سيجارة زيدان تشعل الصراع بين المشرق والمغرب: لكل منّا بضاعته
صفحة 1 من اصل 1
سيجارة زيدان تشعل الصراع بين المشرق والمغرب: لكل منّا بضاعته
في كتاب حوار المشرق والمغرب (1990)، عاد المفكر المغربي محمد عابد الجابري بذاكرته إلي واقعة طريفة، أنه حين كان طالباً في دمشق، وجه له أحد زملائه سؤالاً غمره بالدهشة، وهو: "هل عندكم ماء في المغرب؟!". لم يكن الجابري حينها بالوعي الكاف ليدرك ما وراء السؤال. وأجاب بتلقائية شديدة "نعم عندنا ماء!". لكنه فيما بعد، أدرك أن أهل المشرق يجهلون الكثير عن أهل المغرب، والعكس أيضاً. ودلل علي ذلك بما قاله الصاحب بن عباد، الكاتب المشرقي والوزير البويهي الشهير، حين قرأ كتاب "العقد الفريد" لابن عبد ربه الأندلسي "هذه بضاعتنا ردت إلينا"، إشارةً إلي ما فيه من ثقافة مشرقية.
هذا الاختلاف الذي رصده الجابري يبدو أنه أعمق مما نظن، إلي الدرجة التي يظهر بها علي السطح مع حوادث تافهة ليصبح مصدرا للاختلاف وليس لإثراء الحوار، حدث هذا خلال مهرجان ثويزا للثقافة الأمازيغية، الذي انعقد مؤخراً في مدينة طنجة، حين أشعل يوسف زيدان سيجارته خلال إحدي الندوات ونبهه الشاعر ياسين عدنان الذي تولي إدارة الندوة إلي أن التدخين ممنوع في الأماكن العامة بالمغرب، ليرّد زيدان: "هل هناك نص ديني يجرم ذلك؟".
تم احتواء الموقف وقتها، لكن ما بدا بعدها أنها لم تكن محض سيجارة، إذ خرج النقاش من دائرته الضيقة حول مدي التزام زيدان بثقافة أهل المغرب، إلي دائرته الواسعة حول الصراع بين المشرق والمغرب علي البضاعة الثقافية التي تشمل الهوية والأدب والفكر، واشتعل الجدال بين المثقفين في البلدين، حيث رأي كل طرف أنه مختلف ومتفوق علي الآخر، وهو ما يحطم القاعدة السائدة إعلاميا بأننا كعرب ندرك أن كل منّا ساهم في تنوع الثقافة العربية، فما تكشفه هذه الأزمة أننا نعصب أعيننا عن فهم أصل الصراع.
خلال القرن الماضي، تعرضت المنطقة إلي الكثير من التغيرات السياسية والجغرافية التي عقدت لنا مفهوم "المشرق العربي" و"المغرب العربي"، وفق ما يقوله محمد بدوي، أستاذ النقد الأدبي، فكان يُستخدم هذان المصطلحان للتعبير عن الشرق الإسلامي والغرب الإسلامي، لا عن الثقافة، وبعد سقوط الدولة العثمانية، ووقوع المنطقة في يد الاستعمار، ثم تقسيمها، صار لدينا نموذج الدولة القومية، وبدأت أنظمة الحكم فيما بعد تكرس لمفهوم الدولة القُطرية، وبسبب شعور العرب بالهزيمة، لجأوا إلي تصنيف أنفسهم وتفتيت ثقافتهم، ليس فقط إلي مشرق ومغرب، بل إلي أعراق، فنجد علي سبيل المثال مصر الفرعونية مقابل سورية الفينيقية، وذلك في محاولة لإلهاء الشعوب، وإخفاء الفشل السياسي الذي وصلت إليه الدول.
يستكمل محمد بدوي: "هناك محاولات لجر المفكرين والكُتّاب إلي معارك وهمية، وصراعات ثقافية، حتي لا يقوموا بدورهم في بناء المجتمعات. والحقيقة أن دور المثقف تراجع في الوطن العربي أمام الداعية أو الشيخ، الذي صار يلعب دوراً في التأثير علي وعي الشعوب، وقيادتهم في أحيان كثيرة. وهُنا في مصر، حدث تراجع كبير خلال العقود الأخيرة في الخطاب النقدي والفلسفي. وأذكر ما قاله لي لويس عوض (1915-1990) حين سألته عن السبب في عدم ظهور جيل جديد من المفكرين، بعد جيل طه حسين، إنه لن يظهر مفكر واحد في ظل وجود القادة الذين يقنعون الشعوب بأنهم يفكرون ويعرفون كل شيء".
لم تتعرض مصر وحدها من بلاد المشرق العربي لهذا التراجع الفكري، بل هي والدول التي حكمتها أنظمة استبدادية، وظهرت فيها جماعات دينية متطرفة، كما يؤكد الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، الذي أشار إلي كل من المغربي محمد عابد الجابري (1936 -2010) والمصري حسن حنفي (1935)، إذ يعد الأول نموذجاً للاتساق الفكري في الوطن العربي كله، بينما أفسد الثاني نفسه وترهل فكرياً ولم يعد لديه القدرة علي المنافسة، وبذلك صار المغرب العربي متفوقاً علينا في الفكر، وفي النقد الأدبي أيضاً، ومؤخراً شهدت الدراسات الأكاديمية المغربية تقدماً عن الدراسات الأكاديمية المصرية التي أصابها الفساد، حتي صرنا نسمع كل يوم عن السرقات العلمية، التي يبدو أنها لن تتوقف.
أما علي مستوي الإبداع، يري الدكتور جابر عصفور أن "كتابات بلاد المغرب أكثر تحرراً من الكتابات المصرية، التي بدأت تميل إلي المحافظة في السنوات الأخيرة، رغم وجود عدد من الشباب الروائيين الذين يكتبون بنفس التحرر القديم، لكننا رأينا ماذا حدث لأحمد ناجي، ورغم ذلك، لم تتراجع مصر في الرواية والقصة القصيرة، ولا تزال لها الصدارة فيهما علي مستوي الوطن العربي. الغريب أن هناك دولا من بلاد المشرق لا تسعي إلي التقدم في أي شيء، سواء في الفكر أو النقد أو الرواية بما أننا في عصر الرواية، مثل السعودية، التي رغم ما تملكه من ثروات وأموال طائلة، لم يخرج منها مفكر مثل الجابري، أو روائيون، باستثناء الروائية رجاء عالم التي تقاسمت مع الروائي المغربي محمد الأشعري جائزة البوكر عام 2011 عن روايتها طوق الحمام".
بخصوص السعودية، وبعيداً عما أثير حول تاريخها في مهرجان ثويزا، يبدو أننا بصدد تقسيم جديد، إذ ظهرت دول الخليج ككتلة ثقافية واحدة، واتضح ذلك في حديثها عن اتخاذ موقف مشترك، وقرار مشترك. وللناقد محمد الشحات تحليل لذلك: "في العشرين سنة الماضية، لمسنا ظهور كثير من الأصوات والأقلام في مجال الفكر والنقد والدراما، وعلي مستوي الأدب برز عدد من الشعراء والروائيين الذين حصدوا جوائز وحققوا مبيعات هائلة، مما يفتت مقولة أن الإبداع أصله مشرقي، ويدفعنا إلي التخلي عن نظرية المشرق العربي والمغرب العربي، المصطلحان اللذان أري أننا لسنا بحاجة إلي استخدامهما بعد أن تبين لنا أننا متساوون في الثقافة والانتاج الفكري، كما أنهما صارا غير ملائمين للوضع الراهن، خاصة بعد ثورات الربيع العربي، فالمجتمعات في حالة خلخلة، وهناك دولة عربية مهددة بالتقسيم ، ما يعني أن الصراع الثقافي سيصبح أقوي".
إسـراء النمـر
http://tinyurl.com/jhm3n5z
هذا الاختلاف الذي رصده الجابري يبدو أنه أعمق مما نظن، إلي الدرجة التي يظهر بها علي السطح مع حوادث تافهة ليصبح مصدرا للاختلاف وليس لإثراء الحوار، حدث هذا خلال مهرجان ثويزا للثقافة الأمازيغية، الذي انعقد مؤخراً في مدينة طنجة، حين أشعل يوسف زيدان سيجارته خلال إحدي الندوات ونبهه الشاعر ياسين عدنان الذي تولي إدارة الندوة إلي أن التدخين ممنوع في الأماكن العامة بالمغرب، ليرّد زيدان: "هل هناك نص ديني يجرم ذلك؟".
تم احتواء الموقف وقتها، لكن ما بدا بعدها أنها لم تكن محض سيجارة، إذ خرج النقاش من دائرته الضيقة حول مدي التزام زيدان بثقافة أهل المغرب، إلي دائرته الواسعة حول الصراع بين المشرق والمغرب علي البضاعة الثقافية التي تشمل الهوية والأدب والفكر، واشتعل الجدال بين المثقفين في البلدين، حيث رأي كل طرف أنه مختلف ومتفوق علي الآخر، وهو ما يحطم القاعدة السائدة إعلاميا بأننا كعرب ندرك أن كل منّا ساهم في تنوع الثقافة العربية، فما تكشفه هذه الأزمة أننا نعصب أعيننا عن فهم أصل الصراع.
خلال القرن الماضي، تعرضت المنطقة إلي الكثير من التغيرات السياسية والجغرافية التي عقدت لنا مفهوم "المشرق العربي" و"المغرب العربي"، وفق ما يقوله محمد بدوي، أستاذ النقد الأدبي، فكان يُستخدم هذان المصطلحان للتعبير عن الشرق الإسلامي والغرب الإسلامي، لا عن الثقافة، وبعد سقوط الدولة العثمانية، ووقوع المنطقة في يد الاستعمار، ثم تقسيمها، صار لدينا نموذج الدولة القومية، وبدأت أنظمة الحكم فيما بعد تكرس لمفهوم الدولة القُطرية، وبسبب شعور العرب بالهزيمة، لجأوا إلي تصنيف أنفسهم وتفتيت ثقافتهم، ليس فقط إلي مشرق ومغرب، بل إلي أعراق، فنجد علي سبيل المثال مصر الفرعونية مقابل سورية الفينيقية، وذلك في محاولة لإلهاء الشعوب، وإخفاء الفشل السياسي الذي وصلت إليه الدول.
يستكمل محمد بدوي: "هناك محاولات لجر المفكرين والكُتّاب إلي معارك وهمية، وصراعات ثقافية، حتي لا يقوموا بدورهم في بناء المجتمعات. والحقيقة أن دور المثقف تراجع في الوطن العربي أمام الداعية أو الشيخ، الذي صار يلعب دوراً في التأثير علي وعي الشعوب، وقيادتهم في أحيان كثيرة. وهُنا في مصر، حدث تراجع كبير خلال العقود الأخيرة في الخطاب النقدي والفلسفي. وأذكر ما قاله لي لويس عوض (1915-1990) حين سألته عن السبب في عدم ظهور جيل جديد من المفكرين، بعد جيل طه حسين، إنه لن يظهر مفكر واحد في ظل وجود القادة الذين يقنعون الشعوب بأنهم يفكرون ويعرفون كل شيء".
لم تتعرض مصر وحدها من بلاد المشرق العربي لهذا التراجع الفكري، بل هي والدول التي حكمتها أنظمة استبدادية، وظهرت فيها جماعات دينية متطرفة، كما يؤكد الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، الذي أشار إلي كل من المغربي محمد عابد الجابري (1936 -2010) والمصري حسن حنفي (1935)، إذ يعد الأول نموذجاً للاتساق الفكري في الوطن العربي كله، بينما أفسد الثاني نفسه وترهل فكرياً ولم يعد لديه القدرة علي المنافسة، وبذلك صار المغرب العربي متفوقاً علينا في الفكر، وفي النقد الأدبي أيضاً، ومؤخراً شهدت الدراسات الأكاديمية المغربية تقدماً عن الدراسات الأكاديمية المصرية التي أصابها الفساد، حتي صرنا نسمع كل يوم عن السرقات العلمية، التي يبدو أنها لن تتوقف.
أما علي مستوي الإبداع، يري الدكتور جابر عصفور أن "كتابات بلاد المغرب أكثر تحرراً من الكتابات المصرية، التي بدأت تميل إلي المحافظة في السنوات الأخيرة، رغم وجود عدد من الشباب الروائيين الذين يكتبون بنفس التحرر القديم، لكننا رأينا ماذا حدث لأحمد ناجي، ورغم ذلك، لم تتراجع مصر في الرواية والقصة القصيرة، ولا تزال لها الصدارة فيهما علي مستوي الوطن العربي. الغريب أن هناك دولا من بلاد المشرق لا تسعي إلي التقدم في أي شيء، سواء في الفكر أو النقد أو الرواية بما أننا في عصر الرواية، مثل السعودية، التي رغم ما تملكه من ثروات وأموال طائلة، لم يخرج منها مفكر مثل الجابري، أو روائيون، باستثناء الروائية رجاء عالم التي تقاسمت مع الروائي المغربي محمد الأشعري جائزة البوكر عام 2011 عن روايتها طوق الحمام".
بخصوص السعودية، وبعيداً عما أثير حول تاريخها في مهرجان ثويزا، يبدو أننا بصدد تقسيم جديد، إذ ظهرت دول الخليج ككتلة ثقافية واحدة، واتضح ذلك في حديثها عن اتخاذ موقف مشترك، وقرار مشترك. وللناقد محمد الشحات تحليل لذلك: "في العشرين سنة الماضية، لمسنا ظهور كثير من الأصوات والأقلام في مجال الفكر والنقد والدراما، وعلي مستوي الأدب برز عدد من الشعراء والروائيين الذين حصدوا جوائز وحققوا مبيعات هائلة، مما يفتت مقولة أن الإبداع أصله مشرقي، ويدفعنا إلي التخلي عن نظرية المشرق العربي والمغرب العربي، المصطلحان اللذان أري أننا لسنا بحاجة إلي استخدامهما بعد أن تبين لنا أننا متساوون في الثقافة والانتاج الفكري، كما أنهما صارا غير ملائمين للوضع الراهن، خاصة بعد ثورات الربيع العربي، فالمجتمعات في حالة خلخلة، وهناك دولة عربية مهددة بالتقسيم ، ما يعني أن الصراع الثقافي سيصبح أقوي".
إسـراء النمـر
http://tinyurl.com/jhm3n5z
عبدالرحيم- عدد الرسائل : 352
العمر : 46
تاريخ التسجيل : 05/08/2008
مواضيع مماثلة
» نتائج الدورة العادية لامتحانات البكالوريا 2012 يوم 26 يونيه على الخدمة الإلكترونية TAALIM.MA
» الرجوع إلى الساعة القانونية يوم الأحد القادم
» "ديوان الأعمال الشعرية الكاملة" للشاعر مظفر النواب
» منتدى الاقلاع عن التدخين forum arrêter de fumer
» الزواقين :منظر عام
» الرجوع إلى الساعة القانونية يوم الأحد القادم
» "ديوان الأعمال الشعرية الكاملة" للشاعر مظفر النواب
» منتدى الاقلاع عن التدخين forum arrêter de fumer
» الزواقين :منظر عام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى