القدر...والتاريخ...
صفحة 1 من اصل 1
القدر...والتاريخ...
المكتوب على الجبين ستراه العين ,وخلق الإنسان ليعيش زمنه المقدر ,لايملك حق التغيير وتدبير شؤونه له ما كسب وعليه ما اكتسب..نال الحياة مع الشرط المستحيل رفضه ,موت مفروض من الأزل ,نهاية حتمية لا راد لها ..فأصبح إنسانا مكرها على الفعل والتنفيد ومسايرة الواقع تحت كل الظروف السهلة والصعبة ويواجه الطبيعة المختلفة تضاريسها والمختلفة فصولها ,يتحمل المسالمين والمتسلطين .
كل مواطن خاضع لما سيق له ومن أجل ذلك يطيع القدر الذى يجعله مطواعا فاقدا الإرادة فيكون سلسلة خانقة فى عنقه ..فهناك الملايين من أمثاله سبقوه فى الامتثال لقدرهم القوي لا ينازعون ولا يتنازعون عاشوا طفولتهم وشبابهم ورجولتهم وكهولتهم وشيخوختهم لتدركهم الموت المحمية من الغصب والإزهاق المتعمد ..نعم الملايين من المواطنين فى الماضى والحاضر وحتى فى المستقبل سكنوا الأرض واستكانوا ,رضوا بالقليل والكثير رفضوا عروضا وتقبلوا قسوة الحياة بمرها وحلوها ,لم يشتكوا بل أخلصوا لقدرهم واحترموا الصراط الذى أختير لهم ,لم يمتنعوا عن أي واجب ليؤدوه بإخلاص ,ولم يرفضوا الإملاءات والقهر وما نزل عليهم بالقوة والظلم ..هؤلاء هم القدريون الذين صمدوا لرياح الغدر والحرب والنهب لأنهم اقتنعوا بالقضاء ثم مشوا فى العدل النسبي والحق الملون بالطمس وبألاعيب المتحكمين فى الرقاب ..إنهم جماعات سلب القدر إرادتهم بمعنى التسيير المطلق ودفنهم فى الدهر مع نمط حياة الدنيا التى لا ترحم .وفى نفس الوقت أبعدهم القدر عن التاريخ المتحول بالصراعات والخلافات المبنية على الروح والمادة ..فعدد كبير من المواطنين يمر التاريخ فوق رؤوسهم وهم قابعون فى انشغالاتهم لا يأبهون بالحقب الزمنية التى حولها زيد أو عمرو ولا يهتمون إلا بما سمعوه أو وصلتهم تلك الأخبار عن المعارك الطاحنة التى تغير مجرى التاريخ بدون مشاركتهم لا من بعيد أو قريب ..تاريخ يدور ويلف بين منهزم ومنتصر وبين قوي وظالم وعكسهم ,لأن القدر يمتلك أرواحهم وأجسادهم ويسوقهم لقضاءه فى مسيرة سلمية من المهد إلى اللحد ,وكأن القدر يخاف من سيطرة التاريخ على وجوده ..فالقدر والتاريخ خطان متوازيان لا يلتقيان أبدا .
قد يصيب التاريخ رواد القدر فى حملاته وتنتشر شظاياه القاتلة لكن القدر يحافظ على أتباعه ويحميهم ليبقى فى الخلود ..فلما تشتعل الثورات والحروب والمظاهرات يكون السلميون فى الحياد لا يشاركون فى العنف والصخب سواء كانوا من المؤيدين أو المعارضين بقلوبهم وربما يساهمون فى الوضعية المتأججة بالمال والطعام والدواء نظرا لقيود قدرية تمنعهم من المجازفة ..لقد شاهدنا وثائق عديدة تصور مآسى تاريخية نزلت على العزل كالصاعقة دمرت مساكنهم وشتتت مكاسبهم فاضطروا للهجرة والفرار من ويلات التاريخ ليصبحوا لاجئين وغرباء فى ديار الآخرين ..هربهم القدر ليحافظ على صيرورته ..وسمعنا أو قرأنا عن الذين عاشوا بين آلام طاحنة أقرها التاريخ ,قد نحتار فى الفرز بين القدر والتاريخ لكن ما يدور فى المعمور يؤكد أن أكبر شريحة بشرية تمارس قدرها فقط وتنساق تحت تاريخ دخيل فى حياة الناس ,فلو خضع الناس لدين واحد ووزعوا بين حكام مسالمين لعاشت الأمم قدرها وزال التاريخ الذى حول الأزمنة إلى تطاحنات بسب الدمويين والطامعين والعنصريين والسياسيين والمتدينين ..التاريخ يبدل المجتمعات ويغير الطبقات ويحدث صراعا بين الخلف والسلف إنه عصبية له توابث بالقوة وسلاليمه محفوفة بالدماء ,أما القدر صديق المتواكلين والمتوكلين يسيرون فى دربه بدون منازع ..وهكذا نلاحظ عبر العصور تاريخا أعدم وقتل بالسيوف والرصاص زعماءه وبدلهم بآخرين من أجل مصلحته فقط دون اكترات بالإنسانية ..
إذا أراد القدر إنسانا واصطفاه لقضاء مشيئته لن يصاب ولن ينقص عمره إلا بقدر مكتوب ولو ركضت السيوف والبنادق والرماح نحوه سواء كان فى البر أو البحر ..
الرب الخالق حرم الظلم والقتل لكن التاريخ اعتمدهما لإنجاز أهدافه وبقي القدر وفيا لحماية من فرض عليهم
أوباها حسين- عدد الرسائل : 286
العمر : 81
تاريخ التسجيل : 11/10/2011
مواضيع مماثلة
» المنزل المقصود والتاريخ المفقود فهل من موثق
» تروال .. أرض مجهولة الأصل والتاريخ في جبال تقاسي البرد
» ليلة القدر
» وضاع رجل فى القدر....
» ليلة القدر خير من ألف شهر: الإثنين 26رمضان 1431هـ
» تروال .. أرض مجهولة الأصل والتاريخ في جبال تقاسي البرد
» ليلة القدر
» وضاع رجل فى القدر....
» ليلة القدر خير من ألف شهر: الإثنين 26رمضان 1431هـ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى