سقوط الخلافة.. وسقوط الدول
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
سقوط الخلافة.. وسقوط الدول
في زحمة مسلسلات رمضان.. الدرامية منها والكوميدية.. هناك مسلسل مظلوم..
لا يحظي بالاهتمام الكافي لجذب المشاهدين إليه.. سواء من حيث توقيت عرضه..
أو تخصيص برامج لمناقشته وتعريف الجمهور به.. أو النشر عنه في الصحف..
وذلك علي الرغم من أنه عمل فني متميز وبالغ الثراء.. يحمل رسالة مهمة..
ويشير إلي مغزي كبير.
المسلسل هو "سقوط الخلافة" الذي يعرض علي القناة الثقافية في الخامسة
والربع قبل المغرب.. ويعد بحق تحفة فنية وثقافية وسط طوفان المسلسلات
السطحية.. ثقيلة الدم.. التي تبعث علي الغثيان.. وتعمل علي رفع معدلات
الغباء الجماعي.. وإشاعة الفوضي واحتقار القيم.. وقلب نظام المجتمع رأساً
علي عقب.
وأول من يستحق الثناء علي هذه التحفة الفنية هو كاتبنا الرائع..
الباحث المدقق يسري الجندي مؤلف المسلسل.. وكذلك المخرج الأردني القدير
محمد عزيزية.. ومجموعة الفنانين المتمكنين من مصر وسوريا والأردن: سميحة
أيوب. عايدة عبدالعزيز. عبدالرحمن أبوزهرة. أحمد ماهر. أشرف عبدالغفور.
سامح الصريطي. سناء شافع. فاروق فلوكس... والنجم السوري عباس النوري الذي
أدي شخصيته السلطان عبدالحميد بإتقان لا تخطئه العين.
والمسلسل في مجمله يعطي نموذجاً للعمل العربي المشترك الناجح في
المجال الفني.. بعيداً عن مشاكل السياسة وصراعاتها.. فقد تناغم أداء
الجميع كأنهم يعزفون سيمفونية واحدة.. يتحدثون بلغة عربية راقية تنم عن
فهم ووعي بطبيعة العمل ورسالته.. وتؤكد قدرتهم علي ترجمة السيناريو
والحوار إلي حياة تنبض علي الشاشة.. بالرغم من فقر الإنتاج الذي بدا
واضحاً في إخراج المعارك الضخمة بشكل هزيل لا يقاس مثلاً بمعارك مسلسل
"صلاح الدين الأيوبي" أو مسلسل "ملوك الطوائف" .. كما أن قصر الخلافة الذي
ظهر للمشاهدين لا يعكس ثراء وأبهة الإمبراطورية العثمانية العتيدة التي
عرفت بنزوعها إلي الفخامة.. وأغلب الظن أن مشاهد القصر تم تصويرها في
قاعات عادية لا تمت إلي أبهة القصور بصلة.. لا في الأبواب العالية ولا في
نقوش الحوائط والأسقف.
الملابس وحدها هي التي أعطتنا إيحاءات الزمن العثماني.. ولكن مساحة
حركة الممثلين كانت ضيقة.. مما يؤكد فقر الإنتاج وإمساكه عن الإنفاق.
يتناول المسلسل الفترة الزمنية الممتدة من منتصف القرن التاسع عشر
إلي ما يقرب من نهاية الربع الأول من القرن العشرين.. حوالي 75 عاماً كانت
مليئة بالأحداث الجسام.. وشهدت في نهايتها سقوط الخلافة العثمانية.. التي
كانت آخر مظهر لوحدة العالم الإسلامي علي يد الضابط مصطفي كمال أتاتورك
المدعوم من السفراء والقناصل الأجانب.. فقد ألغي الخلافة عام 1922 وألغي
نظام السلطنة.. وأعلن قيام دولة تركيا الحديثة علي أسس علمانية.
وقد استتبع إلغاء الخلافة إلغاء مظاهر الإسلام في تركيا.. فمنع
أتاتورك الأذان في المساجد.. وألغي الحروف العربية التي كانت تكتب بها
اللغة التركية وجعل بدلاً منها الحروف اللاتينية.. ومنع ارتداء الطربوش
وحلت محله القبعة الأوروبية.. وحرم علي علماء الدين ارتداء العمامة
الشهيرة.
وكان أتاتورك. ومازال. محل جدل واسع في تركيا وأيضاً في العالم
العربي.. فكثير من زعمائنا أبدوا إعجابهم به لأنه أنهي عصراً طويلاً من
الجهل والتخلف والجمود.. ليس في تركيا وحدها وإنما في كل الولايات التابعة
لها في ظل الخلافة. ومنها معظم دول العالم العربي.. بل إن شاعرنا العظيم
أحمد شوقي سطر قصائد رائعة في امتداح مناقب أتاتورك وشجاعته عندما كان
قائداً عسكرياً منتصراً لدولة الخلافة في معارك الأناضول.. لكنه بكي
الخلافة عند سقوطها.. وبكي السلطان.. وأنكر علي أتاتورك خيانته للدولة
السنية وللإسلام عندما قضي عليها.
وتكمن أهمية المسلسل ورسالته في أنه يستحضر الماضي ليعالج الحاضر
المضطرب الذي تعيش فيه الأمة الإسلامية اليوم.. فالخلافة سقطت علي يد
أتاتورك لكنها لم تسقط بسببه.. وإنما بسبب حالة الضعف والتخلف والتفكك
والتشرذم والركود التي انتهت إليها.. والتي أدخلتها في دوامة الديون
والتبعية السياسية.. ناهيك عن الفساد الذي استشري في أوصالها.. والمؤامرات
والخيانات والدسائس التي تورط فيها رجال الحكم ضد بعضهم البعض.. مما أتاح
للأجانب التدخل في شئون الدولة.. حتي أطلق الأوروبيون علي تركيا لقب
"الرجل المريض" الذي يطمعون في تركته.. وينتظرون لحظة موته لكي يتقاسموا
أرضه فيما بينهم.. ثم اتفقوا أخيراً وأجهزوا علي الخلافة وقطعوا أوصالها
واحتلوا البلاد التي كانت تابعة لها.
وبهذا الشكل فإن هذا المسلسل القيم لا يحكي لنا حدوتة سقوط الخلافة..
وإنما يقدم درساً لكل من يهمه الأمر بشأن مسلسل سقوط الدول الذي تتابع
حلقاته كل يوم في المحيط الإسلامي منذ سقوط الخلافة.. فقد سقطت دولة
فلسطين عام 1948 وقدمت هدية لليهود بعد أن كان السلطان عبدالحميد. آخر
سلاطين الخلافة. يرفض رفضاً قاطعاً العروض المغرية ببيع أرض فلسطين لأصحاب
المشروع الصهيوني مقابل سداد ديون دولة الخلافة وتخليصها نهائياً من ذلها
وخضوعها للدول الأجنبية الدائنة.
ثم سقطت الدول الإسلامية الواقعة في أواسط آسيا والتي كانت جزءاً من
دولة الخلافة في قبضة الاتحاد السوفيتي الذي بدأ يتكون بعد نجاح الثورة
البلشفية عام ..1917 ومن هذه الدول أذربيجان وقرغيزيا وتركمنستان..
وتتارستان.. ولم تحصل هذه الدول علي استقلالها إلا بعد سقوط الاتحاد
السوفيتي عام .1990
وفي أيامنا هذه سقطت دولة العراق في براثن أمريكا وحلفائها.. وتم
تمزيقها إلي كانتونات طائفية وعرقية متصارعة.. وسقطت دولة أفغانستان..
واليوم نتابع سقوط دولة باكستان ودولة السودان ودولة اليمن.. وهلم جرا.
وليس مصادفة أن كل الدول التي تعاني من الصراعات المسلحة والحروب في
عالم اليوم إسلامية.. وكل الشعوب التي تقتل وتشرد إسلامية.. فقد تداعت
علينا الأمم كما تتداعي الأكلة إلي قصعتها.
لقد كنا في أمس الحاجة إلي من يذكرنا بحاضرنا الأليم.. وجاء مسلسل
"سقوط الخلافة" ليأخذنا من دوامة الجنس والضحك والسطحية الساذجة التي
أغرقتتنا بها مسلسلات وبرامج تليفزيون رمضان حتي نفتح عيوننا علي مسلسل
"سقوط الدول".. ونري السوس العملاق الذي ينخر في جسد الأمة حتي يقضي
عليها.
وقد وصلت الرسالة.. شكراً.
مؤمن الهباء
لا يحظي بالاهتمام الكافي لجذب المشاهدين إليه.. سواء من حيث توقيت عرضه..
أو تخصيص برامج لمناقشته وتعريف الجمهور به.. أو النشر عنه في الصحف..
وذلك علي الرغم من أنه عمل فني متميز وبالغ الثراء.. يحمل رسالة مهمة..
ويشير إلي مغزي كبير.
المسلسل هو "سقوط الخلافة" الذي يعرض علي القناة الثقافية في الخامسة
والربع قبل المغرب.. ويعد بحق تحفة فنية وثقافية وسط طوفان المسلسلات
السطحية.. ثقيلة الدم.. التي تبعث علي الغثيان.. وتعمل علي رفع معدلات
الغباء الجماعي.. وإشاعة الفوضي واحتقار القيم.. وقلب نظام المجتمع رأساً
علي عقب.
وأول من يستحق الثناء علي هذه التحفة الفنية هو كاتبنا الرائع..
الباحث المدقق يسري الجندي مؤلف المسلسل.. وكذلك المخرج الأردني القدير
محمد عزيزية.. ومجموعة الفنانين المتمكنين من مصر وسوريا والأردن: سميحة
أيوب. عايدة عبدالعزيز. عبدالرحمن أبوزهرة. أحمد ماهر. أشرف عبدالغفور.
سامح الصريطي. سناء شافع. فاروق فلوكس... والنجم السوري عباس النوري الذي
أدي شخصيته السلطان عبدالحميد بإتقان لا تخطئه العين.
والمسلسل في مجمله يعطي نموذجاً للعمل العربي المشترك الناجح في
المجال الفني.. بعيداً عن مشاكل السياسة وصراعاتها.. فقد تناغم أداء
الجميع كأنهم يعزفون سيمفونية واحدة.. يتحدثون بلغة عربية راقية تنم عن
فهم ووعي بطبيعة العمل ورسالته.. وتؤكد قدرتهم علي ترجمة السيناريو
والحوار إلي حياة تنبض علي الشاشة.. بالرغم من فقر الإنتاج الذي بدا
واضحاً في إخراج المعارك الضخمة بشكل هزيل لا يقاس مثلاً بمعارك مسلسل
"صلاح الدين الأيوبي" أو مسلسل "ملوك الطوائف" .. كما أن قصر الخلافة الذي
ظهر للمشاهدين لا يعكس ثراء وأبهة الإمبراطورية العثمانية العتيدة التي
عرفت بنزوعها إلي الفخامة.. وأغلب الظن أن مشاهد القصر تم تصويرها في
قاعات عادية لا تمت إلي أبهة القصور بصلة.. لا في الأبواب العالية ولا في
نقوش الحوائط والأسقف.
الملابس وحدها هي التي أعطتنا إيحاءات الزمن العثماني.. ولكن مساحة
حركة الممثلين كانت ضيقة.. مما يؤكد فقر الإنتاج وإمساكه عن الإنفاق.
يتناول المسلسل الفترة الزمنية الممتدة من منتصف القرن التاسع عشر
إلي ما يقرب من نهاية الربع الأول من القرن العشرين.. حوالي 75 عاماً كانت
مليئة بالأحداث الجسام.. وشهدت في نهايتها سقوط الخلافة العثمانية.. التي
كانت آخر مظهر لوحدة العالم الإسلامي علي يد الضابط مصطفي كمال أتاتورك
المدعوم من السفراء والقناصل الأجانب.. فقد ألغي الخلافة عام 1922 وألغي
نظام السلطنة.. وأعلن قيام دولة تركيا الحديثة علي أسس علمانية.
وقد استتبع إلغاء الخلافة إلغاء مظاهر الإسلام في تركيا.. فمنع
أتاتورك الأذان في المساجد.. وألغي الحروف العربية التي كانت تكتب بها
اللغة التركية وجعل بدلاً منها الحروف اللاتينية.. ومنع ارتداء الطربوش
وحلت محله القبعة الأوروبية.. وحرم علي علماء الدين ارتداء العمامة
الشهيرة.
وكان أتاتورك. ومازال. محل جدل واسع في تركيا وأيضاً في العالم
العربي.. فكثير من زعمائنا أبدوا إعجابهم به لأنه أنهي عصراً طويلاً من
الجهل والتخلف والجمود.. ليس في تركيا وحدها وإنما في كل الولايات التابعة
لها في ظل الخلافة. ومنها معظم دول العالم العربي.. بل إن شاعرنا العظيم
أحمد شوقي سطر قصائد رائعة في امتداح مناقب أتاتورك وشجاعته عندما كان
قائداً عسكرياً منتصراً لدولة الخلافة في معارك الأناضول.. لكنه بكي
الخلافة عند سقوطها.. وبكي السلطان.. وأنكر علي أتاتورك خيانته للدولة
السنية وللإسلام عندما قضي عليها.
وتكمن أهمية المسلسل ورسالته في أنه يستحضر الماضي ليعالج الحاضر
المضطرب الذي تعيش فيه الأمة الإسلامية اليوم.. فالخلافة سقطت علي يد
أتاتورك لكنها لم تسقط بسببه.. وإنما بسبب حالة الضعف والتخلف والتفكك
والتشرذم والركود التي انتهت إليها.. والتي أدخلتها في دوامة الديون
والتبعية السياسية.. ناهيك عن الفساد الذي استشري في أوصالها.. والمؤامرات
والخيانات والدسائس التي تورط فيها رجال الحكم ضد بعضهم البعض.. مما أتاح
للأجانب التدخل في شئون الدولة.. حتي أطلق الأوروبيون علي تركيا لقب
"الرجل المريض" الذي يطمعون في تركته.. وينتظرون لحظة موته لكي يتقاسموا
أرضه فيما بينهم.. ثم اتفقوا أخيراً وأجهزوا علي الخلافة وقطعوا أوصالها
واحتلوا البلاد التي كانت تابعة لها.
وبهذا الشكل فإن هذا المسلسل القيم لا يحكي لنا حدوتة سقوط الخلافة..
وإنما يقدم درساً لكل من يهمه الأمر بشأن مسلسل سقوط الدول الذي تتابع
حلقاته كل يوم في المحيط الإسلامي منذ سقوط الخلافة.. فقد سقطت دولة
فلسطين عام 1948 وقدمت هدية لليهود بعد أن كان السلطان عبدالحميد. آخر
سلاطين الخلافة. يرفض رفضاً قاطعاً العروض المغرية ببيع أرض فلسطين لأصحاب
المشروع الصهيوني مقابل سداد ديون دولة الخلافة وتخليصها نهائياً من ذلها
وخضوعها للدول الأجنبية الدائنة.
ثم سقطت الدول الإسلامية الواقعة في أواسط آسيا والتي كانت جزءاً من
دولة الخلافة في قبضة الاتحاد السوفيتي الذي بدأ يتكون بعد نجاح الثورة
البلشفية عام ..1917 ومن هذه الدول أذربيجان وقرغيزيا وتركمنستان..
وتتارستان.. ولم تحصل هذه الدول علي استقلالها إلا بعد سقوط الاتحاد
السوفيتي عام .1990
وفي أيامنا هذه سقطت دولة العراق في براثن أمريكا وحلفائها.. وتم
تمزيقها إلي كانتونات طائفية وعرقية متصارعة.. وسقطت دولة أفغانستان..
واليوم نتابع سقوط دولة باكستان ودولة السودان ودولة اليمن.. وهلم جرا.
وليس مصادفة أن كل الدول التي تعاني من الصراعات المسلحة والحروب في
عالم اليوم إسلامية.. وكل الشعوب التي تقتل وتشرد إسلامية.. فقد تداعت
علينا الأمم كما تتداعي الأكلة إلي قصعتها.
لقد كنا في أمس الحاجة إلي من يذكرنا بحاضرنا الأليم.. وجاء مسلسل
"سقوط الخلافة" ليأخذنا من دوامة الجنس والضحك والسطحية الساذجة التي
أغرقتتنا بها مسلسلات وبرامج تليفزيون رمضان حتي نفتح عيوننا علي مسلسل
"سقوط الدول".. ونري السوس العملاق الذي ينخر في جسد الأمة حتي يقضي
عليها.
وقد وصلت الرسالة.. شكراً.
مؤمن الهباء
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: سقوط الخلافة.. وسقوط الدول
مرة أخرى نعلق فشلنا وعجزنا على الآخرين
ويوم نبدأ في البحث عن اسباب تخلفنا داخل دارنا
سنكون حينذاك قد وضعنا اقدامنا على الطربق الصحيح.
والى ان يحين أوان ذلك كفى من تمثيل دور الضحية
فلم يعد ينطلي على أحد.
ويوم نبدأ في البحث عن اسباب تخلفنا داخل دارنا
سنكون حينذاك قد وضعنا اقدامنا على الطربق الصحيح.
والى ان يحين أوان ذلك كفى من تمثيل دور الضحية
فلم يعد ينطلي على أحد.
alyamani- عدد الرسائل : 265
العمر : 69
تاريخ التسجيل : 26/10/2009
مواضيع مماثلة
» ذكرى سقوط الخلافة العثمانية ..
» أفول وسقوط الإمبراطورية الأمريكية
» الكاتب في المغرب: بين وعي النخبة وسقوط المثال الاقامة في ظلال التبعية!
» في ذكرى 87 لسقوط الخلافة في 3 مارس 1922
» الخلافة العثمانية والتحديث والحداثة ... في القرن التاسع عشر
» أفول وسقوط الإمبراطورية الأمريكية
» الكاتب في المغرب: بين وعي النخبة وسقوط المثال الاقامة في ظلال التبعية!
» في ذكرى 87 لسقوط الخلافة في 3 مارس 1922
» الخلافة العثمانية والتحديث والحداثة ... في القرن التاسع عشر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى