هامش في هوامش
صفحة 1 من اصل 1
21032008
هامش في هوامش
لم يكن الهامش يعني لي لزمن طويل أكثر من ذلك الفهم الذي حددته الدفاتر المدرسية. مساحة عمودية تقع يمين الخط الأحمر، وحواش تقع أعلى و اسفل الصقحة لا تخترقها خطوط عمودية مما يبجعلها غير صالحة للكتابة. وحتى اولئك الذين أصروا على تسويدها كان ينظر إليهم بغرابة، بينما احتفظ الهماش خلف الخط الاحمر برهبة كانت أقرب إلى القداسة لكونه اختص بالتقييم بلون أحمر مخيف كان يجعل الوجوه تنطق بالبشر أو تتحدث الملامح بلغة الاكتئاب. الآن أتساءل ما إن كانت تراكمات الحياة و تحولاتها قد أضافت جديدا للفهم الطفولي لمعنى الهامش باستثناء كونها جعلت الهامش يتبادل موقعه مع المركز من حيث المساحة و الحجم. ما يدعم اعتقادي هذا هو الأعداد الهائلة من البشر التي تنضم بوثيرة تصاعدية إلى لوائح الفقر و الحاجة، و اخرى مماثلة تتوارى خارج دوائر الاهتمام بمختلف أشكاله و أنواعه. يضاف لكل هذا أفق الامل الذي لا يعرف التطور إلا في اتجاه الضيق و الانحصار، و تكسير السلم الوحيد الذي كان بإمكان القادمين من العوالم السفلى تسلقه من أجل الرقي اجتماعيا. وكل هذا يجعل السواد الاعظم من المجتمع يصاب بفيروس داء فقدان الانتماء للمركز. خصوصا إذا كان المركز يعني مساحة دافئة تقع في زاوية مواتية لتمركز الشمس، وبساطا لا تتحلله الانحدارات و الانعراجات الحادة. و زمنا مسترسلا ينتقل على سلم لا تحدث فيه رجات و انتقالات فجائية إلا إذا كانت تصاعدية تمضي نحو القمة. و إذا كانت الحياة قد صارت بهذه المواصفات، فهل لا زال بوسع فهمي القديم لمعنى الهامش أن يصمد مدعوما في ذلك بأن الاهمش هو مساجة لا تصلح للكتابة؟ الحقيقة أني إن اعتبرت الحياة هي نوعا من الكتابة، فإنه يتوجب الإقرار بأن الكتابة مستمرة حتى في حال الاعتراف بان التهميش صار هو القاعدةن و ان التمركز صار هو الاستثناء. و ان ذلك مرده إلى الطبيعة الانسانية الميالة إلى التحدي و الرغبة في مواصلة الحياة. لكن المختلف في الأمر هو المنطق الذي تعاش به الحياة. إن ان الحياة مرتبطة بالصراع. والعوالم الهامشية تعيش صراعا هي الاخرى. لكن الفقر بشتى أشكاله يوجه الصراع نحو منحى مختلف يقوم على بناء علاقة مماثلة لتلك التي تربطه بالمركز. و ينتج هو الآخر مركزه الخاص الذي يتمدد على جنباته هامش مضعف، لتصبح غاية الغايات لمن يتخبط فيه، هي أن لا يكون مهمش المهمشين. عالم ضار تتمثل فيه العبقرية فيمن يستطيع ان يوظف سطوته على العوالم السفلى و يطوعها للحد الذي تتحول إلى ادراج تقدم هدية لمن يستطيع ان يدفع اكثر من المتسلقين القادمين من العالم الآخر الذي يحلمون فيه بالوصول إلى أبراجه العالية. ذلك العالم الذي يزداد ابتعادا و مناعة بقدر نجاحه في توسع رقعة الهامش و تمديد المسافة التي تفصله عنه، و الاجهاز على ما تبقى من ف-رص الحياة فيه. غير أنه في العالم القصي من رحاب الهامش، تنشا حياة مختلفة. شخوص يبدون و كانهم نتاج وصفة مغايرة. صحيح ان لهم عيون، لكنها لا تنظر للأعالي ولا حتى لما يحيطها. لهم انوف ، لكنها لا تلتقط الروائح الشهية القادمة من مطابخ الأثرياء التي يحملها الأثير. لهم مخيلة، لكن صرامة واقعية الحياة لا تجلعهم يحلمون بأرصدة خرافية، و لا حتى بسيارات فارهة . بل وقد لا يكون في تلك العوالم التي حلمون بها طرقات أصلا. |
هامش في هوامش :: تعاليق
اخي سي عبدالله..انا ارى هذه الدنيا حلقات لا متناهية ..الواحدة وسط الاخرى..المركز في كل مكان..والهامش ظله..شخصيا اكره المركز لانه يذكرني بالقيادة/البيرو..بالمقاطعة..بالكوميسارية..بالقهر..واكره الهامش لانه يذكرني بالتوش والمقعد الاخير في القسم..وبالتهميش والحرمان..لكنني لا استطيع الهروب منهما..لا وجود لمنزلة بين المنزلتين بينهما..تارة انا المركز..واخرى انا الهامش..
العزيز ادريس
تعليقك جميل ، ولست اختلف معك في شئ. فالصور ذاتها هي التي بنت فهمي لما يعنيه الهامش.
أتمنى أن نلتقي مجددا.
تعليقك جميل ، ولست اختلف معك في شئ. فالصور ذاتها هي التي بنت فهمي لما يعنيه الهامش.
أتمنى أن نلتقي مجددا.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى