آخر الرسل وخاتم النبيين
صفحة 1 من اصل 1
آخر الرسل وخاتم النبيين
يقول الله تعالي في محكم تنزيله: "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول
الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما" "الأحزاب: 40".
يقول الله تعالي في محكم تنزيله في إعطائه لسيدنا محمد صلي الله عليه
وسلم ختم الرسالة والنبوة: "... ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله
بكل شيء عليما" "الأحزاب: 40".
فهو سبحانه عليم بعلمه القديم الأزلي الذي لا أول له ولا انتهاء ان
خاتم النبيين لا يصح ولا ينبغي أن يكون أحدا من الرسل إلا رسول الله سيدنا
محمد صلي الله عليه وسلم.
ولذلك كان صلي الله عليه وسلم يبين انه خاتم النبيين وانه لا رسول ولا نبي بعده.
فإن قيل: يلزم مما تقدم أن لا تتناول رسالة الله إلي عالم الإنس عالم الجن لان عالم الجن هو نوع آخر غير عالم الإنس؟
فالجواب: انه لا يلزم ذلك بل ان رسالة رسل الله تعالي إلي الإنس تتناول
أيضاً عالم الجن باعتبار ان عالم الجن هم كعالم الإنس في حياتهم وموتهم.
وتناكحهم وتناسلهم. وحاجتهم إلي الطعام والشراب. والغذاء والهواء والماء.
وهم مكلفون بتكاليف شرعية كتكاليف الإنس تماما حيث قال سبحانه: "يا معشر
الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم
هذا قالوا شهدنا علي أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا علي أنفسهم أنهم
كانوا كافرين" "الأنعام: 130".
وهم يرون الإنس كما يري بعضهم بعضا دون اختلاف غير أن الإنس يؤنسون أي: يبصرون ويري بعضهم بعضاً.
أما الجن فهم أخفياء عن الإنس فإن مادة "جن" تدل علي الخفاء ومنه "فلما جن عليه الليل...." "الأنعام: 76".
ومنه الجنين في بطن أمه فإنه لا يري ومنه المجن الذي يستعمل في الحروب وفي لسان العرب هو الترس.
وقد أخبرنا الله تعالي ان الجن وصلتهم دعوة موسي عليه السلام قال
سبحانه: "وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا
أنصتوا فلما قضي ولوا إلي قومهم منذرين" "29" "قالوا يا قومنا إنا سمعنا
كتابا أنزل من بعد موسي مصدقا لما بين يديه يهدي إلي الحق وإلي طريق
مستقيم" "يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم
من عذاب أليم" "الأحقاف:30: 31".
يقول الشيخ الإمام عبدالله سراج الدين في هذا دليل صريح علي ان رسالة
كليم الله موسي عليه السلام بلغتهم ثم لما بعث الله تعالي سيدنا محمدا صلي
الله عليه وسلم جاءوا يستمعون القرآن النازل عليه وآمنوا برسول الله صلي
الله عليه وسلم وهذا كما قال سبحانه: "قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجن
فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا" يهدي إلي الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا
أحداً" "الجن: 1-2".
وقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يذهب إليهم فيبلغهم ويجتمع بهم وكانوا يأتون مجالسه صلي الله عليه وسلم.
فكل رسول يبعث إلي قومه خاصة وأمة معينة من الإنس وأمة معينة من الجن
وأما سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم فرسالته عامة إلي جميع طبقات الإنس
وجميع طبقات الجن كما جاء ذلك في خصائصه صلي الله عليه وسلم التي خصه الله
تعالي بها من بين سائر المخلوقات.
والجن علي طبقات فمنهم المقربون ومنهم المقتصدون ومنهم الظالم لنفسه ومنهم الكافر كما في عالم الإنس.
وقوله تعالي: "أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد" "ق:3".
هذا هو الأمر الثاني الذي أنكروه وكذبوا به وقد أقام الله تعالي الحجج
الدامغة لشبهاتهم ووجوه شكوكهم فانهم أنكروا الحشر والإعادة زعما منهم ان
اعادتها غير ممكنة لموانع متعددة منها ان اختلاط أجزاء الأموات بأجزاء
الارض يؤدي ذلك إلي عدم التميز عن أجزاء الأرض وإلي عدم تميز شخص عن شخص
آخر ولهذا اخبر الله تعالي عنهم بقوله: "أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع
بعيد".
ومن الموانع بزعمهم ان القدرة عاجزة عن ذلك فكيف يقع ذلك ولذا أخبر
الله تعالي عنهم بقوله: ".... قال من يحيي العظام وهي رميم" "يس: 78".
ومن الموانع أيضا كما يزعمون ان الاعادة أمر لا فائدة منه ولا حكمة فيه
ولذلك أخبر عنهم الله تعالي بقوله: "وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت
ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون"
"الجاثية: 24" أي: ليس هناك حشر ولا نشر ولا حكمة في ذلك.
ورد الله تعالي عليهم مزاعمهم الباطلة وأقام البراهين علي بطلان تلك
الشبه وغيرها وأثبت سبحانه وقوع الواقعة وحقية الحاقة وقرع القارعة وذلك
يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين.
أما قولهم ان الأجزاء الميتة تصير ترابا وتختلط بتراب الأرض فكيف يعرف هذا من ذاك ويتميز هذا عن هذا؟
فقد رد الله تعالي عليهم بأن علمه محيط بتلك الأجزاء كلها مهما تفرقت
وهو يعلم أجزاء كل ميت ويميزها عن الأرض وعن بعضها البعض فإن الذي خلقها هو
عليم بها وعليم بما تصير إليه وهو محيط بها وحافظها عنده في عالم غيبي عن
هذا العالم قال جل شأنه: "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ"
"ق: 4" أي: يحفظ عليهم أجزاءهم فلا يفوت جزء منهم ويبقي في الأرض ولا يصير
جزء احدهم إلي غيره بل هو العليم بذلك الحفيظ لذلك كله.
وعن قولهم ان القدرة عاجزة عن ذلك رد الله تعالي عليهم ذلك بقوله: "قل
يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم" "يس: 79" فالذي أنشأها أول
مرة لا من شيء قادر علي أن يحييها بعد أن صارت شيئا ثم أماتها فهو يعيدها
كما بدأها.
فالقادر علي البدء قادر علي الاعادة.
قال الله تعالي: "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون
عليه........." "الروم: 27" أي: الله تعالي ينشيء الخلق من العدم ثم يعيدهم
بعد موتهم للحساب والجزاء وإعادة الخلق أهون عليه من بدئه قال ابن عباس
رضي الله عنهما: يعني أيسر عليه وقال مجاهد: الاعادة أهون عليه من البداءة.
والبداءة عليه هينة.
ورد الله سبحانه وتعالي علي زعمهم ان الاعادة أمر لا فائدة منه ولا
حكمة فيه بقوله جل شأنه: "قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلي يوم
القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون" "الجاثية: 26".
يقول المفسرون: أي: قل لهم يا رسول الله يا محمد: الله الذي خلقكم
ابتداء حين كنتم نطفا هو الذي يميتكم عند انقضاء آجالكم لا كما زعمتم انكم
تحيون وتموتون بحكم الدهر.
وقد طلب جماعة من الدهريين من الإمام الأعظم إبي حنيفة النعمان أن
يجادلوه في وجود الله وفي البعث وحددوا لذلك موعدا ضربوه وجاء الناس من كل
مكان لمشاهدة هذه المناظرة المثيرة ولما حان وقت اللقاء لم يحضر الإمام
أبوحنيفة وتأخر كثيرا عن الموعد المضروب حتي ظن الملاحدة ان الإمام خشي أن
يقيموا عليه الحجة فتضعف مكانته في نفوس الناس.
وبينما كان الجميع في حيرة من الأمر وقبل أن ينفض الناس من المجلس
بقليل إذا بالإمام يحضر وسأله الملاحدة لماذا تأخرت عن الموعد المحدد
للمناظرة؟
فقال لهم: اني عندما جئت إلي نهر دجلة لأعبر إليكم لم أجد سفينة تقلني
وبينما أنا في حيرة من أمري إذ رأيت ألواحا من الخشب يتجمع بعضها إلي بعض
والمسامير تدق وحدها لتمسك بالألواح وإذا بي أجد سفينة عظيمة ترسو علي
الشاطئ وإذا بي أركبها فتنطلق وحدها بدون شراع يحركها أو ربان ينظم سيرها
حتي أقلتني إلي الشاطئ الآخر وها أنا قد حضرت إليكم.
فقالوا جميعا: ان هذا لا يجوز في حكم العقل والمنطق إذ كيف تتجمع
الألواح بعضها إلي بعض بدون أن يأتي بها أحد؟ وكيف تتراص وحدها بدون نجار
يؤلف بينها؟ وكيف تدق المسامير نفسها؟ وكيف تسير السفينة بدون شراع إلي
الشاطئ الآخر بدون ربان يوجهها؟ إن هذا لا يجوز كله في حكم العقل والمنطق
يا إمام!!
فقال أبو حنيفة: إن هذا ما جئتم لتجادلوني فيه فإذا كنتم لا تصدقون ان
سفينة صنعت نفسها بنفسها بدون موجد يوجدها أو انها تتحرك من تلقاء نفسها
بدون ربان ينظم سيرها أفتريدون مني أن أصدق ان هذا الكون العظيم بأرضه
وسماواته وكواكبه ونجومه وشمسه وقمره وبحاره وأنهاره قد وجد بدون موجد وانه
يحرك نفسه بنفسه دون أن يحركه إله عظيم قادر بكل شيء محيط؟
فأخذوا بالحجة ولزمهم البرهان وثابوا إلي رشدهم وآمنوا بربهم وصدقوا بالبعث.
وصدق الله إذ يقول: "أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون" "الطور 35".
وكذلك استدلال الإمام الشافعي عندما سئل عن معرفة الله تعالي فقال:
ورقة التوت طعمها ولونها وريحها وطبعها واحد عندكم قالوا نعم قال: تأكلها
دودة القز فيخرج منها الإبريسم "الدمقس وهو الحرير" ويأكلها النحل فيخرج
منها العسل وتأكلها الشاة فيخرج منها البعر وتأكلها الظباء فينعقد في
نوافجها المسك فمن الذي جعل هذه الأشياء كذلك مع ان الطبع واحد؟
والمسك الجيد كان يوضع في آنية خاصة به تسمي "النوافج" ومفردها نافجة
مصنوعة من الذهب أو الفضة أو النحاس ثم تملأ بمسحوق المسك وتوضع في ردهات
قصور الخلفاء والأمراء فتعطرها بأريجها ورائحتها الزكية.
وبعد أن ذكر الله تعالي الأدلة والبراهين التي من أنفسهم والمتعلقة بهم
راح يذكر الأدلة الآفاقية المحيطة بهم السماوية والأرضية وما عليها قال
تعالي: "أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر علي أن يخلق مثلهم بلي وهو
الخلاق العليم" "يس: 81".
فالله سبحانه قادر علي الإعادة بلا ريب وان الأمر هو حق وواضح لدي كل
عاقل فقال سبحانه "بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج" "5" "أفلم
ينظروا إلي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج "6" "والأرض
مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج" "7" "تبصرة وذكري
لكل عبد منيب 8" "ق".
والمعني: انهم كذبوا بنبوة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وبالحق الذي
جاءهم به وهو القرآن المجيد مع أن نبوته صلي الله عليه وسلم ثابتة
بالمعجزات المرئية والبينات العقلية ولكنهم لعنادهم كذبوا بالحق لما جاءهم
دون أن يتفكروا أو يتعقلوا بل لأول وهلة أنكروا وكذبوا كبرا وعنادا ولو
انهم أنصفوا لاعترفوا بالحق.
فؤاد الدقس.. كاتب سوري
الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما" "الأحزاب: 40".
يقول الله تعالي في محكم تنزيله في إعطائه لسيدنا محمد صلي الله عليه
وسلم ختم الرسالة والنبوة: "... ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله
بكل شيء عليما" "الأحزاب: 40".
فهو سبحانه عليم بعلمه القديم الأزلي الذي لا أول له ولا انتهاء ان
خاتم النبيين لا يصح ولا ينبغي أن يكون أحدا من الرسل إلا رسول الله سيدنا
محمد صلي الله عليه وسلم.
ولذلك كان صلي الله عليه وسلم يبين انه خاتم النبيين وانه لا رسول ولا نبي بعده.
فإن قيل: يلزم مما تقدم أن لا تتناول رسالة الله إلي عالم الإنس عالم الجن لان عالم الجن هو نوع آخر غير عالم الإنس؟
فالجواب: انه لا يلزم ذلك بل ان رسالة رسل الله تعالي إلي الإنس تتناول
أيضاً عالم الجن باعتبار ان عالم الجن هم كعالم الإنس في حياتهم وموتهم.
وتناكحهم وتناسلهم. وحاجتهم إلي الطعام والشراب. والغذاء والهواء والماء.
وهم مكلفون بتكاليف شرعية كتكاليف الإنس تماما حيث قال سبحانه: "يا معشر
الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم
هذا قالوا شهدنا علي أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا علي أنفسهم أنهم
كانوا كافرين" "الأنعام: 130".
وهم يرون الإنس كما يري بعضهم بعضا دون اختلاف غير أن الإنس يؤنسون أي: يبصرون ويري بعضهم بعضاً.
أما الجن فهم أخفياء عن الإنس فإن مادة "جن" تدل علي الخفاء ومنه "فلما جن عليه الليل...." "الأنعام: 76".
ومنه الجنين في بطن أمه فإنه لا يري ومنه المجن الذي يستعمل في الحروب وفي لسان العرب هو الترس.
وقد أخبرنا الله تعالي ان الجن وصلتهم دعوة موسي عليه السلام قال
سبحانه: "وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا
أنصتوا فلما قضي ولوا إلي قومهم منذرين" "29" "قالوا يا قومنا إنا سمعنا
كتابا أنزل من بعد موسي مصدقا لما بين يديه يهدي إلي الحق وإلي طريق
مستقيم" "يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم
من عذاب أليم" "الأحقاف:30: 31".
يقول الشيخ الإمام عبدالله سراج الدين في هذا دليل صريح علي ان رسالة
كليم الله موسي عليه السلام بلغتهم ثم لما بعث الله تعالي سيدنا محمدا صلي
الله عليه وسلم جاءوا يستمعون القرآن النازل عليه وآمنوا برسول الله صلي
الله عليه وسلم وهذا كما قال سبحانه: "قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجن
فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا" يهدي إلي الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا
أحداً" "الجن: 1-2".
وقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يذهب إليهم فيبلغهم ويجتمع بهم وكانوا يأتون مجالسه صلي الله عليه وسلم.
فكل رسول يبعث إلي قومه خاصة وأمة معينة من الإنس وأمة معينة من الجن
وأما سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم فرسالته عامة إلي جميع طبقات الإنس
وجميع طبقات الجن كما جاء ذلك في خصائصه صلي الله عليه وسلم التي خصه الله
تعالي بها من بين سائر المخلوقات.
والجن علي طبقات فمنهم المقربون ومنهم المقتصدون ومنهم الظالم لنفسه ومنهم الكافر كما في عالم الإنس.
وقوله تعالي: "أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد" "ق:3".
هذا هو الأمر الثاني الذي أنكروه وكذبوا به وقد أقام الله تعالي الحجج
الدامغة لشبهاتهم ووجوه شكوكهم فانهم أنكروا الحشر والإعادة زعما منهم ان
اعادتها غير ممكنة لموانع متعددة منها ان اختلاط أجزاء الأموات بأجزاء
الارض يؤدي ذلك إلي عدم التميز عن أجزاء الأرض وإلي عدم تميز شخص عن شخص
آخر ولهذا اخبر الله تعالي عنهم بقوله: "أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع
بعيد".
ومن الموانع بزعمهم ان القدرة عاجزة عن ذلك فكيف يقع ذلك ولذا أخبر
الله تعالي عنهم بقوله: ".... قال من يحيي العظام وهي رميم" "يس: 78".
ومن الموانع أيضا كما يزعمون ان الاعادة أمر لا فائدة منه ولا حكمة فيه
ولذلك أخبر عنهم الله تعالي بقوله: "وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت
ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون"
"الجاثية: 24" أي: ليس هناك حشر ولا نشر ولا حكمة في ذلك.
ورد الله تعالي عليهم مزاعمهم الباطلة وأقام البراهين علي بطلان تلك
الشبه وغيرها وأثبت سبحانه وقوع الواقعة وحقية الحاقة وقرع القارعة وذلك
يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين.
أما قولهم ان الأجزاء الميتة تصير ترابا وتختلط بتراب الأرض فكيف يعرف هذا من ذاك ويتميز هذا عن هذا؟
فقد رد الله تعالي عليهم بأن علمه محيط بتلك الأجزاء كلها مهما تفرقت
وهو يعلم أجزاء كل ميت ويميزها عن الأرض وعن بعضها البعض فإن الذي خلقها هو
عليم بها وعليم بما تصير إليه وهو محيط بها وحافظها عنده في عالم غيبي عن
هذا العالم قال جل شأنه: "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ"
"ق: 4" أي: يحفظ عليهم أجزاءهم فلا يفوت جزء منهم ويبقي في الأرض ولا يصير
جزء احدهم إلي غيره بل هو العليم بذلك الحفيظ لذلك كله.
وعن قولهم ان القدرة عاجزة عن ذلك رد الله تعالي عليهم ذلك بقوله: "قل
يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم" "يس: 79" فالذي أنشأها أول
مرة لا من شيء قادر علي أن يحييها بعد أن صارت شيئا ثم أماتها فهو يعيدها
كما بدأها.
فالقادر علي البدء قادر علي الاعادة.
قال الله تعالي: "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون
عليه........." "الروم: 27" أي: الله تعالي ينشيء الخلق من العدم ثم يعيدهم
بعد موتهم للحساب والجزاء وإعادة الخلق أهون عليه من بدئه قال ابن عباس
رضي الله عنهما: يعني أيسر عليه وقال مجاهد: الاعادة أهون عليه من البداءة.
والبداءة عليه هينة.
ورد الله سبحانه وتعالي علي زعمهم ان الاعادة أمر لا فائدة منه ولا
حكمة فيه بقوله جل شأنه: "قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلي يوم
القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون" "الجاثية: 26".
يقول المفسرون: أي: قل لهم يا رسول الله يا محمد: الله الذي خلقكم
ابتداء حين كنتم نطفا هو الذي يميتكم عند انقضاء آجالكم لا كما زعمتم انكم
تحيون وتموتون بحكم الدهر.
وقد طلب جماعة من الدهريين من الإمام الأعظم إبي حنيفة النعمان أن
يجادلوه في وجود الله وفي البعث وحددوا لذلك موعدا ضربوه وجاء الناس من كل
مكان لمشاهدة هذه المناظرة المثيرة ولما حان وقت اللقاء لم يحضر الإمام
أبوحنيفة وتأخر كثيرا عن الموعد المضروب حتي ظن الملاحدة ان الإمام خشي أن
يقيموا عليه الحجة فتضعف مكانته في نفوس الناس.
وبينما كان الجميع في حيرة من الأمر وقبل أن ينفض الناس من المجلس
بقليل إذا بالإمام يحضر وسأله الملاحدة لماذا تأخرت عن الموعد المحدد
للمناظرة؟
فقال لهم: اني عندما جئت إلي نهر دجلة لأعبر إليكم لم أجد سفينة تقلني
وبينما أنا في حيرة من أمري إذ رأيت ألواحا من الخشب يتجمع بعضها إلي بعض
والمسامير تدق وحدها لتمسك بالألواح وإذا بي أجد سفينة عظيمة ترسو علي
الشاطئ وإذا بي أركبها فتنطلق وحدها بدون شراع يحركها أو ربان ينظم سيرها
حتي أقلتني إلي الشاطئ الآخر وها أنا قد حضرت إليكم.
فقالوا جميعا: ان هذا لا يجوز في حكم العقل والمنطق إذ كيف تتجمع
الألواح بعضها إلي بعض بدون أن يأتي بها أحد؟ وكيف تتراص وحدها بدون نجار
يؤلف بينها؟ وكيف تدق المسامير نفسها؟ وكيف تسير السفينة بدون شراع إلي
الشاطئ الآخر بدون ربان يوجهها؟ إن هذا لا يجوز كله في حكم العقل والمنطق
يا إمام!!
فقال أبو حنيفة: إن هذا ما جئتم لتجادلوني فيه فإذا كنتم لا تصدقون ان
سفينة صنعت نفسها بنفسها بدون موجد يوجدها أو انها تتحرك من تلقاء نفسها
بدون ربان ينظم سيرها أفتريدون مني أن أصدق ان هذا الكون العظيم بأرضه
وسماواته وكواكبه ونجومه وشمسه وقمره وبحاره وأنهاره قد وجد بدون موجد وانه
يحرك نفسه بنفسه دون أن يحركه إله عظيم قادر بكل شيء محيط؟
فأخذوا بالحجة ولزمهم البرهان وثابوا إلي رشدهم وآمنوا بربهم وصدقوا بالبعث.
وصدق الله إذ يقول: "أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون" "الطور 35".
وكذلك استدلال الإمام الشافعي عندما سئل عن معرفة الله تعالي فقال:
ورقة التوت طعمها ولونها وريحها وطبعها واحد عندكم قالوا نعم قال: تأكلها
دودة القز فيخرج منها الإبريسم "الدمقس وهو الحرير" ويأكلها النحل فيخرج
منها العسل وتأكلها الشاة فيخرج منها البعر وتأكلها الظباء فينعقد في
نوافجها المسك فمن الذي جعل هذه الأشياء كذلك مع ان الطبع واحد؟
والمسك الجيد كان يوضع في آنية خاصة به تسمي "النوافج" ومفردها نافجة
مصنوعة من الذهب أو الفضة أو النحاس ثم تملأ بمسحوق المسك وتوضع في ردهات
قصور الخلفاء والأمراء فتعطرها بأريجها ورائحتها الزكية.
وبعد أن ذكر الله تعالي الأدلة والبراهين التي من أنفسهم والمتعلقة بهم
راح يذكر الأدلة الآفاقية المحيطة بهم السماوية والأرضية وما عليها قال
تعالي: "أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر علي أن يخلق مثلهم بلي وهو
الخلاق العليم" "يس: 81".
فالله سبحانه قادر علي الإعادة بلا ريب وان الأمر هو حق وواضح لدي كل
عاقل فقال سبحانه "بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج" "5" "أفلم
ينظروا إلي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج "6" "والأرض
مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج" "7" "تبصرة وذكري
لكل عبد منيب 8" "ق".
والمعني: انهم كذبوا بنبوة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وبالحق الذي
جاءهم به وهو القرآن المجيد مع أن نبوته صلي الله عليه وسلم ثابتة
بالمعجزات المرئية والبينات العقلية ولكنهم لعنادهم كذبوا بالحق لما جاءهم
دون أن يتفكروا أو يتعقلوا بل لأول وهلة أنكروا وكذبوا كبرا وعنادا ولو
انهم أنصفوا لاعترفوا بالحق.
فؤاد الدقس.. كاتب سوري
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى