ولد ابان النكبة الفلسطينية في احد جوامع دمشق.. هاني السعدي: محاربة المحتل ليست ارهابا
صفحة 1 من اصل 1
ولد ابان النكبة الفلسطينية في احد جوامع دمشق.. هاني السعدي: محاربة المحتل ليست ارهابا
يعتبر هاني السعدي أحد أغزر كتاب الدراما التلفزيونية السورية اليوم،
فخلال الربع قرن الأخير كتب أكثر من أربعين مسلسلاً، مختلفة المواضيع
ومتنوعة الاهتمامات... ناهيك من عدد من تمثيليات السهرة المفردة، أيام كان
لهذه التمثيليات سوق رائج، وحيز معتبر على خارطة البث الدرامي...
نصوص
هاني السعدي وقعها عدد كبير من مخرجي الدراما السورية ومن أكثر من جيل...
لكن علاقة هاني السعدي بهم تفاوتت بشدة... وقد كان معيارها الأساس على
الدوام هو مدى احترامهم لنصوصه... ولهذا بدت الحرب الشعواء التي يشنها على
يوسف رزق مخرج مسلسله (سفر الحجارة) هي الأعنف والأكثر حدة ومرارة كما
نقرأ في هذا الحوار... خصوصاً أن الكتابة عن فلسطين، كانت هاجساً لدى هذا
الكاتب الفلسطيني الأصل، الذي ولد في احد جوامع دمشق إبان النكبة... وبدأ
حياته الفنية في مطلع سبعينيات القرن العشرين ممثلاً قبل أن يرى في نفسه
مشروع كاتب.
لكن الحوار مع هاني السعدي لا بد أن يأخذ منحى سجالياً
بسبب ما يثار حول مسلسلاته من ملاحظات نقدية معتبرة، آثرنا أن نتوقف عندها
بصراحة... وحاولنا ألا نغفلها في سياق الآراء التبريرية التي كان يقولها
السعدي دفاعاً عما يكتب... إلا أن بداية الحوار كانت من نقطة أخرى، فقد
حصل هاني السعدي مع أسرته على جوازات سفر سورية، رأى فيها تكريماً، لأنه
كان يعاني الأمرين حين كان يحاول دخول بعض البلاد العربية بوثائق سفر
فلسطينية... وهكذا كانت فلسطين نقطة البداية، ومحور الوجع، وذروة الحلم
واليأس في هذا الحوار:
- كرمك الرئيس السوري بشار الأسد مؤخراً، بمنحك جواز سفر سوريا كيف وجدت هذا التكريم كفلسطيني يعيش في سورية منذ طفولته؟
-
جواز السفر هذا الذي حصلت عليه، والذي حصلت عليه بناتي أيضاً، جعلني أكثر
تفاؤلاً بالحياة... لأنني كنت أعاني انا وبناتي الأمرين حين نريد أن نسافر
لبعض البلدان العربية بوثائق سفر فلسطينية، وكثيرا ما كنا ننتظر بشكل مذل
كي ندخل، أو حتى نعبر ترانزيت، ولا داعي لذكر أسماء هذه الدول، إضافة إلى
أن منحي جواز السفر هو التكريم الثاني الذي نلته على هذا المستوى، إذ سبق
وكرمني الرئيس الراحل حافظ الأسد، عندما تكرم باستقبالي وجلست حوالي
الساعتين وثلث الساعة معه، عام 1998، بمعنى أنني وجدت من يهتم بتعبي وعملي
طوال أربعين عاماً.
س: هل كنت تشعر بالغربة في سورية قبل هذه التكريمات؟
-
أنا ولدت إبان النكبة في أحد جوامع دمشق، وبالتحديد في جامع (البخاري) في
منطقة عين الكرش. فقد فتحت جوامع ومدارس وبعض بيوت دمشق أبوابها للاجئين
الفلسطينيين الذين جاؤوا حاملين مفاتيح بيوتهم، وفي أذهانهم أن مشكلتهم لن
تطول أكثر من أسابيع قليلة ويعودون إلى ديارهم. وقد سكنا هذا الجامع نحن
وعائلة فلسطينية أخرى لمدة ثلاث سنوات، إلى أن استطعنا بعد ذلك أن نستأجر
بيتاً خارج الجامع، ثم بعد ذلك أعطتنا الأمم المتحدة قطعة أرض في ما بات
يعرف اليوم (مخيم اليرموك) فبنينا عليها بيتاً وسكنا فيه وحتى هذه الأيام
ما زال بيت العائلة.
إنني أحمل لسورية طوال سنوات إقامتي كل خير...
إذ أننا كفلسطينيين لم نكن نحس بالغربة على الإطلاق... كنا نحس بأننا
مرحلون ومهجرون عن أرضنا عنوة، لأنه لا توجد أي أرض تشبه الوطن، لكننا كنا
نشعر أننا في وطن، أناسه يشاركوننا مأساتنا لدرجة أنهم يعتبرونها جزءاً من
همومهم الوطنية والقومية. لهذا لم أشعر يوماً، لا أنا ولا أي من أفراد
عائلتي، أن هناك فرقاً بين الفلسطيني والسوري داخل سورية، على عكس ما كان
يحدث في بلدان عربية أخرى، علماً بأنني لست منظماً حزبياً لا أنا ولا أي
من أفراد أسرتي، لكن سورية ظلت في أعماقنا هي الوطن البديل ريثما نعود إلى
فلسطين، هذا إن عدنا!
- هل تقلص حلم العودة من وجهة نظرك؟
- تقلص
كثيراً، وازداد تقلصاً إبان الخلاف الذي وقع بين فصائل المقاومة، وهذه
أكبر نكسة تعرضت لها القضية الفلسطينية، إذ أنها ساهمت إلى حد كبير في علو
جبروت الصهاينة وأنصارهم وكأننا أهدينا إليهم نصراً!
س: قدمت العام
الماضي مسلسلاً عن القضية الفلسطينية بعنوان (سفر الحجارة) لماذا تأخرت في
الكتابة عن قضية وطنك... وأنت الذي بدأت الكتابة منذ سبعينيات القرن
العشرين؟!
- لم أتأخر كما تتصور.. أنا كتبت عن القضية الفلسطينية في
الإذاعة، منذ بدأت، ولكن في التلفزيون يختلف الأمر. فكثير من المحطات
العربية لا تريد أن تزج نفسها في معترك الصراع الفلسطيني الصهيوني، كي
تحافظ على ودها مع أمريكا وإسرائيل، لذا اضطررت للكتابة عن فلسطين
بالترميز في أعمال صنفت تحت مسمى (الفانتازيا) مثل: (البركان) و(الموت
القادم من الشرق) و(الفوارس) وحتى في جزء كبير من سلسلة (الجوارح). وعندما
ظهر للحكام العرب في عصر شارون أن لا سلام تحمله إسرائيل لنا، وأنها تريد
الكل ولا شيء للفلسطينيين، عندها أدركت أن الوقت حان للكتابة عن القضية
الفلسطينية جهاراً، وبعمل اجتماعي معاصر، لأن وجهة نظر إسرائيل وأمريكا
باتت واضحة وضوح الشمس، وقد قمت بكتابة (سفر الحجارة) الذي يحمل مقولتين
فقط:
الأولى: محاربة المحتل ليست إرهاباً.
والثانية: أن أمريكا والغرب يكيلون بمكيالين.
ومع
ذلك ورغم إشادة بعض المحطات بالنص الفلسطيني، لم تقدم أي محطة على إنتاجه،
وتذرع بعضهم بأنهم سيشترون العمل إن أنتج، ولكن لا يستطيعون إنتاجه لأنهم
لا يضمنون تسويق العمل. وهذا ما أدى بي إلى التعاون مع يوسف رزق مخرجاً
ومنتجاً، وليتني لم أفعل.
- لماذا؟!
- الإضافات التي أضافها يوسف
رزق مسخت العمل وشوهته، وليس صحيحاً كما يقول من انه قام بتعديل العمل، هو
قام بالإضافات فقط محافظاً على الحكاية الأساسية. هذه الإضافات هي التي
قزمت العمل وجعلته غير مقنع، وكأنه عمل خيالي سوبرماني وأكبر دليل على ذلك
ما أضافه لابنه الطفل سليمان رزق من حوارات أكبر منه سناً، ومن مشاهد
جعلته وهو يقاتل الإسرائيليين يقذف القذائف ويغتال القادة، وجعل المعارك
التي تجري بين الفلسطينيين والإسرائيليين كاريكاتورية، إذ أن أربعة من
المقاومين يهاجمون مصفحة وناقلة جنود ودبابة ويقتلون العشرات من
الإسرائيليين المدججين بالأسلحة ثم يهرب الأربعة وينجون، هل يمكن أن يحدث
هذا داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 أي في قلب ما يسمى
(إسرائيل)؟ لو كانت المقاومة هكذا سهلة لكنا حررنا فلسطين منذ اثنين وستين
عاماً!
- قلت إن معظم المحطات العربية وعدت بشراء (سفر الحجارة) في حال إنتاجه، فهل اشترته بعد ذلك؟
-
لم تشتره سوى ليبيا والسودان وقطر ودراما سورية والقناة الأرضية السورية،
وحتى هذه المحطات عندما رأت الإضافات وطريقة يوسف رزق في الإخراج أحجمت عن
عرضه لاحقاً، باستثناء من تورط في البدء في عرضه في دورة رمضان.
- لكن اسمح لي أنت لك تجارب سابقة مع يوسف رزق في عدد من المسلسلات الآن فقط اكتشفت أنه يضيف ويشوه نصوصك؟
-
التجارب السابقة لم تحدث فيها أية مشاكل بيننا، لأنه لم يكن يعدل، ولم يكن
في المسلسلات السابقة بند يقول ان له الحق في تعديل النص، وأنا أتحداه أن
يثبت عكس ذلك. كان كل همه أن يضيف مشاهد لابنه الصغير سليمان وزوجته
إمارات رزق، وكنت أطلع عليها ولا أجدها ضارة بالعمل، فأتغاضى عنها لأن
حكاية العمل لم تمس. ولكن في مسلسل (الخط الأحمر) حدث أن أضاف خطاً
درامياً من دون أن يخبرني، رغم أنه يدعي أنه اخبرني، فكانت المشاهد التي
قام بأدائها سامر المصري وطوني موسى، والتي كانت مجرد لغو و(رغي فارغ)
فقررت أن أوقف التعامل معه، لكنه في (سفر الحجارة) أغراني بالعودة إليه
للأسباب التي ذكرتها سابقاً، والبند الوحيد الذي كتب في العقد بيننا هو:
(يحق للمخرج أن يعدل النص بما يتوافق مع رؤيته الإخراجية، من دون المساس
بحقوق المؤلف الأدبية، لكن أليست الإضافات التي أضافها تعديا على حقوق
الكاتب الأدبية؟ وما هي الرؤية الإخراجية التي سيعدل عليها؟ إنها تعني
مثلا أن يستبدل التصوير في بيت بدل مطعم، أو أن تركب شخصية ما سيارة عامة
بدل ركوب باص، أما أن يضيف حوارات ومشاهد له (أدى شخصية في العمل كممثل)
ولابنه، فهذه ليست رؤية إخراجية.
- أنت تشكو دائماً من العبث بنصوصك
وكلما تعالى النقد ضد عمل لك قلت (المخرج عبث في نصي) كما حدث في مسلسل
(صراع على الرمال) مع المخرج حاتم علي فهل هي مشكلة عامة؟
- لا أريد أن
أتوقف كثيراً عند (صراع على الرمال) أنا فقط زعلت من حاتم علي لأنه أخبرني
أن النص جيد، وأنه يحتاج إلى بعض النقاط الصغيرة وأنا سأقوم بتعديلها،
فأخبرته انني جاهز للتعديل، لكنه رد علي بأنها ليست بذي بال، لهذا تركته
لأنني أثق بأنه ممثل جيد ومخرج جيد، وله تجربة في الكتابة؛ ثم فوجئت أنه
حذف مشاهد كثيرة ما كان عليه أن يحذفها، وخاصة المشاهد الإنسانية في عمل
يزخر بالانتقام والقتل والعدوان، ولم تأخذ هذه القصة مساحة كبيرة من النقد
لدي فقد ذكرتها مرة واحدة فقط.
- من هو أكثر مخرج احترم نصوصك أثناء تصويرها؟
-
هناك أكثر من مخرج: محمد عزيزية، سالم الكردي في جميع المسلسلات التي
أخرجها عدا نهاية مسلسل (خلف الجدران)، مروان بركات في (أبناء القهر)
و(عصر الجنون) وهناك أيضاً نذير عواد، وزهير ديوب... أما نجدت أنزور فلم
يضف عبارة واحدة في كل المسلسلات التي أخرجها لي، لكنه اضطر في مسلسلين
اثنين أن يحذف بعض المشاهد لضيق الوقت، وقد تعاونت مع المخرج هيثم حقي قبل
ذلك ولم أختلف معه أيضاً.
- لكن عندما تعاونت مع هيثم حقي في مسلسل
(دائرة النار) قال ممدوح عدوان الذي عمل على النص، إنه كان يقلب كل صفحة
من صفحات السيناريو الذي كتبته، ويكتب المشهد من أول وجديد؟!
- ليس
صحيحاً... وقد قلتها في ذلك الحين على التلفزيون مباشرة. ممدوح عدوان
اعتمد تماماً على الشخصيات والأحداث، ووضع رؤيته الخاصة في بعضها، لكن
الحكاية من بدايتها إلى نهايتها كانت هي... هي... ورحمة الله عليه لأنه
كان كاتباً جميلاً.
- بمن تأثرت من كتاب الدراما حين بدأت تكتب؟!
- بصراحة في بدايات اتجاهي للكتابة كنت معجباً بنصوص الكاتب خالد حمدي كنت أرى أن فيها صنعة درامية قوية.
- هل كان له دور في تشجيعك على الكتابة؟
-
على العكس أحبطني جداً وأذكر أنني كتبت في مطلع السبعينيات فيلماً
سينمائياً بعنوان (ليل ورجال) وأعطيته له ليعطيني رأيه باعتباره كاتباً
كبيراً، فما كان منه إلا أن أعاده إلي بقرف، وقال لي بالحرف الواحد (أنت
ممثل. خليك ممثل... شو إلك علاقة بالكتابة؟) وبعد فترة وأثناء إجراء
التدريبات على مسلسل (أسعد الوراق) وكنت ممثلاً فيه؛ دخلت السيدة منى واصف
قاعة التدريبات وقالت بوجود المخرج علاء الدين كوكش والممثلين (مبروك يا
هاني... نصك 'ليل ورجال' بعد قراءته في لجنة النصوص، قالوا إنه أفضل
سيناريو قدم للقطاع الخاص حتى الآن) وكان هذا ما نقله إليها زوجها المخرج
السينمائي محمد شاهين، لأنه كان رئيس اللجنة. وقد نفذ الفيلم بإنتاج محمد
الزوزو، وإخراج حسن الصيفي، ولعب بطولته فريد شوقي وناهد شريف وملك سكر
وأديب قدورة وسليم كلاس وحضرتي وعرض في ثلاث صالات في وقت واحد.
- لماذا لم تستمر بالكتابة للسينما إذن واتجهت نحو دراما التلفزيون؟
-
بعد ظهور الفيديو في الأسواق، قل الاهتمام بالسينما وإنتاج القطاع الخاص
السينمائي في سورية، تأثر بعد صدور قانون حصر استيراد الأفلام بالمؤسسة
العامة للسينما، الذي كان الهدف منه تحقيق دخل لها، لكن هذا القانون خنق
صالات العرض، وأضعف حركة الإنتاج ولم يحقق بالمقابل زخماً في إنتاج
المؤسسة العامة للسينما الذي بقي شحيحاً، متقطعاً، تنهكه البيروقراطية
الحكومية. وفي الوقت نفسه، كانت أسواق التلفزيون قد فتحت حيث كان بإمكان
الكاتب أن يتعامل مع شركات إنتاج عربية أو مع محطات فرأيت أن هذا من ذاك.
- ما هو العمل الذي شكل لك بداية حقيقية ككاتب؟
-
مسلسل (حارة نسيها الزمن) الذي أخرجه سالم الكردي عام 1990 لفت النظر
بالنسبة لي ككاتب لأنه حقق جماهيرية في الشارع... لكن لا أنسى بالطبع
أعمالا مهمة مثل (دائرة النار) الذي أخرجه هيثم حقي عام 1988، وعلى صعيد
الأعمال الاجتماعية هناك (أبناء القهر) و(عصر الجنون) و(أسياد المال) أما
على صعيد الفانتازيا التاريخية فبالدرجة الأولى أعتز
بـ(الموت القادم من الشرق) ثم (الجوارح) و(الفوارس) وأجمل القصص التي كتبتها هي (صراع الأشاوس) من إخراج سالم الكردي.
-
تعتز بالفانتازيا التاريخية التي ابتدعتها، مع أنها كانت لوناً هجيناً
هوجم كثيراً وانتقده الكثير من النقاد والفنانين والكتاب على حد سواء؟
ـ
أنا عندما كتبت (غضب الصحراء) و(البركان) أواخر الثمانينات، كتبتها كسيرة
شعبية فيها شكل الحكاية التي تدور أحداثها في أجواء الصحراء وحياة
القبائل، لذلك لم يدرج هذان العملان في قائمة الفانتازيا، لأن المناخ
والديكور والملابس كان عربياً، وكل ما يوحي بالأحداث كان عربياً، بينما
الأستاذ نجدت أنزور عندما أخرج لي (الجوارح) و(الكواسر) و(البواسل) اعتمد
التغريب. فالمعروف أن القبائل تسكن الصحراء، بينما هو وضع الخيام قرب
البحيرات، في الوقت الذي يجب أن تكون هنا البيوت من خشب، وقد استعمل
الألوان الفوسفورية التي لم تكن معروفة في تلك الفترة، وجعل الفرسان يضعون
السيوف من الخلف مثل الساموراي... ولم يتوان عن استخدام الشهب والألعاب
النارية أيضاً، لذلك سميت هذه الأعمال بالفانتازيا، خاصة أنها ليست محددة
بزمان ومكان، وهذا هروب من الرقابة بشكل أو بآخر!
- ولكن هذا عبث فاضح ببيئة نصوصك يا أستاذ هاني؟
-
لا لم يكن عبثاً بل رؤية إخراجية، لأنه حافظ على الحكاية من بدايتها حتى
نهايتها، وحافظ على روح الشخصيات. لم يعبث بالنص أبداً بل قدم رؤية
إخراجية.
- عفواّ هذا عبث، فما هذه الرؤية الإخراجية المتناقضة مع البيئة التي رسمها الكاتب للزمان والمكان والشخصيات؟
-
العجيب أن هذه (البيئة المتناقضة) كما تسميها، هي التي أحبها الجمهور،
وشهرت تلك الأعمال وقتها... وهذا أعتبره مدحاً لنجدت أنزور، لأنه يمتلك
العين الذهبية في رؤيته الإخراجية.
- أثير بعض اللغط حول مسلسلك
الأخير (آخر أيام الحب) بسبب ما قيل عن تدعيم الخط المصري لاحقاً، على
حساب الخط السوري الأساسي في العمل كيف تم ذلك؟
- الذي حدث أنني سلمت
العمل للصديق وائل رمضان مخرج العمل، بعد أن اتفقنا على التعديلات
البسيطة، ووائل رمضان صديق ولي ثقة كبيرة به، وكان يطمح الى أن يخرج هذا
العمل لانه مباع منذ سبع سنوات لشركة (أوسكار فيلم) وأثناء التصوير في
اللاذقية كنت هناك، وشاهدت ما يقوم به وائل، لأنه كان متمكناً من أدواته،
واطمأن قلبي، وعدت إلى دمشق وتابع هو التصوير ثم انتقل إلى مصر، ولم أعد
اعلم شيئاً عما يحدث هناك، إلى أن عرض العمل، وتبين لي من سؤال الآخرين،
أن أقلاماً مصرية تدخلت وربما رغماً عن وائل رمضان، لتقوي الحدث المصري
على حساب الحدث السوري! تناقشت أنا ووائل لكننا لم نختلف لأنه كان مثلي:
مكره أخاك لا بطل.
- يأخذ الكثير من النقاد على نصوصك أن هناك فبركة في الحكاية، فيقولون عن مسلسلك (عصر الجنون) مثلاً إنه فيلم هندي!
-
أنا أهتم بالحكاية لأنها هي التي تشد المتفرج في التلفزيون و(عصر الجنون)
ليس فيه من الدراما الهندية إلا أن شقيقين يفترقان عن بعض في الصغر، ثم
يلتقيان حين يكبران... وعندما تدخل إلى صلب الحكاية، تجد أن هناك شيئاً
مختلفاً، والدليل النجاح الجماهيري الساحق الذي حققه العمل.
- دعنا
من الحكاية فهي في الدراما ليست هدفاً كما تعلم، بل وسيلة لقول شيء ما
الذي تقوله مسلسلاتك؟ ما هي القضايا الاجتماعية التي عالجتها في أعمالك
الكثيرة؟
- في (أبناء القهر) و(عصر الجنون) عالجت مشكلة انحراف
المراهقين وسبب انحرافهم، هل هو الأم أم الأب ام المدرسة والبيئة المحيطة
بهم. وفي (الخط الأحمر) و(أسياد المال) و(حاجز الصمت) حاولت أن أتعرض إلى
أمراض اجتماعية أكثر خطورة وتنادي بها الأمم المتحدة، مثل مرض الإيدز،
وتشتت الأسرة على حساب خلاف الزوجين. وعالجت أيضاً الطموح والإنكسارات عند
الجيل الشاب الذي لا يجد من ينير له الطريق تماماً. كما لا تنسى أنني
تطرقت إلى القضية الفلسطينية من خلال مسلسل (سفر الحجارة) التي شوهت على
يدي منتجها.
- ما هو مصدر كتاباتك عادة؟
- أنا انطلق من الواقع
أولاً... من أسرتي، من حارتي، من أصدقائي، من معارفي، ومما أسمعه من
حكايا. وهذا فيما يتعلق بالأعمال الاجتماعية التي أحرص على أن أكون فيها
مثار تصديق. أما في الفانتازيا فمن حقي أن أجنح للخيال قليلاً، لكن تبقى
القصص التي كتبتها في أعمال الفانتازيا الستة قابلة للتصديق أيضاً، ولذلك
أقبل الناس على متابعتها... أضف إلى ذلك أن كثيرا من الأعمال الاجتماعية
عندي وعند سواي من الكتاب، هي فانتازيا بشكل أو بآخر، لأنها ليست مبنية
على حكايا حدثت فعلاً.
- لكن ثمة جنوح نحو الإثارة في نصوصك يبعدها عن ملامسة الواقع الاجتماعي والتعبير عنه بصدق وبلا افتعال؟
-
الإثارة في النص كحكاية تختلف عن الإثارة في الأسلوب الإخراجي، فأنا تعودت
مذ كنت أشاهد الأعمال الأجنبية في السينما، أن الإثارة لازمة لشد المتفرج،
إنما ليس على حساب اللامنطق، ولكن بالمنطق، وهذا ما جهدت لأفعله طوال هذه
السنين، فقد كتبت حتى الآن (42) مسلسلا تلفزيونياً، لا واحد منها يشبه
الآخر!
- كان لك حضور كممثل في بدايات الدراما السورية، ومع نخبة من أهم المخرجين، لماذا غاب هاني السعدي الممثل في السنوات الأخيرة؟!
-
لأنه بعد أن كتبت (غضب الصحراء) و(دائرة النار) و(البركان) و(حارة نسيها
الزمن) أقنعني بعض الأحبة من الأصدقاء بأنني مشروع كاتب، وليس مشروع
ممثل... ولهذا آثرت ألا أحمل (بطيختين في يد واحدة) وتركت التمثيل لابنتي
الصغيرتين (روعة) و(ربا) فخذلتني روعة، واعتزلت التمثيل وهي في السادسة
عشرة والنصف من عمرها، وبقيت ربا المحبة للتمثيل والمحبة لدراستها.
- ما الذي يمكن أن تقوله أخيراً، خصوصاً فيما يتعلق بالإنتاج الدرامي السوري الذي يتقلص كماً هذا العام؟
-
يعزّ علي أن أرتاح هذه السنة في موسم رمضان التلفزيوني، وأنا الذي تعودت
أن يكون لي عملان أو ثلاثة كل رمضان ومنذ عشرين عاماً... لكنها الأزمة
الاقتصادية التي تعصف بالإنتاج العربي والسوري خاصة... وأنا أرى أن حل
الأزمة يجب ان يأتي من داخل سورية، سواء أكانت أموالا عامة أم خاصة، لابد
للجميع أن يؤمن بأن هذه صناعة وطنية أصبح لها سوق يجب ألا يغلق، فأنت لا
تستطيع كل يوم أن تفتح سوقاً، وإلى جانب توفير المال، يجب السعي وراء
النصوص التي تقدم للمتفرج ما يفيده إضافة إلى التسلية، وإلا فمن غير المجد
أن ننفق أموالاً على نصوص ركيكة، أو على أخرى لا تصل إلى الناس ولا تعنيهم!
محمد منصور
القدس العربي
29-7-2010
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
مواضيع مماثلة
» أميرة هاني
» 5 سنوات سجنا للاستقلالي أبدوح في ملف “كازينو السعدي”
» مستشار "صرخة حجر:ما فعله المحتل أحقر مما جاء بالمسلسل"
» الغرابة في محاربة الأمية...
» un coin pour sourire
» 5 سنوات سجنا للاستقلالي أبدوح في ملف “كازينو السعدي”
» مستشار "صرخة حجر:ما فعله المحتل أحقر مما جاء بالمسلسل"
» الغرابة في محاربة الأمية...
» un coin pour sourire
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى