زنزانة الزعيم..
صفحة 1 من اصل 1
زنزانة الزعيم..
جال الزعيم بعينيه في المربع الإسمنتي، وحدث نفسه بذهول، هل تكون القيامة هكذا دوما، بجدران عارية، وفضاء متقشف ومربع سماء؟
الزعيم الذي ألف القصر طويلا، لم يتخيل مكانا قبل هذا. ولم يخطر بباله أن
السجن الذي كانت التقارير توافيه بأخباره، يمكنه أن يكون بهذا الصلف وبهذا
الجبروت.
جال مجددا بنظراته ورأى نفسه في مرآة من سراب. كان يقف ملوحا من فوق
المنصة، إلى جماهير الشعب القابع تحت حذائه. وكان فرحا للغاية وهو يمنح
زوجته نصف الأرض ونصف السماء، ويضع ابنيه على ركبتيه ويعلمهما سرقة المال
والأراضي والشركات ويعدهما للحكم بعده.
رأى طابورا طويلا من الخانعين وأصحاب التزلف والذين تعودوا على رياضة الإنحناء الوطني.
رأى كل ذلك، وكاد يبتسم، لولا أنه سمع صرير الأبواب الحديدية يغلق من جديد، وتذكر أن ابنيه يوجدان معه في السجن.
كاد يصرخ مجددا، لكنه لن يستطيع، كما يحدث في كل الكوابيس.
وأراد أن يجرى، ولم يستطع، كما في الكوابيس.
وأراد أن ينادي، ولكنه لم يستطع أن ينادي على أحد.
جلس وحيدا، واكتشف الدولة الوحيدة التي بقيت له من زمن السلطة والسطوة
والرعب. لحاف لا يحتاج إلى تعديل يورثه لابنه أو مرسوم لكي يكتب في ثراء
الزوجة..
كان اللحاف بسيطا وشبه ممسوح من فرط الاستعمال. والسرير الإسمنتي في السجن قبرا، ينتظر مجيء الملكين.
جلس الزعيم في ركن الزنزانة، وانصت طويلا إلى الصمت المحيط به. كان الوحيد
الصامت في الحقيقة، لأنه خارج الأسوار، كان ما يشبه السعادة المعدية في
الكلام عند السجناء. العدوى الفرحة تنتقل عبر اللسان وعبر الصرخات.
ومن شقائه أنه لا يملك حتى الحق في أن يغلق بابه عليه.
هو الذي أغلق أفواها كثيرة وأحزابا كثيرة وأرواحا كثيرة، فقد الحق في مفتاح في يديه.
كل الخزائن التي جمعها ووزعها في العالم لا يملك لها مفتاحا،
وها هو يفقد أبعد مفتاح في الكون، مفتاح الزنزانة.
مفارقة الزعيم أنه انتهى وحيدا مع نفسه.
وليس يحيط به أحد، سوى الجدران، وهو سجين نفسه وهو سجانها.
اليوم فقط أشعره المجتمع أنه مجرم. وفي السابق كان من زمرة المجرمين الفاسدين الذين لا يسكنون السجون.
كان بريء ما يحتل مكانه
ليس للزعيم سجن يليق به، سجن دستوري يروضه كما يشاء، سجن في التلفزيون كما اعتاد.
هل تساءل يوما وهو يفتح السجون، أنها ستظل مفتوحة إلى أن يدخلها؟
اليوم ينظر إلى الماضي القريب وينتظر أن يدخل حوروس عليه وهو بكامل أبهته الفرعونية ولعله يكذب ما يحصل.
لكن الذي يحصل هو أنه موضوع رهن الاعتقال على ذمة التحقيق،
جملة بسيطة للغاية، كان يمكن ألا تعني الكثير لو كان مواطنا بسيطا كالناس، لكنها تعني أنه سقط سقطة مدوية من الأعلى..
وأنه الآن على .. الضص
في السجن
عبد الحميد جماهري
الاتحاد الاشتراكي
18-4-2011
الزعيم الذي ألف القصر طويلا، لم يتخيل مكانا قبل هذا. ولم يخطر بباله أن
السجن الذي كانت التقارير توافيه بأخباره، يمكنه أن يكون بهذا الصلف وبهذا
الجبروت.
جال مجددا بنظراته ورأى نفسه في مرآة من سراب. كان يقف ملوحا من فوق
المنصة، إلى جماهير الشعب القابع تحت حذائه. وكان فرحا للغاية وهو يمنح
زوجته نصف الأرض ونصف السماء، ويضع ابنيه على ركبتيه ويعلمهما سرقة المال
والأراضي والشركات ويعدهما للحكم بعده.
رأى طابورا طويلا من الخانعين وأصحاب التزلف والذين تعودوا على رياضة الإنحناء الوطني.
رأى كل ذلك، وكاد يبتسم، لولا أنه سمع صرير الأبواب الحديدية يغلق من جديد، وتذكر أن ابنيه يوجدان معه في السجن.
كاد يصرخ مجددا، لكنه لن يستطيع، كما يحدث في كل الكوابيس.
وأراد أن يجرى، ولم يستطع، كما في الكوابيس.
وأراد أن ينادي، ولكنه لم يستطع أن ينادي على أحد.
جلس وحيدا، واكتشف الدولة الوحيدة التي بقيت له من زمن السلطة والسطوة
والرعب. لحاف لا يحتاج إلى تعديل يورثه لابنه أو مرسوم لكي يكتب في ثراء
الزوجة..
كان اللحاف بسيطا وشبه ممسوح من فرط الاستعمال. والسرير الإسمنتي في السجن قبرا، ينتظر مجيء الملكين.
جلس الزعيم في ركن الزنزانة، وانصت طويلا إلى الصمت المحيط به. كان الوحيد
الصامت في الحقيقة، لأنه خارج الأسوار، كان ما يشبه السعادة المعدية في
الكلام عند السجناء. العدوى الفرحة تنتقل عبر اللسان وعبر الصرخات.
ومن شقائه أنه لا يملك حتى الحق في أن يغلق بابه عليه.
هو الذي أغلق أفواها كثيرة وأحزابا كثيرة وأرواحا كثيرة، فقد الحق في مفتاح في يديه.
كل الخزائن التي جمعها ووزعها في العالم لا يملك لها مفتاحا،
وها هو يفقد أبعد مفتاح في الكون، مفتاح الزنزانة.
مفارقة الزعيم أنه انتهى وحيدا مع نفسه.
وليس يحيط به أحد، سوى الجدران، وهو سجين نفسه وهو سجانها.
اليوم فقط أشعره المجتمع أنه مجرم. وفي السابق كان من زمرة المجرمين الفاسدين الذين لا يسكنون السجون.
كان بريء ما يحتل مكانه
ليس للزعيم سجن يليق به، سجن دستوري يروضه كما يشاء، سجن في التلفزيون كما اعتاد.
هل تساءل يوما وهو يفتح السجون، أنها ستظل مفتوحة إلى أن يدخلها؟
اليوم ينظر إلى الماضي القريب وينتظر أن يدخل حوروس عليه وهو بكامل أبهته الفرعونية ولعله يكذب ما يحصل.
لكن الذي يحصل هو أنه موضوع رهن الاعتقال على ذمة التحقيق،
جملة بسيطة للغاية، كان يمكن ألا تعني الكثير لو كان مواطنا بسيطا كالناس، لكنها تعني أنه سقط سقطة مدوية من الأعلى..
وأنه الآن على .. الضص
في السجن
عبد الحميد جماهري
الاتحاد الاشتراكي
18-4-2011
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مواضيع مماثلة
» جيل جيلالة على لسان مولاي الطاهر
» مسرحية الزعيم -عادل إمام
» شعرية التفاصيل في حياة سياسي مغربي...(م. اسماعيل العلوي)
» أيها الزعيم. متى سترحل؟ / محمد بوبكري
» الزعيم» عادل إمام... مواقف مثيرة للجدل/إعداد - سعاد رودي
» مسرحية الزعيم -عادل إمام
» شعرية التفاصيل في حياة سياسي مغربي...(م. اسماعيل العلوي)
» أيها الزعيم. متى سترحل؟ / محمد بوبكري
» الزعيم» عادل إمام... مواقف مثيرة للجدل/إعداد - سعاد رودي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى