ادب الحديث

أدب الحديث

بقلم الشيخ:محمد الغزالي- رحمه ا الله

نعمة البيان من أجل النعم التي أسبغها الله علي الإنسان. وكرمه بها علي سائر الخلق:

"الرحمن. علم القرآن. خلق الإنسان. علمه البيان" "الرحمن 1-4" وعلي قدر جلال النعمة يعظم حقها. ويستوجب شكرها. ويستنكر كنودها.

وقد بين الإسلام كيف يستفيد الناس من هذه النعمة المسداة. وكيف يجعلون
كلامهم الذي يتردد سحابة النهار علي ألسنتهم طريقا إلي الخير المنشود. فإن
أكثر الناس لا ينقطع لهم كلام ولا تهدأ لألسنتهم حركة.

فإذا ذهبت تحصي ما قالوا. وجدت جله اللغو الضائع أو الهذر الضار. وما
لهذا ركب الله الألسنة في الأفواه. ولا بهذا تقدر الموهبة المستفادة.

"لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين
الناس. ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً" النساء:
114

وقد عني الإسلام عناية كبيرة بموضوع الكلام وأسلوب أدائه. لأن الكلام
الصادر عن إنسان ما يشير إلي حقيقة عقله وطبيعة خلقه. ولأن طرائق الحديث
في جماعة ما. تحكم علي مستواها العام ومدي تغلغل الفضيلة في بيئتها.

***

ينبغي ان يسائل المرء نفسه قبل أن يتحدث إلي الآخرين.

هل هناك ما يستدعي الكلام؟ فإن وجد داعياً إليه تكلم. وإلا فالصمت أولي به. وإعراضه عن الكلام حيث لا ضرورة له عبادة جزيلة الأجر.

وقال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: "خمس لهم أحسن من الدهم
الموقفة: لا تتكلم فيما لا يعنيك. فإنه فضل. ولا آمن عليك الوزر..!
ولاتتكلم فيما يعينك حتي تجد له موضعا. فإن رب متكلم في أمر يعينه قد وضعه
في غير موضعه. فعيب..!

ولا تمار حليما ولا سفيها فإن الحليم يقليك. وإن السفيه يؤذيك..!
واذكر أخاك إذا تغيب عنك بما تحب أن يذكرك به. واعفه مما تحب ان يعفيك
منه..!

واعمل عمل رجل يري انه مجازي بالإحسان. مأخوذ بالإجرام.

المسلم لا يستطع هذا إلا إذا ملك لسانه. وسيطر علي زمامه بقوة. فكبحه حيث يجب الصمت. وضبطه حين يريد المقال.

أما الذين تقودهم ألسنتهم فإنما تقودهم إلي مصارعهم..!

***

إن للثرثرة ضجيجا يذهب معه الرشد وأكثر الذين يتصدرون المجالس ويتحدر
منهم الكلام متتابعا يجزم مستمعهم بأنهم لا يستمدون حديثهم من وعي يقظ. أو
فكر عميق. وربما ظن أن هناك انفصالا بين العقل وهذا الكلام المسترسل!

والمرء حين يريد ان يستجمع أفكاره ويراجع أعماله يجنح إلي الصمت. بل
إنه حين يريد ان يبصر نفسه ويرتب ذهنه. يفر من البيئة الصاخبة إلي ريف
صامت. أو ضاحية هادئة.