الشعب يريد الإصلاح في قطر.. أيضاً
صفحة 1 من اصل 1
الشعب يريد الإصلاح في قطر.. أيضاً
1 - عقبات الإصلاح ثلاث: غياب المعلومات والحريات والشفافية
أصدرت مجموعة من المفكرين القطريين تطلق على نفسها «قطريون من اجل
الإصلاح»، كتابا تضمن عدة محاور في الشأن القطري تحت عنوان «الشعب يريد
الاصلاح في قطر.. ايضا».
هذه المحاور هي نتاج حوارات جرت بين هؤلاء المفكرين، وقد صدرت في كتاب تستعرضه القبس على ثلاث حلقات.
كتابنا هذا «الشعب يريد الإصلاح... في قطر أيضا»، تكون من خلال تضافر جهود
جماعة من أهل قطر، يمكن أن نطلق عليهم اسم «قطريون من أجل الإصلاح»، جرى
بينهم حوار مسؤول لجوانب من أوجه الخلل التي تتطلب إصلاحا جذريا. وهي أوجه
خلل لا يتم الاعتراف بها في العادة على المستوى الرسمي، ولا تتناولها
الصحافة وأجهزة الإعلام والمؤتمرات والندوات الكثيرة التي تعقد في قطر، ولا
تتطرق إليها المراكز ذات الصلة بالسلطة، ولا فضائيات شبكة الجزيرة التي
تصف نفسها «بمنبر من لا منبر له» من دون أن يتسع ذلك المنبر - مع الأسف -
لرأي شعب قطر. وإنما يقتصر الاهتمام بأوجه الخلل هذه على حديث القطريين،
حيث تكثر شكواهم حولها في لقاءاتهم الخاصة، في المجالس والمقاعد النسائية
واللقاءات والأحاديث الثنائية، ونجدها في مقالات القطريات والقطريين التي
تحجب عن النشر في العادة. كما نجد صدى لها على مواقع التواصل الاجتماعي
وعبر شبكة الانترنت. ولكنها لا تجد مجالا عاما يتيح لها حق التعبير الجماعي
عن النفس في شكل جمعية، أو منتدى حوار، أو وسيلة إعلامية، معنية بالإصلاح
في قطر.
انتظم هذا الحوار في دورته الأولى، على مدى عام من 14 مارس 2011 إلى 6
فبراير 2012، تحت مسمى لقاء الاثنين. وشارك في لقاءاته الـ 12 هذه بدعوة
خاصة - بسبب تعذر انعقاده في مكان يتسع لدعوة عامة - أكثر من ستين مواطنا
من الكوادر القطرية المعنية بالشأن العام، يجمعهم شعور بواجب رفع صوت جماعي
للإصلاح في قطر، لا تتيسر له سبل التعبير والحوار ضمن الهامش الرسمي
المتاح. لعل هذا الصوت الخافت يصل إلى المعنيين بالشأن العام في قطر، ويجد
صدى إيجابيا لدى متخذ القرار.
تناولت لقاءات الاثنين موضوعات مختارة في ضوء اختصاص وخبرة المتحدثين،
وإمكانية تقديم كل منهم ورقة عمل، تساهم في تنمية فهم مشترك أفضل بين
المشاركين والمواطنين عامة من خلال النشر الالكتروني المتاح، لجوانب
الموضوع المطروح، وأوجه الخلل فيه، وسبل إصلاحها في قطر.
غطت الموضوعات، الجوانب الدستورية، والسلطة القضائية، وحكم القانون. كما
تناولت السكان والمجتمع والثقافة والإعلام والتعليم والهوية، وتراجع دور
اللغة العربية في الإدارة والتعليم. وتوقفت اللقاءات عند استخدامات الغاز
الطبيعي، وصادرات الغاز المسال، والبيئة، والخطوط الجوية القطرية، ومؤسسة
قطر ومدينتها التعليمية. وتم تقديم قراءة نقدية لاستراتيجية قطر الوطنية
2016/2011، والحاجة للإصلاح في قطر في ضوء قصور دستور 2004، ورؤية قطر
واستراتيجية التنمية الوطنية فيها. وغني عن القول إن ما تم تقديمه من
موضوعات وآراء هو محاولة أولية (سنة أولى حوار). وتبقى مسألة الإصلاح قضية
وطنية تتطلب إرادة مجتمعية تعبر عن توافق بين السلطة والمجتمع. وقبل ذلك
تحتاج إلى نمو طلب فعال على الإصلاح، يعبر عن توافق وطني بين أفراد المجتمع
وجماعاته، من خلال حوار حر ومسؤول يشارك فيه كل من يرغب ويستطيع.
ومن هنا فإن لقاءات الاثنين هي خطوة لازمة، ولكنها غير كافية، تساعد على
إظهار أوجه الخلل واستشراف معالم أجندة للإصلاح. كما تسعى لتوسيع دائرة
الحوار بكل السبل، ومن خلال الأطر والهوامش المتاحة. ولكن تبقى مسألة وضع
هذه المقترحات موضع التنفيذ متوقفة على نمو إرادة وطنية للإصلاح، وتوافق
على قواسم عامة مشتركة بين أفراد المجتمع وجماعاته.
وفي هذه المرحلة من الحوار، وفي ضوء ما تبين من أوجه خلل مزمنة، تتطلب
إصلاحا جذريا في قطر، يمكن في هذه المقدمة، التركيز على ثلاثة جوانب، تم
التطرق إليها في لقاءات الاثنين خلال عام 2012/2011:
أولها: عقبات الإصلاح ومعوقاته
ثانيها: قضايا الإصلاح، من خلال بيان أوجه الخلل والحاجة لإصلاحها.
ثالثها: خاتمة: الحاجة للإصلاح في قطر ومداخله.
أولا: عقبات الإصلاح ومعوقاته
يحسن بنا أن نتوقف عند عقبات الإصلاح ومعوقاته التي لا بد أن تواجه وتعالج
حتى تتوافر بيئة مناسبة للإصلاح، تتيح حوارا وطنيا حول أهدافه ووسائله،
فلن تكون هناك إمكانية للإصلاح إذا بقى وضع الحريات العامة الراهن على ما
هو عليه، وغابت الشفافية واستمر الخلط بين المال والشأن العام والخاص. ومن
هذه العقبات ما يلي:
1 - حجب المعلومات ذات العلاقة بالشأن العام وحظر نشرها
الملاحظة العامة الرئيسية المشتركة التي تأكدت من خلال لقاءات الاثنين،
وهي معروفة ومحسوسة قبل ذلك، تتمثل في حجب المعلومات المتعلقة بالشأن
العام، وعدم نشر ما يتعلق بتحديد الخيارات واتخاذ القرارات العامة. فقد وجد
أغلب المتحدثين والمعقبين نفسه فاقدا للمعلومات الدقيقة، وغير عارف لأسباب
اختيار السياسات العامة، ودواعي تلك السياسات الخلافية ومبرراتها.
الامر الذي جعل أهل قطر يفاجؤون دائما بما تحدد من خيارات، واتخذ من
قرارات عامة، وكأن السياسات العامة والقرارات المصيرية للحكومة شأن خاص، لا
يجوز أن يعرفه المواطنون، فضلا عن عدم مشاركتهم فيه.
وابتداء نجد حكومة قطر لا تفصح عن توجهات السياسة السكانية، ولا تنشر
إحصاءات حول عدد المواطنين، ولا تركيبتهم، ولا توقعات تغير نسبتهم في
إجمالي السكان.
ويتضح حجب المعلومات أيضا، في ما يتعلق بحسابات المال العام. فالميزانية
العامة التقديرية لا تنشر كاملة، وحتى مجلس الشورى الراهن لا يحق له سوى
الاطلاع على باب المصروفات الرأسمالية التقديرية في الميزانية العامة, أما
الحساب الختامي للميزانية العامة، فإنه سر من الأسرار لا يجوز الاطلاع
عليه، ولا على تقرير ديوان المحاسبة - التابع للسلطة التنفيذية- والذي لا
تشمل صلاحياته مراجعة بعض أوجه الإيرادات والمصروفات العامة، لأنها لا تقع
تحت سلطة مجلس الوزراء، وإنما تكون مستثناة من سلطة مجلس الوزراء وأجهزة
الرقابة العامة.
وكذلك كل ما يتعلق بحسابات الاحتياطي العام للدولة، وأوجه استثماراته
ونتائج أعماله. وإنما يسمع المواطنون عن الصفقات العالمية الضخمة لقطر، ولا
يعرفون إن كانت لمصلحة المال العام، أو هي استثمارات خاصة، وأيضا لا ينشر
ولا يعرف حجم الدين العام وحجم وتركيب الديون المضمونة من قبل الدولة،
والتي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات. وقد أشارت تقارير المعهد الدولي
للمالية IIF التابع لصندوق النقد الدولي، إلى عدم احتساب جزء كبير من
عائدات النفط والغاز، ضمن دخل النفط والغاز المورد للميزانية العامة.
والى جانب الغموض في إيرادات ومصروفات واستثمارات المال العام، هناك أيضا
غموض في ما يتعلق بالأملاك العامة، خاصة الأراضي التي تم تطويرها أو نزعت
ملكياتها وفق قانون المنفعة العامة. فقد تحول كثير منها إلى أملاك خاصة
بأسعار رمزية غير تنافسية، وعطايا وهبات ومنح بنيت عليها فنادق ومنشآت
ومجمعات سكنية وتجارية ومدن ذات ملكية خاصة. ومثال ذلك سوق واقف وأراضي
الجسرة ومشيرب وشارع الكهربا، والمدينة التعليمية البالغة مساحتها 15 مليون
متر مربع، والحي الثقافي (كتارا) وأسباير ومنشآته. وهذه الأملاك العامة
تناهز قيمتها السوقية مئات المليارات.
2 - الشفافية
وإذا نظرنا إلى مدى الشفافية تجاه الخيارات الكبرى والقرارات العامة
والوثائق والخطط الملزمة للمواطنين، والمحددة لحاضر البلد ومصير المجتمع
ومستقبل أجياله القادمة، فإننا نجد نظام التعليم العام والعالي قد تم
تغييره وفقا لدراسة مؤسسة رند وإشرافها، وتم اعتماد اللغة الانكليزية لغة
رئيسية فيه، كما أقصيت المواد الاجتماعية والوطنية من مقرر المواد
الرئيسية، وطبق من دون مناقشة عامة، ومن دون علم المختصين في التربية
والتعليم وهيئة التدريس في جامعة قطر. وكذلك التخطيط العمراني ومبررات نزع
الملكية التي اتسعت وأصبحت ظاهرة تضر باستقرار المواطنين والأعمال،
والخدمات الصحية وقانون الموارد البشرية، وقرار تحويل الجمعيات التعاونية
إلى شركة تجارية من دون بيان مبررات ذلك القرار والتوقف عند قانونيته.
ونسمع اليوم عن قرب تطبيق مشروعي التأمين الصحي للمواطنين، بدل التزام
الحكومة تقديم الخدمات الطبية لهم، ونظام الـ«voucher» في مجال التعليم بدل
تقديم التعليم العام مجانا في مدارس حكومية، وإنما ترك التعليم والصحة
للقطاع الخاص، وما أدراك بالقطاع الخاص الطبقي الذي تنوي الحكومة أن ترمي
بالخدمات الاجتماعية للمواطنين في فمه، وتتخلى عن مسؤولية تقديم الخدمات
العامة للمواطنين من خلال أجهزة وقنوات قادرة على تقديم التعليم والصحة
بشكل نوعي سليم العواقب.
وفي الوقت الحاضر نرى أمام أعيننا مشروع سكة الحديد، والمترو ينفذ بتكلفة
تناهز أربعين مليار دولار من دون مناقشة عامة، بالرغم من ضخامته وإسقاطاته
على الخلل السكاني، حيث بنيت تقديراته على وجود أكثر من خمسة ملاين نسمة في
قطر، وهو رقم يزيد حجم السكان %200 خلال عشر سنوات. وهذا مخيف من وجهة نظر
الخلل السكاني، ويتجاوز ضعف تقديرات استراتيجية قطر للسكان في الفترة
نفسها.
كما وضع دستور قطر من قبل لجنة حكومية، ولم يطرح للنقاش أو الحوار العام،
وإنما طرح للاستفتاء بنعم أو لا، تحت إشراف وزارة الداخلية، وترويج الإعلام
وتدخل السلطة التنفيذية. و كذلك تم وضع رؤية قطر الوطنية لعام 2030،
واستراتيجية التنمية الوطنية 2011-2016، من دون مناقشة عامة خارج إطار
الحكومة، وحتى مجلس الشورى لم تطرحا عليه لإبداء الرأي.
وغير ذلك من الخيارات والقرارات العامة كثير، ومنها الاتفاقيات الأمنية
والقواعد العسكرية والقوانين التي منحت مشتري عقارات سكنية والمنتفعين بها
حق الحصول على إقامات دائمة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه السياسة التي لا
يوجد لها مثيل خارج دول الخليج الصغيرة، قد أدت في قطر إلى بناء والتخطيط
لبناء مساكن تستوعب حوالى 210 آلاف مقيم دائم من غير الوافدين للعمل، او
المرتبطين بتأشيرات زيارة عمل. هذا في حين أن عدد المواطنين القطريين يقدر
بحوالى 250 ألف نسمه فقط.
3- حرية الرأي والتعبير
ويرتبط بغياب الشفافية وحجب المعلومات، ضيق هامش حرية التعبير عن الرأي
وغياب مؤسسات مجتمع مدني مستقلة عن السلطة، تهتم بالشأن العام، وبحقوق
المواطن وحقوق المهنيين وواجباتهم ونقابات العمال. فتلك أمور لا يسمح بها
القانون، وشؤون يمنعها قانون الجمعيات والمؤسسات التي لا يمنح ترخيصها إلا
لمسؤولين في السلطة، أو مزكين مسبقا من قبلهم. وقد كان عدم النظر في طلب
تأسيس الجمعيات والمؤسسات التي لا يأتي أمر مسبق بإجازتها هو الغالب الأعم،
من دون وجود إمكانية اللجوء للقضاء في حالة الرفض أو عدم النظر في الطلب،
وإنما التظلم فقط من دون جدوى، لمجلس الوزراء في حال النظر في الطلب ورفض
قبوله. هذا إن نظر فيه من قبل الجهات الموكل لها الترخيص.
وجدير بالذكر ان قوانين قطر لا تجيز إنشاء الهيئات السياسية ولا منتديات
الحوار ولا الجمعيات المهنية النقابية ولا نقابات العاملين، ولا يوجد فيها
جمعية أهلية لحقوق الإنسان والمواطن، ولا جمعيات ومؤسسات نفع عام يشتبه في
اهتمامها بالشأن العام. ولذلك، فإن الحديث عن مجتمع مدني في قطر قول غير
دقيق، فإن من يملكون السلطة هم من ينشئون الجمعيات والمؤسسات الخاصة ذات
النفع العام، ويغدقون عليها من المال العام من دون وجود رقابة عامة على
أوجه صرف المال العام. والأمثلة على ذلك كثيرة يعرفها من جرب تأسيس منظمة
غير حكومية.
ويأتي قانون الصحافة مقيدا لحرية التعبير مبالغا في العقوبات. هذا إلى
جانب التدخل المباشر للسلطة التنفيذية في تعيين رؤساء ومديري تحرير الصحف
في المؤسسات الصحفية الخاصة، والقائمين على أجهزة الاعلام الخاص منه والعام
من دون التزام بمعايير واسبقيات مهنية.
ولعل غياب حرية الرأي والتعبير، إلى جانب حرية التنظيم المحرمة، هي السبب
الذي يكرس غياب الشفافية ويسمح لآلة الإعلام الرسمي الرهيبة بأن تصور
الأوضاع في قطر بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، وتنقل تلك الدعاية
للخارج لينبهر بها الساذج، ويضحك العارف على سلبية شعب قطر المغيب بالجزرة
والعصا عن إبداء الرأي.
هذا، في وقت يجد فيه القطريون أنفسهم عاجزين عن التعبير، وممنوعين من
التأثير على مجريات الأمور والمشاركة في بناء المستقبل، وتأمين مصير
مجتمعهم والحفاظ على هويتهم وثروتهم العامة وتسخيرها لمصلحة أجيالهم
المتعاقبة.
ويأتي القانون رقم 17 لسنة 2002 بشأن حماية المجتمع، الذي لا يراعي حقوق
الإنسان والمواطن ولا مرجعيات المشروعية، وإلى جانبه الضغوط المعيشية على
الكتاب والمعنيين بالشأن العام، ليفرغ حرية الرأي والتعبير من مضمونها وأي
دور مرتجى منها. فعندما لا تكفي الجزرة، ولا يفلح المنع بترسانة القوانين
لإسكات المواطنين، تفعل أدوات الضبط السلطوي عند الحاجة.
4 - الخلط بين العام والخاص.. وقصور الإدارة العامة
توصف الإدارة العامة في الدولة المعاصرة بأنها الجهة الراعية للمصلحة العامة
Guardian of Public Interest. ومن أجل القيام برعاية المصلحة العامة يجب
أن يتوافر للإدارة العامة الاستقلال والشمول والفاعلية، كما يتم ضمان
الحصانة للموظف العام وضمان التزامه بتحقيق المصلحة العامة. وذلك من أجل
قيام الإدارة العامة بوظيفتها المركزية التي تتطلب بالضرورة الفصل بين
الشأن والمال العام والشأن والمال الخاص، وضمان توظيف المال والنفوذ
والقرار العام من أجل المصلحة العامة، التي يتم التوصل إليها من خلال
الدراسات والحوارات الجادة التي يشارك فيها المواطنون عامة، والمهنيون على
وجه الخصوص.
وتقوم الإدارة العامة برعاية المصلحة العامة من خلال وزارات يختص كل منها
برعاية المصلحة العامة في كل نشاط من النشاطات، بحيث تغطي الوزارات جميع
الحقول، ولا يترك حقل من دون رعاية عامة. ويضاف إلى الوزارات هيئات عامة
رقابية وتنظيمية تراقب وتدعم نشاط الوزارات. كما تنشئ الدولة مؤسسات عامة
لإدارة المشروعات العامة واحتياطيات الدولة وأملاكها.
ويجب أن تقع جميع هذه الوحدات من الوزارات والهيئات والمشروعات العامة تحت
سلطة مجلس الوزراء ومسؤوليته ورقابة السلطة التشريعية، وتكون ميزانياتها
من إيرادات ومصروفات، من ضمن الميزانية العامة أو ميزانيات ملحقة
بالميزانية العامة وحساباتها الختامية، التي يدققها ديوان محاسبة وتقع تحت
مراقبة السلطة التشريعية.
من هنا، فإن الفصل بين الشأن والمال العام والخاص فيه إزالة عقبة كأداء
تعيق الإصلاح المنشود. وهذا يتطلب أن تغطي رعاية الوزارات جميع النشاطات
العامة والخاصة والخيرية والتعاونية، وألا يكون هناك شأن عام أو خاص لا يقع
تحت رعاية وزارة من الوزارات. وفي قطر نجد وزراء للنفط والتعليم من دون
وزارات، وبالتالي لا يوجد من يرعى المصلحة العامة في هذين الحقلين، وإنما
يترك لشركات النفط ومؤسسات التعليم والإعلام والثقافة، التي لا تقع تحت
سلطة المجلس الأعلى للتعليم او الهيئة العامة للإعلام أو وزارة الثقافة، من
دون وجود من يراقبها ويرعى المصلحة العامة تجاه نشاطاتها، أو يدقق المال
العام الذي يتاح لها من دون رقابة عامة على الصرف. ومثال ذلك المدينة
التعليمية وأخواتها، وشبكة فضائية الجزيرة يضاف إليها في مجال الاقتصاد
الخطوط الجوية القطرية. كما نجد هيئات عامة ومشروعات ومجالس عامة تعمل خارج
سلطة مجلس الوزراء، ولا تقع اعمالها ضمن الرقابة العامة على المال
والإدارة فيها.
وبذلك يتطلب الإصلاح بالضرورة أن تصبح الإدارة العامة مسؤولة عن جميع
النشاطات، وان تكون الميزانية العامة والميزانيات الملحقة بها وحسابات
الاحتياطي العام وإدارة أملاك الدولة كلها تحت رعاية ورقابة وحماية وزارات
الحكومة وأجهزتها. وبذلك تكون الإدارة العامة واحدة موحدة وشاملة ونزيهة،
مستقلة في قراراتها وعادلة في نظرتها الى جميع المواطنين وسائر السكان،
الحاكم منهم والمحكوم، تعاملهم على قدم المساواة وفقا للقانون.
كما يجب أن يتمتع الموظف العام بالحصانة في أداء عمله وترقيته وضمان
وظيفته ومصدر رزقه، وان يتحلى بالنزاهة وبالروح الوطنية ويتمتع بالقدرة على
حماية المصلحة العامة من أي تعدٍّ مهما كان مصدره. وهذا يتطلب أن تكون
كوادر الإدارة العامة ومتخذي القرار فيها مواطنين من ذوي الكفاءات، يحمي
حصانتهم قانون للإدارة العامة، يمكنهم من القيام بالوظيفة العامة ذات
الحصانة، كما هي الحال في الدولة العصرية. وهذا يتطلب إصلاح الإدارة العامة
وتنميتها وشمول رعايتها جميع النشاطات في المجتمع، بحيث لا تكون هناك
وظائف أو مؤسسات وهيئات أو أجهزة عامة لا تقع تحت سلطة مجلس الوزراء ورقابة
ديوان المحاسبة وديوان الخدمة المدنية وبقية الأجهزة الرقابية، كما يتطلب
ذلك قيام الكوادر القطرية بالدور الرئيسي فيها.
وربما تحتاج قطر عند اصلاح الادارة العامة مراجعة مواد الدستور - مثل
المادة 17 «المخصصات المالية للأمير والهبات والمساعدات، يصدر بتحديدها
قرار من الأمير سنويا»، اضافة لمراجعة القوانين واللوائح والأعراف الرائجة
في الادارة الراهنة، وتنظر في التقاليد التي درجت على عدم الفصل بين الشأن
والمال العام والخاص ونسبة الاستثناءات الى التعليمات والسلطات العليا بصرف
النظر عن حرمة المال العام.
فتلك المراجعة هي المؤشر على نية اقامة حكم رشيد عادل مسؤول حكم القانون،
والالتزام بمرجعيات الدستور المتمثلة في النص على وجود نظام حكم ديموقراطي
وكون الشريعة الاسلامية هي مصدر رئيسي للتشريع. فهذه المرجعيات تتطلب
بالضرورة المساواة بين المواطنين والفصل بين الشأن والمال العام والخاص وأن
لا تكون التعليمات العليا فوق اللوائح والقوانين. ويكون الموظف العام مجرد
«فداوي في مشيخة» خادما عند متخذي القرار بكل طبقاتهم.
شارك في طرح موضوعات الكتاب ومناقشتها كوادر قطرية معنية بالشأن العام وهم:
مقدمة وتنسيق: قطريون من اجل الاصلاح
- د. علي خليفة الكواري
● الدور التشريعي لشعوب دول مجلس التعاون
- د. حسن عبدالرحيم السيد
● توجهات التعليم العام والتعليم العالي في قطر
- د. عبدالله جمعة الكبيسي
● المدينة التعليمية في قطر: نظرة استطلاعية
- سعد راشد المطوي المهندي
● استراتيجية التنمية الوطنية للدولة: مراجعة نقدية
- عيسى شاهين الغانم
● السلطة القضائية في دولة قطر
- يوسف احمد الزمان
● الاعلام القطري.. المسيرة والتحديات
- د. احمد عبدالملك
● الخلل السكاني.. من يوقف كرة الثلج؟!
- محمد هلال الخليفي
● الحاجة للاصلاح في قطر
- د. علي خليفة الكواري
● نظرة على الغاز الطبيعي في قطر
- محمد سعود الدليمي
● حالة البيئة في قطر
- د. خالد راشد الهاجري
● الحالة الثقافية في قطر
- د. مرزوق بشير بن مرزوق
علي خليفة الكواري - وزير سابق وأكاديمي ومفكر قطري
غلاف الكتاب
أصدرت مجموعة من المفكرين القطريين تطلق على نفسها «قطريون من اجل
الإصلاح»، كتابا تضمن عدة محاور في الشأن القطري تحت عنوان «الشعب يريد
الاصلاح في قطر.. ايضا».
هذه المحاور هي نتاج حوارات جرت بين هؤلاء المفكرين، وقد صدرت في كتاب تستعرضه القبس على ثلاث حلقات.
كتابنا هذا «الشعب يريد الإصلاح... في قطر أيضا»، تكون من خلال تضافر جهود
جماعة من أهل قطر، يمكن أن نطلق عليهم اسم «قطريون من أجل الإصلاح»، جرى
بينهم حوار مسؤول لجوانب من أوجه الخلل التي تتطلب إصلاحا جذريا. وهي أوجه
خلل لا يتم الاعتراف بها في العادة على المستوى الرسمي، ولا تتناولها
الصحافة وأجهزة الإعلام والمؤتمرات والندوات الكثيرة التي تعقد في قطر، ولا
تتطرق إليها المراكز ذات الصلة بالسلطة، ولا فضائيات شبكة الجزيرة التي
تصف نفسها «بمنبر من لا منبر له» من دون أن يتسع ذلك المنبر - مع الأسف -
لرأي شعب قطر. وإنما يقتصر الاهتمام بأوجه الخلل هذه على حديث القطريين،
حيث تكثر شكواهم حولها في لقاءاتهم الخاصة، في المجالس والمقاعد النسائية
واللقاءات والأحاديث الثنائية، ونجدها في مقالات القطريات والقطريين التي
تحجب عن النشر في العادة. كما نجد صدى لها على مواقع التواصل الاجتماعي
وعبر شبكة الانترنت. ولكنها لا تجد مجالا عاما يتيح لها حق التعبير الجماعي
عن النفس في شكل جمعية، أو منتدى حوار، أو وسيلة إعلامية، معنية بالإصلاح
في قطر.
انتظم هذا الحوار في دورته الأولى، على مدى عام من 14 مارس 2011 إلى 6
فبراير 2012، تحت مسمى لقاء الاثنين. وشارك في لقاءاته الـ 12 هذه بدعوة
خاصة - بسبب تعذر انعقاده في مكان يتسع لدعوة عامة - أكثر من ستين مواطنا
من الكوادر القطرية المعنية بالشأن العام، يجمعهم شعور بواجب رفع صوت جماعي
للإصلاح في قطر، لا تتيسر له سبل التعبير والحوار ضمن الهامش الرسمي
المتاح. لعل هذا الصوت الخافت يصل إلى المعنيين بالشأن العام في قطر، ويجد
صدى إيجابيا لدى متخذ القرار.
تناولت لقاءات الاثنين موضوعات مختارة في ضوء اختصاص وخبرة المتحدثين،
وإمكانية تقديم كل منهم ورقة عمل، تساهم في تنمية فهم مشترك أفضل بين
المشاركين والمواطنين عامة من خلال النشر الالكتروني المتاح، لجوانب
الموضوع المطروح، وأوجه الخلل فيه، وسبل إصلاحها في قطر.
غطت الموضوعات، الجوانب الدستورية، والسلطة القضائية، وحكم القانون. كما
تناولت السكان والمجتمع والثقافة والإعلام والتعليم والهوية، وتراجع دور
اللغة العربية في الإدارة والتعليم. وتوقفت اللقاءات عند استخدامات الغاز
الطبيعي، وصادرات الغاز المسال، والبيئة، والخطوط الجوية القطرية، ومؤسسة
قطر ومدينتها التعليمية. وتم تقديم قراءة نقدية لاستراتيجية قطر الوطنية
2016/2011، والحاجة للإصلاح في قطر في ضوء قصور دستور 2004، ورؤية قطر
واستراتيجية التنمية الوطنية فيها. وغني عن القول إن ما تم تقديمه من
موضوعات وآراء هو محاولة أولية (سنة أولى حوار). وتبقى مسألة الإصلاح قضية
وطنية تتطلب إرادة مجتمعية تعبر عن توافق بين السلطة والمجتمع. وقبل ذلك
تحتاج إلى نمو طلب فعال على الإصلاح، يعبر عن توافق وطني بين أفراد المجتمع
وجماعاته، من خلال حوار حر ومسؤول يشارك فيه كل من يرغب ويستطيع.
ومن هنا فإن لقاءات الاثنين هي خطوة لازمة، ولكنها غير كافية، تساعد على
إظهار أوجه الخلل واستشراف معالم أجندة للإصلاح. كما تسعى لتوسيع دائرة
الحوار بكل السبل، ومن خلال الأطر والهوامش المتاحة. ولكن تبقى مسألة وضع
هذه المقترحات موضع التنفيذ متوقفة على نمو إرادة وطنية للإصلاح، وتوافق
على قواسم عامة مشتركة بين أفراد المجتمع وجماعاته.
وفي هذه المرحلة من الحوار، وفي ضوء ما تبين من أوجه خلل مزمنة، تتطلب
إصلاحا جذريا في قطر، يمكن في هذه المقدمة، التركيز على ثلاثة جوانب، تم
التطرق إليها في لقاءات الاثنين خلال عام 2012/2011:
أولها: عقبات الإصلاح ومعوقاته
ثانيها: قضايا الإصلاح، من خلال بيان أوجه الخلل والحاجة لإصلاحها.
ثالثها: خاتمة: الحاجة للإصلاح في قطر ومداخله.
أولا: عقبات الإصلاح ومعوقاته
يحسن بنا أن نتوقف عند عقبات الإصلاح ومعوقاته التي لا بد أن تواجه وتعالج
حتى تتوافر بيئة مناسبة للإصلاح، تتيح حوارا وطنيا حول أهدافه ووسائله،
فلن تكون هناك إمكانية للإصلاح إذا بقى وضع الحريات العامة الراهن على ما
هو عليه، وغابت الشفافية واستمر الخلط بين المال والشأن العام والخاص. ومن
هذه العقبات ما يلي:
1 - حجب المعلومات ذات العلاقة بالشأن العام وحظر نشرها
الملاحظة العامة الرئيسية المشتركة التي تأكدت من خلال لقاءات الاثنين،
وهي معروفة ومحسوسة قبل ذلك، تتمثل في حجب المعلومات المتعلقة بالشأن
العام، وعدم نشر ما يتعلق بتحديد الخيارات واتخاذ القرارات العامة. فقد وجد
أغلب المتحدثين والمعقبين نفسه فاقدا للمعلومات الدقيقة، وغير عارف لأسباب
اختيار السياسات العامة، ودواعي تلك السياسات الخلافية ومبرراتها.
الامر الذي جعل أهل قطر يفاجؤون دائما بما تحدد من خيارات، واتخذ من
قرارات عامة، وكأن السياسات العامة والقرارات المصيرية للحكومة شأن خاص، لا
يجوز أن يعرفه المواطنون، فضلا عن عدم مشاركتهم فيه.
وابتداء نجد حكومة قطر لا تفصح عن توجهات السياسة السكانية، ولا تنشر
إحصاءات حول عدد المواطنين، ولا تركيبتهم، ولا توقعات تغير نسبتهم في
إجمالي السكان.
ويتضح حجب المعلومات أيضا، في ما يتعلق بحسابات المال العام. فالميزانية
العامة التقديرية لا تنشر كاملة، وحتى مجلس الشورى الراهن لا يحق له سوى
الاطلاع على باب المصروفات الرأسمالية التقديرية في الميزانية العامة, أما
الحساب الختامي للميزانية العامة، فإنه سر من الأسرار لا يجوز الاطلاع
عليه، ولا على تقرير ديوان المحاسبة - التابع للسلطة التنفيذية- والذي لا
تشمل صلاحياته مراجعة بعض أوجه الإيرادات والمصروفات العامة، لأنها لا تقع
تحت سلطة مجلس الوزراء، وإنما تكون مستثناة من سلطة مجلس الوزراء وأجهزة
الرقابة العامة.
وكذلك كل ما يتعلق بحسابات الاحتياطي العام للدولة، وأوجه استثماراته
ونتائج أعماله. وإنما يسمع المواطنون عن الصفقات العالمية الضخمة لقطر، ولا
يعرفون إن كانت لمصلحة المال العام، أو هي استثمارات خاصة، وأيضا لا ينشر
ولا يعرف حجم الدين العام وحجم وتركيب الديون المضمونة من قبل الدولة،
والتي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات. وقد أشارت تقارير المعهد الدولي
للمالية IIF التابع لصندوق النقد الدولي، إلى عدم احتساب جزء كبير من
عائدات النفط والغاز، ضمن دخل النفط والغاز المورد للميزانية العامة.
والى جانب الغموض في إيرادات ومصروفات واستثمارات المال العام، هناك أيضا
غموض في ما يتعلق بالأملاك العامة، خاصة الأراضي التي تم تطويرها أو نزعت
ملكياتها وفق قانون المنفعة العامة. فقد تحول كثير منها إلى أملاك خاصة
بأسعار رمزية غير تنافسية، وعطايا وهبات ومنح بنيت عليها فنادق ومنشآت
ومجمعات سكنية وتجارية ومدن ذات ملكية خاصة. ومثال ذلك سوق واقف وأراضي
الجسرة ومشيرب وشارع الكهربا، والمدينة التعليمية البالغة مساحتها 15 مليون
متر مربع، والحي الثقافي (كتارا) وأسباير ومنشآته. وهذه الأملاك العامة
تناهز قيمتها السوقية مئات المليارات.
2 - الشفافية
وإذا نظرنا إلى مدى الشفافية تجاه الخيارات الكبرى والقرارات العامة
والوثائق والخطط الملزمة للمواطنين، والمحددة لحاضر البلد ومصير المجتمع
ومستقبل أجياله القادمة، فإننا نجد نظام التعليم العام والعالي قد تم
تغييره وفقا لدراسة مؤسسة رند وإشرافها، وتم اعتماد اللغة الانكليزية لغة
رئيسية فيه، كما أقصيت المواد الاجتماعية والوطنية من مقرر المواد
الرئيسية، وطبق من دون مناقشة عامة، ومن دون علم المختصين في التربية
والتعليم وهيئة التدريس في جامعة قطر. وكذلك التخطيط العمراني ومبررات نزع
الملكية التي اتسعت وأصبحت ظاهرة تضر باستقرار المواطنين والأعمال،
والخدمات الصحية وقانون الموارد البشرية، وقرار تحويل الجمعيات التعاونية
إلى شركة تجارية من دون بيان مبررات ذلك القرار والتوقف عند قانونيته.
ونسمع اليوم عن قرب تطبيق مشروعي التأمين الصحي للمواطنين، بدل التزام
الحكومة تقديم الخدمات الطبية لهم، ونظام الـ«voucher» في مجال التعليم بدل
تقديم التعليم العام مجانا في مدارس حكومية، وإنما ترك التعليم والصحة
للقطاع الخاص، وما أدراك بالقطاع الخاص الطبقي الذي تنوي الحكومة أن ترمي
بالخدمات الاجتماعية للمواطنين في فمه، وتتخلى عن مسؤولية تقديم الخدمات
العامة للمواطنين من خلال أجهزة وقنوات قادرة على تقديم التعليم والصحة
بشكل نوعي سليم العواقب.
وفي الوقت الحاضر نرى أمام أعيننا مشروع سكة الحديد، والمترو ينفذ بتكلفة
تناهز أربعين مليار دولار من دون مناقشة عامة، بالرغم من ضخامته وإسقاطاته
على الخلل السكاني، حيث بنيت تقديراته على وجود أكثر من خمسة ملاين نسمة في
قطر، وهو رقم يزيد حجم السكان %200 خلال عشر سنوات. وهذا مخيف من وجهة نظر
الخلل السكاني، ويتجاوز ضعف تقديرات استراتيجية قطر للسكان في الفترة
نفسها.
كما وضع دستور قطر من قبل لجنة حكومية، ولم يطرح للنقاش أو الحوار العام،
وإنما طرح للاستفتاء بنعم أو لا، تحت إشراف وزارة الداخلية، وترويج الإعلام
وتدخل السلطة التنفيذية. و كذلك تم وضع رؤية قطر الوطنية لعام 2030،
واستراتيجية التنمية الوطنية 2011-2016، من دون مناقشة عامة خارج إطار
الحكومة، وحتى مجلس الشورى لم تطرحا عليه لإبداء الرأي.
وغير ذلك من الخيارات والقرارات العامة كثير، ومنها الاتفاقيات الأمنية
والقواعد العسكرية والقوانين التي منحت مشتري عقارات سكنية والمنتفعين بها
حق الحصول على إقامات دائمة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه السياسة التي لا
يوجد لها مثيل خارج دول الخليج الصغيرة، قد أدت في قطر إلى بناء والتخطيط
لبناء مساكن تستوعب حوالى 210 آلاف مقيم دائم من غير الوافدين للعمل، او
المرتبطين بتأشيرات زيارة عمل. هذا في حين أن عدد المواطنين القطريين يقدر
بحوالى 250 ألف نسمه فقط.
3- حرية الرأي والتعبير
ويرتبط بغياب الشفافية وحجب المعلومات، ضيق هامش حرية التعبير عن الرأي
وغياب مؤسسات مجتمع مدني مستقلة عن السلطة، تهتم بالشأن العام، وبحقوق
المواطن وحقوق المهنيين وواجباتهم ونقابات العمال. فتلك أمور لا يسمح بها
القانون، وشؤون يمنعها قانون الجمعيات والمؤسسات التي لا يمنح ترخيصها إلا
لمسؤولين في السلطة، أو مزكين مسبقا من قبلهم. وقد كان عدم النظر في طلب
تأسيس الجمعيات والمؤسسات التي لا يأتي أمر مسبق بإجازتها هو الغالب الأعم،
من دون وجود إمكانية اللجوء للقضاء في حالة الرفض أو عدم النظر في الطلب،
وإنما التظلم فقط من دون جدوى، لمجلس الوزراء في حال النظر في الطلب ورفض
قبوله. هذا إن نظر فيه من قبل الجهات الموكل لها الترخيص.
وجدير بالذكر ان قوانين قطر لا تجيز إنشاء الهيئات السياسية ولا منتديات
الحوار ولا الجمعيات المهنية النقابية ولا نقابات العاملين، ولا يوجد فيها
جمعية أهلية لحقوق الإنسان والمواطن، ولا جمعيات ومؤسسات نفع عام يشتبه في
اهتمامها بالشأن العام. ولذلك، فإن الحديث عن مجتمع مدني في قطر قول غير
دقيق، فإن من يملكون السلطة هم من ينشئون الجمعيات والمؤسسات الخاصة ذات
النفع العام، ويغدقون عليها من المال العام من دون وجود رقابة عامة على
أوجه صرف المال العام. والأمثلة على ذلك كثيرة يعرفها من جرب تأسيس منظمة
غير حكومية.
ويأتي قانون الصحافة مقيدا لحرية التعبير مبالغا في العقوبات. هذا إلى
جانب التدخل المباشر للسلطة التنفيذية في تعيين رؤساء ومديري تحرير الصحف
في المؤسسات الصحفية الخاصة، والقائمين على أجهزة الاعلام الخاص منه والعام
من دون التزام بمعايير واسبقيات مهنية.
ولعل غياب حرية الرأي والتعبير، إلى جانب حرية التنظيم المحرمة، هي السبب
الذي يكرس غياب الشفافية ويسمح لآلة الإعلام الرسمي الرهيبة بأن تصور
الأوضاع في قطر بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، وتنقل تلك الدعاية
للخارج لينبهر بها الساذج، ويضحك العارف على سلبية شعب قطر المغيب بالجزرة
والعصا عن إبداء الرأي.
هذا، في وقت يجد فيه القطريون أنفسهم عاجزين عن التعبير، وممنوعين من
التأثير على مجريات الأمور والمشاركة في بناء المستقبل، وتأمين مصير
مجتمعهم والحفاظ على هويتهم وثروتهم العامة وتسخيرها لمصلحة أجيالهم
المتعاقبة.
ويأتي القانون رقم 17 لسنة 2002 بشأن حماية المجتمع، الذي لا يراعي حقوق
الإنسان والمواطن ولا مرجعيات المشروعية، وإلى جانبه الضغوط المعيشية على
الكتاب والمعنيين بالشأن العام، ليفرغ حرية الرأي والتعبير من مضمونها وأي
دور مرتجى منها. فعندما لا تكفي الجزرة، ولا يفلح المنع بترسانة القوانين
لإسكات المواطنين، تفعل أدوات الضبط السلطوي عند الحاجة.
4 - الخلط بين العام والخاص.. وقصور الإدارة العامة
توصف الإدارة العامة في الدولة المعاصرة بأنها الجهة الراعية للمصلحة العامة
Guardian of Public Interest. ومن أجل القيام برعاية المصلحة العامة يجب
أن يتوافر للإدارة العامة الاستقلال والشمول والفاعلية، كما يتم ضمان
الحصانة للموظف العام وضمان التزامه بتحقيق المصلحة العامة. وذلك من أجل
قيام الإدارة العامة بوظيفتها المركزية التي تتطلب بالضرورة الفصل بين
الشأن والمال العام والشأن والمال الخاص، وضمان توظيف المال والنفوذ
والقرار العام من أجل المصلحة العامة، التي يتم التوصل إليها من خلال
الدراسات والحوارات الجادة التي يشارك فيها المواطنون عامة، والمهنيون على
وجه الخصوص.
وتقوم الإدارة العامة برعاية المصلحة العامة من خلال وزارات يختص كل منها
برعاية المصلحة العامة في كل نشاط من النشاطات، بحيث تغطي الوزارات جميع
الحقول، ولا يترك حقل من دون رعاية عامة. ويضاف إلى الوزارات هيئات عامة
رقابية وتنظيمية تراقب وتدعم نشاط الوزارات. كما تنشئ الدولة مؤسسات عامة
لإدارة المشروعات العامة واحتياطيات الدولة وأملاكها.
ويجب أن تقع جميع هذه الوحدات من الوزارات والهيئات والمشروعات العامة تحت
سلطة مجلس الوزراء ومسؤوليته ورقابة السلطة التشريعية، وتكون ميزانياتها
من إيرادات ومصروفات، من ضمن الميزانية العامة أو ميزانيات ملحقة
بالميزانية العامة وحساباتها الختامية، التي يدققها ديوان محاسبة وتقع تحت
مراقبة السلطة التشريعية.
من هنا، فإن الفصل بين الشأن والمال العام والخاص فيه إزالة عقبة كأداء
تعيق الإصلاح المنشود. وهذا يتطلب أن تغطي رعاية الوزارات جميع النشاطات
العامة والخاصة والخيرية والتعاونية، وألا يكون هناك شأن عام أو خاص لا يقع
تحت رعاية وزارة من الوزارات. وفي قطر نجد وزراء للنفط والتعليم من دون
وزارات، وبالتالي لا يوجد من يرعى المصلحة العامة في هذين الحقلين، وإنما
يترك لشركات النفط ومؤسسات التعليم والإعلام والثقافة، التي لا تقع تحت
سلطة المجلس الأعلى للتعليم او الهيئة العامة للإعلام أو وزارة الثقافة، من
دون وجود من يراقبها ويرعى المصلحة العامة تجاه نشاطاتها، أو يدقق المال
العام الذي يتاح لها من دون رقابة عامة على الصرف. ومثال ذلك المدينة
التعليمية وأخواتها، وشبكة فضائية الجزيرة يضاف إليها في مجال الاقتصاد
الخطوط الجوية القطرية. كما نجد هيئات عامة ومشروعات ومجالس عامة تعمل خارج
سلطة مجلس الوزراء، ولا تقع اعمالها ضمن الرقابة العامة على المال
والإدارة فيها.
وبذلك يتطلب الإصلاح بالضرورة أن تصبح الإدارة العامة مسؤولة عن جميع
النشاطات، وان تكون الميزانية العامة والميزانيات الملحقة بها وحسابات
الاحتياطي العام وإدارة أملاك الدولة كلها تحت رعاية ورقابة وحماية وزارات
الحكومة وأجهزتها. وبذلك تكون الإدارة العامة واحدة موحدة وشاملة ونزيهة،
مستقلة في قراراتها وعادلة في نظرتها الى جميع المواطنين وسائر السكان،
الحاكم منهم والمحكوم، تعاملهم على قدم المساواة وفقا للقانون.
كما يجب أن يتمتع الموظف العام بالحصانة في أداء عمله وترقيته وضمان
وظيفته ومصدر رزقه، وان يتحلى بالنزاهة وبالروح الوطنية ويتمتع بالقدرة على
حماية المصلحة العامة من أي تعدٍّ مهما كان مصدره. وهذا يتطلب أن تكون
كوادر الإدارة العامة ومتخذي القرار فيها مواطنين من ذوي الكفاءات، يحمي
حصانتهم قانون للإدارة العامة، يمكنهم من القيام بالوظيفة العامة ذات
الحصانة، كما هي الحال في الدولة العصرية. وهذا يتطلب إصلاح الإدارة العامة
وتنميتها وشمول رعايتها جميع النشاطات في المجتمع، بحيث لا تكون هناك
وظائف أو مؤسسات وهيئات أو أجهزة عامة لا تقع تحت سلطة مجلس الوزراء ورقابة
ديوان المحاسبة وديوان الخدمة المدنية وبقية الأجهزة الرقابية، كما يتطلب
ذلك قيام الكوادر القطرية بالدور الرئيسي فيها.
وربما تحتاج قطر عند اصلاح الادارة العامة مراجعة مواد الدستور - مثل
المادة 17 «المخصصات المالية للأمير والهبات والمساعدات، يصدر بتحديدها
قرار من الأمير سنويا»، اضافة لمراجعة القوانين واللوائح والأعراف الرائجة
في الادارة الراهنة، وتنظر في التقاليد التي درجت على عدم الفصل بين الشأن
والمال العام والخاص ونسبة الاستثناءات الى التعليمات والسلطات العليا بصرف
النظر عن حرمة المال العام.
فتلك المراجعة هي المؤشر على نية اقامة حكم رشيد عادل مسؤول حكم القانون،
والالتزام بمرجعيات الدستور المتمثلة في النص على وجود نظام حكم ديموقراطي
وكون الشريعة الاسلامية هي مصدر رئيسي للتشريع. فهذه المرجعيات تتطلب
بالضرورة المساواة بين المواطنين والفصل بين الشأن والمال العام والخاص وأن
لا تكون التعليمات العليا فوق اللوائح والقوانين. ويكون الموظف العام مجرد
«فداوي في مشيخة» خادما عند متخذي القرار بكل طبقاتهم.
شارك في طرح موضوعات الكتاب ومناقشتها كوادر قطرية معنية بالشأن العام وهم:
مقدمة وتنسيق: قطريون من اجل الاصلاح
- د. علي خليفة الكواري
● الدور التشريعي لشعوب دول مجلس التعاون
- د. حسن عبدالرحيم السيد
● توجهات التعليم العام والتعليم العالي في قطر
- د. عبدالله جمعة الكبيسي
● المدينة التعليمية في قطر: نظرة استطلاعية
- سعد راشد المطوي المهندي
● استراتيجية التنمية الوطنية للدولة: مراجعة نقدية
- عيسى شاهين الغانم
● السلطة القضائية في دولة قطر
- يوسف احمد الزمان
● الاعلام القطري.. المسيرة والتحديات
- د. احمد عبدالملك
● الخلل السكاني.. من يوقف كرة الثلج؟!
- محمد هلال الخليفي
● الحاجة للاصلاح في قطر
- د. علي خليفة الكواري
● نظرة على الغاز الطبيعي في قطر
- محمد سعود الدليمي
● حالة البيئة في قطر
- د. خالد راشد الهاجري
● الحالة الثقافية في قطر
- د. مرزوق بشير بن مرزوق
علي خليفة الكواري - وزير سابق وأكاديمي ومفكر قطري
غلاف الكتاب
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
رد: الشعب يريد الإصلاح في قطر.. أيضاً
2 - الخلل السكاني يحوّل القطريين إلى فئة من الوافدين
كتابنا هذا «الشعب يريد الإصلاح... في قطر أيضا»، تكون من خلال تضافر جهود
جماعة من أهل قطر، يمكن أن نطلق عليهم اسم «قطريون من أجل الإصلاح»، جرى
بينهم حوار مسؤول لجوانب من أوجه الخلل التي تتطلب إصلاحا جذريا. وهي أوجه
خلل لا يتم الاعتراف بها في العادة على المستوى الرسمي، ولا تتناولها
الصحافة وأجهزة الإعلام والمؤتمرات والندوات الكثيرة التي تعقد في قطر، ولا
تتطرق إليها المراكز ذات الصلة بالسلطة، ولا فضائيات شبكة الجزيرة التي
تصف نفسها «بمنبر من لا منبر له» من دون أن يتسع ذلك المنبر - مع الأسف -
لرأي شعب قطر. وإنما يقتصر الاهتمام بأوجه الخلل هذه على حديث القطريين،
حيث تكثر شكواهم حولها في لقاءاتهم الخاصة، في المجالس والمقاعد النسائية
واللقاءات والأحاديث الثنائية، ونجدها في مقالات القطريات والقطريين التي
تحجب عن النشر في العادة. كما نجد صدى لها على مواقع التواصل الاجتماعي
وعبر شبكة الانترنت. ولكنها لا تجد مجالا عاما يتيح لها حق التعبير الجماعي
عن النفس في شكل جمعية، أو منتدى حوار، أو وسيلة إعلامية، معنية بالإصلاح
في قطر.
ومن هنا فإن لقاءات الاثنين هي خطوة لازمة، ولكنها غير كافية، تساعد على
إظهار أوجه الخلل واستشراف معالم أجندة للإصلاح. كما تسعى لتوسيع دائرة
الحوار بكل السبل، ومن خلال الأطر والهوامش المتاحة. ولكن تبقى مسألة وضع
هذه المقترحات موضع التنفيذ متوقفة على نمو إرادة وطنية للإصلاح، وتوافق
على قواسم عامة مشتركة بين أفراد المجتمع وجماعاته.
وفي هذه المرحلة من الحوار، وفي ضوء ما تبين من أوجه خلل مزمنة، تتطلب
إصلاحا جذريا في قطر، يمكن في هذه المقدمة، التركيز على ثلاثة جوانب، تم
التطرق إليها في لقاءات الاثنين خلال عام 2012/2011:
أولها: عقبات الإصلاح ومعوقاته
ثانيها: قضايا الإصلاح، من خلال بيان أوجه الخلل والحاجة لإصلاحها.
ثالثها: خاتمة: الحاجة للإصلاح في قطر ومداخله.
ثانياً: قضايا الإصلاح
تتمثل قضايا الاصلاح في مواجهة أوجه الخلل الرئيسية المزمنة وما نتج عن
استمرارها من مظاهر خلل في جميع نواحي الحياة الثقافية والاجتماعية
والاقتصادية والسياسية. وأوجه الخلل المزمنة التي يتوقف على اصلاحها بدء
عملية الاصلاح الجذري المنشود يمكن اجمالها فيما يلي:
1 - تفاقم الخلل السكاني من دون وجود أفق لإصلاحه
القضية الأولى التي تتطلب اصلاحا عاجلا تتمثل في الخلل السكاني المُزمن
والمتفاقم في قطر، والذي أدى الى تدني نسبة المواطنين في اجمالي السكان من
%40 عام 1970 الى %12 فقط عام 2010. وهذا يجعل من الخلل السكاني المتفاقم،
أخطر أوجه الخلل المُزمنة وأكبرها تحدياً وأكثرها الحاحاً وأحقها بالأولوية
في الاصلاح الجذري.
واذا لم يستطع القطريون الضغط من أجل ايقاف تفاقم الخلل السكاني، والبدء
باصلاحه تدريجا ليعود لهم دورهم الطبيعي والرئيسي في المجتمع، فانهم لن
يستطيعوا أن يصلحوا بقية أوجه الخلل المزمنة والمستجدة، بل سيتحولون من
بقايا مجتمع الى أقلية هامشية في بلدهم.
ان استمرار هذا الخلل السكاني المتفاقم يُهدد اليوم باقتلاع المجتمع
القطري وطمس هويته وثقافته واخراج لغته العربية من التداول، وتقويض دور
المواطنين باعتبار دور المواطنين في أي بلد مُعافى يجب أن يكون هو الدور
الرئيسي في الدولة، والمواطنون في كل دول العالم هم قيادات وكوادر الادارة
بشكل عام والادارة العامة على وجه الخصوص.
وجدير بالذكر أن الخلل السكاني في قطر، على المستوى الأهلي والرسمي، كان
قضية مُعترف بها منذ فترة طويلة، واصلاحه كان شعاراً مطروحاً عبر نصف قرن
من الزمن، حتى نبهتنا أخيرا استراتيجية التنمية الوطنية 2011-2016 في قطر
على تغير جوهري في النظرة الرسمية تجاه قضية الخلل السكاني.
حيث أصبح الخلل السكاني في الرؤية والاستراتيجية أمراً مسكوتا عنه، اذا لم
نقل مرغوباً فيه، والحديث أصبح يتركز على سكان قطر على الاطلاق دون ذكر
حتى لعدد المواطنين ولا نسبتهم في اجمالي السكان.
وكأني بهذا التوجه يدفع بأهل قطر أن يتحولوا من مواطنين لهم حقوق المواطنة
الى مُجرد فئة ضئيلة من السكان، يجب عليهم أن يتنافسوا مع الوافدين على
فرص العمل والتعليم والرعاية الاجتماعية، وأن يكون ذلك بلغة غير لغتهم
العربية، في وقت يحرمون فيه من الحقوق السياسة لسبب أو لآخر.
ولعل قانون الجنسية الجديد لعام 2005 المشكوك في دستوريته، يمُهد لتحويل
أغلب المواطنين الى سكان لا يتمتعون بحقوق المواطنة. وذلك نتيجة حرمان
المواطنين بالتجنيس الذين يقدر عددهم بثلثي المواطنين وسلالاتهم الى أبد
الآبدين من الحقوق السياسية، ويقصرها على المواطنين بالسلالة. هذا في وقت
لا يضمن الدستور الدائم حقوقا سياسية فعالة لبقية المواطنين. كما عطلت الى
حين، المادة 150 من الدستور الحقوق السياسية الباهتة الموعودة للمواطنين
بالسلالة، على قلتها.
وحين نصف الوضع السكاني في قطر بالوضع المُختل وندعو الى ضرورة اصلاحه
بشكل عاجل، فاننا نتحدث عن وضع أصبح فيه عدد المواطنين يُخمن بحوالي 250
ألف نسمة من عدد السكان البالغ 1.64 مليون نسمة عام 2010، ونسبتهم في
اجمالي السكان %12 فقط مقارنة بحوالي %30 عام 2004.
كما أن اجمالي قوة العمل التي تصاعدت من 323 ألفا عام 2001 الى 1.265
مليون عام 2009، تدنت نسبة مُساهمة المواطنين فيها من %14 عام 2001 الى %6
فقط عام 2009.
والسبب الرئيسي لذلك التفاقم في الخلل السكاني يعود الى السياسة الرسمية
منذ 2004 المُتمثلة في التوسع العقاري وما نتج عنه من مشروعات عقارية ضخمة
وما تتطلبه من بنية أساسية، بهدف بيع مساكن استثمارية مقابل منح المُشترين
اقامات دائمة بصرف النظر عن حاجة العمل اليهم والقدرة الاجتماعية
لاستيعابهم
وبذلك أصبحت مصادر استمرار الخلل السكاني المستقبلية، ليست الحاجة
التقليدية للعمالة الوافدة فقط وانما الخيار الرسمي غير المبرر، الذي تجلى
في سياسة التوسع العقاري وبناء المدن والأحياء الجديدة لغير حاجة المواطنين
والوافدين للعمل، وانما لاستقدام سكان آخرين جُدد يُشجعون على شراء
المساكن الاستثمارية مقابل منحهم اقامات دائمة هم وأسرُهم بصرف النظر عن
حصولهم على تأشيرة زيارة عمل مثل بقية الوافدين للعمل.
وجدير بالتأكيد ان الوضع السكاني المُختل لا يجوز له أن يستمر من منظور
وطني، وليس له شبيهاً اليوم في أي دولة كبيرة أو صغيرة عدا شقيقتنا دولة
الامارات العربية المُتحدة.
فليس هناك شعب أو مجتمع يمكنه أن يستوعب عددا من الوافدين يفوق عدد
المواطنين، فما بالك بثمانية أضعاف المواطنين، وفي الوقت نفسه يتم تشجيع
نشاطات عقارية دولية والصرف على بنية أساسية وخدمات تعليمية لا يحتاجها
القطريون ولا هي موجهة لخدمتهم، تؤدي الى مزيد من تدفق الوافدين حتى يتم
تقويض دور المواطنين وطمس هويتهم وتغيِيب لغتهم.
2 - الخلل الإنتاجي-الاقتصادي
يتمثل الخلل الانتاجي في الاعتماد المُطلق والمُتزايد على ريع صادرات ثروة
طبيعية ناضبة هي النفط الخام (الزيت والغاز الطبيعي). فمصدر كل أوجه الدخل
الرئيسية في قطر هو الريع الاقتصادي، الناتج من ارتفاع سعر النفط عشرات
المرات بالنسبة لتكاليف انتاجه.
وهو خلل يتجلى في تركيب الناتج المحلي الإجمالي وسائر الحسابات القومية
الأخرى، لان مصدر هذه الدخول هو ريع تصدير ثروة طبيعية ناضبة وليس إنتاجية
الافراد والمؤسسات، كما هي الحال في الاقتصاد الإنتاجي.
وحتى ندرك مدى هذا الخلل الإنتاجي علينا أن نتصور ما يمكن أن يحصل لكل
أوجه الدخل ومستويات المعيشة في قطر لو استبعدنا عائدات تصدير النفط لأي
سبب من الأسباب. إننا لن نجد مصادر دخل أخرى تكفي لاستيراد جزء ضئيل من
احتياجاتنا المعيشية. بل سوف تنهار كل نشاطاتنا المدعومة بعائدات النفط
والغاز، وتصبح مدننا مدن ملح.
ونتيجة لعدم رغبة وربما عدم قُدرة كل من دول المنطقة مُنفردة - ومنها قطر -
على تبني سياسة نفطية وطنية تخضع بموجبها صادرات النفط لاعتبارات التنمية،
فقد تم تلبيتها للطلب العالمي على النفط بشكل تلقائي - بل تسابقت الدولة
على زيادة صادراتها من دون القيام بدراسة جدوى اقتصادية واجتماعية - ومن
دون أدنى اعتبار للقدرة الاستيعابية أو الطبيعة الناضبة للثروة النفطية.
بل ان قطر بالغت في الالتزام بصادرات الغاز الطبيعي المسال (77مليون طن
سنويا) لتكون اكبر المصدرين في العالم من دون مراعاة لاقتصاديات واستخدامات
الغاز الطبيعي الاخرى، والالتزامات المترتبة على تصدير الغاز الطبيعي
المسال LNG في الوقت الحاضر وعبر الزمن. وبذلك تزايد الاعتماد على ريع
النفط والغاز في الوقت الحاضر، وأصبح ريعهما هو المصدر للناتج المحلي
الإجمالي ولإيرادات الميزانية العامة وميزان المدفوعات والإنشاءات العامة
وسائر الحسابات القومية الاخرى. كما شجع تدفق ريع الثروة النفطية الناضبة،
على مغامرات وهدر وتسرب من خارج الميزانية العامة. هذا إضافة إلى القيام
باستثمارات خارجية وأخرى داخلية لا توجد دراسات جدوى اقتصادية ووطنية لها.
وقد صاحب هذا الخلل الإنتاجي المستمر، الخلط بين المال العام والمال
الخاص، وغياب الشفافية تجاهه لدرجة اعتبار دخل وإيرادات النفط والغاز
والميزانية العامة والاحتياطي العام سرا على المواطنين في قطر كما سبقت
الإشارة. الأمر الذي أدى إلى الكثير من التسرب والهدر وسوء تخصيص عائدات
النفط للاستهلاك الجاري بدل توجيهها للاستثمار، كما أدى إلى تخلُف سياسات
إعادة استثمارها داخلياً وخارجياً، نتيجة لعدم ربط النفقات العامة بالجدوى
الاقتصادية والوطنية لها.
فقطر لا تنشُر حسابات ختامية للميزانية العامة تتضمن كل أوجه الدخل
والنفقات العامة ولا حسابات مُدققة للاحتياطي العام ولا تنشُر تقارير ديوان
المحاسبة، الذي لا تشمل صلاحيته في الوقت الحاضر الاطلاع على الكثير من
مصادر الإيرادات وأوجه النفقات العامة.
من هنا اكتسبت قطر بامتياز صفة الدولة الريعية ذات السلطة الفردية
المطلقة، حيث فشلت فيها سياسات تنويع الدخل وتراجعت فيها حرمة المال العام
وتضخم فيها استهلاك عائدات الثروة النفطية، على حساب استثمارها لمصلحة
الجيل الراهن والأجيال القادمة. وأصبحت قطر تُعاني خللا إنتاجيا-اقتصاديا
مُزمنا، لن يصلح أمرهما إلا بإخضاع صادرات الزيت والغاز الطبيعي لاعتبارات
التنمية الحميدة، وربط تصديرهما بنمو القدرة الاستيعابية المُنتجة لاقتصاد
البلد المُصدر من أجل بناء قاعدة اقتصادية تكون بديلة تدريجيا للاعتماد على
صادرات النفط الخام. كما يتطلب إصلاح الخلل الإنتاجي- الاقتصادي بالضرورة،
توريد جميع عائدات الدولة من النفط والغاز إلى الميزانية العامة وفقا
للقانون القطري. ومن ثم التحول تدريجيا من سياسة توجيه عائدات النفط لتمويل
النفقات الجارية والتحويلية للدولة إلى توجيهها للاستثمار والاحتفاظ
بعائدات النفط في أصول إنتاجية متجددة يستفيد منها الجيل الحالي وكل
الأجيال القادمة، باعتبار عائدات النفط احتياطيا عاما للأجيال، مقابل
استنضاب احتياطي الثروة النفطية. وهذا ما فعلته مملكة النرويج منذ أن بدأ
إنتاج النفط فيها، فلا أقل من أن نبدأ نحن تطبيق هذه السياسة تدريجيا بعد
أكثر من ستين عاما على تصدير النفط.
3 - الخلل السياسي - غياب الديموقراطية
مصدر الخلل في علاقة السلطة بالمجتمع يتمثل في وجود «سلطة أكثر من مطلقة
ومجتمع أقل من عاجز»، نتيجة احتكار سلطة تحديد الخيارات واتخاذ القرارات
العامة من دون مشاركة سياسية فعالة من قبل المواطنين.
ويتجلى ذلك في غياب الديموقراطية وعدم مراعاة مبدأ المواطنة من حيث تكافؤ
الفرص، وانعدام المُشاركة السياسية الفعالة في تحديد الخيارات واتخاذ
القرارات العامة. هذا بالرغم من نص النظام الأساس المؤقت منذ عام 1970، على
أن نظام الحكم في قطر ديموقراطي. وكذلك ما نص عليه الدستور الدائم لعام
2004، مِن أن الشعب مصدر السُلطات وما أكده من فصل بين السلطات، ومساواة
بين المواطنين في الحقوق والواجبات العامة.
ولكن واقع الحال يؤكد استمرار الحُكم المُطلق، قبل صدور الدستور الدائم
وبعده، كما بينته قراءه حديثة لي حول «حالة الديموقراطية في قطر»، حيث وجدت
أن نظام الحُكم في قطر لم ينتقل بعد إلى الديموقراطية وليس من الممكن أن
ينتقل إليها وفقا لدستور قطر الدائم لعام 2004، طالما استمرت بقية مواد
الدستور تعطل ما ورد فيه، من كون نظام الحكم في قطر ديموقراطيا وأن الشعب
مصدر السُلطات، بسبب إحالة مضمون تلك المواد للقانون الذي تهيمن على تشريعه
وتطبيقه السلطة التنفيذية، في غياب وجود محكمة دستورية ومنع القضاء
الاداري من النظر في الكثير من قرارات الحكومة، إضافة إلى وجود ترسانة من
القوانين القديمة والجديدة المعطلة لتلك المبادئ الديموقراطية.
وفي ضوء غياب الديموقراطية وانعدام المُشاركة السياسية الفعَالة في ظل
الدستور الراهن، كان ينتظر من رؤية قطر واستراتيجيتها أن تضع التنمية
السياسية وضرورة الانتقال إلى نظام حُكم ديموقراطي موعود عبر دستور
ديموقراطي تعاقدي، من بين أولوياتها وأن تُقدم تصوراً وخطة إصلاح سياسي طال
انتظاره، يسمح بالانتقال إلى نظام حكم ديموقراطي في قطر.
ولكن عند قراءتنا لرؤية قطر الوطنية 2030، نجدها تُهمل الإصلاح السياسي
وتسكت عن التنمية السياسية عند حديثها عن ركائز الرؤية، من دون ذكر التنمية
السياسية والتنمية الثقافية على أهميتهما، باعتبارهما ركيزتين رئيسيتين من
ركائز الرؤية.
وعند قراءتنا «لاستراتيجية التنمية الوطنية لدولة قطر 2011 - 2016، نجدها
أيضا - بطبيعة الحال - لا تتوقف عند التنمية السياسية أو التنمية الثقافية
من أجل إصلاح الخلل السياسي المزمن.
وإصلاح الخلل السياسي هذا يتطلب الانتقال إلى نظام حكم ديموقراطي، وفق
دستور تضعه جمعية تأسيسية، ليصبح دستور قطر دستورا تعاقديا بدل أن يظل
دستور منحة منقوصة، يأخذ الشعب بموجبه حقه الديموقراطي في أن يكون مصدر
السلطات في ظل مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة ومواثيق حقوق الإنسان المصدق
عليها من قبل قطر ومقومات نظام الحكم الديموقراطية العامة والمشتركة بين
جميع الدول الديموقراطية. ويمكن أن يتم الانتقال إلى دستور ديموقراطي
تعاقدي عن طريق مراجعة الدستور الراهن من قبل مجلس شورى تأسيسي منتخب وفق
معايير الانتخابات الديموقراطية، يشارك كل المواطنين في انتخابه.
فدستور قطر الراهن ممتلئ بإضافات إلى المواد التي تقرر مبادئ ديموقراطية،
من أجل إفراغها من محتواها. وما الإضافة في المادة 150 من الدستور التي
تقول «يلغى النظام الأساسي المؤقت المعدل المعمول به في الدولة والصادر في
1972/4/19، وتبقى سارية الأحكام الخاصة بمجلس الشورى الحالي إلى أن يتم
انتخاب مجلس الشورى الجديد»، والتي تعطل بموجبها فصل السلطة التشريعية لعشر
سنوات نتيجة لعدم دعوة الحكومة لانتخابات مجلس شورى، إلا مثال واحد من
أمثلة التعطيل الدستوري وغير الديموقراطي الذي يتضمنه دستور قطر.
ومن الإضافات التي يمكن أن تتيح مجالا لتعطيل دورية الانتخابات كل 4
سنوات، المادة 81 التي تنص على أن «مدة المجلس أربع سنوات ميلادية تبدأ من
تاريخ أول اجتماع له»... وتضيف المادة 81 «وإذا لم تتم الانتخابات عند
انتهاء مدة المجلس، أو تأخرت لأي سبب من الأسباب، يبقى المجلس قائما حتى
يتم انتخاب المجلس الجديد». وتذكرنا هذه الإضافة في المادة 81 بما أدت إليه
الإضافة في المادة 150 التي سبقت الإشارة إليها، من تعطيل فصل السلطة
التشريعية لمدة عشر سنوات.
وإذا علمنا أن نظام الانتخابات سوف تضعه السلطة التنفيذية ويقره مجلس
الشورى المعين وأن الدوائر الانتخابية (المادة 79) تحدد بمرسوم غير قابل
للطعن قضائياً فيه، وأن رؤية قطر واستراتيجيتها كما سبقت الإشارة لم تتطرقا
للتنمية السياسية بل أكدت على بقاء الوضع على ما هو عليه، فإن ذلك قد يؤدي
إلى هندسة انتخابات مجلس الشورى القادم وفقا لرغبة السلطة التنفيذية وان
تمد الإضافة التي جاءت بها المادة 81 في عمر ذلك المجلس لعقد من الزمن أو
أكثر طالما كان مجلس الشورى مرضيا عليه من قبل السلطة التنفيذية. وبذلك
يبقى دستور المنحة جامدا دائما، غير قابل للتنقيح وغير واعد بتأسيس سلطة
تشريعية يكون فيها الشعب مصدر السلطات ويتم الفصل بين السلطات ويراعى مبدأ
المساواة بين المواطنين، حتى يتسنى لقطر الانتقال إلى نظام حكم ديموقراطي
موعود منذ عام 1970، بل يبقى النظام السياسي على ما هو عليه من دون مشاركة
سياسية فعالة من قبل المواطنين.
من هنا ننادي بتنقيح دستور قطر الدائم لعام 2004 من قبل جمعية تأسيسية
منتخبة وفق قانون انتخابات ديموقراطية، في ضوء قصور الدستور الراهن عن
متطلبات الانتقال إلى نظام حكم ديموقراطي، ومراعاة لما حدث على الساحة
العربية من وعي ومطالبة شعبية بضرورة الانتقال إلى نظم حكم ديموقراطية،
يطمح إليها شعب قطر مثل طموح بقية الشعوب العربية، والتي يتبنى طموحها
الديموقراطي الموقف الرسمي لحكومة قطر والتي عليها ان تقرن القول بالعمل.
وفي حالة قبول مبدأ مراجعة الدستور من قبل جمعية تأسيسية منتخبة، يجب أن
يتم التوافق من الآن بين السلطة والشعب على الانتقال من دستور المنحة إلى
دستور تعاقدي، وأن يبدأ انفتاح سياسي جاد وعملية إصلاح جذري تراعي مداخل
الإصلاح المشار إليها سابقا. وذلك باتجاه الانتقال إلى نظام حكم ديموقراطي
من خلال حوار وطني فعال، تضمن السلطة فيه للمواطنين الحريات العامة وأهمها
حرية التعبير والتنظيم، وان تتسم بالشفافية جميع الشؤون العامة والمال
العام والأملاك العامة والخيارات والقرارات العامة، وتراجع القوانين في ضوء
مرجعيات الدستور، ويوضع قانون انتخابات ديموقراطية تتوافر فيها ضمانات
الحرية والنزاهة والفاعلية، وتشرف على الانتخابات هيئة قضائية مستقلة.
الانتخابات البلدية في قطر
كتابنا هذا «الشعب يريد الإصلاح... في قطر أيضا»، تكون من خلال تضافر جهود
جماعة من أهل قطر، يمكن أن نطلق عليهم اسم «قطريون من أجل الإصلاح»، جرى
بينهم حوار مسؤول لجوانب من أوجه الخلل التي تتطلب إصلاحا جذريا. وهي أوجه
خلل لا يتم الاعتراف بها في العادة على المستوى الرسمي، ولا تتناولها
الصحافة وأجهزة الإعلام والمؤتمرات والندوات الكثيرة التي تعقد في قطر، ولا
تتطرق إليها المراكز ذات الصلة بالسلطة، ولا فضائيات شبكة الجزيرة التي
تصف نفسها «بمنبر من لا منبر له» من دون أن يتسع ذلك المنبر - مع الأسف -
لرأي شعب قطر. وإنما يقتصر الاهتمام بأوجه الخلل هذه على حديث القطريين،
حيث تكثر شكواهم حولها في لقاءاتهم الخاصة، في المجالس والمقاعد النسائية
واللقاءات والأحاديث الثنائية، ونجدها في مقالات القطريات والقطريين التي
تحجب عن النشر في العادة. كما نجد صدى لها على مواقع التواصل الاجتماعي
وعبر شبكة الانترنت. ولكنها لا تجد مجالا عاما يتيح لها حق التعبير الجماعي
عن النفس في شكل جمعية، أو منتدى حوار، أو وسيلة إعلامية، معنية بالإصلاح
في قطر.
ومن هنا فإن لقاءات الاثنين هي خطوة لازمة، ولكنها غير كافية، تساعد على
إظهار أوجه الخلل واستشراف معالم أجندة للإصلاح. كما تسعى لتوسيع دائرة
الحوار بكل السبل، ومن خلال الأطر والهوامش المتاحة. ولكن تبقى مسألة وضع
هذه المقترحات موضع التنفيذ متوقفة على نمو إرادة وطنية للإصلاح، وتوافق
على قواسم عامة مشتركة بين أفراد المجتمع وجماعاته.
وفي هذه المرحلة من الحوار، وفي ضوء ما تبين من أوجه خلل مزمنة، تتطلب
إصلاحا جذريا في قطر، يمكن في هذه المقدمة، التركيز على ثلاثة جوانب، تم
التطرق إليها في لقاءات الاثنين خلال عام 2012/2011:
أولها: عقبات الإصلاح ومعوقاته
ثانيها: قضايا الإصلاح، من خلال بيان أوجه الخلل والحاجة لإصلاحها.
ثالثها: خاتمة: الحاجة للإصلاح في قطر ومداخله.
ثانياً: قضايا الإصلاح
تتمثل قضايا الاصلاح في مواجهة أوجه الخلل الرئيسية المزمنة وما نتج عن
استمرارها من مظاهر خلل في جميع نواحي الحياة الثقافية والاجتماعية
والاقتصادية والسياسية. وأوجه الخلل المزمنة التي يتوقف على اصلاحها بدء
عملية الاصلاح الجذري المنشود يمكن اجمالها فيما يلي:
1 - تفاقم الخلل السكاني من دون وجود أفق لإصلاحه
القضية الأولى التي تتطلب اصلاحا عاجلا تتمثل في الخلل السكاني المُزمن
والمتفاقم في قطر، والذي أدى الى تدني نسبة المواطنين في اجمالي السكان من
%40 عام 1970 الى %12 فقط عام 2010. وهذا يجعل من الخلل السكاني المتفاقم،
أخطر أوجه الخلل المُزمنة وأكبرها تحدياً وأكثرها الحاحاً وأحقها بالأولوية
في الاصلاح الجذري.
واذا لم يستطع القطريون الضغط من أجل ايقاف تفاقم الخلل السكاني، والبدء
باصلاحه تدريجا ليعود لهم دورهم الطبيعي والرئيسي في المجتمع، فانهم لن
يستطيعوا أن يصلحوا بقية أوجه الخلل المزمنة والمستجدة، بل سيتحولون من
بقايا مجتمع الى أقلية هامشية في بلدهم.
ان استمرار هذا الخلل السكاني المتفاقم يُهدد اليوم باقتلاع المجتمع
القطري وطمس هويته وثقافته واخراج لغته العربية من التداول، وتقويض دور
المواطنين باعتبار دور المواطنين في أي بلد مُعافى يجب أن يكون هو الدور
الرئيسي في الدولة، والمواطنون في كل دول العالم هم قيادات وكوادر الادارة
بشكل عام والادارة العامة على وجه الخصوص.
وجدير بالذكر أن الخلل السكاني في قطر، على المستوى الأهلي والرسمي، كان
قضية مُعترف بها منذ فترة طويلة، واصلاحه كان شعاراً مطروحاً عبر نصف قرن
من الزمن، حتى نبهتنا أخيرا استراتيجية التنمية الوطنية 2011-2016 في قطر
على تغير جوهري في النظرة الرسمية تجاه قضية الخلل السكاني.
حيث أصبح الخلل السكاني في الرؤية والاستراتيجية أمراً مسكوتا عنه، اذا لم
نقل مرغوباً فيه، والحديث أصبح يتركز على سكان قطر على الاطلاق دون ذكر
حتى لعدد المواطنين ولا نسبتهم في اجمالي السكان.
وكأني بهذا التوجه يدفع بأهل قطر أن يتحولوا من مواطنين لهم حقوق المواطنة
الى مُجرد فئة ضئيلة من السكان، يجب عليهم أن يتنافسوا مع الوافدين على
فرص العمل والتعليم والرعاية الاجتماعية، وأن يكون ذلك بلغة غير لغتهم
العربية، في وقت يحرمون فيه من الحقوق السياسة لسبب أو لآخر.
ولعل قانون الجنسية الجديد لعام 2005 المشكوك في دستوريته، يمُهد لتحويل
أغلب المواطنين الى سكان لا يتمتعون بحقوق المواطنة. وذلك نتيجة حرمان
المواطنين بالتجنيس الذين يقدر عددهم بثلثي المواطنين وسلالاتهم الى أبد
الآبدين من الحقوق السياسية، ويقصرها على المواطنين بالسلالة. هذا في وقت
لا يضمن الدستور الدائم حقوقا سياسية فعالة لبقية المواطنين. كما عطلت الى
حين، المادة 150 من الدستور الحقوق السياسية الباهتة الموعودة للمواطنين
بالسلالة، على قلتها.
وحين نصف الوضع السكاني في قطر بالوضع المُختل وندعو الى ضرورة اصلاحه
بشكل عاجل، فاننا نتحدث عن وضع أصبح فيه عدد المواطنين يُخمن بحوالي 250
ألف نسمة من عدد السكان البالغ 1.64 مليون نسمة عام 2010، ونسبتهم في
اجمالي السكان %12 فقط مقارنة بحوالي %30 عام 2004.
كما أن اجمالي قوة العمل التي تصاعدت من 323 ألفا عام 2001 الى 1.265
مليون عام 2009، تدنت نسبة مُساهمة المواطنين فيها من %14 عام 2001 الى %6
فقط عام 2009.
والسبب الرئيسي لذلك التفاقم في الخلل السكاني يعود الى السياسة الرسمية
منذ 2004 المُتمثلة في التوسع العقاري وما نتج عنه من مشروعات عقارية ضخمة
وما تتطلبه من بنية أساسية، بهدف بيع مساكن استثمارية مقابل منح المُشترين
اقامات دائمة بصرف النظر عن حاجة العمل اليهم والقدرة الاجتماعية
لاستيعابهم
وبذلك أصبحت مصادر استمرار الخلل السكاني المستقبلية، ليست الحاجة
التقليدية للعمالة الوافدة فقط وانما الخيار الرسمي غير المبرر، الذي تجلى
في سياسة التوسع العقاري وبناء المدن والأحياء الجديدة لغير حاجة المواطنين
والوافدين للعمل، وانما لاستقدام سكان آخرين جُدد يُشجعون على شراء
المساكن الاستثمارية مقابل منحهم اقامات دائمة هم وأسرُهم بصرف النظر عن
حصولهم على تأشيرة زيارة عمل مثل بقية الوافدين للعمل.
وجدير بالتأكيد ان الوضع السكاني المُختل لا يجوز له أن يستمر من منظور
وطني، وليس له شبيهاً اليوم في أي دولة كبيرة أو صغيرة عدا شقيقتنا دولة
الامارات العربية المُتحدة.
فليس هناك شعب أو مجتمع يمكنه أن يستوعب عددا من الوافدين يفوق عدد
المواطنين، فما بالك بثمانية أضعاف المواطنين، وفي الوقت نفسه يتم تشجيع
نشاطات عقارية دولية والصرف على بنية أساسية وخدمات تعليمية لا يحتاجها
القطريون ولا هي موجهة لخدمتهم، تؤدي الى مزيد من تدفق الوافدين حتى يتم
تقويض دور المواطنين وطمس هويتهم وتغيِيب لغتهم.
2 - الخلل الإنتاجي-الاقتصادي
يتمثل الخلل الانتاجي في الاعتماد المُطلق والمُتزايد على ريع صادرات ثروة
طبيعية ناضبة هي النفط الخام (الزيت والغاز الطبيعي). فمصدر كل أوجه الدخل
الرئيسية في قطر هو الريع الاقتصادي، الناتج من ارتفاع سعر النفط عشرات
المرات بالنسبة لتكاليف انتاجه.
وهو خلل يتجلى في تركيب الناتج المحلي الإجمالي وسائر الحسابات القومية
الأخرى، لان مصدر هذه الدخول هو ريع تصدير ثروة طبيعية ناضبة وليس إنتاجية
الافراد والمؤسسات، كما هي الحال في الاقتصاد الإنتاجي.
وحتى ندرك مدى هذا الخلل الإنتاجي علينا أن نتصور ما يمكن أن يحصل لكل
أوجه الدخل ومستويات المعيشة في قطر لو استبعدنا عائدات تصدير النفط لأي
سبب من الأسباب. إننا لن نجد مصادر دخل أخرى تكفي لاستيراد جزء ضئيل من
احتياجاتنا المعيشية. بل سوف تنهار كل نشاطاتنا المدعومة بعائدات النفط
والغاز، وتصبح مدننا مدن ملح.
ونتيجة لعدم رغبة وربما عدم قُدرة كل من دول المنطقة مُنفردة - ومنها قطر -
على تبني سياسة نفطية وطنية تخضع بموجبها صادرات النفط لاعتبارات التنمية،
فقد تم تلبيتها للطلب العالمي على النفط بشكل تلقائي - بل تسابقت الدولة
على زيادة صادراتها من دون القيام بدراسة جدوى اقتصادية واجتماعية - ومن
دون أدنى اعتبار للقدرة الاستيعابية أو الطبيعة الناضبة للثروة النفطية.
بل ان قطر بالغت في الالتزام بصادرات الغاز الطبيعي المسال (77مليون طن
سنويا) لتكون اكبر المصدرين في العالم من دون مراعاة لاقتصاديات واستخدامات
الغاز الطبيعي الاخرى، والالتزامات المترتبة على تصدير الغاز الطبيعي
المسال LNG في الوقت الحاضر وعبر الزمن. وبذلك تزايد الاعتماد على ريع
النفط والغاز في الوقت الحاضر، وأصبح ريعهما هو المصدر للناتج المحلي
الإجمالي ولإيرادات الميزانية العامة وميزان المدفوعات والإنشاءات العامة
وسائر الحسابات القومية الاخرى. كما شجع تدفق ريع الثروة النفطية الناضبة،
على مغامرات وهدر وتسرب من خارج الميزانية العامة. هذا إضافة إلى القيام
باستثمارات خارجية وأخرى داخلية لا توجد دراسات جدوى اقتصادية ووطنية لها.
وقد صاحب هذا الخلل الإنتاجي المستمر، الخلط بين المال العام والمال
الخاص، وغياب الشفافية تجاهه لدرجة اعتبار دخل وإيرادات النفط والغاز
والميزانية العامة والاحتياطي العام سرا على المواطنين في قطر كما سبقت
الإشارة. الأمر الذي أدى إلى الكثير من التسرب والهدر وسوء تخصيص عائدات
النفط للاستهلاك الجاري بدل توجيهها للاستثمار، كما أدى إلى تخلُف سياسات
إعادة استثمارها داخلياً وخارجياً، نتيجة لعدم ربط النفقات العامة بالجدوى
الاقتصادية والوطنية لها.
فقطر لا تنشُر حسابات ختامية للميزانية العامة تتضمن كل أوجه الدخل
والنفقات العامة ولا حسابات مُدققة للاحتياطي العام ولا تنشُر تقارير ديوان
المحاسبة، الذي لا تشمل صلاحيته في الوقت الحاضر الاطلاع على الكثير من
مصادر الإيرادات وأوجه النفقات العامة.
من هنا اكتسبت قطر بامتياز صفة الدولة الريعية ذات السلطة الفردية
المطلقة، حيث فشلت فيها سياسات تنويع الدخل وتراجعت فيها حرمة المال العام
وتضخم فيها استهلاك عائدات الثروة النفطية، على حساب استثمارها لمصلحة
الجيل الراهن والأجيال القادمة. وأصبحت قطر تُعاني خللا إنتاجيا-اقتصاديا
مُزمنا، لن يصلح أمرهما إلا بإخضاع صادرات الزيت والغاز الطبيعي لاعتبارات
التنمية الحميدة، وربط تصديرهما بنمو القدرة الاستيعابية المُنتجة لاقتصاد
البلد المُصدر من أجل بناء قاعدة اقتصادية تكون بديلة تدريجيا للاعتماد على
صادرات النفط الخام. كما يتطلب إصلاح الخلل الإنتاجي- الاقتصادي بالضرورة،
توريد جميع عائدات الدولة من النفط والغاز إلى الميزانية العامة وفقا
للقانون القطري. ومن ثم التحول تدريجيا من سياسة توجيه عائدات النفط لتمويل
النفقات الجارية والتحويلية للدولة إلى توجيهها للاستثمار والاحتفاظ
بعائدات النفط في أصول إنتاجية متجددة يستفيد منها الجيل الحالي وكل
الأجيال القادمة، باعتبار عائدات النفط احتياطيا عاما للأجيال، مقابل
استنضاب احتياطي الثروة النفطية. وهذا ما فعلته مملكة النرويج منذ أن بدأ
إنتاج النفط فيها، فلا أقل من أن نبدأ نحن تطبيق هذه السياسة تدريجيا بعد
أكثر من ستين عاما على تصدير النفط.
3 - الخلل السياسي - غياب الديموقراطية
مصدر الخلل في علاقة السلطة بالمجتمع يتمثل في وجود «سلطة أكثر من مطلقة
ومجتمع أقل من عاجز»، نتيجة احتكار سلطة تحديد الخيارات واتخاذ القرارات
العامة من دون مشاركة سياسية فعالة من قبل المواطنين.
ويتجلى ذلك في غياب الديموقراطية وعدم مراعاة مبدأ المواطنة من حيث تكافؤ
الفرص، وانعدام المُشاركة السياسية الفعالة في تحديد الخيارات واتخاذ
القرارات العامة. هذا بالرغم من نص النظام الأساس المؤقت منذ عام 1970، على
أن نظام الحكم في قطر ديموقراطي. وكذلك ما نص عليه الدستور الدائم لعام
2004، مِن أن الشعب مصدر السُلطات وما أكده من فصل بين السلطات، ومساواة
بين المواطنين في الحقوق والواجبات العامة.
ولكن واقع الحال يؤكد استمرار الحُكم المُطلق، قبل صدور الدستور الدائم
وبعده، كما بينته قراءه حديثة لي حول «حالة الديموقراطية في قطر»، حيث وجدت
أن نظام الحُكم في قطر لم ينتقل بعد إلى الديموقراطية وليس من الممكن أن
ينتقل إليها وفقا لدستور قطر الدائم لعام 2004، طالما استمرت بقية مواد
الدستور تعطل ما ورد فيه، من كون نظام الحكم في قطر ديموقراطيا وأن الشعب
مصدر السُلطات، بسبب إحالة مضمون تلك المواد للقانون الذي تهيمن على تشريعه
وتطبيقه السلطة التنفيذية، في غياب وجود محكمة دستورية ومنع القضاء
الاداري من النظر في الكثير من قرارات الحكومة، إضافة إلى وجود ترسانة من
القوانين القديمة والجديدة المعطلة لتلك المبادئ الديموقراطية.
وفي ضوء غياب الديموقراطية وانعدام المُشاركة السياسية الفعَالة في ظل
الدستور الراهن، كان ينتظر من رؤية قطر واستراتيجيتها أن تضع التنمية
السياسية وضرورة الانتقال إلى نظام حُكم ديموقراطي موعود عبر دستور
ديموقراطي تعاقدي، من بين أولوياتها وأن تُقدم تصوراً وخطة إصلاح سياسي طال
انتظاره، يسمح بالانتقال إلى نظام حكم ديموقراطي في قطر.
ولكن عند قراءتنا لرؤية قطر الوطنية 2030، نجدها تُهمل الإصلاح السياسي
وتسكت عن التنمية السياسية عند حديثها عن ركائز الرؤية، من دون ذكر التنمية
السياسية والتنمية الثقافية على أهميتهما، باعتبارهما ركيزتين رئيسيتين من
ركائز الرؤية.
وعند قراءتنا «لاستراتيجية التنمية الوطنية لدولة قطر 2011 - 2016، نجدها
أيضا - بطبيعة الحال - لا تتوقف عند التنمية السياسية أو التنمية الثقافية
من أجل إصلاح الخلل السياسي المزمن.
وإصلاح الخلل السياسي هذا يتطلب الانتقال إلى نظام حكم ديموقراطي، وفق
دستور تضعه جمعية تأسيسية، ليصبح دستور قطر دستورا تعاقديا بدل أن يظل
دستور منحة منقوصة، يأخذ الشعب بموجبه حقه الديموقراطي في أن يكون مصدر
السلطات في ظل مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة ومواثيق حقوق الإنسان المصدق
عليها من قبل قطر ومقومات نظام الحكم الديموقراطية العامة والمشتركة بين
جميع الدول الديموقراطية. ويمكن أن يتم الانتقال إلى دستور ديموقراطي
تعاقدي عن طريق مراجعة الدستور الراهن من قبل مجلس شورى تأسيسي منتخب وفق
معايير الانتخابات الديموقراطية، يشارك كل المواطنين في انتخابه.
فدستور قطر الراهن ممتلئ بإضافات إلى المواد التي تقرر مبادئ ديموقراطية،
من أجل إفراغها من محتواها. وما الإضافة في المادة 150 من الدستور التي
تقول «يلغى النظام الأساسي المؤقت المعدل المعمول به في الدولة والصادر في
1972/4/19، وتبقى سارية الأحكام الخاصة بمجلس الشورى الحالي إلى أن يتم
انتخاب مجلس الشورى الجديد»، والتي تعطل بموجبها فصل السلطة التشريعية لعشر
سنوات نتيجة لعدم دعوة الحكومة لانتخابات مجلس شورى، إلا مثال واحد من
أمثلة التعطيل الدستوري وغير الديموقراطي الذي يتضمنه دستور قطر.
ومن الإضافات التي يمكن أن تتيح مجالا لتعطيل دورية الانتخابات كل 4
سنوات، المادة 81 التي تنص على أن «مدة المجلس أربع سنوات ميلادية تبدأ من
تاريخ أول اجتماع له»... وتضيف المادة 81 «وإذا لم تتم الانتخابات عند
انتهاء مدة المجلس، أو تأخرت لأي سبب من الأسباب، يبقى المجلس قائما حتى
يتم انتخاب المجلس الجديد». وتذكرنا هذه الإضافة في المادة 81 بما أدت إليه
الإضافة في المادة 150 التي سبقت الإشارة إليها، من تعطيل فصل السلطة
التشريعية لمدة عشر سنوات.
وإذا علمنا أن نظام الانتخابات سوف تضعه السلطة التنفيذية ويقره مجلس
الشورى المعين وأن الدوائر الانتخابية (المادة 79) تحدد بمرسوم غير قابل
للطعن قضائياً فيه، وأن رؤية قطر واستراتيجيتها كما سبقت الإشارة لم تتطرقا
للتنمية السياسية بل أكدت على بقاء الوضع على ما هو عليه، فإن ذلك قد يؤدي
إلى هندسة انتخابات مجلس الشورى القادم وفقا لرغبة السلطة التنفيذية وان
تمد الإضافة التي جاءت بها المادة 81 في عمر ذلك المجلس لعقد من الزمن أو
أكثر طالما كان مجلس الشورى مرضيا عليه من قبل السلطة التنفيذية. وبذلك
يبقى دستور المنحة جامدا دائما، غير قابل للتنقيح وغير واعد بتأسيس سلطة
تشريعية يكون فيها الشعب مصدر السلطات ويتم الفصل بين السلطات ويراعى مبدأ
المساواة بين المواطنين، حتى يتسنى لقطر الانتقال إلى نظام حكم ديموقراطي
موعود منذ عام 1970، بل يبقى النظام السياسي على ما هو عليه من دون مشاركة
سياسية فعالة من قبل المواطنين.
من هنا ننادي بتنقيح دستور قطر الدائم لعام 2004 من قبل جمعية تأسيسية
منتخبة وفق قانون انتخابات ديموقراطية، في ضوء قصور الدستور الراهن عن
متطلبات الانتقال إلى نظام حكم ديموقراطي، ومراعاة لما حدث على الساحة
العربية من وعي ومطالبة شعبية بضرورة الانتقال إلى نظم حكم ديموقراطية،
يطمح إليها شعب قطر مثل طموح بقية الشعوب العربية، والتي يتبنى طموحها
الديموقراطي الموقف الرسمي لحكومة قطر والتي عليها ان تقرن القول بالعمل.
وفي حالة قبول مبدأ مراجعة الدستور من قبل جمعية تأسيسية منتخبة، يجب أن
يتم التوافق من الآن بين السلطة والشعب على الانتقال من دستور المنحة إلى
دستور تعاقدي، وأن يبدأ انفتاح سياسي جاد وعملية إصلاح جذري تراعي مداخل
الإصلاح المشار إليها سابقا. وذلك باتجاه الانتقال إلى نظام حكم ديموقراطي
من خلال حوار وطني فعال، تضمن السلطة فيه للمواطنين الحريات العامة وأهمها
حرية التعبير والتنظيم، وان تتسم بالشفافية جميع الشؤون العامة والمال
العام والأملاك العامة والخيارات والقرارات العامة، وتراجع القوانين في ضوء
مرجعيات الدستور، ويوضع قانون انتخابات ديموقراطية تتوافر فيها ضمانات
الحرية والنزاهة والفاعلية، وتشرف على الانتخابات هيئة قضائية مستقلة.
الانتخابات البلدية في قطر
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
رد: الشعب يريد الإصلاح في قطر.. أيضاً
3 - الانتقال إلى الديموقراطية.. طريق الاتحاد الخليجي
أصدرت مجموعة من المفكرين القطريين تطلق على نفسها «قطريون من اجل
الإصلاح»، كتابا تضمن عدة محاور في الشأن القطري تحت عنوان «الشعب يريد
الاصلاح في قطر.. ايضا».
هذه المحاور هي نتاج حوارات جرت بين هؤلاء المفكرين، وقد صدرت في كتاب تستعرضه القبس على ثلاث حلقات.
كتابنا هذا «الشعب يريد الإصلاح... في قطر أيضا»، تكون من خلال تضافر جهود
جماعة من أهل قطر، يمكن أن نطلق عليهم اسم «قطريون من أجل الإصلاح»، جرى
بينهم حوار مسؤول لجوانب من أوجه الخلل التي تتطلب إصلاحا جذريا. وهي أوجه
خلل لا يتم الاعتراف بها في العادة على المستوى الرسمي، ولا تتناولها
الصحافة وأجهزة الإعلام والمؤتمرات والندوات الكثيرة التي تعقد في قطر، ولا
تتطرق إليها المراكز ذات الصلة بالسلطة، ولا فضائيات شبكة الجزيرة التي
تصف نفسها «بمنبر من لا منبر له» من دون أن يتسع ذلك المنبر - مع الأسف -
لرأي شعب قطر. وإنما يقتصر الاهتمام بأوجه الخلل هذه على حديث القطريين،
حيث تكثر شكواهم حولها في لقاءاتهم الخاصة، في المجالس والمقاعد النسائية
واللقاءات والأحاديث الثنائية، ونجدها في مقالات القطريات والقطريين التي
تحجب عن النشر في العادة. كما نجد صدى لها على مواقع التواصل الاجتماعي
وعبر شبكة الانترنت. ولكنها لا تجد مجالا عاما يتيح لها حق التعبير الجماعي
عن النفس في شكل جمعية، أو منتدى حوار، أو وسيلة إعلامية، معنية بالإصلاح
في قطر.
ومن هنا فإن لقاءات الاثنين هي خطوة لازمة، ولكنها غير كافية، تساعد على
إظهار أوجه الخلل واستشراف معالم أجندة للإصلاح. كما تسعى لتوسيع دائرة
الحوار بكل السبل، ومن خلال الأطر والهوامش المتاحة. ولكن تبقى مسألة وضع
هذه المقترحات موضع التنفيذ متوقفة على نمو إرادة وطنية للإصلاح، وتوافق
على قواسم عامة مشتركة بين أفراد المجتمع وجماعاته.
وفي هذه المرحلة من الحوار، وفي ضوء ما تبين من أوجه خلل مزمنة، تتطلب
إصلاحا جذريا في قطر، يمكن في هذه المقدمة، التركيز على ثلاثة جوانب، تم
التطرق إليها في لقاءات الاثنين خلال عام 2012/2011:
أولها: عقبات الإصلاح ومعوقاته
ثانيها: قضايا الإصلاح، من خلال بيان أوجه الخلل والحاجة لإصلاحها.
ثالثها: خاتمة: الحاجة للإصلاح في قطر ومداخله.
4 - الخلل الأمني وضرورة الانتقال من التعاون إلى إقامة اتحاد ديموقراطي
مصدر الخلل الأمني يكمن في عدم قدرة الدول الأعضاء في مجلس التعاون على
الدفاع عن نفسها عسكريا، بسبب صغر وضعف كل من دول المنطقة منفردة. الأمر
الذي جعل كلا منها تجد «أمن نظامها» في استمرار الحماية الأجنبية بالتحالف
مع دول عظمى وإعطائها تسهيلات وقواعد عسكرية من أجل حماية نفسها.
كما يتأكد خلل الأمن الوطني في عجز كل من دول المنطقة منفردة على تحقيق
تنمية حميدة مستدامة بسبب صغر الحجم وغياب كثير من متطلبات التنمية ومنها
امتلاك الإرادة الوطنية وتنوع الموارد نسبيا وقلة السكان وضيق السوق.
وإذا كان من الصعوبة بمكان أن توفر كل من دول المنطقة مُتطلبات الأمن
الوطني مُنفردة، فإن الحل الوحيد يتمثل في تجسيد كيان اتحادي ديموقراطي بين
منظومة دول مجلس التعاون، يتوافر له الحد الأدنى من القدرة على بناء
منظومة دفاعية وتبني سياسة خارجية فاعلة، كما تتوافر له شروط التنمية
الحميدة المُستدامة.
وربما تكون البداية اليوم في التفاعل الشعبي الضاغط والجاد والصريح مع
قرار مجلس التعاون، بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد تلبية
للمادة الرابعة من النظام الأساسي لمجلس التعاون. تلك المادة التي تجاهلتها
بل حاربتها دول المنطقة لمدة ثلاثين عاما ولم توفر مقومات تحقيقها، بالرغم
من المطالبة الأهلية الناعمة بتطبيقها بعد توفير شروطها.
وعلى جميع شعوب المنطقة اليوم أن تنظر إلى قرار مجلس التعاون بالانتقال من
مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد نظرة الالتزام الرسمي، وان تغير أسلوب
الترجي بأسلوب المطالبة الصريحة والضغط الفاعل من أجل قيام اتحاد ديموقراطي
بين دول المنطقة يوفر متطلبات الأمن وشروط التنمية الحميدة.
وجدير بالتأكيد أنه من دون انتقال دول المنطقة إلى نظم حكم ديموقراطية لن
تقوم للاتحاد بينها قائمة، فلن يسلم حاكم نفسه ليحكمه حاكم مطلق. وكذلك لن
ترضى الشعوب باستبدال حاكم محلي بحاكم مستبد إقليمي. ومن هنا فإن انتقال
دول المنطقة إلى نظام حكم ديموقراطي هو المدخل المنطقي لقيام اتحاد
ديموقراطي بين دولها.
وفي هذا الصدد، فإن انتقال المملكة العربية، على وجه الخصوص، إلى نظام حكم
ديموقراطي هو الخطوة الواقعية لإصلاح الخلل الأمني في المنطقة، بتجسيد
كيان اتحادي ديموقراطي بين الدول الديموقراطية الأعضاء في المجلس وربما
غيرها من الدول العربية التي تنتقل إلى نظم حكم ديموقراطية.
وإلى أن يتم ذلك الانتقال إلى نظم حكم ديموقراطية فإن صيغة التعاون بين
الشعوب والحكومات ستبقى في إطار مجلس التعاون الحالي أو تنتقل إلى المطالبة
باتحاد كونفدرالي يخفف من العقبات التي تحول دون توفير الحد الأدنى من
شروط الأمن الإقليمي ومتطلبات التنمية الحميدة المستدامة في المنطقة، وذلك
عندما يتحقق في دول المنطقة الحكم الرشيد وتنمو فيها المشاركة الشعبية
الفعالة وصولا لنظم حكم ديموقراطية.
من هنا، فإن إصلاح الخلل الأمني في قطر يتوقف على إرادة حكومة قطر وشعبها،
وكذلك ارادة بقية دول المنطقة وشعوبها، والارتفاع إلى مستوى المسؤولية
الوطنية والإقليمية. ومن هنا فإن عمل الشعب القطري مع بقية شعوب المنطقة،
والمطالبة المشتركة بإصلاح أوجه الخلل المزمنة والانتقال إلى نظم حكم
ديموقراطية، هي السبيل لامتلاك الإرادة الوطنية وتغليب المصالح الدائمة
لشعوب المنطقة على الاعتبارات الآنية. ان مجتمعات المنطقة ودولها وشعوبها
مهددون في وجودهم وهويتهم، ومحرومون من الاستفادة من فرص التنمية التي
يتيحها وجود الثروة النفطية في بلدانهم. وعليهم بالتالي أن يتضامنوا لما
فيه مصلحة مجتمعاتهم بأجيالهم المتعاقبة.
وشعب قطر عليه أن يكون في مقدمة أبناء المنطقة في الدعوة للإصلاح السياسي
والانتقال من مرحلة التعاون إلى آفاق قيام اتحاد ديموقراطي قابل للتنمية،
وقادر على توفير شروط الأمن والاستقرار الحقيقي.
ثالثا: الحاجة للإصلاح في قطر.. ومداخله
هل قطر في حاجة للإصلاح أسوة ببقية الدول العربية؟ أم أن عملية الإصلاح في
قطر قد تمت و«الربيع العربي» قد تحقق فيها مبكرا، كما يروج الإعلام القطري
وتتم محاولة إحباط مطلب الإصلاح؟
الإجابة التي يحملها كتابنا هذا «الشعب يريد الإصلاح في قطر.. أيضا»، تبين
بأن قطر بكل تأكيد تحتاج إلى إصلاح جذري وشامل يطمح إليه شعبها، حاجة جميع
الدول والشعوب العربية إلى الإصلاح وربما أكثر من معظمها، لما يهدد وجود
المجتمع وهويته ومستقبله من أوجه خلل مزمنة وأخرى طارئة.
ولعل أوراق لقاءات الاثنين التي يضمها هذا الكتاب والعرض والتحليل الذي
جاء في هذه المقدمة، إضافة إلى هموم المثقفين القطريين ومقالاتهم وشكوى
المواطنين ومشاركات الشباب وأحاديثهم، تؤكد الحاجة الملحة والعاجلة للإصلاح
في قطر. وعلى حكومة قطر واجب فتح آفاق الإصلاح.
وإذا كان الإصلاح واجبا لا جدال فيه، فانه يحتاج أيضا إلى توافق بين أفراد
المجتمع وجماعاته على المستوى الأهلي، كما يحتاج إلى توافق أهلي-رسمي على
أولوياته ومراحله.
وهذا بدوره يتطلب إجراء حوار وطني جاد ومسؤول، يتزامن مع مراعاة الحكومة
لمداخل الإصلاح التي سبق ذكرها، حتى تتاح حرية الرأي والتعبير والتنظيم
وتأسيس منظمات المجتمع المدني المعبرة عن هموم أفراد الشعب وجماعاته
وطموحهم، من دون تحكم أو إقصاء أو محاباة.
كما يتطلب الإصلاح بالضرورة رفع الحظر عن جميع المعلومات والإحصاءات ذات
العلاقة بالمال والشأن العام والسماح بنشرها، وان تسود الشفافية ويتم
الشروع في إصلاح الإدارة العامة لتقوم بوظيفتها في رعاية المصلحة العامة،
وإصلاح القضاء ليأخذ كل ذي حق حقه.
وإلى أن يتم ذلك الحوار المنشود والانفتاح السياسي الجاد، فإن هناك مداخل
استراتيجية للإصلاح لا يجوز تأجيل الدعوة إليها، بل يجب طرحها والتنبيه الى
أهميتها. فعلى إدراك مدى الحاجة الملحة لولوج تلك المداخل الاستراتيجية
وضرورة العمل من أجل تحقيقها، يتوقف حاضر أهل قطر ومستقبل أجيالهم
المتعاقبة.
المداخل الاستراتيجية الملحة
1 - وقف تفاقم الخلل السكاني وإصلاحه تدريجيا والعودة بنسبة المواطنين في
إجمالي السكان وفي قوة العمل خلال خمسة أعوام إلى المستوى الذي كانت عليه
عام 2004 (%30 و%14 على التوالي). ومن ثم زيادة نسبة المواطنين تدريجيا في
السكان وفي قوة العمل بنسبة تتراوح بين 1 - %2سنويا.
ويتطلب ذلك فك الارتباط بين بيع المساكن الاستثمارية ومنح الاقامات
الدائمة بتغيير القوانين المتعلقة بسياسة تشجيع بيع العقارات بمنح
الاقامات.
كما يتطلب تغيير تركيبة الوافدين تدريجيا ــــ مع دوران العمالة الوافدة
عند انتهاء عقود الوافدين وعودتهم إلى بلدانهم وهم مكرمون ــــ دون إضرار
بحقوق العمالة الوافدة. وذلك لمصلحة الناطقين باللغة العربية والمهنيين
والفنيين، واعتماد تقنيات ونشاطات تقوم على كثافة رأس المال قليلة الحاجة
للعمالة، ملائمة لجهود إصلاح الخلل السكاني. وهذا يتطلب أيضا إعادة الكوادر
القطرية المعطلة والمقدرة بنصف عدد الخريجين القطريين، للعمل وتهيئة
وتشجيع كامل قوة العمل المواطنة على الالتحاق بسوق العمل بمعالجة أسباب
البطالة المقنعة والمرفهة والتسريح المبكر « روح بيتكم وخذ راتبك».
2 - إصلاح الإدارة العامة وتنميتها ومد نطاق سلطتها من خلال وزارات وهيئات
وأجهزة عامة ليشمل كل الوظائف العامة من دون استثناء. كما يجب أن تغطي
رعاية الإدارة العامة ورقابتها كل النشاطات العامة والخاصة والخيرية
والتعاونية. فالإدارة العامة هي الراعية للمصلحة العامة تؤدي وظائفها بحياد
واستقلالية وشفافية من خلال موظف عام يتمتع بحصانة لأداء وظيفته. وذلك من
أجل تمكين الادارة العامة من القيام بأداء وظائفها، وتصديها لمهمات صيانة
حرمة المال العام والنفوذ والقرار العام وتوظيف ذلك من أجل المصلحة العامة.
ولعل اعتماد الإدارة العامة على قيادات وكوادر مواطنة نزيهة وذات كفاءة
بعيدا عن المحسوبية، هو مدخل تنميتها وتطويرها وتهيئتها لرعاية المصلحة
العامة. وهذا هو الحال في جميع دول العالم، حيث ترتكز الإدارة العامة على
قيادات وكوادر وطنية وتعتمد اللغة الرسمية.
3 - الانتقال إلى نظام حكم ديموقراطي. وهذا يتطلب تنقيح دستور عام 2004
بتحرير المبادئ الديموقراطية من الإضافات التي عطلت مفعولها، واستكمال
مقومات نظام الحكم الديموقراطي فيه. وذلك من خلال انتخاب جمعية تأسيسية
لتنقيح الدستور، وفق قانون انتخابات ديموقراطية يعبر فيها الشعب عن إرادته
باعتباره مصدر السلطات.
4 - تنقيح رؤية قطر وإستراتيجيتها واستكمالهما، ليكونا أدوات إصلاح وتنمية
يعبران عن توجهات إصلاح أوجه الخلل الرئيسية المزمنة ومواجهة مشاكل
التنمية في كل المجالات. وحتى يتم ذلك التنقيح لابد من طرح رؤية قطر لعام
2030 وإستراتيجية التنمية الوطنية 2011-2016 للمناقشة الوطنية العامة
الواسعة من منظور الإصلاح والتنمية، كي تراجع كل السياسات العامة وخاصة
سياسة التعليم والصحة وتوجهات ثقافة الإعلام والبيئة وغيرها من السياسات،
ويتم إصلاح ما لحق بتلك السياسات والتوجهات من أوجه خلل ظاهرة.
5 - استكمال مؤسسات القضاء وكفالة حق التقاضي. مازالت السلطة القضائية
تابعة للسلطة التنفيذية ولم يفعل بعد الفصل بين السلطات، وما زالت مؤسسات
القضاء ناقصة وسلطته يحجبها القانون عن كثير من أوجه النزاعات مع السلطة
التنفيذية. فلم تفعل بعد المحكمة الدستورية، ولم تشكل هيئتها بالرغم من
تعيين رئيس لها منذ عام 2008. وبالتالي لا يمكن الطعن في دستورية القوانين.
كما أن سلطة القضاء الإداري ناقصة، وقد استبعد من حق التقاضي عدد من
المسائل منها: القرارات والأوامر والمراسيم الأميرية، مسائل الجنسية،
القرارات الصادرة بموجب القانون رقم 17 لسنة 2002 بشأن حماية المجتمع،
القرارات الصادرة بموجب القوانين المتعلقة بالجمعيات والمؤسسات الخاصة
بالمطبوعات والنشر وتراخيص إصدار الصحف والمجلات، وقرارات نزع الملكية
للمنفعة العامة. من هنا فإن من ضرورات الإصلاح العاجل هو استكمال مؤسسات
السلطة القضائية وكفالة حق التقاضي. وذلك بتفعيل المحكمة الدستورية وتمكين
القضاء الإداري من النظر في كل أوجه اختلاف المواطنين والمقيمين مع السلطة
التنفيذية وإلغاء الحصانة القضائية عن ما يطاله النزاع بين الحكومة
والمجتمع. فالقضاء هو الملجأ الأخير وفي نقص وظائف السلطة القضائية وحجب حق
التقاضي، تعارض مع مرجعيات نظام الحكم الديموقراطي والشريعة الإسلامية
وشرعة حقوق الإنسان وتعطيل لحكم القانون.
(انتهى)
أصدرت مجموعة من المفكرين القطريين تطلق على نفسها «قطريون من اجل
الإصلاح»، كتابا تضمن عدة محاور في الشأن القطري تحت عنوان «الشعب يريد
الاصلاح في قطر.. ايضا».
هذه المحاور هي نتاج حوارات جرت بين هؤلاء المفكرين، وقد صدرت في كتاب تستعرضه القبس على ثلاث حلقات.
كتابنا هذا «الشعب يريد الإصلاح... في قطر أيضا»، تكون من خلال تضافر جهود
جماعة من أهل قطر، يمكن أن نطلق عليهم اسم «قطريون من أجل الإصلاح»، جرى
بينهم حوار مسؤول لجوانب من أوجه الخلل التي تتطلب إصلاحا جذريا. وهي أوجه
خلل لا يتم الاعتراف بها في العادة على المستوى الرسمي، ولا تتناولها
الصحافة وأجهزة الإعلام والمؤتمرات والندوات الكثيرة التي تعقد في قطر، ولا
تتطرق إليها المراكز ذات الصلة بالسلطة، ولا فضائيات شبكة الجزيرة التي
تصف نفسها «بمنبر من لا منبر له» من دون أن يتسع ذلك المنبر - مع الأسف -
لرأي شعب قطر. وإنما يقتصر الاهتمام بأوجه الخلل هذه على حديث القطريين،
حيث تكثر شكواهم حولها في لقاءاتهم الخاصة، في المجالس والمقاعد النسائية
واللقاءات والأحاديث الثنائية، ونجدها في مقالات القطريات والقطريين التي
تحجب عن النشر في العادة. كما نجد صدى لها على مواقع التواصل الاجتماعي
وعبر شبكة الانترنت. ولكنها لا تجد مجالا عاما يتيح لها حق التعبير الجماعي
عن النفس في شكل جمعية، أو منتدى حوار، أو وسيلة إعلامية، معنية بالإصلاح
في قطر.
ومن هنا فإن لقاءات الاثنين هي خطوة لازمة، ولكنها غير كافية، تساعد على
إظهار أوجه الخلل واستشراف معالم أجندة للإصلاح. كما تسعى لتوسيع دائرة
الحوار بكل السبل، ومن خلال الأطر والهوامش المتاحة. ولكن تبقى مسألة وضع
هذه المقترحات موضع التنفيذ متوقفة على نمو إرادة وطنية للإصلاح، وتوافق
على قواسم عامة مشتركة بين أفراد المجتمع وجماعاته.
وفي هذه المرحلة من الحوار، وفي ضوء ما تبين من أوجه خلل مزمنة، تتطلب
إصلاحا جذريا في قطر، يمكن في هذه المقدمة، التركيز على ثلاثة جوانب، تم
التطرق إليها في لقاءات الاثنين خلال عام 2012/2011:
أولها: عقبات الإصلاح ومعوقاته
ثانيها: قضايا الإصلاح، من خلال بيان أوجه الخلل والحاجة لإصلاحها.
ثالثها: خاتمة: الحاجة للإصلاح في قطر ومداخله.
4 - الخلل الأمني وضرورة الانتقال من التعاون إلى إقامة اتحاد ديموقراطي
مصدر الخلل الأمني يكمن في عدم قدرة الدول الأعضاء في مجلس التعاون على
الدفاع عن نفسها عسكريا، بسبب صغر وضعف كل من دول المنطقة منفردة. الأمر
الذي جعل كلا منها تجد «أمن نظامها» في استمرار الحماية الأجنبية بالتحالف
مع دول عظمى وإعطائها تسهيلات وقواعد عسكرية من أجل حماية نفسها.
كما يتأكد خلل الأمن الوطني في عجز كل من دول المنطقة منفردة على تحقيق
تنمية حميدة مستدامة بسبب صغر الحجم وغياب كثير من متطلبات التنمية ومنها
امتلاك الإرادة الوطنية وتنوع الموارد نسبيا وقلة السكان وضيق السوق.
وإذا كان من الصعوبة بمكان أن توفر كل من دول المنطقة مُتطلبات الأمن
الوطني مُنفردة، فإن الحل الوحيد يتمثل في تجسيد كيان اتحادي ديموقراطي بين
منظومة دول مجلس التعاون، يتوافر له الحد الأدنى من القدرة على بناء
منظومة دفاعية وتبني سياسة خارجية فاعلة، كما تتوافر له شروط التنمية
الحميدة المُستدامة.
وربما تكون البداية اليوم في التفاعل الشعبي الضاغط والجاد والصريح مع
قرار مجلس التعاون، بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد تلبية
للمادة الرابعة من النظام الأساسي لمجلس التعاون. تلك المادة التي تجاهلتها
بل حاربتها دول المنطقة لمدة ثلاثين عاما ولم توفر مقومات تحقيقها، بالرغم
من المطالبة الأهلية الناعمة بتطبيقها بعد توفير شروطها.
وعلى جميع شعوب المنطقة اليوم أن تنظر إلى قرار مجلس التعاون بالانتقال من
مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد نظرة الالتزام الرسمي، وان تغير أسلوب
الترجي بأسلوب المطالبة الصريحة والضغط الفاعل من أجل قيام اتحاد ديموقراطي
بين دول المنطقة يوفر متطلبات الأمن وشروط التنمية الحميدة.
وجدير بالتأكيد أنه من دون انتقال دول المنطقة إلى نظم حكم ديموقراطية لن
تقوم للاتحاد بينها قائمة، فلن يسلم حاكم نفسه ليحكمه حاكم مطلق. وكذلك لن
ترضى الشعوب باستبدال حاكم محلي بحاكم مستبد إقليمي. ومن هنا فإن انتقال
دول المنطقة إلى نظام حكم ديموقراطي هو المدخل المنطقي لقيام اتحاد
ديموقراطي بين دولها.
وفي هذا الصدد، فإن انتقال المملكة العربية، على وجه الخصوص، إلى نظام حكم
ديموقراطي هو الخطوة الواقعية لإصلاح الخلل الأمني في المنطقة، بتجسيد
كيان اتحادي ديموقراطي بين الدول الديموقراطية الأعضاء في المجلس وربما
غيرها من الدول العربية التي تنتقل إلى نظم حكم ديموقراطية.
وإلى أن يتم ذلك الانتقال إلى نظم حكم ديموقراطية فإن صيغة التعاون بين
الشعوب والحكومات ستبقى في إطار مجلس التعاون الحالي أو تنتقل إلى المطالبة
باتحاد كونفدرالي يخفف من العقبات التي تحول دون توفير الحد الأدنى من
شروط الأمن الإقليمي ومتطلبات التنمية الحميدة المستدامة في المنطقة، وذلك
عندما يتحقق في دول المنطقة الحكم الرشيد وتنمو فيها المشاركة الشعبية
الفعالة وصولا لنظم حكم ديموقراطية.
من هنا، فإن إصلاح الخلل الأمني في قطر يتوقف على إرادة حكومة قطر وشعبها،
وكذلك ارادة بقية دول المنطقة وشعوبها، والارتفاع إلى مستوى المسؤولية
الوطنية والإقليمية. ومن هنا فإن عمل الشعب القطري مع بقية شعوب المنطقة،
والمطالبة المشتركة بإصلاح أوجه الخلل المزمنة والانتقال إلى نظم حكم
ديموقراطية، هي السبيل لامتلاك الإرادة الوطنية وتغليب المصالح الدائمة
لشعوب المنطقة على الاعتبارات الآنية. ان مجتمعات المنطقة ودولها وشعوبها
مهددون في وجودهم وهويتهم، ومحرومون من الاستفادة من فرص التنمية التي
يتيحها وجود الثروة النفطية في بلدانهم. وعليهم بالتالي أن يتضامنوا لما
فيه مصلحة مجتمعاتهم بأجيالهم المتعاقبة.
وشعب قطر عليه أن يكون في مقدمة أبناء المنطقة في الدعوة للإصلاح السياسي
والانتقال من مرحلة التعاون إلى آفاق قيام اتحاد ديموقراطي قابل للتنمية،
وقادر على توفير شروط الأمن والاستقرار الحقيقي.
ثالثا: الحاجة للإصلاح في قطر.. ومداخله
هل قطر في حاجة للإصلاح أسوة ببقية الدول العربية؟ أم أن عملية الإصلاح في
قطر قد تمت و«الربيع العربي» قد تحقق فيها مبكرا، كما يروج الإعلام القطري
وتتم محاولة إحباط مطلب الإصلاح؟
الإجابة التي يحملها كتابنا هذا «الشعب يريد الإصلاح في قطر.. أيضا»، تبين
بأن قطر بكل تأكيد تحتاج إلى إصلاح جذري وشامل يطمح إليه شعبها، حاجة جميع
الدول والشعوب العربية إلى الإصلاح وربما أكثر من معظمها، لما يهدد وجود
المجتمع وهويته ومستقبله من أوجه خلل مزمنة وأخرى طارئة.
ولعل أوراق لقاءات الاثنين التي يضمها هذا الكتاب والعرض والتحليل الذي
جاء في هذه المقدمة، إضافة إلى هموم المثقفين القطريين ومقالاتهم وشكوى
المواطنين ومشاركات الشباب وأحاديثهم، تؤكد الحاجة الملحة والعاجلة للإصلاح
في قطر. وعلى حكومة قطر واجب فتح آفاق الإصلاح.
وإذا كان الإصلاح واجبا لا جدال فيه، فانه يحتاج أيضا إلى توافق بين أفراد
المجتمع وجماعاته على المستوى الأهلي، كما يحتاج إلى توافق أهلي-رسمي على
أولوياته ومراحله.
وهذا بدوره يتطلب إجراء حوار وطني جاد ومسؤول، يتزامن مع مراعاة الحكومة
لمداخل الإصلاح التي سبق ذكرها، حتى تتاح حرية الرأي والتعبير والتنظيم
وتأسيس منظمات المجتمع المدني المعبرة عن هموم أفراد الشعب وجماعاته
وطموحهم، من دون تحكم أو إقصاء أو محاباة.
كما يتطلب الإصلاح بالضرورة رفع الحظر عن جميع المعلومات والإحصاءات ذات
العلاقة بالمال والشأن العام والسماح بنشرها، وان تسود الشفافية ويتم
الشروع في إصلاح الإدارة العامة لتقوم بوظيفتها في رعاية المصلحة العامة،
وإصلاح القضاء ليأخذ كل ذي حق حقه.
وإلى أن يتم ذلك الحوار المنشود والانفتاح السياسي الجاد، فإن هناك مداخل
استراتيجية للإصلاح لا يجوز تأجيل الدعوة إليها، بل يجب طرحها والتنبيه الى
أهميتها. فعلى إدراك مدى الحاجة الملحة لولوج تلك المداخل الاستراتيجية
وضرورة العمل من أجل تحقيقها، يتوقف حاضر أهل قطر ومستقبل أجيالهم
المتعاقبة.
المداخل الاستراتيجية الملحة
1 - وقف تفاقم الخلل السكاني وإصلاحه تدريجيا والعودة بنسبة المواطنين في
إجمالي السكان وفي قوة العمل خلال خمسة أعوام إلى المستوى الذي كانت عليه
عام 2004 (%30 و%14 على التوالي). ومن ثم زيادة نسبة المواطنين تدريجيا في
السكان وفي قوة العمل بنسبة تتراوح بين 1 - %2سنويا.
ويتطلب ذلك فك الارتباط بين بيع المساكن الاستثمارية ومنح الاقامات
الدائمة بتغيير القوانين المتعلقة بسياسة تشجيع بيع العقارات بمنح
الاقامات.
كما يتطلب تغيير تركيبة الوافدين تدريجيا ــــ مع دوران العمالة الوافدة
عند انتهاء عقود الوافدين وعودتهم إلى بلدانهم وهم مكرمون ــــ دون إضرار
بحقوق العمالة الوافدة. وذلك لمصلحة الناطقين باللغة العربية والمهنيين
والفنيين، واعتماد تقنيات ونشاطات تقوم على كثافة رأس المال قليلة الحاجة
للعمالة، ملائمة لجهود إصلاح الخلل السكاني. وهذا يتطلب أيضا إعادة الكوادر
القطرية المعطلة والمقدرة بنصف عدد الخريجين القطريين، للعمل وتهيئة
وتشجيع كامل قوة العمل المواطنة على الالتحاق بسوق العمل بمعالجة أسباب
البطالة المقنعة والمرفهة والتسريح المبكر « روح بيتكم وخذ راتبك».
2 - إصلاح الإدارة العامة وتنميتها ومد نطاق سلطتها من خلال وزارات وهيئات
وأجهزة عامة ليشمل كل الوظائف العامة من دون استثناء. كما يجب أن تغطي
رعاية الإدارة العامة ورقابتها كل النشاطات العامة والخاصة والخيرية
والتعاونية. فالإدارة العامة هي الراعية للمصلحة العامة تؤدي وظائفها بحياد
واستقلالية وشفافية من خلال موظف عام يتمتع بحصانة لأداء وظيفته. وذلك من
أجل تمكين الادارة العامة من القيام بأداء وظائفها، وتصديها لمهمات صيانة
حرمة المال العام والنفوذ والقرار العام وتوظيف ذلك من أجل المصلحة العامة.
ولعل اعتماد الإدارة العامة على قيادات وكوادر مواطنة نزيهة وذات كفاءة
بعيدا عن المحسوبية، هو مدخل تنميتها وتطويرها وتهيئتها لرعاية المصلحة
العامة. وهذا هو الحال في جميع دول العالم، حيث ترتكز الإدارة العامة على
قيادات وكوادر وطنية وتعتمد اللغة الرسمية.
3 - الانتقال إلى نظام حكم ديموقراطي. وهذا يتطلب تنقيح دستور عام 2004
بتحرير المبادئ الديموقراطية من الإضافات التي عطلت مفعولها، واستكمال
مقومات نظام الحكم الديموقراطي فيه. وذلك من خلال انتخاب جمعية تأسيسية
لتنقيح الدستور، وفق قانون انتخابات ديموقراطية يعبر فيها الشعب عن إرادته
باعتباره مصدر السلطات.
4 - تنقيح رؤية قطر وإستراتيجيتها واستكمالهما، ليكونا أدوات إصلاح وتنمية
يعبران عن توجهات إصلاح أوجه الخلل الرئيسية المزمنة ومواجهة مشاكل
التنمية في كل المجالات. وحتى يتم ذلك التنقيح لابد من طرح رؤية قطر لعام
2030 وإستراتيجية التنمية الوطنية 2011-2016 للمناقشة الوطنية العامة
الواسعة من منظور الإصلاح والتنمية، كي تراجع كل السياسات العامة وخاصة
سياسة التعليم والصحة وتوجهات ثقافة الإعلام والبيئة وغيرها من السياسات،
ويتم إصلاح ما لحق بتلك السياسات والتوجهات من أوجه خلل ظاهرة.
5 - استكمال مؤسسات القضاء وكفالة حق التقاضي. مازالت السلطة القضائية
تابعة للسلطة التنفيذية ولم يفعل بعد الفصل بين السلطات، وما زالت مؤسسات
القضاء ناقصة وسلطته يحجبها القانون عن كثير من أوجه النزاعات مع السلطة
التنفيذية. فلم تفعل بعد المحكمة الدستورية، ولم تشكل هيئتها بالرغم من
تعيين رئيس لها منذ عام 2008. وبالتالي لا يمكن الطعن في دستورية القوانين.
كما أن سلطة القضاء الإداري ناقصة، وقد استبعد من حق التقاضي عدد من
المسائل منها: القرارات والأوامر والمراسيم الأميرية، مسائل الجنسية،
القرارات الصادرة بموجب القانون رقم 17 لسنة 2002 بشأن حماية المجتمع،
القرارات الصادرة بموجب القوانين المتعلقة بالجمعيات والمؤسسات الخاصة
بالمطبوعات والنشر وتراخيص إصدار الصحف والمجلات، وقرارات نزع الملكية
للمنفعة العامة. من هنا فإن من ضرورات الإصلاح العاجل هو استكمال مؤسسات
السلطة القضائية وكفالة حق التقاضي. وذلك بتفعيل المحكمة الدستورية وتمكين
القضاء الإداري من النظر في كل أوجه اختلاف المواطنين والمقيمين مع السلطة
التنفيذية وإلغاء الحصانة القضائية عن ما يطاله النزاع بين الحكومة
والمجتمع. فالقضاء هو الملجأ الأخير وفي نقص وظائف السلطة القضائية وحجب حق
التقاضي، تعارض مع مرجعيات نظام الحكم الديموقراطي والشريعة الإسلامية
وشرعة حقوق الإنسان وتعطيل لحكم القانون.
(انتهى)
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
مواضيع مماثلة
» «الشعب يريد إسقاط.. بوطاقية!»
» الشعب... يريد... تغيير... "المدام"
» صدق او لا تصدق
» الشعب يريد إصلاح الأستاذ
» الإصلاح التربوي المعاق
» الشعب... يريد... تغيير... "المدام"
» صدق او لا تصدق
» الشعب يريد إصلاح الأستاذ
» الإصلاح التربوي المعاق
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى