الأدب المهجري واللغة العربية في المهجر: نداء استغاثة!
صفحة 1 من اصل 1
الأدب المهجري واللغة العربية في المهجر: نداء استغاثة!
برحيل الشاعر الفلسطيني المهجري دياب ربيع قبل اسابيع، وكان مقيما في
كارولينا الشمالية بالولايات المتحدة، يكون الشعر المهجري قد أطفأ اخر
مصابيحه في المهجر الاميركي الشمالي.
اما في المهجر الاميركي الجنوبي،
فإن هذه المصابيح كانت قد لفظت انفاسها قبل ذلك بزمن طويل، في الخمسينات
والستينات من القرن الماضي، عندما كان اعضاء «العصبة الاندلسية» يودعون هذه
الدنيا الواحد بعد الآخر، دون أن يتركوا وراءهم من يرثهم ويتابع دورهم
الثقافي العربي خارج الحدود، وحتى تلك النوادي ذات الطابع الادبي
والاجتماعي التي كانت تحتضن نشاطاتهم، تحولت مع الوقت الى اندية اجتماعية
ورياضية لا اكثر، وقد كان هذا طبيعيا في ظل غياب الادباء والشعراء الكبار
الذين كانوا يعنون بالجانب الادبي، ويحافظون على جسر التواصل مع الوطن
العام.
الواقع ان معاناة المهاجرين العرب لم تبدأ برحيل الياس فرحات
والشاعر القروي ورياض المعلوف وبقية اعضاء العصبة الاندلسية، ولا برحيل
زملائهم في المهجر الاميركي الشمالي، بل بدأت حتى في عصر هؤلاء الاعلام
الكبار، ذلك ان تعلم اللغة العربية في هذه المهاجر لم يكن يتم بصورة منهجية
منظمة بل بصورة عشوائية، وكان من الطبيعي ان تبتلع مدارس اللغات الاجنبية
في سان باولو وبرازيليا وبيونس ايرس ونيويورك وبوسطن وسواها من مدن
الاميركيتين طلبة الاجيال العربية الجديدة هناك، وان تنسيهم مع الوقت لغتهم
الام، وفي غياب جهات عربية مركزية في هذه المغتربات تشهد على احتضان اللغة
العربية ورعايتها، بدأت هذه اللغة تترنح امام الانكليزية والاسبانية
والبرتغالية ليكتشف المهاجر الاصلي انه برحيله لم يترك بعده اجيالا عربية،
وانما اجيال من اصول عربية لا اكثر ولا اقل!
ماذا فعل الآخرون؟
الغريب
ان هذا الامر لم يحصل مع جاليات اجنبية اخرى كالجاليات الاسبانية في
الولايات المتحدة، ورغم القدرة الهائلة للمجتمع الاميركي في صهر الجماعات
والاقليات ذات الاصول الاجنبية، فإن هناك اقليات رفضت هذا الصهر، واصرت على
انعاش ذاتيتها الخاصة، مثل الاميركيين من اصول اسبانية الذين طالبوا
الحكومة الاميركية بتعليم اللغة الاسبانية لابنائهم ورعاية الثقافة
الاسبانية في أوساطهم، وقد حصلوا على ذلك، ونذكر في هذا الإطار تمسك
المهاجرين الايطاليين بلغتهم، وكذلك الايرلنديين الذين ضربوا المثل في
مضمار تعلقهم بجذورهم.
ويستغرب المرء كيف وصلت الحال باللغة العربية إلى
هذا الوضع في المهاجر الاميركية على خلاف ماكان مع المهاجرين الاوائل على
الرغم من صعوبات العيش التي واجهوها، فانهم كانوا شديدي التعلق بلغتهم
العربية.
وكانت غربة اللغة لديهم أقسى أشكال الغربة، وقد كتب الدكتور
عمر الدقاق مرة (شعراء العصبة الاندلسية في المهجر) يقول: «لقد حرص هذا
المغترب على لغته حرص الشحيح، ولم يفرّط بشيء منها في مهجره، وكان من نتيجة
ذلك تماسك الجالية العربية حينا من الزمن في ذلك الخضم البشري المتلاطم،
كما كان من نتيجته ايضا ازدهارالوجود العربي في تلك الربوع النائية وارتفاع
ألويته وشموخ منابره».
ولعل هذا مما زاد العربي شعوراً بغربته وشعوره
بانه هو ولغته قد صارا على مصير واحد، كلاهما غريب عن منبته، بعيد عن أهله،
وكلاهما لا يلقى في محيطه الجديد ذلك العز الذي يلقاه في وطنه!
غربة مضاعفة
ولعل الشاعر القروي رشيد سليم الخوري كان أبلغ من وصف هذه الغربة القاتلة عندما قال:
حولي أعاجم يرطنون وما
للضاد عند لسانهم قدر
ناس ولكن لا أنيس بهم
ومدينة لكنها قفر!
وكانت
المعاناة اللغوية مثلثة الجوانب كما يشير بعض الباحثين. فهي اولا معاناة
من ذوبان العربية امام اللغة الاجنبية، وهي ثانيا معاناة من انشغال
المهاجرين العرب عنها بمشاغل الحياة المختلفة، وهي ثالثا معاناة الشاعر
الفرد من انصراف ابنائه عن لغة قومهم، حتى انه يشعر بنفسه غريباً حتى في
داخل اسرته ومع اولاده، وهذه اقسى أنواع المعاناة وأشدها مرارة. وفي ذلك
يقول الشاعر الياس فرحات:
وصلتنا بذوينا لغة
لم تصلنا ببنينا الظرفاء
إن نقل قولا فصيحا بينهم
رددوه بلسان الببغاء
نحن غرقى في خضم، إنما
لغة الضاد سفين للنجاء!
ويرى هؤلاء الباحثون ان المراهنة يجب ان تكون على تحديث أساليب تعليم اللغة العربية، وتوخي البساطة والسهولة واليسر،
وتبني
المشروعات التقابلية التي تقدم اللغة العربية من خلال علاقاتها باللغات
الوطنية السائدة في المغتربات، لأن اللغة العربية، اذا كان لها ان تحيا
هناك، فيجب أن تكون لغة حياة لا لغة زينة وترف وتفاخر، كما انها يجب ان
تتمتع بعلاقة عضوية ممتازة مع لغات الاوطان الجديدة التي يعيش فيها أبناء
العربية.
أوزار الصراعات
ثمة جهود عربية متعددة تبذل في مجال اعادة
الاتصال مع المهجر، ولكن هذه الجهود مبعثرة ومتقطعة وأحيانا متضاربة لانها
تحمل اوزار الصراعات العربية التقليدية. على ان أي مساع تبذل لتوحيد هذه
الجهود، ينبغي ان تضع في مرتبة الصدارة قضية إحياء اللغة العربية في
المهاجر وتعليمها للاجيال الجديدة المولودة هناك، ذلك لان الشريان اللغوي
يمكن ان يضمن الحيوية والاستمرارية، أي انه حين يتحقق النجاح المنشود في
حقل الارتباط اللغوي يصبح المناخ مواتيا لتنظيم اشكال اخرى من اعادة
الاتصال وبنائه على أسس واقعية وعصرية تحقق الاهداف العاطفية والمعنوية،
كما تحقق الاهداف العملية التي تعود بالنفع لا على الوطن والاصلي وأبنائه
في الديار الجديدة وحسب، بل تخدم ايضا قضية التقارب والتعاون الدولي بين
الوطن العربي وبلدان المهجر بحيث يكون المهاجرون العرب جسر تفاهم ووئام
وصداقة.
جهاد فاضل - القبس
كارولينا الشمالية بالولايات المتحدة، يكون الشعر المهجري قد أطفأ اخر
مصابيحه في المهجر الاميركي الشمالي.
اما في المهجر الاميركي الجنوبي،
فإن هذه المصابيح كانت قد لفظت انفاسها قبل ذلك بزمن طويل، في الخمسينات
والستينات من القرن الماضي، عندما كان اعضاء «العصبة الاندلسية» يودعون هذه
الدنيا الواحد بعد الآخر، دون أن يتركوا وراءهم من يرثهم ويتابع دورهم
الثقافي العربي خارج الحدود، وحتى تلك النوادي ذات الطابع الادبي
والاجتماعي التي كانت تحتضن نشاطاتهم، تحولت مع الوقت الى اندية اجتماعية
ورياضية لا اكثر، وقد كان هذا طبيعيا في ظل غياب الادباء والشعراء الكبار
الذين كانوا يعنون بالجانب الادبي، ويحافظون على جسر التواصل مع الوطن
العام.
الواقع ان معاناة المهاجرين العرب لم تبدأ برحيل الياس فرحات
والشاعر القروي ورياض المعلوف وبقية اعضاء العصبة الاندلسية، ولا برحيل
زملائهم في المهجر الاميركي الشمالي، بل بدأت حتى في عصر هؤلاء الاعلام
الكبار، ذلك ان تعلم اللغة العربية في هذه المهاجر لم يكن يتم بصورة منهجية
منظمة بل بصورة عشوائية، وكان من الطبيعي ان تبتلع مدارس اللغات الاجنبية
في سان باولو وبرازيليا وبيونس ايرس ونيويورك وبوسطن وسواها من مدن
الاميركيتين طلبة الاجيال العربية الجديدة هناك، وان تنسيهم مع الوقت لغتهم
الام، وفي غياب جهات عربية مركزية في هذه المغتربات تشهد على احتضان اللغة
العربية ورعايتها، بدأت هذه اللغة تترنح امام الانكليزية والاسبانية
والبرتغالية ليكتشف المهاجر الاصلي انه برحيله لم يترك بعده اجيالا عربية،
وانما اجيال من اصول عربية لا اكثر ولا اقل!
ماذا فعل الآخرون؟
الغريب
ان هذا الامر لم يحصل مع جاليات اجنبية اخرى كالجاليات الاسبانية في
الولايات المتحدة، ورغم القدرة الهائلة للمجتمع الاميركي في صهر الجماعات
والاقليات ذات الاصول الاجنبية، فإن هناك اقليات رفضت هذا الصهر، واصرت على
انعاش ذاتيتها الخاصة، مثل الاميركيين من اصول اسبانية الذين طالبوا
الحكومة الاميركية بتعليم اللغة الاسبانية لابنائهم ورعاية الثقافة
الاسبانية في أوساطهم، وقد حصلوا على ذلك، ونذكر في هذا الإطار تمسك
المهاجرين الايطاليين بلغتهم، وكذلك الايرلنديين الذين ضربوا المثل في
مضمار تعلقهم بجذورهم.
ويستغرب المرء كيف وصلت الحال باللغة العربية إلى
هذا الوضع في المهاجر الاميركية على خلاف ماكان مع المهاجرين الاوائل على
الرغم من صعوبات العيش التي واجهوها، فانهم كانوا شديدي التعلق بلغتهم
العربية.
وكانت غربة اللغة لديهم أقسى أشكال الغربة، وقد كتب الدكتور
عمر الدقاق مرة (شعراء العصبة الاندلسية في المهجر) يقول: «لقد حرص هذا
المغترب على لغته حرص الشحيح، ولم يفرّط بشيء منها في مهجره، وكان من نتيجة
ذلك تماسك الجالية العربية حينا من الزمن في ذلك الخضم البشري المتلاطم،
كما كان من نتيجته ايضا ازدهارالوجود العربي في تلك الربوع النائية وارتفاع
ألويته وشموخ منابره».
ولعل هذا مما زاد العربي شعوراً بغربته وشعوره
بانه هو ولغته قد صارا على مصير واحد، كلاهما غريب عن منبته، بعيد عن أهله،
وكلاهما لا يلقى في محيطه الجديد ذلك العز الذي يلقاه في وطنه!
غربة مضاعفة
ولعل الشاعر القروي رشيد سليم الخوري كان أبلغ من وصف هذه الغربة القاتلة عندما قال:
حولي أعاجم يرطنون وما
للضاد عند لسانهم قدر
ناس ولكن لا أنيس بهم
ومدينة لكنها قفر!
وكانت
المعاناة اللغوية مثلثة الجوانب كما يشير بعض الباحثين. فهي اولا معاناة
من ذوبان العربية امام اللغة الاجنبية، وهي ثانيا معاناة من انشغال
المهاجرين العرب عنها بمشاغل الحياة المختلفة، وهي ثالثا معاناة الشاعر
الفرد من انصراف ابنائه عن لغة قومهم، حتى انه يشعر بنفسه غريباً حتى في
داخل اسرته ومع اولاده، وهذه اقسى أنواع المعاناة وأشدها مرارة. وفي ذلك
يقول الشاعر الياس فرحات:
وصلتنا بذوينا لغة
لم تصلنا ببنينا الظرفاء
إن نقل قولا فصيحا بينهم
رددوه بلسان الببغاء
نحن غرقى في خضم، إنما
لغة الضاد سفين للنجاء!
ويرى هؤلاء الباحثون ان المراهنة يجب ان تكون على تحديث أساليب تعليم اللغة العربية، وتوخي البساطة والسهولة واليسر،
وتبني
المشروعات التقابلية التي تقدم اللغة العربية من خلال علاقاتها باللغات
الوطنية السائدة في المغتربات، لأن اللغة العربية، اذا كان لها ان تحيا
هناك، فيجب أن تكون لغة حياة لا لغة زينة وترف وتفاخر، كما انها يجب ان
تتمتع بعلاقة عضوية ممتازة مع لغات الاوطان الجديدة التي يعيش فيها أبناء
العربية.
أوزار الصراعات
ثمة جهود عربية متعددة تبذل في مجال اعادة
الاتصال مع المهجر، ولكن هذه الجهود مبعثرة ومتقطعة وأحيانا متضاربة لانها
تحمل اوزار الصراعات العربية التقليدية. على ان أي مساع تبذل لتوحيد هذه
الجهود، ينبغي ان تضع في مرتبة الصدارة قضية إحياء اللغة العربية في
المهاجر وتعليمها للاجيال الجديدة المولودة هناك، ذلك لان الشريان اللغوي
يمكن ان يضمن الحيوية والاستمرارية، أي انه حين يتحقق النجاح المنشود في
حقل الارتباط اللغوي يصبح المناخ مواتيا لتنظيم اشكال اخرى من اعادة
الاتصال وبنائه على أسس واقعية وعصرية تحقق الاهداف العاطفية والمعنوية،
كما تحقق الاهداف العملية التي تعود بالنفع لا على الوطن والاصلي وأبنائه
في الديار الجديدة وحسب، بل تخدم ايضا قضية التقارب والتعاون الدولي بين
الوطن العربي وبلدان المهجر بحيث يكون المهاجرون العرب جسر تفاهم ووئام
وصداقة.
جهاد فاضل - القبس
عبدالبارئ بوهالي- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1789
العمر : 68
تاريخ التسجيل : 23/08/2006
مواضيع مماثلة
» القران الكريم واللغة العربية
» العلاقة بين اللغة العربية واللغة الفارسية
» القرآن واللغة العربية.. ووهم الحاقدين
» الأدب والإسلام
» استغاثة الزواقين
» العلاقة بين اللغة العربية واللغة الفارسية
» القرآن واللغة العربية.. ووهم الحاقدين
» الأدب والإسلام
» استغاثة الزواقين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى