مثقفون يرصدون التغير في الساحة المصرية زلزال ثقافي.. اسمه «تنحي الرئيس»
صفحة 1 من اصل 1
مثقفون يرصدون التغير في الساحة المصرية زلزال ثقافي.. اسمه «تنحي الرئيس»
متظاهرون يطالبون بإسقاط النظام أمام بوابة مجلس الشعب المصري
أنا كنت شيء وصبحت شيء ثم شيء
شـوف ربـنـا.. قادر على كل شيء
هز الشجر شـواشيه ووشوشني قال:
لابد ما يموت شيء عشان يحيا شيء
صلاح جاهين
في
خطابه الأخير وصف الرئيس حسني مبارك الشباب الثائرين المطالبين بتنحيه
وبإجراءات ديموقراطية عاجلة بالـ «أبناء»، معتبرا نفسه على العادة الجارية
«أبا»، وليس مجرد رئيس مفوض، وهي كلمة تواترت على لسان بعض المدافعين عنه،
كما أن تصريحات نائبه ورئيس وزرائه الرافضة لفكرة التنحي والديموقراطية
الفورية كانت تستند على أن هذه الفكرة لا تمثل «ثقافة الشعب المصري».
بينما تؤكد حشود المتظاهرين المتنامية والمصرة على مطالبها على أن هذه
الثقافة قد تغيرت.
إنه زلزال حقيقي ترك أخدودا بين ثقافة الجيل الذي
يمثله المتظاهرون، والجيل الذي مثله مسؤولون تجاوزوا الستين من العمر،
وحتى قيادات المعارضة التقليدية وقطاعات أخرى من المثقفين والفنانين.
فغالبية هذا الجيل الأخير تنتمي إلى أصول ثقافية ريفية أبوية سليلة إرث
مديد لسلطة «الكبير» الأسطورية، لا سلطة الكفاءة الحضرية، وصحيح أن هؤلاء
انتقلوا إلى المدن، لكنها كانت مدينة هجينا، تجمع بين تحديث تقني وخدمي
بيروقراطي ذي مظهر علماني نوعا ما، وبين سلطة أبوية باسم شرعية ثورية (منذ
الخمسينات) تدعمها العقيدة العسكرية، هذه الثقافة تقف على النقيض من ثقافة
الشباب الذين خاضوا معركة ضارية ومفتوحة من أجل ما يسمونه «اسقاط النظام»
من دون أن يتنبهوا ربما إلى أنهم يصطدمون في الحقيقة بذهنية مغايرة لا
تستطيع التقاط لحظتهم، ولا تفهمها إلا على أنها نوع من التململ والضجر من
مجموعة من المظالم.
أبناء المدن
الملاحظ أن الشباب الذين قادوا الحركة بالأساس هم من أبناء المدن بالأصالة.
لقد
ولد هذا الجيل في إطار ثقافة مغايرة، انكسرت فيها هيبة السلطة الأبوية على
مستوى الدولة والأسرة؛ دولة بلا مشروع، تستند على عكاكيز أمنية، ولا تقدم
إلا نموذج الجشع والتكالب على الثروة. وأسرة تواطأت بفعل ثقافتها
التقليدية وواقعيتها المنكسرة على هزيمة أحلامها وتورطت في الفساد، وتعليم
مفرغ من المعنى.
فكرة «الأب» التي كانت إحدى أهم دعامات تكريس السلطة صارت مفضوحة.
هكذا فتحت هذه الثورة صراعا بين ثقافتين كشرخ في الضمير العام.
الحداثة وثقافة الخيول والجمال
هذا الصدع الثقافي عبرت عنه آراء عدد من المثقفين الذين طلبنا اليهم قراءة الحدث من وجهة نظرهم.
يقول
الروائي المصري إبراهيم فرغلي: بالتأكيد لن يعود شيء لما كان عليه قبل 25
يناير، والثقافة في قلب هذه المقولة، خصوصا أن هذه الثورة الشعبية تحمل
طابعا ثقافيا منذ بدايتها في طابعها الجمالي كثورة تنتصر للجَمال على
القبح، بكل ما يعنيه كل منهما من دلالات.
إن أبرز دلالة على هذا الطابع
الثقافي للثورة ربما يبدو جليا في ذلك المشهد الذي يبدو كفيلم هندي لمخرج
رديء والذي انبثقت فيه فجأة خيول وجمال لتقتحم جموع المتظاهرين في قلب
ميدان التحرير، ربما لتؤكد لنا فقط أن هذه الثورة في عمقها صراع بين ثورة
الحداثة بكل ما تتضمنه من قيم المواطنة والحرية والعدل والشفافية في
مواجهة سلطة لا تزال تفكر بعقلية تنتمي لعصور الخيل والجمال!
كنت كتبت
مقالا بمناسبة مرور 40 عاما على ثورات 1968 الأوروبية التي غيرت القيم في
العالم كله، قلت فيه ان ورثة هذه المظاهرات من الشباب في مصر والعالم
العربي هم جيل الإنترنت قلت فيه: ان مصر 2008 لها، رغم كل ذلك، امتدادات
وثيقة الصلة بحركة 68، بما تعنيه من رفض القيم السائدة، سواء على مستوى
السلطة، أو على مستوى القيم الاجتماعية المحافظة التقليدية، على السواء،
لكنها حركة لا يمكن ملاحظتها إلا عبر وسائل التقنية المعاصرة والحديثة
ممثلة في شبكة الإنترنت، والتي تجلت على مدى العامين الماضيين عبر عدد من
المدونات (البلوجز)، وكشفت وعيا مختلفا لعدد كبير من الشباب المتفتح،
فكريا وحياتيا، الناقد للسلطة، بجرأة وبوعي.
وهذا تقريبا ما يبدو
أكثر جلاء في هذه الثورة المبهرة التي استطاعت ان تزعزع في ايامها العشرة
الأولى عددا من الرواسخ كنا نظن أن أمامها دهرا.
الصنم الذي يعبدون
لم
تكشف هذه الثورة فقط عن انحلال وزيف المعنى الأبوي للسلطة، بل عن اصطفاف
حقيقي شق نصفين فناني مصر ومثقفيها، واختبر بحدة مقولات التحديث والتنوير
وقضايا الهامش التي كان يتحدث بلسانها بعض مثقفي الجيل القديم. ويتخذ
الروائي ياسر عبدالحافظ من موقف جابر عصفور ـ الذي تراجع عنه مؤخرا ـ بعد
قبوله وزارة الثقافة في هذا الظرف نقطة مفصلية لقراءة الحدث، فموافقته من
حيث المبدأ تمثل ثقافة «تطالب بالحرية لكنها تؤمن في داخلها أن تلك الحرية
لا بد لها من إطار، هذا الإطار ترسمه المؤسسة، بداية من الدولة والمدرسة
والبيت والجامع والكنيسة، أي أن حدود حريتك تقف عند الخط الذي ترسمه واحدة
من هذه المؤسسات، وتجاوز ذلك يعني الفوضى» ويرى عبدالحافظ أن عصفور عندما
قبل جائزة القذافي من قبل، فإنه كان يعبر من خلال ذلك على قدسية فكرة
الدولة والقائد، هذا النوع من الثقافة، يرى أن بقاء الدولة على شكلها الذي
عرفت به إنما هو الضمانة الوحيدة للاستقرار، وعلى هذا فإن كثيرا منهم
تتوقف عند حدود الحرية والثورة على النص واللغة، ولا تنسحب أفكارهم على
الواقع إلا في الحدود الآمنة، ليس خوفاً على أنفسهم بل خوفاً على صنم
الفكرة التي يعبدون.
سقوط ثقافة
ويتابع عبدالحافظ «في مواجهة تلك
الثقافة القديمة هناك أخرى بدأت تتشكل ربما منذ بداية عهد التسعينات من
القرن الماضي، ثقافة أكثر ارتباطاً بالمنتج الغربي في المجال الثقافي،
تحديداً عبر الصورة، ثم بعد ذلك من خلال شبكة الانترنت على اختلاف
وسائلها، والمنتج الثقافي الغربي لا يضع حدوداً للحرية، ويميزه أن اسئلته
تمضي إلى نهايتها، مهما كان الطريق الذي يمكن أن يقود إليه السؤال.
باختصار،
إن العلاقة مع الثقافة على ضوء ثورة 25 يناير لن تختلف لكنها ستؤكد
القطيعة التي كانت ملامحها موجودة من قبل، انتهت الهدنة غير المصرحيبها،
والعداوة بين الطرفين أو النوعين، والتي تم تأجيل إعلانها لاعتبارات
عديدة، ستنتقل من الميدان البلاغي إلى الواقعي.
جيل جديد
زارت
القاصة الكويتية استبرق أحمد مصر وتونس قبل الأحداث الأخيرة، ورأت حوافز
الثورة أكثر في تناقضات الحياة المصرية، ومع هذا بدا السطح هادئا في
كلتيهما، «ربما لم نتوقع هذه الثورة في وقت قريب، إلا أن ثورة المدونات
والفيسبوك وغيرها من وسائل الفضاء الإنترنتي كانت واضحة، حتى أن أغلب
الفاعلين والمحركين حاليا فيها هم أيضا ثوار 25 يناير في ميدان التحرير،
كما أن بعضهم أيضا من الكتاب الشباب الذي نجد أن في إصداراته، وعبر نصه
تكمن لعنته الخفية أو الفاقعة أي أنه أسس علاقته مع الأدب والثقافة عبر
رصده المستمر لما يحدث في الحياة، وتتبعه للمهمشين والحياة المخبوءة، كان
يقدم تجربة جيله في احتراق آماله بصدق». وفي ما يتعلق بمستقبل هذه الثقافة
تقول استبرق إن التغيير قادم كما حدث في تونس ومصر «لكن السؤال هو: ماذا
بعد؟»، ماذا سيتبدل، ووفق أي مساحة تغييرية؟ هناك أنظمة تسقط وتنهار معها
رموزها الثقافية ومؤسساتها ومفهومها وتأطيرها لما هو ثقافي، وقد رسخت
الكثير من الأمراض.
أين نحن؟
صحيح أن كتابات الشباب، كما تقول
استبرق، كانت تحمل أحيانا ما تسميه «اللعنة الخفية» إلا أنه كانت ثمة
قناعة قارة بالفصل بين الجمالي والسياسي امتدت منذ جيل السبعينات وحتى هذا
الجيل، وطرحت فكرة «نهاية اليقين» نفسها على جيل أو جيلين لتجعل من الأدب
راصدا لحركة الذات، للسرد الشخصي، للتهكم على كل ما هو جمعي. فكيف سيجيب
هذا الأدب الآن عن سؤال الجموع التي رآها ولامس دماءها؟
يقول الشاعر
والإعلامي ناصر فرغلي: أتوقع أن تكون هناك حركتان من اتجاهين مختلفين
باتجاه التعاطي مع السؤال الثقافي. الموقع الأول هو موقع المثقفين.
فمصداقية هؤلاء وفعاليتهم تعرضت لهزة عميقة بفعل ثورة الشباب العفوية.
المثقفون لم يتنبأوا ولم يمهدوا ولم يتوقعوا، وفي الغالب الأعم لم
يشاركوا. الواقع المنتفض يضع هؤلاء الآن أمام سؤال وجودهم. أين نحن؟ ما
جدوى إسهامنا؟ هل كانت الخيارات الإبداعية صائبة وفاعلة أم فردانية
وانكفائية على ذوات فقدت الإحساس بالموج الباطني الهادر من حولها. فن
السيرة الذاتية الضارب في الفكر والرواية والشعر والسرد والسينما هل يصمد
الآن كملجأ وحيد للحراك بعد أن انتزعت منه الحياة كل ادعاءاته؟ الموقع
الثاني هو موقع الانتفاضة ذاتها. وكما لم نتنبأ بحدوثها، فصعب أن نتوقع
مساراتها المستقبلية.
وفي كل المواقع والمعسكرات تتكون لغات جديدة.
لغة الاحتجاج. لغة الميدان. لغة الوطن بحروف جديدة في مواجهة إيديولوجيات
منسحبة، لغة الذات المثقفة وهي تكتشف جدارة الواقع. ربما تكون مرحلة
لتاريخ الجماعة بعد طول غياب في تواريخ الذات.
مهاب نصر
القبس
14/02/2011
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مواضيع مماثلة
» التغير المناخي إنذار من الله /بقلم عبد الدائم الكحيل
» آخر توقعات الحكومة الأميركية بشأن التغير المناخي.. مفزعة!
» انتصار كروي تاريخي اسمه "المغرب"
» قذافيات
» زلزال الصين
» آخر توقعات الحكومة الأميركية بشأن التغير المناخي.. مفزعة!
» انتصار كروي تاريخي اسمه "المغرب"
» قذافيات
» زلزال الصين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى