الامتلاك أو الوجود في الحياة اليومية: التعلم، التذكر، التخاطب، القراءة، المعرفة
صفحة 1 من اصل 1
الامتلاك أو الوجود في الحياة اليومية: التعلم، التذكر، التخاطب، القراءة، المعرفة
نقدم في هذا العدد نصا جديدا من كتاب إيريك فروم: «الإمتلاك أو الوجود» وهو عبارة عن أمثلة مختارة من الحياة اليومية، هدفها الأساسي هو التمييز بين الطبع الإمتلاكي ونظيره الوجودي، وهو فوق ذلك تنظير لما يجب أن يكون عليه الفكر الإشتراكي الحق في ميدان التربية والتعليم، كبديل حقيقي للنموذج الرأسمالي الليبرالي. وقد يساعد كل اشتراكي مغربي يستحق هذا الإسم عن جدارة واستحقاق من القيام بنقد ذاتي عميق لتجربة تسيير ميدان التربية والتعليم، التي قام بها الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية فيما مضى، وتضييع فرصة تهييئ مواطن كفئ لبناء دولة اشتراكية. ما حصل للمسؤولين الإشتراكيين في هذا الميدان أنذاك هو أنهم لم يفرضوا تصورهم في ميدان التربية، بل فرض عليهم الواقع السياسي اختيار أسهل السبل ومحاولة ترقيع ما كان بالإمكان ترقيعه لما «ورثوه» عن حزب يميني انتهازي عمل، شعوريا أو لاشعوريا، على نسف سياسة التعليم من كل محتوياتها، لتكون النتيجة كارثة كبرى وطامة عظمى، كان ضحيتها الأول والأخير تلاميذ وطلبة، أي بشر من لحم ودم، اغتصب المرء مستقبلهم وحياتهم. أصبح التعليم العمومي بالمغرب، جراء الإختيارات السياسية لأحزاب اليمين، معملا لصناعة أميين وظيفيين، وهذا ما حث «النخبة المغربية» بما فيها الذين يحسبون على اليسار بكل ألوانه، إلى الإلتجاء إلى المدارس العمومية أو المدارس الأجنبية بالمغرب، لتكوين فلذات أكبادهم. الكساد في ميدان التربية والتعليم لا غبار عليه، وهو كساد مستمر، ولا يمكن التخلص منه إلا بتفكير وتنظير جذري للمنظومة التربوية العمومية برمتها و تفعيل «أقدس» المبادئ الإشتراكية: «تكافئ الفرص أمام أبناء الشعب». لا يُعقل أن يقف الإشتراكي الأصيل على الطوار، إما لا مباليا أو متفرجا، على ما آلت إليه التربية والتعليم بالمغرب، ويرى بأم عينيه بأن أبناء الطبقة المسحوقة تغادر المؤسسات التعليمية دون تكوين يضمن لها الخروج إلى سوق الشغل لكسب لقمة عيش كريمة، بل الأدهى من ذلك تُفرض على أبناء هذه الطبقة ساعات إضافية من أساتذتهم، ومنهم من طبيعة الحال من يُحسب على الإشتراكيين، ليس للرفع من مستواهم، بل لضمان نقطة تُمكنهم من الإلتحاق بالصف الموالي، ليس إلا. علاوة على ذلك تفرج الإشتراكي المغربي بما فيه الكفاية على تحويل المؤسسات التعليمية في المغرب، وبالخصوص العمومية، إلى مختبرات تُجرب فيها كل أنواع المناهج والنظريات الليبرالية، دون أن يعي بأن كل هذه المناهج ما هي إلا وسائل في يد الرأسمالية لتكوين بشر طيعين يسهل تدجينهم والسيطرة عليهم، لأنهم لا يُعتبرون في آخر المطاف إلا مستهلكين لما ترمي به الشركات «العظمى» في الأسواق العالمية من سلع و بضائع. إن أكبر ورشة في إعادة تفعيل الفكر الإشتراكي في المغرب هي التركيز على ميدان التربية والتعليم، وهو الميدان الذي لا يقبل أية مساومات ولا تنازلات، لأنه هو الضامن الحقيقي لبناء مواطن واع ومسؤول، أمام ضميره ومجتمعه. أي بناء إنسان قادر على رفع تحديات الليبرالية والوقوف في وجه الرأسمالية التي لا يهمها لا العالم الثالث ولا سبعة ملايير بشر، بقدر ما يهمها المحافظة على مصالح نخبة منها، تتحكم في رقبة العالم بأكمله، وتعتبر حياة كل البشر في أحسن الأحوال وسيلة للمزيد من الربح وتقوية الرأسمال. النص المترجم: «بما أننا نعيش في مجتمع موجه نحو لإمتلاك والربح، فإننا لا نرى إلا ناذرا وجود نمط الحياة الوجودية وترى أغلبية الناس أسلوب التملك كأسلوب طبيعي في الحياة، بل كالأسلوب الوحيد للوجود. وهذا هو السبب الذي يجعل نمط الحياة الوجودية صعب الفهم من طرف الناس وكون الإمتلاك ما هو إلا توجها حياتيا ممكنا من بين توجات أخرى. ومع ذلك فإن كلا المفهومين متجذرين في التجربة الإنسانية ولا يمكن دراسة أحدهما بطريقة مجردة مفهومة بمعزل عن الآخر. إنهما ينعكسان في الحياة اليومية، ولهذا السبب يكون بالإمكان دراستهما بالفعل. تسهل الأمثلة البسيطة التالية المستوحاة من الحياة اليومية على القارئ فهم الإختيار بين الإمتلاك والوجود. التعلم يستمع الطلبة الموجهين توجيها امتلاكيا لمحاضرة ما، بإنصاتهم للكلمات ويدركون علاقاتها المنطقية ومعناها ويدونون ذلك ما استطاعوا بالكامل في كنانيشهم، ليحفظوا ما دونوه ويكون باستطاعتهم اجتياز امتحان ما. لكن لا يصبح المحتوى جزءا لا يتجزء من عالمهم الفكري الشخصي ولا يوسع ولا يغني هذا الأخير. إنهم يدخلون بالضغط ما يسمعونه من أفكار أو نظريات بأكملها ويحفظونه عن ظهر قلب. لكن يبقى محتوى المحاضرة والطالب غريبان عن بعضهما ويصبح الطالب مالكا ???موعة من العبارات والصيغ، توصل إليها شخص آخر إما بابتكارها وإما بنقلها عن مصادر أخرى. ليس للطلبة ذوي التوجه الإمتلاكي إلا هدف واحد: القبض على «ما تعلموه»، إما بحفظه في ذاكرتهم أو بحراسة مسوداتهم. لا يكونون في حاجة إلى خلق أو إنتاج شيئ جديد. ذلك أن «الشخص الإمتلاكي» يشعر بالفعل بالقلق اتجاه الأفكار أو الفكر الجديد، لأن هذا الجديد يضع مجموع المعلومات التي لديه موضع تسائل. بالنسبة للإنسان الذي يكون الإمتلاك عنده الشكل الرئيسي لعلاقته بالعالم، يعتبر الفكر الذي لا يدون و يُحفظ بطريقة سهلة، منبعا للريبة، تماما ككل ما ينمو ويتطور ويتغير ويخرج عن مراقبة الطالب الموجه امتلاكيا. أما بالنسبة للطلبة ذوي علاقة وجودية بالعالم، فإن لعملية التعلم عندهم جودة مغايرة تماما. ذلك أنهم لا يحضرون المحاضرة الأولى دون تهيأٍ، بل يفكرون في موضوع المحاضرة قبل حضورها، يهتمون بإشكاليات بعينها. يُشغلهم الموضوع ويهتمون به. عوض استقبال الكلمات والأفكار بطريقة سلبية passiv، فإنهم يُنصِتوت ولا يكتفون بالإستماع، بل يستقبلون ويُجيبون بطريقة نشيطة ومُنتجة. ما يستمعون له يُنَشِّط عملية التفكير فيهم، وتطفو على السطح إشكاليات وأفكار وآفاق جديدة. وبهذا تكون عملية الإنصات عندهم عملية نشيطة، ذلك أن الطالب يُسجل ذهنيا ما يُقدمه الأستاذ ويصبح حيويا في إجاباته. لا يحصل على معرفة فقط، يحملها معه لمنزله يمكنه أن يحفظها على ظهر قلب. ذلك أن كل طالب يكون معنيا بالأمر ويكون بالإمكان تغييره: يصبح كل واحد بعد المحاضرة شخصا آخر. ولا يكون هذا النوع من التعلم ممكنا، إلا إذا اقترحت المحاضرة أدوات مُشجعة. ولا يمكن للمرء ذي التوجه الوجودي التفاعل مع كلام فارغ ويكون من الأفضل بالنسبة له عدم الإستماع لمثل هذا الكلام، بل التركيز على أفكاره الشخصية. وسأهتم ولو في عجالة بكلمة «الإهتمام»، التي أصبحت دون معنى بفرط استعمالها. ذلك أن معناها الأصيل مُتضمن في جذرها الأصلي: تعني كلمة «إنتير-إيسا inter-esse « في اللاتينية «الوجود بين» أو «الوجود مع». ويُعبر عن هذا «الإهتمام» الحيوي في الإنجليزية بكلمة « to list « ( نعتها هو listy وظرفها هو listily). ولا يُستعمل تعبير «to list» اليوم إلا للإشارة إلى مكان ما عندما يقول المرء مثلا «تقترب باخرة a ship lists» ولا نجد المعنى السيكولوجي للكلمة إلا باستعمالها سلبيا كغير مبالات «listless». ذلك أن «to list» تعني «السعي بنشاط لشيئ ما» و»الإهتمام الحقيقي بشيئ ما». وهو نفس الجذر في كلمة « مُتعة أو رغبة Lust»، لكن لا تعني عبارة «to list» «كون المرء مدفوعا برغبة ما»، لكنها تتضمن الإهتمام المستقل/الحر والنشيط بشيئ ما أو الرغبة فيه. كما أن «to list» هو المفهوم الأساسي للمؤلف المجهول لكتاب»غيمة الغير العارفThe Cloud of Unknowing»، الذي نُشر في منتصف القرن الرابع عشر (E. Underhill, 1956). واحتفاظ اللغة بالمعنى السلبي للكلمة فقط، شاهد على التغيير الذي حصل بين القرن الثالث عشر والقرن العشرين في الموقف الفكري/العقلي للمجتمع. التذكر يمكن للمرء أن يتذكر بطريقة امتلاكية أو بطريقة وجودية. وتختلف طريقتي التذكر هذه باختلاف نوعية الصلة التي يقوم بها. إذا تذكر المرء بطريقة امتلاكية، فإن الصلة تكون ميكانيكية بالكامل، كما هو الحال عليه عندما تتم الصلة بين كلمتين باستعمال هذه الصلة في نفس الوقت و باستمرار. أو قد يتعلق الأمر بصلة تتأسس على علاقات منطقية خالصة، كما هو الشأن في أزواج جمل متضادة ومفاهيم متقاربة أو صلة بسبب الوقت والفضاء والكبر واللون أو بسبب الإنتماء إلى منظومة فكرية معينة. أما التذكر بطريقة وجودية فهو فعل نشيط، يستحضر به المرء الكلمات والأفكار والرؤى والصور والموسيقى في الوعي. تتم علاقات بين االواقعة التي يريد المرء تحيينها و وقائع أخرى عديدة تكون لها علاقة بالواقعة الأولى. وتتم الصلة هنا ليس بطريقة ميكانيكية أو منطقية، بل بطريقة حيوية. يتم ربط كل مفهوم بمفهوم آخر عن طريق فعل مُنتج للفكر (أو للشعور) يُستعمل عندما يبحث المرء عن الكلمة الصحيحة. وأبسط مثال على ذلك هو أنني عندما أربط كلمة «صداع» أو «أسبرين» بكلمة «صداع الرأس»، فإنني أتحرك في السكة المنطقية المعتادة. أما إذا ربطت كلمة « «إجهاد» و «غضب» بكل «صداع الرأس»، فإنني أربط الواقعة المعنية بالأمر بالأسباب الممكنة التي أتوصل إليها، لأنني انشغلت بالظاهرة. ويعتبر هذا النوع من التذكر في حد ذاته فعلا للتفكير المنتج. وأهم مثال على هذا النوع من التذكر هو ما أطلق عليه فرويد مصطلح «تداعي الأفكار الحر». إن كل من لا يهمه تخزين المعلومات في المقام الأول، سيرى بأن ذاكرته، ولكي تشتغل بطريقة جيدة، تحتاج إلى الإهتمام المباشر والقوي بما تهتم به. وهكذا فإن الكثير من الناس عاشوا مثلا تجربة نسيان كلمة ما في وضع حرج ومهم بالنسبة لحياتهم، لكنهم تذكروه في لغة أجنبية أخرى. ويمكنني أن أقول من خلال تجربتي المهنية، وعلى الرغم من أنني لا أتوفر على ذاكرة خارقة للعادة، بأنني أتذكر حلم شخص ما سبق وأن حللته، سواء أتم ذلك قبل أسبوعين أو خمسة سنوات، كلما التقيت بهذا الشخص وركزت على شخصيته بالكامل. لكنني لا أتذكر هذا الحلم قبل أن ألتقي به ولو بخمس دقائق. يتضمن التذكر في طريقة الحياة الوجودية استرجاع ما رآه المرء أو سمعه في مرة ما. ويمكن لكل واحد فهم هذه الطريقة المنتجة للتذكر عندما يحاول مثلا استحضار وجوها أو مناظر طبيعية معينة سبق أن شاهدها. ولا يظهر هذا الوجه أو هذا المنظر الطبيعي بسرعة أمام العين الباطنية. لابد من إنتاجهما من جديد في الذاكرة وإيقاظهما للحياة. ولا يُعتبر هذا الأمر سهلا دائما. والشرط الأساسي لذلك هو أن أكون قد ركزت بما فيه الكفاية على هذا الوجه أو على هذا المنظر، لكي أتمكن من استحضارهما في ذاكرتي. وعندما تنجح هذه الطريقة من التذكر بالكامل، فإن هذا الشخص، الذي استحضرت وجهه في ذاكرتي، يكون حاضرا بكامل الحيوية ونفس الشيئ يمكن أن يقال عن المنظر الطبيعي، كما لو أن المرء يراهما أمامه. على العكس من هذا، فإن المرء الذي يتذكر وجها أو منظرا طبيعيا بطريقة امتلاكية يشبه إلى حد كبير الطريقة التي ينظر بها إلى صورة فوتوغرافية. تمثل الصورة إذن ركيزة بالنسبة له للتعرف على إنسان أو منظر طبيعي. ويكون رد فعله بالتقريب هكذا: «نعم، إنه هو» أو «نعم، لقد كنت أنا هذا». وبهذا تُصبح الصورة بالنسبة للكثيرين بمثابة تذكر غريب. هناك طريقة أخرى للتذكر الغريب، تتمثل في كتابة ما أود تذكره. عندما أكتبه على الورق، فإن كل ما أحققه هو أنني أمتلك المعلومة، ولا أحاول تركيزها في ذاكرتي. ذلك أنني أكون واثقا مما أملكه، إلا إذا أضعت ما كتبته وبهذا أضيع ما كنت أريد أن أتذكره. و هنا تغادرني كفائتي التذكرية، لأن ذاكرتي أصبحت جزء خارجيا عن ذاتي في شكل شيئ مكتوب على ورقة مستقلة عني. بالنظر إلى الحجم الهائل من المعطيات/المعلومات، التي على الإنسان المعاصر الإحتفاظ بها في ذاكرته، فإنه من المستحيل عليه ألا يلجأ بتاتا إلى أخذ نقط وإلى المراجع المساعدة. لكن الميل إلى تعويض الذاكرة يكبر بمقدار لاعقلي ظاهر بسرعة. ويمكن التأكد بنفسنا من أن كتابة ما نود تذكره يقلص من القدرة على التذكر، وعلى الرغم من ذلك قد تكون بعض الأمثلة على ذلك مهمة. هناك مثال من الحياة اليومية، ألا وهو التبضع في أي محل تجاري: لم يعد أي بائع تقريبا يستطيع القيام بعملية حسابية ذهنية لبضاعتين أو ثلاثة، بل تقوم بذلك آلة حاسبة. وهناك مثال آخر من المدرسة: قد يلاحظ المدرسون بأن التلاميذ الذين يكتبون بالضبط ما يُملى عليهم جملة جملة، من المحتمل بكثير ألا يفهمون إلا القليل مما كتبوه ولا يتذكرون إلا القليل منه، بالمقارنة مع زملائهم الذي يعتمدون على قدراتهم لفهم ما هو جوهري على الأقل والإحتفاظ به في ذاكرتهم. ويعرف الموسيقيون بأن من يفضل عزف أية قطعة موسيقية بالإعتماد على ورقة موسيقية، يجد صعوبة كبيرة في تذكر مقاطعه الموسيقية دون هذه الورقة (إنني مدين للدكتور موشي بودمور Dr. Moshe Budmor على هذه المعلومة). ويعتبر طوسكنيني Toscanini مثالا على الموسيقي الموجه توجيها وجوديا، فقد كان له تذكر خارق للعادة. لاحظت وأنا بالمكسيك، بأن الناس الأميين، الذين لا يحسنون الكتابة، يتمتعون بذاكرة أحسن بكثير من المواطنين الذي يحسنون القراءة والكتابة في الدول المصنعة. وهذا الأمر هو من بين الأمور التي تترك الإعتقاد بأن فن الكتابة والقراءة ليس فقط نعمة، كما يؤكد المرء على ذلك، وبالخصوص عندما يتعلق الأمر بقراءة أشياء تُضعف القدرة على القيام بتجربة ذاتية وتضعف الخيال. التحدث أو المحادثة مع بعضنا البعض يظهر الفرق بين نمطي الوجود المعنيين بالأمر هنا بجلاء في المحادثة بين الناس. لنأخذ مثالا نموذجيا في محادثة رجلين يدافع الشخص الأول على فكرة (س) و يدافع الشخص الثاني على فكرة (ي). يعرف كل واحد منهما وجهة نظر الآخر بطريقة تامة تقريبا. ويتبنى كل منهما وجهة نطره. ما يهمهما هو تقديم أحسن البراهين للدفاع عن موقفهما، يعني اختيار براهين ملائمة لذلك. لا يفكر أي منهما تغيير وجهة نظره أو ينتظر أن يقوم الطرف الآخر بذلك. إنهما يخشيان التخلي عن وجهات نظرهما، لأنهما تنتميان لما يملكانه وقد يمثل التخلي عنهما خسارة ما بالنسبة لهما. لكن الأمر يكون على شاكلة أخرى، عندما لا تكون المحادثة مفهومة كمناظرة. من منا لم يعرف تجربة الإلتقاء بشخص معروف أو مشهور، يكون ممتازا عن طريق جودة شخصيته، أو مع شخص ينتظر منه المرء وظيفة جيدة أو حبا أو إعجابا؟ تكون الغالبية العظمى في مثل هذه المواقف متوترة و قلقة و تتهيأ بطريقة جيدة لمثل هذه المقابلات. تفكر في المواضيع التي قد تَهُمُّ هذا الآخر، تخطط مسبقا للطريقة التي ستبدأ بها حديثها معه، وهناك من يكتب كل المناقشة مسبقا، بالقدر الذي قد تَهُم المُخاطب المُنتظر. وقد يتشجع البعض في مثل هذه الأوضاع بالتركيز على كل ما يملكه: نجاحاته السابقة، وجوده الساحر (أو قدرته على ترهيب الآخرين، إذا كان هذا قد يحمل معه نجاحا في المقابلة)، و موقعه الإجتماعي، وعلاقاته، ومنظره الخارجي وملابسه. بكلمة مختصرة، يتحسس في روحه قيمته ويعتمد عليها لعرض بضاعته أمام مُحدِّثَه. إذا قام بذلك بالكثير من المهارة، فإنه سيبهر بالفعل الكثير من الناس، على الرغم من أن هذا الإنبهار ما هو في الحقيقة إلا نقص في ملكة الحكم عند الآخرين ولا يعتبر مصدره طريقة تقديم الشخص المعني بالأمر لنفسه إلا بقدر ضئيل. أما الأقل دهاءا و مهارة، فإنه لن يوقظ اهتمام الآخر بطريقة تقديم نفسه إلا قليلا، سيتخشب ويصبح غير طبيعي وممل. في مقابل مثل هذه الشخصية، نجد شخصية أخرى لا تتهيأ ولا تنسف ذاتها من الداخل، لكن تسلك بطريقة عفوية ومُنتجة. ينسى مثل هذا الإنسان ذاته وعلمه ومكانته الإجتماعية، ولا يكون أناه حاجزا بالنسبة له، ولهذا السبب بالضبط يكون متأقلما بالكامل مع الآخر ومع أفكاره. يخلق أفكارا جديدة، لأنه لا يحاول امتلاك أي شيئ من مقابلته. في الوقت الذي يعتمد فيه «الإنسان الإمتلاكي» على ما يملكه، فإن «الإنسان الوجودي» يعتمد على واقعة كونه يوجد وبأنه حيوي وبأن شيئا جيدا قد يقوم، عندما تكون له الشجاعة لكي لا يتحجر، بل يجيب بطريقة عفوية. يعطي الإنطباع في حديثة بأنه إنسان حيوي، لأنه لا يخنق نفسه في حديثه بما يملكه. وتكون حيويته في هذه الحالة مُعدية، ويكون بإمكان مُحدثه من خلال ذلك أن يتجاوز مركزيته الذاتية. ذلك أن التحاور يتوقف عن كونه تبادل للبضائع (معلومات، معرفة، وضع اجتماعي أو مهني) و يُصبح مناقشة، لا يلعب فيها من يكون على صواب أو على خطأ أي دور يذكر. ترقص المتناقضات مع بعضها ولا تفترق بإحساس الإنتصار أو الإنهزام، وهو أمر غير مثمر في كلتا الحالتين، لكن بفرحة عارمة للنقاش. وللتذكير فإن أهم خاصية حيوية للمحلل النفسي في العلاج التحليل نفسي هي بالضبط هذا العامل الحيوي في العلاج. فالإستفاظة في تحليل المعاني سوف لن يكون لها أي تأثير، إذا كان الجو العلاجي ثقيلا وغير حيوي ومُمل. القراءة ما ينطبق على المحادثة، ينطبق كذلك بنفس الطريقة على القراءة، التي من اللازم أن تكون على الأقل نظريا حوارا بين القارئ والكاتب. من المهم من طبيعة الحال في القراءة (تماما كما هو الأمر عليه في المحادثة) «ما» أقرأه (أو مع من أتحدث). فقراءة رواية دون أي فن كتابة، ومكتوبة بطريقة رديئة، هي شكل من أشكال حلم يقظة. ذلك أنها لا توفر أي رد فعل منتج، يُبْلَعُ النص كبرنامج تلفزي دون موضوع أو كرقائق بطاطس، يبتلعها المرء وهو يشاهد التلفزة دون أي تفكير. على العكس من هذا فإن قراءة رواية من روايات بالزاك Balzac مثلا هي قراءة مُنتجة وتتم بمشاركة وجدانية داخلية، يعني أنها تُقرأ بالطريقة الوجودية. لكن الظاهر هو أن هذا النوع من الكتب يقرأ في الغالب بطريقة استهلاكية ? بنمط امتلاكي-. وبما أن حب استطلاع القارئ يُوقَظُ أثناء القراءة، فإنه يريد معرفة البقية وما إذا كان بطل القصة سيموت أم لا، وما إذا كان سيفتن فتاة الرواية أم لا. وفي هذه الحالة تكون الرواية نوعا من المقدمة تثير القارئ وتكون النهاية إما سعيدة أو شقية. وعندما يعرف النهاية فإنه يتذكر القصة بكاملها وكأنه حفظها بالكامل، لكنه لا يصل من وراء هذه القراءة إلى أية معرفة تُذكر، ولا يُعمق معرفته بالإنسان بفهمه لشخصيات الرواية، كما أنه لا يتعلم أي شيئ عن نفسه ذاتها. ينطبق نفس التمييز على المؤلفات الفلسفية أو التاريخية. ذلك أن طريقة قراءة كتاب فلسفي أو تاريخي هي مسألة تربية. فالمدرسة تحاول تلقين المُتَمَدْرِس قدرا معينا من «امتلاك الثقافة»، وفي نهاية تعليمه يُشهد له بأنه امتلك على الأقل حدا أدنى من الثقافة. ولهذا السبب يُعلمه المرء قراءة كتاب من الكتب ليتمكن من توضيح الأفكار الرئيسية للمؤلف. وبهذه الطريقة يتعرف على أفلاطون وأرسطو وسبينوزا ولايبنتز وكنط وهيدجر وسارتر. ذلك أن مستويات التعليم المختلفة من الثانوي إلى المدارس العليا تختلف أساسا بالنظر إلى كمية مضمون التعليم، التي تطابق تقريبا كمية ما يملكه المرء ماديا، ويمكن للتلميذ استغلاله في حياته فيما بعد. والطالب المتميز، طبقا لمثل هذا النظام التعليمي، هو الذي يستطيع الإستظهار الشبه الدقيق لما قاله كل فيلسوف على حدة. إنه يشبه في هذه الحالة مرشد متحف مسكوكا كقطعة معدن. لكن ما لا يتعلمه هو ما يتجاوز امتلاك هذه المعرفة. لا يتعلم حط الفلاسفة محط تسائل والحديث معهم ليكون على بينة بأنهم يتناقضون مع أنفسهم وبأنهم يضعون إشكاليات بعينها بين قوسين ويتجنبون مواضيعا بعينها. لا يتعلم التمييز بين وجهات النظر التي أثرت في المؤلفين، التي كانت تُعتبر في زمانهم «عقلية»، وبين ما يمكنه أن يساهم به في وجهات النظر هاته. لا يُحس متى يترك المؤلف عقله يتكلم ومتى يشارك قلبه وعقله فيما يكتبه؛ لا يلاحظ ما إذا كان المؤلف أصيلا أو مراوغا وبائع فُقَّاعَات صابون. على العكس من هذا، يمكن للقارئ ذي التوجه الوجودي أن يصل إلى قناعة كون حتى أي كتاب يحصل على أكبر قدر من الإطراء قد يكون عديم القيمة نسبيا. فقد يفهم في بعض الأحيان كتابا ما أحسن من مؤلفه، الذي يعتقد بأن كل ما يكتبه هو مهم. المعرفة يعبر الفرق بين نمط الحياة الإمتلاكي ونظيره الوجودي عن نفسه في ميدان المعرفة في عبارات من قبيل «لي معرفة» و»أنا أعرف». حيازة المعرفة من طرف الإنسان الإمتلاكي يعني اقتناء المعرفة (المعلومة) والمحافظة عليها في حوزة ممتلكاته؛ وهي عند الإنسان الموجه وجوديا «أنا أعرف» وظيفية و جزء من عملية التفكير المُنتجة. يمكننا أن نعمق فهمنا لخصوصية المعرفة عند الإنسان الذي يعيش حياته بطريقة وجودية، عندما نستحضر في أذهاننا ما كان مفكرون مثل بودا والأنبياء والمسيح والمايستر إيكهارت وسيغموند فرويد وكارل ماركس يدافعون عنه. ذلك أن المعرفة تبدأ في نظرهم بالتعرف على الخداع عن طريق وعي ما يُسمى بالفهم البشري، ليس فقط في معنى كون الصورة التي نحملها عن الواقع الفيزيائي لا تطابق «الواقع الفعلي»، لكن بالخصوص في معنى كون أغلبية الناس تكون نصف نائمة و نصف حالمة ولا تفقه بأن أغلبية ما تعتقد بأنه صحيح وبديهي ما هو إلا وهم، يحصل عن طريق التأثير الإيحائي للمحيط الإجتماعي، حيث تعيش. انطلاقا من هذا، فإن المعرفة تبدأ بهدم الأوهام والخداع. إنها تعني المرور من القشرة الخارجية للولوج إلى الجذور، وبالتالي إلى الأسباب، والنظر للواقع مُجردا من كل صباغاته. لا تعني المعرفة امتلاك الحقيقة، لكن الولوج إلى مستوى أعمق من السطح ومحاولة الإقتراب ما أمكن عن طريق النقد والفعل إلى الحقيقة. تتضمن الكلمة العبرية «يادوا jadoa « خاصية الولوج الخَلاَّق، وتعني المعرفة والحب في معنى الولوج الجنسي الذكوري. فبوذا المستيقظ كان يأمر الناس بأن يستيقظوا ويتحرروا من الأوهام القائلة بأن امتلاك الأشياء يقود إلى السعادة. وقد كان الأنبياء يدعون البشر لكي يستيقظوا ويعرفوا بأن أوثانهم ليست إلا نتاجا لأيديهم وبأنها أوهام. وقد قال المسيح: «إن الحقيقة ستحرركم» (يوحنا 8، 32). و عبر المايستر إيكهارت عن تصوره للمعرفة مرات عديدة، كعندما قال عن معرفة الله: «إن المعرفة لا تضيف و لو فكرة واحدة، بل إنها تعوضها و تنفصل وتتقدم وتَمُس الله، كما هو عاريا، وتفهمه في كيانه» J. Quint, 1977, S. 238))؛ ( كان تعبير «العِري» و»عاري» من التعابير المفضلة عند المايستر إيكهارت ومعاصريه ومُؤَلِّف كتاب «غيمة عدم المعرفة»). أما بالنسبة لماركس، فإن: «المطالبة بالتخلي عن أوهام الوضع الشخصي، هي المطالبة بالتخلي عن وضع يحتاج إلى الأوهام» (Karl Marx, 1971, S. 208). ويتأسس مصطلح فرويد «معرفة الذات» على تصور ضرورة هدم الأوهام («عقلنة»)، لوعي الواقع اللاواعي. ما كان يهم هؤلاء المفكرين هو خلاص البشر، فقد وضعوا كلهم المخططات الفكرية المعترف بها اجتماعيا محط تسائل. لم يكن هدف المعرفة عندهم هو يقين «الحقيقة المطلقة»، التي يؤمن بها المرء بطريقة أكيدة، لكن تنفيذ العقل الإنساني الصحيح. ذلك أن عدم المعرفة بالنسبة لهولاء العارفين هي كذلك جيدة كالمعرفة، لأنهما جزئين لا يتجزءان لعملية المعرفة، حتى وإن كان هناك فرق بين هذا النوع من عدم المعرفة وجهل التفكير. إن أسمى هدف للنمط الوجودي في الحياة هو المعرفة العميقة، لكنه يكون في النمط الإمتلاكي في الحياة هو المزيد من المعرفة. يحاول نظامنا التعليمي عموما تجهيز الناس بالمعرفة كَمُلْك، و وفقا لذلك كملكية واحترام اجتماعي، قد يكون يستفيدون منه في حياتهم فيما بعد. فالحد الأدنى من المعرفة التي يحصلون عليها، هي كمية المعلومات التي يحتاجونها ليشتغلون {المقصود هنا كآلة، إضافة المترجم}. إضافة إلى هذا يتسلم كل واحد طردا كبيرا أو صغيرا من «المعرفة الفاخرة Luxuswissen» ليرفع من الشعور بالقيمة الذاتية، وبالتالي من وضعه الإجتماعي المُفترض. إن المدارس هي مصانع، تُصنع فيها طرود المعرفة، على الرغم من أن المرء يدعي بأن الهدف هو إيصال التلاميذ ليحتكوا بأسمى خاصيات العقل البشري. وتعرف الكثير من الكليات تغذية هذا الوهم بطريقة رائعة. ذلك أنها تقترح في مقرراتها مواد ضخمة للغاية كالفلسفة والفن الهنديين والوجودية والسريالية إلخ، يمكن لكل طالب أن يختار منها ما يُعجبه، لكي لا يُضَيِّق المرء على عفويته وحريته ولا يفرض ا عليه التركيز على موضوع ما، ولا قراءة كتاب إلى آخره (انظر النقد الراديكالي للنظام المدرسي الذي قدمه إيفان إيليتش Ivan Illich عام 1970)». | ||
إيريك فروم / ترجمة و تقديم: د. حميد لشهب، النمسا
الاتحاد الاشتراكي
07/11/2014
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
«الامتلاك أو الوجود في الحياة اليومية 2/2 ممارسة السلطة و الإيمان
إيريك فروم / ترجمة و تقديم: د. حميد لشهب
نقدم في هذا العدد نموذجين من النماذج التي تطرق لها فروم في كتابه: «الإمتلاك أو الوجود» للتمييز بين توجه شخصية الفرد الإمتلاكي أو الوجودي، و يتعلق الأمر بالسلطة و الإيمان. و هما مكونان أساسيان في حياة الأفراد و الجماعات، بل متكاملان، يؤثران في الحياة مباشرة و يتحكمان في عملية تطورها، سواء أكان هذا التطور سلبيا أو إيجابيا. و من المعروف أن أحد أهم انتقادات فروم للشيوعية في عز قوتها كان هو إيهام الناس بأن «الدين أفيون الشعوب» و من اللازم مقاومته، و قد أكد أكثر من مرة بأن هذا خطأ في فهم الفكر الماركسي في هذا الإطار. كمحلل نفسي ضليع، اعترف فروم بالتدين كحاجة ملحة للنفس البشرية، دون أن يربطه بدين معين، بل عمل على نقد عميق للمسيحية و لليهودية، لأنهما ابتعدتا في نظره أكثر من اللازم عن جوهرهما. فقد خرج فروم عن وعي من الدين اليهودي الذي كان يعتنقه، لأنه كان في نظره في التاريخ الطويل لتطوره، دين عنف و تحريض على العنف.
ما يجب تسجيله و حفظه في الوعي هو أن ممارسة السلطة في المنظور الفرومي لا يجب أن يخرج عن نطاق المساهمة في تطوير شخصية الإنسان ليصبح أحسنا و أعقلا و أكثر مسؤولية في محيطه الإجتماعي. و ما نلاحظه في المغرب حاليا في ميدان ممارسة السلطة، سواء أكانت من طرف الحكومة أو الأحزاب السياسية أو النقابات و التنظيمات الحقوقية، هو التركيز على السلطة في توجهها الإمتلاكي، و يعني هذا بصريح العبارة القضاء على كل محاولة لتطور الشعب ماديا و معنويا. إضافة إلى هذا، يتسائل المرء كيف يمكن لحزب اشتراكي تقدمي و يساري أن يضع يده في يد أحزاب يمينية في المعارضة، و كل شيئ يفرق بينه و بينها أيديولوجيا؛ و كيف حصل أن نسي المرء ما عانته الإشتراكية على يد هذه الأحزاب في سنوات الرصاص. إذا كانت ذاكرة السياسة قصيرة و تنسى أو تتناسى، فإن ذاكرة التاريخ تسجل كل شيئ بدقة و لا ترحم من قد تعميه إغراءات السلطة و تنسيه مبادئه الأساسية. كان من البديهيات التي كان على الإشتراكية المغربية القيام بها كأقصى أجل لإعادة حساباتها مع «مشروع المعارضة» مع اليمينية هو حسم الأمور بعدما أصبح البرلمان حلبة ملاكمة بين فريقين، فلا يُشفع تحت أية ذريعة كانت، لبرلمانيين التشابك بالأيدي؛ إلا إذا كان المرء يريد من ذلك شرعنة العنف في المجتمع.
أما في الميدان الديني، و في لحظة الإعلان عن «تنظيم الحقل الديني في المغرب» بمقتضى ظهير شريف في بداية هذه السنة، فإن المفكر الإشتراكي المغربي لم يهتم بالموضوع و يعطيه حقه من الدراسة و التحليل، بل صمت، و بهذا يزكي واقعة كون الدين الرسمي هو السبب الرئيس في هذا التسونامي الديني الهدام الذي استحوذ على المغرب في ربع القرن الأخير. الإعلان عن إعادة تنظيم الحقل الديني، هو إعلان عن فشل الدولة في هذا الميدان و محاولة لإعادة السيطرة على هذا الحقل بعد فوات الأوان. لعل أهم إنجاز حققه الإشتراكيون المغاربة عندما تحملوا المسؤولية في الحكومة كان هو نجاحهم في تعميم تدريس مادة الفلسفة في سنوات الباكالوريا و فتح مسالك للفلسفة في الكثير من الجامعات المغربية. فتدريس مادة الفلسفة هو بمثابة تعقيم للتلميذ و الطالب ضد كل تفكير انتهازي قد يتلاعب بالعقول و بالنفوس، لأنه يسلحه بحد أدنى من التسائل عما يتلقاه من الخارج، و هذا ما يضمن صعوبة أدلجة الشعب و حماية جسده من ممارسة السلطة و الدين الإمتلاكيين.
قد يتسائل متسائل لماذا نقوم كل مرة بهذا النقد العميق للفكر الإشتراكي المغربي من خلال تقديم أحد أهم كتب فروم: «الإمتلاك أو الوجود»، و هو الإشتراكي الملتزم، و جوابنا العفوي و الصريح و الصادق هو اقتناعنا بأن للفكر الإشتراكي المغربي خزان خلق و إبداع من اللازم تفعيله للتحرر من الوهم الذي أسقطتنا فيه الليبرالية، و المتمثل في «موت» هذا الفكر على الصعيد العالمي. إن اقتناعنا بالإشتراكية كموقف في الحياة و كنظام للحكم هو اقتناع راسخ لا يتزعزع. علاوة على هذا، فإن واقعة نشر جريدة الإتحاد الإشتراكي لمقالات و دراسات تنتقد الفكر الإشتراكي المغربي هي عربونا على نضج و قبول النقد الذاتي البناء، الذي ليس له هما آخر من غير تصحيح المسار و إرجاع الإشتراكية المغربية إلى خطها الأصلي: محاربة الفكر الليبرالي من جهة و التصدي للظلامية الدينية التي رمت بغطائها على عموم العالم المسلم من جهة أخرى.
«ممارسة السلطة
هناك مثال آخر للتمييز بين نمطي الحياة الإمتلاكي و الوجودي ألا وهو ممارسة السلطة. و النقطة الحاسمة في هذا الإطار هي ما إذا كان المرء سلطويا أو له السلطة. كل واحد منا تقريبا يمارس في مرحلة من مراحل حياته السلطة. فمن يربي الأطفال، يمارس، أراد هذا أم لا السلطة، لكي يحمي الطفل من المخاطر و يعطيه على الأقل حدا أدنى من النصائح السلوكية التي تساعده في أوضاع معينة. و تعتبر النساء في مجتمع أبيسي موضوع ممارسة السلطة. أما في المجتمعات المنظمة بيروقراطيا و طبقيا، كما هو الحال عليه بالنسبة لمجتمعنا، فإن أغلبية أعضاء هذا المجتمع تمارس السلطة، باستثناء الطبقات السفلى، التي لا تكون إلا موضوعا للسلطة.
لكي نفهم ما معنى السلطة في كلا نمطي الحياة المشار إليهما أعلاه، من اللازم ألا تفارق أعيننا واقعة كون مفهوم السلطة هذا جد شاسع و له معاني متعددة، منها ما هو «عقلاني» و منها ما هو «لاعقلاني». فالسلطة العقلانية تشجع نمو الإنسان الذي تُأْتَمَنُ عليه و تتأسس على الكفاءة. أما السلطة اللاعقلية فإنها تتأسس على القوة و تُستعمل لاستغلال من وُكِّلَ لها أمر السهر عليهم. و قد شرحت هذا الفرق في كتابي «الخوف من الحرية»، 1941أ.
كان ذاك الذي كانت كفاءته معترفا بها على العموم هو الذي يُمارس السلطة في المجتمعات البدائية للصيادة و الملتقطة. و كانت خصوصيات هذه الكفاءة تتوقف على الظروف: ما كان يأخذ في عين الإعتبار هي التجربة في الميدان و الحكمة و السخاء و المهارة و الشخصية القوية و الشجاعة. و لا توجد في الكثير من القبائل البدائية أية سلطة دائمة، لكن هناك سلطة لكل موقف أو ظرف، يعني أن هناك سلطات متعددة بتعدد المناسبات كالحرب و الشعائر الدينية و التوسط في النزاعات. و عندما تغيب أو تقل الخاصيات التي تتأسس عليها السلطة، فإن هذه الأخيرة تنتهي. و نجد تقريبا نفس نموذج السلطة في الكثير من مجتمعات القردة، و هي سلطة لا تقوم بالضرورة على القوة البدنية، لكن على خاصيات كالتجربة و «الحكمة». و قد برهن ج. م. ديلغادو J. M. Delgado (1967)، طبقا لتجربة قام بها على القردة، بأن سلطة القرد المُسيطر تنتهي، حتى و إن حدث ذلك مؤقتا فقط، عندما يفقد الخصوصيات التي تشكل سلطته.
إن السلطة المؤسسة على توجه وجودي لا تتأسس فقط على قدرات معينة لِتَحَمُّلِ وظائف اجتماعية محددة، لكنها تتأسس كذلك على شخصية الإنسان الذي يصل إلى مستوى عال من تحقيق الذات و الإكتمال. فمثل هذا الإنسان يُشِيع السلطة دون تهديد و لا رشهوة و لا إعطاء أوامر، يتعلق الأمر ببساطة بفرد متطور جدا، يُظْهِر عن طريق ما هو/ماهيته ? و ليس فقط من خلال ما يقوله و يفعله- ما قد يكون عليه الإنسان. و قد كان كبار معلمي الإنسانية يتمتعون بمثل هذه السلطة و نجد نماذج مثلهم، لكن بأقل كمال، عند أناس من مستويات تعليم مختلفة في ثقافات متعددة. و يدور مشكل التربية حول هذه الإشكالية: لو كان الوالدان متطوران أكثر و يرتاحون في وسط ذواتهم، فلن يكون هناك أي صراع تقريبا على ما إذا كانا سلطويين أو «اتركه يعمل laisser faire» { أي لامبالات بتربية الأطفال تقريبا = إضافة المترجم}. ذلك أن الطفل يستجيب بطواعية للتربية ذات توجه وجودي، لأنه يحتاجها؛ و يثور ضد من يحاول فرض شيئ عليه أو يُهمله، ممن يُظهر بأنه لا يقوم بما يطالب الطفل القيام به.
بظهور المجتمعات المؤسسة على نظام سُلَّم اجتماعي طبقي و معقدة أكثر من مجتمع الإلتقاط و الصيد، عُوِّضَت السلطة القائمة على الكفاءة بالسلطة القائمة على الوضع الإجتماعي. و لا يعني هذا بأن السلطة القائمة حاليا هي سلطة غير كُفأة بالضرورة، لكن هذا يعني فقط بأن الكفاءة ليست عنصرا جوهريا بالنسبة لها. فسواء تعلق الأمر بالسلطة المَلَكِيَة، التي يكون فيها يانصيب الجينات البيولوجية حاسما في مقابل الكفاءة، أو بمجرم م ليس الضمير ممن يُصبح سلطة عن طريق الغدر و القتل، أو تعلق الأمر، كما يحدث غالبا في الديمقراطية الحالية، بسلطات تُنتخب لمظهرها الرقيق أو للمال الذي تنفقه على الحملة الإنتخابية؛ فإن لا علاقة تقريبا للكفاءة بالسلطة. و في الحالات التي تقوم فيها سلطة على أساس كفاءات معينة، تظهر مشاكل جدية كثيرة. قد يكون قائد كفئا في ميدان ما و غير كفئ في ميدان آخر، كأن يكون مثلا رئيس دولة كفأ في الحرب، لكنه يخفق في السلم. و قد يكون سياسيا ما في بداية مشواره صادقا و شجاعا، لكنه يفقد في ممارسته للسلطة هاتين الخاصيتين. فقد يكون سبب هذا هو تقدمه في السن أو عائق جسدي ما. في نهاية المطاف فقد كان من السهل بكثير على أعضاء قبيلة بدائية صغيرة الحكم على سلوك شخصية سلطة بالمقارنة مع ملايين الناس في نظامنا الحالي، ذلك أنهم لا يُكَوِّنُونَ صورة عن مُنتخبيهم إلا من خلال التلاعب بالمعلومات عنهم و تدليس الحقائق على شخصيتهم، و هي صورة يُصممها عنه المتخصصون في العلاقات العامة.
كيفما كانت أسباب خُسران الخاصيات التي تمنح الكفاءة، فإن عملية استيلاب/تغريب السلطة تتم في الغالب في المجتمعات الكبيرة المنظمة طبقيا. ذلك أن الكفاءة الفعلية أو الخيالية تُلْصَقُ بالبذلة أو باللقب المهني لشخص ما. فإذا كان شخص ما يرتدي بذلة معينة أو يحمل لقبا ما، فإن هذه الرموز الخارجية تُعوض الكفاءة الفعلية و الجودة التي تتأسس عليها. فالملك، لنطبق هذا اللقب كرمز لهذا النوع من السلطة كمثال، قد يكون غبيا و سفاحا و شريرا، يعني غير مناسب تماما ليكون سلطة، لكنه يكون ممتلكا لها. فطالما كان له هذا اللقب، طالما افترض المرء بأنه يمتلك الخاصيات التي تمنح له الكفاءات الضرورية لهذه السلطة. و حتى و إن كان القيصر عاريا، فإن المرء يعتقد بأنه لابس لملابسه.
لا يحدث اعتبار البشر البذلة و الألقاب كتعويض للكفاءات حدوثا ذاتيا تلقائيا. ذلك أن أصحاب السلطة و كل الذين يستغلونها يُقنعون الناس بهذا الوهم و يقتلون ملكة التفكير الواقعي فيهم. فكل إنسان يفكر يعرف حق المعرفة طُرق عمل الدعاية، و هي طُرُق تُقتل بها قدرة الحكم النقدي في البشر و تهدِّأ عقولهم لبعض الوقت إلى أن يخضعون للكليشيهيات، التي تُسَفِّهَهُم، لأنها تجعل منهم تابعين و تسرق منهم القدرة على الثقة بعيونهم و بملكة حكمهم. و هذا الوهم الذي يؤمنون به هو الذي يعمي عيونهم لرؤية الواقع كما هو.
الإيمان
قد يكون لمفهوم الإيمان في الميدان الديني و السياسي و الشخصي معنيين مختلفين تماما، حسب استعماله في المعنى الإمتلاكي أو الوجودي.
يعني الإيمان في نمط الحياة الإمتلاكي، امتلاك أجوبة لا يكون للمرء أي برهان عقلي عليها. و يتكون هذا البرهان من تعابير أُعطيت له من طرف آخرين، تُقبل لأن المرء يكون خاضعا لهؤلاء الآخرين ? يتعلق الأمر عادة ببيروقراطية معينة-. يمنح مثل هذا الإيمان الشعور باليقين بسبب السلطة الفعلية للبيروقراطية (أو حتى السلطة المُتخيلة). و هو إلى هذا ورقة الدخول، يشتريها المرء لينتمي لمجموعة بشرية معينة، و تعفيه من مهمة صعبة أخرى تتمثل في التفكير بنفسه و أخذ قرارات. و بهذا يصبح المرء من beati possidentes، أي مالكي الإيمان الصحيح السعداء. و يدعي هذا النوع من الإيمان في آخر المطاف بأنه يُعلن عن معرفة غير قابلة للإهتزاز، يقينة، لأنه يظهر بأن سلطة أولائك الذين يُعْلِنون عن هذا الإيمان و يحمونه قوية و لا تقبل الإهتزاز. و من منا لا يريد اليقين، إذا لم يكن يتطلب أكثر من التخلي عن الإستقلال الذاتي؟
إن الله، الذي يعتبر في الأصل رمزا لأسمى قيمة، و الذي يمكن أن نقوم بتجربة ذاتية معه في داخلنا، يُصبح في نمط حياة امتلاكي أيقونة/صنما. و يعني هذا في معنى الأنبياء شيئا صُنع من طرف البشر، يعكس الإنسان عليه قوته الذاتية و بهذا يصبح ضعيفا في ذاته. إنه يخضع إذن إلى ما خلقه هو بنفسه و يقوم بتجربة ذاته من خلال هذا الخضوع في شكل مُستلب. يمكنني أن أمتلك الأيقونة، لأنها شيئا ما، لكن في آخر المطاف هي التي تمتلكني بسبب خضوعي لها.
طالما أن الله قد أصبح أيقونة، فإن لا علاقة هناك لخصوصياته المُفترضة بالتجربة الشخصية للمرء، كما هو الأمر بالنسبة للأنسقة السياسية المُستلِبة. قد تُعبد الأيقونة كإلاه رحيم، لكن المرء يُمارس كل قسوة باسمها، كما هو الأمر في الإعتقاد الغريب في التضامن بين البشر، و هو اعتقاد لا يضع الأفعال اللإنسانية للبشر موضع تسائل. يُعتبر الإيمان في نمط الحياة الإمتلاكي العُكَّاز الذي يتكأ عليه كل الذين يبحثون عن اليقين و يرغبون في العثور على معنى ما للحياة، دون أن تكون لهم شجاعة البحث عن هذا الإيمان باستقلال عن هذا العُكّاز.
يعتبر الإيمان ظاهرة مغايرة تماما في نمط الحياة الوجودي. أيستطيع الإنسان أن يعيش دون إيمان؟ ألا يؤمن الرضيع بثذي أمه؟ ألا نعتقد كلنا بالناس الآخرين و في من نحب و في أنفسنا ذاتها؟ أيمكن أن نعيش دون الإعتقاد في صلاحية القيم لحياتنا؟ يصبح الإنسان دون إيمان غير مثمر بالفعل، دون أمل و قلِق في وجوده الداخلي العميق.
لا يعتبر الإيمان في نمط الحياة الوجودي، اعتقاد في المقام الأول في أفكار معينة، على الرغم من الأمر قد يكون هكذا. لكنه تَوَجُّه داخلي، إنه موقف و تصور. من الأحسن القول: إن المرء في الإيمان عوض القول إن للمرء إيمان. تميز علوم الدين بين الإيمان الإعتقادي fides quae creditur و الإيمان الذي يعتقد fides qua creditur، و هو أمر يعكس التمييز بين الإيمان كمضمون و الإيمان كفعل. يمكن للمرء أن يعتقد في نفسه و في الآخرين. يمكن للإنسان المتدين أن يعتقد في الله. ذلك أن إله التوراة هو قبل كل شيئ نفي للأصنام و للألهة التي يمكن للمرء أن يمتلكها. فمفهوم الله، الذي فُكِّر بتشبيه بملك شرقي، تعالى بنفسه منذ البداية. لا يحق تسميته و لا رسمه. و في التطور اللاحق لليهودية و للمسيحية حاول المرء تحقيق تخليص الله من اعتباره تمثالا، يعني القضاء على خطر جعله أيقونة، ببناء مُسَلَّمة مفادها عدم السماح بقول أي شيئ عن صفاته. و هناك محاولة راديكالية في التصوف المسيحي، مثلها Areopagia Pseudo-Dionysios و أخرون مثل مؤلف كتاب «غيمة عدم المعرفة» الغير المعروف و المايستر إيكهارت، الذين قادتهم الرغبة في تطهير مفهوم الله من كل تشبيه لاعتباره (لاشيئا)، وكانت النتيجة هي تصورات عُبِّر عنها في Veden و في الأفلاطونية المحدثة. و يكون هذا النوع من الإيمان مضمونا عن طريق التجربة الداخلية للذات الشخصية بذاتها للصفات الإلهية، و هو بهذا عملية مستدامة و نشيطة للإبداع الذاتي، أو كما قال المايستر إيكهارت: يولد المسيح أزليا فينا.
حتى اعتقادي في ذاتي و في الناس الآخرين و في الإنسانية و في قُدرات الإنسان ليصبح إنسانا حقيقيا تتضمن اليقين. لكنه يقين يتأسس على تجربتي الشخصية و ليس على أساس خضوعي لسلطة ما، تفرض علي اعتقادا معينا. إنها يقين حقيقة، لا يمكن البرهنة عليها عن طريق دليل عقلي ضروري واضح، لكنني أكون مقنتعا بها بسبب دليل تجربتي الذاتية. يسمى الإيمان في العبرية إيمونا Emuna، و يعني «يقين»، و تعني كلمة آمين «يقينيا». عندما أكون متيقنا من أصالة إنسان ما، فلا يمكنني أن «أبرهن» على هذه الأخيرة إلى آخر يوم في حياته، و إذا أخذنا الأمر بصرامة من وجهة نظر وضعية، فإن هذا لا يعني بأنه قد يحتفظ بهذه الأصالة إلى أن يموت، فقد يفقدها لو أنه عاش أطول. ذلك أن يقيني ينبني على معرفتي الأساسية بالآخر و على كوني أحب ذاتي و أعيش أصالتي. و تعتمد مثل هذه المعرفة على ما إذا كان الإنسان قادرا على التخلص من أناه و ما إذا كان بإمكانه أن يرى الآخر في وجوده هكذا So-sein و التعرف على بنية قواه الداخلية، و ما إذا كان بإمكان المرء أن يرى هذا الآخر في فردانيته و في نفس الوقت كجزء من الإنسانية كلها. و بهذا يعرف المرء ما يعمله و ما لا يمكن أن يعمله و لن يعمله. و لا أعني بهذا من طبيعة الحال أنه بإمكان المرء التنبأ بمجموع سلوكه المستقبلي، لكن هناك خطوط أساسية في سلوكه تتجدر في خصائص طبعه، كالأصالة مثلا و الوعي بالمسؤولية. و تتأسس هذه الثقة على وقائع، و بهذا تكون عقلية، لكن لا يمكن الكشف عن هذه الوقائع بمناهج السيكولوجية الوضعية المعهودة و «البرهنة» عليها. فأنا الوحيد الذي يمكنني «تسجيلها» بقوة حيويتي الذاتية».
الاتحاد الاشتراكي
14/11/2014
إيريك فروم / ترجمة و تقديم: د. حميد لشهب
نقدم في هذا العدد نموذجين من النماذج التي تطرق لها فروم في كتابه: «الإمتلاك أو الوجود» للتمييز بين توجه شخصية الفرد الإمتلاكي أو الوجودي، و يتعلق الأمر بالسلطة و الإيمان. و هما مكونان أساسيان في حياة الأفراد و الجماعات، بل متكاملان، يؤثران في الحياة مباشرة و يتحكمان في عملية تطورها، سواء أكان هذا التطور سلبيا أو إيجابيا. و من المعروف أن أحد أهم انتقادات فروم للشيوعية في عز قوتها كان هو إيهام الناس بأن «الدين أفيون الشعوب» و من اللازم مقاومته، و قد أكد أكثر من مرة بأن هذا خطأ في فهم الفكر الماركسي في هذا الإطار. كمحلل نفسي ضليع، اعترف فروم بالتدين كحاجة ملحة للنفس البشرية، دون أن يربطه بدين معين، بل عمل على نقد عميق للمسيحية و لليهودية، لأنهما ابتعدتا في نظره أكثر من اللازم عن جوهرهما. فقد خرج فروم عن وعي من الدين اليهودي الذي كان يعتنقه، لأنه كان في نظره في التاريخ الطويل لتطوره، دين عنف و تحريض على العنف.
ما يجب تسجيله و حفظه في الوعي هو أن ممارسة السلطة في المنظور الفرومي لا يجب أن يخرج عن نطاق المساهمة في تطوير شخصية الإنسان ليصبح أحسنا و أعقلا و أكثر مسؤولية في محيطه الإجتماعي. و ما نلاحظه في المغرب حاليا في ميدان ممارسة السلطة، سواء أكانت من طرف الحكومة أو الأحزاب السياسية أو النقابات و التنظيمات الحقوقية، هو التركيز على السلطة في توجهها الإمتلاكي، و يعني هذا بصريح العبارة القضاء على كل محاولة لتطور الشعب ماديا و معنويا. إضافة إلى هذا، يتسائل المرء كيف يمكن لحزب اشتراكي تقدمي و يساري أن يضع يده في يد أحزاب يمينية في المعارضة، و كل شيئ يفرق بينه و بينها أيديولوجيا؛ و كيف حصل أن نسي المرء ما عانته الإشتراكية على يد هذه الأحزاب في سنوات الرصاص. إذا كانت ذاكرة السياسة قصيرة و تنسى أو تتناسى، فإن ذاكرة التاريخ تسجل كل شيئ بدقة و لا ترحم من قد تعميه إغراءات السلطة و تنسيه مبادئه الأساسية. كان من البديهيات التي كان على الإشتراكية المغربية القيام بها كأقصى أجل لإعادة حساباتها مع «مشروع المعارضة» مع اليمينية هو حسم الأمور بعدما أصبح البرلمان حلبة ملاكمة بين فريقين، فلا يُشفع تحت أية ذريعة كانت، لبرلمانيين التشابك بالأيدي؛ إلا إذا كان المرء يريد من ذلك شرعنة العنف في المجتمع.
أما في الميدان الديني، و في لحظة الإعلان عن «تنظيم الحقل الديني في المغرب» بمقتضى ظهير شريف في بداية هذه السنة، فإن المفكر الإشتراكي المغربي لم يهتم بالموضوع و يعطيه حقه من الدراسة و التحليل، بل صمت، و بهذا يزكي واقعة كون الدين الرسمي هو السبب الرئيس في هذا التسونامي الديني الهدام الذي استحوذ على المغرب في ربع القرن الأخير. الإعلان عن إعادة تنظيم الحقل الديني، هو إعلان عن فشل الدولة في هذا الميدان و محاولة لإعادة السيطرة على هذا الحقل بعد فوات الأوان. لعل أهم إنجاز حققه الإشتراكيون المغاربة عندما تحملوا المسؤولية في الحكومة كان هو نجاحهم في تعميم تدريس مادة الفلسفة في سنوات الباكالوريا و فتح مسالك للفلسفة في الكثير من الجامعات المغربية. فتدريس مادة الفلسفة هو بمثابة تعقيم للتلميذ و الطالب ضد كل تفكير انتهازي قد يتلاعب بالعقول و بالنفوس، لأنه يسلحه بحد أدنى من التسائل عما يتلقاه من الخارج، و هذا ما يضمن صعوبة أدلجة الشعب و حماية جسده من ممارسة السلطة و الدين الإمتلاكيين.
قد يتسائل متسائل لماذا نقوم كل مرة بهذا النقد العميق للفكر الإشتراكي المغربي من خلال تقديم أحد أهم كتب فروم: «الإمتلاك أو الوجود»، و هو الإشتراكي الملتزم، و جوابنا العفوي و الصريح و الصادق هو اقتناعنا بأن للفكر الإشتراكي المغربي خزان خلق و إبداع من اللازم تفعيله للتحرر من الوهم الذي أسقطتنا فيه الليبرالية، و المتمثل في «موت» هذا الفكر على الصعيد العالمي. إن اقتناعنا بالإشتراكية كموقف في الحياة و كنظام للحكم هو اقتناع راسخ لا يتزعزع. علاوة على هذا، فإن واقعة نشر جريدة الإتحاد الإشتراكي لمقالات و دراسات تنتقد الفكر الإشتراكي المغربي هي عربونا على نضج و قبول النقد الذاتي البناء، الذي ليس له هما آخر من غير تصحيح المسار و إرجاع الإشتراكية المغربية إلى خطها الأصلي: محاربة الفكر الليبرالي من جهة و التصدي للظلامية الدينية التي رمت بغطائها على عموم العالم المسلم من جهة أخرى.
«ممارسة السلطة
هناك مثال آخر للتمييز بين نمطي الحياة الإمتلاكي و الوجودي ألا وهو ممارسة السلطة. و النقطة الحاسمة في هذا الإطار هي ما إذا كان المرء سلطويا أو له السلطة. كل واحد منا تقريبا يمارس في مرحلة من مراحل حياته السلطة. فمن يربي الأطفال، يمارس، أراد هذا أم لا السلطة، لكي يحمي الطفل من المخاطر و يعطيه على الأقل حدا أدنى من النصائح السلوكية التي تساعده في أوضاع معينة. و تعتبر النساء في مجتمع أبيسي موضوع ممارسة السلطة. أما في المجتمعات المنظمة بيروقراطيا و طبقيا، كما هو الحال عليه بالنسبة لمجتمعنا، فإن أغلبية أعضاء هذا المجتمع تمارس السلطة، باستثناء الطبقات السفلى، التي لا تكون إلا موضوعا للسلطة.
لكي نفهم ما معنى السلطة في كلا نمطي الحياة المشار إليهما أعلاه، من اللازم ألا تفارق أعيننا واقعة كون مفهوم السلطة هذا جد شاسع و له معاني متعددة، منها ما هو «عقلاني» و منها ما هو «لاعقلاني». فالسلطة العقلانية تشجع نمو الإنسان الذي تُأْتَمَنُ عليه و تتأسس على الكفاءة. أما السلطة اللاعقلية فإنها تتأسس على القوة و تُستعمل لاستغلال من وُكِّلَ لها أمر السهر عليهم. و قد شرحت هذا الفرق في كتابي «الخوف من الحرية»، 1941أ.
كان ذاك الذي كانت كفاءته معترفا بها على العموم هو الذي يُمارس السلطة في المجتمعات البدائية للصيادة و الملتقطة. و كانت خصوصيات هذه الكفاءة تتوقف على الظروف: ما كان يأخذ في عين الإعتبار هي التجربة في الميدان و الحكمة و السخاء و المهارة و الشخصية القوية و الشجاعة. و لا توجد في الكثير من القبائل البدائية أية سلطة دائمة، لكن هناك سلطة لكل موقف أو ظرف، يعني أن هناك سلطات متعددة بتعدد المناسبات كالحرب و الشعائر الدينية و التوسط في النزاعات. و عندما تغيب أو تقل الخاصيات التي تتأسس عليها السلطة، فإن هذه الأخيرة تنتهي. و نجد تقريبا نفس نموذج السلطة في الكثير من مجتمعات القردة، و هي سلطة لا تقوم بالضرورة على القوة البدنية، لكن على خاصيات كالتجربة و «الحكمة». و قد برهن ج. م. ديلغادو J. M. Delgado (1967)، طبقا لتجربة قام بها على القردة، بأن سلطة القرد المُسيطر تنتهي، حتى و إن حدث ذلك مؤقتا فقط، عندما يفقد الخصوصيات التي تشكل سلطته.
إن السلطة المؤسسة على توجه وجودي لا تتأسس فقط على قدرات معينة لِتَحَمُّلِ وظائف اجتماعية محددة، لكنها تتأسس كذلك على شخصية الإنسان الذي يصل إلى مستوى عال من تحقيق الذات و الإكتمال. فمثل هذا الإنسان يُشِيع السلطة دون تهديد و لا رشهوة و لا إعطاء أوامر، يتعلق الأمر ببساطة بفرد متطور جدا، يُظْهِر عن طريق ما هو/ماهيته ? و ليس فقط من خلال ما يقوله و يفعله- ما قد يكون عليه الإنسان. و قد كان كبار معلمي الإنسانية يتمتعون بمثل هذه السلطة و نجد نماذج مثلهم، لكن بأقل كمال، عند أناس من مستويات تعليم مختلفة في ثقافات متعددة. و يدور مشكل التربية حول هذه الإشكالية: لو كان الوالدان متطوران أكثر و يرتاحون في وسط ذواتهم، فلن يكون هناك أي صراع تقريبا على ما إذا كانا سلطويين أو «اتركه يعمل laisser faire» { أي لامبالات بتربية الأطفال تقريبا = إضافة المترجم}. ذلك أن الطفل يستجيب بطواعية للتربية ذات توجه وجودي، لأنه يحتاجها؛ و يثور ضد من يحاول فرض شيئ عليه أو يُهمله، ممن يُظهر بأنه لا يقوم بما يطالب الطفل القيام به.
بظهور المجتمعات المؤسسة على نظام سُلَّم اجتماعي طبقي و معقدة أكثر من مجتمع الإلتقاط و الصيد، عُوِّضَت السلطة القائمة على الكفاءة بالسلطة القائمة على الوضع الإجتماعي. و لا يعني هذا بأن السلطة القائمة حاليا هي سلطة غير كُفأة بالضرورة، لكن هذا يعني فقط بأن الكفاءة ليست عنصرا جوهريا بالنسبة لها. فسواء تعلق الأمر بالسلطة المَلَكِيَة، التي يكون فيها يانصيب الجينات البيولوجية حاسما في مقابل الكفاءة، أو بمجرم م ليس الضمير ممن يُصبح سلطة عن طريق الغدر و القتل، أو تعلق الأمر، كما يحدث غالبا في الديمقراطية الحالية، بسلطات تُنتخب لمظهرها الرقيق أو للمال الذي تنفقه على الحملة الإنتخابية؛ فإن لا علاقة تقريبا للكفاءة بالسلطة. و في الحالات التي تقوم فيها سلطة على أساس كفاءات معينة، تظهر مشاكل جدية كثيرة. قد يكون قائد كفئا في ميدان ما و غير كفئ في ميدان آخر، كأن يكون مثلا رئيس دولة كفأ في الحرب، لكنه يخفق في السلم. و قد يكون سياسيا ما في بداية مشواره صادقا و شجاعا، لكنه يفقد في ممارسته للسلطة هاتين الخاصيتين. فقد يكون سبب هذا هو تقدمه في السن أو عائق جسدي ما. في نهاية المطاف فقد كان من السهل بكثير على أعضاء قبيلة بدائية صغيرة الحكم على سلوك شخصية سلطة بالمقارنة مع ملايين الناس في نظامنا الحالي، ذلك أنهم لا يُكَوِّنُونَ صورة عن مُنتخبيهم إلا من خلال التلاعب بالمعلومات عنهم و تدليس الحقائق على شخصيتهم، و هي صورة يُصممها عنه المتخصصون في العلاقات العامة.
كيفما كانت أسباب خُسران الخاصيات التي تمنح الكفاءة، فإن عملية استيلاب/تغريب السلطة تتم في الغالب في المجتمعات الكبيرة المنظمة طبقيا. ذلك أن الكفاءة الفعلية أو الخيالية تُلْصَقُ بالبذلة أو باللقب المهني لشخص ما. فإذا كان شخص ما يرتدي بذلة معينة أو يحمل لقبا ما، فإن هذه الرموز الخارجية تُعوض الكفاءة الفعلية و الجودة التي تتأسس عليها. فالملك، لنطبق هذا اللقب كرمز لهذا النوع من السلطة كمثال، قد يكون غبيا و سفاحا و شريرا، يعني غير مناسب تماما ليكون سلطة، لكنه يكون ممتلكا لها. فطالما كان له هذا اللقب، طالما افترض المرء بأنه يمتلك الخاصيات التي تمنح له الكفاءات الضرورية لهذه السلطة. و حتى و إن كان القيصر عاريا، فإن المرء يعتقد بأنه لابس لملابسه.
لا يحدث اعتبار البشر البذلة و الألقاب كتعويض للكفاءات حدوثا ذاتيا تلقائيا. ذلك أن أصحاب السلطة و كل الذين يستغلونها يُقنعون الناس بهذا الوهم و يقتلون ملكة التفكير الواقعي فيهم. فكل إنسان يفكر يعرف حق المعرفة طُرق عمل الدعاية، و هي طُرُق تُقتل بها قدرة الحكم النقدي في البشر و تهدِّأ عقولهم لبعض الوقت إلى أن يخضعون للكليشيهيات، التي تُسَفِّهَهُم، لأنها تجعل منهم تابعين و تسرق منهم القدرة على الثقة بعيونهم و بملكة حكمهم. و هذا الوهم الذي يؤمنون به هو الذي يعمي عيونهم لرؤية الواقع كما هو.
الإيمان
قد يكون لمفهوم الإيمان في الميدان الديني و السياسي و الشخصي معنيين مختلفين تماما، حسب استعماله في المعنى الإمتلاكي أو الوجودي.
يعني الإيمان في نمط الحياة الإمتلاكي، امتلاك أجوبة لا يكون للمرء أي برهان عقلي عليها. و يتكون هذا البرهان من تعابير أُعطيت له من طرف آخرين، تُقبل لأن المرء يكون خاضعا لهؤلاء الآخرين ? يتعلق الأمر عادة ببيروقراطية معينة-. يمنح مثل هذا الإيمان الشعور باليقين بسبب السلطة الفعلية للبيروقراطية (أو حتى السلطة المُتخيلة). و هو إلى هذا ورقة الدخول، يشتريها المرء لينتمي لمجموعة بشرية معينة، و تعفيه من مهمة صعبة أخرى تتمثل في التفكير بنفسه و أخذ قرارات. و بهذا يصبح المرء من beati possidentes، أي مالكي الإيمان الصحيح السعداء. و يدعي هذا النوع من الإيمان في آخر المطاف بأنه يُعلن عن معرفة غير قابلة للإهتزاز، يقينة، لأنه يظهر بأن سلطة أولائك الذين يُعْلِنون عن هذا الإيمان و يحمونه قوية و لا تقبل الإهتزاز. و من منا لا يريد اليقين، إذا لم يكن يتطلب أكثر من التخلي عن الإستقلال الذاتي؟
إن الله، الذي يعتبر في الأصل رمزا لأسمى قيمة، و الذي يمكن أن نقوم بتجربة ذاتية معه في داخلنا، يُصبح في نمط حياة امتلاكي أيقونة/صنما. و يعني هذا في معنى الأنبياء شيئا صُنع من طرف البشر، يعكس الإنسان عليه قوته الذاتية و بهذا يصبح ضعيفا في ذاته. إنه يخضع إذن إلى ما خلقه هو بنفسه و يقوم بتجربة ذاته من خلال هذا الخضوع في شكل مُستلب. يمكنني أن أمتلك الأيقونة، لأنها شيئا ما، لكن في آخر المطاف هي التي تمتلكني بسبب خضوعي لها.
طالما أن الله قد أصبح أيقونة، فإن لا علاقة هناك لخصوصياته المُفترضة بالتجربة الشخصية للمرء، كما هو الأمر بالنسبة للأنسقة السياسية المُستلِبة. قد تُعبد الأيقونة كإلاه رحيم، لكن المرء يُمارس كل قسوة باسمها، كما هو الأمر في الإعتقاد الغريب في التضامن بين البشر، و هو اعتقاد لا يضع الأفعال اللإنسانية للبشر موضع تسائل. يُعتبر الإيمان في نمط الحياة الإمتلاكي العُكَّاز الذي يتكأ عليه كل الذين يبحثون عن اليقين و يرغبون في العثور على معنى ما للحياة، دون أن تكون لهم شجاعة البحث عن هذا الإيمان باستقلال عن هذا العُكّاز.
يعتبر الإيمان ظاهرة مغايرة تماما في نمط الحياة الوجودي. أيستطيع الإنسان أن يعيش دون إيمان؟ ألا يؤمن الرضيع بثذي أمه؟ ألا نعتقد كلنا بالناس الآخرين و في من نحب و في أنفسنا ذاتها؟ أيمكن أن نعيش دون الإعتقاد في صلاحية القيم لحياتنا؟ يصبح الإنسان دون إيمان غير مثمر بالفعل، دون أمل و قلِق في وجوده الداخلي العميق.
لا يعتبر الإيمان في نمط الحياة الوجودي، اعتقاد في المقام الأول في أفكار معينة، على الرغم من الأمر قد يكون هكذا. لكنه تَوَجُّه داخلي، إنه موقف و تصور. من الأحسن القول: إن المرء في الإيمان عوض القول إن للمرء إيمان. تميز علوم الدين بين الإيمان الإعتقادي fides quae creditur و الإيمان الذي يعتقد fides qua creditur، و هو أمر يعكس التمييز بين الإيمان كمضمون و الإيمان كفعل. يمكن للمرء أن يعتقد في نفسه و في الآخرين. يمكن للإنسان المتدين أن يعتقد في الله. ذلك أن إله التوراة هو قبل كل شيئ نفي للأصنام و للألهة التي يمكن للمرء أن يمتلكها. فمفهوم الله، الذي فُكِّر بتشبيه بملك شرقي، تعالى بنفسه منذ البداية. لا يحق تسميته و لا رسمه. و في التطور اللاحق لليهودية و للمسيحية حاول المرء تحقيق تخليص الله من اعتباره تمثالا، يعني القضاء على خطر جعله أيقونة، ببناء مُسَلَّمة مفادها عدم السماح بقول أي شيئ عن صفاته. و هناك محاولة راديكالية في التصوف المسيحي، مثلها Areopagia Pseudo-Dionysios و أخرون مثل مؤلف كتاب «غيمة عدم المعرفة» الغير المعروف و المايستر إيكهارت، الذين قادتهم الرغبة في تطهير مفهوم الله من كل تشبيه لاعتباره (لاشيئا)، وكانت النتيجة هي تصورات عُبِّر عنها في Veden و في الأفلاطونية المحدثة. و يكون هذا النوع من الإيمان مضمونا عن طريق التجربة الداخلية للذات الشخصية بذاتها للصفات الإلهية، و هو بهذا عملية مستدامة و نشيطة للإبداع الذاتي، أو كما قال المايستر إيكهارت: يولد المسيح أزليا فينا.
حتى اعتقادي في ذاتي و في الناس الآخرين و في الإنسانية و في قُدرات الإنسان ليصبح إنسانا حقيقيا تتضمن اليقين. لكنه يقين يتأسس على تجربتي الشخصية و ليس على أساس خضوعي لسلطة ما، تفرض علي اعتقادا معينا. إنها يقين حقيقة، لا يمكن البرهنة عليها عن طريق دليل عقلي ضروري واضح، لكنني أكون مقنتعا بها بسبب دليل تجربتي الذاتية. يسمى الإيمان في العبرية إيمونا Emuna، و يعني «يقين»، و تعني كلمة آمين «يقينيا». عندما أكون متيقنا من أصالة إنسان ما، فلا يمكنني أن «أبرهن» على هذه الأخيرة إلى آخر يوم في حياته، و إذا أخذنا الأمر بصرامة من وجهة نظر وضعية، فإن هذا لا يعني بأنه قد يحتفظ بهذه الأصالة إلى أن يموت، فقد يفقدها لو أنه عاش أطول. ذلك أن يقيني ينبني على معرفتي الأساسية بالآخر و على كوني أحب ذاتي و أعيش أصالتي. و تعتمد مثل هذه المعرفة على ما إذا كان الإنسان قادرا على التخلص من أناه و ما إذا كان بإمكانه أن يرى الآخر في وجوده هكذا So-sein و التعرف على بنية قواه الداخلية، و ما إذا كان بإمكان المرء أن يرى هذا الآخر في فردانيته و في نفس الوقت كجزء من الإنسانية كلها. و بهذا يعرف المرء ما يعمله و ما لا يمكن أن يعمله و لن يعمله. و لا أعني بهذا من طبيعة الحال أنه بإمكان المرء التنبأ بمجموع سلوكه المستقبلي، لكن هناك خطوط أساسية في سلوكه تتجدر في خصائص طبعه، كالأصالة مثلا و الوعي بالمسؤولية. و تتأسس هذه الثقة على وقائع، و بهذا تكون عقلية، لكن لا يمكن الكشف عن هذه الوقائع بمناهج السيكولوجية الوضعية المعهودة و «البرهنة» عليها. فأنا الوحيد الذي يمكنني «تسجيلها» بقوة حيويتي الذاتية».
الاتحاد الاشتراكي
14/11/2014
إيريك فروم / ترجمة و تقديم: د. حميد لشهب
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
مواضيع مماثلة
» الحياة اليومية لساكنة جبالة من خلال لوحات فنية
» مهارات القراءة السريعة
» عن محنة القراءة في العالم العربي
» «واقع القراءة في المغرب»: إشكالات ومفارقات
» وجهة نظر : أسبابُ العزوف (عن القراءة والكتاب).
» مهارات القراءة السريعة
» عن محنة القراءة في العالم العربي
» «واقع القراءة في المغرب»: إشكالات ومفارقات
» وجهة نظر : أسبابُ العزوف (عن القراءة والكتاب).
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى