فأنا
أنقلها إلى فريق «الحياة الجديدة»، وإلى روبير فيرديي، النائب الاشتراكي
وإلى فرونسوا ميتران بواسطة جون فيدرين الكاتب العام لمركز الأخبار
والوثائق» (من رسالة بتاريخ 14يونيو 1993).
وسرعان ما تبينت الفائدة التي كانت تمثلها هذه الاتصالات. فقد كانت
الاجتماعات تخدم كذلك التدخلات التي كان جاك جواني يقوم بها داخل حزبه
«الحركة الجمهورية الشعبية» (M.R.P.) حيث كان على خلاف مع السياسة التي
ينتهجها بيدو. ولذلك فالتقرير الذي وضعه جلبير فيالا المبعوث الخاص لبلدان
إفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي إلى مؤتمر مارسيليا المنعقد في يونيو
1955، والذي نشر في صحيفة «ماروك بريس» قد جاء مشتملاً على تدخل جاك جواني
الذي ساند، ومعه لوبران كيريس، عريضة للمطالبة بعودة السلطان.
فقد جاء فيه قوله :
«لقد ناضلت، لكن عبثاً ويا للأسف، في سبيل عودة الملك، ومن أجل حل تفاوضي
للمشكلة المغربية. وكانت خيبة ثقيلة. لكنني سعدت في هذا المؤتمر بلقاء عبد
الرحيم بوعبيد، الذي شارك فيه بصفة الملاحظ؛ لكن كان متكتماً. فلم يسهم في
تنويري بآرائه ومعلوماته» (18 يونيو 1995).
المؤتمر الوطني لحل المشكلة الفرنسية المغربية
وفي فرنسا اتخذ مركز الأخبار والوثائق، الذي كان المسؤولان عليه هما النائب
برتران شنايدر وجون فيدرين، مبادرة جريئة لمساندة العمل الإخباري الذي
يقوم به الأحرار.
فقد قررا أن ينظما يومين من العروض وتبادل الأحاديث مع مشاركة لشخصيات من
شتى الاتجاهات لتنوير الرأي العام الفرنسي؛ فكان «المؤتمر الوطني لحل
المشكلة الفرنسية المغربية». عنوان طويل نسبياً، لكن الكلمات «الأساسية»
المكونة له كانت بالغة الدلالة. وقد كان يفترض بتحليلات المتخصصين وشهادات
الشخصيات «على الميدان» أن تحيط بمختلف الجوانب السياسية والاقتصادية
والإنسانية للواقع المغربي والإعداد للآفاق المساعدة على بناء مستقبل
للعلاقات الفرنسية المغربية. وكانت فرادة هذا التجمع أن دعي إليه مشاركون
مغاربة. وقد ذكر جون فيدرين بسياق تكون هذه المبادرة بكلمات عفوية قال فيها
:
«كنا في مطلع سنة 1955 . وقد كتب الكثيرون أنني أنا من كنت صاحب تلك
الفكرة. وذلك شيء ممكن. وأياً ما يكن، فإن المركز في شارع بوجون هو الذي
كان الباعث على تلك الفكرة. ولما كانت المبادرات من هذا القبيل نادراً ما
تصدر عن أفراد، أراني على اقتناع بأن برتران شنايدر وأسرة شابوناي وموريس
بينو وأخرين قد ساهموا في تكوين هذا المشروع وفي تغذيته» (من رسالة بتاريخ
10 فبراير 1955).
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
«لافيجي» يدعي عدم وجود نخبة مغربية تصلح للتحادث مع نظام الحماية
كان من بين الأمور الحرجة في ذلك الراهن المغربي مسألة الحقوق الملكية التي أبقت على الحكومة في المأزق الذي ألقت بنفسها فيه سنة 1953 . وقد كانت تلك الأوضاع لا يزال العلم بها محدوداً في فرنسا؛ حيث بقي الرأي العام مرتهناً للأخبار الرسمية وحدها أو أسيراً للصحافة التي تستمد أخبارها من «جماعة الضغط» الاستعمارية. «إن فريقنا قد جمع رأيه على إعادة محمد بن يوسف إلى عرشه، فذاك هو الشرط الذي لامناص منه لعودة الهدوء والعودة إلى المفاوضات من أجل استقلال يمنح بشكل حر في إطار الآجال والشروط المحددة. لكن الظروف الحرجة كانت تبعثنا على الاعتقاد بإمكانية إيجاد مخرج في حل وسيط ومؤقت : إنشاء مجلس للوصاية» (من رسالة مذكورة). مجلس للوصاية أو مجلس للعرش، لا اللجوء إلى «رجل ثالث» يحل محل السلطان والخليفة الذي فُرض بالقوة في سنة 1953 (وذلك كان هدف الحكومة). وقد كان مجلس الوصاية ينص على اجتماع ثلاث شخصيات ذات يقر لها بالنزاهة وتكون مقبولة من سيدي محمد بن يوسف لتقوم له بما يشبه النيابة. وهو حل كان بعض المغاربة يرونه جديراً في بعض أوجهه بالافتحاص. ولم يخل تنظيم مؤتمر المؤتمر الوطني لحل المشكلة الفرنسية المغربية من صعاب؛ ذلك بأنه كان يتغيا إقامة جسور الحوار بين الفرنسيين من ذوي التوجهات المتباينة مع المغاربة الذين كانوا غير معتادين كثيراً على هذا التعادل في طرح مواضيع سياسية كانت تدخل عندهم في «المحرمات» في ظل نظام الحماية. وبعد الافتحاص والاهتداء إلى الحل المناسب لكل مشكلة على حدة، جاء انعقاد المؤتمر في باريس يومي 7 و8 ماي 1955. وقد كان المشاركون الفرنسيون فيه كثراً؛ كان فيهم الجامعيون ورجال السياسة وكبار الموظفين والتقنيين، فلكل تخصص في مجال اقتصادي وسياسي واجتماعي، ومنهم المقيمون في المغرب وفي فرنسا؛ ومن بين من حضر ذلك المؤتمر نذكر ريجيس بلاشير وشارل أندري جوليان وفرونسوا مورياك وإدمون ميشلي والأستاذ بوتان وروبير أوران وأندر يدي بيريتي... وعدد كبير من الصحافيين والمستمعين. «وقد غاب عن المؤتمر بطبيعة الحال أنصار القمع والقوة والجمود. لكن حضورهم لم يكن يعنينا بالقدر الذي لم يكونوا هم أنفسهم يرغبون فيه. وفي المقابل شارك في ذلك المؤتمر أولئك الذين كانوا يعلنون احترامهم للديمقراطية. ولئن كان بعضهم يرى إيجابيات في الصيغ الوسيطة التي كنا نستبعدها إذ كنا نراها أخطاء وأوهاماً، فلقد كنا نؤمل أن نتوصل إلى إقناعهم» (من رسالة مذكورة). وأما من الجانب المغربي فقد كانت «سابقة» لافتة؛ إذ كان المستجد اللافت أن يحضر مغاربة قد دعوا للتعبير بكل حرية عن وجهات نظرهم في جو من الاهتمام والتعاطف المجرد من أي «مسبقات». وقد كان حديث سي البكاي، باشا صفرو، المستقيل وفاء لسيدي محمد بن يوسف، والضابط المعطوب في الحرب، مثاراً لانفعال شديد؛ إذ ذكر فيه بتضحيات الجنود المغاربة المتطوعين في الحروب التحريرية لفرنسا : «إن روابط الدم، وقطرة الدم التي نزفناها من أجل فرنسا، لا الطرق والسدود المشيدة، هي التي تبني الصداقة الفرنسية المغربية. وبخلاف ما يعتقد الأناس الطيبون من غير ذوي الاطلاع، فليس في المغرب مقاومة لفرنسا، بل هي مقاومة لسياسة عمياء من بعض الفرنسيين الذين انحصر كل همهم في مصالحهم الآنية. لكن بعد مؤتمركم هذا وما دار فيه من نقاشات سيتبدد ذلك الجهل». وقد تأكدت جراءة تلك المناقشات عندما تدخل بعض المشاركين المغاربة الذين كانوا ينعتون بأهم «إرهابييون مدبرون للمؤامرات ضد فرنسا»، والذين تعرضوا للاعتقال مدة سنتين ثم أقر لهم بالبراءة وتم الإفراج عنهم. ومن ضمن من برز من هؤلاء عبد الرحيم بوعبيد وعمر بن عبد الجليل، الزعيمان الاستقلاليان، اللذان كانا إلى وقت قريب قبيل ذلك المؤتمر يلاقون من المضايقات الشيء الكثير، وقد برزا بمداخلتيهما المعتدلتين بقدر ما هما وجيهتان، في التعبير عن مطالب المغاربة ومطامحهم. وبذلك تم القضاء المبرم على ذلك التأكيد الذي قالت فيه صحيفة «لافيجي» (في سنة 1952) : «لا توجد نخبة مغربية تصلح لتناقش نظام الحماية». ونشأ جو جديد؛ فإذا سيل جارف من الأخبار قد جاء يقوض العمليات للتستر عن الحقيقة. وإذا الصحافة والإذاعة قد انبرتا تقدمان تقارير ضافية عن ذلك المؤتمر. ولئن ظلت هنالك بعض التباينات في الآراء، وأن الحل الذي اقترحه المؤتمر لمشكلة الحقوق الملكية لم يلق الإجماع عليه من المشاركين، فإن النجاح الفوري كان شيئاً مؤكداً. ولقد مكن المؤتمر للفرنسيين أن يتقدموا خطوة كبيرة نحو معرفة الوضعية الحقيقية للمغرب، وكشفت عن التعلق الوفي من الشعب المغربي بمليكه الشرعي الذي تعرض لنفي تعسفي، ودعا بذلك إلى التفكير في الأساس الذي كان من وراء القرارات التي اتخذت في الماضي وعن مدى مناسبة القرارات التي ستتخذ في المستقبل. وتلك خطوة سيلاقيها المزيد من العراقيل والعقبات. ارتفاع معدل الأخطار : اغتيال جاك لوميكر دوبروي أعلن أثناء انعقاد المؤتمر الوطني لحل المشكلة الفرنسية المغربية عن جريمة اغتيال، خلفت استياء بين المؤتمرين : «إنني رجل أعمال. وأنا لا أشاطركم إديولوجيتكم. لكنني ألاحظ أن الحياة الاقتصادية في المغرب قد اختلت من جراء المقاطعة، وباتت مهددة بالاختناق التام. وعليه فإنني أرى أن الحلول التي تقترحون تتناسب ومصالح الفرنسيين، وتستحق الاهتمام. فأنا لذلك أقدم إليكم مساندتي» (أقوال سجلتها المؤلفة خلال المؤتمر). كان هذا المتدخل غير المتوقع هو جاك لوميكر-دوبروي. وهو صناعي ثري (كان رئيساً للشركة القوية «زيوت لوسيور»)، ويتمتع بنفوذ كبير في الأوساط السياسية. وقد كان في فترة ما بين الحربين تولى رئاسة عصبة المسهمين. وساند إنزال الحلفاء في الجزائر في سنة 1942، وساند الجنرال غيرو. وقد كان رجلاً مستقيماً، ورجل عمل وسلطة، لكن البعض كانوا يرون دوافعه يسمها الغموض. بيد أن الموقف الذي عبر عنه أثناء المؤتمر لم يكن يصدر عن «طوباوي»، وقد كان له ثقله الوازن. وقد لوحظ تدبدب جاك لوميكر-دوبروي في سنة 1953، في اتخاذ موقف إزاء العريضة التي تقدم بها القياد ضد السلطان (فقد رأى أن لها بعض وجاهة من غير أن يخف اعتراضه على تدخل الكلاوي وعلى النقص الذي كان يعتور الحكومة). ثم أخذ يتكون لديه رويداً رويداً وعي واضح بالوضعية المأساوية الذي كان المغرب يتردى إليها وأصبح يعلن عنه في اتصالاته بالأوساط السياسية وفي الصحافة. ومن ذلك ما كتب في صحيفة «لوموند» ليوم 13 أكتوبر 1954، تحت عنوان : «جديان المغرب وراتوناته»، حيث تحدث عن المعاملة السيئة التي أصبح يلاقيها «اليهود المغاربة» بأخذهم بـ «جريمة» الوفاء للسلطان المنفي. كتب جاك لوميكر-دوبروي : «لست أجهل بالضغائن الخطيرة التي تثيرها الأحداث من هذا النوع. فلا يمكن للحياة وللعلاقات بين الأمتين أن تقوم على الكذب والغموض. إن ما يسلح الإرهاب اليوم، أو بتعبير أفضل إن ما يمنحه نوعاً من المشروعية في أعين القائمين به أنفسهم، هو أنه يبدو وحده البديل الذي بقي عن الجمود. وإذا ما تحقق في غد اتفاق حول قضية العرش وحول قضية السيادة المغربية، فلن يبقى هنالك شيء يمكنه أن يجعل مشروعية للأعمال الكريهة التي تدمي الإمبراطورية الشريفة وتحفر هوة رهيبة وبليدة بين الأمتين المرتبطتين بالروح وبالطبيعة وبالجغرافيا وبالمصالح». وقد كان لاغتيال التاجر البيضاوي الطاهر السبتي، أحد أصدقاء جاك لوميكر-دوبروي، في 2 يناير 1955 بطلقتين في الرأس، كان له أثر شديد في نفس لوميكر. فهذا الاعتداء الذي بلغ مبلغاً كبيراً من الجبن والجراءة في حق شخصية ذات مكانة رفيعة، قد أثار استياء كبيراً لدى الفرنسيين كما لدى المغاربة. وقد ورد في التحقيق الذي أجري بعد ذلك في هذه الواقعة ذلك الاسم ذي الشهرة المشؤومة أفيفال، صاحب حانة «لاجيروند» ملتقى الزبانية و»المتطرفين» التي كانت الشرطة تقف إزاء خرجاتهم المشؤومة مكتوفة الأيدي على نحو غريب ، إلى أن اكتشف التواطؤ الذي كان من بعض عناصرها معهم. وقد قام الأحرار (الأعضاء في مختلف المجموعات أو «الفرادى») وشخصيات مغربية ذات تمثيلية، أي ما عدد سبعة وعشرون موقعاً (كان بينهم الدكتور ديلانوا وروبير أوران وأوليفيي كوتينو وجاك رايتزر وأوبري وبيير كلوسترمان والمهدي بن بركة والفيلالي والدكتور الحراقي والدكتور زنيبر والسلاوي...) قاموا في 5 يناير بتوجيه برقية إلى رئيس الحكومة وإلى وزير الشؤون المغربية والتونسية يعبرون فيها عن «احتجاجهم واستنكارهم» للجريمة النكراء التي وقعت في حق الطاهر السبتي. وطلبوا إزاء ما يرون من تفاقم حالة انعدام الأمن باتخاذ إجراءات استعجالية بشأن التوجه الذي تسير فيه السياسة العامة. وفي مثيل لرد الفعل هذا، اتخذ جاك لوميكر-دوبروي قراراً بالقيام بعمل شخصي. لكنه كان من أنصار سياسة التسوية التي يسلكها رئيس الحكومة، فآثر أن يكون له سنداً بالوسيلة القوية المتمثلة في الصحافة. ولذلك قام في أبريل 1955، بعد «تزكية» من إدغار فور، بشراء صحيفة «ماروك بريس»، وفي نيته أن يغير من خطها «القتالي»، وأن يجعل منها صحيفة «مصالحة» عن طريق خلق منبر يحتضن «الآراء الحرة» بالانفتاح على ممثلي سائر التوجهات الذين يعبرون عن اتفاقهم مع توجهات رئيس الحكومة. | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
اول فرنسي يغتاله الفرنسيون في المغرب لموافقه التحررية وتفويت لصحيفة ماروك بريس
لم يكن لهذا التغيير إلا أن يضر بفريق سارتو/مازيلا. فقد وضعه لوميكر صهره بودوان دو موستيي في منصب الرئيس المدير العام الذي كان يشغله هنري سارتو، والذي قام بنقله إلى الرباط. فلاشك أن سارتو قد أفرط في «الاستبصار» في ما كان يكتب من افتتاحياته القارعة المفحمة. وقد أغاظ هذا القرار أنطوان مازيلا، الذي كتب : «كان شيئاً عجباً أن تتم التضحية من غير ما حياء برجل قد جسد روح المقاومة في مواجهة الدسائس والمكائد التي كانت تحيكها الإقامة، ومن غير أن يكون لأحد مطعن فيه. وقد كنت عزمت على تقديم استقالتي، لكن هنري سارتو طلب مني بترفعه النادر أن أبقى ملتزماً بعملي في الصحيفة. وقال لي : «ينبغي أن يبقى أحدنا هناك ليحفظ للصحيفة خط العمل القوي الذي سننَّاه لها» (من حوار ، 4 فبراير 1994). وهكذا أمكن لأنطوان مازيلا، وقد حصل على «تفويض» من صديقه، أن يظل رئيساً للتحرير، وصار، إذا جاز لنا التعبير، «يكد في العمل». وأمكن لصحيفة «ماروك بريس» أن تحافظ على معظم توجهها التحرري (نشر البلاغات التي تطلقها حركة «الضمير الفرنسي»، والتقارير التي يعدها الصحافيون عن المحاكمات التي تقام للمغاربة على الرغم من «الحظر» التي تفرضه المحاكم العسكرية بغاية التستر على مرتفعات الدفاع...). وبذلك أمكن لصحيفة «ماروك بريس» أن تظل عند قرائها رمزاً لحرية الصحافة، التي مهدت إليها السبيل، ورمزاً في أنظار الاستعماريين للعدو «رقم واحد». وقد تم ضم جاك لوميكرر-دوبروي، باعتباره المالك الجديد للصحيفة، «بصفته» تلك، إلى «اللائحة السوداء» التي أعدها «المتطرفون» من أسماء «الأحرار» المراد اغتيالهم، والذين ظلوا هدفاً للاعتداءات التي بقي مقترفوها أشباحاً لا يمكن الوصول إليهم... أو لبثوا من غير عقاب. إفلات من العقاب عاد جاك رايتزر يتناوله مرة أخرى بالإدانة، على أثر الاعتداء الثاني الذي استهدفه وخرج منه بسلام في يوم 6 يونيو. وقد وجه رسالة إلى وزير الشؤون المغربية والتونسية وإلى المراقب المدني في الدار البيضاء، بين فيها ما يلي : «أن من المشين أن يكون بمقدور الأوروبيين أن يتجولوا على متن سياراتهم من غير رقيب، وفي أمن وأمان، وهم يحملون أسلحة ومتفجرات لا يبعد أن يكونوا حصلوا عليها بوساطة بعض رجال الشرطة». لكن بقي رد فعله من غير مفعول. ثم عاد السيناريو نفسه ليتكرر بضعة أياماً بعدُ، وتحديداً في 11 يونيو، فأصاب هذه المرة هدفه؛ فكان أول فرنسي يتعرض للاغتيال من طرف مناهضي العمليات الفدائية، وكان الضحية هو جاك لوغيكر-دوبروي. الاعتداء وردود الأفعال ففي 11 يونيو 1955، وفي حوالي الساعة الحادية عشرة ليلاً، خرج جاك لويكر-دوبروي، العائد للتو من باريس (ويبدو أنه كان متنكراً) ، من العمارة حيث يقطن في الدار البيضاء؛ فلما كان يهم بركوب سيارته تعرض لرشقة من رشاشات بأيدي قتلة كانوا يكمنون له. ولدى وصول الضحية إلى المستشفى فارقت الحياة. وأما القتلة (وقد كانوا ثلاثة أو أربعة حسب البيانات التي أمكن الحصول عليها في ما بعد) فقد فروا على متن سيارة سيتروين تراكسيون سوداء، وهو النوع المألوف استعماله في الجولات المشؤومة، والتي أمكن لبعض الشهود أن يروها، ثم مضوا في شارع متاخم سلكوه في الاتحاه المعاكس لا يكترثون لشيء... وسنة بعدُ تم توقيف بعض المشتبه فيهم بناء على وشاية من أحد شركائهم المفترضين، لكنهم سرعان ما منحوا «السراح المؤقت» على الرغم من القرائن الموثوقة الدالة عليهم. يقول الدكتور ديلانوا : «إنهم لا يزالون طلقاء، وقد تركوا وراءهم كثيراً من الأسرار المعلقة في موضوع هذا الاغتيال». وخلفت ملابسات الاعتداء والمكانة التي كانت للضحية في الأوساط الاقتصادية والسياسية استياء واسعاً في فرنسا وفي المغرب وقوبلت بإدانة عامة (إلا من الاستعماريين). وقد أقيم لجاك لوميكر-دوبروي موكب جنائزي كبير سار فيه حشد كبير ضم شخصيات عديدة (كان من أبرزها بيير منديس-فرانس الذي لم يتوان بعض أعضاء حركة «الضمير الفرنسي» عن الصياح به ساخرين لدى نزوله من الطائرة)، وإلى جانبهم فرنسيون من الأحرار، أو من غير الملتزمين، لكنهم مستاءون من تلك الجريمة، ومغاربة على اختلاف الآراء. وكذلك قام التجار المغاربة بإغلاق حوانيتهم خلال ذلك اليوم. وجاءت الصفحات الأولى من الجرائد حافلة برسائل التعزية والمواساة والتعاطف : حركة «الضمير الفرنسي» ، (ماروك بريس) 14 يونيو 1955 : - تستهجن الإرهاب الذي يسيء بنشاطه الإجرامي إلى شرف بلدنا. - تستنكر أوجه العجز والضعف والجبن التي تسمح لهذا الإرهاب بأن يظل قائماً في اطمئنان مفرط إلى إفلات مدبريه من العقاب. - تعبر لأسرة الضحية عن تعازيها القلبية الصادقة في المصاب الجلل الذي ألم بها. مجموعة « جيريس» (مجموعة الدراسات والتفكير الاقتصادي والاجتماعي) (في الصحيفة واليوم نفسيهما) : - إن الأعضاء الفرنسيين في «مجموعة الدراسات والتفكير الاقتصادي والاجتماعي» ليستنكرون بشدة اغتيال جاك لوميكر-دوبروي، ويتقدمون بتعازيهم الحارة إلى أسرة الفقيد. وإنهم ليدينون القصور الذي يرونه من السلطات العمومية ويطالبون بالبحث عن الجناة مناهضي الأعمال الفدائية وإدانتهم بالقدر نفسه من الشدة والصرامة الذي يتعرضون به لمنفذي العمليات الفدائية». الفرع الفرنسي في الأممية الاشتراكية (S.F.I.O) في الدار البيضاء : - إن الفرع الفرنسي في الأممية الاشتراكية للدار البيضاء ليرفع صوته مرة أخرى مستنكراً الأعمال الإجرامية التي تقترف كل يوم باسم التعصب السياسي سواء من جانب المغاربة أو الأوروبيين، وتسيء إلى شرف المجتمع كافة. - وهو ينحني إجلالاً أمام ضحايا هذه الأعمال الشنيعة. ويلاحظ مع ذلك أنه إذا كان مرتكبو هذه الأعمال من المغاربة يتعرضون للاعتقال والإدانة، فإنه لم يحدث في حدود علمه أن قد تم التنغيص في أي لحظة على مناهضي الأعمال الفدائية، فكأن هؤلاء الأشخاص الحقيرين يتمتعون بحماية خفية... وكذلك تتحمل الحكومة بما يبدي من تساهل مع هذا التمييز مسؤولية ثقيلة يرفع الفرع الفرنسي في الأممية الاشتراكية صوته مستنكراً لها». ومن الواضح أن المستهدف بتلك العملية لم يكن جاك لوميكر-دوبروي وحده، بل كان المراد منها بث الخوف في محرري صحيفة «ماروك-بريس» وإخراسهم والقضاء على الصحفة في آخر الأمر. وقد جاء شارل سوليي، مقدم العرائض الشرفي في مجلس الدولة، والذي كان يدير مكتباً للاستشارة القانونية في الدار البيضاء وكان له تعاون مع محرري «رسالة 75»، جاء بمقال في صحيفة «لوموند» ليوم 14 يونيو يعرب فيه عزيمة الأحرار التي لا تلين : «إذا كان قتلة جاك لوميكر-دوبروي يتصورون أنهم بما فعلوا يزرعون الخوف في نفوس فرنسيي المغرب الذين يحملون مثل أفكاره ويفعلون كما كان يفعل، أو يثبطون من هممهم، فإنهم مخطئون. إن موته يزيد من تقوية قناعتنا بأننا لا يمكن أن نخدم فرنسا في المغرب إلا بالعمل من أجل السلم والتفاهم والصداقة. وحسبنا أن نحصي عدد قراء «ماروك-بريس» لنعلم التجاوب الذي أصبحت هذه القناعة تجده لدى مواطنينا... إنها قناعة لن نتردد في التعبير عنه جهاراً، غير مبالين بالتهديدات ولا الاعتداءات. وإذا كان بعض الفرنسيين يرون أن واجبهم الوطني يدعوهم إلى اغتيال فرنسيين آخرين فلتكن لديهم الشجاعة للإفصاح عنه جهاراً. فلن نقوم باغتيالهم، لأننا أعلنا على الدوام أنه ليس شيء أكثر جبناً ولا أكثر تخريباً من العنف. بل سنسعى في إقناعهم بأن خدمة فرنسا في المغرب وفي العالم لا تكون بجعلها تبدو بوجه دموي». ثم جاء بيير منديس-فرانس في الأخير بتصريح مطول في صحيفة «ليكسبريس» ليوم 18 يونيو، وفيه بيان للأثر الذي كان لتلك الجريمة في سلوك بعض الشرائح من الطبقة السياسية : «إن معظم الفرنسيين في البلد الأصلي قد كانوا إلى اليوم يصدرون عن رؤية تبسيطية إلى المشكلات المغربية؛ فهنالك من جهة المغاربة الذين يعتبرون تظاهرهم السياسي احتجاجاً غير معقول، وهنالك من جهة أخرى الفرنسيون المجتمعون على الوقوف في وجههم... وقد جاء موت جاك لوميكر-دوبروي ليسلط ضوءاً وهاجاً على التحول الذي وقع [في هذه المعادلة]؛ فإذا هنالك فرنسيون يحاولون أن يفهموا المغاربة والتفاهم وإياهم من أجل تحقيق اتفاق يحصل حوله التراضي بكل حرية، فعقدوا العزم على التعبير عن أنفسهم وتنظيم أنفسهم بدلاً من أن يتركوا الهيمنة على الكلام دائماً إلى أولئك الذين يعتقدون أن استعمال القوة والتخويف، بله الاستفزاز، هو الوسيلة الوحيدة التي من شأنها أن تحافظ لفرنسا على امتيازاتها في المغرب. وينبغي لأصوات الفرنسيين (الأخيار) أن تكون هي المسموعة الآن أكثر من غيرها». | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
مواضيع مماثلة
» تاريخ المغرب من خلال صور من الارشيف
» الجزائر-فرنسا:تاريخ مشترك!
» تاريخ المغرب
» اوراق من تاريخ المغرب
» عبدالله العروي يعيد كتابة تاريخ المغرب
» الجزائر-فرنسا:تاريخ مشترك!
» تاريخ المغرب
» اوراق من تاريخ المغرب
» عبدالله العروي يعيد كتابة تاريخ المغرب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى