في مبدأ الفصل بين السلطات.. التشكل التاريخي والمضمون
صفحة 1 من اصل 1
في مبدأ الفصل بين السلطات.. التشكل التاريخي والمضمون
إن الحديث عن مضمون مبدأ فصل السلطات يستلزم التعرف أولا على قاعدة هذا
المبدأ والتطرق ثانيا إلى مكوناته، فهذا المبدأ يحيل على الملابسات التي
أفضت إلى ظهور هذا المبدأ إضافة إلى مبررات اعتماده من قبل منظريه.
يشكل مبدأ فصل السلطات أحد مقومات الديمقراطية التمثيلية، لذلك فملابسات
ظهور هذا المبدأ هي نفسها ملابسات تشكل النظام السياسي القائم على هذا
الشكل من الديمقراطية، ويقدم النظام السياسي الانجليزي النموذج المعبر عن
هذا التلازم، فكيف تطور إذن النظام التمثيلي في انجلترا؟
لعبت الملكية دورا أساسيا داخل انجلترا بحيث كانت تمارس سلطة قوية جدا،
الأمر الذي دفع النبلاء إلى التحالف مع الطبقة الوسطى (البرجوازية الناشئة)
لمواجهة هذه السلطة والحد من امتيازات العرش. ونظرا للطابع الفيودالي
للنظام، فقد كان الملك مضطرا لاستشارة طبقة النبلاء وكذلك رجال الدين من
خلال مجمع (كونسيليوم)، وتطور أداء هذا المجلس ابتداء من القرن الثاني عشر
بحيث أصبح يجتمع بشكل دوري واتخذ اسما جديدا هو: «الماغنوم كونسيليوم» أي
مجلس المملكة المشترك، وابتدأ من القرن الثالث عشر، وقع تحول ملحوظ في
طبيعة هذا المجلس، فبمقتضى العهد الأعظم الصادر سنة 1215 تم الاعتراف له
بحق الموافقة على الضرائب وتقديم العرائض.
في البداية، كان «الماغنوم كونسيليو» يتشكل من ممثلي فئتين : النبلاء ورجال
الدين، وابتداء من 25 يناير 1265 دعي ممثلو الطبقة الوسطى للانضمام إليه،
واعتبر هذا اليوم يوم ظهور البرلمان في انجلترا، وقد تكسرت هذه التمثيلية
رسميا سنة 1295تاريخ انعقاد الجمعية الأولى المعروفة بـ»البرلمان
المثالي».
في القرن الرابع عشر، سينقسم «البرلمان المثالي» إلى غرفتين، وذلك
لاعتبارات تتعلق بالمنحدر الاجتماعي، بحيث أصبح ممثلو الطبقة الوسطى
يجتمعون بمفردهم للتداول، وهو نفس ما قام به ممثلو النبلاء ورجال الدين،
وقد تكرس هذا الفصل نهائيا سنة 1351 وذلك بتوفر ممثلي الطبقة الوسطى على
مكان خاص بهم للاجتماع، وأصبح يعرف بمجلس العموم، وفي سنة 1377، أصبح
للمجلس رئيس يدير جلساته.
لقد اكتسب البرلمان الانجليزي صلاحياته منذ سنة 1215 بموجب العهد الأعظم،
فقد حاز حق الموافقة على الضرائب وتقديم العرائض، وابتداء من سنة 1462،
أصبح أعضاء البرلمان هم الذين يقدمون مشاريع القوانين، فإذا حصل الاتفاق
بين أعضاء المجلسين، لم يكن أمام الملك إلا إصدار القانون.
غير أن هذه الديمقراطية التمثيلية ستعرف نوعا من التراجع بعدما تحولت
الملكية الانجليزية إلى ملكية مطلقة سنة 1485، وذلك باعتلاء سلالة آل تودور
عرش انجلترا، وظلت كذلك إلى أن وصلت سلالة أخرى إلى العرش وهي سلالة آل
ستيوارت سنة 1603، لقد عمل الملوك خلال هذه الفترة على مهادنة البرلمان مع
رغبة واضحة في تقليص صلاحياته، فمنذ عهد هنري الثامن، منح البرلمان الملك
حق إصدار إرادات لها صفة القانون، وهذا يفيد انتقالا عمليا لسلطة التشريع
من البرلمان إلى الملك.
حاول البرلمان استرجاع صلاحياته منذ قيام حكم آل ستيوارت سنة 1603، وكان من
نتائج هذه المحاولات إصدار ملتمس الحقوق سنة 1629، وقد تطورت الأحداث
باندلاع حرب أهلية سنة 1642 انتهت بهزيمة الملك سنة 1648 الذي نفذ فيه حكم
بالإعدام السنة الموالية، حيث أعلن عن قيام نظام جمهوري تحت قيادة
«كرومويل»، هذا النظام الذي اختفى سنة 1660 بعودة آل ستيوارت إلى الحكم.
لقد كان وصول سلالة جديدة إلى الحكم سنة 1668 وهي سلالة آل اورانج إيذانا
بعودة الملكية التمثيلية إلى انجلترا، حيث استلم الملك الجديد العرش بناء
على اتفاق مع البرلمان، وصدر في السنة الموالية (1689) بيان الحقوق، وكان
من بين أهم ما تضمنه هذا البيان تنازل الملك عن حق التشريع لفائدة
البرلمان، ولم يقتصر الأمر على الحد من صلاحيات الملك في المجال التشريعي،
بل تم التفكير في الحد من صلاحياته التنفيذية، وذلك بتعويضه بجهاز حكومي
يمتلك السلطة التنفيذية، هذا الجهاز الحكومي الذي ينبغي أن يستند على
أغلبية برلمانية، وهكذا إذن انتصر النظام التمثيلي في بريطانيا ابتداء من
القرن السابع عشر، وكان هذا الانتصار محكوما بمنطق اعتماد مبدأ فصل
السلطات، فما هي مبررات هذا الاعتماد؟
يعتبر جون لوك أول من كتب عن مبدأ فصل السلطات في كتابه : مقالتان في
الحكومة المدنية، حيث شدد على ضرورة الفصل بين السلطة التشريعية والسلطة
التنفيذية ووضع كل واحد منهما في يد هيئة مستقلة، ولقد برر لوك هذا الفصل
انطلاقا من اعتبارين :
ـ الاعتبار الأول يعود إلى كون الجماعة السياسية هي أكثر حاجة إلى السلطة
التنفيذية منها إلى السلطة التشريعية، فالسلطة الأولى ينبغي أن تكون حاضرة
يوميا لتنفيذ ما تصدره السلطة الثانية من قوانين، مع التذكير أن الجماعة
السياسية ليست في حاجة إلى قوانين تصدر كل يوم، وعليه تجتمع السلطة
التشريعية على فترات، وهذا الاختلاف في طبيعة السلطتين يوجب تمييزهما عن
بعض.
ـ الاعتبار الثاني يؤول إلى كون تجميع السلطتين التنفيذية والتشريعية من
شأنه أن يفضي إلى الاستبداد، ذلك أن طبيعة الإنسان ميالة إلى التحكم إذا لم
تجد من يوقفها، وأفضل آلية لإيقاف هذا التحكم والاستبداد هو وجود هيئتين
مستقلتين عن بعضهما البعض، كل واحدة منهما تنبه الأخرى إلى حدود صلاحياتها
واختصاصاتها.
وبشكل عام، فإن مبدأ فصل السلطات بالنسبة إلى جون لوك يهدف إلى تجنب
الاستبداد، وان صلاحيات السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية تستمد جزءا من
شرعيتها من كونها تنشد خدمة الصالح العام، فإذا انحرفت السلطات عن هذا
الطريق، وجبت مقاومتها من قبل الشعب.
ورغم أن لوك يعتبر أول من كتب عن مبدأ فصل السلطات. فان هذا المبدأ سيرتبط
باسم مونتسكيو الذي أعاد صياغة المبدأ في كتابه «روح القوانين» الصادر سنة
1748، وقد برر اعتماد المبدأ انطلاقا من اعتبارين :
ـ الاعتبار الأول يتمثل في كون تجميع السلطات من شأنه أن يؤدي إلى
الاستبداد، نظرا لكون النفس البشرية ميالة إليه، وهو هنا يعيد إنتاج ما
قاله «ج.لوك»، يقول مونتسكيو في توضيح هذا الاعتبار الأول: «التجربة
الأبدية أثبتت أن كل إنسان يتمتع بسلطة لا بد أن يسيء استعمالها إلى أن يجد
الحدود التي توقفه، أن الفضيلة نفسها في حاجة إلى حدود. ولكي لا يمكن
إساءة استعمال السلطة، فإنه يجب أن يكون الأساس أن السلطة توقف السلطة».
ـ الاعتبار الثاني يتجلى في كون اعتماد فصل السلطات هو الوسيلة الوحيدة
التي تكفل احترام القوانين وتطبيقها التطبيق الصحيح، لكن، ما هي السلطات
العامة؟، هناك اختلاف في تحديد السلطات العامة بين الأدبيات السياسية
الكلاسيكية والفقه الدستوري الحديث.
في الأدبيات السياسية الكلاسيكية، هناك تصوران: التصور الأول يقوم على فكرة
الفصل بين الوظائف والتصور الثاني يرتكز على مبدأ الفصل بين السلطات، في
إطار التصور الأول، ميز أرسطو بين ثلاث وظائف داخل الدولة المدينة: وظيفة
التداول ووظيفة الأمر ووظيفة العدالة.
لا يفيد هذا التقسيم الأرسطي فصلا للسلطات، وإنما هو تقسيم وظيفي، إذ
الوظائف الثلاث يمكن أن يمارسها شخص واحد أو هيئة واحدة، وهذا التقسيم
الوظيفي هو نفس ما اعتمده فقهاء مدرسة القانون الطبيعي أمثال غروتيوس
و«وولف» و«بوفندروف».
أما في إطار التصور الثاني، ميز «ج.لوك» الذي يعتبر أول من كتب عن مبدأ
السلطات بين أربع سلطات عامة داخل الدولة: تكمن السلطة الأولى في السلطة
التشريعية ومهمتها سن القوانين، وهي أعلى سلطة وأقدسها داخل الدولة، وينبغي
على السلطات الأخرى وفي مقدمتها السلطة التنفيذية أن تخضع لها، ولكن هل
أولوية السلطة التشريعية تفيد أنها مطلقة الصلاحيات؟
يورد «ج.لوك» عدة قيود على السلطة التشريعية: يتعلق القيد الأول بالتزام
المشرع في وضعه للقوانين بمبادئ القانون الطبيعي، ويكمن القيد الثاني في
عدم شرعية إصدار قانون يجيز الاستيلاء على أموال أحد الأفراد بدون رضاه،
ويرجع القيد الثالث إلى ضرورة اتصاف القوانين الصادرة بعدم الرجعية.
تتحدد السلطة الثانية في السلطة التنفيذية ومهمتها تنفيذ القوانين وحفظ
الأمن الداخلي,غير أن تأكيد أولوية السلطة التشريعية لا يفيد أن السلطة
التنفيذية مجرد مترجم أمين لإرادة السلطة التشريعية، فالسلطة التنفيذية
تتمتع بسلطة تقديرية مهمة، وذلك يتجلى من خلال مستويين: يبرز المستوى الأول
في الحالات التي تفتقد إلى قانون ينظمها ويرتبط المستوى الثاني بالظروف
الاستثنائية التي قد تجتازها الدولة، حيث تكون القوانين الجاري بها العمل
والموضوعة أساسا لتنظيم الظروف العادية، غير صالحة لخدمة المصلحة العامة.
تتجسد السلطة الثالثة في السلطة الاتحادية وهي الهيئة التي تدير الشؤون
الخارجية للدولة، وبالتالي فإنها تقوم بأداء مجموعة من المهام المرتبطة
بسلطتها، ومنها: إعلان الحرب وإقرار السلم وإبرام المعاهدات.
تتمثل السلطة الرابعة في سلطة التاج وتتحدد في مجموع الاختصاصات التي تتمتع
بها المؤسسة الملكية. ويلاحظ أن «ج.لوك» لا يعتبر القضاء سلطة مستقلة.
إذا كان «ج.لوك» قد قسم السلطات العامة إلى أربع سلطات، ف«مونتسكيو»
اختزلها في ثلاث سلطات وهي:السلطة التشريعية والتي تكمن وظيفتها في صياغة
القوانين بشكل مؤقت أو بشكل دائم أو في تعديل أو إلغاء القوانين المعمول
بها والسلطة المنفذة للقانون العام (السلطة التنفيذية) والتي ترتبط مهمتها
بإقرار السلم وإعلان الحرب وإرسال السفراء واستقبالهم وتوطيد الأمن
الداخلي والإعداد لرد كل اعتداء خارجي والسلطة المنفذة للقانون الخاص (سلطة
القضائية) وتتحدد مهمتها في معاقبة كل جرم والفصل في منازعات الأفراد.
محمد ضريف
المساء
13-4-2011
المبدأ والتطرق ثانيا إلى مكوناته، فهذا المبدأ يحيل على الملابسات التي
أفضت إلى ظهور هذا المبدأ إضافة إلى مبررات اعتماده من قبل منظريه.
يشكل مبدأ فصل السلطات أحد مقومات الديمقراطية التمثيلية، لذلك فملابسات
ظهور هذا المبدأ هي نفسها ملابسات تشكل النظام السياسي القائم على هذا
الشكل من الديمقراطية، ويقدم النظام السياسي الانجليزي النموذج المعبر عن
هذا التلازم، فكيف تطور إذن النظام التمثيلي في انجلترا؟
لعبت الملكية دورا أساسيا داخل انجلترا بحيث كانت تمارس سلطة قوية جدا،
الأمر الذي دفع النبلاء إلى التحالف مع الطبقة الوسطى (البرجوازية الناشئة)
لمواجهة هذه السلطة والحد من امتيازات العرش. ونظرا للطابع الفيودالي
للنظام، فقد كان الملك مضطرا لاستشارة طبقة النبلاء وكذلك رجال الدين من
خلال مجمع (كونسيليوم)، وتطور أداء هذا المجلس ابتداء من القرن الثاني عشر
بحيث أصبح يجتمع بشكل دوري واتخذ اسما جديدا هو: «الماغنوم كونسيليوم» أي
مجلس المملكة المشترك، وابتدأ من القرن الثالث عشر، وقع تحول ملحوظ في
طبيعة هذا المجلس، فبمقتضى العهد الأعظم الصادر سنة 1215 تم الاعتراف له
بحق الموافقة على الضرائب وتقديم العرائض.
في البداية، كان «الماغنوم كونسيليو» يتشكل من ممثلي فئتين : النبلاء ورجال
الدين، وابتداء من 25 يناير 1265 دعي ممثلو الطبقة الوسطى للانضمام إليه،
واعتبر هذا اليوم يوم ظهور البرلمان في انجلترا، وقد تكسرت هذه التمثيلية
رسميا سنة 1295تاريخ انعقاد الجمعية الأولى المعروفة بـ»البرلمان
المثالي».
في القرن الرابع عشر، سينقسم «البرلمان المثالي» إلى غرفتين، وذلك
لاعتبارات تتعلق بالمنحدر الاجتماعي، بحيث أصبح ممثلو الطبقة الوسطى
يجتمعون بمفردهم للتداول، وهو نفس ما قام به ممثلو النبلاء ورجال الدين،
وقد تكرس هذا الفصل نهائيا سنة 1351 وذلك بتوفر ممثلي الطبقة الوسطى على
مكان خاص بهم للاجتماع، وأصبح يعرف بمجلس العموم، وفي سنة 1377، أصبح
للمجلس رئيس يدير جلساته.
لقد اكتسب البرلمان الانجليزي صلاحياته منذ سنة 1215 بموجب العهد الأعظم،
فقد حاز حق الموافقة على الضرائب وتقديم العرائض، وابتداء من سنة 1462،
أصبح أعضاء البرلمان هم الذين يقدمون مشاريع القوانين، فإذا حصل الاتفاق
بين أعضاء المجلسين، لم يكن أمام الملك إلا إصدار القانون.
غير أن هذه الديمقراطية التمثيلية ستعرف نوعا من التراجع بعدما تحولت
الملكية الانجليزية إلى ملكية مطلقة سنة 1485، وذلك باعتلاء سلالة آل تودور
عرش انجلترا، وظلت كذلك إلى أن وصلت سلالة أخرى إلى العرش وهي سلالة آل
ستيوارت سنة 1603، لقد عمل الملوك خلال هذه الفترة على مهادنة البرلمان مع
رغبة واضحة في تقليص صلاحياته، فمنذ عهد هنري الثامن، منح البرلمان الملك
حق إصدار إرادات لها صفة القانون، وهذا يفيد انتقالا عمليا لسلطة التشريع
من البرلمان إلى الملك.
حاول البرلمان استرجاع صلاحياته منذ قيام حكم آل ستيوارت سنة 1603، وكان من
نتائج هذه المحاولات إصدار ملتمس الحقوق سنة 1629، وقد تطورت الأحداث
باندلاع حرب أهلية سنة 1642 انتهت بهزيمة الملك سنة 1648 الذي نفذ فيه حكم
بالإعدام السنة الموالية، حيث أعلن عن قيام نظام جمهوري تحت قيادة
«كرومويل»، هذا النظام الذي اختفى سنة 1660 بعودة آل ستيوارت إلى الحكم.
لقد كان وصول سلالة جديدة إلى الحكم سنة 1668 وهي سلالة آل اورانج إيذانا
بعودة الملكية التمثيلية إلى انجلترا، حيث استلم الملك الجديد العرش بناء
على اتفاق مع البرلمان، وصدر في السنة الموالية (1689) بيان الحقوق، وكان
من بين أهم ما تضمنه هذا البيان تنازل الملك عن حق التشريع لفائدة
البرلمان، ولم يقتصر الأمر على الحد من صلاحيات الملك في المجال التشريعي،
بل تم التفكير في الحد من صلاحياته التنفيذية، وذلك بتعويضه بجهاز حكومي
يمتلك السلطة التنفيذية، هذا الجهاز الحكومي الذي ينبغي أن يستند على
أغلبية برلمانية، وهكذا إذن انتصر النظام التمثيلي في بريطانيا ابتداء من
القرن السابع عشر، وكان هذا الانتصار محكوما بمنطق اعتماد مبدأ فصل
السلطات، فما هي مبررات هذا الاعتماد؟
يعتبر جون لوك أول من كتب عن مبدأ فصل السلطات في كتابه : مقالتان في
الحكومة المدنية، حيث شدد على ضرورة الفصل بين السلطة التشريعية والسلطة
التنفيذية ووضع كل واحد منهما في يد هيئة مستقلة، ولقد برر لوك هذا الفصل
انطلاقا من اعتبارين :
ـ الاعتبار الأول يعود إلى كون الجماعة السياسية هي أكثر حاجة إلى السلطة
التنفيذية منها إلى السلطة التشريعية، فالسلطة الأولى ينبغي أن تكون حاضرة
يوميا لتنفيذ ما تصدره السلطة الثانية من قوانين، مع التذكير أن الجماعة
السياسية ليست في حاجة إلى قوانين تصدر كل يوم، وعليه تجتمع السلطة
التشريعية على فترات، وهذا الاختلاف في طبيعة السلطتين يوجب تمييزهما عن
بعض.
ـ الاعتبار الثاني يؤول إلى كون تجميع السلطتين التنفيذية والتشريعية من
شأنه أن يفضي إلى الاستبداد، ذلك أن طبيعة الإنسان ميالة إلى التحكم إذا لم
تجد من يوقفها، وأفضل آلية لإيقاف هذا التحكم والاستبداد هو وجود هيئتين
مستقلتين عن بعضهما البعض، كل واحدة منهما تنبه الأخرى إلى حدود صلاحياتها
واختصاصاتها.
وبشكل عام، فإن مبدأ فصل السلطات بالنسبة إلى جون لوك يهدف إلى تجنب
الاستبداد، وان صلاحيات السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية تستمد جزءا من
شرعيتها من كونها تنشد خدمة الصالح العام، فإذا انحرفت السلطات عن هذا
الطريق، وجبت مقاومتها من قبل الشعب.
ورغم أن لوك يعتبر أول من كتب عن مبدأ فصل السلطات. فان هذا المبدأ سيرتبط
باسم مونتسكيو الذي أعاد صياغة المبدأ في كتابه «روح القوانين» الصادر سنة
1748، وقد برر اعتماد المبدأ انطلاقا من اعتبارين :
ـ الاعتبار الأول يتمثل في كون تجميع السلطات من شأنه أن يؤدي إلى
الاستبداد، نظرا لكون النفس البشرية ميالة إليه، وهو هنا يعيد إنتاج ما
قاله «ج.لوك»، يقول مونتسكيو في توضيح هذا الاعتبار الأول: «التجربة
الأبدية أثبتت أن كل إنسان يتمتع بسلطة لا بد أن يسيء استعمالها إلى أن يجد
الحدود التي توقفه، أن الفضيلة نفسها في حاجة إلى حدود. ولكي لا يمكن
إساءة استعمال السلطة، فإنه يجب أن يكون الأساس أن السلطة توقف السلطة».
ـ الاعتبار الثاني يتجلى في كون اعتماد فصل السلطات هو الوسيلة الوحيدة
التي تكفل احترام القوانين وتطبيقها التطبيق الصحيح، لكن، ما هي السلطات
العامة؟، هناك اختلاف في تحديد السلطات العامة بين الأدبيات السياسية
الكلاسيكية والفقه الدستوري الحديث.
في الأدبيات السياسية الكلاسيكية، هناك تصوران: التصور الأول يقوم على فكرة
الفصل بين الوظائف والتصور الثاني يرتكز على مبدأ الفصل بين السلطات، في
إطار التصور الأول، ميز أرسطو بين ثلاث وظائف داخل الدولة المدينة: وظيفة
التداول ووظيفة الأمر ووظيفة العدالة.
لا يفيد هذا التقسيم الأرسطي فصلا للسلطات، وإنما هو تقسيم وظيفي، إذ
الوظائف الثلاث يمكن أن يمارسها شخص واحد أو هيئة واحدة، وهذا التقسيم
الوظيفي هو نفس ما اعتمده فقهاء مدرسة القانون الطبيعي أمثال غروتيوس
و«وولف» و«بوفندروف».
أما في إطار التصور الثاني، ميز «ج.لوك» الذي يعتبر أول من كتب عن مبدأ
السلطات بين أربع سلطات عامة داخل الدولة: تكمن السلطة الأولى في السلطة
التشريعية ومهمتها سن القوانين، وهي أعلى سلطة وأقدسها داخل الدولة، وينبغي
على السلطات الأخرى وفي مقدمتها السلطة التنفيذية أن تخضع لها، ولكن هل
أولوية السلطة التشريعية تفيد أنها مطلقة الصلاحيات؟
يورد «ج.لوك» عدة قيود على السلطة التشريعية: يتعلق القيد الأول بالتزام
المشرع في وضعه للقوانين بمبادئ القانون الطبيعي، ويكمن القيد الثاني في
عدم شرعية إصدار قانون يجيز الاستيلاء على أموال أحد الأفراد بدون رضاه،
ويرجع القيد الثالث إلى ضرورة اتصاف القوانين الصادرة بعدم الرجعية.
تتحدد السلطة الثانية في السلطة التنفيذية ومهمتها تنفيذ القوانين وحفظ
الأمن الداخلي,غير أن تأكيد أولوية السلطة التشريعية لا يفيد أن السلطة
التنفيذية مجرد مترجم أمين لإرادة السلطة التشريعية، فالسلطة التنفيذية
تتمتع بسلطة تقديرية مهمة، وذلك يتجلى من خلال مستويين: يبرز المستوى الأول
في الحالات التي تفتقد إلى قانون ينظمها ويرتبط المستوى الثاني بالظروف
الاستثنائية التي قد تجتازها الدولة، حيث تكون القوانين الجاري بها العمل
والموضوعة أساسا لتنظيم الظروف العادية، غير صالحة لخدمة المصلحة العامة.
تتجسد السلطة الثالثة في السلطة الاتحادية وهي الهيئة التي تدير الشؤون
الخارجية للدولة، وبالتالي فإنها تقوم بأداء مجموعة من المهام المرتبطة
بسلطتها، ومنها: إعلان الحرب وإقرار السلم وإبرام المعاهدات.
تتمثل السلطة الرابعة في سلطة التاج وتتحدد في مجموع الاختصاصات التي تتمتع
بها المؤسسة الملكية. ويلاحظ أن «ج.لوك» لا يعتبر القضاء سلطة مستقلة.
إذا كان «ج.لوك» قد قسم السلطات العامة إلى أربع سلطات، ف«مونتسكيو»
اختزلها في ثلاث سلطات وهي:السلطة التشريعية والتي تكمن وظيفتها في صياغة
القوانين بشكل مؤقت أو بشكل دائم أو في تعديل أو إلغاء القوانين المعمول
بها والسلطة المنفذة للقانون العام (السلطة التنفيذية) والتي ترتبط مهمتها
بإقرار السلم وإعلان الحرب وإرسال السفراء واستقبالهم وتوطيد الأمن
الداخلي والإعداد لرد كل اعتداء خارجي والسلطة المنفذة للقانون الخاص (سلطة
القضائية) وتتحدد مهمتها في معاقبة كل جرم والفصل في منازعات الأفراد.
محمد ضريف
المساء
13-4-2011
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
مواضيع مماثلة
» برنامج خاص : الأحد 3 أبريل يتطرق مصطفاوي في هذا العدد لاشكالية مبدأ الفصل بين السلط وكيف يطبق على أرض الواقع
» العودة إلى مبدأ «الإقليمية" ومستقبل التقاطبات الاقتصادية في العالم
» عائشة الخطابي تحكي...
» موقع الحدث العثماني التاريخي في صراعات العالم القديم
» فتاوى واراء..
» العودة إلى مبدأ «الإقليمية" ومستقبل التقاطبات الاقتصادية في العالم
» عائشة الخطابي تحكي...
» موقع الحدث العثماني التاريخي في صراعات العالم القديم
» فتاوى واراء..
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى