وحدها الحقيقة تغسل دم عمر
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
وحدها الحقيقة تغسل دم عمر
ست
وثلاثون سنة مرت على اغتيال الشهيد عمر بنجلون، اشتعلت فيها 36 شمعة في
الغياب الكبير لمناضل فذ ، واضح وصلب, ومازالت الجريمة تسائل الضمير العام
للمغرب? في زوال ذلك اليوم من دجنبر 1975 ، سقط عمر بنجلون، شهيد صحافة
الاتحاد والقائد الاتحادي، بعد أن تقاطعت حول جثته كل أشكال الاستبداد، من
الاستبداد العقائدي الى الاستبداد البوليسي، لتكون الجريمة أول عمل إرهابي
خططت له الأجهزة وينفذه تلامذة الظلام ومحترفو العماء الايديولوجي? أدرك كل
المناضلين الاتحاديين والديموقراطيين أن قتل عمر يستهدف قتل الفكرة
الاتحادية وإطفاء الشعلة النضالية التي فجرها الوضوح الفكري والسياسي كما
رسمه الشهيد عمر وثلة من خيرة مناضلي الاتحاد عبر التقرير الإيديولوجي. سقط
عمر شهيدا دفاعا عن مغرب لكل المغاربة، ومجتمع لقيم التحرر والانسانية
والفكرة الاشتراكية ، بماهي رديف لقدرة الانسان على تحرير طاقته الخلاقة?
وسقط الشهيد عمر، لأن الجهاز السياسي كان يقوم بتصوير السياسة كمشاهد قتل،
والقتل كمشاهد سياسية, والمناضلون يعرفون أن قرار القتل كان جاهزا، وفي كل
مرة ؛كان الاخراج يتغير, ولما لم يفلح الاعدام القضائي، جاء الإعدام بيد
الارهاب الفكري المتلبس بالدوغمائية العقائدية. وحول جثمانه الطاهر التقى
السيف والعمامة, ولذلك يعود من يتحدث بوقاحة القتلة المحترفين ليحول
الجريمة الى فعل "محترم، وشرعي" ، ويضع السماء في خدمة المخابرات
والاستبداد, وهو ذا الخلط الذي نذر عمر نفسه لتفنيده ومحاربته وتفكيك آليات
اشتغاله, لايجب أن ننسى أنه في المكان الذي اغتيل فيه عمر، نبتت فكرة
التكفير التي ستعصف بنا في ما بعد ، عندما خرج الوحش الارهابي ليضرب المغرب
الصاعد والطامح الى الحرية, وعليه فالمناضلون لايعتبرون الوفاء لعمر بن
جلون التزاما اتحاديا فقط ، بل صار، انطلاقا مما سبق، شرطا وطنيا لاستنهاض
عناصر المقاومة لكل أشكال الإرهاب، كما أن الحاجة إلى مثالية عمر النضالية،
هي حاجة إلى وطني، تقدمي، حر ، يضع الولاء للوطن فوق كل اعتبار? لقد قدم
عمر الثمن ، فعلى الوطن أن يعترف بأنه كان سباقا ، بموته في الكشف عن
السواد الاعظم القادم! عندما اعتبرت الدولة الجريمة "واجبا" لاستمرار
سياستها، وعملت على تحويل الحقد إزاء الديموقراطية الى وسيلة للقتل،
واعتبرت البلاد مسرحا للجريمة، والمنفذين "دعاة دينيين"، اكتملت مواصفات
العمل الارهابي، واكتملت بالاساس الوصفة التي كان الاستبداد وقوى الظلام
يجتهدان من أجل فرضها على البلاد: أي وصفة الإبادات بكل أنواعها في حق
التقدميين والديمقراطيين? ولهذا بالذات عملت فرق الموت على أن تجوب البلاد
وتجوب العالم أيضا لتصفية قادة الاتحاد، وبذلك كان الاتحاد القوة الشعبية
الوحيدة التي اغتيل قادتها ومسؤولوها، واعتقلوا أو تعرضوا لمحاولات القتل ,
ولم يتم ادخار أية وسيلة للوصول الى هذا الهدف الجنائزي, كل الاغتيالات لم
تغير الفكرة والخط الذي رسمه عمر ورفاقه ، لم ينجح القتلة ولم تنجح
الاغتيالات في استئصال الفكرة التقدمية والاتحادية، ولا استئصال الرقم
الاتحادي من معادلة المغرب الذي يحلم به المناضلون وعموم القوى الشعبية,
وانتصرت الفكرة، وانتصر عمر بالرغم من تحالف المشيخة الأمنية وأجهزة
الارهاب الفكري، بالرغم من لقاء الجهل بالتكفير وبالاستبداد?, الاستبداد
الذي كان يعتبر، أحيانا، القتل مجرد استراحة أو سيناريو للانفراج!!! ومازال
إخوان عمر، الذين شاركوه الأقبية والمطاردة والحلم الديموقراطي والدفء
الانساني، يواصلون المسيرة,ومازال ربطه الدائم بين سمو المثال وحركية
الممارسة وواقعيتها الثورية ، السلوك الذي يتطلبه الخروج من القهر والفقر
والارتقاء الى عالم الانسان الحر والكامل الانسانية. وختاما نقول: وحدها
الحقيقة تغسل الدولة من أربعين سنة من القتل التي تثقل كاهلها وضميرها.
ما أحوجنا
إلى مواقف عمر
في مثل هذا التاريخ: 18 دجنبر من سنة 1975، امتدت أياد آثمة إلى صدر عمر
بنجلون لترديه شهيدا. في زوال ذاك الخميس الأسود، توقف القلب الكبير عن
الخفقان، وكان عائدا للتو من مقر الجريدة, فكان قدر سهام أن تُهدى في عيد
رأس تلك السنة جرحا تاريخيا غائرا، وأن تحرم من حنان عمر، وأن يتكبد
الاتحاد الاشتراكي خسارة كبرى بفقدانه لأحد أبرز قادته وصناع قراره على بعد
يومين من عقد أول مؤتمر للشبيبة الاتحادية، والذي عمل الشهيد كل ما بوسعه
لأن يكون حدثا تاريخيا بامتياز، فكان لوقع استشهاد عمر بالغ الأثر على ذاك
الحدث، وعلى قلوب الاتحاديين وعموم المغاربة، وعلى قلوب الطبقة العاملة
التي أعطاها عمر كل طاقته ليحررها من براثن الحجر والوصاية، ومن قبضة
البيروقراطية. امتُحِن عمر غير ما مرة فذاق كافة أنواع التعذيب، بما فيها
البحر الذي كان يلقى فيه من الطائرة العمودية ويداه موثقتان بحبال، وزار
كافة أقبية الاعتقال، المعلوم منها والسري »»المجهول««، وتعرض للعديد من
المحاكمات وصدرت في حقه العديد من الأحكام بما فيها الحكم عليه بالإعدام،
فكان عمر رمزا للوفاء وللصمود وللثبات على المبدأ. يذكر المغاربة جدا تصديه
لبابا ميسكي الموريتاني الذي حاول الكولونيل بومدين أن ينصبه قائدا
للبوليزاريو في المقابلة التي جمعته به على »راديو »فرانس أنتير««، ويذكر
المغاربة سفره ومقالاته وهو يتابع أطوار محاكمة لاهاي إلى جانب المجاهد عبد
الرحمان اليوسفي، ويذكرون تتبعه عن كثب لأطوار طرد آلاف المغاربة من طرف
السلطات الجزائرية والإلقاء بهم على مشارف وجدة، ويذكرون الرسالة التي بعث
إلى عبد العزيز بوتفليقة يدعوه إلى تأسيس جمعية قدماء ثانوية عمر بوجدة
ويذكره فيها بأنه كان تلميذا بتلك الثانوية، وقضى سنوات يدرس فيها إلى جانب
زملائه المغاربة، وهي إشارة ذكية من عمر إلى أن أبناء المغرب العربي
يمتحون من مشرب واحد، وأن الوحدة، بدل الانفصال، هي مستقبل الشعوب
المغاربية. »لقد كان لعمر الفارس وهو لايزال في عز الشباب أن يترجل«. وكما
الأشجار دائما تموت واقفة، كذلك كان مصير عمر وهو الفلسطيني حتى النخاع، إذ
كان صديقا لمحمود الهمشري وأبو أياد وأبو جهاد وعز الدين قلق. يذكر
الاتحاديون لعمر تعلقه الشديد بالفقيد عبد الرحيم قائد السفينة، كما كان
يسميه، ومهندس استراتيجية النضال الديمقراطي. واليوم ما أحوجنا إلى مواقف
عمر ونضال وآراء عمر، لنتخذها نبراسا ينير لنا الطريق.
نحو انتصار سياسي للاستمرار في التجربة
إن المرحلة التي يعيشها الحزب في أفق استشراف المستقبل، تقتضي استحضار
الروح النضالية، والقدرة على طرح الأسئلة الحيوية، كما دشنها الشهيد عمر
بنجلون منذ المؤتمر الاستثنائي لسنة 1975 فالشهيد عمر بنجلون، استطاع خلال
تلك الفترة بحسه السياسي اللافت أن يطرح الأسئلة الكبرى، على المجتمع،
خاصة وان الحزب كان يمر بفترة جد دقيقة، تعرض أثناءها لألوان من القمع
المستمر، من محاكمة مراكش الشهيرة سنة 1969 مرورا بالاعتقالات الواسعة التي
تلت هذه المحاكمة سنة 1970، الى المحاكمات المعروفة سنة 1973، غير أن
اغتيال الشهيد عمر بنجلون، دشن حقبة جديدة من العنف السياسي في تلك
المرحلة، كما أن الحياة السياسية في البلاد كانت غارقة في التجريب، وهنا
يبرز الدور الأساسي لعمر بنجلون كسياسي متنبه، ومثقف ارتبط بشعبه، حيث صاغ
هذا المناضل الكبير، أسئلة دقيقة تتعلق بالمسار السياسي للبلاد، في أفق
إنجاز طروحات للمستقبل? فعمر بنجلون حتى وهو في سجنه كان يعود من خلال
قراءاته، الى أعماق البنية الفكرية للثقافة المغربية، وذلك باطلاعه على
التراث الاسلامي عموما، وكذا مقاربة مثقفين مغاربة لهذه البنية على الخصوص
كعلال الفاسي، وشعيب الدكالي، المختار السوسي ومولاي العربي العلوي،
وغيرهم?
وقد تبلورت أفكار عمر ومقارباته تلك في المؤتمر الاستثنائي، ليعرف حزب
الاتحاد الاشتراكي نقلة نوعية في مساره، بل ميلادا جديدا أهله ليصبح في
بؤرة الحدث الوطني والدولي، بل أضحى عنصرا أساسيا، في المعادلة السياسية
المغربية، حيث لا ائتلاف ولا اختلاف بدون الاتحاد الاشتراكي للقوات
الشعبية.
عمر بنجلون: كيف نبني
الحزب وأين تتجلى مكوناته؟
الحياة القصيرة والواسعة بلاشك لعمر بنجلون تبدو الآن وكأنها لحظات كر وفر
مع الموت وصناع الموت ، سواء في الفكر أو السياسة أو في الحياة، وتبدو
أيضا أن القتلة كانوا دائما يتربصون به الى أن وجدوا الفجوة ذلك المساء من
يوم 18 دجنبر 1975. ففي المسار الذي اختطه عمر لنفسه ولحزبه ايضا، التقاء
المثقف والنقابي والمفكر والسياسي والمناضل، وفيه ايضا التقاء الفكرة
بالفعل.
دخل عمر العمل السياسي من خلايا حزب الاستقلال في منتصف الخمسينيات ، وكان
وقتها قد انتقل الى وجدة ، عاصمة الشرق والسهوب من أجل الدراسة ولما انتقل
الى الرباط في شتنبر1955 لمتابعة دراسته في السنة الأولى حقوق، انخرط في
خلايا الاستقلال بالرباط. التحق عمر بمعهد الدراسات البريدية بباريس، وفيها
واصل نضاله الطلابي، السياسي والنقابي وفيها ترأس جمعية الطلبة المسلمين
لشمال افريقيا. وعندما قاد المهدي بنبركة ورفاقه انتفاضة يناير 1959 وتأسيس
الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، قام عمر بدور رائد من اجل حشد دعم الطلبة
الاتحاديين، ولما عاد الشهيد عمر بنجلون الى المغرب والتحق بالعمل في
البريد ، كان النقاش السياسي مهيمنا على الساحة الوطنية والبلاد تغلي وسط
التناقضات والارادة الدافعة نحو تعطيل التحرير واستكماله، تحاول اعادة
صياغة تاريخ المغرب بما يتماشى مع اهدافها. لهذا وجد عمر ، بثقافته الواسعة
وطاقته العملية الخلاقة نفسه في بؤرة الفعل التقدمي. وكان الإطار الذي
تحرك فيه عمر ، الى جانب العمل التنظيمي هو نقابة البريديين. فعمل على
تعبئة الاطر والعاملين في القطاع من أجل شن اضراب البريد الشهير سنة 1961
والذي سيشكل اللبنة الأولى نحو مقاربة نقابية جديدة. لقد اعطى أهمية كبيرة
لنمو دور الطبقة العاملة وكان من الاوائل الذين شعروا بالانحراف النقابي
واستشعروا بجهاز الرصد النضالي السليم ما يختبيء وراء الاشياء، فتم منعه من
مؤتمر النقابة سنة 1963 واختطف وعذب على يد الزبانية النقابيين وألقي به
في الطريق بين الرباط والدارالبيضاء. ومن التعذيب "التنظيمي" الى الاعتقال
السياسي حيث اعتقل مع إخوانه في 1963، في ما يعرف بمؤامرة يوليوز وحكم عليه
بالإعدام، وعمل النقابيون البريديون على الاحتفاء به عندما تظاهروا أمام
سجن لعلو في ماي 1964?
عندما صدر العفو عن معتقلي يوليوز 63 وخرج الشهيد عمر نفسه حرا ، عمل على
الواجهات كلها ، النقابية والاعلامية والسياسية والفكرية أيضا. ومن الاشياء
الاساسية التي ابرزت قدرة عمر على العمل التنظيمي والتفكير العملي ، عند
مغادرة السجن في 1965 اعداد الوثيقة الشهيرة المعروفة بالوثيقة التنظيمية.
وفيها عبر عمر على أنه الرجل الميداني الذي يسمو بالحركة الى مصاف الفكرة
ويعطي للفكرة مادتها الواقعية فتتحول الى قوة مادية وأسلوب اقناعي وخطة
عمل. لقد كان عمر هو العضلة التي يلتقي فيها العامل والمثقف والقائد
السياسي والمنظر، كتلة من الطاقة لا تقف عند حد لأن الهدف الانساني النبيل
الذي يحركها لا يمكن أن تلجمه اية قوة مهما بلغت من حدة.
في المذكرة التنظيمية في 1965، السنة التي عرفت استشهاد المهدي بنبركة،
تساءل عمر بنجلون : كيف نبني الحزب واين تتجلى مكوناته؟ وما العمل؟ وكانت
الاجوبة التي وجدها عمر وصاغها بعد خروجه من السجن، هي القاسم المشترك وأسس
المرجعية الاتحادية الى حدود الآن في قضايا التنظيم ؛ معها يتم الحوار
باستمرار ويسائلها المناضلون ايضا باستمرار. والمسألة لا تتم بالضرورة من
أجل الوفاء فقط؛ بل لما يمثله عمر بنجلون ك"رجل الحركة"، لأن التاريخ في
تقديره قد يدَوَّنُ في الكتب ولكنه لا يصنع في المكتبات ولهذا كان دائما
يسعى الى العمل وخلق شروط العمل وإعمال الفكر من أجل الحركة الناجعة وذات
المردودية ، النظرية المسنودة بالفعل والفعل المسترشد بالنظرية ، أي
البراكسيس الحقيقي وليس الارتكان الى طمأنينة النظرية.
هذا القلق الدائم من أجل ملامسة صائبة للواقع وللانسان المغربيين في
انشغالاتهما ، هو الذي سيجعل عمر في منعطف حاسم من تاريخ حزب القوات
الشعبية وتاريخ البلاد ايضا عبر صياغة التقرير المذهبي الهادف الى وضوح
ايديولوجي وفكري يقطع مع التجريبية السياسية ومع الارتهان الى ردود الفعل
والتزام استراتيجية طويلة النفس.
بدأ عمر الاشتغال على هذا الأفق لكن الاعتقال مرة أخرى لم يسعفه ، إذ
مباشرة بعد ما سمي بقرارات يوليوز 72 الشهيرة التي حسمت في الاختيار
الاشتراكي، وقعت احداث مارس 1973 والتي قادت العديد من الاتحاديين، إن لم
يكن كلهم الا من وجد في المنفى، الى الاعتقال، وكانت المحاكمات الشهيرة.
في هذه اللحظة تكرس بالفعل لدى عمر الخيار الاستراتيجي اي الخيار
الديموقراطي. وقام بصياغة التقرير الايديولوجي سنة 1974 عند خروجه من السجن
، كما شارك بحيوية حاسمة في اجتماع اللجنة المركزية من نفس السنة. ووجدت
الممارسة خارطة الطريق في " التقرير الايديولوجي " الذي وضح العلاقة بين
الاختيار الاشتراكي والديموقراطي والوطني التحرري. ومن هنا لا بد أن نذكر
أن الشهيد عمر لما استشير وهو داخل المعتقل حول مهام الحزب في الدفاع عن
القضية الوطنية، كان مع الموقف الداعي الى العمل من أجل الوحدة. لقد كان
القادة الاتحاديون والمناضلون ما بين اعواد المشنقة أو وراء القضبان ، ومع
ذلك لم يختر عمر الموقف السهل والمبرر في آن واحد، موقف "رفض اقتراح النظام
القمعي" بل دافع عن الموقف في السجن وبعد الخروج منه لأن الوطني يعلو على
السياسي.
ومن الواضح أن الاغتيال الذي استهدف عمر بنجلون، الذي اصبح قياديا في
المكتب السياسي بعد المؤتمر الاستثنائي لسنة 1975 استهدف فيه ايضا الاعلامي
الصريح والذكي، شهيد الصحافة الاتحادية، الذي سهر دائما على أن يكون
للاتحاد صوته وأداته التي تدافع عن مواقفه الوطنية: "المحرر" أو القومية
:"الاهداف" أو النقابية: "نشرة البريدي" أو ما عداها. وهو شهيد الحركة
التقدمية أيضا والديموقراطية لانتمائه الثابت دوما الى أفقها.
في رثاء عمر
في رثاء الشهيد عمر بنجلون، بتاريخ فاتح يناير 1976، كتب الشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي واحدة من أجمل قصائده يقول فيها:
يستطيع ابن جلون أن ينهض الآن
فالشهداء يموتون، كي يفرغوا للسهر
عم مساء عمرا
يتململ في رقدته عمر
وينهض نصف نهوض
محتضنا في يده قلبا
أو عصفورا مبتلا
ويصيخ لصوت يعرفه
يفجؤه الصوت الذكرى
المهدي
ويرتقيان معا درج الزمن السري
يستطيع ابن جلون أن يبدأ الآن
فالفقراء يعيشون في أمة الفقراء
التي لاتموت ولا تندثر
يتذكر عمر قيسارية غرناطة
إذ كان عجوزا سقاء
ينظم شعرا ملحونا ويغنيه
عن قرب رجوع المهدي وفك الأسرى
وقضى شيخوخته في باب الجامع منتظرا
وابن جلون من جسد الأرض
من كيمياء الربيع
تحدر نهرا
فماذا عن النهر لو صار غيما
وماذا لو النهر صار مطر
آه
زغردن للعشب يا أمهات الضحايا
وخصبن شيب جدائلكن بماء الزهر
يتذكر عمر وجدة
إذ كان صبيا جوعان ضئيلا
يستوقفه كل صباح تمثال الجنرال الرومي
ويسأله من أنت؟
فلا يستطيع جوابا
حتى تأخذه الشرطة للتجربة الأولى
وتمر على التمثال به
فيقول له الجنرال أجبت
يستطيع ابن جلون أن يفلت الآن
من أعين المخبرين
وأن يتنقل في الأرض
دون جواز سفر
يتذكر عمر كمونة باريس
وكانت أول درس في الجغرافية
يمتد الوطن العربي شمالا
حتى كمونة باريس
وتمتد نيويورك إلى آبار النفط العربية
يستطيع ابن جلون أن يعرف الحزن ليلته هذه
ثم يستأنف الحرب في الغد حتى الظفر
يتذكر عمر مجلسنا حول المهدي
على سجادة ليل القاهرة الوردي
وكنا إذ ذاك شبابا
يلعب في أيدينا الزمن كوحش متبنى
والمهدي ينادمنا
ويعلمنا فن الهجرة بالوطن السري
يقاسمنا الخبر الحي،
يساقينا دمه المسفوح غدا،
يكشف ما لم يأت كتابا فكتابا...
هل كان المهدي يرى صاحبه الشاعر حنفيا
يسأل عنه في "السان جرمان"
وفي الدار البيضاء
ولايجد جوابا
هل مكان يراه وقد صار غرابا
يبكي القتلى من إخوته
ويودع كل نهار أصحابا
يستطيع ابن جلون أن يخلع الآن ثوبا
وأن يتجلى لنا في الثياب الآخر..
يتذكر عمر خارطة للوطن العربي،
مرصعة باللؤلؤ والياقوت،
مزينة بالأعلام العشرين
مطعمة بالفضة والذهب
تنفجر منها واحات خضر،
يتهادى فيها الطاووس،
ويرعى فيها البقر الوحشي عناقيد العنب
وأرى عمر الآن،
يمزق تلك الخارطة - الوهم،
ويبكي من غضب
أعلام أم خرق من عار
خنتم كلمات المهدي،
ودنستم نسبي
أنهار من عسل
أم تلك دماء فلسطين،
جرت نفطا في أمعاء التجار،
وكتاب فتاوى الطاغوت المنتخب
وأراه يقود عساكره القراء
ويهبط من فوق السحب
ليصحح خارطة الأشياء
وينصف عربا من عرب
السلام عليك عمر
وعليك السلام
تتألم ؟
لا لم يعد وقته
تتنعم ؟
لا لم يحن وقته
أنا بين المساء وبين السحر
أتردد ما زلت بين الشعاعين
حتى يعود دمي للشروق
وتزهر وردته في الحجر
الاتحاد الاشتراكي
17-12-2011
وثلاثون سنة مرت على اغتيال الشهيد عمر بنجلون، اشتعلت فيها 36 شمعة في
الغياب الكبير لمناضل فذ ، واضح وصلب, ومازالت الجريمة تسائل الضمير العام
للمغرب? في زوال ذلك اليوم من دجنبر 1975 ، سقط عمر بنجلون، شهيد صحافة
الاتحاد والقائد الاتحادي، بعد أن تقاطعت حول جثته كل أشكال الاستبداد، من
الاستبداد العقائدي الى الاستبداد البوليسي، لتكون الجريمة أول عمل إرهابي
خططت له الأجهزة وينفذه تلامذة الظلام ومحترفو العماء الايديولوجي? أدرك كل
المناضلين الاتحاديين والديموقراطيين أن قتل عمر يستهدف قتل الفكرة
الاتحادية وإطفاء الشعلة النضالية التي فجرها الوضوح الفكري والسياسي كما
رسمه الشهيد عمر وثلة من خيرة مناضلي الاتحاد عبر التقرير الإيديولوجي. سقط
عمر شهيدا دفاعا عن مغرب لكل المغاربة، ومجتمع لقيم التحرر والانسانية
والفكرة الاشتراكية ، بماهي رديف لقدرة الانسان على تحرير طاقته الخلاقة?
وسقط الشهيد عمر، لأن الجهاز السياسي كان يقوم بتصوير السياسة كمشاهد قتل،
والقتل كمشاهد سياسية, والمناضلون يعرفون أن قرار القتل كان جاهزا، وفي كل
مرة ؛كان الاخراج يتغير, ولما لم يفلح الاعدام القضائي، جاء الإعدام بيد
الارهاب الفكري المتلبس بالدوغمائية العقائدية. وحول جثمانه الطاهر التقى
السيف والعمامة, ولذلك يعود من يتحدث بوقاحة القتلة المحترفين ليحول
الجريمة الى فعل "محترم، وشرعي" ، ويضع السماء في خدمة المخابرات
والاستبداد, وهو ذا الخلط الذي نذر عمر نفسه لتفنيده ومحاربته وتفكيك آليات
اشتغاله, لايجب أن ننسى أنه في المكان الذي اغتيل فيه عمر، نبتت فكرة
التكفير التي ستعصف بنا في ما بعد ، عندما خرج الوحش الارهابي ليضرب المغرب
الصاعد والطامح الى الحرية, وعليه فالمناضلون لايعتبرون الوفاء لعمر بن
جلون التزاما اتحاديا فقط ، بل صار، انطلاقا مما سبق، شرطا وطنيا لاستنهاض
عناصر المقاومة لكل أشكال الإرهاب، كما أن الحاجة إلى مثالية عمر النضالية،
هي حاجة إلى وطني، تقدمي، حر ، يضع الولاء للوطن فوق كل اعتبار? لقد قدم
عمر الثمن ، فعلى الوطن أن يعترف بأنه كان سباقا ، بموته في الكشف عن
السواد الاعظم القادم! عندما اعتبرت الدولة الجريمة "واجبا" لاستمرار
سياستها، وعملت على تحويل الحقد إزاء الديموقراطية الى وسيلة للقتل،
واعتبرت البلاد مسرحا للجريمة، والمنفذين "دعاة دينيين"، اكتملت مواصفات
العمل الارهابي، واكتملت بالاساس الوصفة التي كان الاستبداد وقوى الظلام
يجتهدان من أجل فرضها على البلاد: أي وصفة الإبادات بكل أنواعها في حق
التقدميين والديمقراطيين? ولهذا بالذات عملت فرق الموت على أن تجوب البلاد
وتجوب العالم أيضا لتصفية قادة الاتحاد، وبذلك كان الاتحاد القوة الشعبية
الوحيدة التي اغتيل قادتها ومسؤولوها، واعتقلوا أو تعرضوا لمحاولات القتل ,
ولم يتم ادخار أية وسيلة للوصول الى هذا الهدف الجنائزي, كل الاغتيالات لم
تغير الفكرة والخط الذي رسمه عمر ورفاقه ، لم ينجح القتلة ولم تنجح
الاغتيالات في استئصال الفكرة التقدمية والاتحادية، ولا استئصال الرقم
الاتحادي من معادلة المغرب الذي يحلم به المناضلون وعموم القوى الشعبية,
وانتصرت الفكرة، وانتصر عمر بالرغم من تحالف المشيخة الأمنية وأجهزة
الارهاب الفكري، بالرغم من لقاء الجهل بالتكفير وبالاستبداد?, الاستبداد
الذي كان يعتبر، أحيانا، القتل مجرد استراحة أو سيناريو للانفراج!!! ومازال
إخوان عمر، الذين شاركوه الأقبية والمطاردة والحلم الديموقراطي والدفء
الانساني، يواصلون المسيرة,ومازال ربطه الدائم بين سمو المثال وحركية
الممارسة وواقعيتها الثورية ، السلوك الذي يتطلبه الخروج من القهر والفقر
والارتقاء الى عالم الانسان الحر والكامل الانسانية. وختاما نقول: وحدها
الحقيقة تغسل الدولة من أربعين سنة من القتل التي تثقل كاهلها وضميرها.
ما أحوجنا
إلى مواقف عمر
في مثل هذا التاريخ: 18 دجنبر من سنة 1975، امتدت أياد آثمة إلى صدر عمر
بنجلون لترديه شهيدا. في زوال ذاك الخميس الأسود، توقف القلب الكبير عن
الخفقان، وكان عائدا للتو من مقر الجريدة, فكان قدر سهام أن تُهدى في عيد
رأس تلك السنة جرحا تاريخيا غائرا، وأن تحرم من حنان عمر، وأن يتكبد
الاتحاد الاشتراكي خسارة كبرى بفقدانه لأحد أبرز قادته وصناع قراره على بعد
يومين من عقد أول مؤتمر للشبيبة الاتحادية، والذي عمل الشهيد كل ما بوسعه
لأن يكون حدثا تاريخيا بامتياز، فكان لوقع استشهاد عمر بالغ الأثر على ذاك
الحدث، وعلى قلوب الاتحاديين وعموم المغاربة، وعلى قلوب الطبقة العاملة
التي أعطاها عمر كل طاقته ليحررها من براثن الحجر والوصاية، ومن قبضة
البيروقراطية. امتُحِن عمر غير ما مرة فذاق كافة أنواع التعذيب، بما فيها
البحر الذي كان يلقى فيه من الطائرة العمودية ويداه موثقتان بحبال، وزار
كافة أقبية الاعتقال، المعلوم منها والسري »»المجهول««، وتعرض للعديد من
المحاكمات وصدرت في حقه العديد من الأحكام بما فيها الحكم عليه بالإعدام،
فكان عمر رمزا للوفاء وللصمود وللثبات على المبدأ. يذكر المغاربة جدا تصديه
لبابا ميسكي الموريتاني الذي حاول الكولونيل بومدين أن ينصبه قائدا
للبوليزاريو في المقابلة التي جمعته به على »راديو »فرانس أنتير««، ويذكر
المغاربة سفره ومقالاته وهو يتابع أطوار محاكمة لاهاي إلى جانب المجاهد عبد
الرحمان اليوسفي، ويذكرون تتبعه عن كثب لأطوار طرد آلاف المغاربة من طرف
السلطات الجزائرية والإلقاء بهم على مشارف وجدة، ويذكرون الرسالة التي بعث
إلى عبد العزيز بوتفليقة يدعوه إلى تأسيس جمعية قدماء ثانوية عمر بوجدة
ويذكره فيها بأنه كان تلميذا بتلك الثانوية، وقضى سنوات يدرس فيها إلى جانب
زملائه المغاربة، وهي إشارة ذكية من عمر إلى أن أبناء المغرب العربي
يمتحون من مشرب واحد، وأن الوحدة، بدل الانفصال، هي مستقبل الشعوب
المغاربية. »لقد كان لعمر الفارس وهو لايزال في عز الشباب أن يترجل«. وكما
الأشجار دائما تموت واقفة، كذلك كان مصير عمر وهو الفلسطيني حتى النخاع، إذ
كان صديقا لمحمود الهمشري وأبو أياد وأبو جهاد وعز الدين قلق. يذكر
الاتحاديون لعمر تعلقه الشديد بالفقيد عبد الرحيم قائد السفينة، كما كان
يسميه، ومهندس استراتيجية النضال الديمقراطي. واليوم ما أحوجنا إلى مواقف
عمر ونضال وآراء عمر، لنتخذها نبراسا ينير لنا الطريق.
نحو انتصار سياسي للاستمرار في التجربة
إن المرحلة التي يعيشها الحزب في أفق استشراف المستقبل، تقتضي استحضار
الروح النضالية، والقدرة على طرح الأسئلة الحيوية، كما دشنها الشهيد عمر
بنجلون منذ المؤتمر الاستثنائي لسنة 1975 فالشهيد عمر بنجلون، استطاع خلال
تلك الفترة بحسه السياسي اللافت أن يطرح الأسئلة الكبرى، على المجتمع،
خاصة وان الحزب كان يمر بفترة جد دقيقة، تعرض أثناءها لألوان من القمع
المستمر، من محاكمة مراكش الشهيرة سنة 1969 مرورا بالاعتقالات الواسعة التي
تلت هذه المحاكمة سنة 1970، الى المحاكمات المعروفة سنة 1973، غير أن
اغتيال الشهيد عمر بنجلون، دشن حقبة جديدة من العنف السياسي في تلك
المرحلة، كما أن الحياة السياسية في البلاد كانت غارقة في التجريب، وهنا
يبرز الدور الأساسي لعمر بنجلون كسياسي متنبه، ومثقف ارتبط بشعبه، حيث صاغ
هذا المناضل الكبير، أسئلة دقيقة تتعلق بالمسار السياسي للبلاد، في أفق
إنجاز طروحات للمستقبل? فعمر بنجلون حتى وهو في سجنه كان يعود من خلال
قراءاته، الى أعماق البنية الفكرية للثقافة المغربية، وذلك باطلاعه على
التراث الاسلامي عموما، وكذا مقاربة مثقفين مغاربة لهذه البنية على الخصوص
كعلال الفاسي، وشعيب الدكالي، المختار السوسي ومولاي العربي العلوي،
وغيرهم?
وقد تبلورت أفكار عمر ومقارباته تلك في المؤتمر الاستثنائي، ليعرف حزب
الاتحاد الاشتراكي نقلة نوعية في مساره، بل ميلادا جديدا أهله ليصبح في
بؤرة الحدث الوطني والدولي، بل أضحى عنصرا أساسيا، في المعادلة السياسية
المغربية، حيث لا ائتلاف ولا اختلاف بدون الاتحاد الاشتراكي للقوات
الشعبية.
عمر بنجلون: كيف نبني
الحزب وأين تتجلى مكوناته؟
الحياة القصيرة والواسعة بلاشك لعمر بنجلون تبدو الآن وكأنها لحظات كر وفر
مع الموت وصناع الموت ، سواء في الفكر أو السياسة أو في الحياة، وتبدو
أيضا أن القتلة كانوا دائما يتربصون به الى أن وجدوا الفجوة ذلك المساء من
يوم 18 دجنبر 1975. ففي المسار الذي اختطه عمر لنفسه ولحزبه ايضا، التقاء
المثقف والنقابي والمفكر والسياسي والمناضل، وفيه ايضا التقاء الفكرة
بالفعل.
دخل عمر العمل السياسي من خلايا حزب الاستقلال في منتصف الخمسينيات ، وكان
وقتها قد انتقل الى وجدة ، عاصمة الشرق والسهوب من أجل الدراسة ولما انتقل
الى الرباط في شتنبر1955 لمتابعة دراسته في السنة الأولى حقوق، انخرط في
خلايا الاستقلال بالرباط. التحق عمر بمعهد الدراسات البريدية بباريس، وفيها
واصل نضاله الطلابي، السياسي والنقابي وفيها ترأس جمعية الطلبة المسلمين
لشمال افريقيا. وعندما قاد المهدي بنبركة ورفاقه انتفاضة يناير 1959 وتأسيس
الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، قام عمر بدور رائد من اجل حشد دعم الطلبة
الاتحاديين، ولما عاد الشهيد عمر بنجلون الى المغرب والتحق بالعمل في
البريد ، كان النقاش السياسي مهيمنا على الساحة الوطنية والبلاد تغلي وسط
التناقضات والارادة الدافعة نحو تعطيل التحرير واستكماله، تحاول اعادة
صياغة تاريخ المغرب بما يتماشى مع اهدافها. لهذا وجد عمر ، بثقافته الواسعة
وطاقته العملية الخلاقة نفسه في بؤرة الفعل التقدمي. وكان الإطار الذي
تحرك فيه عمر ، الى جانب العمل التنظيمي هو نقابة البريديين. فعمل على
تعبئة الاطر والعاملين في القطاع من أجل شن اضراب البريد الشهير سنة 1961
والذي سيشكل اللبنة الأولى نحو مقاربة نقابية جديدة. لقد اعطى أهمية كبيرة
لنمو دور الطبقة العاملة وكان من الاوائل الذين شعروا بالانحراف النقابي
واستشعروا بجهاز الرصد النضالي السليم ما يختبيء وراء الاشياء، فتم منعه من
مؤتمر النقابة سنة 1963 واختطف وعذب على يد الزبانية النقابيين وألقي به
في الطريق بين الرباط والدارالبيضاء. ومن التعذيب "التنظيمي" الى الاعتقال
السياسي حيث اعتقل مع إخوانه في 1963، في ما يعرف بمؤامرة يوليوز وحكم عليه
بالإعدام، وعمل النقابيون البريديون على الاحتفاء به عندما تظاهروا أمام
سجن لعلو في ماي 1964?
عندما صدر العفو عن معتقلي يوليوز 63 وخرج الشهيد عمر نفسه حرا ، عمل على
الواجهات كلها ، النقابية والاعلامية والسياسية والفكرية أيضا. ومن الاشياء
الاساسية التي ابرزت قدرة عمر على العمل التنظيمي والتفكير العملي ، عند
مغادرة السجن في 1965 اعداد الوثيقة الشهيرة المعروفة بالوثيقة التنظيمية.
وفيها عبر عمر على أنه الرجل الميداني الذي يسمو بالحركة الى مصاف الفكرة
ويعطي للفكرة مادتها الواقعية فتتحول الى قوة مادية وأسلوب اقناعي وخطة
عمل. لقد كان عمر هو العضلة التي يلتقي فيها العامل والمثقف والقائد
السياسي والمنظر، كتلة من الطاقة لا تقف عند حد لأن الهدف الانساني النبيل
الذي يحركها لا يمكن أن تلجمه اية قوة مهما بلغت من حدة.
في المذكرة التنظيمية في 1965، السنة التي عرفت استشهاد المهدي بنبركة،
تساءل عمر بنجلون : كيف نبني الحزب واين تتجلى مكوناته؟ وما العمل؟ وكانت
الاجوبة التي وجدها عمر وصاغها بعد خروجه من السجن، هي القاسم المشترك وأسس
المرجعية الاتحادية الى حدود الآن في قضايا التنظيم ؛ معها يتم الحوار
باستمرار ويسائلها المناضلون ايضا باستمرار. والمسألة لا تتم بالضرورة من
أجل الوفاء فقط؛ بل لما يمثله عمر بنجلون ك"رجل الحركة"، لأن التاريخ في
تقديره قد يدَوَّنُ في الكتب ولكنه لا يصنع في المكتبات ولهذا كان دائما
يسعى الى العمل وخلق شروط العمل وإعمال الفكر من أجل الحركة الناجعة وذات
المردودية ، النظرية المسنودة بالفعل والفعل المسترشد بالنظرية ، أي
البراكسيس الحقيقي وليس الارتكان الى طمأنينة النظرية.
هذا القلق الدائم من أجل ملامسة صائبة للواقع وللانسان المغربيين في
انشغالاتهما ، هو الذي سيجعل عمر في منعطف حاسم من تاريخ حزب القوات
الشعبية وتاريخ البلاد ايضا عبر صياغة التقرير المذهبي الهادف الى وضوح
ايديولوجي وفكري يقطع مع التجريبية السياسية ومع الارتهان الى ردود الفعل
والتزام استراتيجية طويلة النفس.
بدأ عمر الاشتغال على هذا الأفق لكن الاعتقال مرة أخرى لم يسعفه ، إذ
مباشرة بعد ما سمي بقرارات يوليوز 72 الشهيرة التي حسمت في الاختيار
الاشتراكي، وقعت احداث مارس 1973 والتي قادت العديد من الاتحاديين، إن لم
يكن كلهم الا من وجد في المنفى، الى الاعتقال، وكانت المحاكمات الشهيرة.
في هذه اللحظة تكرس بالفعل لدى عمر الخيار الاستراتيجي اي الخيار
الديموقراطي. وقام بصياغة التقرير الايديولوجي سنة 1974 عند خروجه من السجن
، كما شارك بحيوية حاسمة في اجتماع اللجنة المركزية من نفس السنة. ووجدت
الممارسة خارطة الطريق في " التقرير الايديولوجي " الذي وضح العلاقة بين
الاختيار الاشتراكي والديموقراطي والوطني التحرري. ومن هنا لا بد أن نذكر
أن الشهيد عمر لما استشير وهو داخل المعتقل حول مهام الحزب في الدفاع عن
القضية الوطنية، كان مع الموقف الداعي الى العمل من أجل الوحدة. لقد كان
القادة الاتحاديون والمناضلون ما بين اعواد المشنقة أو وراء القضبان ، ومع
ذلك لم يختر عمر الموقف السهل والمبرر في آن واحد، موقف "رفض اقتراح النظام
القمعي" بل دافع عن الموقف في السجن وبعد الخروج منه لأن الوطني يعلو على
السياسي.
ومن الواضح أن الاغتيال الذي استهدف عمر بنجلون، الذي اصبح قياديا في
المكتب السياسي بعد المؤتمر الاستثنائي لسنة 1975 استهدف فيه ايضا الاعلامي
الصريح والذكي، شهيد الصحافة الاتحادية، الذي سهر دائما على أن يكون
للاتحاد صوته وأداته التي تدافع عن مواقفه الوطنية: "المحرر" أو القومية
:"الاهداف" أو النقابية: "نشرة البريدي" أو ما عداها. وهو شهيد الحركة
التقدمية أيضا والديموقراطية لانتمائه الثابت دوما الى أفقها.
في رثاء عمر
في رثاء الشهيد عمر بنجلون، بتاريخ فاتح يناير 1976، كتب الشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي واحدة من أجمل قصائده يقول فيها:
يستطيع ابن جلون أن ينهض الآن
فالشهداء يموتون، كي يفرغوا للسهر
عم مساء عمرا
يتململ في رقدته عمر
وينهض نصف نهوض
محتضنا في يده قلبا
أو عصفورا مبتلا
ويصيخ لصوت يعرفه
يفجؤه الصوت الذكرى
المهدي
ويرتقيان معا درج الزمن السري
يستطيع ابن جلون أن يبدأ الآن
فالفقراء يعيشون في أمة الفقراء
التي لاتموت ولا تندثر
يتذكر عمر قيسارية غرناطة
إذ كان عجوزا سقاء
ينظم شعرا ملحونا ويغنيه
عن قرب رجوع المهدي وفك الأسرى
وقضى شيخوخته في باب الجامع منتظرا
وابن جلون من جسد الأرض
من كيمياء الربيع
تحدر نهرا
فماذا عن النهر لو صار غيما
وماذا لو النهر صار مطر
آه
زغردن للعشب يا أمهات الضحايا
وخصبن شيب جدائلكن بماء الزهر
يتذكر عمر وجدة
إذ كان صبيا جوعان ضئيلا
يستوقفه كل صباح تمثال الجنرال الرومي
ويسأله من أنت؟
فلا يستطيع جوابا
حتى تأخذه الشرطة للتجربة الأولى
وتمر على التمثال به
فيقول له الجنرال أجبت
يستطيع ابن جلون أن يفلت الآن
من أعين المخبرين
وأن يتنقل في الأرض
دون جواز سفر
يتذكر عمر كمونة باريس
وكانت أول درس في الجغرافية
يمتد الوطن العربي شمالا
حتى كمونة باريس
وتمتد نيويورك إلى آبار النفط العربية
يستطيع ابن جلون أن يعرف الحزن ليلته هذه
ثم يستأنف الحرب في الغد حتى الظفر
يتذكر عمر مجلسنا حول المهدي
على سجادة ليل القاهرة الوردي
وكنا إذ ذاك شبابا
يلعب في أيدينا الزمن كوحش متبنى
والمهدي ينادمنا
ويعلمنا فن الهجرة بالوطن السري
يقاسمنا الخبر الحي،
يساقينا دمه المسفوح غدا،
يكشف ما لم يأت كتابا فكتابا...
هل كان المهدي يرى صاحبه الشاعر حنفيا
يسأل عنه في "السان جرمان"
وفي الدار البيضاء
ولايجد جوابا
هل مكان يراه وقد صار غرابا
يبكي القتلى من إخوته
ويودع كل نهار أصحابا
يستطيع ابن جلون أن يخلع الآن ثوبا
وأن يتجلى لنا في الثياب الآخر..
يتذكر عمر خارطة للوطن العربي،
مرصعة باللؤلؤ والياقوت،
مزينة بالأعلام العشرين
مطعمة بالفضة والذهب
تنفجر منها واحات خضر،
يتهادى فيها الطاووس،
ويرعى فيها البقر الوحشي عناقيد العنب
وأرى عمر الآن،
يمزق تلك الخارطة - الوهم،
ويبكي من غضب
أعلام أم خرق من عار
خنتم كلمات المهدي،
ودنستم نسبي
أنهار من عسل
أم تلك دماء فلسطين،
جرت نفطا في أمعاء التجار،
وكتاب فتاوى الطاغوت المنتخب
وأراه يقود عساكره القراء
ويهبط من فوق السحب
ليصحح خارطة الأشياء
وينصف عربا من عرب
السلام عليك عمر
وعليك السلام
تتألم ؟
لا لم يعد وقته
تتنعم ؟
لا لم يحن وقته
أنا بين المساء وبين السحر
أتردد ما زلت بين الشعاعين
حتى يعود دمي للشروق
وتزهر وردته في الحجر
الاتحاد الاشتراكي
17-12-2011
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: وحدها الحقيقة تغسل دم عمر
أين الاتحاد من ذكرى الشهيد عمر بن جلون ؟ لهثوا وراء الكراسي الوثيرة المدرة للريع فانبطحوا ..وحين استفاقوا من غفوتهم وجدوا البساط قد سحب من تحت أقدامهم..كم سنة تحتاجون لاعادة الاتحاد الى مجده ؟ كم عمرا تحتاجون للتأكد من فشلكم ؟رحم الله الفقيد.
.
.
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
مواضيع مماثلة
» بصدد عرض «كفر ناعوم» : وحدها الأسماك الميتة تسبح مع التيار
» مجموعة مدارس الزواقين: اطر التدريس والادارة
» المغرب يقر بالعجز عن معرفة الحقيقة حول بنبركة/ محمد بوخزار
» الحقيقة العلمية لفيروس «انفلونزا الخنازير»
» الشاعر محمد السرغيني /الملحق الثقافي-الاتحاد الاشتراكي
» مجموعة مدارس الزواقين: اطر التدريس والادارة
» المغرب يقر بالعجز عن معرفة الحقيقة حول بنبركة/ محمد بوخزار
» الحقيقة العلمية لفيروس «انفلونزا الخنازير»
» الشاعر محمد السرغيني /الملحق الثقافي-الاتحاد الاشتراكي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى