ملف :التنوع الثقافي، «تمغريبيت» وآفاق دسترة الأمازيغية
صفحة 1 من اصل 1
ملف :التنوع الثقافي، «تمغريبيت» وآفاق دسترة الأمازيغية
أكد الخطاب
الملكي لـ 9 مارس أن التعديل يستند على سبعة مرتكزات أساسية، محددا أولها
في «التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية
بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة».
وفي مذكراتها للجنة الخاصة بتعديل الدستور، أجمعت الأحزاب السياسية على
الطابع التعددي للثقافة المغربية، وخاصة في مكونيها العربي والأمازيغي. لكن
بعضها أشار أيضا إلى أبعاد أخرى منها، على سبيل المثال، «التراث والأدب
الحساني كرافد من روافد الأمة المغربية» (الاستقلال).
وبينما شددت جل الأحزاب، في اقتراحاتها، على ضرورة الرقي بالمعهد الملكي
للثقافة الأمازيغية إلى مؤسسة دستورية، فإنها اختلفت حول تفاصيل دسترة
اللغة الأمازيغية (لغة وطنية أم لغة رسمية). أوَلا يكمن الشيطان في
التفاصيل؟
ثمة أحزاب اقترحت جعل اللغة الأمازيغية لغة رسمية للبلاد على غرار العربية:
الأصالة والمعاصرة، النهج الديموقراطي، الحزب الاشتراكي وحزب التقدم
والاشتراكية
بينما رأت أحزاب أخرى أن جعلها لغة وطنية تقدم كاف، مع الحفاظ على اللغة
العربية بمفردها لغة رسمية: العدالة والتنمية، التجمع الوطني للأحرار،
المؤتمر الوطني الاتحادي، الاستقلال وحزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي.
من جهتهما، اكتفى الاتحاد الاشتراكي والحزب العمالي باقتراح دسترة الوضع
اللغوي بالمغرب باعتبار اللغتين العربية والأمازيغية لغتين وطنيتين.
وكيفما كان الوضع الدستوري الذي ستحصل عليه الأمازيغية، فإن أسئلة ما بعد
الدسترةتطرح بإلحاح منذ الآن، ومنها: ما آليات تفعيل هذه الدسترة وما
مترتباتها؟ ما ضمانة ألا يكون وضعها استنساخا للوضع الدوني الحالي للعربية؟
وقبل هذا وذاك: ما معنى أن تكون مغربيا اليوم بهويتك المتعددة ولغاتك
المتعددة وضرورة انفتاحك على الآخر؟ ما شروط عدم تشظي ما يوحدنا (تمغريبيت)
على صخرة تنوعنا ثقافيا؟
هي علامات استفهام من ضمن أخرى، يمكن تلخيصها في سؤال بسيط: الدسترة، وماذا بعد؟
علامات استفهام، استقينا مقاربات العديد من الباحثين المتخصصين في الموضوع حولها لتهيئ هذا الملف.
أنجز الملف: س. عاهد، ع. الحلاج
الملحق الثقافي
الاتحاد الاشتراكي
15-4-2011
الملكي لـ 9 مارس أن التعديل يستند على سبعة مرتكزات أساسية، محددا أولها
في «التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية
بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة».
وفي مذكراتها للجنة الخاصة بتعديل الدستور، أجمعت الأحزاب السياسية على
الطابع التعددي للثقافة المغربية، وخاصة في مكونيها العربي والأمازيغي. لكن
بعضها أشار أيضا إلى أبعاد أخرى منها، على سبيل المثال، «التراث والأدب
الحساني كرافد من روافد الأمة المغربية» (الاستقلال).
وبينما شددت جل الأحزاب، في اقتراحاتها، على ضرورة الرقي بالمعهد الملكي
للثقافة الأمازيغية إلى مؤسسة دستورية، فإنها اختلفت حول تفاصيل دسترة
اللغة الأمازيغية (لغة وطنية أم لغة رسمية). أوَلا يكمن الشيطان في
التفاصيل؟
ثمة أحزاب اقترحت جعل اللغة الأمازيغية لغة رسمية للبلاد على غرار العربية:
الأصالة والمعاصرة، النهج الديموقراطي، الحزب الاشتراكي وحزب التقدم
والاشتراكية
بينما رأت أحزاب أخرى أن جعلها لغة وطنية تقدم كاف، مع الحفاظ على اللغة
العربية بمفردها لغة رسمية: العدالة والتنمية، التجمع الوطني للأحرار،
المؤتمر الوطني الاتحادي، الاستقلال وحزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي.
من جهتهما، اكتفى الاتحاد الاشتراكي والحزب العمالي باقتراح دسترة الوضع
اللغوي بالمغرب باعتبار اللغتين العربية والأمازيغية لغتين وطنيتين.
وكيفما كان الوضع الدستوري الذي ستحصل عليه الأمازيغية، فإن أسئلة ما بعد
الدسترةتطرح بإلحاح منذ الآن، ومنها: ما آليات تفعيل هذه الدسترة وما
مترتباتها؟ ما ضمانة ألا يكون وضعها استنساخا للوضع الدوني الحالي للعربية؟
وقبل هذا وذاك: ما معنى أن تكون مغربيا اليوم بهويتك المتعددة ولغاتك
المتعددة وضرورة انفتاحك على الآخر؟ ما شروط عدم تشظي ما يوحدنا (تمغريبيت)
على صخرة تنوعنا ثقافيا؟
هي علامات استفهام من ضمن أخرى، يمكن تلخيصها في سؤال بسيط: الدسترة، وماذا بعد؟
علامات استفهام، استقينا مقاربات العديد من الباحثين المتخصصين في الموضوع حولها لتهيئ هذا الملف.
أنجز الملف: س. عاهد، ع. الحلاج
الملحق الثقافي
الاتحاد الاشتراكي
15-4-2011
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مساهمة المعهد الملكي في تأهيل الأمازيغية - بقلم : ذ. العميد أحمد بوكوس
المعهد الملكي
للثقافة الأمازيغية مؤسسة أحدثت سنة 2001، بجانب جلالة الملك محمد السادس،
على إثر الخطاب السامي لجلالته بمناسبة عيد العرش وخطابه السامي بأجدير.
ويحدد الظهير الشريف المحدث والمنظم للمعهد مهامه واختصاصاته ومجالات
اشتغاله والتي تدخل في نطاق مأمورياته الاستشارية والوساطية والإجرائية.
وتتجلى مهمة المعهد في إبداء الرأي لصاحب الجلالة حول التدابير التي من
شأنها الحفاظ على الثقافة الأمازيغية والنهوض بها في جميع تعابيرها، وكذا
في التشارك مع السلطات الحكومية والمؤسسات المعنية في تنفيذ السياسات التي
يعتمدها جلالة الملك، من أجل إدراج الأمازيغية في المنظومة التربوية، وضمان
إشعاعها في الفضاء الاجتماعي، والثقافي، والإعلامي الوطني والجهوي
والمحلي. ويشمل مجال عمل المعهد وأنشطته النهوض بالثقافة الأمازيغية في
مختلف تعابيرها، وبالإبداع الفني، وتنميط الخط الأمازيغي، والتربية واللغة،
والإعلام، والشراكة والتعاون المؤسسي.
تمحور الأنشطة الأكاديمية والإشعاعية التي ينظمها المعهد حول العمليات التي
تمّ اعتمادها من خلال تنفيذ مخطط العمل المصادق عليه من قبل مجلس الإدارة،
وإنجاز المشاريع المهيكلة التي تتأسس على إعمال مقتضيات الظهير المحدث
والمنظم للمعهد، وخاصة في مادته الثالثة. وهي أنشطة تتوزّع إلى مجالات
رئيسة تتثمثل في كل من: التهيئة اللغوية، والتعليم، والثقافة والفنون
والآداب، والترجمة والتواصل والإعلام، والتشارك والتعاون، والنشر. ويتم
إنجاز هذه المشاريع على مستوى أنشطة مراكز البحث التابعة للمعهد، وعلى
مستوى المؤسسة بمختلف هيئاتها، وذلك على نحو مندمج ومتكامل.
مجــال التهيئة اللغوية وتنميط تيفناغ
في إطار مشروع تنميط اللغة الأمازيغية وتوحيدها ومعيرتها، يعتمد المعهد
مقاربة علمية تقوم على مبدإ التدرّج وتدبير التنوّع اللغوي. وفي هذا
الصدد، يواصل المعهد إنجاز العمليات التي يستلزمها مشروع تهيئة اللغة
الأمازيغية وتقعيدها وتوفير العدد الضرورية لذلك. ومن أبرز المنجزات في هذا
المضمار، إنجاز دراسات وأبحاث أسفرت عن إعداد ونشر كتب ومراجع لغوية:
المصطلحية النحوية، ومعجم الإعلام، والنحو المرجعي، والصواتة، وكتاب
التصريف، والتقدّم في إعداد القاموس العام للأمازيغية، وإعداد تكييف قاعدة
المعلومات متكيّفة مع ذات القاموس العام، وتنظيم مناظراتة دولية حول معيرة
الأمازيغية. وبموازاة مع أنشطة البحث من أجل تهيئة الأمازيغية وتنميطها،
يواصل المعهد البحث في مجال معالجة الأمازيغية وإدخالها إلى تقنيات الإعلام
والاتصال.
مــجال التعليم
في إطار مأموريته المتمثلة في النهوض بتعليم الأمازيغية، وبشراكة مع وزارة
التربية الوطنية، يواصل المعهد ما اعتمده من سياسة دعم تدريس الأمازيغية في
كل من المستويين الابتدائي والعالي، وذلك. وتتمثل المنجزات المحصّلة خاصة
فيما تحقق من كتب مدرسية ودلائل بيداغوجية وكراسات الوضعيات الإدماجية
ودلائل الإدماج لكل مستويات التعليم الابتدائي وما تطلب ذلك من إعداد دفاتر
التحملات الخاصة ومصوغات التكوين الأساسي والمستمر، إضافة إلى ما تحقق على
مستوى الدعامات البيداغوجية، وعلى مستوى المعاجم العامة والمتخصصة، وكذا
ما أنجزعلى مستوى البرامج التعليمية، وأقراص مدمجة، وبرامج أخرى معلوماتية
تفاعلية، وموارد بيداغوجية رقمية لتدعيم تدريس اللغة الأمازيغية
من خلال جرد المكتسبات المحصّلة والاختلالات والنقائص المسجّلة، يمكن تلخيص
الإشكالات المركزية لإدماج الأمازيغية في المنظومة التربوية في العناصر
التالية:
< الحاجة إلى وضع مخطط استراتيجي وطني لتدبير تدريس الأمازيغية؛
< وضع النصوص التنظيمية الخاصة بتدريس الأمازيغية وأجرأتها وخاصة منها
المذكّرات الوزارية الملزمة للقطاعات المعنية بتدريس الأمازيغية على الصعيد
< توفير الظروف الموضوعية لتحقيق ما ينص عليه منهاج تدريس الأمازيغية من
مبادئ وخاصة مبدأ التعميم الأفقي والعمودي، ومبدأ التوحيد؛
< توفير المناصب المالية الازمة و توفيرالتكوين الأساس والمستمر للأطر
التربوية المكلفة بتدريس الأمازيغية في كافة مستويات التعليم؛ وذلك بدعم
التكوين الأساس بانخراط الجامعة المغربية في إحداث مسالك وماستر «الدراسات
الأمازيغية» وتعميمه في كل الكليات على المستوى الوطني، مع تفعيل التكوين
المستمر بانخراط كافة الأكاديميات.
مجالات الثقافة والآداب ولفنون
في إطار مأمورية المعهد في مجال البحث والدراسات المتعلقة بالثقافة
الأمازيغية، انصبت منجزات مراكز البحث على المجالات ذات صلة بصيانة التراث
الثقافي المادي والبيئة وتثمينهما، ونقل الثقافة والتحولات الاجتماعية
والثقافي وجمع المتن الأدبي وتدوينه ودراسته ونشره.
مجال النــشر
في سياق النهوض بالأمازيغية عن طريق نشر المعارف المرتبطة بالأمازيغية ،
نشر المعهد مجموعة من المؤلّفات، من دواوين شعرية، ومعاجم، وحكايات،
ودراسات، وكتب تربوية، وأعمال ندوات. وتأتي هذه الأعمال المنشورة لتساهم في
الإغناء الرصيد الوثائقي الأمازيغي في مختلف التخصصات (اللغة، التربية،
الآداب، التاريخ، الأنتروبولوجيا، الترجمات، المعلوميات، أعمال
الندوات...)، ووصل إجمالي منشورات المعهد ما يناهز 200 عنوانا. كما
يصدرالمعهد مجلته العلمية «أسينا»، ودوريته التواصلية «إنغميسن».
مجال الإعــــلام
يولي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أهمية قصوى لإدماج الأمازيغية في
الإعلام العمومي. وإذ يثمن المعهد كل ما تم إنجازه على مستوى مختلف وسائل
الإعلام الوطنية، إلا أنه مع ذلك، يتعيّن الوقوف عند بعض مظاهر القصور
والاختلال التي يتعيّن العمل التشاركي بين المعهد والقطاعات المعنية من أجل
تجاوزها، ومنها على الخصوص كون الإعلام العمومي لم يصل بعد إلى تملّك
التصوّر الوطني المواطِن لدوره في ترسيخ فكرة النهوض بالتنوّع اللغوي
والثقافي، والحفاظ عليه كمصدر لدمقرطة المجتمع. ويتجلّى ذلك من الحيّز
الضيق والمحدود للثقافة الأمازيغية في منابر الإعلام الوطني بمختلف منابره
السمعية والبصرية والمكتوبة. ومن ثمّ، فإن الدور المنوط به في تحسيس
الجمهور بهذا المعطى يبقى دون المطلوب. ويمكن أن نعزي هذا النقص لدى وسائل
الإعلام إلى قصور في المهنيّة، وإلى ضعف تكوين العاملين في القطاع في هذا
المجال الثقافي والحضاري، مما يؤدّي أحيانا إلى إعمال مُقاربةٍ تتسم
بالفلكلرة والسطحية وغياب العمق كلما تعلق الأمر بالبعد الأمازيغي في
الثقافة والفنون الأمازيغية في المشهد السمعي البصري، ويلاحظ ذلك، على وجه
الخصوص، في الإنتاج المستخرج، مرد ذلك ضعف الاحترافية لدى شركات الإنتاج.
الشــراكة المـــؤسساتية
تندرج الشراكة القائمة بين المعهد والجمعيات العاملة في مجال النهوض
بالأمازيغية، من جهة، في إطار انفتاحه على محيطه وفي سياق العمل التشاركي
من أجل النهوض بالثقافة الوطنية عامّة. ومن جهة ثانية، تدخل هذه الشراكة في
نطاق استراتيجية المعهد في ربط الثقافة بالتنمية البشرية من خلال الإسهام
في تأهيل المجتمع المدني، وفي تأطيره وتعبئته وفق التوجهات ذات البعد
التنموي التي تتوافق وتطلّعات بلادنا. وبهذا الصدد، وضع المعهد إطارا
مرجعيا للتعاون والشراكة مع هيئات ومنظمات وجمعيات المجتمع المدني العاملة
في حقل الثقافة الوطنية في علاقتها بالتنمية المستدامة. وتنبني هذه الشراكة
على مبادئ التكامل في الأهداف والوسائل، والاستقلالية، وذلك وفق علاقة
تعاقدية تقوم على مساعدة الجمعيات المعنية على إنجاز مشاريع في المجالات
ذات الاهتمام المشترك، ومنها: التعليم غير النظامي ومحاربة الأمية، والنهوض
بالثقافة المادية وغير المادية من آداب، وفنون، وتراث معماري، والتنمية
البشرية المرتبطة بمجالات الثقافة، الملتقيات الفكرية والإبداعية، والأنشطة
الموجهة للطفل والمرأة، والمهرجانات الثقافية والفنية، والمسرح والسينما.
جائزة الثقافة الأمازيغية
بناء على مقتضيات النصوص المؤطرة له، ينظم المعهد سنويا جائزة الثقافة
الأمازيغية، التي من بين أهدافها تكريم الفاعلين في أحد مكونات الثقافة
الوطنية، المتمثل في مختلف أشكال البحث والإبداع والإنتاج في الثقافة
الثقافة الأمازيغية، من باحثين، ومدرّسين، ومربّين، ومترجمين، ومبدعين
وفنّانين. ويتم تسليم جائزة الثقافة الأمازيغية كل سنة بمناسبة الاحتفاء
بذكرى الخطاب الملكي السامي بأجدير، هذا الاحتفاء الذي يحظى كل سنة
بالرعاية الملكية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
خاتمة
يتضح من خلال رصد المنجزات التي تحققت منذ إحداث المعهد الملكي للثقافة
الأمازيغية أن السياسة الرامية إلى النهوض بالأمازيغية قد حققت النصيب
الأوفر من المهام المناطة بالمِؤسسة، وأن صيرورة تأهيل الأمازيغية، في أفق
دسترتها وترسيمها، قد قطع أشواطا حاسمة من خلال تهيئة بناها الصوتية
والصرفية والتركيبية والمعجمية ومن خلال تنميط تيفيناغ، فضلا عن إعداد
الكتب المدرسية والمصنفات الأدبية والحوامل المتعددة الوسائط.
للثقافة الأمازيغية مؤسسة أحدثت سنة 2001، بجانب جلالة الملك محمد السادس،
على إثر الخطاب السامي لجلالته بمناسبة عيد العرش وخطابه السامي بأجدير.
ويحدد الظهير الشريف المحدث والمنظم للمعهد مهامه واختصاصاته ومجالات
اشتغاله والتي تدخل في نطاق مأمورياته الاستشارية والوساطية والإجرائية.
وتتجلى مهمة المعهد في إبداء الرأي لصاحب الجلالة حول التدابير التي من
شأنها الحفاظ على الثقافة الأمازيغية والنهوض بها في جميع تعابيرها، وكذا
في التشارك مع السلطات الحكومية والمؤسسات المعنية في تنفيذ السياسات التي
يعتمدها جلالة الملك، من أجل إدراج الأمازيغية في المنظومة التربوية، وضمان
إشعاعها في الفضاء الاجتماعي، والثقافي، والإعلامي الوطني والجهوي
والمحلي. ويشمل مجال عمل المعهد وأنشطته النهوض بالثقافة الأمازيغية في
مختلف تعابيرها، وبالإبداع الفني، وتنميط الخط الأمازيغي، والتربية واللغة،
والإعلام، والشراكة والتعاون المؤسسي.
تمحور الأنشطة الأكاديمية والإشعاعية التي ينظمها المعهد حول العمليات التي
تمّ اعتمادها من خلال تنفيذ مخطط العمل المصادق عليه من قبل مجلس الإدارة،
وإنجاز المشاريع المهيكلة التي تتأسس على إعمال مقتضيات الظهير المحدث
والمنظم للمعهد، وخاصة في مادته الثالثة. وهي أنشطة تتوزّع إلى مجالات
رئيسة تتثمثل في كل من: التهيئة اللغوية، والتعليم، والثقافة والفنون
والآداب، والترجمة والتواصل والإعلام، والتشارك والتعاون، والنشر. ويتم
إنجاز هذه المشاريع على مستوى أنشطة مراكز البحث التابعة للمعهد، وعلى
مستوى المؤسسة بمختلف هيئاتها، وذلك على نحو مندمج ومتكامل.
مجــال التهيئة اللغوية وتنميط تيفناغ
في إطار مشروع تنميط اللغة الأمازيغية وتوحيدها ومعيرتها، يعتمد المعهد
مقاربة علمية تقوم على مبدإ التدرّج وتدبير التنوّع اللغوي. وفي هذا
الصدد، يواصل المعهد إنجاز العمليات التي يستلزمها مشروع تهيئة اللغة
الأمازيغية وتقعيدها وتوفير العدد الضرورية لذلك. ومن أبرز المنجزات في هذا
المضمار، إنجاز دراسات وأبحاث أسفرت عن إعداد ونشر كتب ومراجع لغوية:
المصطلحية النحوية، ومعجم الإعلام، والنحو المرجعي، والصواتة، وكتاب
التصريف، والتقدّم في إعداد القاموس العام للأمازيغية، وإعداد تكييف قاعدة
المعلومات متكيّفة مع ذات القاموس العام، وتنظيم مناظراتة دولية حول معيرة
الأمازيغية. وبموازاة مع أنشطة البحث من أجل تهيئة الأمازيغية وتنميطها،
يواصل المعهد البحث في مجال معالجة الأمازيغية وإدخالها إلى تقنيات الإعلام
والاتصال.
مــجال التعليم
في إطار مأموريته المتمثلة في النهوض بتعليم الأمازيغية، وبشراكة مع وزارة
التربية الوطنية، يواصل المعهد ما اعتمده من سياسة دعم تدريس الأمازيغية في
كل من المستويين الابتدائي والعالي، وذلك. وتتمثل المنجزات المحصّلة خاصة
فيما تحقق من كتب مدرسية ودلائل بيداغوجية وكراسات الوضعيات الإدماجية
ودلائل الإدماج لكل مستويات التعليم الابتدائي وما تطلب ذلك من إعداد دفاتر
التحملات الخاصة ومصوغات التكوين الأساسي والمستمر، إضافة إلى ما تحقق على
مستوى الدعامات البيداغوجية، وعلى مستوى المعاجم العامة والمتخصصة، وكذا
ما أنجزعلى مستوى البرامج التعليمية، وأقراص مدمجة، وبرامج أخرى معلوماتية
تفاعلية، وموارد بيداغوجية رقمية لتدعيم تدريس اللغة الأمازيغية
من خلال جرد المكتسبات المحصّلة والاختلالات والنقائص المسجّلة، يمكن تلخيص
الإشكالات المركزية لإدماج الأمازيغية في المنظومة التربوية في العناصر
التالية:
< الحاجة إلى وضع مخطط استراتيجي وطني لتدبير تدريس الأمازيغية؛
< وضع النصوص التنظيمية الخاصة بتدريس الأمازيغية وأجرأتها وخاصة منها
المذكّرات الوزارية الملزمة للقطاعات المعنية بتدريس الأمازيغية على الصعيد
< توفير الظروف الموضوعية لتحقيق ما ينص عليه منهاج تدريس الأمازيغية من
مبادئ وخاصة مبدأ التعميم الأفقي والعمودي، ومبدأ التوحيد؛
< توفير المناصب المالية الازمة و توفيرالتكوين الأساس والمستمر للأطر
التربوية المكلفة بتدريس الأمازيغية في كافة مستويات التعليم؛ وذلك بدعم
التكوين الأساس بانخراط الجامعة المغربية في إحداث مسالك وماستر «الدراسات
الأمازيغية» وتعميمه في كل الكليات على المستوى الوطني، مع تفعيل التكوين
المستمر بانخراط كافة الأكاديميات.
مجالات الثقافة والآداب ولفنون
في إطار مأمورية المعهد في مجال البحث والدراسات المتعلقة بالثقافة
الأمازيغية، انصبت منجزات مراكز البحث على المجالات ذات صلة بصيانة التراث
الثقافي المادي والبيئة وتثمينهما، ونقل الثقافة والتحولات الاجتماعية
والثقافي وجمع المتن الأدبي وتدوينه ودراسته ونشره.
مجال النــشر
في سياق النهوض بالأمازيغية عن طريق نشر المعارف المرتبطة بالأمازيغية ،
نشر المعهد مجموعة من المؤلّفات، من دواوين شعرية، ومعاجم، وحكايات،
ودراسات، وكتب تربوية، وأعمال ندوات. وتأتي هذه الأعمال المنشورة لتساهم في
الإغناء الرصيد الوثائقي الأمازيغي في مختلف التخصصات (اللغة، التربية،
الآداب، التاريخ، الأنتروبولوجيا، الترجمات، المعلوميات، أعمال
الندوات...)، ووصل إجمالي منشورات المعهد ما يناهز 200 عنوانا. كما
يصدرالمعهد مجلته العلمية «أسينا»، ودوريته التواصلية «إنغميسن».
مجال الإعــــلام
يولي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أهمية قصوى لإدماج الأمازيغية في
الإعلام العمومي. وإذ يثمن المعهد كل ما تم إنجازه على مستوى مختلف وسائل
الإعلام الوطنية، إلا أنه مع ذلك، يتعيّن الوقوف عند بعض مظاهر القصور
والاختلال التي يتعيّن العمل التشاركي بين المعهد والقطاعات المعنية من أجل
تجاوزها، ومنها على الخصوص كون الإعلام العمومي لم يصل بعد إلى تملّك
التصوّر الوطني المواطِن لدوره في ترسيخ فكرة النهوض بالتنوّع اللغوي
والثقافي، والحفاظ عليه كمصدر لدمقرطة المجتمع. ويتجلّى ذلك من الحيّز
الضيق والمحدود للثقافة الأمازيغية في منابر الإعلام الوطني بمختلف منابره
السمعية والبصرية والمكتوبة. ومن ثمّ، فإن الدور المنوط به في تحسيس
الجمهور بهذا المعطى يبقى دون المطلوب. ويمكن أن نعزي هذا النقص لدى وسائل
الإعلام إلى قصور في المهنيّة، وإلى ضعف تكوين العاملين في القطاع في هذا
المجال الثقافي والحضاري، مما يؤدّي أحيانا إلى إعمال مُقاربةٍ تتسم
بالفلكلرة والسطحية وغياب العمق كلما تعلق الأمر بالبعد الأمازيغي في
الثقافة والفنون الأمازيغية في المشهد السمعي البصري، ويلاحظ ذلك، على وجه
الخصوص، في الإنتاج المستخرج، مرد ذلك ضعف الاحترافية لدى شركات الإنتاج.
الشــراكة المـــؤسساتية
تندرج الشراكة القائمة بين المعهد والجمعيات العاملة في مجال النهوض
بالأمازيغية، من جهة، في إطار انفتاحه على محيطه وفي سياق العمل التشاركي
من أجل النهوض بالثقافة الوطنية عامّة. ومن جهة ثانية، تدخل هذه الشراكة في
نطاق استراتيجية المعهد في ربط الثقافة بالتنمية البشرية من خلال الإسهام
في تأهيل المجتمع المدني، وفي تأطيره وتعبئته وفق التوجهات ذات البعد
التنموي التي تتوافق وتطلّعات بلادنا. وبهذا الصدد، وضع المعهد إطارا
مرجعيا للتعاون والشراكة مع هيئات ومنظمات وجمعيات المجتمع المدني العاملة
في حقل الثقافة الوطنية في علاقتها بالتنمية المستدامة. وتنبني هذه الشراكة
على مبادئ التكامل في الأهداف والوسائل، والاستقلالية، وذلك وفق علاقة
تعاقدية تقوم على مساعدة الجمعيات المعنية على إنجاز مشاريع في المجالات
ذات الاهتمام المشترك، ومنها: التعليم غير النظامي ومحاربة الأمية، والنهوض
بالثقافة المادية وغير المادية من آداب، وفنون، وتراث معماري، والتنمية
البشرية المرتبطة بمجالات الثقافة، الملتقيات الفكرية والإبداعية، والأنشطة
الموجهة للطفل والمرأة، والمهرجانات الثقافية والفنية، والمسرح والسينما.
جائزة الثقافة الأمازيغية
بناء على مقتضيات النصوص المؤطرة له، ينظم المعهد سنويا جائزة الثقافة
الأمازيغية، التي من بين أهدافها تكريم الفاعلين في أحد مكونات الثقافة
الوطنية، المتمثل في مختلف أشكال البحث والإبداع والإنتاج في الثقافة
الثقافة الأمازيغية، من باحثين، ومدرّسين، ومربّين، ومترجمين، ومبدعين
وفنّانين. ويتم تسليم جائزة الثقافة الأمازيغية كل سنة بمناسبة الاحتفاء
بذكرى الخطاب الملكي السامي بأجدير، هذا الاحتفاء الذي يحظى كل سنة
بالرعاية الملكية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
خاتمة
يتضح من خلال رصد المنجزات التي تحققت منذ إحداث المعهد الملكي للثقافة
الأمازيغية أن السياسة الرامية إلى النهوض بالأمازيغية قد حققت النصيب
الأوفر من المهام المناطة بالمِؤسسة، وأن صيرورة تأهيل الأمازيغية، في أفق
دسترتها وترسيمها، قد قطع أشواطا حاسمة من خلال تهيئة بناها الصوتية
والصرفية والتركيبية والمعجمية ومن خلال تنميط تيفيناغ، فضلا عن إعداد
الكتب المدرسية والمصنفات الأدبية والحوامل المتعددة الوسائط.
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
اللغة الأمازيغية وخطاب الدسترة - محمد العمري (*)
مسألة اللغة،
كغيرها من مكونات الهوية، مسألة شديدة الحساسية، مفرطة الذاتية، لا
يَحسِـمُ فيها النظر العقلي الحر ولا التدقيق الأكاديمي، وإن كان مفيدا.
فهي ليست موضع قياس المكاسب والمنافع مهما كانت موضوعية، بل مناطُها
العواطفُ والتمثلات. مثلها مثل المسألة الدينية، سهلةُ الوقوع في يد
الغوغاء والأميين قصيري النظر، وحينما تتوهج تُعمي وتُصم. وعليه فليس من
السهل إصدار فتوى في شأنها تحدد مبتدأها ومنتهاها، فالهويات بمكوناتها
المختلفة مفتوحة على المستقبل مهما حاول الأصوليون ربطها بالماضي، ومنطقها
في البيئات الديمُقراطية هو التدافع السلمي الخلاق. المهم هو توفير شروط
التفتح وإزالة كل العوائق المترتبة عن ممارسة الحياة اليومية للناس. والمهم
ألا تحس طائفة أو فرد أنها، أو أنه، مضطهد(ة) بسبب تلك الخصوصية، أو أنه
محروم من الفرص المتاحة للآخرين من أبناء وطنه. واعتقادي الشخصي هو أن
واضعي الدستور المغربي الحالي ورطوا هذا البلد المتنوع، الغني بتنوعه، في
الكثير من التدقيقات الهوياتية (الدينية واللغوية والإقليمية..) التي كان
ينبغي التنويه بكل تجلياتها وتركها مفتوحة على المستقبل، على نحو ما نجد في
دساتير ديموقراطيات كبرى، مثل الولايات المتحدة. خاصة والمغرب مقبل على
الجهوية الموسعة التي يمكن أن تراعى فيها الخصوصيات المحلية دون التفريط في
المكتسبات التي تمد خيوط الاتصال بين أرجاء الوطن وتسهل التواصل بين
مكوناته.
نعود بعد هذا التمهيد النظري العام المؤطر لتصورنا إلى قضية الدسترة.
الدسترة كلمة عامة فُتح بها المزاد الحواري في هذه اللحظة التاريخية
الحاسمة. ذلك أن اللغة الأمازيغية مُدسترة عمليا في الخطاب السياسي
والثقافي المغربي منذ سنوات، فالكل يتحدث عنها باعتبارها لغة وطنية تستحق
العناية. والكل يستهلك نتاجها الفني والحضاري ويتباهى به في المنتديات
الدولية. وقد حققت في السنوات الأخيرة، تحت إلحاح طليعة أبنائها، مجموعة من
المكاسب. وهذا نوع من العُرف الذي تراكمه بعض الدول والمجتمعات وتحتكم
إليه بديلا عن دستور مكتوب مرة واحدة (يحال عادة على بريطانيا)، فالتدوين
في هذا المجال لاحق للممارسة وليس سابقا عليها.
وعليه، فالدسترة عند الأغلبية المسموعة التي عبرت عن رأيها في الموضوع تعنى
أساسا تسجيل هذا الواقع وهذه العناية تحت عنوان الصفة الوطنية. غير أن هذه
الأغلبية سرعان ما تنقسم بين من يرى أن المسألة تنتهي عند هذا الحد، وكفى
الله المؤمنين القتال، وهناك من يرى أن هذه الإجراء مجرد مرحلة انتقالية
تُعطَى فيها الوسائل اللازمة لبناء اللغة الأمازيغية الفُصحى الموحدة
القابلة للترسيم، والتاريخ هو الذي سيحسم متى سيتم التأهيل ليتحقق الترسيم.
وفي مقابل هذين الاتجاهين تقف فئة ثالثة ترى أن الخيار الوحيد المقبول هو
ترسيم اللغة الأمازيغية اليوم وليس غدا، ترسيمها على حالتها القائمة. وهذا
موقف الكثير من النشطاء المنتمين إلى الجمعيات التي ترفع صوتها عاليا،
الجمعيات التي اعتنت باللغة والثقافية الأمازيغية بشكل ميداني ملموس منذ
أوائل سبعينيات القرن الماضي. وأنا أميز بين مسعى هذه الجمعيات الفعال
وموقف حزب الحركة الشعبية التي استعملت هذه القضية استعمالا سياسويا، تلوح
بها في وجه خصوم المخزن القوميين والاشتراكيين في الحدود التي يَسمح بها،
وما إن يحصل زعماؤها على مجموعة من المناصب الوزارية، ويحلوا في موقع
القرار السياسي حتى يُعيدوا مطلب الأمازيغية إلى حقيبة «ماكياج» الحركة
ومخزن أسلحتها التاكتيكية في انتظار وليمة مقبلة، وقد استغرب الملاحظون كيف
نفضت الغبار عن هذا السلاح عندما أقصيت في السنوات الأخيرة من المشاركة في
الحكم.
لا شك أن المهمة صعبة بالنسبة للنشطاء والأحزاب السياسية والدولة على حد
سواء، ففي خطاب كل طرف منهم وتاريخه ما يثير توجس الطرف الآخر. فمن معيقات
وصول خطاب الاتجاه الثالث المطالب بترسيم الأمازيغية دون قيد أو شرط ربطُ
كثير من رموزه البارزة صراحة أو ضمنا بين الدفاع عن الأمازيغية ومعاداة
اللغة العربية، تستفزهم بعنف كلمة التعريب. وكأن التعريب موجه أساسا
لمحاربة اللغة الأمازيغية، والحال أن مطلب التعريب موجه إلى مواقع لم
تحتلها الأمازيغية في يوم من الأيام، هذا في حين لم يعبروا يوما عن انزعاج
من هيمنة اللغة الفرنسية. ومن المعروف تاريخيا أن التعريب تقوى مع مقاومة
الاستعمار لارتباط حركة التحرير في المغرب بالحركات القومية العربية
(الناصرية والبعث خاصة)، من جهة، واعتماد الاستعمار سياسة التفريق بين
العرب والأمازيغ (الظهير البربري)، من جهة ثانية، كما ارتبطت المطالبة به،
فيما بعد، بهيمنة اللغة الفرنسية على الإدارة والاقتصاد وغيرهما من مناحي
الحياة. فلا مجال لمثل هذه الحساسية في نظري، لأنها قد تؤدي إلى نتائج
عكسية.
ولا بد من الاعتراف أنه ليست هناك حركات أو أصوات يُعتد بها تعادي اللغة
الأمازيغية وتدعو إلى تنحيتها، أو التقليل من شأنها، (وأنا لا أعتد بالعوام
والغوغاء والمتطفلين على الذين ينشرون جهلهم على النيت دون حد أدنى من
رقابة ذاتية أو تحريرية فكرية أوتعبيرية)، وبخلاف ذلك هناك في الطرف الآخر
أصواتٌ عالية عنيفة تخرج من الدفاع عن الأمازيغية إلى التعبير عن كراهية
عنيفة للغة العربية باعتبارها جزءا من واقع استعماري ينبغي طرد جيوشه، في
اتجاه الشرق العربي. وهذا التوجه ليس جديدا، لقد صدمتُ به شخصيا وأنا طالب
بكلية الآداب أواخر الستينيات حين دعاني أحد الأصدقاء، من أبناء جبل سيروا،
إلى المساهمة في إنشاء جمعية ثقافية بورزازات الشيء الذي رحبت به، غير أنه
استطرد إلى القول في حماس بأن العرب مجرد مستعمرين مصيرهم أن يُخرجوا من
المغرب مع لغتهم كما أُخرج محتلون أعتى منهم، اعتذرت عن الاجتماع والجمعية
وبقينا أصدقاء إلى اليوم. ثم اصطدمت بنفس الأفكار، بعد ذلك بعشرين سنة،
عندما كتبت ــــ في أوائل التسعينيات ــــ مقالين عن المأساة الطلابية التي
خلفها توقيف تعريب العلوم أوائل التسعينيات، إذ وجدت في أحد الأيام مجموعة
من الزملاء يحاكمونني غيابيا بتهمة العقوق والتنكر للأصول. وهذا الموقف
يُثير مشاعر فئات عريضة من المواطنين، بل يثير ردود فعل طوائف من الأمازيغ
أنفسهم، إذ يشمون فيه موقفا من الدين الإسلامي نفسه. وقد نَقلتِ المواقع
الإلكترونية، في الأسابيع القليلة الماضية، مشاداة عنيفة بين منشط إذاعي
أمازيغي وبين المتصلين به الذين صُدموا من رفضه الاستماعَ إليهم، لا لشيء
سوى أنهم استعملوا عبارة «السلام عليكم»، فلا يقبل من أحدهم الاستمرارَ في
الكلام إلا بعد أن يُعوض تلك العبارة بعبارة «أزول». إن المسألة تتجاوز
اللغة وتجعل الأمازيغي يصطدم بالأمازيغي حول شيء آخر كما ظهر من التعليقات
التي دارت حول التسجيل.
والتاريخ يشهد على أن مثل هذه الأصوات المنكرة المنفرة تؤدي إلى نتائج
عكسية، فمن سخريات التاريخ أن محاولة فرنسا لفصل الأمازيغيين عن إخوانهم
العرب أثناء احتلالها للمغرب أدى، حيث لم يتوقعوا، إلى تشبث الأمازيغيين
أنفسهم باللغة العربية والمطالبة بتعميمها. نعم مطالبة الأمازيغ بتعريب
أصقاعهم، لا تستغرب، فهذا ما نقرأه في أدبيات إنشاء المعهد الإسلامي
بتارودانت وفروعه التي غطت منطقة سوس وامتدت شرقا إلى ورزازات، وشمالا إلى
الجديدة. فقد وجَّهت جمعية علماء سوس رسالة إلى المغفور له محمد الخامس
تطالبه بالإسراع بتعريب الأصقاع السوسية قبل أن تكتسحها لغة المستعمر. وفي
هذه الأجواء قام العلامة المختار السوسي، وكان من أبرز رجال تلك الجمعية،
بتدوين التراث العربي الأدبي والتاريخي في بلاد سوس في أعماله الموسوعية
القيمة. فاعتبروا يا أولي الأبصار.
من الطبيعي، بل من المفيد لفتح الأعين وتليين المواقف، أن يُستأنس في مجال
الدسترة بالتجارب العالمية، وهي متنوعة تعمل في ثلاثة اتجاهات. وذلك ما
فعله المختلفون في هذا المجال، ففي الوقت الذي يستشهد دعاة ترسيم أكثر من
لغة ببوليفيا التي ضربت الرقم القياسي في هذا المجال وبالهند وجنوب إفريقيا
(حسب ما ورد في مقال للأستاذ أحمد عصيد)، يدعو المتحفظون إلى الاستشهاد
بفرنسا التي حضنت الحركة في مختبراتها اللسانية بعد أن فشلت محاولاتها زمن
الاستعمار، فهي متمسكة بوحدتها اللغوية لغة رسمية (وبذلك يبدو الفرنسيون
وكأنهم يبيعون القرد ثم يضحكون على من اشتراه)، أما الداعون إلى التريث
وانتظار ما يفرزه التدافع الطبيعي فيجدون أمثلتهم الجيدة في الولايات
المتحدة وغيرها من الدول التي لا ينص دستورها على لغة رسمية أصلا (كما جاء
في مقال للأستاذ محمد المدلاوي). ومن الطبيعي أن المقارنة بين هذه النماذج
سترجح التريث، على أقل تقدير.
ويظهر من مقترحات الأحزاب أن الاختيار يسير في اتجاه التريث دون اعتراض على
المبدأ بناء على عدم جاهزية اللغة الأمازيغية الموحدة التي يُراد
ترسيمُها، والتي يعمل المعهد الملكي منذ إنشائه على بنائها. وقد بادر
المتحمسون للترسيم إلى دحض هذا الادعاء ونعت تلك الأحزاب بأبشع النعوت. بل
دفعتهم الرغبة في دحض هذا الموقف إلى إعادة النظر في تقييمهم السابق لعمل
المعهد الملكي الذي أصبح «عملا جبارا» بعد أن كان موضوعا للنقد وعرضة
للتبخيس، بل اعتبروا ما أنجز في ميدان التعليم كافيا لتأهيل لغة موحدة
قابلة للترسيم. ونوهوا كذلك بالجهد الإعلامي العام والخاص الذي أنجزته قناة
الأمازيغية في الشهور القليلة التي تعد في عمرها، وهذا شيء خارق للعادة إن
تحقق فعلا. وهذا موقف سيسر وزارة الإعلام والتعليم وإدارة المعهد الملكي،
فقد ساهمت الرغبة في إبراز الأهلية للتنويه بعمل هذه الجهات.
من الصعب القول أن بين أيدينا اليوم لغة أمازيغية فصحى يفهمها السوسي
والزموري والريفي، وإذا كانت موجودة فعلا في منتوج المعهد أو غيره فإنها لم
تصل بعدُ إلى الجمهور، أي أنها ما تزال مجرد لغة افتراضية عليها أن تدخل
معترك الحياة من خلال السينما والمسرح والغناء والصحافة...وغيرها من
الوسائط ووسائل الاتصال والتأثير. وأنا أخص هذه المجالات لأنني أرى اليوم
أنها هي التي تحفظ رمق اللغة العربية نفسها، بل تعيد نشرها على نطاق
جماهيري واسع. فاللغة العربية لم تجن شيئا ذا بال من ترسيمها. فنظرا إلى
أنها ليست لغة الإدارة إلا في مستوياتها غير المفيدة، وليست لغة الاقتصاد
ولا لغة العلم النافع، فقد انعكس هذا الواقع على وضعها التعليمي في جميع
المستويات. وهل يخفى على أحد اليوم أن الطلبة لا يطرقون باب شعبة اللغة
العربية والدراسات الإسلامية، حيث تهيمن العربية، إلا بعد أن تسد في وجوههم
جميع الأبواب. لو كان الترسيم يحل مشكلا لما احتاجت اللغة العربية نفسها
إلى جمعية تدافع عنها، ولما احتاج الأستاذ بنعمرو، حفظه الله، إلى رفع عدد
من الدعاوى ضد الإدارة التي تراسله بالفرنسية في شؤون إدارية.
أتمنى أن يُفتح الآن نقاش في الجوهر: ما هي مترتبات الترسيم المنتظرة؟ وما
هي إمكانيات الوفاء بها، بالترسيم أو بغيره؟ فهناك فعلا حاجيات لا يمكن
السكوت عنها، وحالات لا يمكن القبول بها. فمن الضيم أن يُحاكم مغربي لا
يعرف غيرَ الأمازيغية أمام قاض لا يعرف هذه اللغة. ومن حقه، في نظري، أن
يرفض فكرة الترجمة لأنها تجعله أجنبيا في وطنه. هذا مجرد مثال. ربما تكون
الجهوية مجالا للتجريب في هذا المجال فاتحةً الطريق نحو ما هو أوسع.
الموضوع، كما قلت ابتداء، صعبٌ وحساسٌ ومفتوح على المستقبل، ومن الأحسن أن
يبقى مفتوحا، وعلى النشطاء في هذا المجال أن يضمنوا حيويته بتكوين لوبي
سياسي حقيقي متعاقد مع فاعل قوي بعيدا عن أي انطواء عنصري. عليهم أن
يمتحنوا قوة إقناعهم مع الأمازيغيين قبل غيرهم، فهم قوة انتخابية حاسمة،
أما إن لم يستطيعوا تعبئة هذه القوة فعليهم أن يراجعوا أنفسهم، ويعدلوا
خطابهم، ويكفوا عن استعداء القوى الأجنبية أو التعامل مع أطراف منبوذة من
المغاربة مثل إسرائيل.
(*) أستاذ باحث في بلاغة الخطاب
www.medelomari.net
كغيرها من مكونات الهوية، مسألة شديدة الحساسية، مفرطة الذاتية، لا
يَحسِـمُ فيها النظر العقلي الحر ولا التدقيق الأكاديمي، وإن كان مفيدا.
فهي ليست موضع قياس المكاسب والمنافع مهما كانت موضوعية، بل مناطُها
العواطفُ والتمثلات. مثلها مثل المسألة الدينية، سهلةُ الوقوع في يد
الغوغاء والأميين قصيري النظر، وحينما تتوهج تُعمي وتُصم. وعليه فليس من
السهل إصدار فتوى في شأنها تحدد مبتدأها ومنتهاها، فالهويات بمكوناتها
المختلفة مفتوحة على المستقبل مهما حاول الأصوليون ربطها بالماضي، ومنطقها
في البيئات الديمُقراطية هو التدافع السلمي الخلاق. المهم هو توفير شروط
التفتح وإزالة كل العوائق المترتبة عن ممارسة الحياة اليومية للناس. والمهم
ألا تحس طائفة أو فرد أنها، أو أنه، مضطهد(ة) بسبب تلك الخصوصية، أو أنه
محروم من الفرص المتاحة للآخرين من أبناء وطنه. واعتقادي الشخصي هو أن
واضعي الدستور المغربي الحالي ورطوا هذا البلد المتنوع، الغني بتنوعه، في
الكثير من التدقيقات الهوياتية (الدينية واللغوية والإقليمية..) التي كان
ينبغي التنويه بكل تجلياتها وتركها مفتوحة على المستقبل، على نحو ما نجد في
دساتير ديموقراطيات كبرى، مثل الولايات المتحدة. خاصة والمغرب مقبل على
الجهوية الموسعة التي يمكن أن تراعى فيها الخصوصيات المحلية دون التفريط في
المكتسبات التي تمد خيوط الاتصال بين أرجاء الوطن وتسهل التواصل بين
مكوناته.
نعود بعد هذا التمهيد النظري العام المؤطر لتصورنا إلى قضية الدسترة.
الدسترة كلمة عامة فُتح بها المزاد الحواري في هذه اللحظة التاريخية
الحاسمة. ذلك أن اللغة الأمازيغية مُدسترة عمليا في الخطاب السياسي
والثقافي المغربي منذ سنوات، فالكل يتحدث عنها باعتبارها لغة وطنية تستحق
العناية. والكل يستهلك نتاجها الفني والحضاري ويتباهى به في المنتديات
الدولية. وقد حققت في السنوات الأخيرة، تحت إلحاح طليعة أبنائها، مجموعة من
المكاسب. وهذا نوع من العُرف الذي تراكمه بعض الدول والمجتمعات وتحتكم
إليه بديلا عن دستور مكتوب مرة واحدة (يحال عادة على بريطانيا)، فالتدوين
في هذا المجال لاحق للممارسة وليس سابقا عليها.
وعليه، فالدسترة عند الأغلبية المسموعة التي عبرت عن رأيها في الموضوع تعنى
أساسا تسجيل هذا الواقع وهذه العناية تحت عنوان الصفة الوطنية. غير أن هذه
الأغلبية سرعان ما تنقسم بين من يرى أن المسألة تنتهي عند هذا الحد، وكفى
الله المؤمنين القتال، وهناك من يرى أن هذه الإجراء مجرد مرحلة انتقالية
تُعطَى فيها الوسائل اللازمة لبناء اللغة الأمازيغية الفُصحى الموحدة
القابلة للترسيم، والتاريخ هو الذي سيحسم متى سيتم التأهيل ليتحقق الترسيم.
وفي مقابل هذين الاتجاهين تقف فئة ثالثة ترى أن الخيار الوحيد المقبول هو
ترسيم اللغة الأمازيغية اليوم وليس غدا، ترسيمها على حالتها القائمة. وهذا
موقف الكثير من النشطاء المنتمين إلى الجمعيات التي ترفع صوتها عاليا،
الجمعيات التي اعتنت باللغة والثقافية الأمازيغية بشكل ميداني ملموس منذ
أوائل سبعينيات القرن الماضي. وأنا أميز بين مسعى هذه الجمعيات الفعال
وموقف حزب الحركة الشعبية التي استعملت هذه القضية استعمالا سياسويا، تلوح
بها في وجه خصوم المخزن القوميين والاشتراكيين في الحدود التي يَسمح بها،
وما إن يحصل زعماؤها على مجموعة من المناصب الوزارية، ويحلوا في موقع
القرار السياسي حتى يُعيدوا مطلب الأمازيغية إلى حقيبة «ماكياج» الحركة
ومخزن أسلحتها التاكتيكية في انتظار وليمة مقبلة، وقد استغرب الملاحظون كيف
نفضت الغبار عن هذا السلاح عندما أقصيت في السنوات الأخيرة من المشاركة في
الحكم.
لا شك أن المهمة صعبة بالنسبة للنشطاء والأحزاب السياسية والدولة على حد
سواء، ففي خطاب كل طرف منهم وتاريخه ما يثير توجس الطرف الآخر. فمن معيقات
وصول خطاب الاتجاه الثالث المطالب بترسيم الأمازيغية دون قيد أو شرط ربطُ
كثير من رموزه البارزة صراحة أو ضمنا بين الدفاع عن الأمازيغية ومعاداة
اللغة العربية، تستفزهم بعنف كلمة التعريب. وكأن التعريب موجه أساسا
لمحاربة اللغة الأمازيغية، والحال أن مطلب التعريب موجه إلى مواقع لم
تحتلها الأمازيغية في يوم من الأيام، هذا في حين لم يعبروا يوما عن انزعاج
من هيمنة اللغة الفرنسية. ومن المعروف تاريخيا أن التعريب تقوى مع مقاومة
الاستعمار لارتباط حركة التحرير في المغرب بالحركات القومية العربية
(الناصرية والبعث خاصة)، من جهة، واعتماد الاستعمار سياسة التفريق بين
العرب والأمازيغ (الظهير البربري)، من جهة ثانية، كما ارتبطت المطالبة به،
فيما بعد، بهيمنة اللغة الفرنسية على الإدارة والاقتصاد وغيرهما من مناحي
الحياة. فلا مجال لمثل هذه الحساسية في نظري، لأنها قد تؤدي إلى نتائج
عكسية.
ولا بد من الاعتراف أنه ليست هناك حركات أو أصوات يُعتد بها تعادي اللغة
الأمازيغية وتدعو إلى تنحيتها، أو التقليل من شأنها، (وأنا لا أعتد بالعوام
والغوغاء والمتطفلين على الذين ينشرون جهلهم على النيت دون حد أدنى من
رقابة ذاتية أو تحريرية فكرية أوتعبيرية)، وبخلاف ذلك هناك في الطرف الآخر
أصواتٌ عالية عنيفة تخرج من الدفاع عن الأمازيغية إلى التعبير عن كراهية
عنيفة للغة العربية باعتبارها جزءا من واقع استعماري ينبغي طرد جيوشه، في
اتجاه الشرق العربي. وهذا التوجه ليس جديدا، لقد صدمتُ به شخصيا وأنا طالب
بكلية الآداب أواخر الستينيات حين دعاني أحد الأصدقاء، من أبناء جبل سيروا،
إلى المساهمة في إنشاء جمعية ثقافية بورزازات الشيء الذي رحبت به، غير أنه
استطرد إلى القول في حماس بأن العرب مجرد مستعمرين مصيرهم أن يُخرجوا من
المغرب مع لغتهم كما أُخرج محتلون أعتى منهم، اعتذرت عن الاجتماع والجمعية
وبقينا أصدقاء إلى اليوم. ثم اصطدمت بنفس الأفكار، بعد ذلك بعشرين سنة،
عندما كتبت ــــ في أوائل التسعينيات ــــ مقالين عن المأساة الطلابية التي
خلفها توقيف تعريب العلوم أوائل التسعينيات، إذ وجدت في أحد الأيام مجموعة
من الزملاء يحاكمونني غيابيا بتهمة العقوق والتنكر للأصول. وهذا الموقف
يُثير مشاعر فئات عريضة من المواطنين، بل يثير ردود فعل طوائف من الأمازيغ
أنفسهم، إذ يشمون فيه موقفا من الدين الإسلامي نفسه. وقد نَقلتِ المواقع
الإلكترونية، في الأسابيع القليلة الماضية، مشاداة عنيفة بين منشط إذاعي
أمازيغي وبين المتصلين به الذين صُدموا من رفضه الاستماعَ إليهم، لا لشيء
سوى أنهم استعملوا عبارة «السلام عليكم»، فلا يقبل من أحدهم الاستمرارَ في
الكلام إلا بعد أن يُعوض تلك العبارة بعبارة «أزول». إن المسألة تتجاوز
اللغة وتجعل الأمازيغي يصطدم بالأمازيغي حول شيء آخر كما ظهر من التعليقات
التي دارت حول التسجيل.
والتاريخ يشهد على أن مثل هذه الأصوات المنكرة المنفرة تؤدي إلى نتائج
عكسية، فمن سخريات التاريخ أن محاولة فرنسا لفصل الأمازيغيين عن إخوانهم
العرب أثناء احتلالها للمغرب أدى، حيث لم يتوقعوا، إلى تشبث الأمازيغيين
أنفسهم باللغة العربية والمطالبة بتعميمها. نعم مطالبة الأمازيغ بتعريب
أصقاعهم، لا تستغرب، فهذا ما نقرأه في أدبيات إنشاء المعهد الإسلامي
بتارودانت وفروعه التي غطت منطقة سوس وامتدت شرقا إلى ورزازات، وشمالا إلى
الجديدة. فقد وجَّهت جمعية علماء سوس رسالة إلى المغفور له محمد الخامس
تطالبه بالإسراع بتعريب الأصقاع السوسية قبل أن تكتسحها لغة المستعمر. وفي
هذه الأجواء قام العلامة المختار السوسي، وكان من أبرز رجال تلك الجمعية،
بتدوين التراث العربي الأدبي والتاريخي في بلاد سوس في أعماله الموسوعية
القيمة. فاعتبروا يا أولي الأبصار.
من الطبيعي، بل من المفيد لفتح الأعين وتليين المواقف، أن يُستأنس في مجال
الدسترة بالتجارب العالمية، وهي متنوعة تعمل في ثلاثة اتجاهات. وذلك ما
فعله المختلفون في هذا المجال، ففي الوقت الذي يستشهد دعاة ترسيم أكثر من
لغة ببوليفيا التي ضربت الرقم القياسي في هذا المجال وبالهند وجنوب إفريقيا
(حسب ما ورد في مقال للأستاذ أحمد عصيد)، يدعو المتحفظون إلى الاستشهاد
بفرنسا التي حضنت الحركة في مختبراتها اللسانية بعد أن فشلت محاولاتها زمن
الاستعمار، فهي متمسكة بوحدتها اللغوية لغة رسمية (وبذلك يبدو الفرنسيون
وكأنهم يبيعون القرد ثم يضحكون على من اشتراه)، أما الداعون إلى التريث
وانتظار ما يفرزه التدافع الطبيعي فيجدون أمثلتهم الجيدة في الولايات
المتحدة وغيرها من الدول التي لا ينص دستورها على لغة رسمية أصلا (كما جاء
في مقال للأستاذ محمد المدلاوي). ومن الطبيعي أن المقارنة بين هذه النماذج
سترجح التريث، على أقل تقدير.
ويظهر من مقترحات الأحزاب أن الاختيار يسير في اتجاه التريث دون اعتراض على
المبدأ بناء على عدم جاهزية اللغة الأمازيغية الموحدة التي يُراد
ترسيمُها، والتي يعمل المعهد الملكي منذ إنشائه على بنائها. وقد بادر
المتحمسون للترسيم إلى دحض هذا الادعاء ونعت تلك الأحزاب بأبشع النعوت. بل
دفعتهم الرغبة في دحض هذا الموقف إلى إعادة النظر في تقييمهم السابق لعمل
المعهد الملكي الذي أصبح «عملا جبارا» بعد أن كان موضوعا للنقد وعرضة
للتبخيس، بل اعتبروا ما أنجز في ميدان التعليم كافيا لتأهيل لغة موحدة
قابلة للترسيم. ونوهوا كذلك بالجهد الإعلامي العام والخاص الذي أنجزته قناة
الأمازيغية في الشهور القليلة التي تعد في عمرها، وهذا شيء خارق للعادة إن
تحقق فعلا. وهذا موقف سيسر وزارة الإعلام والتعليم وإدارة المعهد الملكي،
فقد ساهمت الرغبة في إبراز الأهلية للتنويه بعمل هذه الجهات.
من الصعب القول أن بين أيدينا اليوم لغة أمازيغية فصحى يفهمها السوسي
والزموري والريفي، وإذا كانت موجودة فعلا في منتوج المعهد أو غيره فإنها لم
تصل بعدُ إلى الجمهور، أي أنها ما تزال مجرد لغة افتراضية عليها أن تدخل
معترك الحياة من خلال السينما والمسرح والغناء والصحافة...وغيرها من
الوسائط ووسائل الاتصال والتأثير. وأنا أخص هذه المجالات لأنني أرى اليوم
أنها هي التي تحفظ رمق اللغة العربية نفسها، بل تعيد نشرها على نطاق
جماهيري واسع. فاللغة العربية لم تجن شيئا ذا بال من ترسيمها. فنظرا إلى
أنها ليست لغة الإدارة إلا في مستوياتها غير المفيدة، وليست لغة الاقتصاد
ولا لغة العلم النافع، فقد انعكس هذا الواقع على وضعها التعليمي في جميع
المستويات. وهل يخفى على أحد اليوم أن الطلبة لا يطرقون باب شعبة اللغة
العربية والدراسات الإسلامية، حيث تهيمن العربية، إلا بعد أن تسد في وجوههم
جميع الأبواب. لو كان الترسيم يحل مشكلا لما احتاجت اللغة العربية نفسها
إلى جمعية تدافع عنها، ولما احتاج الأستاذ بنعمرو، حفظه الله، إلى رفع عدد
من الدعاوى ضد الإدارة التي تراسله بالفرنسية في شؤون إدارية.
أتمنى أن يُفتح الآن نقاش في الجوهر: ما هي مترتبات الترسيم المنتظرة؟ وما
هي إمكانيات الوفاء بها، بالترسيم أو بغيره؟ فهناك فعلا حاجيات لا يمكن
السكوت عنها، وحالات لا يمكن القبول بها. فمن الضيم أن يُحاكم مغربي لا
يعرف غيرَ الأمازيغية أمام قاض لا يعرف هذه اللغة. ومن حقه، في نظري، أن
يرفض فكرة الترجمة لأنها تجعله أجنبيا في وطنه. هذا مجرد مثال. ربما تكون
الجهوية مجالا للتجريب في هذا المجال فاتحةً الطريق نحو ما هو أوسع.
الموضوع، كما قلت ابتداء، صعبٌ وحساسٌ ومفتوح على المستقبل، ومن الأحسن أن
يبقى مفتوحا، وعلى النشطاء في هذا المجال أن يضمنوا حيويته بتكوين لوبي
سياسي حقيقي متعاقد مع فاعل قوي بعيدا عن أي انطواء عنصري. عليهم أن
يمتحنوا قوة إقناعهم مع الأمازيغيين قبل غيرهم، فهم قوة انتخابية حاسمة،
أما إن لم يستطيعوا تعبئة هذه القوة فعليهم أن يراجعوا أنفسهم، ويعدلوا
خطابهم، ويكفوا عن استعداء القوى الأجنبية أو التعامل مع أطراف منبوذة من
المغاربة مثل إسرائيل.
(*) أستاذ باحث في بلاغة الخطاب
www.medelomari.net
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
الأمازيغية والهوية المغربية - دة لطيفة الهدراتي(*)
في المغرب،
يمكنك التحدث باللغة العربية أو الأمازيغية، دون أن يمنعك أحد. في حياتنا
الاجتماعية، وفي اللقاءات الخاصة، كل واحد له الحرية في التعبير عن آرائه
باستعمال اللغة التي يتقنها والتي يرتاح لها : العربية الفصحى، الدارجة
المغربية، السوسية، الريفية، الفرنسية...
إذا أردت أن تؤلف كتابا، فلك الحرية أن تختار اللغة التي تراها مناسبة لك :
الدارجة المغربية، الأمازيغية، العربية الفصحى، الفرنسية، الانجليزية…
على الصعيد السمعي البصري المغربي، تدرج أفلام، برامج فنية، نشرات إخبارية…
بعدة أنساق لغوية. علاوة على ذلك، توجد قناة تلفزية خاصة بالأمازيغية،
تبرز الثقافة و الفن الأمازيغيى.
على مستوى البحث العلمي، خصص بعض الباحثين المغاربة موضوع أطروحاتهم لنيل
الدكتوراه حول اللغة الأمازغية أو اللهجات المغربية الأخرى، وفي مدينة
الرباط يوجد المعهد الملكي الخاص بالثقافة الأمازيغة (IRCAM). مما يظهر
اهتماما باللغة الأمازيغية.
في بيوتنا، توجد عدة أشياء تحيلك على التراث الأمازيغي و العربي إضافة إلى
الغربي والإفريقي : أثات، أفرشة، أدوات منزلية…وهذا كذلك بالنسبة للطبخ ،
والأزياء التي نرتديها.
لكن الأمازيغية والعربية هما متجذرتان فينا، تشكلان جزءا من هويتنا.
فالسؤال الذي يطرح نفسه : لماذا يطالب البعض بجعل الأمازيغية لغة وطنية في
الوقت الراهن ؟ هل نريد الاعتزاز بها ؟ أم نبحث عن هويتنا ؟
وإذا افترضنا لغة أمازيغة وطنية، ماهو مضمونها وشكلها ؟ ألسنا أمام لغة
مفبركة ودخيلة، لا تعكس أنواع اللهجات بالمغرب : الريفية، السوسية،
الحسانية و تامزيغت المتداولة في جبال الأطلس...؟ فكل واحدة تختلف عن
الأخرى من حيث المضمون.
إن التحدث عن لغة أمازيغية وطنية سيكون له تأثير سلبي على اللهجات
الأمازيغية الأصيلة، ستفرغ من محتواها وستيتم تهميشها، وإتلافها في حين
أنها لهجات أجدادنا، حاملة لتراثنا، تهتف بأصالتنا وتنشد بوطننا، فوجب
الحفاظ عليها.
فالتعامل مع قضية اللغة الوطنية هو بالفعل مصير شعب، ويجب التفكير فيه
بطريقة علمية، حتى لا ننزلق في متاهات تؤدي بنا إلى الدمار.
لكن هذا السؤال يحيلنا على سؤال آخر: ألسنا بالفعل أمام محاولة إثارة معركة عرقية وقبلية ؟
نخشى أن يؤدي بنا هذا إلى الانغلاق كل على جهته : انقسام جهوي وبالتالي
قبلي، وهذا ما نشاهده في السودان ودول أخرى. نحن نريد مغربا واحدا وليس
مغربين، واللغة الوطنية تلعب دورا مهما في هذا المجال. وقد استطاعت بعض
الدول المتقدمة توحيد لغتها مهما تعددت فيها الأجناس، الديانات،
الثقافات...ونشاهدها الآن منكبة على مشاريع مهمة و تكنولوجيا متطورة. فهي
تتحدث باسم نحن : أنا فرنسي، أنا ألماني، أنا صينـي...
فبالنسبة لبلدنا المغرب، هو الآخر، قد استوعب هذا المشكل واستطاع أن يحله
بالفعل وذلك باعتماده لغة رسمية واحدة وحدتنا مع دول عربية أخرى كما هو
الحال بالنسبة للدول الفرانكفونية والأكلوساكسونية. فلماذا نريد الرجوع إلى
الوراء ؟ أليس همنا التقدم و التطور ؟ وليس الخوض في صراعات عرقية، قبلية،
تقليدية وطائفية ؟ إن الدول التي تتوفر على عدة لهجات و لم تستطع اعتماد
لغة رسمية واحدة، فالتجأت إلى لغة المستعمر، بقيت متخلفة ؛ فكل قبيلة تدافع
عن مصلحتها الخاصة، ثقافاتها، تقاليدها، ولا أدل على ذلك من دول إفريقيا
السوداء، فإن في بعض بلدانها ما يفوق 50 لهجة.
وما نشاهده في بلادنا، الحس بالانتماء القبلي والدفاع عنه بشكل مبالغ فيه،
لدرجة، أصبحت فيها أنا جد متفوقة : أنا رباطي، أنا فاسي، أنا مراكشي، أنا
سلاوي ، أنا صحراوي، أنا وجدي، ،أنا بيضاوي، أنا سوسي، أنا ريفي، أنا،
أنا، أنا...ويذكرنا بالعصبية القبلية التي كانت منذ قرون ومازالت متواجدة
في القرن 21 ؛ الفردانية تسود قبل كل شيء، مما ينعكس على الحياة العملية،
بحيث نجد في بعض المؤسسات قبيلة الرباطيين أو الفاسيين تهيمن بشكل مهول على
القبائل الأخرى، منهم موظفون، أو مسؤولون، وتشكل بالفعل مجموعة متعصبة
(clan)، ولا تسمح لأي غريب عنها أن يتسلل داخل معسكرها، وهكذا فهي حريصة
على فضائها والذي تعتبره في ملكيتها، لا أحد له الحق أن يخترقه.
يجب أن نتعايش و نتفاهم و نقبل الآخر ونسير نحو طريق النجاح. بتجاوز
الاختلافات وتوحيد الأهداف الكبرى، بما يخدم المصلحة العامة وبناء وطننا.
لكن هل الاهتمام بالقضية الأمازيغية هو بالفعل مطلب الشعب ؟ أم البعض فقط ؟
ما مكانتها في أجندة الإصلاحات ؟ فهذا المشروع يتطلب حقا موارد مادية
وبشرية مهمة في حين علينا القيام بإصلاحات عميقة خاصة على المستوى
الاجتماعي : ضمان العيش الكريم لكل الفئات : أطفال، شباب، راشدين، عجزة،
تشغيل الشباب العاطلين، حق المواطن في السكن، التغطية الصحية، تقليص
الفوارق الاجتماعية...؛ إصلاح التعليم،الدفاع عن حقوق الإنسان، حرية
الصحافة و التعبير، حماية المال العام، الاهتمام بالبنية التحتية، توفير
وسائل النقل للمواطنين، تحسين مستوى المستخدمين، الموظفين والطلبة،
الاهتمام بالمجال القروي، إبراز مكانة المرأة في العمل السياسي، إصلاح
العدل، محاربة الفساد بشتى أنواعه : الزبونية والرشوى، المحاسبة ومتابعة
المسؤولين عن ذلك ...
لنكن أوفياء لخدمة وطننا. فهذا الوطن يستدعينا كلنا، فلنساهم جميعا في
تطويره، وذلك بمسايرة العولمة و التكنولوجيا الحديثة والانفتاح على الآخر.
(*) أستاذة باحثة
يمكنك التحدث باللغة العربية أو الأمازيغية، دون أن يمنعك أحد. في حياتنا
الاجتماعية، وفي اللقاءات الخاصة، كل واحد له الحرية في التعبير عن آرائه
باستعمال اللغة التي يتقنها والتي يرتاح لها : العربية الفصحى، الدارجة
المغربية، السوسية، الريفية، الفرنسية...
إذا أردت أن تؤلف كتابا، فلك الحرية أن تختار اللغة التي تراها مناسبة لك :
الدارجة المغربية، الأمازيغية، العربية الفصحى، الفرنسية، الانجليزية…
على الصعيد السمعي البصري المغربي، تدرج أفلام، برامج فنية، نشرات إخبارية…
بعدة أنساق لغوية. علاوة على ذلك، توجد قناة تلفزية خاصة بالأمازيغية،
تبرز الثقافة و الفن الأمازيغيى.
على مستوى البحث العلمي، خصص بعض الباحثين المغاربة موضوع أطروحاتهم لنيل
الدكتوراه حول اللغة الأمازغية أو اللهجات المغربية الأخرى، وفي مدينة
الرباط يوجد المعهد الملكي الخاص بالثقافة الأمازيغة (IRCAM). مما يظهر
اهتماما باللغة الأمازيغية.
في بيوتنا، توجد عدة أشياء تحيلك على التراث الأمازيغي و العربي إضافة إلى
الغربي والإفريقي : أثات، أفرشة، أدوات منزلية…وهذا كذلك بالنسبة للطبخ ،
والأزياء التي نرتديها.
لكن الأمازيغية والعربية هما متجذرتان فينا، تشكلان جزءا من هويتنا.
فالسؤال الذي يطرح نفسه : لماذا يطالب البعض بجعل الأمازيغية لغة وطنية في
الوقت الراهن ؟ هل نريد الاعتزاز بها ؟ أم نبحث عن هويتنا ؟
وإذا افترضنا لغة أمازيغة وطنية، ماهو مضمونها وشكلها ؟ ألسنا أمام لغة
مفبركة ودخيلة، لا تعكس أنواع اللهجات بالمغرب : الريفية، السوسية،
الحسانية و تامزيغت المتداولة في جبال الأطلس...؟ فكل واحدة تختلف عن
الأخرى من حيث المضمون.
إن التحدث عن لغة أمازيغية وطنية سيكون له تأثير سلبي على اللهجات
الأمازيغية الأصيلة، ستفرغ من محتواها وستيتم تهميشها، وإتلافها في حين
أنها لهجات أجدادنا، حاملة لتراثنا، تهتف بأصالتنا وتنشد بوطننا، فوجب
الحفاظ عليها.
فالتعامل مع قضية اللغة الوطنية هو بالفعل مصير شعب، ويجب التفكير فيه
بطريقة علمية، حتى لا ننزلق في متاهات تؤدي بنا إلى الدمار.
لكن هذا السؤال يحيلنا على سؤال آخر: ألسنا بالفعل أمام محاولة إثارة معركة عرقية وقبلية ؟
نخشى أن يؤدي بنا هذا إلى الانغلاق كل على جهته : انقسام جهوي وبالتالي
قبلي، وهذا ما نشاهده في السودان ودول أخرى. نحن نريد مغربا واحدا وليس
مغربين، واللغة الوطنية تلعب دورا مهما في هذا المجال. وقد استطاعت بعض
الدول المتقدمة توحيد لغتها مهما تعددت فيها الأجناس، الديانات،
الثقافات...ونشاهدها الآن منكبة على مشاريع مهمة و تكنولوجيا متطورة. فهي
تتحدث باسم نحن : أنا فرنسي، أنا ألماني، أنا صينـي...
فبالنسبة لبلدنا المغرب، هو الآخر، قد استوعب هذا المشكل واستطاع أن يحله
بالفعل وذلك باعتماده لغة رسمية واحدة وحدتنا مع دول عربية أخرى كما هو
الحال بالنسبة للدول الفرانكفونية والأكلوساكسونية. فلماذا نريد الرجوع إلى
الوراء ؟ أليس همنا التقدم و التطور ؟ وليس الخوض في صراعات عرقية، قبلية،
تقليدية وطائفية ؟ إن الدول التي تتوفر على عدة لهجات و لم تستطع اعتماد
لغة رسمية واحدة، فالتجأت إلى لغة المستعمر، بقيت متخلفة ؛ فكل قبيلة تدافع
عن مصلحتها الخاصة، ثقافاتها، تقاليدها، ولا أدل على ذلك من دول إفريقيا
السوداء، فإن في بعض بلدانها ما يفوق 50 لهجة.
وما نشاهده في بلادنا، الحس بالانتماء القبلي والدفاع عنه بشكل مبالغ فيه،
لدرجة، أصبحت فيها أنا جد متفوقة : أنا رباطي، أنا فاسي، أنا مراكشي، أنا
سلاوي ، أنا صحراوي، أنا وجدي، ،أنا بيضاوي، أنا سوسي، أنا ريفي، أنا،
أنا، أنا...ويذكرنا بالعصبية القبلية التي كانت منذ قرون ومازالت متواجدة
في القرن 21 ؛ الفردانية تسود قبل كل شيء، مما ينعكس على الحياة العملية،
بحيث نجد في بعض المؤسسات قبيلة الرباطيين أو الفاسيين تهيمن بشكل مهول على
القبائل الأخرى، منهم موظفون، أو مسؤولون، وتشكل بالفعل مجموعة متعصبة
(clan)، ولا تسمح لأي غريب عنها أن يتسلل داخل معسكرها، وهكذا فهي حريصة
على فضائها والذي تعتبره في ملكيتها، لا أحد له الحق أن يخترقه.
يجب أن نتعايش و نتفاهم و نقبل الآخر ونسير نحو طريق النجاح. بتجاوز
الاختلافات وتوحيد الأهداف الكبرى، بما يخدم المصلحة العامة وبناء وطننا.
لكن هل الاهتمام بالقضية الأمازيغية هو بالفعل مطلب الشعب ؟ أم البعض فقط ؟
ما مكانتها في أجندة الإصلاحات ؟ فهذا المشروع يتطلب حقا موارد مادية
وبشرية مهمة في حين علينا القيام بإصلاحات عميقة خاصة على المستوى
الاجتماعي : ضمان العيش الكريم لكل الفئات : أطفال، شباب، راشدين، عجزة،
تشغيل الشباب العاطلين، حق المواطن في السكن، التغطية الصحية، تقليص
الفوارق الاجتماعية...؛ إصلاح التعليم،الدفاع عن حقوق الإنسان، حرية
الصحافة و التعبير، حماية المال العام، الاهتمام بالبنية التحتية، توفير
وسائل النقل للمواطنين، تحسين مستوى المستخدمين، الموظفين والطلبة،
الاهتمام بالمجال القروي، إبراز مكانة المرأة في العمل السياسي، إصلاح
العدل، محاربة الفساد بشتى أنواعه : الزبونية والرشوى، المحاسبة ومتابعة
المسؤولين عن ذلك ...
لنكن أوفياء لخدمة وطننا. فهذا الوطن يستدعينا كلنا، فلنساهم جميعا في
تطويره، وذلك بمسايرة العولمة و التكنولوجيا الحديثة والانفتاح على الآخر.
(*) أستاذة باحثة
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
لماذا ترسيم اللغة الأمازيغية في دستور ديمقراطي ؟ ترسيم اللغة الأمازيغية : السياق و الأسباب - بقلم : ذ.عبد الله حتوس(*)
تحظى الأمازيغية لغة ثقافة وهوية بقسط كبير من الاهتمام في النقاش السياسي والدستوري الذي أطلقته دينامية حركة عشرين فبراير والخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011 . غير أن هذا النقاش ليس وليد اليوم، فكما أن الحراك و النقاش الدستوريين ليسا وليدا السياق الحالي بل هما نتاج تراكم يمتد بجذوره إلى السنوات الأولى للاستقلال و خصوصا بداية الستينيات، فإن المطالب المرتبطة بالملف الأمازيغي هي الأخرى نتاج حراك مدني و سياسي أعلن عن نفسه بشكل صريح وواع بذاته نهاية الستينات لينضج أكثر مع ميثاق أكادير سنة 1990 ، ويصل مستوى متقدم في تراكمه مع البيان بشأن الاعتراف بأمازيغية المغرب، الذي أطلق دينامية غير مسبوقة حول الحقوق اللغوية والثقافية والهوياتية الأمازيغية. لقد تميز السياق الذي تمت فيه صياغة البيان بشأن الاعتراف بأمازيغية المغرب، بانتقال العرش من ملك، كانت له رؤيته الخاصة للدولة المركزية و لهوية المغرب و أسس الشرعية فيه، إلى ملك شاب يتوق إلى ممارسة الحكم بأسلوب جديد، مع ما يتطلبه ذلك من بحث عن عناصر أخرى للشرعية أكثر تجذرا في الوعي و الوجدان و التاريخ، و منسجمة مع متطلبات التحديث و تحديات الانتقال إلى بناء أسس الدولة الديمقراطية، و الوفاء بالالتزامات الوطنية و الدولية للمغرب في مجال حقوق الأفراد و الجماعات. إن تفاعل الملك محمد السادس مع بعض مطالب الحركة الأمازيغية سنة 2001 ، ساهم في إعطاء الملف الأمازيغي زخما جديدا، تمثل في الانتقال بالنقاش حول قضايا الأمازيغية من الهامش إلى داخل مؤسسات الدولة، كما يعتبر الخطاب الملكي، باجدير يوم 17 أكتوبر 2001، بمثابة اعتراف من الدولة بالأضرار الجسيمة التي لحقت الأمازيغية بشكل خاص و هوية و ثقافة والتراث المادي و اللامادي للمغاربة بشكل عام. كما اعتبر ذلك الخطاب التاريخي بمثابة خارطة طريق لتدبير الدولة للشأن الأمازيغي، مع ما يعنيه ذلك من التزامات تضمنها الخطاب و الظهير الملكي المؤسس للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. اليوم، المغرب والمغاربة على مشارف انتهاء عقد كامل على خطاب أجدير،وعلى المسلسل الوطني حول الأمازيغية الذي تميز خصوصا بأوراش إدماج الأمازيغية في منظومتي التعليم والإعلام، إضافة إلى تأهيل اللغة الأمازيغية. عقد كامل يفرض على الدولة و التنظيمات المدنية و السياسية و كل المعنيين طرح سؤال الحصيلة. هل نجحت الدولة في تصريف خطة الطريق التي أعلن عنها في خطاب 17 أكتوبر 2001 ؟ هل تم الوفاء بتعهدات الدولة و تم جبر الأضرار التي تم الاعتراف بها سنة 2001 ؟ هل نجح إدماج الأمازيغية في منظومتي التعليم و الإعلام ؟ هل تم تأهيل اللغة الأمازيغية ؟ إن الإجابة عن سؤال الحصيلة، بحاجة إلى مجهود جماعي يقوم به جميع المتدخلين في الملف و إلى نقاش صريح بينهم، حتى تتم الإحاطة بكل جوانب الحصيلة و تستخلص الدروس لتصحيح الأخطاء و إعادة النظر في السياسات و في المسلسل برمته إن اقتضى الأمر ذلك. غير أن انتظار جلوس كافة المعنيين بالملف الأمازيغي، سواء الحكوميين أوالمدنيين أوالسياسيين، حول طاولة واحدة لنقاش الحصيلة، لن يحول دوننا و تقديم الملاحظات الأولية حولها و التي يتفق حولها ( الملاحظات) الجميع و يختلفون في قراءتهم لها. يتفق الجميع على أن إدماج اللغة الأمازيغية في التعليم لم يحقق الحد من الأهداف التي اتفقت حولها وزارة التربية الوطنية و المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، و يختلف الجميع في تقييم المعطى، بين أصحاب نظرية الفشل بسبب غياب الإرادة السياسية، و أصحاب نظرية الإفشال بسبب جيوب مقاومة إنصاف الأمازيغية و المنتشرة في دواليب المؤسسات الرسمية. يتفق الجميع على أن القناة التلفزية الأمازيغية، بإمكانياتها المحدودة جدا، مكسب استراتيجي لدمقرطة الإعلام بالمغرب، لكن نجاحاتها النسبية غير كافية لإدماج حقيقي منصف للأمازيغية في المنظومة الإعلامية، خصوصا وان القنوات التلفزية و الإذاعية الأخرى لا تحترم دفتر التحملات و لا تتقيد باحترام التعددية في برامجها. يتفق الجميع على أن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية و الأكاديميين و التنظيمات المدنية نجحوا في تأهيل اللغة الأمازيغية، و يكفي للاستدلال على ذلك مقارنة ما تمت مراكمته من أبحاث و انتاجات و خبرات في ميادين معيرة اللغة و غيرها، مع ما كانت عليه الوضعية سنة 2001 . نحن إذن، أمام لغة أمازيغية تم تأهيلها، و إن كانت عملية التأهيل غير مرتبطة بزمان معين، لأنها صيرورة، ولأنه ليست هناك لغة وصلت الكمال، هذا التأهيل الذي يعتبر نقطة ضوء تنير مستقبل اللغة و الثقافة الأمازيغية، في حاجة إلى ضمانات قانونية لتحصينه و توظيفه. حينما نستوعب هذا السياق، وهذه الحصيلة الأولية لعشر سنوات من تدبير الدولة للملف الأمازيغي على ضوء خطاب ملكي تضمن التزامات صريحة من الدولة، نفهم الأسباب التي جعلت التنظيمات الأمازيغية و شباب و حركة شباب عشرين فبراير و بعض الأحزاب السياسية، يطالبون بتوفير الضمانات القانونية للغة الأمازيغية من خلال ترسيمها في الدستور كمدخل أساسي لإنصافها، لأنه تبين بأن الدولة فشلت في الوفاء بتعهداتها و التزاماتها بشأن الأمازيغية، ولأن المشجب الذي علق عليه الفشل هو الوضعية القانونية للغة. توضيح لمطالب الأمازيغ في الدستور تهدف المطالب الأمازيغية في الدستور إلى تحصين الأمازيغية هوية ولغة وثقافة والحفاظ عليها وضمان حمايتها القانونية وإشعاعها في المجتمع على كافة المستويات، ورغم أن هذه المطالب قد تمّ رفعها وتوضيحها من طرف الفاعلين الأمازيغيين على مدى عقود، إلا أنها ما زالت تتسم في أذهان الكثير من المواطنين و بعض الأطراف السياسية والمدنية الأخرى ببعض الغموض، مما يقتضي توضيحها في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ المغرب، سعيا إلى خلق الإجماع الوطني المطلوب حولها باعتبارها مطالب ديمقراطية لا تنفصل عن المشروع الديمقراطي الوطني، كما أنها جزء من الالتزامات التي تعهدت الدولة المغربية باحترامها في إطار تفاعلها مع المطالب الحقوقية داخليا و مع نداءات المنتظم الحقوقي الدولي. وفيما يلي، هذه المطالب الأمازيغية مع التوضيح والتفسير: 1) التنصيص في ديباجة الدستور على هوية المغرب الأمازيغية، مما يسمح بإعادة تأسيس «الوطنية المغربية» من منظور تعدّدي ديمقراطي وتجاوز الطابع الإختزالي للهوية، وذلك لأنّ الأمازيغية قد ظلت على مدى آلاف السنين بمثابة الثابت الحضاري المميز لشمال إفريقيا والمغرب، ورغم اختفاء العديد من اللغات والثقافات والحضارات القديمة، إلا أن الأمازيغية ظلت متواجدة في تفاعل عميق مع مكونات حضارة البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا، ولعبت في تاريخ المغرب دور العنصر التوليفي الجامع الذي صهر داخله مختلف المكونات الوافدة، مما يفسّر انطباعها بطابع أمازيغي خصوصي 2) التنصيص على الإنتماء الإفريقي للمغرب مع استبدال عبارة «المغرب العربي»، التي تتسم بالإختزالية والإقصاء، بعبارة المغرب الكبير أو شمال إفريقيا، و ذلك لأنّ عبارة «المغرب العربي» كانت موضوع تحفظ رؤساء الدول المغاربية لأنها لا تضمّ كل المكونات الهوياتية للمغارب، باستثناء العقيد الليبي معمر القذافي ـ الذي كان يتبنى إيديولوجيا قومية عربية متطرفة ـ والذي هدّد بالإنسحاب من مؤتمر القمّة المغاربية بمراكش في حالة ما إذا لم يتمّ الاحتفاظ بهذه العبارة، وقد أشار الملك الراحل الحسن الثاني إلى تحفظه على التسمية في خطاب رسمي موجه الى الشعب المغربي آنذاك. 3) إعطاء اللغة الأمازيغية وضعية اللغة الرسمية بجانب العربية من أجل تحقيق المساواة والعدل بين كافة المغاربة، وتعدّ وضعية المساواة بين اللغتين الاختيار الوحيد الكفيل بضمان الحفاظ على الأمازيغية وصيانتها والنهوض بها وتهيئتها، حيث لا يضمن تمييزها بوضعية «اللغة الوطنية» أية إلزامية من الناحية القانونية داخل المؤسسات، إضافة إلى أنه سيعدّ مؤشرا لاستمرار الميز ضدّها على شتى المستويات، كما أن صفة اللغة الوطنية هي تحصيل حاصل بالنسبة للأمازيغية التي هي وطنية بحكم التاريخ والواقع والحضارة، ولا يتعدّى التنصيص عليها بهذه الصفة حدود الاعتراف الرمزي لا غير، الذي لا يسمح لها بممارسة العديد من الوظائف التي تستطيع القيام بها والإسهام في التنمية الوطنية. وفيما يخصّ تعددية اللغات الرسمية في الدستور الواحد فثمة تجارب كثيرة لعدد كبير من البلدان الديمقراطية في العالم والتي تتبنى هذا النهج ومن أبرزها سويسرا 4 لغات رسمية، الهند 23 لغة، كندا لغتان، بلجيكا 3 لغات، جنوب إفريقيا 11 لغة إلخ.. وهي التجارب التي غفل عنها المغاربة بسبب انغلاقهم في النموذج الفرنسي الإستيعابي، مما يحتّم الاقتداء بها ومعرفة كيفية تدبير التعددية اللغوية بأساليب ديمقراطية. ومعلوم أن اللغة الأمازيغية قد أدرجت في التعليم منذ 2003، وتتوفر الآن على معاجم عصرية وقواعد صرف ونحو موحّدة وعلى أنطولوجيا للآداب وكتب مدرسية و حوامل بيداغوجية وكل مقومات اللغة العصرية. ولم يعد هناك مجال لاعتبارها غير مهيأة لاعتراف دستوري كما يقول البعض من الذين لم يتابعوا مسلسل مأسسة الأمازيغية منذ عشر سنوات. 4) إقرار تقسيم جهوي يقوم على أساس الجهات التاريخية الكبرى (ست إلى سبع جهات) ، ذات الشخصية الثقافية المنسجمة، ضمانا لشروط إنجاح مشاريع التنمية، وتفادي تشتيت الجهات المنسجمة لأسباب أمنية أو أية اعتبارات غير تنموية، كما هو مقترح في المشروع الذي تقدمت به لجنة الجهوية، والذي لم يأخذ بعين الاعتبار العوامل التاريخية والثقافية ذات الأهمية الكبرى في توفير اللحام السوسيوثقافي بين المواطنين داخل الجهة، مما يساهم في رفع إنتاجيتهم وتحقيق التواصل والتضامن فيما بينهم. من أجل إنصاف دائم و عادل و ديمقراطي للأمازيغية في كل أبعادها لقد انتقلت حركة عشرين فبراير بالمطلب الدستوري الأمازيغي من مطلب عشرات الجمعيات و القلة من الأحزاب السياسية، إلى مطلب يهم شباب التغيير بالمغرب، و قد فهمت الكثير من الأحزاب السياسية رسالة الشباب، فتقدمت الكثير منها في مقارباتهم لترسيم اللغة الأمازيغية، مقارنة بما كانت عليه مواقفها. إن الإنصاف الدائم و الديمقراطي و العادل للأمازيغية بكل أبعادها، لا يمكن أن يكون ممكنا إلا في إطار مغرب ديمقراطي، تحاسب فيه الحكومة التي تمتلك السلطة التنفيذية، مغرب يتوفر على جهاز تشريعي يستمد شرعيته من الشعب صاحب السيادة، مغرب متعدد في ظل و حدته، يكون فيه للجهات حق تقرير مصيرها، بعيدا عن وصاية المركز. (*)الكاتب التنفيذي للمرصد الأمازيغي للحقوق و الحريات | ||
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
الانتقال الديموقراطي وضرورة وقف السياسة الاستيعابية
إن الانتقال
الديموقراطي يعني في كل تجارب الشعوب والأمم في العالم الانتقال من وضع
استبدادي يتميز بتركيز كل السلطات والثروات والموارد في يد أقلية قليلة
تفرض لغتها وثقافتها وقيمها الخاصة بها على الشعب بكامله من خلال
دستورمفروض.
في ظل هذه الشروط تم اعتماد سياسة استيعابية تدميرية ضد الشعب الامازيغي
ولغته وثقافته ورموزه.وما لم يدمره الاستعمار الخارجي اهتمت بتدميره حكومات
مابعد الاستقلال واستمر هذا الوضع زمنا طويلا.وتحت ضغط الحركة الثقافية
الامازيغية،تراجعت هذه السياسة ببطء كبير قبل أن تعود بقوة من خلال عرقلة
كل الاصلاحات التي كان من المفترض ان تؤدي الى الانتقال الديموقراطي، حيث
عرقلت الحكومات المتتالية ادماج الامازيغية بالجدية الضرورية في كل
المجالات التي كان من المفروض ان تعمم فيها قبل نهاية 2010.
الشراكة في القيم:
الحديث عن مراجعة شاملة للدستور اودستور جديد،بعدسريان حيوية ثورة الياسمين
التي ابتدعها شباب تونس واحتضنها شباب 20فبراير، يستلزم اذن وقف السياسة
الاستيعابية واعداد دستور جديد كلية بمشاركة الحركة الثقافية الامازيغية
وحركة شباب 20 فبراير وكل الحركات التي لم تتورط في الفساد.
ولكي يكون هذا الدستور ديموقراطيا يجب القطع نهائيامع خطاب الكذب عن 12قرنا
كتاريخ للمغرب وعن طمس التاريخ المغربي الحقيقي وعن تاريخ شعوبه و مكوناته
المتعددة وعن ثقافته ولغته وانظمته القانونية الامازيغية التي ابيدت ابادة
ثقافية من طرف حكومات الاستقلال .ولهذا يجب ان يتضمن ديباجة عن التاريخ
والنضال العريق للشعب الامازيغي منذالاف السنين دفاعا عن قيم الكرامة
والحرية والوطن وعن صموده ضد كل اشكال الغزو والاستيطان والاستعمارطيلة
تاريخه واستقباله في سلام لافراد وجماعات عرب وافارقة واندلسيين ويهود،
كوطن للحرية والكرامة فعاش الشعب المغربي وحدته في تعدده طيلة تاريخه.
الدستور الاستبدادي الحالي يعكس قيما احادية استبدادية مفروضة من طرف
الاقلية المسيطرة على السلطة والثروة ويؤدي الى استشراء الفساد والحرمان من
الحريات والحقوق الاساسية وممارسة الاختطاف والاعتقال واصدار قوانين غير
عادلة تسمح للاقلية المسيطرة على السلطة والثروة ان تمارس حرياتها في النهب
والتدمير و في الطمس والمنع والقهر والابادة بمافي ذالك ابسط الحقوق
الطبيعية في الثقافة واللغة والحق في الملكية ضمن الجماعة،دون الحديث عن
استعمال كل الوسائل لتدمير كل البنيات التي ضمنت صمود القبائل والجماعات
الاصلية والسلالية لتسهيل نهب الاراضي والموارد، وبيع اوكراء او تفويت
مناطق بسكانها دون علمهم تحت اسماء متعددة.ومن احدى غرائب الامور ان
لايتمتع الشعب الامازيغي ببرامج تلفزية باللغةلامازيغية الا بعد 55سنة من
الاستقلال، وهو شيئ لم يحدث حتى في اسرائيل التي تمارس احتلالا بالقوة
والسلاح لاراضي الشعب الفسطيني.
والدستور الديموقراطي المأمول يجب ان يعكس القيم المشتركة.ومن بين القيم
المشتركةالعالميةالتي تحملها الثقافة الامازيغية طيلة تاريخها الحضاري
الطويل من خلال الانظمة القانونية والمعارف الامازيغية قيم الكرامة والحياة
والحرية والمساوة والتداول والفدرالية والتضامن .ويتجلى ذلك مثلا في أن
وثيقة تيزنيت التي وضعت من طرف سكانها سنة 1908 ، وهي امتداد لقوانين
امازيغية اقدم، تعتبر النفي اقصى عقوبة يمكن ان تمس الانسان.فحق الحياة
لايحرم منه احدولاوجود لعقوبة الاعدام.كما انه احتراما للسلامة البدنية
وكرامة الانسان وحريته تكون كل العقوبات مالية وليست بدنية.ويمثل النظام
القانوني الامازيغي للسقي مستوى عاليا من احترام الحق في الماء لكل فرد وكل
جماعة.ومن الضروي ألا ننسى قيمة«الجماعية»او ا«الشراكة»التي تعكسها
الانظمة القانونية الامازيغيةالمتعلقة خصوصا بملكية الاراضي والموارد
الطبيعية في اطار جماعي تم الغاؤها من طرف قوانين الاستعمارالخارجي بشأن
الغابات والموارد،الذي وضع حدوداأمام بيوت سكان كل مناطق اركان مثلا ثم
ورثت دولة الاستقلال تلك الموارد والاراضي والغابات وبدأت توزعها على
الاقارب والشركات الخاصة دون الموافقة المسبقة الحرة والمستنيرة.وهي بذلك
تشكل جرائم لا تتقادم.
إن تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية الذي انجز خارج الاطار الزمني لتأثير
حيوية ثورة الياسمين لم يعكس هذه القيم المشتركة.إذ لو اهتمت اللجنة بقيمة
«الفدرالية» التي كانت تعيش فيها القبائل المغربية الى تاريخ تدميرها من
طرف الاستعمار ثم حكومات ما بعد الاستقلال فسيكون تقريرها ملائما لادماجه
في الدستور.وانكار اللجنة لهذه القيم المشتركة التي تحملها اللغة
الامازيغية والثقافة الامازيغية والانظمة القانونية الامازيغية جعلها تنتج
مشروعا لايصلح لا لتنفيذ الحكم الذاتي في الصحراء ولا للجهويةالملائمة
لتاريخناالتي لافعالية لها اذالم تكن جهوية سياسيةتعتمد المعايير التاريخية
والثقافية والمعايير الدولية لحق تقرير المصير في اطار الوحدة الوطنية.
المساواة بين اللغتين الأمازيغية والعربية:
لأول مرة يفتح النقاش بفضل ديناميكية كل الاطراف التي سرت فيها حيوية ثورة
الياسمين حبا أوكرها.لهذا يجب ان تنعكس في كل فصول الدستور الجديد شراكتنا
في القيم.وهذا ما يجعل المنادين بالمساواة بين اللغة الامازيغية واللغة
العربية باعتمادهما لغتين رسميتين موفقين في اختيارهم.ولان موقفا واحدا
تبنى صيغة اخرى على اساس المساوة بينهما فهو بدوره.وهو اختيار يفصح عن رغبة
حقيقية في الانتقال الديموقراطي بالمغرب.
اما الذين ميزوا بين وضع اللغتين في الدستور عن طريق اضفاء الرسمية على
العربية،فإنهم في العمق لايرغبون في أي انتقال ديموقراطي مهما كانت
تبريراتهم.ذلك ان اضفاءهم وصف اللغة الوطنية على الامازيغية في الدستور
وبدون المساواة مع العربية انمايخفون توجهاتهم الاستيعابيةالتي تستهدف
القضاء النهائي على الهوية والثقافة الامازيغيةوتحقيق هدفهم الامثل: تعريب
الشخصية والمحيط.
واعتبر ان افضل الصيغ في الدستور هي التي تتبنى القيم المشتركة من خلال صيغ متعددة من بينها هذه الصيغةمثلا:
الديباجة:
ديباجة عن التاريخ والنضال العريق للشعب الامازيغي منذالاف السنين دفاعا عن
قيم الكرامة والحرية والوطن وعن صموده ضد كل اشكال الغزو والاستيطان
والاستعمارطيلة تاريخه واستقباله في سلام لافراد وجماعات عرب وافارقة
واندلسيين ويهود، كوطن للحرية والكرامة فعاش الشعب المغربي وحدته في تعدده
طيلة تاريخه.
الفصل الاول:
المملكة المغربية دولة اسلامية، افريقية ومتوسطية . هويتها متعددة الابعاد
. لغتاها الرسميتان الامازيغية والعربية.من بين اهدافها بناء اتحاد
ديموقراطي فدرالي لبلدان المغرب الكبير وتعزيزمشاركتها في المنظمات
الاقليمية والدولية .وبصفتهاعضوا نشيطا في المنظمات الدولية فانها تلتزم
باحترام المعايير الدولية لحقوق الانسان الفردية والجماعية بناء على مبدأ
سمو القانون الدولي على القانون الداخلي.وتلتزم بالمحافظة على السلام
والامن في العالم.
الفصل الثاني:
نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية برلمانيةديموقراطية، ذات جهوية سياسية..يعكس
دستورها القيم المشتركة ويعتمد فصل السلطات واقتسامها والشراكة في الموارد
والثروات في اطار احترام الحقوق الجماعية في الاراضي والموارد والثروات
للجماعات الاصلية والسلالية والقبائل.
الفصل الثالث:
يجب ان يكون القانون عادلا لحماية الحريات و الحقوق الفردية والجماعية.وهو
ملزم للدولة والمؤسسات في كل افعالها وانشطتها.. .وعليها التعامل بحسن
نية.وتعتبر الموافقة المسبقة والحرة والمستنيرة ضرورية كلما كانت انشطتها
مرتبطة او مؤثرة على الحقوق الجماعية في الاراضي والموارد.ويجب ارجاع كل
الاراضي والموارد التي اغتصبت او فوتت اووقع منها الترحيل بدون
الموافقة.وفي حالة صعوبة ذلك يتعين جبر الضرر بتعويض ملائم لقيمة الاراضي
المغتصبة بالقيمة الحالية.ويتعين على الدولة احترام العلاقة المادية
والروحية والثقافية للقبائل والجماعات الاصلية والسلالية مع اراضيها .مع
احترام حقها في تطوير اسلوب حياتها والحفاظ عليه وتطوير اشكال تنظيمها فيما
لايتعارض مع المعايير الدولية لحقوق الانسان والشعوب ( وباقي المعايير
الدولية كما يتضمنها الاعلان العالمي بشأن حقوق الشعوب الاصلية الذي شاركت
الدولة والحركة الثقافية الامازيغية في المفاوضات حول مشروع النص الى حين
اعتماده في مجلس حقوق الانسان والجمعية العامة) في يوم 13/9/2007.
http://www.un.org/esa/socdev/unpfii/documents/DRIPS_ar.pdf
الفصل الرابع:
الرجل والمرأة متساويان في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق
الاقتصادية والاجتماعية والحقوق اللغوية والثقافية.ويضمن القانون لكل
الافراد والجماعات توفير الظروف لممارسة حق المشاركة في الحياة الثقافية
والحياة السياسية والحياة الاقتصادية للمجتمع.
الديموقراطي يعني في كل تجارب الشعوب والأمم في العالم الانتقال من وضع
استبدادي يتميز بتركيز كل السلطات والثروات والموارد في يد أقلية قليلة
تفرض لغتها وثقافتها وقيمها الخاصة بها على الشعب بكامله من خلال
دستورمفروض.
في ظل هذه الشروط تم اعتماد سياسة استيعابية تدميرية ضد الشعب الامازيغي
ولغته وثقافته ورموزه.وما لم يدمره الاستعمار الخارجي اهتمت بتدميره حكومات
مابعد الاستقلال واستمر هذا الوضع زمنا طويلا.وتحت ضغط الحركة الثقافية
الامازيغية،تراجعت هذه السياسة ببطء كبير قبل أن تعود بقوة من خلال عرقلة
كل الاصلاحات التي كان من المفترض ان تؤدي الى الانتقال الديموقراطي، حيث
عرقلت الحكومات المتتالية ادماج الامازيغية بالجدية الضرورية في كل
المجالات التي كان من المفروض ان تعمم فيها قبل نهاية 2010.
الشراكة في القيم:
الحديث عن مراجعة شاملة للدستور اودستور جديد،بعدسريان حيوية ثورة الياسمين
التي ابتدعها شباب تونس واحتضنها شباب 20فبراير، يستلزم اذن وقف السياسة
الاستيعابية واعداد دستور جديد كلية بمشاركة الحركة الثقافية الامازيغية
وحركة شباب 20 فبراير وكل الحركات التي لم تتورط في الفساد.
ولكي يكون هذا الدستور ديموقراطيا يجب القطع نهائيامع خطاب الكذب عن 12قرنا
كتاريخ للمغرب وعن طمس التاريخ المغربي الحقيقي وعن تاريخ شعوبه و مكوناته
المتعددة وعن ثقافته ولغته وانظمته القانونية الامازيغية التي ابيدت ابادة
ثقافية من طرف حكومات الاستقلال .ولهذا يجب ان يتضمن ديباجة عن التاريخ
والنضال العريق للشعب الامازيغي منذالاف السنين دفاعا عن قيم الكرامة
والحرية والوطن وعن صموده ضد كل اشكال الغزو والاستيطان والاستعمارطيلة
تاريخه واستقباله في سلام لافراد وجماعات عرب وافارقة واندلسيين ويهود،
كوطن للحرية والكرامة فعاش الشعب المغربي وحدته في تعدده طيلة تاريخه.
الدستور الاستبدادي الحالي يعكس قيما احادية استبدادية مفروضة من طرف
الاقلية المسيطرة على السلطة والثروة ويؤدي الى استشراء الفساد والحرمان من
الحريات والحقوق الاساسية وممارسة الاختطاف والاعتقال واصدار قوانين غير
عادلة تسمح للاقلية المسيطرة على السلطة والثروة ان تمارس حرياتها في النهب
والتدمير و في الطمس والمنع والقهر والابادة بمافي ذالك ابسط الحقوق
الطبيعية في الثقافة واللغة والحق في الملكية ضمن الجماعة،دون الحديث عن
استعمال كل الوسائل لتدمير كل البنيات التي ضمنت صمود القبائل والجماعات
الاصلية والسلالية لتسهيل نهب الاراضي والموارد، وبيع اوكراء او تفويت
مناطق بسكانها دون علمهم تحت اسماء متعددة.ومن احدى غرائب الامور ان
لايتمتع الشعب الامازيغي ببرامج تلفزية باللغةلامازيغية الا بعد 55سنة من
الاستقلال، وهو شيئ لم يحدث حتى في اسرائيل التي تمارس احتلالا بالقوة
والسلاح لاراضي الشعب الفسطيني.
والدستور الديموقراطي المأمول يجب ان يعكس القيم المشتركة.ومن بين القيم
المشتركةالعالميةالتي تحملها الثقافة الامازيغية طيلة تاريخها الحضاري
الطويل من خلال الانظمة القانونية والمعارف الامازيغية قيم الكرامة والحياة
والحرية والمساوة والتداول والفدرالية والتضامن .ويتجلى ذلك مثلا في أن
وثيقة تيزنيت التي وضعت من طرف سكانها سنة 1908 ، وهي امتداد لقوانين
امازيغية اقدم، تعتبر النفي اقصى عقوبة يمكن ان تمس الانسان.فحق الحياة
لايحرم منه احدولاوجود لعقوبة الاعدام.كما انه احتراما للسلامة البدنية
وكرامة الانسان وحريته تكون كل العقوبات مالية وليست بدنية.ويمثل النظام
القانوني الامازيغي للسقي مستوى عاليا من احترام الحق في الماء لكل فرد وكل
جماعة.ومن الضروي ألا ننسى قيمة«الجماعية»او ا«الشراكة»التي تعكسها
الانظمة القانونية الامازيغيةالمتعلقة خصوصا بملكية الاراضي والموارد
الطبيعية في اطار جماعي تم الغاؤها من طرف قوانين الاستعمارالخارجي بشأن
الغابات والموارد،الذي وضع حدوداأمام بيوت سكان كل مناطق اركان مثلا ثم
ورثت دولة الاستقلال تلك الموارد والاراضي والغابات وبدأت توزعها على
الاقارب والشركات الخاصة دون الموافقة المسبقة الحرة والمستنيرة.وهي بذلك
تشكل جرائم لا تتقادم.
إن تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية الذي انجز خارج الاطار الزمني لتأثير
حيوية ثورة الياسمين لم يعكس هذه القيم المشتركة.إذ لو اهتمت اللجنة بقيمة
«الفدرالية» التي كانت تعيش فيها القبائل المغربية الى تاريخ تدميرها من
طرف الاستعمار ثم حكومات ما بعد الاستقلال فسيكون تقريرها ملائما لادماجه
في الدستور.وانكار اللجنة لهذه القيم المشتركة التي تحملها اللغة
الامازيغية والثقافة الامازيغية والانظمة القانونية الامازيغية جعلها تنتج
مشروعا لايصلح لا لتنفيذ الحكم الذاتي في الصحراء ولا للجهويةالملائمة
لتاريخناالتي لافعالية لها اذالم تكن جهوية سياسيةتعتمد المعايير التاريخية
والثقافية والمعايير الدولية لحق تقرير المصير في اطار الوحدة الوطنية.
المساواة بين اللغتين الأمازيغية والعربية:
لأول مرة يفتح النقاش بفضل ديناميكية كل الاطراف التي سرت فيها حيوية ثورة
الياسمين حبا أوكرها.لهذا يجب ان تنعكس في كل فصول الدستور الجديد شراكتنا
في القيم.وهذا ما يجعل المنادين بالمساواة بين اللغة الامازيغية واللغة
العربية باعتمادهما لغتين رسميتين موفقين في اختيارهم.ولان موقفا واحدا
تبنى صيغة اخرى على اساس المساوة بينهما فهو بدوره.وهو اختيار يفصح عن رغبة
حقيقية في الانتقال الديموقراطي بالمغرب.
اما الذين ميزوا بين وضع اللغتين في الدستور عن طريق اضفاء الرسمية على
العربية،فإنهم في العمق لايرغبون في أي انتقال ديموقراطي مهما كانت
تبريراتهم.ذلك ان اضفاءهم وصف اللغة الوطنية على الامازيغية في الدستور
وبدون المساواة مع العربية انمايخفون توجهاتهم الاستيعابيةالتي تستهدف
القضاء النهائي على الهوية والثقافة الامازيغيةوتحقيق هدفهم الامثل: تعريب
الشخصية والمحيط.
واعتبر ان افضل الصيغ في الدستور هي التي تتبنى القيم المشتركة من خلال صيغ متعددة من بينها هذه الصيغةمثلا:
الديباجة:
ديباجة عن التاريخ والنضال العريق للشعب الامازيغي منذالاف السنين دفاعا عن
قيم الكرامة والحرية والوطن وعن صموده ضد كل اشكال الغزو والاستيطان
والاستعمارطيلة تاريخه واستقباله في سلام لافراد وجماعات عرب وافارقة
واندلسيين ويهود، كوطن للحرية والكرامة فعاش الشعب المغربي وحدته في تعدده
طيلة تاريخه.
الفصل الاول:
المملكة المغربية دولة اسلامية، افريقية ومتوسطية . هويتها متعددة الابعاد
. لغتاها الرسميتان الامازيغية والعربية.من بين اهدافها بناء اتحاد
ديموقراطي فدرالي لبلدان المغرب الكبير وتعزيزمشاركتها في المنظمات
الاقليمية والدولية .وبصفتهاعضوا نشيطا في المنظمات الدولية فانها تلتزم
باحترام المعايير الدولية لحقوق الانسان الفردية والجماعية بناء على مبدأ
سمو القانون الدولي على القانون الداخلي.وتلتزم بالمحافظة على السلام
والامن في العالم.
الفصل الثاني:
نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية برلمانيةديموقراطية، ذات جهوية سياسية..يعكس
دستورها القيم المشتركة ويعتمد فصل السلطات واقتسامها والشراكة في الموارد
والثروات في اطار احترام الحقوق الجماعية في الاراضي والموارد والثروات
للجماعات الاصلية والسلالية والقبائل.
الفصل الثالث:
يجب ان يكون القانون عادلا لحماية الحريات و الحقوق الفردية والجماعية.وهو
ملزم للدولة والمؤسسات في كل افعالها وانشطتها.. .وعليها التعامل بحسن
نية.وتعتبر الموافقة المسبقة والحرة والمستنيرة ضرورية كلما كانت انشطتها
مرتبطة او مؤثرة على الحقوق الجماعية في الاراضي والموارد.ويجب ارجاع كل
الاراضي والموارد التي اغتصبت او فوتت اووقع منها الترحيل بدون
الموافقة.وفي حالة صعوبة ذلك يتعين جبر الضرر بتعويض ملائم لقيمة الاراضي
المغتصبة بالقيمة الحالية.ويتعين على الدولة احترام العلاقة المادية
والروحية والثقافية للقبائل والجماعات الاصلية والسلالية مع اراضيها .مع
احترام حقها في تطوير اسلوب حياتها والحفاظ عليه وتطوير اشكال تنظيمها فيما
لايتعارض مع المعايير الدولية لحقوق الانسان والشعوب ( وباقي المعايير
الدولية كما يتضمنها الاعلان العالمي بشأن حقوق الشعوب الاصلية الذي شاركت
الدولة والحركة الثقافية الامازيغية في المفاوضات حول مشروع النص الى حين
اعتماده في مجلس حقوق الانسان والجمعية العامة) في يوم 13/9/2007.
http://www.un.org/esa/socdev/unpfii/documents/DRIPS_ar.pdf
الفصل الرابع:
الرجل والمرأة متساويان في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق
الاقتصادية والاجتماعية والحقوق اللغوية والثقافية.ويضمن القانون لكل
الافراد والجماعات توفير الظروف لممارسة حق المشاركة في الحياة الثقافية
والحياة السياسية والحياة الاقتصادية للمجتمع.
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
دسترة «تمغريبيت» التي في الوجدان - هشام العلوي
إن
الإجماع الحاصل اليوم على دسترة الأمازيغية، والتفاف كل الأصوات بمختلف
أطيافها و مستوياتها على إقرار هذا المطلب الذي أصبح مشتركا مجتمعيا، يؤشر
فعلا على وجود تحول في نسق العقل السياسي ومنظومة القيم بالمغرب.
وهب أن هذه الدينامية غير المسبوقة، يعود لها الفضل في تذويب الخلاف
الزائف حول هذا الموضوع، وعدم إهدار النقاش العمومي في المواجهة بين
طروحات الدفاع والمحاجة من جهة، أو التحفظ والممانعة من جهة ثانية.
إن دسترة الأمازيغية يتلقاها جسدنا اليوم بدون مفاجأة أو صدمة أو جهد
يقطع النفس، لأننا نعتبرها ربما لحظة متوقعة طي صيرورة انطلقت منذ خطاب
أجدير، وما سبقه ولحقه في العشرية الأخيرة، من توجهات تصب في سياق خيار
المصالحات مع الذات والمجال والذاكرة ، وتثمين « تمغريبيت» في وحدتها
وتعددها من غير إقصاء أو اختزال لأي من مكوناتها.
في نطاق دسترة الأمازيغية، تحضرني كذلك حكاية لسان آدم التي أفرد لها
الباحث عبد الفتاح كيليطو كتابا يحمل نفس العنوان. السؤال يطول اللغة التي
تحدث بها آدم. هناك من يجيب، إنها اللغة العربية. وهناك من يقول، إنها
السريانية، أو وصولا إلى السومرية أو الهيروغليفية، أو إن آدم كان يتكلم كل
اللغات.
أنا سأضيف الأمازيغية لتكون دون غيرها لغة زمن البدايات وتاريخ القدسي ومرحلة التأسيس.
وماذا بعد،
وأنا أطلب من السياسيين والفقهاء الدستوريين التفكير منذ الآن في آليات
تفعيل هذه الدسترة وتأهيل الأمازيغية لتضطلع بدورها كلغة ومحتوى ثقافي،
أخشى على أمازيغيتنا من قدر القداسة الذي قد يتربص بها خلف الترسيم
الموعود، والتحنيط الذي قد يفرغها من وجدانها الذي يتقاسمه كل المغاربة.
حذار من استنساخ تجربة العربية التي ظل طموحها، وهي لغة رسمية، حبيس القدسي
والمجامع المختصة والمعاهد الأكاديمية والأدبيات المعتبرة التي لا يفهمها
أحد.
الإجماع الحاصل اليوم على دسترة الأمازيغية، والتفاف كل الأصوات بمختلف
أطيافها و مستوياتها على إقرار هذا المطلب الذي أصبح مشتركا مجتمعيا، يؤشر
فعلا على وجود تحول في نسق العقل السياسي ومنظومة القيم بالمغرب.
وهب أن هذه الدينامية غير المسبوقة، يعود لها الفضل في تذويب الخلاف
الزائف حول هذا الموضوع، وعدم إهدار النقاش العمومي في المواجهة بين
طروحات الدفاع والمحاجة من جهة، أو التحفظ والممانعة من جهة ثانية.
إن دسترة الأمازيغية يتلقاها جسدنا اليوم بدون مفاجأة أو صدمة أو جهد
يقطع النفس، لأننا نعتبرها ربما لحظة متوقعة طي صيرورة انطلقت منذ خطاب
أجدير، وما سبقه ولحقه في العشرية الأخيرة، من توجهات تصب في سياق خيار
المصالحات مع الذات والمجال والذاكرة ، وتثمين « تمغريبيت» في وحدتها
وتعددها من غير إقصاء أو اختزال لأي من مكوناتها.
في نطاق دسترة الأمازيغية، تحضرني كذلك حكاية لسان آدم التي أفرد لها
الباحث عبد الفتاح كيليطو كتابا يحمل نفس العنوان. السؤال يطول اللغة التي
تحدث بها آدم. هناك من يجيب، إنها اللغة العربية. وهناك من يقول، إنها
السريانية، أو وصولا إلى السومرية أو الهيروغليفية، أو إن آدم كان يتكلم كل
اللغات.
أنا سأضيف الأمازيغية لتكون دون غيرها لغة زمن البدايات وتاريخ القدسي ومرحلة التأسيس.
وماذا بعد،
وأنا أطلب من السياسيين والفقهاء الدستوريين التفكير منذ الآن في آليات
تفعيل هذه الدسترة وتأهيل الأمازيغية لتضطلع بدورها كلغة ومحتوى ثقافي،
أخشى على أمازيغيتنا من قدر القداسة الذي قد يتربص بها خلف الترسيم
الموعود، والتحنيط الذي قد يفرغها من وجدانها الذي يتقاسمه كل المغاربة.
حذار من استنساخ تجربة العربية التي ظل طموحها، وهي لغة رسمية، حبيس القدسي
والمجامع المختصة والمعاهد الأكاديمية والأدبيات المعتبرة التي لا يفهمها
أحد.
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
في حوار مع الدكتور محمد الخطابي حول التنوع الثقافي بالمغرب ودسترة اللغة الأمازيغية الهوية الجامعة الموحِّدة لمن يقطنون المغرب هي «تامغريبيت»
أجرى الحوار: عبد اللطيف الكامل
الدكتور
محمد الخطابي واحد من المهتمين باللغة الأمازيغية لكونه ينحدر من أصول
أمازيغية بمنطقة درعة وبالضبط بورزازات من جهة،ولكونه مهتما ومتخصصا في
التدريس الجامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير بالنقد والمعجم
والبلاغة العربية وكل ما يتعلق بالخطاب الأدبي عموما،زيادة على تأطيره
وإشرافه على عدة بحوث جامعية حول موضوع الشعر الأمازيغي ولغته وحول الثقافة
الأمازيغية بصفة عامة إلى جانب إشرافه على بحوث جامعية ذات صلة بالأدب
العربي الحديث (الشعر والنقد الأدبي) والبلاغة العربية والترجمة والثقافة
المغربية (أمازيغية، عربية، حسانية).
هذا بالإضافة إلى نشاطه المتنوع خارج رحاب الكلية ومساهماته العديدة في
ندوات ومحاضرات في لقاءات علمية استدعي إليها، فضلا عن أبحاثه العلمية من
خلال ما نشره من مقالات وترجمات لأعمال نقدية ولغوية وأدبية وكتب نشرها
أشهرها كتابه «لسانيات النص، مدخل إلى انسجام الخطاب» وترجمته
لكتاب»السياسة اللغوية، خلفياتها ومقاصدها» وترجمة فصل من كتاب تيري
إيجلتون «مدخل إلى نظرية الأدب»، كما نشرمقالات مختلفة وعديدة.
{ كيف يرى محمد خطابي التنوع الثقافي بالمغرب اليوم؟ ثم ما هي إيجابياته وسلبياته؟
> لنبدأ بالجواب عن الشق الأول من سؤالك بواقع عاشته الأجيال التي مكنها
حظها من ولوج إحدى الجامعتين (محمد الخامس أو محمد بن عبد الله) في عقود
الستينات والسبعينات والثمانينات. يفد على الجامعتين طلبة المغرب من كل
الجهات جنوبا وشمالا، شرقا وغربا؛ كل يحمل لكنته وثقافته، وعلى هذا النحو
تمكنت تلك الأجيال من إدراك (مهما كان انطباعياً) مدلول كون المغرب مجتمعا
متنوع اللغات والثقافات. صحيح أن اللكنات أمر مميز لإنجاز الدارجة المغربية
بحسب المنطقة المنتمي إليها الطالب أو الطلبة وممارسة ذلك الإنجاز لا يمكن
أن يلغى بجرة قلم. أما التنوع الثقافي فكانت ممارسته محدودة لأسباب تتصل
بطبيعة الجامعة يومذاك وبالفضاءات المتاحة للتعبير عن التنوع وبالهموم التي
سيطرت على الأجيال المذكورة وتطلعاتها. وفي هذا الصدد يمكن القول إن
ممارسة التنوع الثقافي كان باهت الحضور إلى حدّ الانعدام بسبب هموم المرحلة
وإيديولوجيتها وطبيعة الأطروحات السياسية والفكرية المهيمنة حينذاك.
ربما كانت سبل التعبير عن التنوع الثقافي اليوم وممارسته أوفر لأن ممكنات
المغرب اليوم أفضل مما سبق على هذا الصعيد. هذا علاوة على أن التحولات
الكبرى التي عاشها عالمنا ويعيشها تفسح المجال واسعا أمام التنوع وممارسته.
المثال الأبرز على ذلك في المغرب أننا انتقلنا من مهرجان يحتفل ?بطريقته
وعلى علاته- بمظهر من مظاهر التنوع الثقافي أعني «مهرجان الفنون الشعبية»
في مراكش، قلت انتقلنا من مهرجان واحد يتيم إلى عشرات المهرجانات التي يكاد
كل منها يختص بمظهر بعينه (أحواش؛ أحيدوس؛ اعبيدات الرما؛ العيطة؛ الطرب
الغرناطي أو الأندلسي...) أو يزاوج بين عدة مظاهر أو ينفتح على فنون شعوب
أخرى تنتمي إلى مختلف القارات؛ وقس على هذا. علامَ يدل هذا؟ يدل من ناحية
على الإعلاء من شأن الثقافة المحلية من خلال مظهر من مظاهرها رداً على
محاولة التنميط ومحاربة لها على المستوى الوطني، وعلى ظاهرة العولمة على
مستوى دولي. ولا بأس من التنبيه إلى أن الاستجابة للثانية ليست طابعاً
مميزاً للمغرب وحده وإنما هي ظاهرة عالمية. أحس الناس في مختلف بقاع الأرض
بأن «طاحونة» العولمة سيل جارف لا مفر منه، ومن ثم لا بد من مواجهته فتكونت
بذلك حركات ثقافية واجتماعية وبيئية للحد من قوة التيار الجارف. وفي
اعتقادي أن كثرة المهرجانات في المغرب في العقد الماضي تدل في أحد وجوهها
على تلك المواجهة. وهي في مظهر من مظاهرها مقاومة للذوبان والانمحاء أمام
«موجة» العولمة المكتسحة.
من المفيد التنبيه إلى أن فرص إدراك التنوع الثقافي في المغرب متفاوتة من
مجال جغرافي إلى آخر؛ وهذا الأمر خاضع للمصادفة في قسم كبير منه، ولبعض
الملابسات التي يطول الحديث عنها، وربما سنحت فرصة أخرى للحديث المفصل عن
ذلك. قبل إقفال القوس من المناسب التنبيه إلى خطورة حصر التنوع الثقافي في
مدلول ضيق يسعى إلى قصره على مكون بعينه، وهذا ما حصل خلال حقب سابقة.
وخطورة الحصر والقصر تكمن في رد الفعل الممكن حدوثه.
{ هذا يعني أن ظاهرة التنوع ليست مرتبطة بالمغرب وحده بل ظاهرة كونية تعيشها جميع الأقطار العالمية؟.
> نعم وهذا ما نشير إليه لكن لكل قطر تنوعه الثقافي المتميز به، ولهذا
لابد من التنبيه إلى أن مدلول التنوع الثقافي ليس واحداً في جميع بقاع
الأرض. خذ مثلاً المجتمع الأمريكي، لا أحد يشك في تنوعه، ولكنه تنوع من
طينة مغايرة تماماً. على أن فيه درساً مفيداً من زوايا عدة. والمؤكد أن
تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية وإيديولوجيتها البراغماتية وطموحها الآني
والمستقبلي صبغت تنوعها بصبغة لا نظير لها في العالم أجمع.وبحكم عوامل
عديدة صاغت نموذجاً فريداً يحوّل التنوع إلى قوة ضاربة تفيد المجتمع برمته.
ولا أدلّ على ذلك من أنها اليوم أكبر مختبر لإنتاج المعرفة والعلم... وقد
مكنها من ذلك -علاوة على أمور أخرى- الاستقطابُ المنظّم والمطرد للكفاءات
حيثما وُجدت؛ وبعد ذلك تتم عملية صهر جبارة في بوتقة أمريكية، دون إكراه
الناس على التخلي عن ارتباطاتهم الثقافية وما جاورها. وليس معنى هذا أن
أمريكا لم ولا تعرف نقاشاً يهم الجانب اللغوي على سبيل المثال؛ بل عرفت مثل
هذا في ثمانينات القرن العشرين ولكن اشتغال الآلية الديمقراطية المؤسسية
حسمت الأمر. وملخص الموضوع أن تكاثر المهاجرين من أمريكا الجنوبية الناطقين
بالإسبانية خلق في بعض الولايات الجنوبية «وضعاً لغوياً جديداً» كان
المزارعون أحاب الضيعات الفلاحية الضخمة أوّل المستجيبين له بإدراج اللغة
الإسبانية إلى جانب الإنجليزية في كل الوثائق التي تعني العمال في الضيعات،
بل تبنت بعض الولايات اللغة الإسبانية في خطابها الانتخابي (انتخاب الوالي
في أمريكا طبعاً)...ووظفتها في جميع مظاهر الانتخابات. أدى هذا إلى نشوء
حركة تزعمها مجموعة من المحافظين فشكلوا جمعية تدافع عن إدخال تعديل على
الدستور الأمريكي ينص على أن «اللغة الإنجليزية وحدها هي اللغة
الأمريكية»،وتشكلت في مقابل ذلك جمعية تناهض هذا التعديل.استدعى الكونكريس
كلتا الجمعيتين لعرض دفوعهما، وكذلك كان.أما القرار فكان رفض التعديل
لمسوغات عديدة.وامتثل الجميع للقرار.
وجوابا عن الشق الثاني من سؤالكم أقول لا يمكن في جميع الأحوال وصف التنوع
الثقافي من حيث هو بالسلبي.التنوع الثقافي غنى وثراء يمكنان من التفاعل
المستمر بين مختلف مظاهره؛ التنوع الثقافي أخذ وعطاء واعتراف بالمغاير
والمختلف المشابه، الأمر هكذا على الرغم مما قد يُتوهم من تناقض في العبارة
(ربما كانت تجربة ناس الغيوان مثالاً ناجحاً عما يمكن أن ينتجه التنوع
الثقافي؛ وفي درعة (درى) السفلى مثال آخر يجسده «أحواش ن-ءيسمكان» وموطنه
قرية توزونين في غرب طاطا؛ وهو توليف بين آلات موسيقية وإيقاعات أحواش سوس
واكناوة والكدرة الحسانية والرقصة الفردية التي أصولها الأدغال الأفريقية
جنوب الصحراء ورقصة أحواش الجماعية...كل ذلك في تركيبة شجية متناغمة
ومنسجمة لا يدركها إلا القليلون). قد توحي بعض السياقات بأن التنوع الثقافي
سلبي، ولكن الشاذ لا يقاس عليه كما يقال. ربما كان السؤال الذي ينبغي طرحه
اليوم هو التالي: هل نوفر للتنوع الثقافي فضاءات ملائمة يمارَ س فيها؟
ويأتي على رأس الفضاءات المعنية التلفاز، ما حظ التنوع الثقافي فيه؟ بأي
طريقة يقدَّم هذا التنوع؟ متى يحتفى به؟ الخ. المغرب بلد متنوع وهذه حقيقة
لا يمكن تجاهلها أو تجاوزها أو إلغاؤها، لأن المغرب لا يمكن تصوره وجوداً
خالياً من التنوع بمعناه الموضوعي. وهذه حقيقة يدركها كل مغربي مكنته
الظروف طوعاً من (أو أرغمته كرها على) التنقل عبر الجغرافية الممتدة من
طنجة إلى الداخلة ومن أكادير إلى فكيك، ومن الجديدة إلى وجدة، وهكذا
دواليك.
س- حسب ما فهمته من كلامك ان التنوع والتعدد لا يلغي الوحدة بل يعضدها ويقويها.
ج - نعم هذا ما نرومه وما هو موجود حقيقة والدليل على ذلك هو أن المتنقل في
هذه الجغرافية لا يمكن إلا أن يفتخر بهويته المغربية وبانتمائه إلى وطن
تختلف مناطقه طبيعة وثقافة ولغة. بل إن الخبير حين يتأمل المتنوع ويمحصه
يجد تقاطعات لا تخطئها عينه أو أذنه في كثير من الأحيان وفي كثير من
الأماكن. وهذه حقيقة تحتاج إلى كلام كثير لا يسمح به المقام. سأكتفي بمثال
واحد يأسر العين أعني «الزربية»، ولقد تعمدت ذكر هذا المثال إشادةً بالقدرة
الإبداعية عند المرأة المغربية. تكاد تكون مادة الصنع واحدة الصوف الذي
يخضع لعمليات متعددة حتى يصبح خيطاً قابلاً للنسج. قارن بين الزربية في
مناطق أذكر منها أيت واوزكيت في إقليم ورزازات، وابزو في سهل تادلة،
والخميسات أو تيفلت أو أزرو في الأطلس المتوسط، والزربية المصطلح عليها
الرباطية... هل هي نوع واحد؟ كلا. ما الذي يجعلها مختلفة؟ تلك مسألة أخرى.
وما دمنا نتحدث عن «الزربية» أدعو إلى المقارنة بين الواوزكيتية على وجه
التخصيص والأناضولية، وربما فاجأت نتائج المقارنة من يقوم بها.
{ ماهي آفاق اللغة الأمازيغية بعد دسترتها؟ وهل تكفيها الدسترة لكي تلعب
دورا كبيرا كلغة تواصل وإنتاج وأدب أم أنها تحتاج إلى أشياء أخرى؟
> الآفاق المحتملة أمام اللغة الأمازيغية بعد دسترتها متعددة يصعب
التنبؤ بها. ومع ذلك لا بأس من الانطلاق من التنبيه إلى جانبين على الأقل
في المسألة: أولهما الجانب الحقوقي، وثانيهما الجانب العلمي. من زاوية
حقوقية محض تبنى المغرب مفهوم «حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالمياً»
ونحن نعلم أن «الحقوق اللغوية والثقافية» ركن من أركان تلك الحقوق؛ وهذا
يعني أن الاعتراف بحق اللغة الأمازيغية في الوجود حق لا يمكن إنكاره. وفي
اعتقادي أن من يطالب بالتنصيص على اللغة الأمازيغية في الدستور لغة رسمية
ينطلق من تجربة «إدماجها في المدرسة» وما آلت إليه،على الرغم من أن المآل
أو على الأقل قسط مهم منه لا يمكن أن يفسره عدم التنصيص عليها في الدستور.
يكمن بعض التفسير في الطبيعة الارتجالية التي تم بها الإدماج، وبعضه
بظرفيته، وبعضه بسعته، وبعضه بآلياته...
{ فأين تكمن الإشكالية إذن؟
> أعتقد أن المعضلة الرئيسية في المغرب، لاسيما حين يتعلق الأمر
بالقضايا المصيرية، اعتماد أحد «الاختيارين» إما «كم حاجة قضيناها بتركها»
وإما «البناء على التخفيف» بلغة الفقهاء. وبكلا الاختيارين لا تحل مشكلة بل
تزداد المشكلات تعقيداً وتشابكاً، وحينذاك ينتبه المعنيون بالاختيارين أو
بأحدهما إلى أن أوان الحل العقلاني قد فات فيلجأ إلى الارتجال الذي لا يزيد
الأمور إلا تعقيداً. أما اختيار الترك فيحيل الحل على المستقبل ويلقي على
كاهل الأجيال اللاحقة مشكلات لم تسهم في صنعها ولا تعلم ملابساتها إلا من
خلال الروايات (رواية هذا الطرف أو ذاك) في أحسن الأحوال. ربما كان النقاش
الذي ينبغي أن يكون اليوم في المغرب بخصوص دسترة اللغة الأمازيغية هو
الآتي: ما طبيعة المجتمع الذي سينجم عن دسترة الأمازيغية؟ ما تحملاته
الاجتماعية؟ ما المؤسسات التي ستضمن إعمال ما يترتب عن الدسترة؟ ما الآليات
الكائنة والمتطلبة لإنجاح العملية حتى لا يتكرر سيناريو إدماجها في
المدرسة؟ في الارتباط بالجهوية هل سيتم اعتماد لغة واحدة (ليست مجسدة حتى
اليوم إذ إنها ما زالت في طور التهيئة) أم أن كل جهة أو مجموعة جهات سوف
تعتمد تنويعة بعينها؟ وربما دفعت الأسئلة الأخيرة إلى فتح المجال واسعاً
أمام التمييز بين الذاتي والموضوعي في أسباب فشل الإدماج المرتجَل.
الجانب العلمي في المسألة يتعلق بتوفير وصف (أو أوصاف بالمعنى اللساني)
للغة الأمازيغية. هل هو متوافر اليوم؟ وإن لم يكن متوافراً فما الأفق
الزمني المنظور لتوافره؟ المعجم (معجم الأمازيغية) هل هو متوافر اليوم؟ وإن
كان متوافراً فهل يضم اللغة الأمازيغية بتنويعاتها المختلفة أم أن الأمر
مازال في حاجة إلى مجهودات حقيقة تدافع عما تراكم حتى الآن وتقوّمه وتغنيه.
ما الأشواط التي قطعتها عملية التأهيل (تأهيل اللغة الأمازيغية)؟ ما
الصعوبات التي صادفتها وكذا العقبات الموضوعية؟ ما سبل تجاوزها؟
{ ( أقاطعه) بمعنى أن ما بذل إلى حد الآن لم يف بالغرض في وصف اللغة ودراستها وتجميع مفرداتها ودراسة أنساقها؟
> بل بالعكس من ذلك فإنا لا ننكر الجهود الحثيثة التي بذلها المعهد
الملكي للثقافة الأمازيغية في سبيل الإجابة عن هذه الأسئلة، ولكن المهمة
معقدة وصعبة التحقيق في ظرف وجيز. وإذا أضفنا إلى هذا كله ملابسات متنوعة
المصادر والغايات انتهينا إلى أن الورش ليس بالسهولة التي تكاد تصل أحيانا
إلى السذاجة، تُتصوَّر بها الأمور. القرار السياسي لازم ولكنه شرط غير كاف
بلغة المناطقة. وعلى من يتصور أن القرار السياسي كاف تأمل مسافات الفراغ
التي يملأها «الاجتهاد» و«الالتباس» و«التحايل» بين القوانين وامتداداتها
في الواقع المغربي.
وهل تكفيها الدسترة لكي تلعب دورا كبيرا كلغة تواصل وإنتاج وأدب أم أنها تحتاج إلى أشياء أخرى؟
من اللازم التنبيه إلى أن الأمازيغية تؤدي الأدوار التي تؤديها كل لغة
تواصلاً وإنتاجاً وأدباً. ولما كان الحديث عن التواصل بالأمازيغية من نافلة
القول فينبغي أن نوضح أن الإنتاج بهذه اللغة قد عاش تحولا كبيرا في السنين
القليلة الماضية في بعض الأنواع من قبيل المسرح والسينما والأدب كماً
ونوعاً. ولا يخفى على المتتبع أن هناك مهرجانات تعقد للاحتفاء بهذا الإنتاج
ويتوج بجوائز رمزية وتقديرية تشجيعاً للجودة. ولا مناص كذلك من القول إن
في هذا الإنتاج ما هو غث وما هو سمين، كما هي حال الإنتاج الإبداعي في
المغرب مهما كانت لغته ووسائله التعبيرية. ومن ثم نخلص إلى أن الأدوار
والوظائف الأساسية التي تؤديها كل لغة تؤديها الأمازيغية ولا يتوقف ذلك على
دسترتها ولا ينتظره.
{ هل يمكن القول إن التنوع الثقافي بقدر ما هو إثراء للخصوصية الثقافية بكل
جهة على حدة، بقدر ما هو كذلك من عوامل الوحدة أي المغرب المتعدد والموحد
في آن، نريد وجهة نظرك في ذلك؟
> ربما وجب التنبيه إلى أن الأنماط والأنواع الثقافية تتداخل وتتفاعل،
وبالتالي يستحيل من الزاوية الموضوعية تسطير حدود صارمة بين الجهات تمكن من
تحديد مبتدأ نوع ثقافي ومنتهاه. الأمور ليست بهذه البساطة والسهولة. ولكي
أبرهن على ما أقول خذ رقصة الكدرة الحسانية؛ قد يُتصور أنها لا تتجاوز
الرقعة الجغرافية الممتدة من لكويرة جنوباً إلى اكليميم شمالاً. أما واقع
الحال فيقول إن هذه الرقصة تمتد شرقاَ حتى امحاميد الغزلان (زاكورة)
وشمالاً حتى أكادير عاصمة سوس، هل يعلم الناس أن الرقصة نفسها توجد بقوة في
سبت الكردان؟ وحتى حدود الثمانينات كانت الرقصة نفسها تمارس في ورزازات
المدينة). خذ مثالا آخر ما نصطلح عليه «الميزان الهواري»، قد يظن أنه منحصر
في هوارة، والواقع يقول إن له امتداداً في الجنوب الشرقي (زاكورة) وبالذات
في تامكروت الزاوية الناصرية. ولقد وقع في تامكروت المزج بين الميزان
الهواري وأحواش في توليفة عجيبة تمتع الأذن والعين معاً. وهكذا ينبغي
الاحتياط من التعميم، وكذا من التخصيص والحصر والقصر غير المبني على ما
يوجد في واقع الناس وفي جغرافيتهم.
كثيرة هي المواقع الأثرية التي أدرجتها اليونيسكو في التراث العالمي، وأظن
أن التنوع الثقافي في المغرب يحتاج إلى أن يدرجه المغاربة أو على الأصح
بعضهم في تراث المغرب الثقافي. وحين نتحدث هنا عن التراث لا نعني شيئاً
جامداً وإنما نقصد به معطى دينامياً يعيش تحولاً مستمراً على عكس ما قد
نظن. لو ظل محنطاً كما كان منذ قرون لكان مآله الزوال. المثال الذي قد
أسوقه برهاناً على ذلك الإخراج الجديد الذي تقوم به بعض المجموعات الغنائية
لأغان كاد النسيان يطويها فنفخت فيها روحاً جديدة (ناس الغيوان، أوسمان،
جيل جيلالة، إيزنزارن...). أكتفي بمثال واحد للتصريح بعد التلميح: ألم
يستفد الملحون من دفعة قوية بعد أن غنت فرقة جيل جيلالة قصيدة «الشمعة»؟
ولأن الأمثلة على هذا أكثر من أن تحصى نكتفي بهذا القدر حتى يدل المذكور
على غيره.
{ فأين يمكن تحديد المشكل إذن ؟.
> لا أظن أن المشكلة تكمن في التنوع الثقافي، وإنما تكمن في عدم إدراكه،
وعدم إدراكه يفوّت على المرء متعاً لا حد لها ولا حصر. المغرب متنوع
ثقافياً، ومن لم يرض بذلك فليبحث له عن مكان آخر يستظل بظله. وأنا واثق أن
هذا المكان غير موجود في الأرض على الأقل؛ أما في السماء فممكن الوجود.
المغرب أرض الله الواسعة مادة ومعنى تستحق أن يفتخر كل مغربي بالانتماء
إليها؛ ولذا فإن الهوية الجامعة الموحِّدة لمن يقطنونها هي «تامغريبيت».
محمد الخطابي واحد من المهتمين باللغة الأمازيغية لكونه ينحدر من أصول
أمازيغية بمنطقة درعة وبالضبط بورزازات من جهة،ولكونه مهتما ومتخصصا في
التدريس الجامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير بالنقد والمعجم
والبلاغة العربية وكل ما يتعلق بالخطاب الأدبي عموما،زيادة على تأطيره
وإشرافه على عدة بحوث جامعية حول موضوع الشعر الأمازيغي ولغته وحول الثقافة
الأمازيغية بصفة عامة إلى جانب إشرافه على بحوث جامعية ذات صلة بالأدب
العربي الحديث (الشعر والنقد الأدبي) والبلاغة العربية والترجمة والثقافة
المغربية (أمازيغية، عربية، حسانية).
هذا بالإضافة إلى نشاطه المتنوع خارج رحاب الكلية ومساهماته العديدة في
ندوات ومحاضرات في لقاءات علمية استدعي إليها، فضلا عن أبحاثه العلمية من
خلال ما نشره من مقالات وترجمات لأعمال نقدية ولغوية وأدبية وكتب نشرها
أشهرها كتابه «لسانيات النص، مدخل إلى انسجام الخطاب» وترجمته
لكتاب»السياسة اللغوية، خلفياتها ومقاصدها» وترجمة فصل من كتاب تيري
إيجلتون «مدخل إلى نظرية الأدب»، كما نشرمقالات مختلفة وعديدة.
{ كيف يرى محمد خطابي التنوع الثقافي بالمغرب اليوم؟ ثم ما هي إيجابياته وسلبياته؟
> لنبدأ بالجواب عن الشق الأول من سؤالك بواقع عاشته الأجيال التي مكنها
حظها من ولوج إحدى الجامعتين (محمد الخامس أو محمد بن عبد الله) في عقود
الستينات والسبعينات والثمانينات. يفد على الجامعتين طلبة المغرب من كل
الجهات جنوبا وشمالا، شرقا وغربا؛ كل يحمل لكنته وثقافته، وعلى هذا النحو
تمكنت تلك الأجيال من إدراك (مهما كان انطباعياً) مدلول كون المغرب مجتمعا
متنوع اللغات والثقافات. صحيح أن اللكنات أمر مميز لإنجاز الدارجة المغربية
بحسب المنطقة المنتمي إليها الطالب أو الطلبة وممارسة ذلك الإنجاز لا يمكن
أن يلغى بجرة قلم. أما التنوع الثقافي فكانت ممارسته محدودة لأسباب تتصل
بطبيعة الجامعة يومذاك وبالفضاءات المتاحة للتعبير عن التنوع وبالهموم التي
سيطرت على الأجيال المذكورة وتطلعاتها. وفي هذا الصدد يمكن القول إن
ممارسة التنوع الثقافي كان باهت الحضور إلى حدّ الانعدام بسبب هموم المرحلة
وإيديولوجيتها وطبيعة الأطروحات السياسية والفكرية المهيمنة حينذاك.
ربما كانت سبل التعبير عن التنوع الثقافي اليوم وممارسته أوفر لأن ممكنات
المغرب اليوم أفضل مما سبق على هذا الصعيد. هذا علاوة على أن التحولات
الكبرى التي عاشها عالمنا ويعيشها تفسح المجال واسعا أمام التنوع وممارسته.
المثال الأبرز على ذلك في المغرب أننا انتقلنا من مهرجان يحتفل ?بطريقته
وعلى علاته- بمظهر من مظاهر التنوع الثقافي أعني «مهرجان الفنون الشعبية»
في مراكش، قلت انتقلنا من مهرجان واحد يتيم إلى عشرات المهرجانات التي يكاد
كل منها يختص بمظهر بعينه (أحواش؛ أحيدوس؛ اعبيدات الرما؛ العيطة؛ الطرب
الغرناطي أو الأندلسي...) أو يزاوج بين عدة مظاهر أو ينفتح على فنون شعوب
أخرى تنتمي إلى مختلف القارات؛ وقس على هذا. علامَ يدل هذا؟ يدل من ناحية
على الإعلاء من شأن الثقافة المحلية من خلال مظهر من مظاهرها رداً على
محاولة التنميط ومحاربة لها على المستوى الوطني، وعلى ظاهرة العولمة على
مستوى دولي. ولا بأس من التنبيه إلى أن الاستجابة للثانية ليست طابعاً
مميزاً للمغرب وحده وإنما هي ظاهرة عالمية. أحس الناس في مختلف بقاع الأرض
بأن «طاحونة» العولمة سيل جارف لا مفر منه، ومن ثم لا بد من مواجهته فتكونت
بذلك حركات ثقافية واجتماعية وبيئية للحد من قوة التيار الجارف. وفي
اعتقادي أن كثرة المهرجانات في المغرب في العقد الماضي تدل في أحد وجوهها
على تلك المواجهة. وهي في مظهر من مظاهرها مقاومة للذوبان والانمحاء أمام
«موجة» العولمة المكتسحة.
من المفيد التنبيه إلى أن فرص إدراك التنوع الثقافي في المغرب متفاوتة من
مجال جغرافي إلى آخر؛ وهذا الأمر خاضع للمصادفة في قسم كبير منه، ولبعض
الملابسات التي يطول الحديث عنها، وربما سنحت فرصة أخرى للحديث المفصل عن
ذلك. قبل إقفال القوس من المناسب التنبيه إلى خطورة حصر التنوع الثقافي في
مدلول ضيق يسعى إلى قصره على مكون بعينه، وهذا ما حصل خلال حقب سابقة.
وخطورة الحصر والقصر تكمن في رد الفعل الممكن حدوثه.
{ هذا يعني أن ظاهرة التنوع ليست مرتبطة بالمغرب وحده بل ظاهرة كونية تعيشها جميع الأقطار العالمية؟.
> نعم وهذا ما نشير إليه لكن لكل قطر تنوعه الثقافي المتميز به، ولهذا
لابد من التنبيه إلى أن مدلول التنوع الثقافي ليس واحداً في جميع بقاع
الأرض. خذ مثلاً المجتمع الأمريكي، لا أحد يشك في تنوعه، ولكنه تنوع من
طينة مغايرة تماماً. على أن فيه درساً مفيداً من زوايا عدة. والمؤكد أن
تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية وإيديولوجيتها البراغماتية وطموحها الآني
والمستقبلي صبغت تنوعها بصبغة لا نظير لها في العالم أجمع.وبحكم عوامل
عديدة صاغت نموذجاً فريداً يحوّل التنوع إلى قوة ضاربة تفيد المجتمع برمته.
ولا أدلّ على ذلك من أنها اليوم أكبر مختبر لإنتاج المعرفة والعلم... وقد
مكنها من ذلك -علاوة على أمور أخرى- الاستقطابُ المنظّم والمطرد للكفاءات
حيثما وُجدت؛ وبعد ذلك تتم عملية صهر جبارة في بوتقة أمريكية، دون إكراه
الناس على التخلي عن ارتباطاتهم الثقافية وما جاورها. وليس معنى هذا أن
أمريكا لم ولا تعرف نقاشاً يهم الجانب اللغوي على سبيل المثال؛ بل عرفت مثل
هذا في ثمانينات القرن العشرين ولكن اشتغال الآلية الديمقراطية المؤسسية
حسمت الأمر. وملخص الموضوع أن تكاثر المهاجرين من أمريكا الجنوبية الناطقين
بالإسبانية خلق في بعض الولايات الجنوبية «وضعاً لغوياً جديداً» كان
المزارعون أحاب الضيعات الفلاحية الضخمة أوّل المستجيبين له بإدراج اللغة
الإسبانية إلى جانب الإنجليزية في كل الوثائق التي تعني العمال في الضيعات،
بل تبنت بعض الولايات اللغة الإسبانية في خطابها الانتخابي (انتخاب الوالي
في أمريكا طبعاً)...ووظفتها في جميع مظاهر الانتخابات. أدى هذا إلى نشوء
حركة تزعمها مجموعة من المحافظين فشكلوا جمعية تدافع عن إدخال تعديل على
الدستور الأمريكي ينص على أن «اللغة الإنجليزية وحدها هي اللغة
الأمريكية»،وتشكلت في مقابل ذلك جمعية تناهض هذا التعديل.استدعى الكونكريس
كلتا الجمعيتين لعرض دفوعهما، وكذلك كان.أما القرار فكان رفض التعديل
لمسوغات عديدة.وامتثل الجميع للقرار.
وجوابا عن الشق الثاني من سؤالكم أقول لا يمكن في جميع الأحوال وصف التنوع
الثقافي من حيث هو بالسلبي.التنوع الثقافي غنى وثراء يمكنان من التفاعل
المستمر بين مختلف مظاهره؛ التنوع الثقافي أخذ وعطاء واعتراف بالمغاير
والمختلف المشابه، الأمر هكذا على الرغم مما قد يُتوهم من تناقض في العبارة
(ربما كانت تجربة ناس الغيوان مثالاً ناجحاً عما يمكن أن ينتجه التنوع
الثقافي؛ وفي درعة (درى) السفلى مثال آخر يجسده «أحواش ن-ءيسمكان» وموطنه
قرية توزونين في غرب طاطا؛ وهو توليف بين آلات موسيقية وإيقاعات أحواش سوس
واكناوة والكدرة الحسانية والرقصة الفردية التي أصولها الأدغال الأفريقية
جنوب الصحراء ورقصة أحواش الجماعية...كل ذلك في تركيبة شجية متناغمة
ومنسجمة لا يدركها إلا القليلون). قد توحي بعض السياقات بأن التنوع الثقافي
سلبي، ولكن الشاذ لا يقاس عليه كما يقال. ربما كان السؤال الذي ينبغي طرحه
اليوم هو التالي: هل نوفر للتنوع الثقافي فضاءات ملائمة يمارَ س فيها؟
ويأتي على رأس الفضاءات المعنية التلفاز، ما حظ التنوع الثقافي فيه؟ بأي
طريقة يقدَّم هذا التنوع؟ متى يحتفى به؟ الخ. المغرب بلد متنوع وهذه حقيقة
لا يمكن تجاهلها أو تجاوزها أو إلغاؤها، لأن المغرب لا يمكن تصوره وجوداً
خالياً من التنوع بمعناه الموضوعي. وهذه حقيقة يدركها كل مغربي مكنته
الظروف طوعاً من (أو أرغمته كرها على) التنقل عبر الجغرافية الممتدة من
طنجة إلى الداخلة ومن أكادير إلى فكيك، ومن الجديدة إلى وجدة، وهكذا
دواليك.
س- حسب ما فهمته من كلامك ان التنوع والتعدد لا يلغي الوحدة بل يعضدها ويقويها.
ج - نعم هذا ما نرومه وما هو موجود حقيقة والدليل على ذلك هو أن المتنقل في
هذه الجغرافية لا يمكن إلا أن يفتخر بهويته المغربية وبانتمائه إلى وطن
تختلف مناطقه طبيعة وثقافة ولغة. بل إن الخبير حين يتأمل المتنوع ويمحصه
يجد تقاطعات لا تخطئها عينه أو أذنه في كثير من الأحيان وفي كثير من
الأماكن. وهذه حقيقة تحتاج إلى كلام كثير لا يسمح به المقام. سأكتفي بمثال
واحد يأسر العين أعني «الزربية»، ولقد تعمدت ذكر هذا المثال إشادةً بالقدرة
الإبداعية عند المرأة المغربية. تكاد تكون مادة الصنع واحدة الصوف الذي
يخضع لعمليات متعددة حتى يصبح خيطاً قابلاً للنسج. قارن بين الزربية في
مناطق أذكر منها أيت واوزكيت في إقليم ورزازات، وابزو في سهل تادلة،
والخميسات أو تيفلت أو أزرو في الأطلس المتوسط، والزربية المصطلح عليها
الرباطية... هل هي نوع واحد؟ كلا. ما الذي يجعلها مختلفة؟ تلك مسألة أخرى.
وما دمنا نتحدث عن «الزربية» أدعو إلى المقارنة بين الواوزكيتية على وجه
التخصيص والأناضولية، وربما فاجأت نتائج المقارنة من يقوم بها.
{ ماهي آفاق اللغة الأمازيغية بعد دسترتها؟ وهل تكفيها الدسترة لكي تلعب
دورا كبيرا كلغة تواصل وإنتاج وأدب أم أنها تحتاج إلى أشياء أخرى؟
> الآفاق المحتملة أمام اللغة الأمازيغية بعد دسترتها متعددة يصعب
التنبؤ بها. ومع ذلك لا بأس من الانطلاق من التنبيه إلى جانبين على الأقل
في المسألة: أولهما الجانب الحقوقي، وثانيهما الجانب العلمي. من زاوية
حقوقية محض تبنى المغرب مفهوم «حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالمياً»
ونحن نعلم أن «الحقوق اللغوية والثقافية» ركن من أركان تلك الحقوق؛ وهذا
يعني أن الاعتراف بحق اللغة الأمازيغية في الوجود حق لا يمكن إنكاره. وفي
اعتقادي أن من يطالب بالتنصيص على اللغة الأمازيغية في الدستور لغة رسمية
ينطلق من تجربة «إدماجها في المدرسة» وما آلت إليه،على الرغم من أن المآل
أو على الأقل قسط مهم منه لا يمكن أن يفسره عدم التنصيص عليها في الدستور.
يكمن بعض التفسير في الطبيعة الارتجالية التي تم بها الإدماج، وبعضه
بظرفيته، وبعضه بسعته، وبعضه بآلياته...
{ فأين تكمن الإشكالية إذن؟
> أعتقد أن المعضلة الرئيسية في المغرب، لاسيما حين يتعلق الأمر
بالقضايا المصيرية، اعتماد أحد «الاختيارين» إما «كم حاجة قضيناها بتركها»
وإما «البناء على التخفيف» بلغة الفقهاء. وبكلا الاختيارين لا تحل مشكلة بل
تزداد المشكلات تعقيداً وتشابكاً، وحينذاك ينتبه المعنيون بالاختيارين أو
بأحدهما إلى أن أوان الحل العقلاني قد فات فيلجأ إلى الارتجال الذي لا يزيد
الأمور إلا تعقيداً. أما اختيار الترك فيحيل الحل على المستقبل ويلقي على
كاهل الأجيال اللاحقة مشكلات لم تسهم في صنعها ولا تعلم ملابساتها إلا من
خلال الروايات (رواية هذا الطرف أو ذاك) في أحسن الأحوال. ربما كان النقاش
الذي ينبغي أن يكون اليوم في المغرب بخصوص دسترة اللغة الأمازيغية هو
الآتي: ما طبيعة المجتمع الذي سينجم عن دسترة الأمازيغية؟ ما تحملاته
الاجتماعية؟ ما المؤسسات التي ستضمن إعمال ما يترتب عن الدسترة؟ ما الآليات
الكائنة والمتطلبة لإنجاح العملية حتى لا يتكرر سيناريو إدماجها في
المدرسة؟ في الارتباط بالجهوية هل سيتم اعتماد لغة واحدة (ليست مجسدة حتى
اليوم إذ إنها ما زالت في طور التهيئة) أم أن كل جهة أو مجموعة جهات سوف
تعتمد تنويعة بعينها؟ وربما دفعت الأسئلة الأخيرة إلى فتح المجال واسعاً
أمام التمييز بين الذاتي والموضوعي في أسباب فشل الإدماج المرتجَل.
الجانب العلمي في المسألة يتعلق بتوفير وصف (أو أوصاف بالمعنى اللساني)
للغة الأمازيغية. هل هو متوافر اليوم؟ وإن لم يكن متوافراً فما الأفق
الزمني المنظور لتوافره؟ المعجم (معجم الأمازيغية) هل هو متوافر اليوم؟ وإن
كان متوافراً فهل يضم اللغة الأمازيغية بتنويعاتها المختلفة أم أن الأمر
مازال في حاجة إلى مجهودات حقيقة تدافع عما تراكم حتى الآن وتقوّمه وتغنيه.
ما الأشواط التي قطعتها عملية التأهيل (تأهيل اللغة الأمازيغية)؟ ما
الصعوبات التي صادفتها وكذا العقبات الموضوعية؟ ما سبل تجاوزها؟
{ ( أقاطعه) بمعنى أن ما بذل إلى حد الآن لم يف بالغرض في وصف اللغة ودراستها وتجميع مفرداتها ودراسة أنساقها؟
> بل بالعكس من ذلك فإنا لا ننكر الجهود الحثيثة التي بذلها المعهد
الملكي للثقافة الأمازيغية في سبيل الإجابة عن هذه الأسئلة، ولكن المهمة
معقدة وصعبة التحقيق في ظرف وجيز. وإذا أضفنا إلى هذا كله ملابسات متنوعة
المصادر والغايات انتهينا إلى أن الورش ليس بالسهولة التي تكاد تصل أحيانا
إلى السذاجة، تُتصوَّر بها الأمور. القرار السياسي لازم ولكنه شرط غير كاف
بلغة المناطقة. وعلى من يتصور أن القرار السياسي كاف تأمل مسافات الفراغ
التي يملأها «الاجتهاد» و«الالتباس» و«التحايل» بين القوانين وامتداداتها
في الواقع المغربي.
وهل تكفيها الدسترة لكي تلعب دورا كبيرا كلغة تواصل وإنتاج وأدب أم أنها تحتاج إلى أشياء أخرى؟
من اللازم التنبيه إلى أن الأمازيغية تؤدي الأدوار التي تؤديها كل لغة
تواصلاً وإنتاجاً وأدباً. ولما كان الحديث عن التواصل بالأمازيغية من نافلة
القول فينبغي أن نوضح أن الإنتاج بهذه اللغة قد عاش تحولا كبيرا في السنين
القليلة الماضية في بعض الأنواع من قبيل المسرح والسينما والأدب كماً
ونوعاً. ولا يخفى على المتتبع أن هناك مهرجانات تعقد للاحتفاء بهذا الإنتاج
ويتوج بجوائز رمزية وتقديرية تشجيعاً للجودة. ولا مناص كذلك من القول إن
في هذا الإنتاج ما هو غث وما هو سمين، كما هي حال الإنتاج الإبداعي في
المغرب مهما كانت لغته ووسائله التعبيرية. ومن ثم نخلص إلى أن الأدوار
والوظائف الأساسية التي تؤديها كل لغة تؤديها الأمازيغية ولا يتوقف ذلك على
دسترتها ولا ينتظره.
{ هل يمكن القول إن التنوع الثقافي بقدر ما هو إثراء للخصوصية الثقافية بكل
جهة على حدة، بقدر ما هو كذلك من عوامل الوحدة أي المغرب المتعدد والموحد
في آن، نريد وجهة نظرك في ذلك؟
> ربما وجب التنبيه إلى أن الأنماط والأنواع الثقافية تتداخل وتتفاعل،
وبالتالي يستحيل من الزاوية الموضوعية تسطير حدود صارمة بين الجهات تمكن من
تحديد مبتدأ نوع ثقافي ومنتهاه. الأمور ليست بهذه البساطة والسهولة. ولكي
أبرهن على ما أقول خذ رقصة الكدرة الحسانية؛ قد يُتصور أنها لا تتجاوز
الرقعة الجغرافية الممتدة من لكويرة جنوباً إلى اكليميم شمالاً. أما واقع
الحال فيقول إن هذه الرقصة تمتد شرقاَ حتى امحاميد الغزلان (زاكورة)
وشمالاً حتى أكادير عاصمة سوس، هل يعلم الناس أن الرقصة نفسها توجد بقوة في
سبت الكردان؟ وحتى حدود الثمانينات كانت الرقصة نفسها تمارس في ورزازات
المدينة). خذ مثالا آخر ما نصطلح عليه «الميزان الهواري»، قد يظن أنه منحصر
في هوارة، والواقع يقول إن له امتداداً في الجنوب الشرقي (زاكورة) وبالذات
في تامكروت الزاوية الناصرية. ولقد وقع في تامكروت المزج بين الميزان
الهواري وأحواش في توليفة عجيبة تمتع الأذن والعين معاً. وهكذا ينبغي
الاحتياط من التعميم، وكذا من التخصيص والحصر والقصر غير المبني على ما
يوجد في واقع الناس وفي جغرافيتهم.
كثيرة هي المواقع الأثرية التي أدرجتها اليونيسكو في التراث العالمي، وأظن
أن التنوع الثقافي في المغرب يحتاج إلى أن يدرجه المغاربة أو على الأصح
بعضهم في تراث المغرب الثقافي. وحين نتحدث هنا عن التراث لا نعني شيئاً
جامداً وإنما نقصد به معطى دينامياً يعيش تحولاً مستمراً على عكس ما قد
نظن. لو ظل محنطاً كما كان منذ قرون لكان مآله الزوال. المثال الذي قد
أسوقه برهاناً على ذلك الإخراج الجديد الذي تقوم به بعض المجموعات الغنائية
لأغان كاد النسيان يطويها فنفخت فيها روحاً جديدة (ناس الغيوان، أوسمان،
جيل جيلالة، إيزنزارن...). أكتفي بمثال واحد للتصريح بعد التلميح: ألم
يستفد الملحون من دفعة قوية بعد أن غنت فرقة جيل جيلالة قصيدة «الشمعة»؟
ولأن الأمثلة على هذا أكثر من أن تحصى نكتفي بهذا القدر حتى يدل المذكور
على غيره.
{ فأين يمكن تحديد المشكل إذن ؟.
> لا أظن أن المشكلة تكمن في التنوع الثقافي، وإنما تكمن في عدم إدراكه،
وعدم إدراكه يفوّت على المرء متعاً لا حد لها ولا حصر. المغرب متنوع
ثقافياً، ومن لم يرض بذلك فليبحث له عن مكان آخر يستظل بظله. وأنا واثق أن
هذا المكان غير موجود في الأرض على الأقل؛ أما في السماء فممكن الوجود.
المغرب أرض الله الواسعة مادة ومعنى تستحق أن يفتخر كل مغربي بالانتماء
إليها؛ ولذا فإن الهوية الجامعة الموحِّدة لمن يقطنونها هي «تامغريبيت».
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مواضيع مماثلة
» بوكوس: المعهد ليس من اختصاصه إبداء الرأي في مطلبي دسترة الأمازيغية وإقامة حكم ذاتي بالريف
» هل الأمازيغية «أُمُّ وَلـَـدٍ» (أو: هل هناك علاقة بين قضيتي الأمازيغية والمرأة؟)
» «يتوفر المغرب على ثروة مهمة من التنوع البيولوجي»
» الانتقال إلى الديموقراطية في المغرب: أسئلة وآفاق.(*)/محمد عابد الجابري
» أهمية دور التواصل الثقافي
» هل الأمازيغية «أُمُّ وَلـَـدٍ» (أو: هل هناك علاقة بين قضيتي الأمازيغية والمرأة؟)
» «يتوفر المغرب على ثروة مهمة من التنوع البيولوجي»
» الانتقال إلى الديموقراطية في المغرب: أسئلة وآفاق.(*)/محمد عابد الجابري
» أهمية دور التواصل الثقافي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى