المدرسة والأسرة .. أية علاقة ؟
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
المدرسة والأسرة .. أية علاقة ؟
لم
يأت تناول الموضوع من باب الصدفة ، بل جاء نتيجة الظرفية الراهنة ، ظرفية
أبانت عن منظور جديد للعلاقة: أسرة- مدرسة ، سواء على مستوى الخطاب الرسمي
أو على مستوى الواقع الفعلي ، تلك العلاقة العضوية الكامنة بين المدرسة
والأسرة مافتئت تتوطد وتتأصل حينا بقدر ما تختل وتضمحل حينا آخر . فأضحت
بذلك العلاقة موسومة بعنصر الإزدواجية، والتي أملتها مجموعة من المتغيرات
الإبستيمولوجية والإيديولوجية .
ومن ناحية اعتبار الأسرة المصدر الأول للتعلم ، إذ فيها يتم تشكيل أهم
ملامح شخصية الطفل المتعلم ، ففيها ، أي الأسرة ، يأخذ الطفل مكوناته
الجينية التي تميزه عن غيره ، وأثناء مراحل نموه الأولى يستدمج مجموعة من
العادات و السلوكات التي ستؤطر أناه ، والذي سيصبح بدوره الرقيب الأعلى
لسلوكاته . فالأسرة إذن تلعب دورا مهما و أساسيا في هذا التشكل . ودون أن
تخوض في حيثيات نظريات التربية بمختلف توجهاتها ، فالأسرة لا تجد عناء في
البحث عن نظرية مثلى لتربية طفلها و لا عن برنامج تطبقه للوصول إلى
أهدافها و غاياتها ، بل كل ما في الأمر أن تربية الطفل تتم بطريقة مرنة و
سهلة الإنسياب و بكيفية تلقائية ، أي في الغالب الأعم بصفة لاإرادية ، فقد
نرغب في أن يخرج للوجود طفل»ة» عبقري نابغ حاذق ذو ملامح محددة ، لكن في
مقابل ذلك قد نجده على عكس ما توقعناه . فالتشكل الحقيقي يتم في مراحل من
الظلمات : ظلمات جنينية لا دخل لأفراد الأسرة فيها . هذه إذن أهم مرحلة من
مراحل نمو الطفل ، إذ فيها يكتسب الطفل مقومات شخصيته الأولية . فالتربية
هنا تتم دون وسائل الإيضاح أو الوسائل الديداكتيكية . الأسرة مكون أساسي
في تربية الطفل و خاصة منذ ولادته حتى سن قبل تمدرسه ، بل و يظل يتلقى
تعلمه أو بالأحرى تربيته في كنف المحيط الأسري حتى أثناء سن تمدرسه ، فهو
لا ينفصل عن جو الأسرة : قد يغيب عنها ساعات لكنه دوما يرجع إليها .
ومن جانب آخر تقوم الأسرة بتنشئة الطفل تنشئة اجتماعية و نفسية ، فتنظر
بذلك إلى الطفل على أنه رجل المستقبل فتوجهه أثناء تواجده بها نحو هذه
الغاية ، ليبقى شغلها الشاغل هو البحث عن جميع السبل للوصول إلى نهايتها و
البحث عن الكيفية التي بواسطتها تستطيع الأسرة ضمان مستقبل أفضل لطفلها .
هذا المستقبل قد يتوج بانخراط فعلي فعال في المجتمع : قد نرى فيه فردا غير
عاص للأسرة وغير متمرد على أصولها و ممتثل لأوامرها و منه مواطن غير متمرد
على المجتمع و ممتثل لتعاليمه . هذا هو المنظور الأمثل لتنشئة الطفل
سوسيولوجيا وسيكولوجيا ، فالطفل المتعلم لا بد أن ينشأ متوازنا ذا شخصية
مرنة و بعيدة عن العقد النفسية ، فلا ينبغي أن يشعر بالحرمان أو الدونية
أو الخوف ... فإثبات وجوده و هويته نابع من إشباع حاجاته النفسية مثل
الشعور بالأمن والحرية والحب من طرف أفراد المحيط الأسري .
وبانتقال الطفل من جو الأسرة إلى جو المدرسة نكون بدورنا دخلنا المكون
الثاني للعلاقة ، فالمدرسة تعتبر الوسط الثاني بعد الأسرة لتعلم الطفل و
تربيته ومن ثم تنشئته تنشئة اجتماعية حقيقية . لأن انتقال الطفل إلى
المدرسة لن يكون بالأمر الهين بالنسبة إليه ، فمن جهة أولى اعتاد نمطا في
التربية محددا و مألوفا لديه داخل أسرته ، هذا النمط قد يتغير عندما يضع
أول خطوة له في المحيط المدرسي . ومن جهة ثانية يرى أن قانون المدرسة ليس
كقانون الأسرة . إن الطفل المتعلم سيصير من خلال هذه الزاوية معلقا بين
الأسرة والمدرسة ، وسيظل يبحث جاهدا عن كيفية التوافق بين دينك المحيطين ،
و خاصة عندما يكونان متناقضين . ويمكن أن أتناول العلاقة من خلال العناصر
التالية :
1- تقارب / تباعد :
تبدو المدرسة أقرب إلى الأسرة في ما يخص توجهاتهما و وجهات نظرهما في
العلاقة بالطفل المتعلم من خلال إجابتهما عن السؤال المطروح : ماذا تريد
كل من المدرسة و الأسرة من الطفل ؟
هذا التقارب من حيث المبدأ هو أساسي لكون مختلف الوسطين يعنى بفعل التربية
و التنشئة . فالطفل الذي اكتسب أولى مبادئه و مقومات شخصيته داخل الأسرة
سوف يجد الطريق ممهدا لولوج باب المدرسة على اعتبارها أسرة من نوع آخر و
امتدادا للمدرسة الأولى الأسرة ، إذ لا وجود لاختلاف وتعارض بين الأسرتين
أو المدرستين ، ليبقى الطفل و أثناء سيرورة تعلمه ينتقل بين وسطين
متقاربين يكمل بعضهما الآخر . فالمدرسة قد تكون قريبة من الأسرة ، فهي
تستقطب كل طفل بلغ سن التمدرس ، فتوفر له المكان المناسب لاستكمال تعلمه و
تربيته و من ثم تنشئته تنشئة اجتماعية تمهد له إمكانية الانخراط في
المجتمع .
و في نفس الاتجاه ، إن الأسرة قريبة هي الأخرى من المدرسة ، فمن واجبها ،
أي الأسرة ، أن تعد فردا قادرا على مسايرة جو المدرسة و انخراطه فيه دون
أن يشعر بتغير على مستوى الوسط التعليمي . هذا التقارب قد نستشفه من خلال
اهتمام الأسرة بالمدرسة في مختلف المجالات ، كحماية المدرسة تربويا و
اجتماعيا و بيئيا ... فالأسرة ملزمة أن تقدم برامج تربوية بمعية المدرسة
أو بالأحرى أن يكون لها التأثير المباشر في البرامج التعليمية لأنها
الأقرب إلى فهم شخصية الطفل والتأثير فيه . بالإضافة إلى اقتراح وتنفيذ
أنشطة متنوعة تخدم المتعلم « ة»و المدرسة على السواء ، مع العمل على صيانة
مكونات تلك المدرسة بكل ما تحمله الكلمة من معنى .
إن تقارب المدرسة و الأسرة في الاتجاهين معا هدفه الوحيد هو خدمة المتعلم
من جهة ، و خدمة المجتمع من جهة ثانية . لكن و من غير المرغوب فيه أن
يتحول هذا التقارب إلى تباعد ، حيث تصبح اختصاصات كل من المدرسة و الأسرة
متناقضة ، فالأسرة ترغب في تكوين طفل ليس كما ترغب المدرسة في تربيته .
فالفرد الذي يلج المدرسة قد يجد نفسه يقتحم عالما مغايرا و بعيدا كل البعد
عما تلقاه و أنشئ عليه داخل أسرته .
2- تكامل / تنافر :
بدون منازع يمكن اعتبار المدرسة و الأسرة عنصرين متكاملين . فالمدرسة
مكملة للأسرة والعكس أيضا صحيح . هذا التكامل يجد مقوماته في كون المدرسة
ملزمة ، وأشد التزام ، بالتشاور مع الأسرة أثناء سن برامجها التعليمية
نظرا للأهمية البالغة لانخراط الأسرة داخل المؤسسة التعليمية ، كل ذلك من
أجل الفهم الحقيقي لشخصية الطفل المتعلم و لما فيه مصلحة له من جانب تعلمه
و تنشئته في الاتجاه الأصح .
تكامل يتمظهر أيضا من خلال وضع أهداف و غايات التعلم ، لأنه و أثناء
صياغتها قد نستحضر مقومات شخصية الطفل ، أو بمعنى آخر هذه الصياغة قد تكون
نابعة من حاجات الطفل المتعلم ، وبالتالي فإن الأمر يستلزم حضورا فعليا
لعامل الأسرة لتتكامل الرؤى على اعتبارها عارفة بخبايا طفلها . بيد أن
الممارسة الواقعية أبانت عن شرخ حقيقي بين أهداف الأسرة من جانب و أهداف
المدرسة من جانب ثان ، فلا الأسرة قادرة على الانخراط في الوسط المدرسي ،
ولا المدرسة قادرة على الاندماج في الجو الأسري ، فأصبحت بذلك العلاقة
أسرة / مدرسة متسمة بنوع من التنافر ، تنافر تتجلى معظم معالمه في كون
المؤسسة التعليمية ذات أهداف و غايات مغايرة و متناقضة مع تلك التي كانت
مرسومة من طرف الأسرة و التي سارت عليها أثناء عملية تنشئة طفلها منذ
مرحلة ما قبل الميلاد حتى بلوغه سن التمدرس ، إذ بالتحاقه بل بتسليمه
للمؤسسة التعليمية من طرف الأسرة لم يؤدى حقه ، فتخلت المدرسة عن الرسالة
التي حملتها الأسرة ، حيث إن العقد المتعارف عليه بين المؤسستين تم تجاوزه
والابتعاد عنه . هذا العقد لم يتم تجاوزه من طرف المدرسة فحسب بل حتى
الأسرة تخلت عن احترام بنود هذا العقد . من خلال هذا الطرح يظهر أن الطفل
المتعلم وضع في مكان التناقض والأزمة إذ لم يعد بمقدوره الإلتزام بتعاليم
أسرته التي تلقاها إبان ترعرعه داخلها في مقابل التعاليم الجديدة للمؤسسة
في كون هاتين المؤسستين غير متكاملتين .
يمكن أن نلحظ أيظا هذا التنافر في الكيفية التي ينظر إليها إلى هذا الطفل
، فالمدرسة تنظر إليه كفرد خاوي الوفاض و صفحة بيضاء ، فهو بذلك و عند
ولوجه المدرسة سوف تعيد تشكيله ليصبح راشدا مسايرا لنمط المجتمع الذي يعيش
فيه وهي بذلك تنفي كل حمولته المعرفية و النفسية والاجتماعية التي كان
يمتلكها داخل أسرته . و من الوجهة الأخرى ، فالأسرة هي بدورها لا تعطي
الأهمية لدور المدرسة إذ تؤمن أن طفلها قبل انتمائه للمؤسسة التعليمية لا
ينقصه شيء في تكوينه فمن واجب هذه الأخيرة هو استكمال ما بدأته الأسرة .
إن عدم الإعتراف بدور كل مؤسسة من طرف الثانية ، كان من بين نتائجه هو هذا
التنافر ، و الذي يؤدي ثمنه المتعلم بالدرجة الأولى ومختلف مكونات
المؤسستين بالدرجة الثانية .
3- ثقة / لا ثقة :
إن العلاقة الوطيدة الموجودة بين الأسرة و المدرسة كانت مبنية على مبدأ
الثقة المتبادلة بين المؤسستين ، فالأسرة ظلت تثق بالمدرسة و هذه الأخيرة
بدورها وضعت ثقتها بالأولى . و موضوع الثقة كان يستمد ثوابته من مبدأ
تبادل الأدوار بين المدرسة و الأسرة . أو بعبارة أكثر دقة نجد أن الأسرة
قد تتحول إلى مدرسة والعكس أيضا وارد الحدوث . و لن يتأتى ذلك ما لم يتم
وضع في الحسبان مقومات كل طرف على حدة ونظرته إلى الطرف الثاني . فالأسرة
وثقت بالمدرسة من خلال أهدافها و برامجها أو بواضح العبارة وثقت في
فلسفتها التربوية برمتها ، فرأت بذلك ، أي الأسرة ، أن المؤسسة التربوية
منبثقة من صميم مشاغل الأسرة و تطلعاتها تجاه طفلها المتعلم . و حري بنا
الإشارة هنا بأن وضع كل الثقة بالمدرسة من طرف الأسرة أرغم هذه الأخيرة
على ترك كل المسؤولية على عاتق الأولى ، فعندما أضع ثقتي بشخص معين معناه
أني لم أعد أحمل أدنى شك اتجاهه و بالتالي فأي خطوة أو عمل عمله فهو
بالضرورة مبارك مني . و على هذا الأساس اطمأنت الأسرة على مسيرة طفلها
داخل المدرسة وكأنها بذلك وضعته في المكان الأنسب و الآمن في نفس الوقت ،
ليصل الفرد بفعل ولوجه عالم المدرسة وتعلمه بها إلى كل ما رسمته أسرته و
هذا طبعا بفضل تلك الثقة المتبادلة بين المؤسستين . و عليه فإن المدرسة هي
بدورها وضعت ثقتها في الأسرة من منظورها ومعطياتها ، وثقت بها في معناه
الواسع ، بإنجاب وإعداد فرد صالح قادرا على مسايرة قانون المدرسة ومبادئها
: فرد طيع مطيع لأصولها غير متمرد ينفذ كل ما طلب منه دون اعتراض أو صعوبة
تذكر . نظرة هيمنت على ثقة المدرسة بالأسرة . مع الملاحظة أن تلك الثقة
أغفلت في جوانبها الحضور الفعلي و الحقيقي للفرد المتعلم ، إذ ظل هدف كل
واحدة و شغلها الشاغل هو إيجاد فرد يستجيب لأهدافهما .
4- أمل / فقدان الأمل :
خلال هذه المتناقضة يتبين أن كلا من المدرسة والأسرة كانت الواحدة تضع كل
آمالها على الأخرى ، لكن في مقابل ذلك فقد الأمل : فأمل الأسرة في المدرسة
يتمحور في تنشئة الطفل تنشئة سليمة أخلاقيا واجتماعيا من خلالها يكون
الفرد المتعلم مندمجا في مجتمعه ، بحيث سيصبح فردا يتحمل مسؤولياته داخل
أسرته و في محيطه ، فردا يسعى لبناء المجتمع بفعل الانخراط الكلي في
مؤسساته كل ذلك في سبيل بلوغ درجة أسمى من النضج المجتمعي . هذا الفرد
المندمج هو من صنع المدرسة على حسب أمل الأسرة ، والمحافظ على نظم أسرته
أيضا . كما نجد أن من بين ثمار هذه الآمال أن يكون الفرد متزنا نفسيا ، و
لن يتأتى له ذلك ما لم يكن هناك توافق و تكامل و اتحاد بين المؤسستين ،
هذا التوازن النفسي مطلوب و بحدة على اعتباره الركيزة الأساسية في خلق
الفرد المرغوب فيه ، و في غيابه تظهر كل أعراض الأمراض المجتمعية والنفسية
ومن ثمة انعكاسها على شخصية الطفل وعلى الأسرة و المجتمع على السواء . و
من بين الآمال المعقودة على المدرسة هو منح شواهد تخول للطفل المتمدرس
ولوج عالم الشغل : فكل طفل/ متعلم منذ دخوله المدرسة لا بد أن يجد شغلا
يؤمن له مستقبله .
وفي الاتجاه الآخر ، تبقى آمال المدرسة في الأسرة تتلخص في كون هذه
الأخيرة ملزمة بخلق طفل مجد محترم لقيم المدرسة ، ممتثل لأوامرها ذي تربية
سليمة على القيم العامة للمجتمع و من ثم قادر على التوفيق بين المدرسة
والأسرة . طفل محترم لقيم المدرسة يمتلك شخصية مرنة ينفذ أوامر المؤسسة
التعليمية دون اعتراض يذكر أو أدنى مقاومة من جانبه . فرد بذلك يصبح قادرا
على الموازنة بين متطلبات المدرسة ورغبات الأسرة .
وفي مقابل ذلك و بفقدان الأمل تصبح كل من المدرسة والأسرة فاقدة لكل معنى
، فالمدرسة لم تستطع العمل على إدماج الطفل في المجتمع و عدم توفير الشغل
المناسب و المنتظر من طرف الأسرة ، بالإضافة إلى كونها أي المدرسة لم ترق
إلى درجة تنشئة الطفل تنشئة اجتماعية صحيحة ، و الأسرة نأت بجانبها و تخلت
عن انخراطها في هذه العملية ، فكان سببا في خلق شخصية غير متزنة نفسيا
واجتماعيا . كل هذه المتغيرات الواقعية جعلت الأسرة والمدرسة تسحب
آمالهــما المتبادلــة وأنتجــت علاقــة متسمة بفقدان الأمـــل .
مجمل القول ، تبقى هذه بعض العناصر الدالة على متناقضات العلاقة القائمة
بين الأسرة والمدرسة ، مع الإشارة إلى وجود عناصر أخرى لا يمكن إغفالها .
و لتصبح كأداة بالغة الأهمية من أجل بلوغ انفتاح حقيقي بين مؤسسات المجتمع
وبالتالي بلوغ جودة التربية و التكوين المنشودة .
ذ. رشيد الخديمي
الملف التربوي
الاتحاد الاشتراكي
24-2-2011
يأت تناول الموضوع من باب الصدفة ، بل جاء نتيجة الظرفية الراهنة ، ظرفية
أبانت عن منظور جديد للعلاقة: أسرة- مدرسة ، سواء على مستوى الخطاب الرسمي
أو على مستوى الواقع الفعلي ، تلك العلاقة العضوية الكامنة بين المدرسة
والأسرة مافتئت تتوطد وتتأصل حينا بقدر ما تختل وتضمحل حينا آخر . فأضحت
بذلك العلاقة موسومة بعنصر الإزدواجية، والتي أملتها مجموعة من المتغيرات
الإبستيمولوجية والإيديولوجية .
ومن ناحية اعتبار الأسرة المصدر الأول للتعلم ، إذ فيها يتم تشكيل أهم
ملامح شخصية الطفل المتعلم ، ففيها ، أي الأسرة ، يأخذ الطفل مكوناته
الجينية التي تميزه عن غيره ، وأثناء مراحل نموه الأولى يستدمج مجموعة من
العادات و السلوكات التي ستؤطر أناه ، والذي سيصبح بدوره الرقيب الأعلى
لسلوكاته . فالأسرة إذن تلعب دورا مهما و أساسيا في هذا التشكل . ودون أن
تخوض في حيثيات نظريات التربية بمختلف توجهاتها ، فالأسرة لا تجد عناء في
البحث عن نظرية مثلى لتربية طفلها و لا عن برنامج تطبقه للوصول إلى
أهدافها و غاياتها ، بل كل ما في الأمر أن تربية الطفل تتم بطريقة مرنة و
سهلة الإنسياب و بكيفية تلقائية ، أي في الغالب الأعم بصفة لاإرادية ، فقد
نرغب في أن يخرج للوجود طفل»ة» عبقري نابغ حاذق ذو ملامح محددة ، لكن في
مقابل ذلك قد نجده على عكس ما توقعناه . فالتشكل الحقيقي يتم في مراحل من
الظلمات : ظلمات جنينية لا دخل لأفراد الأسرة فيها . هذه إذن أهم مرحلة من
مراحل نمو الطفل ، إذ فيها يكتسب الطفل مقومات شخصيته الأولية . فالتربية
هنا تتم دون وسائل الإيضاح أو الوسائل الديداكتيكية . الأسرة مكون أساسي
في تربية الطفل و خاصة منذ ولادته حتى سن قبل تمدرسه ، بل و يظل يتلقى
تعلمه أو بالأحرى تربيته في كنف المحيط الأسري حتى أثناء سن تمدرسه ، فهو
لا ينفصل عن جو الأسرة : قد يغيب عنها ساعات لكنه دوما يرجع إليها .
ومن جانب آخر تقوم الأسرة بتنشئة الطفل تنشئة اجتماعية و نفسية ، فتنظر
بذلك إلى الطفل على أنه رجل المستقبل فتوجهه أثناء تواجده بها نحو هذه
الغاية ، ليبقى شغلها الشاغل هو البحث عن جميع السبل للوصول إلى نهايتها و
البحث عن الكيفية التي بواسطتها تستطيع الأسرة ضمان مستقبل أفضل لطفلها .
هذا المستقبل قد يتوج بانخراط فعلي فعال في المجتمع : قد نرى فيه فردا غير
عاص للأسرة وغير متمرد على أصولها و ممتثل لأوامرها و منه مواطن غير متمرد
على المجتمع و ممتثل لتعاليمه . هذا هو المنظور الأمثل لتنشئة الطفل
سوسيولوجيا وسيكولوجيا ، فالطفل المتعلم لا بد أن ينشأ متوازنا ذا شخصية
مرنة و بعيدة عن العقد النفسية ، فلا ينبغي أن يشعر بالحرمان أو الدونية
أو الخوف ... فإثبات وجوده و هويته نابع من إشباع حاجاته النفسية مثل
الشعور بالأمن والحرية والحب من طرف أفراد المحيط الأسري .
وبانتقال الطفل من جو الأسرة إلى جو المدرسة نكون بدورنا دخلنا المكون
الثاني للعلاقة ، فالمدرسة تعتبر الوسط الثاني بعد الأسرة لتعلم الطفل و
تربيته ومن ثم تنشئته تنشئة اجتماعية حقيقية . لأن انتقال الطفل إلى
المدرسة لن يكون بالأمر الهين بالنسبة إليه ، فمن جهة أولى اعتاد نمطا في
التربية محددا و مألوفا لديه داخل أسرته ، هذا النمط قد يتغير عندما يضع
أول خطوة له في المحيط المدرسي . ومن جهة ثانية يرى أن قانون المدرسة ليس
كقانون الأسرة . إن الطفل المتعلم سيصير من خلال هذه الزاوية معلقا بين
الأسرة والمدرسة ، وسيظل يبحث جاهدا عن كيفية التوافق بين دينك المحيطين ،
و خاصة عندما يكونان متناقضين . ويمكن أن أتناول العلاقة من خلال العناصر
التالية :
1- تقارب / تباعد :
تبدو المدرسة أقرب إلى الأسرة في ما يخص توجهاتهما و وجهات نظرهما في
العلاقة بالطفل المتعلم من خلال إجابتهما عن السؤال المطروح : ماذا تريد
كل من المدرسة و الأسرة من الطفل ؟
هذا التقارب من حيث المبدأ هو أساسي لكون مختلف الوسطين يعنى بفعل التربية
و التنشئة . فالطفل الذي اكتسب أولى مبادئه و مقومات شخصيته داخل الأسرة
سوف يجد الطريق ممهدا لولوج باب المدرسة على اعتبارها أسرة من نوع آخر و
امتدادا للمدرسة الأولى الأسرة ، إذ لا وجود لاختلاف وتعارض بين الأسرتين
أو المدرستين ، ليبقى الطفل و أثناء سيرورة تعلمه ينتقل بين وسطين
متقاربين يكمل بعضهما الآخر . فالمدرسة قد تكون قريبة من الأسرة ، فهي
تستقطب كل طفل بلغ سن التمدرس ، فتوفر له المكان المناسب لاستكمال تعلمه و
تربيته و من ثم تنشئته تنشئة اجتماعية تمهد له إمكانية الانخراط في
المجتمع .
و في نفس الاتجاه ، إن الأسرة قريبة هي الأخرى من المدرسة ، فمن واجبها ،
أي الأسرة ، أن تعد فردا قادرا على مسايرة جو المدرسة و انخراطه فيه دون
أن يشعر بتغير على مستوى الوسط التعليمي . هذا التقارب قد نستشفه من خلال
اهتمام الأسرة بالمدرسة في مختلف المجالات ، كحماية المدرسة تربويا و
اجتماعيا و بيئيا ... فالأسرة ملزمة أن تقدم برامج تربوية بمعية المدرسة
أو بالأحرى أن يكون لها التأثير المباشر في البرامج التعليمية لأنها
الأقرب إلى فهم شخصية الطفل والتأثير فيه . بالإضافة إلى اقتراح وتنفيذ
أنشطة متنوعة تخدم المتعلم « ة»و المدرسة على السواء ، مع العمل على صيانة
مكونات تلك المدرسة بكل ما تحمله الكلمة من معنى .
إن تقارب المدرسة و الأسرة في الاتجاهين معا هدفه الوحيد هو خدمة المتعلم
من جهة ، و خدمة المجتمع من جهة ثانية . لكن و من غير المرغوب فيه أن
يتحول هذا التقارب إلى تباعد ، حيث تصبح اختصاصات كل من المدرسة و الأسرة
متناقضة ، فالأسرة ترغب في تكوين طفل ليس كما ترغب المدرسة في تربيته .
فالفرد الذي يلج المدرسة قد يجد نفسه يقتحم عالما مغايرا و بعيدا كل البعد
عما تلقاه و أنشئ عليه داخل أسرته .
2- تكامل / تنافر :
بدون منازع يمكن اعتبار المدرسة و الأسرة عنصرين متكاملين . فالمدرسة
مكملة للأسرة والعكس أيضا صحيح . هذا التكامل يجد مقوماته في كون المدرسة
ملزمة ، وأشد التزام ، بالتشاور مع الأسرة أثناء سن برامجها التعليمية
نظرا للأهمية البالغة لانخراط الأسرة داخل المؤسسة التعليمية ، كل ذلك من
أجل الفهم الحقيقي لشخصية الطفل المتعلم و لما فيه مصلحة له من جانب تعلمه
و تنشئته في الاتجاه الأصح .
تكامل يتمظهر أيضا من خلال وضع أهداف و غايات التعلم ، لأنه و أثناء
صياغتها قد نستحضر مقومات شخصية الطفل ، أو بمعنى آخر هذه الصياغة قد تكون
نابعة من حاجات الطفل المتعلم ، وبالتالي فإن الأمر يستلزم حضورا فعليا
لعامل الأسرة لتتكامل الرؤى على اعتبارها عارفة بخبايا طفلها . بيد أن
الممارسة الواقعية أبانت عن شرخ حقيقي بين أهداف الأسرة من جانب و أهداف
المدرسة من جانب ثان ، فلا الأسرة قادرة على الانخراط في الوسط المدرسي ،
ولا المدرسة قادرة على الاندماج في الجو الأسري ، فأصبحت بذلك العلاقة
أسرة / مدرسة متسمة بنوع من التنافر ، تنافر تتجلى معظم معالمه في كون
المؤسسة التعليمية ذات أهداف و غايات مغايرة و متناقضة مع تلك التي كانت
مرسومة من طرف الأسرة و التي سارت عليها أثناء عملية تنشئة طفلها منذ
مرحلة ما قبل الميلاد حتى بلوغه سن التمدرس ، إذ بالتحاقه بل بتسليمه
للمؤسسة التعليمية من طرف الأسرة لم يؤدى حقه ، فتخلت المدرسة عن الرسالة
التي حملتها الأسرة ، حيث إن العقد المتعارف عليه بين المؤسستين تم تجاوزه
والابتعاد عنه . هذا العقد لم يتم تجاوزه من طرف المدرسة فحسب بل حتى
الأسرة تخلت عن احترام بنود هذا العقد . من خلال هذا الطرح يظهر أن الطفل
المتعلم وضع في مكان التناقض والأزمة إذ لم يعد بمقدوره الإلتزام بتعاليم
أسرته التي تلقاها إبان ترعرعه داخلها في مقابل التعاليم الجديدة للمؤسسة
في كون هاتين المؤسستين غير متكاملتين .
يمكن أن نلحظ أيظا هذا التنافر في الكيفية التي ينظر إليها إلى هذا الطفل
، فالمدرسة تنظر إليه كفرد خاوي الوفاض و صفحة بيضاء ، فهو بذلك و عند
ولوجه المدرسة سوف تعيد تشكيله ليصبح راشدا مسايرا لنمط المجتمع الذي يعيش
فيه وهي بذلك تنفي كل حمولته المعرفية و النفسية والاجتماعية التي كان
يمتلكها داخل أسرته . و من الوجهة الأخرى ، فالأسرة هي بدورها لا تعطي
الأهمية لدور المدرسة إذ تؤمن أن طفلها قبل انتمائه للمؤسسة التعليمية لا
ينقصه شيء في تكوينه فمن واجب هذه الأخيرة هو استكمال ما بدأته الأسرة .
إن عدم الإعتراف بدور كل مؤسسة من طرف الثانية ، كان من بين نتائجه هو هذا
التنافر ، و الذي يؤدي ثمنه المتعلم بالدرجة الأولى ومختلف مكونات
المؤسستين بالدرجة الثانية .
3- ثقة / لا ثقة :
إن العلاقة الوطيدة الموجودة بين الأسرة و المدرسة كانت مبنية على مبدأ
الثقة المتبادلة بين المؤسستين ، فالأسرة ظلت تثق بالمدرسة و هذه الأخيرة
بدورها وضعت ثقتها بالأولى . و موضوع الثقة كان يستمد ثوابته من مبدأ
تبادل الأدوار بين المدرسة و الأسرة . أو بعبارة أكثر دقة نجد أن الأسرة
قد تتحول إلى مدرسة والعكس أيضا وارد الحدوث . و لن يتأتى ذلك ما لم يتم
وضع في الحسبان مقومات كل طرف على حدة ونظرته إلى الطرف الثاني . فالأسرة
وثقت بالمدرسة من خلال أهدافها و برامجها أو بواضح العبارة وثقت في
فلسفتها التربوية برمتها ، فرأت بذلك ، أي الأسرة ، أن المؤسسة التربوية
منبثقة من صميم مشاغل الأسرة و تطلعاتها تجاه طفلها المتعلم . و حري بنا
الإشارة هنا بأن وضع كل الثقة بالمدرسة من طرف الأسرة أرغم هذه الأخيرة
على ترك كل المسؤولية على عاتق الأولى ، فعندما أضع ثقتي بشخص معين معناه
أني لم أعد أحمل أدنى شك اتجاهه و بالتالي فأي خطوة أو عمل عمله فهو
بالضرورة مبارك مني . و على هذا الأساس اطمأنت الأسرة على مسيرة طفلها
داخل المدرسة وكأنها بذلك وضعته في المكان الأنسب و الآمن في نفس الوقت ،
ليصل الفرد بفعل ولوجه عالم المدرسة وتعلمه بها إلى كل ما رسمته أسرته و
هذا طبعا بفضل تلك الثقة المتبادلة بين المؤسستين . و عليه فإن المدرسة هي
بدورها وضعت ثقتها في الأسرة من منظورها ومعطياتها ، وثقت بها في معناه
الواسع ، بإنجاب وإعداد فرد صالح قادرا على مسايرة قانون المدرسة ومبادئها
: فرد طيع مطيع لأصولها غير متمرد ينفذ كل ما طلب منه دون اعتراض أو صعوبة
تذكر . نظرة هيمنت على ثقة المدرسة بالأسرة . مع الملاحظة أن تلك الثقة
أغفلت في جوانبها الحضور الفعلي و الحقيقي للفرد المتعلم ، إذ ظل هدف كل
واحدة و شغلها الشاغل هو إيجاد فرد يستجيب لأهدافهما .
4- أمل / فقدان الأمل :
خلال هذه المتناقضة يتبين أن كلا من المدرسة والأسرة كانت الواحدة تضع كل
آمالها على الأخرى ، لكن في مقابل ذلك فقد الأمل : فأمل الأسرة في المدرسة
يتمحور في تنشئة الطفل تنشئة سليمة أخلاقيا واجتماعيا من خلالها يكون
الفرد المتعلم مندمجا في مجتمعه ، بحيث سيصبح فردا يتحمل مسؤولياته داخل
أسرته و في محيطه ، فردا يسعى لبناء المجتمع بفعل الانخراط الكلي في
مؤسساته كل ذلك في سبيل بلوغ درجة أسمى من النضج المجتمعي . هذا الفرد
المندمج هو من صنع المدرسة على حسب أمل الأسرة ، والمحافظ على نظم أسرته
أيضا . كما نجد أن من بين ثمار هذه الآمال أن يكون الفرد متزنا نفسيا ، و
لن يتأتى له ذلك ما لم يكن هناك توافق و تكامل و اتحاد بين المؤسستين ،
هذا التوازن النفسي مطلوب و بحدة على اعتباره الركيزة الأساسية في خلق
الفرد المرغوب فيه ، و في غيابه تظهر كل أعراض الأمراض المجتمعية والنفسية
ومن ثمة انعكاسها على شخصية الطفل وعلى الأسرة و المجتمع على السواء . و
من بين الآمال المعقودة على المدرسة هو منح شواهد تخول للطفل المتمدرس
ولوج عالم الشغل : فكل طفل/ متعلم منذ دخوله المدرسة لا بد أن يجد شغلا
يؤمن له مستقبله .
وفي الاتجاه الآخر ، تبقى آمال المدرسة في الأسرة تتلخص في كون هذه
الأخيرة ملزمة بخلق طفل مجد محترم لقيم المدرسة ، ممتثل لأوامرها ذي تربية
سليمة على القيم العامة للمجتمع و من ثم قادر على التوفيق بين المدرسة
والأسرة . طفل محترم لقيم المدرسة يمتلك شخصية مرنة ينفذ أوامر المؤسسة
التعليمية دون اعتراض يذكر أو أدنى مقاومة من جانبه . فرد بذلك يصبح قادرا
على الموازنة بين متطلبات المدرسة ورغبات الأسرة .
وفي مقابل ذلك و بفقدان الأمل تصبح كل من المدرسة والأسرة فاقدة لكل معنى
، فالمدرسة لم تستطع العمل على إدماج الطفل في المجتمع و عدم توفير الشغل
المناسب و المنتظر من طرف الأسرة ، بالإضافة إلى كونها أي المدرسة لم ترق
إلى درجة تنشئة الطفل تنشئة اجتماعية صحيحة ، و الأسرة نأت بجانبها و تخلت
عن انخراطها في هذه العملية ، فكان سببا في خلق شخصية غير متزنة نفسيا
واجتماعيا . كل هذه المتغيرات الواقعية جعلت الأسرة والمدرسة تسحب
آمالهــما المتبادلــة وأنتجــت علاقــة متسمة بفقدان الأمـــل .
مجمل القول ، تبقى هذه بعض العناصر الدالة على متناقضات العلاقة القائمة
بين الأسرة والمدرسة ، مع الإشارة إلى وجود عناصر أخرى لا يمكن إغفالها .
و لتصبح كأداة بالغة الأهمية من أجل بلوغ انفتاح حقيقي بين مؤسسات المجتمع
وبالتالي بلوغ جودة التربية و التكوين المنشودة .
ذ. رشيد الخديمي
الملف التربوي
الاتحاد الاشتراكي
24-2-2011
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
رد: المدرسة والأسرة .. أية علاقة ؟
momkin n3raf chi dirasa li ahad sociologiyin ana ahtaj dirasatin fi nafs lmawdou3
mohmmed- عدد الرسائل : 1
العمر : 36
تاريخ التسجيل : 20/05/2011
مواضيع مماثلة
» علاقة نلسون مانديلا بالمغرب: علاقة عشق أفسدته المصالح الديبلوماسية..
» علاقة الخمليشيين باولاد كنون
» الاسماء العائلية للاسر الزواقية
» المدرسة المغربية: التربية على الغش
» المدرسة المغربية ..إلى أين؟
» علاقة الخمليشيين باولاد كنون
» الاسماء العائلية للاسر الزواقية
» المدرسة المغربية: التربية على الغش
» المدرسة المغربية ..إلى أين؟
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى