عن القارئ والقراءة
صفحة 1 من اصل 1
عن القارئ والقراءة
ليس هناك حتى الآن أجوبة وافية تماما عن كثير من الأسئلة المتعلقة بالقارئ في المغرب. لكن هناك لوحة أمامنا، فينا، في دواخلنا. فهذا الجمهور الذي اسمه القراء ليسو فقط أولئك الناس الذين يساهمون في دورة إنتاج واستهلاك الكتب، بل إنهم يساهمون، كما ساهموا في الماضي، في خلق أجناس وأنواع من الأدب والفكر. لقد ساهموا إذن في نشوء الرواية. إن تغيّرا يحدث في جمهور القراء، أو في التوسع التدريجي في فئتهم يؤثر على تطور الأدب والفكر الموجه إليهم. كما أنت نشوء الصحافة، إلى جانب الرواية، مثال بارز على تأثير القارئ في النشاط الفكري والتواصلي. لكن إذا لم يكن هناك وجود لفئة القراء، أو إذا كانت موجودة لكنها جامدة لا تتغير فإن كل نشاط أدبي أو فكري موجه إليها سيبقى جامدا بدوره. لكن هل الكتاب، والكتابة في المغرب، سيختفيان لأن القارئ المغربي لا يقرأ إلا دقيقتين في السنة، مقابل الأوروبي الذي يقرأ مائتي ساعة في السنة؟ إنه فارق مضحك ومبك في نفس الآن. لكنها الحقيقة والواقع، ونصف الحل يكمن في التعامل مع الحقيقة والواقع.
لا هروب من التأكيد أن رغم شيوع وسائل الترفيه والتواصل السهلة التي تختصر الزمن والمسافة، فإن التزايد الشعبي بالقراءة يتزايد بصورة ملحوظة، ولا أدل على ذلك من تزايد عدد دور النشر والمطابع والصحف والمعارض الدولية للكتاب. وذلك معناه أن القارئ في القرون الماضية يبقى أقل بكثير من حجمه في أيامنا. فكل قرن هو أكثر من حيث القراء من القرون السابقة عليه. هذه وجهة نظر تصدق على الدول الأوروبية والأمريكية، لكن العالم العربي، وضمنه المغرب، حالة لا يمكن أن نطبق عليها هذه النتائج والحقائق. والإحصاءات تقدم الدليل المقنع على ذلك. وطبعا هذه الإحصاءات تتلون مع كل اختصاص، فقراء الصحف فقط عددهم معروف، وقراء ومقتنو الكتاب يقدرون برقم مخالف. لكن فيلا المغرب، مقارنة دائما بعدد السكان، فإن قراء الصحف لا يتجاوز رقم بضعة آلاف، وقراء الكتاب هم من الصنف الآيل إلى الانقراض. والسبب الأول هو انحصار معرفة القراءة في نطاق محدود، انحصار الوعي الثقافي الكافي بدور الكتاب في الحياة العامة والخاصة في دائرة ضيقة، وضعف، إن لم نقل انعدام، المؤهلات اللغوية، لذلك تجد كل محاولات التواصل مع تلك الفئات التي لا تقرأ الصحف ولا تقتني وتقرا الكتب، ولا تذهب إلى السينما والمسارح، تجد تلك المحاولات صعوبة في التواصل مع القاعدة العريضة في المجتمع المغربي. وهذا أمر يعتبره الزائرون الأوروبيين للمغرب أمرا غريبا. والمفارقة هي رغم اتساع فرص تعلم القراءة والكتابة، ورغم انتشار التعليم بكل أنواعه العالم والشعبي، ورغم مكابدة النظام التربوي، يجب الاعتراف بذلك، ورغم أن المدارس والمساجد تكاد تغطي البلاد فإن القراءة أمر غير ضروري في نظر المغربي. لننظر إلى ساعات الدوام في المدارس والجامعات، كان يمكن لتك الساعات أن تخلق قراء. وهذا أمر يفرض على الدولة، بكل مؤسساتها، والمجتمع بكل مؤسساته، أن يصرفا الغالي والنفيس في سبيل تحويل القراءة من هدف ثانوي، طبقي، إلى هدف رئيسي شعبي. وهناك جانب غالبا ما يتحجج به الناس: أسعار الكتب، إنها شعبية في المغرب. فلو قارنا سعر الكتاب اليوم بسعر الكتاب في القرن الثامن عشر مثلا لاستغربنا لبخسه اليوم، هذا في مقارنة تامة، كما يفعل الاقتصاديون، بمعدلات الدخل؛ عندها سنتأكد بأن المغربي لا يشتري الكتاب ليس لأنه باهظ الثمن، بل لأنه لا يريده في بيته أو في مكتبته التي لا وجود لها.
محمود عبد الغني
الاتحاد الاشتراكي
07/11/2014
لا هروب من التأكيد أن رغم شيوع وسائل الترفيه والتواصل السهلة التي تختصر الزمن والمسافة، فإن التزايد الشعبي بالقراءة يتزايد بصورة ملحوظة، ولا أدل على ذلك من تزايد عدد دور النشر والمطابع والصحف والمعارض الدولية للكتاب. وذلك معناه أن القارئ في القرون الماضية يبقى أقل بكثير من حجمه في أيامنا. فكل قرن هو أكثر من حيث القراء من القرون السابقة عليه. هذه وجهة نظر تصدق على الدول الأوروبية والأمريكية، لكن العالم العربي، وضمنه المغرب، حالة لا يمكن أن نطبق عليها هذه النتائج والحقائق. والإحصاءات تقدم الدليل المقنع على ذلك. وطبعا هذه الإحصاءات تتلون مع كل اختصاص، فقراء الصحف فقط عددهم معروف، وقراء ومقتنو الكتاب يقدرون برقم مخالف. لكن فيلا المغرب، مقارنة دائما بعدد السكان، فإن قراء الصحف لا يتجاوز رقم بضعة آلاف، وقراء الكتاب هم من الصنف الآيل إلى الانقراض. والسبب الأول هو انحصار معرفة القراءة في نطاق محدود، انحصار الوعي الثقافي الكافي بدور الكتاب في الحياة العامة والخاصة في دائرة ضيقة، وضعف، إن لم نقل انعدام، المؤهلات اللغوية، لذلك تجد كل محاولات التواصل مع تلك الفئات التي لا تقرأ الصحف ولا تقتني وتقرا الكتب، ولا تذهب إلى السينما والمسارح، تجد تلك المحاولات صعوبة في التواصل مع القاعدة العريضة في المجتمع المغربي. وهذا أمر يعتبره الزائرون الأوروبيين للمغرب أمرا غريبا. والمفارقة هي رغم اتساع فرص تعلم القراءة والكتابة، ورغم انتشار التعليم بكل أنواعه العالم والشعبي، ورغم مكابدة النظام التربوي، يجب الاعتراف بذلك، ورغم أن المدارس والمساجد تكاد تغطي البلاد فإن القراءة أمر غير ضروري في نظر المغربي. لننظر إلى ساعات الدوام في المدارس والجامعات، كان يمكن لتك الساعات أن تخلق قراء. وهذا أمر يفرض على الدولة، بكل مؤسساتها، والمجتمع بكل مؤسساته، أن يصرفا الغالي والنفيس في سبيل تحويل القراءة من هدف ثانوي، طبقي، إلى هدف رئيسي شعبي. وهناك جانب غالبا ما يتحجج به الناس: أسعار الكتب، إنها شعبية في المغرب. فلو قارنا سعر الكتاب اليوم بسعر الكتاب في القرن الثامن عشر مثلا لاستغربنا لبخسه اليوم، هذا في مقارنة تامة، كما يفعل الاقتصاديون، بمعدلات الدخل؛ عندها سنتأكد بأن المغربي لا يشتري الكتاب ليس لأنه باهظ الثمن، بل لأنه لا يريده في بيته أو في مكتبته التي لا وجود لها.
محمود عبد الغني
الاتحاد الاشتراكي
07/11/2014
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى