قصائد اشعلت حروبا سياسية
5 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
قصائد اشعلت حروبا سياسية
قصيدة «لا تصالح» لسان عرب الهزيمة ضد كامب ديفيد
ربما تعـتبر قصيدة الشاعر المصري أمل دنقل «لا تصالح» القصيدة الأشهر من
بين قصائده، والتي كتبها في سنة 1978 عقب توقيع أنور السادات وبيغين تحت
إشراف الرئيس الأمريكي جيمي كارتر.
والعالمون بشعر ومسيرة أمل دنقل يقولون إنه بدأ في كتابة هذه القصيدة
التي صارت على كل لسان، وأصبحت التشخيص العملي لواقع الهزيمة اللعين. يقول
نقاد شعر دنقل إنه بدأ في كتابة هذه القصيدة قبيل توقيع الاتفاق. في تلك
الأثناء كان السادات قد قطع أشواطا كبيرة في مسلسل التطبيع مع الكيان
الصهيوني.
لا يمكن أن يقرأ شعر أمل دنقل قراءة سطحية، أي بكونه وليدا مباشرا
لواقع اجتماعي وسياسي، وهذا هو حال كل شعر، وبالأخص إذا كان هذا الشعر من
عيار القصائد العصماء لأمل دنقل، ففي نصوصه الستينية والسبعينية نلحظ
بسهولة هذا الوعي الشعري المتقدم، وذلك التجذر في المجتمع، حيث قدم نفسه
كصوت للحناجر العزلاء فيه.. حمل أمل دنقل وعي الشعب المصري، وقصيدته «لا
تصالح» كانت رجة عنيفة في الوجدان العربي النائم، لعله يستيقظ.
كان دنقل على وعي بأن هذا لن يحدث إلا برجة عنيفة تزلزل الكيانات،
وهذا ما فعله بالضبط، حين تحولت قصيدته إلى ساحة للمواجهة، وإلى بيان شعري
أقرب إلى البيان السياسي، في الوقت الذي وعى فيه قباني اللعبة جيدا، ولم
يتنازل قيد أنملة عن الجوانب الفنية التي تجعل من الشعر لغة متعالية وفنا
رفيعا يسافر في الأزمنة، وليس مجرد شعارات جوفاء، ترشح في الفراغ.
يمكن القول إن حرب أكتوبر1973، والتي حقق فيها العرب والمصريون نصف
نصر على الإسرائيليين، لم تفتح باب الأمل في استرجاع الأراضي المحتلة، بل
مهدت للكثير من التنازلات على الجبهة العربية، وتواصل حال ضعف الأمة
العربية باجتياح إسرائيل لجنوب لبنان في مارس 1978، وبعدها جاءت اتفاقية
كامب ديفيد، كي تقلب ظهر المجن دفعة واحدة وتردم الحلم العربي، في الوقت
الذي ازداد فيه الوضع الاجتماعي في أرض الكنانة سوءا، وخرج الناس في مصر
في مظاهرات الخبز الشهيرة في يناير 1977.
هذا هو السياق العام الذي ولدت فيه قصيدة «لا تصالح»، وهي القصيدة
التي ألهمت رسومات ناجي العلي، وكانت خلفية للكثير من الأعمال المسرحية
والفنية، وأما تأثيرها على الشعراء العرب فقد تجاوز الإعجاب إلى التقليد
بل والاستنساخ.
«لا تصالح»
لا تصالحْ!
ولو منحوك الذهب..
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى..:
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،
حسُّكما - فجأةً - بالرجولةِ،
هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،
الصمتُ - مبتسمين - لتأنيب أمكما..
وكأنكما
ما تزالان طفلين!
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..
تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!
لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
سيقولون:
جئناك كي تحقن الدم..
جئناك. كن -يا أمير- الحكم
سيقولون:
ها نحن أبناء عم.
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
واغرس السيفَ في جبهة الصحراء
إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك
فارسًا،
وأخًا،
وأبًا،
ومَلِك!
قراءة وإعداد- حكيم عنكر
المساء
02/9/2008
ربما تعـتبر قصيدة الشاعر المصري أمل دنقل «لا تصالح» القصيدة الأشهر من
بين قصائده، والتي كتبها في سنة 1978 عقب توقيع أنور السادات وبيغين تحت
إشراف الرئيس الأمريكي جيمي كارتر.
والعالمون بشعر ومسيرة أمل دنقل يقولون إنه بدأ في كتابة هذه القصيدة
التي صارت على كل لسان، وأصبحت التشخيص العملي لواقع الهزيمة اللعين. يقول
نقاد شعر دنقل إنه بدأ في كتابة هذه القصيدة قبيل توقيع الاتفاق. في تلك
الأثناء كان السادات قد قطع أشواطا كبيرة في مسلسل التطبيع مع الكيان
الصهيوني.
لا يمكن أن يقرأ شعر أمل دنقل قراءة سطحية، أي بكونه وليدا مباشرا
لواقع اجتماعي وسياسي، وهذا هو حال كل شعر، وبالأخص إذا كان هذا الشعر من
عيار القصائد العصماء لأمل دنقل، ففي نصوصه الستينية والسبعينية نلحظ
بسهولة هذا الوعي الشعري المتقدم، وذلك التجذر في المجتمع، حيث قدم نفسه
كصوت للحناجر العزلاء فيه.. حمل أمل دنقل وعي الشعب المصري، وقصيدته «لا
تصالح» كانت رجة عنيفة في الوجدان العربي النائم، لعله يستيقظ.
كان دنقل على وعي بأن هذا لن يحدث إلا برجة عنيفة تزلزل الكيانات،
وهذا ما فعله بالضبط، حين تحولت قصيدته إلى ساحة للمواجهة، وإلى بيان شعري
أقرب إلى البيان السياسي، في الوقت الذي وعى فيه قباني اللعبة جيدا، ولم
يتنازل قيد أنملة عن الجوانب الفنية التي تجعل من الشعر لغة متعالية وفنا
رفيعا يسافر في الأزمنة، وليس مجرد شعارات جوفاء، ترشح في الفراغ.
يمكن القول إن حرب أكتوبر1973، والتي حقق فيها العرب والمصريون نصف
نصر على الإسرائيليين، لم تفتح باب الأمل في استرجاع الأراضي المحتلة، بل
مهدت للكثير من التنازلات على الجبهة العربية، وتواصل حال ضعف الأمة
العربية باجتياح إسرائيل لجنوب لبنان في مارس 1978، وبعدها جاءت اتفاقية
كامب ديفيد، كي تقلب ظهر المجن دفعة واحدة وتردم الحلم العربي، في الوقت
الذي ازداد فيه الوضع الاجتماعي في أرض الكنانة سوءا، وخرج الناس في مصر
في مظاهرات الخبز الشهيرة في يناير 1977.
هذا هو السياق العام الذي ولدت فيه قصيدة «لا تصالح»، وهي القصيدة
التي ألهمت رسومات ناجي العلي، وكانت خلفية للكثير من الأعمال المسرحية
والفنية، وأما تأثيرها على الشعراء العرب فقد تجاوز الإعجاب إلى التقليد
بل والاستنساخ.
«لا تصالح»
لا تصالحْ!
ولو منحوك الذهب..
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى..:
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،
حسُّكما - فجأةً - بالرجولةِ،
هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،
الصمتُ - مبتسمين - لتأنيب أمكما..
وكأنكما
ما تزالان طفلين!
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..
تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!
لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
سيقولون:
جئناك كي تحقن الدم..
جئناك. كن -يا أمير- الحكم
سيقولون:
ها نحن أبناء عم.
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
واغرس السيفَ في جبهة الصحراء
إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك
فارسًا،
وأخًا،
وأبًا،
ومَلِك!
قراءة وإعداد- حكيم عنكر
المساء
02/9/2008
ربيع- عدد الرسائل : 1432
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 04/07/2008
أمل دنقل.. ليغفر الرصاص ياكيسنجر
من المهم النظر إلى الشاعر أمل دنقل باعتباره ليس فقط شاعر قصائد سياسية، بل إنه في العمق شاعر إنساني، على درجة عالية من الرهافة.
كما أن تجربة المرض المرير التي مر بها قد قدمت وجها آخر من الوجوه الشعرية لأمل دنقل، وبالأخص في قصائد» الغرفة رقم8»، يقول في نص من تلك النصوص: في غرف العمليات /كان نقاب الأطباء أبيض /لون المعاطف أبيض /تاج الحكيمات أبيض /لون الأسرة , أربطة الشاش والقطن /قرص المنوم , أنبوبة المصل /كوب اللبن /كل هذا يشيع بقلبي الوهن /كل هذا البياض يذكرني بالكفن /فلماذا إذا مت /يأتي المعزون متشحين بشارات لون الحداد /هل لأن السواد /هو لون النجاة من الموت ،لون التميمة ضد الزمن /بين لونين استقبل الأصدقاء /الذين يرون سريري قبرا /يرون حياتي دهرا /وأرى في العيون العميقة لون الحقيقة /لون تراب الوطن.
في قصيدة في «الفندق» مثلا، تدهشنا هذه القوة التي يتحلى بها أمل دنقل في صناعة المشهد الشعري، أو في تركيبه على الوجه الدقيق، في هذا اللقاء العابر الصدفوي في غرفة الفندق المشتركة يلتقي الشاعر مع جندي الحرب المصري الأشوس الذي لا يكف عن ترديد حكايات البطولة الوهمية على الجبهة، لكن هذا الجندي الباسل سيكون الشخص الوحيد الذي يعرف الحقيقة، ويعرف أن هذه البطولات مجرد حزمة أوهام. قبل أن يخلع ساقه الاصطناعية، وينام، يكتب أمل دنقل ببراعة السينمائي:
وحين ظن أنني أنام
رأيته يخلع ساقه في الظلام
مصعدا تنهيدة
قد أحرقت جوفه.
في قصيدة «سرحان لا يتسلم مفاتيح القدس» يعود أمل دنقل إلى قصة يوسف مع إخوته التي وردت في القرآن، وفيها يقرأ هذا الصراع الكنعاني القديم، بما في ذلك الخروج من فلسطين والذهاب في رحلة المنفى إلى مصر.
يلجأ دنقل مرة ثانية إلى الرمز، إنه شاعر لا يمكن أن يحيا إلا بالرمز، هو زاده ومعينه لفهم «أسطورة الحاضر»، المتشابك مع أكثر من شراك، وأكثر من فخ.
في هذه القصيدة تتحول القدس إلى امرأة اشتعل رأسها شيبا تنتظر فارسها الهمام، أو مخلصها، ولكنها امرأة مقهورة تعرف أن الرجوع محال.
في هذه القصيدة كما في شعر أمل دنقل على وجه العموم، هناك ميل إلى نوع من الحس التراجيدي، يعززه فقدان الأمل في الشعارات التي رفعتها الأنظمة العربية، وعلى رأسها القوميون العرب، فلا الأرض تحررت ولا فلسطين عادت، ولا الفتى البعيد الذي تنتظره القدس عاد.
يؤكد دنقل أن الذي يحرس الأرض ليس»الصيارفة» ولا أصحاب البنوك والمال، ولكنه قائد الجند، وما ضاع بالقوة لا يمكن ان يسترد إلا بالقوة.
هذا هو دنقل شاعر ثائر، ورجل منخرط حتى العظم في هموم أمته العربية، إنه شاعر يملك حس السياسي، ويتفوق عليه، ولا يعتقد أن المفاوضات يمكن أن تقدم شيئا إلى القضية العربية، ولذلك يكتب ساخرا من البترول العربي ومن المفاوضات ومن مبادرات كيسنجر، إنه يخاطبه على هذا المنوال القوي: ليغفر الرصاص من ذنبك ما تأخر!
ليغفر الرصاص.. يا كيسنجر!
«سرحان لا يتسلم مفاتيح القدس»
عائدون؛
وأصغر إخوتهم (ذو العيون الحزينة)
يتقلب في الجب!
أجمل إخوتهم.. لا يعود!
وعجوز هي القدس (يشتعل الرأس شيبا)
تشم القميص. فتبيض أعينها بالبكاء،
ولا تخلع الثوب حتى يجئ لها نبأ عن فتاها البعيد
أرض كنعان - إن لم تكن أنت فيها - مراع من الشوك!
يورثها الله من شاء من أمم،
فالذي يحرس الأرض ليس الصيارف،
إن الذي يحرس الأرض رب الجنود!
آه من في غد سوف يرفع هامته؟
غير من طأطأوا حين أزَّ الرصاص؟!
ومن سوف يخطب - في ساحة الشهداء -
سوى الجبناء؟
ومن سوف يغوى الأرامل؟
إلا الذي
سيؤول إليه خراج المدينة!!؟
(الإصحاح الثاني)
أرشق في الحائط حد المطواة
والموت يهب من الصحف الملقاة
أتجزأ في المرآة..
يصفعني وجهي المتخفي خلف قناع النفط
«من يجرؤ أن يضع الجرس الأول.. في عنق القط؟»
(الإصحاح الثالث)
منظر جانبي لفيروز
(وهي تطل على البحر من شرفة الفجر)
لبنان فوق الخريطة:
منظر جانبي لفيروز،..
والبندقية تدخل كل بيوت (الجنوب)
مطر النار يهطل، يثقب قلباً.. فقلبا
ويترك فوق الخريطة ثقباً.. فثقباً..
وفيروز في أغنيات الرعاة البسيطة
تستعيد المراثي لمن سقطوا في الحروب
تستعيد.. الجنوب!
امل دنقل
- حكيم عنكرقراءة وإعداد
الماء
03/9/2008
كما أن تجربة المرض المرير التي مر بها قد قدمت وجها آخر من الوجوه الشعرية لأمل دنقل، وبالأخص في قصائد» الغرفة رقم8»، يقول في نص من تلك النصوص: في غرف العمليات /كان نقاب الأطباء أبيض /لون المعاطف أبيض /تاج الحكيمات أبيض /لون الأسرة , أربطة الشاش والقطن /قرص المنوم , أنبوبة المصل /كوب اللبن /كل هذا يشيع بقلبي الوهن /كل هذا البياض يذكرني بالكفن /فلماذا إذا مت /يأتي المعزون متشحين بشارات لون الحداد /هل لأن السواد /هو لون النجاة من الموت ،لون التميمة ضد الزمن /بين لونين استقبل الأصدقاء /الذين يرون سريري قبرا /يرون حياتي دهرا /وأرى في العيون العميقة لون الحقيقة /لون تراب الوطن.
في قصيدة في «الفندق» مثلا، تدهشنا هذه القوة التي يتحلى بها أمل دنقل في صناعة المشهد الشعري، أو في تركيبه على الوجه الدقيق، في هذا اللقاء العابر الصدفوي في غرفة الفندق المشتركة يلتقي الشاعر مع جندي الحرب المصري الأشوس الذي لا يكف عن ترديد حكايات البطولة الوهمية على الجبهة، لكن هذا الجندي الباسل سيكون الشخص الوحيد الذي يعرف الحقيقة، ويعرف أن هذه البطولات مجرد حزمة أوهام. قبل أن يخلع ساقه الاصطناعية، وينام، يكتب أمل دنقل ببراعة السينمائي:
وحين ظن أنني أنام
رأيته يخلع ساقه في الظلام
مصعدا تنهيدة
قد أحرقت جوفه.
في قصيدة «سرحان لا يتسلم مفاتيح القدس» يعود أمل دنقل إلى قصة يوسف مع إخوته التي وردت في القرآن، وفيها يقرأ هذا الصراع الكنعاني القديم، بما في ذلك الخروج من فلسطين والذهاب في رحلة المنفى إلى مصر.
يلجأ دنقل مرة ثانية إلى الرمز، إنه شاعر لا يمكن أن يحيا إلا بالرمز، هو زاده ومعينه لفهم «أسطورة الحاضر»، المتشابك مع أكثر من شراك، وأكثر من فخ.
في هذه القصيدة تتحول القدس إلى امرأة اشتعل رأسها شيبا تنتظر فارسها الهمام، أو مخلصها، ولكنها امرأة مقهورة تعرف أن الرجوع محال.
في هذه القصيدة كما في شعر أمل دنقل على وجه العموم، هناك ميل إلى نوع من الحس التراجيدي، يعززه فقدان الأمل في الشعارات التي رفعتها الأنظمة العربية، وعلى رأسها القوميون العرب، فلا الأرض تحررت ولا فلسطين عادت، ولا الفتى البعيد الذي تنتظره القدس عاد.
يؤكد دنقل أن الذي يحرس الأرض ليس»الصيارفة» ولا أصحاب البنوك والمال، ولكنه قائد الجند، وما ضاع بالقوة لا يمكن ان يسترد إلا بالقوة.
هذا هو دنقل شاعر ثائر، ورجل منخرط حتى العظم في هموم أمته العربية، إنه شاعر يملك حس السياسي، ويتفوق عليه، ولا يعتقد أن المفاوضات يمكن أن تقدم شيئا إلى القضية العربية، ولذلك يكتب ساخرا من البترول العربي ومن المفاوضات ومن مبادرات كيسنجر، إنه يخاطبه على هذا المنوال القوي: ليغفر الرصاص من ذنبك ما تأخر!
ليغفر الرصاص.. يا كيسنجر!
«سرحان لا يتسلم مفاتيح القدس»
عائدون؛
وأصغر إخوتهم (ذو العيون الحزينة)
يتقلب في الجب!
أجمل إخوتهم.. لا يعود!
وعجوز هي القدس (يشتعل الرأس شيبا)
تشم القميص. فتبيض أعينها بالبكاء،
ولا تخلع الثوب حتى يجئ لها نبأ عن فتاها البعيد
أرض كنعان - إن لم تكن أنت فيها - مراع من الشوك!
يورثها الله من شاء من أمم،
فالذي يحرس الأرض ليس الصيارف،
إن الذي يحرس الأرض رب الجنود!
آه من في غد سوف يرفع هامته؟
غير من طأطأوا حين أزَّ الرصاص؟!
ومن سوف يخطب - في ساحة الشهداء -
سوى الجبناء؟
ومن سوف يغوى الأرامل؟
إلا الذي
سيؤول إليه خراج المدينة!!؟
(الإصحاح الثاني)
أرشق في الحائط حد المطواة
والموت يهب من الصحف الملقاة
أتجزأ في المرآة..
يصفعني وجهي المتخفي خلف قناع النفط
«من يجرؤ أن يضع الجرس الأول.. في عنق القط؟»
(الإصحاح الثالث)
منظر جانبي لفيروز
(وهي تطل على البحر من شرفة الفجر)
لبنان فوق الخريطة:
منظر جانبي لفيروز،..
والبندقية تدخل كل بيوت (الجنوب)
مطر النار يهطل، يثقب قلباً.. فقلبا
ويترك فوق الخريطة ثقباً.. فثقباً..
وفيروز في أغنيات الرعاة البسيطة
تستعيد المراثي لمن سقطوا في الحروب
تستعيد.. الجنوب!
امل دنقل
- حكيم عنكرقراءة وإعداد
الماء
03/9/2008
ربيع- عدد الرسائل : 1432
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 04/07/2008
نزار قباني يصرخ في آخر حياته: متى يعلنون وفاة العرب؟
أحدث الشاعر العربي نزار قباني رجة كبيرة عندما تحول 360 درجة من شاعر الحب والمرأة، كما أطلق عليه، إلى شاعر لا يشق له غبار، يخوض حتى الركب في شؤون هي بعيدة كل البعد عن شأن آنساته الجميلات.
وهي مفاجأة كبيرة نزلت على القارئ العربي لشعر نزار قباني، حتى إن الكثيرين ممن عبروا عن موقفهم السلبي من شعر هذا الشاعر قد عادوا ليراجعوا أوراقهم، عقب النصوص القوية التي كتبها في المرحلة الأخيرة من تجربته الشعرية، وهي المرحلة الأقوى فنيا والأوعى على المستوى الشعري.. وربما أن عمله الدبلوماسي قد منحه بالإضافة إلى تجربة الحياة الثرية، وزخمها الجميل، رؤية أخرى أكثر واقعية إلى الحال العربي الممزق، وكان أن انتهى به الحال إلى غسل يديه من قدرة العرب على تغيير واقع الحال.
لو أردنا أن نقرأ قصائد نزار قباني قراءة سياسية ربما لظلمناها كثيرا، فنحن نعرف أن الرجل حتى وإن كان صاحب خبرة دبلوماسية، إلا أنه لم ينج من التأثيرات التي مارسها عليه الجو العام العربي في فترة السبعينات والثمانينيات من القرن الماضي، وهذا الجو الذي اتسم أساسا بانهيار الجدارات، جدارا وراء جدار، وانكشاف الذات العربية في مرآة عريها القميء والفادح.
عاش نزار قباني طويلا متغنيا بجمال نسائه اللواتي لا «مشغلة» لديهن إلا المرايا والعطر، بينما كان ياسمين دمشق يرافقه أينما ذهب، ومن بين جنبات شعره تبعث نساء من عصر عمر ابن أبي ربيعة والمجنون وأندلسيات المعتمد بن عباد.
استفاق نزار قباني على «وعي شقي» آخر ليجد أن المرأة التي أفرد لها كل هذا القول الجميل ماعادت، وأنها لا يمكن أن تكون في ظل وجود رجل عربي مخصي، رجل عربي عقيم، مسلوب الحرية.
يقول نزار قباني عن نشأته: «ولدت في دمشق في آذار (مارس) 1923 في بيت وسيع، كثير الماء والزهر، من منازل دمشق القديمة، والدي توفيق القباني، تاجر وجيه في حيه، عمل في الحركة الوطنية ووهب حياته وماله لها. تميز أبي بحساسية نادرة وبحبه للشعر ولكل ما هو جميل. ورث الحس الفني المرهف بدوره عن عمه أبي خليل القباني الشاعر والمؤلف والملحن والممثل وبذر أول بذرة في نهضة المسرح المصري». التحق بعد تخرجه بالعمل الدبلوماسي، وتنقل خلاله بين القاهرة وأنقرة ولندن ومدريد وبكين ولندن. وفي ربيع 1966 ترك نزار العمل الدبلوماسي وأسس في بيروت دارا للنشر تحمل اسمه، وتفرغ للشعر. وكانت ثمرة مسيرته الشعرية إحدى وأربعين مجموعة شعرية ونثرية، كانت أولها «قالت لي السمراء» 1944.
كان ديوان «قصائد من نزار قباني» الصادر عام 1956 نقطة تحول في شعر نزار، حيث تضمن هذا الديوان قصيدة «خبز وحشيش وقمر» التي انتقدت بشكل لاذع خمول المجتمع العربي. تميز قباني بعد ذلك بنقده السياسي القوي، من أشهر قصائده السياسية «هوامش على دفتر النكسة» 1967 التي تناولت هزيمة العرب على أيدي إسرائيل في نكسة يونيو.
من أجمل قصائده أيضا وأروعها، القصيدة التي رثا فيها ابنه توفيق، وزوجته بلقيس التي قضت في انفجار للسفارة العراقية في بيروت سنة 1982، وقد رثاها بقصيدة تحمل نفس الإسم «بلقيس». مرحلة لندن من المراحل المهمة في الحياة الشعرية لقباني خاصة قصائده السياسة خلال فترة التسعينات مثل: متى يعلنون وفاة العرب؟ والمهرولون. توفي نزار قباني في لندن في 30 من أبريل سنة 1998 عن عمر يناهز 75، بعد حياة حافلة وسيرة شعرية صاخبة.
في قصيدة «متى يعلنون وفاة العرب؟» التي كتبها نزار قباني في السنة التي توفي فيها، ما يشبه التأبين الذاتي للحال العام والخاص، ننشرها هنا للنظر في المرآة.
مقاطع من: متى يعلنون وفاة العرب؟
- 1 -
أحاولُ منذ الطُفولةِ رسْمَ بلادٍ
تُسمّى - مجازا - بلادَ العَرَبْ
تُسامحُني إن كسرتُ زُجاجَ القمرْ...
وتشكرُني إن كتبتُ قصيدةَ حبٍ
وتسمحُ لي أن أمارسَ فعْلَ الهوى
ككلّ العصافير فوق الشجرْ...
أحاول رسم بلادٍ
تُعلّمني أن أكونَ على مستوى العشْقِ دوما
فأفرشَ تحتكِ، صيفا، عباءةَ حبي
وأعصرَ ثوبكِ عند هُطول المطرْ...
- 2 -
أحاولُ رسْمَ بلادٍ...
لها برلمانٌ من الياسَمينْ.
وشعبٌ رقيق من الياسَمينْ.
تنامُ حمائمُها فوق رأسي.
وتبكي مآذنُها في عيوني.
أحاول رسم بلادٍ تكون صديقةَ شِعْري.
ولا تتدخلُ بيني وبين ظُنوني.
ولا يتجولُ فيها العساكرُ فوق جبيني.
أحاولُ رسْمَ بلادٍ...
تُكافئني إن كتبتُ قصيدةَ شِعْرٍ
وتصفَحُ عني، إذا فاض
نهرُ جنوني
- 3 -
أحاول رسم مدينةِ حبٍ...
تكون مُحرّرةً من جميع العُقَدْ...
فلا يذبحون الأنوثةَ فيها...ولا يقمَعون الجَسَدْ...
- 4 -
رَحَلتُ جَنوبا...رحلت شمالا...
ولا فائدهْ...
فقهوةُ كلِ المقاهي، لها نكهةٌ واحدهْ...
وكلُ النساءِ لهنّ - إذا ما تعرّينَ-
رائحةٌ واحدهْ...
وكل رجالِ القبيلةِ لا يمْضَغون الطعامْ
ويلتهمون النساءَ بثانيةٍ واحدهْ.
- 5 -
أحاول منذ البداياتِ...
أن لا أكونَ شبيها بأي أحدْ...
رفضتُ الكلامَ المُعلّبَ دوما.
رفضتُ عبادةَ أيِ وثَنْ...
قراءة وإعداد- حكيم عنكر
المساء
04/9/2008
وهي مفاجأة كبيرة نزلت على القارئ العربي لشعر نزار قباني، حتى إن الكثيرين ممن عبروا عن موقفهم السلبي من شعر هذا الشاعر قد عادوا ليراجعوا أوراقهم، عقب النصوص القوية التي كتبها في المرحلة الأخيرة من تجربته الشعرية، وهي المرحلة الأقوى فنيا والأوعى على المستوى الشعري.. وربما أن عمله الدبلوماسي قد منحه بالإضافة إلى تجربة الحياة الثرية، وزخمها الجميل، رؤية أخرى أكثر واقعية إلى الحال العربي الممزق، وكان أن انتهى به الحال إلى غسل يديه من قدرة العرب على تغيير واقع الحال.
لو أردنا أن نقرأ قصائد نزار قباني قراءة سياسية ربما لظلمناها كثيرا، فنحن نعرف أن الرجل حتى وإن كان صاحب خبرة دبلوماسية، إلا أنه لم ينج من التأثيرات التي مارسها عليه الجو العام العربي في فترة السبعينات والثمانينيات من القرن الماضي، وهذا الجو الذي اتسم أساسا بانهيار الجدارات، جدارا وراء جدار، وانكشاف الذات العربية في مرآة عريها القميء والفادح.
عاش نزار قباني طويلا متغنيا بجمال نسائه اللواتي لا «مشغلة» لديهن إلا المرايا والعطر، بينما كان ياسمين دمشق يرافقه أينما ذهب، ومن بين جنبات شعره تبعث نساء من عصر عمر ابن أبي ربيعة والمجنون وأندلسيات المعتمد بن عباد.
استفاق نزار قباني على «وعي شقي» آخر ليجد أن المرأة التي أفرد لها كل هذا القول الجميل ماعادت، وأنها لا يمكن أن تكون في ظل وجود رجل عربي مخصي، رجل عربي عقيم، مسلوب الحرية.
يقول نزار قباني عن نشأته: «ولدت في دمشق في آذار (مارس) 1923 في بيت وسيع، كثير الماء والزهر، من منازل دمشق القديمة، والدي توفيق القباني، تاجر وجيه في حيه، عمل في الحركة الوطنية ووهب حياته وماله لها. تميز أبي بحساسية نادرة وبحبه للشعر ولكل ما هو جميل. ورث الحس الفني المرهف بدوره عن عمه أبي خليل القباني الشاعر والمؤلف والملحن والممثل وبذر أول بذرة في نهضة المسرح المصري». التحق بعد تخرجه بالعمل الدبلوماسي، وتنقل خلاله بين القاهرة وأنقرة ولندن ومدريد وبكين ولندن. وفي ربيع 1966 ترك نزار العمل الدبلوماسي وأسس في بيروت دارا للنشر تحمل اسمه، وتفرغ للشعر. وكانت ثمرة مسيرته الشعرية إحدى وأربعين مجموعة شعرية ونثرية، كانت أولها «قالت لي السمراء» 1944.
كان ديوان «قصائد من نزار قباني» الصادر عام 1956 نقطة تحول في شعر نزار، حيث تضمن هذا الديوان قصيدة «خبز وحشيش وقمر» التي انتقدت بشكل لاذع خمول المجتمع العربي. تميز قباني بعد ذلك بنقده السياسي القوي، من أشهر قصائده السياسية «هوامش على دفتر النكسة» 1967 التي تناولت هزيمة العرب على أيدي إسرائيل في نكسة يونيو.
من أجمل قصائده أيضا وأروعها، القصيدة التي رثا فيها ابنه توفيق، وزوجته بلقيس التي قضت في انفجار للسفارة العراقية في بيروت سنة 1982، وقد رثاها بقصيدة تحمل نفس الإسم «بلقيس». مرحلة لندن من المراحل المهمة في الحياة الشعرية لقباني خاصة قصائده السياسة خلال فترة التسعينات مثل: متى يعلنون وفاة العرب؟ والمهرولون. توفي نزار قباني في لندن في 30 من أبريل سنة 1998 عن عمر يناهز 75، بعد حياة حافلة وسيرة شعرية صاخبة.
في قصيدة «متى يعلنون وفاة العرب؟» التي كتبها نزار قباني في السنة التي توفي فيها، ما يشبه التأبين الذاتي للحال العام والخاص، ننشرها هنا للنظر في المرآة.
مقاطع من: متى يعلنون وفاة العرب؟
- 1 -
أحاولُ منذ الطُفولةِ رسْمَ بلادٍ
تُسمّى - مجازا - بلادَ العَرَبْ
تُسامحُني إن كسرتُ زُجاجَ القمرْ...
وتشكرُني إن كتبتُ قصيدةَ حبٍ
وتسمحُ لي أن أمارسَ فعْلَ الهوى
ككلّ العصافير فوق الشجرْ...
أحاول رسم بلادٍ
تُعلّمني أن أكونَ على مستوى العشْقِ دوما
فأفرشَ تحتكِ، صيفا، عباءةَ حبي
وأعصرَ ثوبكِ عند هُطول المطرْ...
- 2 -
أحاولُ رسْمَ بلادٍ...
لها برلمانٌ من الياسَمينْ.
وشعبٌ رقيق من الياسَمينْ.
تنامُ حمائمُها فوق رأسي.
وتبكي مآذنُها في عيوني.
أحاول رسم بلادٍ تكون صديقةَ شِعْري.
ولا تتدخلُ بيني وبين ظُنوني.
ولا يتجولُ فيها العساكرُ فوق جبيني.
أحاولُ رسْمَ بلادٍ...
تُكافئني إن كتبتُ قصيدةَ شِعْرٍ
وتصفَحُ عني، إذا فاض
نهرُ جنوني
- 3 -
أحاول رسم مدينةِ حبٍ...
تكون مُحرّرةً من جميع العُقَدْ...
فلا يذبحون الأنوثةَ فيها...ولا يقمَعون الجَسَدْ...
- 4 -
رَحَلتُ جَنوبا...رحلت شمالا...
ولا فائدهْ...
فقهوةُ كلِ المقاهي، لها نكهةٌ واحدهْ...
وكلُ النساءِ لهنّ - إذا ما تعرّينَ-
رائحةٌ واحدهْ...
وكل رجالِ القبيلةِ لا يمْضَغون الطعامْ
ويلتهمون النساءَ بثانيةٍ واحدهْ.
- 5 -
أحاول منذ البداياتِ...
أن لا أكونَ شبيها بأي أحدْ...
رفضتُ الكلامَ المُعلّبَ دوما.
رفضتُ عبادةَ أيِ وثَنْ...
قراءة وإعداد- حكيم عنكر
المساء
04/9/2008
ربيع- عدد الرسائل : 1432
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 04/07/2008
نزار قباني يسخر من المهرولين
ستترك المرارة أثرها في شعر نزار قباني، وبالأخص في المرحلة المتأخرة من
شعره ومن حياته. وهو للحقيقة يكون قد قرأ فنجان الأمة العربية منذ القصيدة
الجميلة «قارئة الفنجانّ» التي غناها عبد الحليم حافظ، وكأنه يستشرف أمرا
جللا سيقع لهذه الأمة، وسنرى أنه سيتدرج في الإفصاح عن «مواقفه الشعرية»
تباعا في المرحلة التي أقام فيها في لندن.
لقد بدأ الرجل في إطلاق النار على الجميع، وكأنه، كما يذهب إلى ذلك
بعض العالمين ببواطن الأمور، كان مدفوعا ومحرضا من طرف قيادات سياسية
عربية بما فيها تلك القيادات التي نقول عنها»رجعية» ومتخلفة
و»لاديمقراطية»، فهذه الأنظمة التي ينتقدها، هي التي تفسح له المجال في
الصحف التي تملكها، وهي التي تنشر شعره على الصفحات الأولى لجرائدها.
كانت هذه علامة لافتة في تجربة هذا الشاعر، وفي دخول الشعر إلى لعبة
السياسة.. كان هناك نوع من حنين العرب «الأماليد» إلى استعادة ذلك الغرض
الشعري القديم، ألا وهو» الهجاء»، ولو قدموا من أجل إحيائه المال الوفير،
لأن العرب، كما يقول الغذامي، ما هم في النهاية إلا مجرد «ظاهرة صوتية».
هل كان نزار قباني ظاهرة صوتية؟ من الصعب تماما قول ذلك، فالرجل أحد
أعمدة الشعر العربي الحديث بلا منازع، وأكثرهم جماهيرية ومقروئية في
العالم العربي، وهو الشاعر العربي الوحيد مع محمود درويش ومظفر النواب
الذين كانوا أصحاب جماهير، وكان قباني شاعرا قويا ومنشدا من عيار ثقيل
لنصوصه، وعلى نصوصه تربت أجيال شعرية، كما أن طريقته في الأداء الشعري قد
أصبحت علامة دالة عليه. منذ قصائد «هوامش على دفتر النكسة» ظهرت البوادر
الأولى لشاعر قريب من الوجدان العربي الشعبي العام، لكنه ظل مترددا، يهرب
كل مرة إلى قصيدة «الغزل» أو قصيدة الحب التي كان يتقنها، لأنه كان يعرف
تقنيتها ومرجعيتها جيدا، لكن قصيدة «المهرولون» التي كان كتبها مباشرة بعد
توقيع ياسر عرفات لاتفاقية أوسلو في سنة 1995 قد هزت الوجدان العام، وعبرت
عن الموقف الشعبي العربي من اتفاقية أوسلو، وفيها هوجم عرفات شر هجمة وكال
له قباني كل الأوصاف.
بعد مضي أكثر من 13 عاما على كتابة هذه القصيدة لا تزال راهنيتها
موضع إعجاب، فلا الدولة تحققت ولا القدس عادت، وما هذا في رأي قباني إلا
تتويجا لحالة السقوط العربي المتواصل منذ سقوط غرناطة إلى الآن، والنتيجة
أن «عروق الكبرياء قد يبست فينا».
عندما نشرت قصيدة «المهرولون» في أكتوبر من سنة 1995 تلقفها الناس،
وترددت على كافة الألسن، ووجد فيها السياسيون الوصف الدقيق للوضع
الفلسطيني وللحال العربي على وجه العموم، وأصبحت أية حركة في اتجاه أمريكا
هي «هرولة»، وأصبح الوصف الدقيق للانتهازيين الذين يغيرون معاطفهم عند كل
زاوية هم مجرد « مهرولين» يثيرون الشفقة. معركة قصيدة «خبز وحشيش وقمر»
التي أثارت رجال الدين في سوريا ضده، وطالبوا بطرده من السلك الدبلوماسي،
وانتقلت المعركة إلى البرلمان السوري وكان أول شاعر تناقش قصائده في
البرلمان.
في الحياة الأدبية لنزار قباني عدة محطات يمكن أن نوجزها في التالي:
- محطة «هوامش على دفتر النكسة» وقد أثارت القصيدة عاصفة شديدة في
العالم العربي، وأحدثت جدلاً كبيراً بين المثقفين.. ولعنف القصيدة صدر
قرار بمنع إذاعة أغاني نزار وأشعاره في الإذاعة والتلفزيون.
- محطة عام 1990 حيث صدر قرار من وزارة التعليم المصرية بحذف قصيدته
«عند الجدار» من مناهج الدراسة بالصف الأول الإعدادي لما تتضمنه من معاني
غير لائقة.. وقد أثار القرار ضجة في حينها واعترض عليه كثير من الشعراء في
مقدمتهم محمد إبراهيم أبو سنة..
- المعركة الكبيرة التي خاضها ضد الشاعر السوري الكبير «أدونيس» في
أوائل السبعينات، قصة الخلاف تعود إلى حوار مع نزار أجراه، منير العكش،
الصحفي اللبناني ونشره في مجلة مواقف التي يشرف عليها أدونيس. ثم عاد نزار
ونشر الحوار في كتيب دون أن يذكر اسم المجلة التي نشرت الحوار... فكتب
أدونيس مقالاً عنيفاً يهاجم فيه نزار الذي رد بمقال أعنف، وتطورت المعركة
حتى كادت تصل إلى المحاكم لولا تدخل أصدقاء الطرفين بالمصالحة.
- ثم محطة آخر العمر فبعد مقتل بلقيس تنقل بين باريس وجنيف حتى
استقر به المقام في لندن التي قضى بها الأعوام الخمسة عشر الأخيرة من
حياته.
ومن لندن كان نزار يكتب أشعاره ويثير المعارك والجدل.. خاصة قصائده
السياسة خلال فترة التسعينات مثل: متى يعلنون وفاة العرب، والمهرولون،
والمتنبي، وأم كلثوم على قائمة التطبيع.
مقاطع من: «المهرولون»
تركوا علبةَ سردينٍ بأيدينا
تسمّى «غزّة»
عظمةً يابسةً تُدعى «أريحا»
فندقاً يدعى فلسطينَ..
بلا سقفٍ ولا أعمدةٍ..
تركونا جسداً دونَ عظامٍ
ويداً دونَ أصابعْ...
*****
بعدَ هذا الغزلِ السريِّ في أوسلو
خرجنا عاقرينْ..
وهبونا وطناً أصغرَ من حبّةِ قمحٍ..
وطناً نبلعهُ من دون ماءٍ
كحبوبِ الأسبرينْ!!
*****
لم يعدْ ثمةَ أطلالٌ لكي نبكي عليها.
كيفَ تبكي أمةٌ
سرقوا منها المدامعْ؟
*****
بعدَ خمسينَ سنهْ..
نجلسُ الآنَ على الأرضِ الخرابْ..
ما لنا مأوى
كآلافِ الكلابْ!!
*****
بعدَ خمسينَ سنهْ
ما وجدنا وطناً نسكنهُ إلا السرابْ..
ليسَ صُلحاً، ذلكَ الصلحُ الذي أُدخلَ كالخنجرِ فينا..
إنهُ فعلُ اغتصابْ!!..
*****
ما تفيدُ الهرولهْ؟
ما تفيدُ الهرولهْ؟
عندما يبقى ضميرُ الشعبِ حياً
كفتيلِ القنبلهْ..
لن تساوي كلُّ توقيعاتِ أوسلو..
خردلهْ!!..
*****
كم حلمنا بسلامٍ أخضرٍ..
وهلالٍ أبيض..
وببحرٍ أزرقَ.. وقلوعٍ مرسلهْ..
ووجدنا فجأةً أنفسنا.. في مزبلهْ!!
*****
من تُرى يسألهم عن سلامِ الجبناءْ؟
لا سلامِ الأقوياءِ القادرينْ.
من تُرى يسألهم عن سلامِ البيعِ بالتقسيطِ..؟
والتأجيرِ بالتقسيطِ.. والصفقاتِ..
والتجّارِ والمستثمرينْ؟
وتُرى يسألهم عن سلامِ الميتينْ؟
أسكتوا الشارعَ.. واغتالوا جميعَ الأسئلهْ..
وجميعَ السائلينْ...
قراءة وإعداد- حكيم عنكر
المساء
05/9/2008
شعره ومن حياته. وهو للحقيقة يكون قد قرأ فنجان الأمة العربية منذ القصيدة
الجميلة «قارئة الفنجانّ» التي غناها عبد الحليم حافظ، وكأنه يستشرف أمرا
جللا سيقع لهذه الأمة، وسنرى أنه سيتدرج في الإفصاح عن «مواقفه الشعرية»
تباعا في المرحلة التي أقام فيها في لندن.
لقد بدأ الرجل في إطلاق النار على الجميع، وكأنه، كما يذهب إلى ذلك
بعض العالمين ببواطن الأمور، كان مدفوعا ومحرضا من طرف قيادات سياسية
عربية بما فيها تلك القيادات التي نقول عنها»رجعية» ومتخلفة
و»لاديمقراطية»، فهذه الأنظمة التي ينتقدها، هي التي تفسح له المجال في
الصحف التي تملكها، وهي التي تنشر شعره على الصفحات الأولى لجرائدها.
كانت هذه علامة لافتة في تجربة هذا الشاعر، وفي دخول الشعر إلى لعبة
السياسة.. كان هناك نوع من حنين العرب «الأماليد» إلى استعادة ذلك الغرض
الشعري القديم، ألا وهو» الهجاء»، ولو قدموا من أجل إحيائه المال الوفير،
لأن العرب، كما يقول الغذامي، ما هم في النهاية إلا مجرد «ظاهرة صوتية».
هل كان نزار قباني ظاهرة صوتية؟ من الصعب تماما قول ذلك، فالرجل أحد
أعمدة الشعر العربي الحديث بلا منازع، وأكثرهم جماهيرية ومقروئية في
العالم العربي، وهو الشاعر العربي الوحيد مع محمود درويش ومظفر النواب
الذين كانوا أصحاب جماهير، وكان قباني شاعرا قويا ومنشدا من عيار ثقيل
لنصوصه، وعلى نصوصه تربت أجيال شعرية، كما أن طريقته في الأداء الشعري قد
أصبحت علامة دالة عليه. منذ قصائد «هوامش على دفتر النكسة» ظهرت البوادر
الأولى لشاعر قريب من الوجدان العربي الشعبي العام، لكنه ظل مترددا، يهرب
كل مرة إلى قصيدة «الغزل» أو قصيدة الحب التي كان يتقنها، لأنه كان يعرف
تقنيتها ومرجعيتها جيدا، لكن قصيدة «المهرولون» التي كان كتبها مباشرة بعد
توقيع ياسر عرفات لاتفاقية أوسلو في سنة 1995 قد هزت الوجدان العام، وعبرت
عن الموقف الشعبي العربي من اتفاقية أوسلو، وفيها هوجم عرفات شر هجمة وكال
له قباني كل الأوصاف.
بعد مضي أكثر من 13 عاما على كتابة هذه القصيدة لا تزال راهنيتها
موضع إعجاب، فلا الدولة تحققت ولا القدس عادت، وما هذا في رأي قباني إلا
تتويجا لحالة السقوط العربي المتواصل منذ سقوط غرناطة إلى الآن، والنتيجة
أن «عروق الكبرياء قد يبست فينا».
عندما نشرت قصيدة «المهرولون» في أكتوبر من سنة 1995 تلقفها الناس،
وترددت على كافة الألسن، ووجد فيها السياسيون الوصف الدقيق للوضع
الفلسطيني وللحال العربي على وجه العموم، وأصبحت أية حركة في اتجاه أمريكا
هي «هرولة»، وأصبح الوصف الدقيق للانتهازيين الذين يغيرون معاطفهم عند كل
زاوية هم مجرد « مهرولين» يثيرون الشفقة. معركة قصيدة «خبز وحشيش وقمر»
التي أثارت رجال الدين في سوريا ضده، وطالبوا بطرده من السلك الدبلوماسي،
وانتقلت المعركة إلى البرلمان السوري وكان أول شاعر تناقش قصائده في
البرلمان.
في الحياة الأدبية لنزار قباني عدة محطات يمكن أن نوجزها في التالي:
- محطة «هوامش على دفتر النكسة» وقد أثارت القصيدة عاصفة شديدة في
العالم العربي، وأحدثت جدلاً كبيراً بين المثقفين.. ولعنف القصيدة صدر
قرار بمنع إذاعة أغاني نزار وأشعاره في الإذاعة والتلفزيون.
- محطة عام 1990 حيث صدر قرار من وزارة التعليم المصرية بحذف قصيدته
«عند الجدار» من مناهج الدراسة بالصف الأول الإعدادي لما تتضمنه من معاني
غير لائقة.. وقد أثار القرار ضجة في حينها واعترض عليه كثير من الشعراء في
مقدمتهم محمد إبراهيم أبو سنة..
- المعركة الكبيرة التي خاضها ضد الشاعر السوري الكبير «أدونيس» في
أوائل السبعينات، قصة الخلاف تعود إلى حوار مع نزار أجراه، منير العكش،
الصحفي اللبناني ونشره في مجلة مواقف التي يشرف عليها أدونيس. ثم عاد نزار
ونشر الحوار في كتيب دون أن يذكر اسم المجلة التي نشرت الحوار... فكتب
أدونيس مقالاً عنيفاً يهاجم فيه نزار الذي رد بمقال أعنف، وتطورت المعركة
حتى كادت تصل إلى المحاكم لولا تدخل أصدقاء الطرفين بالمصالحة.
- ثم محطة آخر العمر فبعد مقتل بلقيس تنقل بين باريس وجنيف حتى
استقر به المقام في لندن التي قضى بها الأعوام الخمسة عشر الأخيرة من
حياته.
ومن لندن كان نزار يكتب أشعاره ويثير المعارك والجدل.. خاصة قصائده
السياسة خلال فترة التسعينات مثل: متى يعلنون وفاة العرب، والمهرولون،
والمتنبي، وأم كلثوم على قائمة التطبيع.
مقاطع من: «المهرولون»
تركوا علبةَ سردينٍ بأيدينا
تسمّى «غزّة»
عظمةً يابسةً تُدعى «أريحا»
فندقاً يدعى فلسطينَ..
بلا سقفٍ ولا أعمدةٍ..
تركونا جسداً دونَ عظامٍ
ويداً دونَ أصابعْ...
*****
بعدَ هذا الغزلِ السريِّ في أوسلو
خرجنا عاقرينْ..
وهبونا وطناً أصغرَ من حبّةِ قمحٍ..
وطناً نبلعهُ من دون ماءٍ
كحبوبِ الأسبرينْ!!
*****
لم يعدْ ثمةَ أطلالٌ لكي نبكي عليها.
كيفَ تبكي أمةٌ
سرقوا منها المدامعْ؟
*****
بعدَ خمسينَ سنهْ..
نجلسُ الآنَ على الأرضِ الخرابْ..
ما لنا مأوى
كآلافِ الكلابْ!!
*****
بعدَ خمسينَ سنهْ
ما وجدنا وطناً نسكنهُ إلا السرابْ..
ليسَ صُلحاً، ذلكَ الصلحُ الذي أُدخلَ كالخنجرِ فينا..
إنهُ فعلُ اغتصابْ!!..
*****
ما تفيدُ الهرولهْ؟
ما تفيدُ الهرولهْ؟
عندما يبقى ضميرُ الشعبِ حياً
كفتيلِ القنبلهْ..
لن تساوي كلُّ توقيعاتِ أوسلو..
خردلهْ!!..
*****
كم حلمنا بسلامٍ أخضرٍ..
وهلالٍ أبيض..
وببحرٍ أزرقَ.. وقلوعٍ مرسلهْ..
ووجدنا فجأةً أنفسنا.. في مزبلهْ!!
*****
من تُرى يسألهم عن سلامِ الجبناءْ؟
لا سلامِ الأقوياءِ القادرينْ.
من تُرى يسألهم عن سلامِ البيعِ بالتقسيطِ..؟
والتأجيرِ بالتقسيطِ.. والصفقاتِ..
والتجّارِ والمستثمرينْ؟
وتُرى يسألهم عن سلامِ الميتينْ؟
أسكتوا الشارعَ.. واغتالوا جميعَ الأسئلهْ..
وجميعَ السائلينْ...
قراءة وإعداد- حكيم عنكر
المساء
05/9/2008
ربيع- عدد الرسائل : 1432
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 04/07/2008
نزار قباني يصرخ: أنا مع الإرهاب
يمكن اعتبار قصيدة «متهمون نحن بالإرهاب» لنزار قباني التي كتبها في سنة 1995 من بين أهم قصائده السجالية التي مهدت للقصائد التي ستأتي بعد ذلك، والتي تغرف في جملتها من المشهد التراجيدي العربي المنهك، والمتحلل، بلغة شعرية أقرب إلى السخرية، أو لنقل بلغة خفيفة تعلق على الحدث اليومي وتهتم به.
لم يعد نزار قباني ذلك الطائر المحلق في السماء، ولم تعد حقول السوسن تثيره، لقد أدرك في اللحظة الحاسمة أن الأمة العربية هي في النهاية أمة انحطاط.
لقد كان عليه أن يخرج من محيط الضغط العربي إلى الهدوء الإنجليزي، كي يرى من ضباب لندن مقدار الهوان العربي. لا يجب أن ننسى أن أمسيات نزار قباني كانت بالفعل أمسيات حاشدة، وتحضرها النخبة العربية الثقافية والسياسية، وربما وجد فيه عرب لندن فاكهة عربية مثمرة، لأنه كان الصوت العربي البلوري والشفاف الذي انتقد عبر الشعر السياسات العربية، وإن كان ذلك يتم بالنسبة إلى قباني عبر لغة مشوشة، يجتاحها التعميم، وتخاطب الجمهور الواسع، بمفردات التداول السياسي اليومي، الدارج في الصحافة.
لا يجب أن ننسى أن قصيدة «متهمون نحن بالإرهاب» قد كتبت في فترة مفصلية من التاريخ السياسي الغربي، من بين علاماته تصاعد الحملة الأمريكية على التوجهات الراديكالية في العالم العربي، وبداية ظهور مصطلح الإرهاب وإلصاقه بالمقاومتين الفلسطينية واللبنانية، وهي الصفة التي أصبحت جاهزة لتضييق الخناق على القوى الحية في العالم العربي. وفي الوقت الذي بدا فيه الانحياز الأمريكي السافر للسياسات الإسرائيلية ولحملة التقتيل التي كانت تباشرها إسرائيل تحت الغطاء الأمريكي.
ولو أدرنا أن نقول كلمة جامعة عن نزار قباني لأمكننا القول إنه شاعر من شعراء العربية الذين أتوا في وقت كانت توجد فيه اللغة العربية والشعر العربي في مأزق خاص وفي موقع حساس، ولم يكن ممكنا إلا هدم وإعادة بناء هذه اللغة التي كتب بها الحارث بن حلزة والحطيئة والمتنبي.
وقد كان بالفعل هداما وبناء في نفس الآن، جعل أنصاف المتعلمين يجدون في شعره عواطفهم وأحاسيسهم، وجعل المتفقهين في اللغة يقفون أمام روعة هذا الرجل وقدرته على «الرسم بالكلمات»، ألم يعبر عن ذلك هو نفسه في أحد دواوينه التي تحمل نفس الاسم، حتى إن الرسم بالكلمات صار عنوانا من عناوين التجربة الشعرية العربية الحديثة المنفتحة على لغة العين.
في قصيدة «متهمون نحن بالإرهاب» يوجه قباني نقدا قاسيا إلى السياسة الأمريكية، وكيلها بمكيالين، حتى إن الواحد إذا «رمى وردة» تتهمه أمريكا بالإرهاب، كما أن الإنصات إلى مجرد خطبة للجمعة يتحول إلى عمل إرهابي، لذلك يعبر قباني عن اصطفافه في صف الإرهاب.
طبعا، لا يمكن محاكمة شاعر في الخريف الأخير من العمر بتهمة الانتماء إلى «خلية إرهابية» فلا حرج على الشعراء، إن اجترحوا المعاني.
مقاطع من «متهمون نحن بالإرهاب»
متهمون نحن بالإرهاب...
إذا رفضنا زمنا
صارت به أمريكا
المغرورة... الغنية... القوية
مترجما محلفا...
للغة العبرية!!
**
متهمون نحن بالإرهاب...
إذا رمينا وردة...
للقدس...
للخليل...
أو لغزة...
والناصرة...
إذا حملنا الخبز والماء...
إلى طروادة المحاصرة...
**
متهمون نحن بالإرهاب...
إذا رفعنا صوتنا
ضد كل الشعوبيين من قادتنا...
وكل من قد غيروا سروجهم...
وانتقلوا من وحدويين...
إلى سماسرة!!
**
إذا اقترفنا مهنة الثقافة...
إذا تمردنا على أوامر
الخليفة
العظيم.. والخلافة...
إذا قرأنا كتبا في الفقه
... والسياسة...
إذا ذكرنا ربنا تعالى...
إذا تلونا (سورة الفتح)..
وأصغينا إلى خطبة يوم الجمعة
فنحن ضالعون في الإرهاب!!
متهمون نحن بالإرهاب...
إن نحن دافعنا عن الأرض
وعن كرامة التراب
إذا تمردنا على اغتصاب الشعب
واغتصابنا...
إذاحمينا آخر النخيل في
صحرائنا...
وآخر النجوم في سمائنا...
وآخر الحروف في أسمائنا...
وآخر الحليب في أثداء أمهاتنا
إن كان هذا ذنبنا...
ما أروع الإرهاب!!
---------------------
قراءة وإعداد- حكيم عنكر
المساء-8/9/2008
لم يعد نزار قباني ذلك الطائر المحلق في السماء، ولم تعد حقول السوسن تثيره، لقد أدرك في اللحظة الحاسمة أن الأمة العربية هي في النهاية أمة انحطاط.
لقد كان عليه أن يخرج من محيط الضغط العربي إلى الهدوء الإنجليزي، كي يرى من ضباب لندن مقدار الهوان العربي. لا يجب أن ننسى أن أمسيات نزار قباني كانت بالفعل أمسيات حاشدة، وتحضرها النخبة العربية الثقافية والسياسية، وربما وجد فيه عرب لندن فاكهة عربية مثمرة، لأنه كان الصوت العربي البلوري والشفاف الذي انتقد عبر الشعر السياسات العربية، وإن كان ذلك يتم بالنسبة إلى قباني عبر لغة مشوشة، يجتاحها التعميم، وتخاطب الجمهور الواسع، بمفردات التداول السياسي اليومي، الدارج في الصحافة.
لا يجب أن ننسى أن قصيدة «متهمون نحن بالإرهاب» قد كتبت في فترة مفصلية من التاريخ السياسي الغربي، من بين علاماته تصاعد الحملة الأمريكية على التوجهات الراديكالية في العالم العربي، وبداية ظهور مصطلح الإرهاب وإلصاقه بالمقاومتين الفلسطينية واللبنانية، وهي الصفة التي أصبحت جاهزة لتضييق الخناق على القوى الحية في العالم العربي. وفي الوقت الذي بدا فيه الانحياز الأمريكي السافر للسياسات الإسرائيلية ولحملة التقتيل التي كانت تباشرها إسرائيل تحت الغطاء الأمريكي.
ولو أدرنا أن نقول كلمة جامعة عن نزار قباني لأمكننا القول إنه شاعر من شعراء العربية الذين أتوا في وقت كانت توجد فيه اللغة العربية والشعر العربي في مأزق خاص وفي موقع حساس، ولم يكن ممكنا إلا هدم وإعادة بناء هذه اللغة التي كتب بها الحارث بن حلزة والحطيئة والمتنبي.
وقد كان بالفعل هداما وبناء في نفس الآن، جعل أنصاف المتعلمين يجدون في شعره عواطفهم وأحاسيسهم، وجعل المتفقهين في اللغة يقفون أمام روعة هذا الرجل وقدرته على «الرسم بالكلمات»، ألم يعبر عن ذلك هو نفسه في أحد دواوينه التي تحمل نفس الاسم، حتى إن الرسم بالكلمات صار عنوانا من عناوين التجربة الشعرية العربية الحديثة المنفتحة على لغة العين.
في قصيدة «متهمون نحن بالإرهاب» يوجه قباني نقدا قاسيا إلى السياسة الأمريكية، وكيلها بمكيالين، حتى إن الواحد إذا «رمى وردة» تتهمه أمريكا بالإرهاب، كما أن الإنصات إلى مجرد خطبة للجمعة يتحول إلى عمل إرهابي، لذلك يعبر قباني عن اصطفافه في صف الإرهاب.
طبعا، لا يمكن محاكمة شاعر في الخريف الأخير من العمر بتهمة الانتماء إلى «خلية إرهابية» فلا حرج على الشعراء، إن اجترحوا المعاني.
مقاطع من «متهمون نحن بالإرهاب»
متهمون نحن بالإرهاب...
إذا رفضنا زمنا
صارت به أمريكا
المغرورة... الغنية... القوية
مترجما محلفا...
للغة العبرية!!
**
متهمون نحن بالإرهاب...
إذا رمينا وردة...
للقدس...
للخليل...
أو لغزة...
والناصرة...
إذا حملنا الخبز والماء...
إلى طروادة المحاصرة...
**
متهمون نحن بالإرهاب...
إذا رفعنا صوتنا
ضد كل الشعوبيين من قادتنا...
وكل من قد غيروا سروجهم...
وانتقلوا من وحدويين...
إلى سماسرة!!
**
إذا اقترفنا مهنة الثقافة...
إذا تمردنا على أوامر
الخليفة
العظيم.. والخلافة...
إذا قرأنا كتبا في الفقه
... والسياسة...
إذا ذكرنا ربنا تعالى...
إذا تلونا (سورة الفتح)..
وأصغينا إلى خطبة يوم الجمعة
فنحن ضالعون في الإرهاب!!
متهمون نحن بالإرهاب...
إن نحن دافعنا عن الأرض
وعن كرامة التراب
إذا تمردنا على اغتصاب الشعب
واغتصابنا...
إذاحمينا آخر النخيل في
صحرائنا...
وآخر النجوم في سمائنا...
وآخر الحروف في أسمائنا...
وآخر الحليب في أثداء أمهاتنا
إن كان هذا ذنبنا...
ما أروع الإرهاب!!
---------------------
قراءة وإعداد- حكيم عنكر
المساء-8/9/2008
ربيع- عدد الرسائل : 1432
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 04/07/2008
«حالة حصار» جنب أبي عمار في رام الله
في التاسع من الشهر الماضي رحل عن دنيانا أهم شاعر عربي في العصر الحديث على الإطلاق، قامته الشعرية توازي حصيلة وعمل أجيال شعرية بكاملها، وبقدر التقدير الذي حظي به شخصه اكتسب محمود درويش صفات الشاعر، وبعضا من خصال شاعر ظل درويش مغرما به، ألا وهو شاعر كل العصور أبي الطيب المتنبي.
من خلال هذه السياحة في الكون الدرويشي سنعرض لوجهات نظر قيلت من طرف مجايليه في حياته، يمتزج فيها النقدي الشخصي والصداقي بالعلمي، كما أنني أرى أن قصيدة «حالة حصار» تجسد النموذج الشعري الكبير لعلاقة درويش بقضيته، هذه القصيدة التي كتبها في رام الله سنة 2002، جنب «زعيمه التاريخي» أبو عمار، ومشروع الدولة ينهار ويتلاشى، والزعيم يتسمم يوما عن ويم محروما من الحرية التي ناضل من أجلها.. هذا هو درويش، يفجر المشهد التراجيدي في الموقف التراجيدي العظيم. يعتبر الناقد السوري صبحي حديدي أحد المتخصصين القلائل في شعر درويش، فهو ليس فقط ناقده الشعري بل أيضا صديقه الذي لازمه في الإقامة الباريسية للشاعر.
يكتب عنه حديدي: «يحتلّ محمود درويش موقعاً فريداً قلما حظي به شاعر في الثقافة العربية الحديثة، ولا يقارن نفوذه الأدبي إلا بالنفوذ الخاص الذي تمتّع به كبار الشعراء العرب في أطوار ازدهار الشعر، حين كان الشاعر أشبه بنبيّ الأمّة، والناطق المعبّر عن كيانها، وعرّافها الذي يستبصر أقدارها الماضية والحاضرة، وتلك الكامنة في مجهول لا يرى معلومه سواه، في السموّ والانتصار كما في الانكسار والهزيمة. وفي ثقافات الأمم تكررت على الدوام تلك البرهة الاستثنائية التي تُلقى فيها على عاتق شاعر مهمة كبرى مثل التقاط الوجدان الجَمْعي للأمّة، وتحويل الشعر إلى قوّة وطنية وثقافية، روحية ومادية، جمالية ومعرفية. ولقد توفّرت للشاعر أسباب موضوعية وأخرى ذاتية لبلوغ هذا الموقع، وحدث أحياناً أن كان التفاعل بين هذين النوعين من الأسباب في صالح مشروع درويش الشعري في حصيلته، كما حدث في أحيان أخرى أنّ ضغط الشروط الموضوعية ألزم الشاعر بدفع برنامجه الجمالي إلى الصفّ الثاني والسماح للمهمة الوطنية باحتلال الصفّ الأول. ولكنه في الحالتين أثبت حساسية فائقة تجاه تطوير لغته وأدواته وموضوعاته، خصوصاً في العقدين الأخيرين من مسيرته الشعرية حين استقرّت كثيراً معادلة العلاقة التبادلية الوثيقة بين تطوير جمالياته الشعرية وتطوّر نفوذه الأخلاقي والثقافي في الوجدان العربي.
على مستوى آخر وفي مقال في غاية الروعة والحس العالي بعنوان «تلاحم عسير للشعر وللذاكرة الجمعية» يكتب عنه المفكر الفلسطيني الراحل إدوار سعيد: «عند درويش يدخل الخاصّ والعامّ في علاقة قلقة دائمة، حيث تكون قوّة وجموح الأوّل غير متلائمة مع اختبارات الصواب السياسي، والسياسة التي يقتضيها الثاني. ولأنه الكاتب الحريص والمعلّم الماهر، فإن درويش شاعر أدائي من طراز رفيع، ومن نمط لا نجد له في الغرب سوى عدد محدود من النظائر. وهو يمتلك أسلوباً ناريّاً، لكنّه أيضاً أسلوب أليف على نحو غريب، مصمّم لإحداث استجابة فورية عند جمهور حيّ. قلّة قليلة من الشعراء الغربيين ـ من أمثال ييتس Yeats وولكوت Walcott وغنسبرغ Ginsberg ـ امتلكوا ذلك المزيج النادر الآسر الذي يجمع بين الأسلوب السحري التعويذي الموجّه للجماعة، وبين المشاعر الذاتية العميقة المصاغة بلغة أخّاذة لا تُقاوم. ودرويش، مثل أقرانه الغربيين القلّة، فنّان تقني مدهش يستخدم التراث العروضي العربي الفنّي والفريد بطرق تجديدية وجديدة على الدوام. ذلك يتيح له أن ينجز أمراً بالغ النُدرة في الشعر العربي الحديث: براعة أسلوبية فائقة وفذّة، ممتزجة بحسّ بالعبارة الشعرية يجعلها أشبه بالمنحوتة بإزميل، بسيطة في نهاية الأمر لأنها بالغة الصفاء».
مقاطع من «حالة حصار»
هنا،
عند مُنْحَدَرات التلال،
أمام الغروب وفُوَّهَة الوقت،
قُرْبَ بساتينَ مقطوعةِ الظلِ،
نفعلُ ما يفعلُ السجناءُ،
وما يفعل العاطلون عن العمل:
نُرَبِّي الأملْ.
بلادٌ علي أُهْبَةِ الفجر. صرنا أَقلَّ ذكاءً،
لأَنَّا نُحَمْلِقُ في ساعة النصر:
لا لَيْلَ في ليلنا المتلألئ بالمدفعيَّة.
أَعداؤنا يسهرون وأَعداؤنا يُشْعِلون لنا النورَ
في حلكة الأَقبية.
هنا، بعد أَشعار أَيّوبَ لم ننتظر أَحداً...
سيمتدُّ هذا الحصارُ إلي أن نعلِّم أَعداءنا
نماذجَ من شِعْرنا الجاهليّ.
أَلسماءُ رصاصيّةٌ في الضُحي
بُرْتقاليَّةٌ في الليالي. وأَمَّا القلوبُ
فظلَّتْ حياديَّةً مثلَ ورد السياجْ.
هنا، لا أَنا
هنا، يتذكَّرُ آدَمُ صَلْصَالَهُ...
يقولُ علي حافَّة الموت:
لم يَبْقَ بي مَوْطِئٌ للخسارةِ:
حُرٌّ أَنا قرب حريتي. وغدي في يدي.
سوف أَدخُلُ عمَّا قليلٍ حياتي،
وأولَدُ حُرّاً بلا أَبَوَيْن،
وأختارُ لاسمي حروفاً من اللازوردْ...
في الحصار، تكونُ الحياةُ هِيَ الوقتُ
بين تذكُّرِ أَوَّلها.
ونسيانِ آخرِها.
هنا، عند مُرْتَفَعات الدُخان،
علي دَرَج البيت،
لا وَقْتَ للوقت.
نفعلُ ما يفعلُ الصاعدون إلي الله:
ننسي الأَلمْ.
الألمْ
هُوَ:
أن لا تعلِّق سيِّدةُ البيت حَبْلَ الغسيل
صباحاً، وأنْ تكتفي بنظافة هذا العَلَمْ.
لا صديً هوميريٌّ لشيءٍ هنا.
فالأساطيرُ تطرق أبوابنا حين نحتاجها.
لا صديً هوميريّ لشيء. هنا جنرالٌ
يُنَقِّبُ عن دَوْلَةٍ نائمةْ
تحت أَنقاض طُرْوَادَةَ القادمةْ
يقيسُ الجنودُ المسافةَ بين الوجود وبين العَدَمْ
بمنظار دبّابةٍ...
نقيسُ المسافَةَ ما بين أَجسادنا
والقذائفِ بالحاسّة السادسةْ.
أَيُّها الواقفون علي العَتَبات ادخُلُوا،
واشربوا معنا القهوةَ العربيَّةَ
غقد تشعرون بأنكمُ بَشَرٌ مثلناف.
أَيها الواقفون علي عتبات البيوت!
اُخرجوا من صباحاتنا،
نطمئنَّ إلي أَننا
بَشَرٌ مثلكُمْ!
نَجِدُ الوقتَ للتسليةْ:
نلعبُ النردَ، أَو نَتَصَفّح أَخبارَنا
في جرائدِ أَمسِ الجريحِ،
ونقرأ زاويةَ الحظِّ: في عامِ
أَلفينِ واثنينِ تبتسم الكاميرا
لمواليد بُرْجِ الحصار.
كُلَّما جاءني الأمسُ، قلت له:
ليس موعدُنا اليومَ، فلتبتعدْ
وتعالَ غداً !
من خلال هذه السياحة في الكون الدرويشي سنعرض لوجهات نظر قيلت من طرف مجايليه في حياته، يمتزج فيها النقدي الشخصي والصداقي بالعلمي، كما أنني أرى أن قصيدة «حالة حصار» تجسد النموذج الشعري الكبير لعلاقة درويش بقضيته، هذه القصيدة التي كتبها في رام الله سنة 2002، جنب «زعيمه التاريخي» أبو عمار، ومشروع الدولة ينهار ويتلاشى، والزعيم يتسمم يوما عن ويم محروما من الحرية التي ناضل من أجلها.. هذا هو درويش، يفجر المشهد التراجيدي في الموقف التراجيدي العظيم. يعتبر الناقد السوري صبحي حديدي أحد المتخصصين القلائل في شعر درويش، فهو ليس فقط ناقده الشعري بل أيضا صديقه الذي لازمه في الإقامة الباريسية للشاعر.
يكتب عنه حديدي: «يحتلّ محمود درويش موقعاً فريداً قلما حظي به شاعر في الثقافة العربية الحديثة، ولا يقارن نفوذه الأدبي إلا بالنفوذ الخاص الذي تمتّع به كبار الشعراء العرب في أطوار ازدهار الشعر، حين كان الشاعر أشبه بنبيّ الأمّة، والناطق المعبّر عن كيانها، وعرّافها الذي يستبصر أقدارها الماضية والحاضرة، وتلك الكامنة في مجهول لا يرى معلومه سواه، في السموّ والانتصار كما في الانكسار والهزيمة. وفي ثقافات الأمم تكررت على الدوام تلك البرهة الاستثنائية التي تُلقى فيها على عاتق شاعر مهمة كبرى مثل التقاط الوجدان الجَمْعي للأمّة، وتحويل الشعر إلى قوّة وطنية وثقافية، روحية ومادية، جمالية ومعرفية. ولقد توفّرت للشاعر أسباب موضوعية وأخرى ذاتية لبلوغ هذا الموقع، وحدث أحياناً أن كان التفاعل بين هذين النوعين من الأسباب في صالح مشروع درويش الشعري في حصيلته، كما حدث في أحيان أخرى أنّ ضغط الشروط الموضوعية ألزم الشاعر بدفع برنامجه الجمالي إلى الصفّ الثاني والسماح للمهمة الوطنية باحتلال الصفّ الأول. ولكنه في الحالتين أثبت حساسية فائقة تجاه تطوير لغته وأدواته وموضوعاته، خصوصاً في العقدين الأخيرين من مسيرته الشعرية حين استقرّت كثيراً معادلة العلاقة التبادلية الوثيقة بين تطوير جمالياته الشعرية وتطوّر نفوذه الأخلاقي والثقافي في الوجدان العربي.
على مستوى آخر وفي مقال في غاية الروعة والحس العالي بعنوان «تلاحم عسير للشعر وللذاكرة الجمعية» يكتب عنه المفكر الفلسطيني الراحل إدوار سعيد: «عند درويش يدخل الخاصّ والعامّ في علاقة قلقة دائمة، حيث تكون قوّة وجموح الأوّل غير متلائمة مع اختبارات الصواب السياسي، والسياسة التي يقتضيها الثاني. ولأنه الكاتب الحريص والمعلّم الماهر، فإن درويش شاعر أدائي من طراز رفيع، ومن نمط لا نجد له في الغرب سوى عدد محدود من النظائر. وهو يمتلك أسلوباً ناريّاً، لكنّه أيضاً أسلوب أليف على نحو غريب، مصمّم لإحداث استجابة فورية عند جمهور حيّ. قلّة قليلة من الشعراء الغربيين ـ من أمثال ييتس Yeats وولكوت Walcott وغنسبرغ Ginsberg ـ امتلكوا ذلك المزيج النادر الآسر الذي يجمع بين الأسلوب السحري التعويذي الموجّه للجماعة، وبين المشاعر الذاتية العميقة المصاغة بلغة أخّاذة لا تُقاوم. ودرويش، مثل أقرانه الغربيين القلّة، فنّان تقني مدهش يستخدم التراث العروضي العربي الفنّي والفريد بطرق تجديدية وجديدة على الدوام. ذلك يتيح له أن ينجز أمراً بالغ النُدرة في الشعر العربي الحديث: براعة أسلوبية فائقة وفذّة، ممتزجة بحسّ بالعبارة الشعرية يجعلها أشبه بالمنحوتة بإزميل، بسيطة في نهاية الأمر لأنها بالغة الصفاء».
مقاطع من «حالة حصار»
هنا،
عند مُنْحَدَرات التلال،
أمام الغروب وفُوَّهَة الوقت،
قُرْبَ بساتينَ مقطوعةِ الظلِ،
نفعلُ ما يفعلُ السجناءُ،
وما يفعل العاطلون عن العمل:
نُرَبِّي الأملْ.
بلادٌ علي أُهْبَةِ الفجر. صرنا أَقلَّ ذكاءً،
لأَنَّا نُحَمْلِقُ في ساعة النصر:
لا لَيْلَ في ليلنا المتلألئ بالمدفعيَّة.
أَعداؤنا يسهرون وأَعداؤنا يُشْعِلون لنا النورَ
في حلكة الأَقبية.
هنا، بعد أَشعار أَيّوبَ لم ننتظر أَحداً...
سيمتدُّ هذا الحصارُ إلي أن نعلِّم أَعداءنا
نماذجَ من شِعْرنا الجاهليّ.
أَلسماءُ رصاصيّةٌ في الضُحي
بُرْتقاليَّةٌ في الليالي. وأَمَّا القلوبُ
فظلَّتْ حياديَّةً مثلَ ورد السياجْ.
هنا، لا أَنا
هنا، يتذكَّرُ آدَمُ صَلْصَالَهُ...
يقولُ علي حافَّة الموت:
لم يَبْقَ بي مَوْطِئٌ للخسارةِ:
حُرٌّ أَنا قرب حريتي. وغدي في يدي.
سوف أَدخُلُ عمَّا قليلٍ حياتي،
وأولَدُ حُرّاً بلا أَبَوَيْن،
وأختارُ لاسمي حروفاً من اللازوردْ...
في الحصار، تكونُ الحياةُ هِيَ الوقتُ
بين تذكُّرِ أَوَّلها.
ونسيانِ آخرِها.
هنا، عند مُرْتَفَعات الدُخان،
علي دَرَج البيت،
لا وَقْتَ للوقت.
نفعلُ ما يفعلُ الصاعدون إلي الله:
ننسي الأَلمْ.
الألمْ
هُوَ:
أن لا تعلِّق سيِّدةُ البيت حَبْلَ الغسيل
صباحاً، وأنْ تكتفي بنظافة هذا العَلَمْ.
لا صديً هوميريٌّ لشيءٍ هنا.
فالأساطيرُ تطرق أبوابنا حين نحتاجها.
لا صديً هوميريّ لشيء. هنا جنرالٌ
يُنَقِّبُ عن دَوْلَةٍ نائمةْ
تحت أَنقاض طُرْوَادَةَ القادمةْ
يقيسُ الجنودُ المسافةَ بين الوجود وبين العَدَمْ
بمنظار دبّابةٍ...
نقيسُ المسافَةَ ما بين أَجسادنا
والقذائفِ بالحاسّة السادسةْ.
أَيُّها الواقفون علي العَتَبات ادخُلُوا،
واشربوا معنا القهوةَ العربيَّةَ
غقد تشعرون بأنكمُ بَشَرٌ مثلناف.
أَيها الواقفون علي عتبات البيوت!
اُخرجوا من صباحاتنا،
نطمئنَّ إلي أَننا
بَشَرٌ مثلكُمْ!
نَجِدُ الوقتَ للتسليةْ:
نلعبُ النردَ، أَو نَتَصَفّح أَخبارَنا
في جرائدِ أَمسِ الجريحِ،
ونقرأ زاويةَ الحظِّ: في عامِ
أَلفينِ واثنينِ تبتسم الكاميرا
لمواليد بُرْجِ الحصار.
كُلَّما جاءني الأمسُ، قلت له:
ليس موعدُنا اليومَ، فلتبتعدْ
وتعالَ غداً !
قراءة وإعداد- حكيم عنكر
المساء
9/9/2008
ربيع- عدد الرسائل : 1432
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 04/07/2008
الحجر يتحول إلى قمر في المقاطعة
محمود درويش، شاعر أكبر من أن تختصره عبارة أو جملة، إن تجربته
الحياتية لا يوجد فيها فقط الخروج من البيت ومن الأرض نحو المنفى الأول في
القاهرة، ولكنه رجل جرب الهروب من الوطن وإليه في بيروت وفي قبرص، تونس
وفي باريس حيث هرب مؤقتا من السلطة، سلطة ابي عمار الذي كان يحبه، والذي
كان يريده أن يكون إلى جنبه في رام الله، حيث مشروع الدولة المجهض.
ولأن ذكرى رحيل هذا الكبير ماتزال طازجة، فإنه يجدر بنا أن نتساءل،
من يكون درويش هذا؟ وكيف أتى إلى الكتابة وإلى الشعر؟ وفي أي تربة ومن أي
أب أو أم؟
إن موهبة خارقة مثل هذه لجديرة بالمساءلة والسؤال والنبش في كافة
تفاصيل حياتها، حتى لو تعلق الأمر بسرد تفاصيل التفاصيل والجزئيات والظلال
وملامح الظلال. لننصت إلى درويش وهو يتحدث عن بداياته في بيت الأم والأب
في الجليل: «بدأت علاقتي بالشعر عن طريق علاقتي بالمغنّين الفلاحين،
المنفيين من قبل الشرطة. كانوا يقولون أشياء غريبة على درجة من الجمال،
بحيث إنني لم أكن أفهمها، ولكني كنت أشعر بها (...)، وهكذا وجدت نفسي
قريباً من أصوات الشعراء الجوّالين المغنّين. وفيما بعد، أخذت أستمع إلى
الشعر العربي الكلاسيكي الذي يروي مغامرات عنترة وسواه من الفرسان،
فاجتذبني هذا العالم وصرت أقلّد تلك الأصوات، وأخترع لنفسي خيولاً وفتيات،
وأحلم في سنّ مبكرة أن أتحوّل إلى شاعر (...). وقد مررت بتجربة مبكرة
علمّتني أنّ ما أفعله، وما ألعبه، هو أخطر بكثير مما أتصوّره.
ذات يوم، دُعيت لإلقاء قصيدة في المدرسة، ومن الغرابة أنّ المناسبة
كانت ذكرى استقلال إسرائيل. وكنت وقتها في الثانية عشرة من عمري، وكتبت
شيئاً سمّوه قصيدة، تحدثت فيها عن عذاب الطفل الذي كان فيّ، والذي شُرّد
وعاد ليجد «الآخر» يقيم في بيته، ويحرث حقل أبيه. قلت ذلك كلّه ببراءة
شديدة. وفي اليوم التالي، استدعاني الحاكم العسكري، وهدّدني بشيء خطير
جداً. ليس بسجني، بل بمنع أبي من العمل. وإذا مُنع أبي من العمل، فإنني لن
أتمكن من شراء الأقلام والأوراق لكي أكتب. ساعتها فهمت أنّ الشعر حكاية
أكثر جدّية مما كنت أعتقده، وكان عليّ أن أختار بين أن أواصل هذه اللعبة
الأكثر جدّية مما أتصوّره، أو أن أتوقف عنها. وهكذا علّمني الاضطهاد أنّ
الشعر قد يكون سلاحاً».
على الساحة المغربية، كان لدرويش صدى كبير، أحبه المغاربة، وأحبوا
شعره، كما أن أمسياته الحاشدة، التي تتجاوز الآلاف، كانت تعيد الاعتبار
إلى الشعر والشاعر، وتؤكد أن الشاعر الحقيقي لا بد أن يكون له من يسمعه،
ولا بد أن تكون له آلاف الأيادي ترتفع له بالتحية والهتاف.
يكتب الشاعر المغربي محمد بنيس عن دوريش الشاعر والإنسان: «ومن يقترب
من مركز قلق كتابتك يدرك عنايتك بالشخصي والجسدي. إنك الشاعر الفلسطيني
الذي جعل الشخصي والجسدي ينفلتان من خط الأحوال النفسية الرومانسية أو
الخطابية، وينحلان في ماء الحسية والمادية.
هي ذي، في اعتقادي، ثورتك الشعرية في قصيدة أعادت صياغة المأساة الفلسطينية من خلال تجربة فردية، شخصية وجسدية.
جرأة هي جرأة المعرفة نفسها بالشعري في زمننا الحديث. ولكنها أدت، في
تجربتك بالذات، إلى كتابة قصيدة تراهن على تحديث الأسطورة الفلسطينية التي
هي إحدى أقدم أساطير الشرق الأوسط. شعب متنوع الأعراق وأديان سماوية وغزاة
وأناشيد ومنفيون وشهداء ومقاومون. تاريخ تهب رياحه على المتخيل البشري
وأسطورة حفظتها عن ظهر قلب كل شعوب البحر الأبيض المتوسط ومنها إلى
العالم.
ثورة شعرية تحتاج إلى قراءة تنسى قليلا قضايا جزئية شغلت القصيدة
العربية الحديثة ونقادها في العقدين الأخيرين، أي أن ثورتك الشعرية، التي
تحققت بحسية دقيقة ستأخذ في الظهور، من جديد، لنا وللاحقين علينا بمجرد أن
نبدّل مكان القراءة.
مقاطع من «الحصار هو الانتظار»
الحصارُ هُوَ الانتظار
هُوَ الانتظارُ على سُلَّمٍ مائلٍ وَسَطَ العاصفةْ
وَحيدونَ، نحن وحيدون حتى الثُمالةِ
لولا زياراتُ قَوْسِ قُزَحْ
لنا إخوةٌ خلف هذا المدى.
إخوة طيّبون.
يُحبُّوننا.
ينظرون إلينا ويبكون.
ثم يقولون في سرِّهم:
ليت هذا الحصارَ هنا علنيٌّ.. ولا يكملون العبارةَ:
لا تتركونا وحيدين، لا تتركونا..
خسائرُنا: من شهيدين حتى ثمانيةٍ كُلَّ يومٍ.
وعَشْرَةُ جرحي.
وعشرون بيتاً.
وخمسون زيتونةً...
بالإضافة للخَلَل البُنْيويّ الذي
سيصيب القصيدةَ والمسرحيَّةَ واللوحة الناقصةْ
في الطريق المُضَاء بقنديل منفي
أَري خيمةً في مهبِّ الجهاتْ:
الجنوبُ عَصِيٌّ على الريح،
والشرقُ غَرْبٌ تَصوَّفَ،
والغربُ هُدْنَةُ قتلى يَسُكُّون نَقْدَ السلام،
وأَمَّا الشمال، الشمال البعيد
فليس بجغرافيا أَو جِهَةْ
إنه مَجْمَعُ الآلهةْ
قالت امرأة للسحابة: غطِّي حبيبي
فإنَّ ثيابي مُبَلَّلةٌ بدَمِهْ
إذا لم تَكُنْ مَطَراً يا حبيبي
فكُنْ شجراً
مُشْبَعاً بالخُصُوبةِ، كُنْ شَجَرا
وإنْ لم تَكُنْ شجراً يا حبيبي
فكُنْ حجراً
مُشْبعاً بالرُطُوبةِ، كُنْ حَجَرا
وإن لم تَكُنْ حجراً يا حبيبي
فكن قمراً
في منام الحبيبة، كُنْ قَمرا
هكذا قالت امرأةٌ
لابنها في جنازته
قراءة وإعداد- حكيم عنكر
المساء
10/9/2008
ربيع- عدد الرسائل : 1432
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 04/07/2008
أغنية للذات.. يطير الحمام يحط الحمام
لم يثر شعر شاعر من شعراء العرب الحديثين الضجة الكبيرة التي أثارها شعر
درويش، فقد تعرض شعره إلى حمى القراءات يمينا وشمالا، وإلى الجدال العقيم
حول أهيمته، ووصل بخصومه في الشعر وفي غير الشعر إلى نعته بكل الصفات ووصل
الأمر إلى محاولة تخوينه، هو الذي جر قاطرة الشعر مسافات كبيرة مثل طائر
الرخ العملاق الذي يختصر المسافات.
كان الجدال قد اشتعل في السنوات الأخيرة حول شعر المقاومة، وحول
«تخلي» درويش عن القضية في شعره، ورأى البعض أن في ذلك منزعا بورجوازيا
ذاتيا قد أفضى بهذا الشاعر الكبير إلى هذا المقلب، لكنه رأي ضيق، أو حق
كان يراد من ورائه باطل، مما دفع درويش إلى الرد في أكثر من مناسبة على
المحاولة المحمومة الجارية من أجل تخوينه أو الإجهاز عليه وقتله رمزيا.
يكتب درويش رادا على خصومه الشعريين وغير الشعريين: «أما من دليل آخر
على المقاومة سوى القول مثلاً: سجّل أنا عربي، أو تكرار شعار: سأُقاوم
وأُقاوم؟ فليس من الضروري، لا شعرياً ولا عملياً، أن يقول المقاوم إنه
يُقاوم، كما ليس من الضروري أن يقول العاشق إنه يعشق. لقد سمَانا غسان
كنفاني شعراء مقاومة دون أَن نعلم أَننا شعراء مقاومة. كنا نكتب حياتنا
كما نعيشها ونراها. وندوِن أحلامنا بالحرية وإصرارنا على أن نكون كما
نريد. ونكتب قصائد حب للوطن ونساء محدَدات. فليس كل شيء رمزياً. وليس كل
ساق شجرة نخيل خصر امرأة أو بالعكس .لا يستطيع الشاعر أن يتحرَر من شرطه
التاريخي. لكن الشعر يوفِر لنا هامش حرية وتعويضاً مجازياً عن عجزنا عن
تغيير الواقع، ويشدنا إلى لغة أَعلى من الشروط التي تُقيِدنا وتُعرقل
الانسجام مع وجودنا الإنساني، وقد يُساعدنا على فهم الذات بتحريرها مما
يُعيق تحليقها الحر في فضاء بلا ضفاف. إن التعبير عن حق الذات في التعرف
على نفسها، وسط الجماعة هو شكل من أشكال البحث عن حرية الأفراد الذين
تتكون منهم الجماعة. ومن هنا، فإن الشعر المعبر عن سِمَاتنا الإنسانية
وهمومنا الفردية ـ وهي ليست فردية تماماً ـ في سياق الصراع الطويل، يُمثِل
البعد الإنساني الذاتي من فعل المقاومة الشعرية، حتى لو كان شعر حُب أو
طبيعة، أو تأمُلاً في وردة، أو خوفاً من موت عادي».
كتابة القصيدة عند درويش تعبر من الحدس حيث تتشكل الصور الرؤياوية
الغامضة، يرفدها إيقاع يحدد مسار القصيدة أو كما يقول هو: «الإيقاع هو
الذي يقودني إلى الكتابة، وإذا لم يكن هناك من إيقاع ومهما كانت عندي
أفكار أو حدوس أو صور فهي ما لم تتحول إلى ذبذبات موسيقية لا أستطيع أن
أكتبها».
يعتبر محمود درويش من الشعراء العرب القلائل الذين كانوا يفكرون في
كتابة قصيدتهم من الموقع النقدي، كان شديد الحساسية لما يكتب، متفاعلا
ومنفعلا معه. إنه يشبه تماما طريقته في الإنشاد وحساسيته البالغة لكل جملة
يكتب بها أو كل حرف في كلمة في إيقاع المقطع الشعري المنهمر مثل شلال في
العالم الشعري الذي يشيده.
يقول عن وضعه كشاعر: «أنا لم أَخْتَر أن أكون ضحيةً، لا على المستوى
الوجودي ولا على المستوى السياسيّ. الشروط التاريخية هي التي جعلت
الفلسطينيين-وأنا من بينهم- ضحايا. وهكذا فأنا أُجهِدُ نفسي على التعبير
عن وعي الخَاسِر وعن الضحية. هذا هو ما يعنيه أن تكون شاعراً طرواديّا:
إنه القول بأنه لا يوجد فقط مَحْكِيُّ المُنْتَصِر. إننا لم نسمع أبدا صوت
الطرواديين، و«هوميروس» هو النشيدُ المَجِيدُ للإغريق. إنّ الطرواديين
يمكن أن يكونوا قد عبَّروا بطريقة أو بأخرى، ولكن صوتَهُم تبدَّدَ إلى
الأبد. وأنا كَشَاعِر أبحثُ عن هذا الصوت. الضعفاءُ يتوجَّب عليهم أن
يُقَدِّموا رواية التاريخ، ولا يجب، أبداً، الاكتفاءُ برواية الأقوياء.
وعلى كل حال، فإنّ الأدبَ الجَيِّدَ هو أدبُ الضعفاء والمهزومين ومن
يُعانون، ومن فضائل الأدب أن تُتِيحَ لنا التحسيسَ بِالأَلَم والجِرَاح،
وبالتالي إيصالَنَا إلى إنسانِيَتِنَا».
في قصيدة «يطير الحمام يحط الحمام» التي تعتبر من روائع شعر محمود
درويش، نتعرف على وجه من وجوه شاعر المقاومة، ذاك الإحساس الرهيف والوعي
الموسيقي بالكلمات الذي لا يجارى.. قصيدة يمكن أن تغنيها مثل حادي العيس
في ليل الصحراء.
مقاطع من «يحط الحمام يطير الحمام»
يحطّ الحمام
أعدّي لي الأرض كي أستريح
فإني أحبّك حتى التعب
صباحك فاكهةٌ للأغاني وهذا المساء ذهب
ونحن لنا حين يدخل ظلٌّ إلى ظلّه في الرخام
وأشبه نفسي حين أعلّق نفسي على عنقٍ
لا تعانق غير الغمام
وأنت الهواء الذي يتعرّى أمامي كدمع العنب
وأنت بداية عائلة الموج حين تشبّث بالبرّ حين اغترب
وإني أحبّك، أنت بداية روحي، وأنت الختام
يطير الحمام
يحطّ الحمام
أنا وحبيبي صوتان في شفةٍ واحده
أنا لحبيبي أنا. وحبيبي لنجمته الشارده
وندخل في الحلم، لكنّه يتباطأ كي لا نراه
وحين ينام حبيبي أصحو لكي أحرس الحلم مما يراه
وأطرد عنه الليالي التي عبرت قبل أن نلتقي
وأختار أيّامنا بيديّ كما اختار لي وردة المائده
فنم يا حبيبي ليصعد صوت البحار إلى ركبتيّ
ونم يا حبيبي لأهبط فيك وأنقذ حلمك من شوكةٍ حاسده
ونم يا حبيبي عليك ضفائر شعري، عليك السلام
يطير الحمام
يحطّ الحمام
رأيت على البحر إبريل
قلت: نسيت انتباه يديك
نسيت التراتيل فوق جروحي
فكم مرّةً تستطيعين أن تولدي في منامي
وكم مرّةً تستطيعين أن تقتليني لأصرخ
إني أحبّك كي تستريحي
أناديك قبل الكلام أطير بخصرك قبل وصولي إليك
فكم مرّةً تستطيعين أن تضعي في مناقير هذا الحمام
وأن تختفي كالمدى في السفوح
لأدرك أنّك بابل، مصر، وشام
يطير الحمام يحطّ الحمام
إلى أين تأخذني يا حبيبي من والديّ
عناوين روحي
المساء
11/9/2008
درويش، فقد تعرض شعره إلى حمى القراءات يمينا وشمالا، وإلى الجدال العقيم
حول أهيمته، ووصل بخصومه في الشعر وفي غير الشعر إلى نعته بكل الصفات ووصل
الأمر إلى محاولة تخوينه، هو الذي جر قاطرة الشعر مسافات كبيرة مثل طائر
الرخ العملاق الذي يختصر المسافات.
كان الجدال قد اشتعل في السنوات الأخيرة حول شعر المقاومة، وحول
«تخلي» درويش عن القضية في شعره، ورأى البعض أن في ذلك منزعا بورجوازيا
ذاتيا قد أفضى بهذا الشاعر الكبير إلى هذا المقلب، لكنه رأي ضيق، أو حق
كان يراد من ورائه باطل، مما دفع درويش إلى الرد في أكثر من مناسبة على
المحاولة المحمومة الجارية من أجل تخوينه أو الإجهاز عليه وقتله رمزيا.
يكتب درويش رادا على خصومه الشعريين وغير الشعريين: «أما من دليل آخر
على المقاومة سوى القول مثلاً: سجّل أنا عربي، أو تكرار شعار: سأُقاوم
وأُقاوم؟ فليس من الضروري، لا شعرياً ولا عملياً، أن يقول المقاوم إنه
يُقاوم، كما ليس من الضروري أن يقول العاشق إنه يعشق. لقد سمَانا غسان
كنفاني شعراء مقاومة دون أَن نعلم أَننا شعراء مقاومة. كنا نكتب حياتنا
كما نعيشها ونراها. وندوِن أحلامنا بالحرية وإصرارنا على أن نكون كما
نريد. ونكتب قصائد حب للوطن ونساء محدَدات. فليس كل شيء رمزياً. وليس كل
ساق شجرة نخيل خصر امرأة أو بالعكس .لا يستطيع الشاعر أن يتحرَر من شرطه
التاريخي. لكن الشعر يوفِر لنا هامش حرية وتعويضاً مجازياً عن عجزنا عن
تغيير الواقع، ويشدنا إلى لغة أَعلى من الشروط التي تُقيِدنا وتُعرقل
الانسجام مع وجودنا الإنساني، وقد يُساعدنا على فهم الذات بتحريرها مما
يُعيق تحليقها الحر في فضاء بلا ضفاف. إن التعبير عن حق الذات في التعرف
على نفسها، وسط الجماعة هو شكل من أشكال البحث عن حرية الأفراد الذين
تتكون منهم الجماعة. ومن هنا، فإن الشعر المعبر عن سِمَاتنا الإنسانية
وهمومنا الفردية ـ وهي ليست فردية تماماً ـ في سياق الصراع الطويل، يُمثِل
البعد الإنساني الذاتي من فعل المقاومة الشعرية، حتى لو كان شعر حُب أو
طبيعة، أو تأمُلاً في وردة، أو خوفاً من موت عادي».
كتابة القصيدة عند درويش تعبر من الحدس حيث تتشكل الصور الرؤياوية
الغامضة، يرفدها إيقاع يحدد مسار القصيدة أو كما يقول هو: «الإيقاع هو
الذي يقودني إلى الكتابة، وإذا لم يكن هناك من إيقاع ومهما كانت عندي
أفكار أو حدوس أو صور فهي ما لم تتحول إلى ذبذبات موسيقية لا أستطيع أن
أكتبها».
يعتبر محمود درويش من الشعراء العرب القلائل الذين كانوا يفكرون في
كتابة قصيدتهم من الموقع النقدي، كان شديد الحساسية لما يكتب، متفاعلا
ومنفعلا معه. إنه يشبه تماما طريقته في الإنشاد وحساسيته البالغة لكل جملة
يكتب بها أو كل حرف في كلمة في إيقاع المقطع الشعري المنهمر مثل شلال في
العالم الشعري الذي يشيده.
يقول عن وضعه كشاعر: «أنا لم أَخْتَر أن أكون ضحيةً، لا على المستوى
الوجودي ولا على المستوى السياسيّ. الشروط التاريخية هي التي جعلت
الفلسطينيين-وأنا من بينهم- ضحايا. وهكذا فأنا أُجهِدُ نفسي على التعبير
عن وعي الخَاسِر وعن الضحية. هذا هو ما يعنيه أن تكون شاعراً طرواديّا:
إنه القول بأنه لا يوجد فقط مَحْكِيُّ المُنْتَصِر. إننا لم نسمع أبدا صوت
الطرواديين، و«هوميروس» هو النشيدُ المَجِيدُ للإغريق. إنّ الطرواديين
يمكن أن يكونوا قد عبَّروا بطريقة أو بأخرى، ولكن صوتَهُم تبدَّدَ إلى
الأبد. وأنا كَشَاعِر أبحثُ عن هذا الصوت. الضعفاءُ يتوجَّب عليهم أن
يُقَدِّموا رواية التاريخ، ولا يجب، أبداً، الاكتفاءُ برواية الأقوياء.
وعلى كل حال، فإنّ الأدبَ الجَيِّدَ هو أدبُ الضعفاء والمهزومين ومن
يُعانون، ومن فضائل الأدب أن تُتِيحَ لنا التحسيسَ بِالأَلَم والجِرَاح،
وبالتالي إيصالَنَا إلى إنسانِيَتِنَا».
في قصيدة «يطير الحمام يحط الحمام» التي تعتبر من روائع شعر محمود
درويش، نتعرف على وجه من وجوه شاعر المقاومة، ذاك الإحساس الرهيف والوعي
الموسيقي بالكلمات الذي لا يجارى.. قصيدة يمكن أن تغنيها مثل حادي العيس
في ليل الصحراء.
مقاطع من «يحط الحمام يطير الحمام»
يحطّ الحمام
أعدّي لي الأرض كي أستريح
فإني أحبّك حتى التعب
صباحك فاكهةٌ للأغاني وهذا المساء ذهب
ونحن لنا حين يدخل ظلٌّ إلى ظلّه في الرخام
وأشبه نفسي حين أعلّق نفسي على عنقٍ
لا تعانق غير الغمام
وأنت الهواء الذي يتعرّى أمامي كدمع العنب
وأنت بداية عائلة الموج حين تشبّث بالبرّ حين اغترب
وإني أحبّك، أنت بداية روحي، وأنت الختام
يطير الحمام
يحطّ الحمام
أنا وحبيبي صوتان في شفةٍ واحده
أنا لحبيبي أنا. وحبيبي لنجمته الشارده
وندخل في الحلم، لكنّه يتباطأ كي لا نراه
وحين ينام حبيبي أصحو لكي أحرس الحلم مما يراه
وأطرد عنه الليالي التي عبرت قبل أن نلتقي
وأختار أيّامنا بيديّ كما اختار لي وردة المائده
فنم يا حبيبي ليصعد صوت البحار إلى ركبتيّ
ونم يا حبيبي لأهبط فيك وأنقذ حلمك من شوكةٍ حاسده
ونم يا حبيبي عليك ضفائر شعري، عليك السلام
يطير الحمام
يحطّ الحمام
رأيت على البحر إبريل
قلت: نسيت انتباه يديك
نسيت التراتيل فوق جروحي
فكم مرّةً تستطيعين أن تولدي في منامي
وكم مرّةً تستطيعين أن تقتليني لأصرخ
إني أحبّك كي تستريحي
أناديك قبل الكلام أطير بخصرك قبل وصولي إليك
فكم مرّةً تستطيعين أن تضعي في مناقير هذا الحمام
وأن تختفي كالمدى في السفوح
لأدرك أنّك بابل، مصر، وشام
يطير الحمام يحطّ الحمام
إلى أين تأخذني يا حبيبي من والديّ
عناوين روحي
المساء
11/9/2008
ربيع- عدد الرسائل : 1432
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 04/07/2008
هجا تجار القضية في «القدس عروس عروبتكم»
شاب بورجوازي، من عائلة نبيلة، أبوه كان تاجرا كبيرا في الهند، وبعد
الاحتلال البريطاني للقارة الهندية نصحه الأصدقاء والمستعمر الإنجليزي
بالعودة إلى أي بلد يختار تحت الحماية البريطانية، وكانت فكرته أن يتوجه
إلى العراق بلد أجداده، وهكذا كان.
في هذا الجو العام لأسرة ارستقراطية سيولد مظفر عبد المجيد النواب
سنة 1934 من أسرة ثرية مهتمة بالفن والأدب، غير أن والده تعرض إلى هزة
مالية أفقدته ثروته. تابع دراسته في كلية الآداب ببغداد وبعد انهيار
النظام الملكي في العراق عام 1958 تم تعيينه مفتشاً فنياً بوزارة التربية
في بغداد.
في عام 1963 اضطر إلى مغادرة العراق بعد اشتداد التنافس بين القوميين
والشيوعيين الذين تعرضوا إلى الملاحقة والمراقبة الشديدة من قبل النظام
الحاكم، فكان هروبه إلى الأهواز عن طريق البصرة، إلا أن المخابرات
الإيرانية في تلك الأيام (السافاك) ألقت القبض عليه وهو في طريقه إلى
روسيا وسلمته إلى الأمن السياسي العراقي، فحكمت عليه المحكمة العسكرية
هناك بالإعدام، إلا أن المساعي الحميدة التي بذلها أهله وأقاربه أدت إلى
تخفيف الحكم القضائي إلى السجن المؤبد. وفي سجنه الصحراوي، واسمه نقرة
السلمان القريب من الحدود السعودية-العراقية، أمضى وراء القضبان مدة من
الزمن ثم نقل إلى سجن (الحلة) الواقع جنوب بغداد.
في هذا السجن سيدشن مظفر النواب ومجموعة من السجناء رحلة الهروب
الكبير بحفر نفق من الزنزانة يؤدي إلى خارج أسوار السجن، وبعد هروبه
المثير من السجن توارى عن الأنظار في بغداد، وظل مختفياً فيها ثم توجه إلى
الجنوب (الأهوار)، وعاش مع الفلاحين والبسطاء حوالي سنة. وفي عام 1969 صدر
عفو عن المعارضين فرجع إلى سلك التعليم مرة ثانية. غادر بغداد إلى بيروت
في البداية، ومن ثم إلى دمشق، وراح ينتقل بين العواصم العربية والأوربية،
واستقر به المقام أخيراً في دمشق.
في الأهوار ستتبلور قصائد النواب ذات النفحة البروليتارية، وسيزاوج
بين كتابة نصوصه القوية بالعامية العراقية، وبين الكتابة بالفصحى، مغنيا
للفلاحين وللبسطاء.
كانت مرحلة قصائد مظفر تبّشر بثورة الفلاحين، وبنوع من الانتماء إلى الريف وأهواره كما تذهب إلى ذلك الناقدة العراقية فاطمة المحسن.
لقد التجأ إلى الأهوار الحالمون بانتفاضة على طريقة هوشي منه. ولعل
ما كتبه يختلف عن كلام الريف، مع أنه يستخدم مفرداته، وأساليبه وإيقاعاته،
فهو يملك نظرة مثقف يعرف كيف يبتكر التسويات بين مشاغل عالم حديث، وآخر
منقطع عن حياة المدن. وبقي جمهوره غير الذي ينطق باسمهم، بل كانت قصائده
يتناقلها المثقفون والطلبة من أهل بغداد، والكثير منهم، عشق اللهجة
الفلاحية، وحاول معرفتها بعد قراءة تلك القصائد. ولكن من أين لمظفر كل هذا
القاموس العامر بلغة الريف ومخيلته، وهو ابن عائلة سمي حي بأكمله ببغداد
باسمها؟ يقال إنه كُّلف في عهد قاسم بجمع الشعر الشعبي، ومن تلك التجربة
انبثقت قصيدته (الريل وحمد). ولكن الذي يتناقله المقربون منه أنه كان على
صلة بالريف وعوالمه، قبل هذا الوقت، وقصيدته الأولى نتاج صحبة شاعرين من
الفلاحين، رافقهما طويلا وتعلم منهما الكثير. كان الاثنان يتبادلان
الأغاني والأشعار بين جرفي نهر، عندما التقاهما مظفر أول مرة، هكذا تقول
الحكاية، والعراقيون يعشقون الحكايات. هو يترك القصص تحوم حوله، ولا يملك
التعليق عليها، وعندما يستبد به السهر يغني، ومن النادر أن يبدي رغبة في
النقاش. نوع من الترفع الممزوج بتوق إلى جلاس ليسوا بعمره، ولكنهم يحفظون
إيماءته ونبر صوته، وسخرية خفية، تغّلف ملامح وجهه الحزين.
من ميزات هذا الشاعر صاحب الصوت القوي، والطريقة المتفردة في إلقائه
الشعر، أنه كان صاحب موقف شعري واضح، وكان من الشعراء العرب القلائل الذين
يحفظون شعرهم عن ظهر قلب، منشدا ومغنيا إياه ومستعينا بالآلات الموسيقية
أحيانا، وبالأخص الآلات النفخية والوترية التي كانت طقسا مضافا إلى طريقته
الأدائية في الإنشاد الشعري.
في قصيدته الشهيرة، التي لا شك أن كل عربي يحفظ منها مقاطع والمعنونة
بـ«ياقاتلتي» قبل أن تحمل عنوانا آخر هو «القدس عروس عروبتكم»، برهان على
تلك النبرة الحادة، التي اختصرت معاناة سيدة جميلة، اسمها «القدس» تكالب
عليها الأعداء، واقتحموا خيمتها، بين العرب يتفجرون خلف الخيمة ويتنصتون
على أنين المرأة وهي تغتصب.
مقاطع من «القدس عروس عروبتكم»
من باع فلسطين وأثرى بالله
سوى قائمة الشحاذين على عتبات الحكام
ومائدة الدول الكبرى؟
فإذا أجن الليل
تطق الأكواب بأن القدس عروس عروبتنا
أهلا أهلا أهلا
من باع فلسطين سوى الثوار الكتبة ؟
أقسمت بأعناق أباريق الخمر وما في الكأس من السم
وهذا الثوري المتخم بالصدف البحري ببيروت
تكرش حتى عاد بلا رقبة
أقسمت بتاريخ الجوع ويوم السغبة
لن يبقى عربي واحد إن بقيت حالتنا هذي الحالة
بين حكومات الكسبة
القدس عروس عروبتكم
فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها ؟؟
ووقفتم تستمعون وراء الباب لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم
وتنافختم شرفا
وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض
فما أشرفكم
أولاد القـ... هل تسكت مغتصبة؟
أولاد القـ...
لست خجولا حين أصارحكم بحقيقتكم
إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم
تتحرك دكة غسل الموتى أما أنتم
لا تهتز لكم قصبة
الآن أعريكم
في كل عواصم هذا الوطن العربي قتلتم فرحي
في كل زقاق أجد الأزلام أمامي
أصبحت أحاذر حتى الهاتف
حتى الحيطان وحتى الأطفال
أقيء لهذا الأسلوب الفج
وفي بلد عربي كان مجرد مكتوب من أمي
يتأخر في أروقة الدولة شهرين قمريين
تعالوا نتحاكم قدام الصحراء العربية كي تحكم فينا
أعترف الآن أمام الصحراء بأني مبتذل وبذيء كهزيمتكم. يا شرفاء المهزومين
ويا حكام المهزومين
ويا جمهورا مهزوما
ما أوسخنا.. ما أوسخنا.. ما أوسخنا ونكابر
ما أوسخنا
قراءة وإعداد- حكيم عنكر
المساء
15/9/2008
الاحتلال البريطاني للقارة الهندية نصحه الأصدقاء والمستعمر الإنجليزي
بالعودة إلى أي بلد يختار تحت الحماية البريطانية، وكانت فكرته أن يتوجه
إلى العراق بلد أجداده، وهكذا كان.
في هذا الجو العام لأسرة ارستقراطية سيولد مظفر عبد المجيد النواب
سنة 1934 من أسرة ثرية مهتمة بالفن والأدب، غير أن والده تعرض إلى هزة
مالية أفقدته ثروته. تابع دراسته في كلية الآداب ببغداد وبعد انهيار
النظام الملكي في العراق عام 1958 تم تعيينه مفتشاً فنياً بوزارة التربية
في بغداد.
في عام 1963 اضطر إلى مغادرة العراق بعد اشتداد التنافس بين القوميين
والشيوعيين الذين تعرضوا إلى الملاحقة والمراقبة الشديدة من قبل النظام
الحاكم، فكان هروبه إلى الأهواز عن طريق البصرة، إلا أن المخابرات
الإيرانية في تلك الأيام (السافاك) ألقت القبض عليه وهو في طريقه إلى
روسيا وسلمته إلى الأمن السياسي العراقي، فحكمت عليه المحكمة العسكرية
هناك بالإعدام، إلا أن المساعي الحميدة التي بذلها أهله وأقاربه أدت إلى
تخفيف الحكم القضائي إلى السجن المؤبد. وفي سجنه الصحراوي، واسمه نقرة
السلمان القريب من الحدود السعودية-العراقية، أمضى وراء القضبان مدة من
الزمن ثم نقل إلى سجن (الحلة) الواقع جنوب بغداد.
في هذا السجن سيدشن مظفر النواب ومجموعة من السجناء رحلة الهروب
الكبير بحفر نفق من الزنزانة يؤدي إلى خارج أسوار السجن، وبعد هروبه
المثير من السجن توارى عن الأنظار في بغداد، وظل مختفياً فيها ثم توجه إلى
الجنوب (الأهوار)، وعاش مع الفلاحين والبسطاء حوالي سنة. وفي عام 1969 صدر
عفو عن المعارضين فرجع إلى سلك التعليم مرة ثانية. غادر بغداد إلى بيروت
في البداية، ومن ثم إلى دمشق، وراح ينتقل بين العواصم العربية والأوربية،
واستقر به المقام أخيراً في دمشق.
في الأهوار ستتبلور قصائد النواب ذات النفحة البروليتارية، وسيزاوج
بين كتابة نصوصه القوية بالعامية العراقية، وبين الكتابة بالفصحى، مغنيا
للفلاحين وللبسطاء.
كانت مرحلة قصائد مظفر تبّشر بثورة الفلاحين، وبنوع من الانتماء إلى الريف وأهواره كما تذهب إلى ذلك الناقدة العراقية فاطمة المحسن.
لقد التجأ إلى الأهوار الحالمون بانتفاضة على طريقة هوشي منه. ولعل
ما كتبه يختلف عن كلام الريف، مع أنه يستخدم مفرداته، وأساليبه وإيقاعاته،
فهو يملك نظرة مثقف يعرف كيف يبتكر التسويات بين مشاغل عالم حديث، وآخر
منقطع عن حياة المدن. وبقي جمهوره غير الذي ينطق باسمهم، بل كانت قصائده
يتناقلها المثقفون والطلبة من أهل بغداد، والكثير منهم، عشق اللهجة
الفلاحية، وحاول معرفتها بعد قراءة تلك القصائد. ولكن من أين لمظفر كل هذا
القاموس العامر بلغة الريف ومخيلته، وهو ابن عائلة سمي حي بأكمله ببغداد
باسمها؟ يقال إنه كُّلف في عهد قاسم بجمع الشعر الشعبي، ومن تلك التجربة
انبثقت قصيدته (الريل وحمد). ولكن الذي يتناقله المقربون منه أنه كان على
صلة بالريف وعوالمه، قبل هذا الوقت، وقصيدته الأولى نتاج صحبة شاعرين من
الفلاحين، رافقهما طويلا وتعلم منهما الكثير. كان الاثنان يتبادلان
الأغاني والأشعار بين جرفي نهر، عندما التقاهما مظفر أول مرة، هكذا تقول
الحكاية، والعراقيون يعشقون الحكايات. هو يترك القصص تحوم حوله، ولا يملك
التعليق عليها، وعندما يستبد به السهر يغني، ومن النادر أن يبدي رغبة في
النقاش. نوع من الترفع الممزوج بتوق إلى جلاس ليسوا بعمره، ولكنهم يحفظون
إيماءته ونبر صوته، وسخرية خفية، تغّلف ملامح وجهه الحزين.
من ميزات هذا الشاعر صاحب الصوت القوي، والطريقة المتفردة في إلقائه
الشعر، أنه كان صاحب موقف شعري واضح، وكان من الشعراء العرب القلائل الذين
يحفظون شعرهم عن ظهر قلب، منشدا ومغنيا إياه ومستعينا بالآلات الموسيقية
أحيانا، وبالأخص الآلات النفخية والوترية التي كانت طقسا مضافا إلى طريقته
الأدائية في الإنشاد الشعري.
في قصيدته الشهيرة، التي لا شك أن كل عربي يحفظ منها مقاطع والمعنونة
بـ«ياقاتلتي» قبل أن تحمل عنوانا آخر هو «القدس عروس عروبتكم»، برهان على
تلك النبرة الحادة، التي اختصرت معاناة سيدة جميلة، اسمها «القدس» تكالب
عليها الأعداء، واقتحموا خيمتها، بين العرب يتفجرون خلف الخيمة ويتنصتون
على أنين المرأة وهي تغتصب.
مقاطع من «القدس عروس عروبتكم»
من باع فلسطين وأثرى بالله
سوى قائمة الشحاذين على عتبات الحكام
ومائدة الدول الكبرى؟
فإذا أجن الليل
تطق الأكواب بأن القدس عروس عروبتنا
أهلا أهلا أهلا
من باع فلسطين سوى الثوار الكتبة ؟
أقسمت بأعناق أباريق الخمر وما في الكأس من السم
وهذا الثوري المتخم بالصدف البحري ببيروت
تكرش حتى عاد بلا رقبة
أقسمت بتاريخ الجوع ويوم السغبة
لن يبقى عربي واحد إن بقيت حالتنا هذي الحالة
بين حكومات الكسبة
القدس عروس عروبتكم
فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها ؟؟
ووقفتم تستمعون وراء الباب لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم
وتنافختم شرفا
وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض
فما أشرفكم
أولاد القـ... هل تسكت مغتصبة؟
أولاد القـ...
لست خجولا حين أصارحكم بحقيقتكم
إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم
تتحرك دكة غسل الموتى أما أنتم
لا تهتز لكم قصبة
الآن أعريكم
في كل عواصم هذا الوطن العربي قتلتم فرحي
في كل زقاق أجد الأزلام أمامي
أصبحت أحاذر حتى الهاتف
حتى الحيطان وحتى الأطفال
أقيء لهذا الأسلوب الفج
وفي بلد عربي كان مجرد مكتوب من أمي
يتأخر في أروقة الدولة شهرين قمريين
تعالوا نتحاكم قدام الصحراء العربية كي تحكم فينا
أعترف الآن أمام الصحراء بأني مبتذل وبذيء كهزيمتكم. يا شرفاء المهزومين
ويا حكام المهزومين
ويا جمهورا مهزوما
ما أوسخنا.. ما أوسخنا.. ما أوسخنا ونكابر
ما أوسخنا
قراءة وإعداد- حكيم عنكر
المساء
15/9/2008
ربيع- عدد الرسائل : 1432
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 04/07/2008
بكائية كربلائية تفطر القلب
تمثل قصيدة «القدس عروس عروبتكم» ذروة الحالة المأساوية التي تمر منها القضية الفلسطينية، والحالة المزرية لـ»الأمة العربية» ومنتهى ما كاله شاعر عربي حديث للحكام العرب، حتى تحولت جمله ذائعة الصيت في هذه القصيدة إلى كلام دارج على كل لسان المثقفين وغير المثقفين من المحيط إلى الخليج.
لقد قال مظفر النواب في الحكام العرب ما لم يقله مالك في الخمر، ولم يترك نعتا مقدعا إلا وعيرهم به، ولم تجد مخابراتهم فرصة إلا وانهالوا عليه بالتقارير.
ومنذ أن خرج من سجن نقرة النعمان في العراق، رفقة الأصدقاء الجميلين ومنهم شعراء جماعة كركوك الشهيرة، راح كل واحد كي يسكن بيته ووجه الشعري والأخلاقي، فالوطن الذي حلم به اليسار العراقي لم يتحقق منه شروى بعير على أرض الواقع، وكان أن جاء صدام حسين على أجنحة الثروة كي يغلق الأبواب على الجميع، وكي يزج بالمناضلين والمثقفين في السجن، دون أن يرف له جفن.
سيكون قدرا على مظفر النواب أن يجوب البلاد العربية مثل شعراء عراقيين غيره، وكأن لعنة الوطن تطارد هذا الوطن المجيد، فاستقر لفترة طويلة عند قائد الثورة الليبية معمر القذافي، وتوسم فيه الرجل الثائر، لكن قصائد مظفر كانت أكبر من خاطر أي حاكم عربي، إذ سرعان ما سيخرج من ليبيا مطرودا إلى دمشق التي ستفتح له الباب، كي يقيم مع أمراضه الكثيرة في هدوء الهزيع الأخير من العمر.
كان مظفر النواب الشاعر الأكثر جدلا في الحياة السياسية العراقية خلال ما يقرب من نصف قرن مضى.. كان شعره الشعبي مبعثا لتربية ثورية ومنطلقا للحس الجمالي في الأدب والفن متجاوزا في كل ذلك مصاعب النضال ومصاعب حياة الغربة، وما ألقى بلوم على آخرين في أي يوم من أيام حياته .
كانت قصيدة الريل وحمد ظاهرة لغوية موسيقية ذات قدرة نافذة إلى قلوب العراقيين المحبين، كانت وتريات ليلية لغة التواصل مع روح النضال .وكانت ثقافة مظفر النواب تجسد سعة معرفة ذات تأثير في المستقبل العراقي.
في نضاله اليومي السري في المدن العراقية والأرياف والأهوار أوجد الصلة العضوية والنظام الصوتي المتبادل بين المثقف والإنسان الكادح، الشغيل المياوم والفلاح، وقد ظلت هذه العلاقة حتى اليوم أداة للتواصل الاجتماعي والثقافي والسياسي بين جمهرة المثقفين وكيان الحزب الشيوعي العراقي واسع الانتشار.
في السجون التي ألقي في ظلامها مظفر النواب كان لسانا شعبيا صارخا، وفي الغربة ظل كلام مظفر النواب منطوقا ومكتوبا ومسموعا ومقروءا يحمل رموز النضال العراقي وإشاراته ودلالاته، وكل ذلك وفر وسائل إنتاج لتواصل العلاقة بين صوت الشاعر وقلوب الجماهير، وبين الحزب الشيوعي والجماهير. في قصيدة «الريل وحمد»، والتي كتبها النواب باللهجة العامية، نكتشف هذا الحس الوجداني الشعبي في شعر الرجل، وفي غيرها من القصائد العامية نتعرف على شاعر من عيار ثقيل لا يشق له غبار، في لغته الشعرية تلك النوعة الكربلائية التي لا تخطئها العين ولا يقفز فوق سياجها رنين الفكر.
يتذكر مظفر قطاره الأول، كما تقول فاطمة المحسن، قطار انتظاره الذي سيجد له عذرا حين يجتازه ولا يقف، فلابد أن يكون له نصيب من العشق في تلك المحطات الباردة. محطات العراق الذي غادرته، مثل عمر المهاجر في بلاد غريبة. مظفر النواب الذي حفظ العراقيون شعره، مثلما تهجّوا عذوبة تلك النبرة التي تفيض رقة في لغة صبايا الهور، أقصى الجنوب المنسي بين مستنقعات تلامس السماء وطيور الخليقة الأولى. اللهجة التي تستخدم أداة التصغير، كي يكون اللفظ على غنج ودلال الطفولة. التنغيم الذي يدّور البيت، ويقلب الحروف ويلعب بها. رياضة التوريات والقفز بين المعاني، وهي تصل حرارة الحب المشاع وفطرته الأولى. خوف ووجل الجسد من اللمس، وكركرات السعادة المختلسة. هكذا يجمع مظفر في سلة شعره ما عز على الشعر الفصيح، فكأنه يولد من نفسه، بلا أسلاف ولا ميراث، لا في اللغة ولا في الصور ولا في التراكيب. فهو لا ينتسب إلى مدارس المحكي العراقي، ولا يتأثر بفصيح جديدة وقديمة.
مقاطع من «حتى الكلبة تحرس نطفتها»
أصرخ فيكم
أصرخ أين شهامتكم..؟
إن كنتم عربا.. بشرا.. حيوانات
فالذئبة.. حتى الذئبة تحرس نطفتها
والكلبة تحرس نطفتها
والنملة تعتز بثقب الأرض
وأما انتم فالقدس عروس عروبتكم
أهلا..
القدس عروس عروبتكم
فلماذا أدخلتم كل السيلانات إلى حجرتها
ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب
لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم
وتنافختم شرفا
وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض
فأي قرون أنتم
أولاد قراد الخيل كفاكم صخبا
خلوها دامية في الشمس بلا قابلة
ستشد ضفائرها وتقيء الحمل عليكم
ستقيء الحمل على عزتكم
ستقيء الحمل على أصوات إذاعتكم
ستقيء الحمل عليكم بيتا بيتا
وستغرز أصبعها في أعينكم
أنتم مغتصبي
حملتم أسلحة تطلق للخلف
وثرثرتم ورقصتم كالدببة
كوني عاقرة أي أرض فلسطين
كوني عاقرة أي أم الشهداء من الآن
فهذا الحمل من الأعداء
ذميم ومخيف
لن تتلقح تلك الأرض بغير اللغة العربية
يا أمراء الغزو فموتوا
سيكون خرابا.. سيكون خرابا
سيكون خرابا
هذي الأمة لابد لها أن تأخذ درسا في التخريب!!
* العنوان من اقتراح المحرر الثقافي
لقد قال مظفر النواب في الحكام العرب ما لم يقله مالك في الخمر، ولم يترك نعتا مقدعا إلا وعيرهم به، ولم تجد مخابراتهم فرصة إلا وانهالوا عليه بالتقارير.
ومنذ أن خرج من سجن نقرة النعمان في العراق، رفقة الأصدقاء الجميلين ومنهم شعراء جماعة كركوك الشهيرة، راح كل واحد كي يسكن بيته ووجه الشعري والأخلاقي، فالوطن الذي حلم به اليسار العراقي لم يتحقق منه شروى بعير على أرض الواقع، وكان أن جاء صدام حسين على أجنحة الثروة كي يغلق الأبواب على الجميع، وكي يزج بالمناضلين والمثقفين في السجن، دون أن يرف له جفن.
سيكون قدرا على مظفر النواب أن يجوب البلاد العربية مثل شعراء عراقيين غيره، وكأن لعنة الوطن تطارد هذا الوطن المجيد، فاستقر لفترة طويلة عند قائد الثورة الليبية معمر القذافي، وتوسم فيه الرجل الثائر، لكن قصائد مظفر كانت أكبر من خاطر أي حاكم عربي، إذ سرعان ما سيخرج من ليبيا مطرودا إلى دمشق التي ستفتح له الباب، كي يقيم مع أمراضه الكثيرة في هدوء الهزيع الأخير من العمر.
كان مظفر النواب الشاعر الأكثر جدلا في الحياة السياسية العراقية خلال ما يقرب من نصف قرن مضى.. كان شعره الشعبي مبعثا لتربية ثورية ومنطلقا للحس الجمالي في الأدب والفن متجاوزا في كل ذلك مصاعب النضال ومصاعب حياة الغربة، وما ألقى بلوم على آخرين في أي يوم من أيام حياته .
كانت قصيدة الريل وحمد ظاهرة لغوية موسيقية ذات قدرة نافذة إلى قلوب العراقيين المحبين، كانت وتريات ليلية لغة التواصل مع روح النضال .وكانت ثقافة مظفر النواب تجسد سعة معرفة ذات تأثير في المستقبل العراقي.
في نضاله اليومي السري في المدن العراقية والأرياف والأهوار أوجد الصلة العضوية والنظام الصوتي المتبادل بين المثقف والإنسان الكادح، الشغيل المياوم والفلاح، وقد ظلت هذه العلاقة حتى اليوم أداة للتواصل الاجتماعي والثقافي والسياسي بين جمهرة المثقفين وكيان الحزب الشيوعي العراقي واسع الانتشار.
في السجون التي ألقي في ظلامها مظفر النواب كان لسانا شعبيا صارخا، وفي الغربة ظل كلام مظفر النواب منطوقا ومكتوبا ومسموعا ومقروءا يحمل رموز النضال العراقي وإشاراته ودلالاته، وكل ذلك وفر وسائل إنتاج لتواصل العلاقة بين صوت الشاعر وقلوب الجماهير، وبين الحزب الشيوعي والجماهير. في قصيدة «الريل وحمد»، والتي كتبها النواب باللهجة العامية، نكتشف هذا الحس الوجداني الشعبي في شعر الرجل، وفي غيرها من القصائد العامية نتعرف على شاعر من عيار ثقيل لا يشق له غبار، في لغته الشعرية تلك النوعة الكربلائية التي لا تخطئها العين ولا يقفز فوق سياجها رنين الفكر.
يتذكر مظفر قطاره الأول، كما تقول فاطمة المحسن، قطار انتظاره الذي سيجد له عذرا حين يجتازه ولا يقف، فلابد أن يكون له نصيب من العشق في تلك المحطات الباردة. محطات العراق الذي غادرته، مثل عمر المهاجر في بلاد غريبة. مظفر النواب الذي حفظ العراقيون شعره، مثلما تهجّوا عذوبة تلك النبرة التي تفيض رقة في لغة صبايا الهور، أقصى الجنوب المنسي بين مستنقعات تلامس السماء وطيور الخليقة الأولى. اللهجة التي تستخدم أداة التصغير، كي يكون اللفظ على غنج ودلال الطفولة. التنغيم الذي يدّور البيت، ويقلب الحروف ويلعب بها. رياضة التوريات والقفز بين المعاني، وهي تصل حرارة الحب المشاع وفطرته الأولى. خوف ووجل الجسد من اللمس، وكركرات السعادة المختلسة. هكذا يجمع مظفر في سلة شعره ما عز على الشعر الفصيح، فكأنه يولد من نفسه، بلا أسلاف ولا ميراث، لا في اللغة ولا في الصور ولا في التراكيب. فهو لا ينتسب إلى مدارس المحكي العراقي، ولا يتأثر بفصيح جديدة وقديمة.
مقاطع من «حتى الكلبة تحرس نطفتها»
أصرخ فيكم
أصرخ أين شهامتكم..؟
إن كنتم عربا.. بشرا.. حيوانات
فالذئبة.. حتى الذئبة تحرس نطفتها
والكلبة تحرس نطفتها
والنملة تعتز بثقب الأرض
وأما انتم فالقدس عروس عروبتكم
أهلا..
القدس عروس عروبتكم
فلماذا أدخلتم كل السيلانات إلى حجرتها
ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب
لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم
وتنافختم شرفا
وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض
فأي قرون أنتم
أولاد قراد الخيل كفاكم صخبا
خلوها دامية في الشمس بلا قابلة
ستشد ضفائرها وتقيء الحمل عليكم
ستقيء الحمل على عزتكم
ستقيء الحمل على أصوات إذاعتكم
ستقيء الحمل عليكم بيتا بيتا
وستغرز أصبعها في أعينكم
أنتم مغتصبي
حملتم أسلحة تطلق للخلف
وثرثرتم ورقصتم كالدببة
كوني عاقرة أي أرض فلسطين
كوني عاقرة أي أم الشهداء من الآن
فهذا الحمل من الأعداء
ذميم ومخيف
لن تتلقح تلك الأرض بغير اللغة العربية
يا أمراء الغزو فموتوا
سيكون خرابا.. سيكون خرابا
سيكون خرابا
هذي الأمة لابد لها أن تأخذ درسا في التخريب!!
* العنوان من اقتراح المحرر الثقافي
قراءة وإعداد- حكيم عنكر
المساء
16/9/2008
الشاعر العراقي مظفر النواب
ربيع- عدد الرسائل : 1432
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 04/07/2008
مظفر النواب لم يوقر حاكما عربيا في شعره المقذع
كتب الشاعر العراقي مظفر النواب قصيدة «كهرمان» وهو على فراش المرض في
دمشق سنة 2007 وقد أهدى القصيدة إلى لبنان، وفي هذه القصيدة يظل مظفر
حريصا على لغته التي شكلها وعلى صوت قصيدته العالي.
إنه شاعر لا يمكن أن يقنع إلا بما دون النجوم، وحتى وإن وهن العظم
منه فإن القارئ لنصوصه يلمس هذه الصلابة التي تميزه، والتي لم يتخل عنها
أبدا في أي من محطات تجربته الشعرية والحياتية.
كان قدر هذا الشاعر أن يجرب الجغرافيات والناس والمبادئ والشعارات
التي ترتفع مثل أبواق على جدارات التجمعات والمسيرات وفي المحافل الرسمية
دون أن يتحقق شيء من عيار الحرية الوافي.
يمتلك مظفر النواب حسا ساخرا فكاهيا أقرب إلى ضمير العامة، وهو حين
وعى أهمية اللغة «الشعرية الشعبوية» راح يستعملها دون هوادة، ويحسن منها
من قصيدة إلى أخرى حتى جودها ونضاها، مستفيدا من التراكم الذي تتيحه
القصيدة العربية الكلاسيكية وبالأخص قصيدة الهجاء، شعر المقامات الذي
ازدهر في بغداد وأزقتها في أيام الدولة العباسية.
وجد مظفر النواب أمامه إرثا ثقافيا كبيرا، وعرف كيف يذهب مباشرة إلى
عقل ووجدان القارئ العربي، من خلال وثرياته وبكائياته، التي وصلت إلى
مستوى المناحات الكربلائية التي تنظم في ذكرى مقتل الحسين أو غيرها من
الطقوس الشيعية المعروفة في الثقافة العربية الإسلامية.
ربما يشكل مظفر أحد الشعراء القلائل الذين هجوا الحكام العرب بلغة
مباشرة، وبأسمائهم، لم يكن يؤمن بالتقية ولا بالتنميق في البقول حتى وإن
كان شعره المباشر لا يخلو من صنعة الشاعر ونفاذ آلته الشعرية في الأشياء
وفي الأفكار.
لقد عمل النواب على إفراغ اللغة اليومية من حمولتها، وتحميلها حمولة
أخرى على قدر كبير من الخطورة، لغة كان يريدها صاحبها أن تكون مثل الرصاصة
تماما، تخترق المساء وتكسر العظام، وتندفع الشعوب العربية الخاملة إلى
الخروج الفوري إلى الشارع العام للمطالبة بحقوقها المشروعة.
وهو مثل الشاعر العربي الآخر محمود درويش، قد عير أمريكا لكنه ذهب
إليها في نهاية المطاف مريضا، حيث نزل في مستشفى هيوستن، وهو نفس المستشفى
الذي نزل فيه درويش في آخر مرة قبل أن يسلم الروح.
يغرف مظفر النواب من الحكايا البابلية والأشورية ومن العراق القديم،
ومن ثقافة عرب الأهوار، تلك الثقافة التي أعجب بها اكبر رحالة في العصر
الحديث وهو المستشرق الأنجليزي تسيغير، الذي كتب كتابا كاملا عن الأهوار،
من خلال العيش اليومي وسط الناس وفي هذه المنطقة التي تسبح فوق الماء. لقد
كان تسيغير يرى في الأهوار خاصرة العراق وآخر نقطة في العالم ما تزال فيها
الحضارة الإنسانية بكرا منذ أكثر من 5 آلاف سنة.
من الجرائم التي ارتكبها حامل الحلم العربي الأخرق، صدام حسين، أنه
قام بتجفيف منطقة الأهوار، حتى يكون بمقدروه القضاء على خلايا الثوار،
الذين كانوا يهربون إلى هذه المنطقة، من أجل تنظيم صفوفهم والعودة إلى
بغداد، رغبة في الحلم وفي طبق من الحرية لا غير. وهل طبق الحرية شيء
يستهان به؟
مقاطع من «كهرمان ... يا كهرمان »
الوطن المتساوي الأضلاع
رجسٌ لن يقبله منذ الآن
الأمريكان
*
كهرمان ... يا كهرمان
في يوم واحد تتناقص ثلاثة بلدان
طهرانٌ تقضم من كبد البصرة
ومن إبطيها تُسحل غزة
وعلى «أربعة عشر» صليباً يتخوزق لبنان
*
كهرمان... يا كهرمان
هل علم فلسطين هو الممنوع
وتزدحم بأعلام (الفيفا) بلادي
وبأعلام الألمان
*
في غزة يتوالى القصف
والبلدان العربية
تبذل أقصى طاقتها
من جُمل “التنديد“
وعبارات “العطف“
هذا يستغرب “الاستخدام المفرط للقوة“
وآخر يدعو الشقيقة اسرائيل لضبط النفس
والثالث يخشى من دورة عنف
والرابع يُرسل أرخص انواع البطانيات
لتحمي القتلى
من ”أمطار الصيف“
*
في القاهرة اجتمع الوزراء
(الحمد لله لم يتأخر منهم واحدْ
هذا أكبر إنجاز في هذا الظرف)
قال عمرو موسى
استطعنا أن نجمعهم على رأي واحد
من أفتى للشيخ حسن أن يخرق إجماع الأمة
ويشقّ الصفّ؟
وفي تونس كاميرات صُنعت خصيصاً للمسجد
تحصي شعرات اللحية
وتحفظ دعوات المغرب
وتؤرشف أسماء العُبّاد
تساعد الملكين على الكتفين
وتتدخل أيضا لو أن محجبةً مرت من تحت الشباك
هذا بلدٌ منفتحٌ لا يسمح أن يسكنه النُسّاك
*
في “السوليدير“
لجنة تحقيق تنبش تحت ”الإسفلت“
وشاليهات السُيّاح
من وضع “الديناميت“
ومن أشعله بسيارات “الموكب“؟
الولد الفذ
لن يتسامح
حتى لو ورث “المستقبل“
و”آذار“
وما ترك “الجمّال“
“الجد “ في “جدة“ لا
يسمح
والولد الشاطر يسمع آراء العُــقّال
قراءة وإعداد- حكيم عنكر
المساء
17/9/2008
دمشق سنة 2007 وقد أهدى القصيدة إلى لبنان، وفي هذه القصيدة يظل مظفر
حريصا على لغته التي شكلها وعلى صوت قصيدته العالي.
إنه شاعر لا يمكن أن يقنع إلا بما دون النجوم، وحتى وإن وهن العظم
منه فإن القارئ لنصوصه يلمس هذه الصلابة التي تميزه، والتي لم يتخل عنها
أبدا في أي من محطات تجربته الشعرية والحياتية.
كان قدر هذا الشاعر أن يجرب الجغرافيات والناس والمبادئ والشعارات
التي ترتفع مثل أبواق على جدارات التجمعات والمسيرات وفي المحافل الرسمية
دون أن يتحقق شيء من عيار الحرية الوافي.
يمتلك مظفر النواب حسا ساخرا فكاهيا أقرب إلى ضمير العامة، وهو حين
وعى أهمية اللغة «الشعرية الشعبوية» راح يستعملها دون هوادة، ويحسن منها
من قصيدة إلى أخرى حتى جودها ونضاها، مستفيدا من التراكم الذي تتيحه
القصيدة العربية الكلاسيكية وبالأخص قصيدة الهجاء، شعر المقامات الذي
ازدهر في بغداد وأزقتها في أيام الدولة العباسية.
وجد مظفر النواب أمامه إرثا ثقافيا كبيرا، وعرف كيف يذهب مباشرة إلى
عقل ووجدان القارئ العربي، من خلال وثرياته وبكائياته، التي وصلت إلى
مستوى المناحات الكربلائية التي تنظم في ذكرى مقتل الحسين أو غيرها من
الطقوس الشيعية المعروفة في الثقافة العربية الإسلامية.
ربما يشكل مظفر أحد الشعراء القلائل الذين هجوا الحكام العرب بلغة
مباشرة، وبأسمائهم، لم يكن يؤمن بالتقية ولا بالتنميق في البقول حتى وإن
كان شعره المباشر لا يخلو من صنعة الشاعر ونفاذ آلته الشعرية في الأشياء
وفي الأفكار.
لقد عمل النواب على إفراغ اللغة اليومية من حمولتها، وتحميلها حمولة
أخرى على قدر كبير من الخطورة، لغة كان يريدها صاحبها أن تكون مثل الرصاصة
تماما، تخترق المساء وتكسر العظام، وتندفع الشعوب العربية الخاملة إلى
الخروج الفوري إلى الشارع العام للمطالبة بحقوقها المشروعة.
وهو مثل الشاعر العربي الآخر محمود درويش، قد عير أمريكا لكنه ذهب
إليها في نهاية المطاف مريضا، حيث نزل في مستشفى هيوستن، وهو نفس المستشفى
الذي نزل فيه درويش في آخر مرة قبل أن يسلم الروح.
يغرف مظفر النواب من الحكايا البابلية والأشورية ومن العراق القديم،
ومن ثقافة عرب الأهوار، تلك الثقافة التي أعجب بها اكبر رحالة في العصر
الحديث وهو المستشرق الأنجليزي تسيغير، الذي كتب كتابا كاملا عن الأهوار،
من خلال العيش اليومي وسط الناس وفي هذه المنطقة التي تسبح فوق الماء. لقد
كان تسيغير يرى في الأهوار خاصرة العراق وآخر نقطة في العالم ما تزال فيها
الحضارة الإنسانية بكرا منذ أكثر من 5 آلاف سنة.
من الجرائم التي ارتكبها حامل الحلم العربي الأخرق، صدام حسين، أنه
قام بتجفيف منطقة الأهوار، حتى يكون بمقدروه القضاء على خلايا الثوار،
الذين كانوا يهربون إلى هذه المنطقة، من أجل تنظيم صفوفهم والعودة إلى
بغداد، رغبة في الحلم وفي طبق من الحرية لا غير. وهل طبق الحرية شيء
يستهان به؟
مقاطع من «كهرمان ... يا كهرمان »
الوطن المتساوي الأضلاع
رجسٌ لن يقبله منذ الآن
الأمريكان
*
كهرمان ... يا كهرمان
في يوم واحد تتناقص ثلاثة بلدان
طهرانٌ تقضم من كبد البصرة
ومن إبطيها تُسحل غزة
وعلى «أربعة عشر» صليباً يتخوزق لبنان
*
كهرمان... يا كهرمان
هل علم فلسطين هو الممنوع
وتزدحم بأعلام (الفيفا) بلادي
وبأعلام الألمان
*
في غزة يتوالى القصف
والبلدان العربية
تبذل أقصى طاقتها
من جُمل “التنديد“
وعبارات “العطف“
هذا يستغرب “الاستخدام المفرط للقوة“
وآخر يدعو الشقيقة اسرائيل لضبط النفس
والثالث يخشى من دورة عنف
والرابع يُرسل أرخص انواع البطانيات
لتحمي القتلى
من ”أمطار الصيف“
*
في القاهرة اجتمع الوزراء
(الحمد لله لم يتأخر منهم واحدْ
هذا أكبر إنجاز في هذا الظرف)
قال عمرو موسى
استطعنا أن نجمعهم على رأي واحد
من أفتى للشيخ حسن أن يخرق إجماع الأمة
ويشقّ الصفّ؟
وفي تونس كاميرات صُنعت خصيصاً للمسجد
تحصي شعرات اللحية
وتحفظ دعوات المغرب
وتؤرشف أسماء العُبّاد
تساعد الملكين على الكتفين
وتتدخل أيضا لو أن محجبةً مرت من تحت الشباك
هذا بلدٌ منفتحٌ لا يسمح أن يسكنه النُسّاك
*
في “السوليدير“
لجنة تحقيق تنبش تحت ”الإسفلت“
وشاليهات السُيّاح
من وضع “الديناميت“
ومن أشعله بسيارات “الموكب“؟
الولد الفذ
لن يتسامح
حتى لو ورث “المستقبل“
و”آذار“
وما ترك “الجمّال“
“الجد “ في “جدة“ لا
يسمح
والولد الشاطر يسمع آراء العُــقّال
قراءة وإعداد- حكيم عنكر
المساء
17/9/2008
ربيع- عدد الرسائل : 1432
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 04/07/2008
مظفر النواب.. الحكام الذين أجلسوا الشعوب على الخوازيق
في قصيدة «كهرمان» التي نشرناها في عدد أمس يتبدى أسلوب مظفر الشعري
وطريقته في سبك الأحداث، حتى لكأن قصيدته بمثابة صحيفة جارية على كل لسان
تؤرخ للحالة العربية، وللتمزق الذي يعيشه المواطن العربي.
فالنواب مسكون بالوجع السياسي وبقضايا أمته العربية، وهو مسكون
بالشعور القومي العربي متمسكا بالقومية العربية من زاوية مغايرة للزاوية
التي ينظر منها النظام الرسمي العربي إلى هذه القومية، وقد ظل النواب
مؤرقا بهموم الوطن العربي ومشاكله حتى وهو على فراش الموت في دمشق، كما
يذهب إلى ذلك محمد أيوب في إحدى تدويناته.
بدأ النواب قصيدته بكلمة كهرمان، ولعل الكهرمان بلونه الأصفر يشير
إلى أشياء غير محببة إلى النفس، اللون الأصفر يشير إلى الخوف والغيرة
والحقد والشحوب من المرض، وقد احتل الوطن العربي لقب الرجل المريض الذي
كانت تركيا تحمله، وأصبح هذا الوطن محط أطماع الطامعين، وهو مصدر قلق وخوف
للمحبين والكارهين له على حد سواء، المحبون يخافون عليه من العدوان
والأطماع الاستعمارية، والكارهون يخشون صحوته القادمة، ولذا فإن اللون
الأصفر يحمل دلالة التحذير والتنبيه والدعوة إلى الاستعداد وكأن الوطن
العربي اليوم يقف على مفترق طرق: وقد أضاء اللون الأصفر منبها إلى ضرورة
العبور والاختيار.
يقول لنا النواب إننا في مفترق طرق وعلينا أن نختار الطريق، إما أن
نبني وطنا متساوي الأضلاع لا يفرق بين مواطنيه في الحقوق أو الواجبات
ويستند في بنيته على تكامل السلطات الثلاث أو الأربع في الوطن العربي،
السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية، وكلها سلطات مشوهة
منقوصة، حتى السلطة الرابعة، الصحافة ووسائل الإعلام لا تجد هامشا من
الحرية في النقد والتعبير عن هموم الوطن والمواطن، وقد اختصر مظفر النواب
كل هذه الهموم بقوله إن الوطن متساوي الأضلاع لا يرضي الأمريكان.
في إحدى شهادات مظفر النواب عن تجربته الشعرية، وعلى ولادة قصيدته
الشعبية «الريل وحمد»، والريل تعني بالعامية العراقية «القطار» يقول: «وقد
كتبت هذه القصيدة ولم يكن يدور في ذهني أني سأطبعها في يوم ما، أو أنها
ستنتشر هكذا، وتثير كل هذا الاهتمام، كتبتها لأنني شعرت بها، شكلت لي بهجة
داخلية، غناء وجدانياً، وكنت أكتبها في ظروف خاصة واضعاً القلم والورقة
تحت وسادتي ناهضاً ليلاً لأدون بعض المقاطع في الظلمة ثم أنام. كتبت هذه
القصيدة عام 1956 وأكملتها عام 1958... لقد فتحت «الريل وحمد» بمفرداتها
المتداولة بين الناس أبواباً جديدة أمام القصيدة العامية. ومن العوامل
التي أثرت في كتابتها ممارستي للرسم، والأجواء العائلية المشبعة
بالموسيقى، كان والدي يعزف على العود، ووالدتي على البيانو والأجواء
الكربلائية. كل هذه العوامل لعبت دورها في بناء القصيدة، وتشكيل عالم
مختلف في «الريل وحمد» عن غيره في القصائد العامية الأخرى..».
هذه شهادة مهمة تقربنا من جو الشاعر السري، لكني مع ذلك أضيف أن
شعرية مظفر النواب هي شعرية الإخصاء، لأنه يرى العالم حوله بمثابة رجل
مخصي لا حول له ولا قوة ولا شرف له.
وحتى اللغة الجنسية الموجودة في قصائده لا تلعب دورا تهييجيا، بل
تساهم في لجم مصادر اللذة، وقتل كل إحساس بالرغبة.. يستعمل النواب مفردات
حسية ويبني أجواء إيروتيكية كي يثير أدرينالين التقزز، وكي يبين الوجه
الآخر من وضاعة النظام العربي الذي يفتح السجون والمنافي ويقتل أبناءه
ويجلس خيرة شعبه على الخوازيق.
كل ذلك نجده وزيادة في قصيدة «الخوازيق» التي ننشرها كما كتبها وألقاها الشاعر دون تدخل من المحرر.
مقاطع من قصيدة «الخوازيق»
لله ما تلد البنادق من قيامة
إن جاع سيدها وكف عن القمامة
إن هب نفح مساومات كان قاحلا قاتلا
لا ماء فيه ولا علامة
هو السلاح المكفهر دعامة
حتى إذا نفذ الرصاص هو الدعامة
قاسى فلم يتدخلوا
حتى إذا شهر السلاح
تدخل المبغى ليمنعه اقتحامه
لا يا قحاب سياسة
خلوه صائم موحشا فوق الزناد
فإن جنته صيامه
قالوا مراحل
قولوا قبضنا سعرها سلفا
ونقتسم الغرامة
لكن أرى غيما بأعمدة الخيام
تعبث الأحقاد فيه جهنما
وتحجرت فيه الغلامة
حشد من الأثداء ميسرة تمج دما
وحلق في اليمين لمجهض دمه أمامه
حتى قلامة أظفر كسرت
ستجرح قلبا ظالما
فما تنسى القلامة
وأرى خوازيقا صنعن على مقاييس الملوك
وليس في ملك وخازوق ملامة
لله ما تذر البنادق حاكمين مؤخرات في الهواء
ورأسهم مثل النعامة
ودم فدائي بخط النار يلتهم الجيوش
كما السراط المستقيم به اعتدال واستقامة
لم ينعطف خل على خل كما سبابة فوق الزناد
عشي معركة الكرامة
نسبي إليكم أيها المستفردون
وليس من مستفرد في عصرنا إلا الكرامة.
قراءة وإعداد- حكيم عنكر
المساء
18/9/2008
مظفر النواب
وطريقته في سبك الأحداث، حتى لكأن قصيدته بمثابة صحيفة جارية على كل لسان
تؤرخ للحالة العربية، وللتمزق الذي يعيشه المواطن العربي.
فالنواب مسكون بالوجع السياسي وبقضايا أمته العربية، وهو مسكون
بالشعور القومي العربي متمسكا بالقومية العربية من زاوية مغايرة للزاوية
التي ينظر منها النظام الرسمي العربي إلى هذه القومية، وقد ظل النواب
مؤرقا بهموم الوطن العربي ومشاكله حتى وهو على فراش الموت في دمشق، كما
يذهب إلى ذلك محمد أيوب في إحدى تدويناته.
بدأ النواب قصيدته بكلمة كهرمان، ولعل الكهرمان بلونه الأصفر يشير
إلى أشياء غير محببة إلى النفس، اللون الأصفر يشير إلى الخوف والغيرة
والحقد والشحوب من المرض، وقد احتل الوطن العربي لقب الرجل المريض الذي
كانت تركيا تحمله، وأصبح هذا الوطن محط أطماع الطامعين، وهو مصدر قلق وخوف
للمحبين والكارهين له على حد سواء، المحبون يخافون عليه من العدوان
والأطماع الاستعمارية، والكارهون يخشون صحوته القادمة، ولذا فإن اللون
الأصفر يحمل دلالة التحذير والتنبيه والدعوة إلى الاستعداد وكأن الوطن
العربي اليوم يقف على مفترق طرق: وقد أضاء اللون الأصفر منبها إلى ضرورة
العبور والاختيار.
يقول لنا النواب إننا في مفترق طرق وعلينا أن نختار الطريق، إما أن
نبني وطنا متساوي الأضلاع لا يفرق بين مواطنيه في الحقوق أو الواجبات
ويستند في بنيته على تكامل السلطات الثلاث أو الأربع في الوطن العربي،
السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية، وكلها سلطات مشوهة
منقوصة، حتى السلطة الرابعة، الصحافة ووسائل الإعلام لا تجد هامشا من
الحرية في النقد والتعبير عن هموم الوطن والمواطن، وقد اختصر مظفر النواب
كل هذه الهموم بقوله إن الوطن متساوي الأضلاع لا يرضي الأمريكان.
في إحدى شهادات مظفر النواب عن تجربته الشعرية، وعلى ولادة قصيدته
الشعبية «الريل وحمد»، والريل تعني بالعامية العراقية «القطار» يقول: «وقد
كتبت هذه القصيدة ولم يكن يدور في ذهني أني سأطبعها في يوم ما، أو أنها
ستنتشر هكذا، وتثير كل هذا الاهتمام، كتبتها لأنني شعرت بها، شكلت لي بهجة
داخلية، غناء وجدانياً، وكنت أكتبها في ظروف خاصة واضعاً القلم والورقة
تحت وسادتي ناهضاً ليلاً لأدون بعض المقاطع في الظلمة ثم أنام. كتبت هذه
القصيدة عام 1956 وأكملتها عام 1958... لقد فتحت «الريل وحمد» بمفرداتها
المتداولة بين الناس أبواباً جديدة أمام القصيدة العامية. ومن العوامل
التي أثرت في كتابتها ممارستي للرسم، والأجواء العائلية المشبعة
بالموسيقى، كان والدي يعزف على العود، ووالدتي على البيانو والأجواء
الكربلائية. كل هذه العوامل لعبت دورها في بناء القصيدة، وتشكيل عالم
مختلف في «الريل وحمد» عن غيره في القصائد العامية الأخرى..».
هذه شهادة مهمة تقربنا من جو الشاعر السري، لكني مع ذلك أضيف أن
شعرية مظفر النواب هي شعرية الإخصاء، لأنه يرى العالم حوله بمثابة رجل
مخصي لا حول له ولا قوة ولا شرف له.
وحتى اللغة الجنسية الموجودة في قصائده لا تلعب دورا تهييجيا، بل
تساهم في لجم مصادر اللذة، وقتل كل إحساس بالرغبة.. يستعمل النواب مفردات
حسية ويبني أجواء إيروتيكية كي يثير أدرينالين التقزز، وكي يبين الوجه
الآخر من وضاعة النظام العربي الذي يفتح السجون والمنافي ويقتل أبناءه
ويجلس خيرة شعبه على الخوازيق.
كل ذلك نجده وزيادة في قصيدة «الخوازيق» التي ننشرها كما كتبها وألقاها الشاعر دون تدخل من المحرر.
مقاطع من قصيدة «الخوازيق»
لله ما تلد البنادق من قيامة
إن جاع سيدها وكف عن القمامة
إن هب نفح مساومات كان قاحلا قاتلا
لا ماء فيه ولا علامة
هو السلاح المكفهر دعامة
حتى إذا نفذ الرصاص هو الدعامة
قاسى فلم يتدخلوا
حتى إذا شهر السلاح
تدخل المبغى ليمنعه اقتحامه
لا يا قحاب سياسة
خلوه صائم موحشا فوق الزناد
فإن جنته صيامه
قالوا مراحل
قولوا قبضنا سعرها سلفا
ونقتسم الغرامة
لكن أرى غيما بأعمدة الخيام
تعبث الأحقاد فيه جهنما
وتحجرت فيه الغلامة
حشد من الأثداء ميسرة تمج دما
وحلق في اليمين لمجهض دمه أمامه
حتى قلامة أظفر كسرت
ستجرح قلبا ظالما
فما تنسى القلامة
وأرى خوازيقا صنعن على مقاييس الملوك
وليس في ملك وخازوق ملامة
لله ما تذر البنادق حاكمين مؤخرات في الهواء
ورأسهم مثل النعامة
ودم فدائي بخط النار يلتهم الجيوش
كما السراط المستقيم به اعتدال واستقامة
لم ينعطف خل على خل كما سبابة فوق الزناد
عشي معركة الكرامة
نسبي إليكم أيها المستفردون
وليس من مستفرد في عصرنا إلا الكرامة.
قراءة وإعداد- حكيم عنكر
المساء
18/9/2008
مظفر النواب
ربيع- عدد الرسائل : 1432
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 04/07/2008
هما الأمرا والسلاطين واحنا الفقرا المظلومين
منذ البداية انتمى أحمد فؤاد نجم إلى الشعب، وفي عروقه جرت دماء الفلاحين
والبسطاء، فكان أن ورث عنهم «الغنوة» الحلوة والمرة، وشيد من خلال ذاكرة
المصريين المتخمة بالجراح وبالمآسي وبتاريخ من الاضطهاد قانونه الشعري
الذي لا يعلى عليه، وقوة سخريته التي كانت تسافر في الأنساغ وفي الدم
البعيد.
اختار أحمد فؤاد نجم منذ البداية صفه، ولم «ينتحر» طبقيا كما فعل
غيره، أولئك «الأنتيكات» الذين هجاهم في شعره شر هجاء، وسخر منهم، ومن
طريقتهم في المشي والكلام المنمق، ومن إصرارهم على تدجين الشعب. لم يرتدع
الرجل من السجون، وكانت الزنازين بالنسبة إليه شيئا مألوفا، وربما يكون
أحد أهم المبدعين المصريين الذين ظلوا أوفياء لقناعاتهم، حتى إنه بعد أن
مرت مياه كثيرة تحت الجسر، وجد نفسه هو هو، دون أن يطاله المسخ الذي طال
غيره ممن بدلوا المعاطف في المنعطفات.
كان صوتا للمظلومين، والمناضل الثوري، والمثقف العضوي، وابن الشعب
البسيط، وكانت مصر بالنسبة إليه هي «أم الدنيا»، لا بد من زرع الحياة
فيها، وجعلها تينع وتستيقظ، فإذا استيقظت مصر استيقظ معها كل العالم
العربي.
الأكيد أن مشروع أحمد فؤاد نجم لم يكن إلا مشروعا شعريا، لكنه كان
يتقاطع مع مشاريع أخرى سياسية وثقافية، تنتمي إلى الثقافة المضادة، التي
توقظ الضمائر وترج الأنفس.
من هو هذا الذي طارت شهرته في الآفاق؟
ولد أحمد فؤاد نجم لأم فلاحة أمية (هانم مرسى نجم) وأب يعمل ضابط شرطة
(محمد عزت نجم) وكان ضمن سبعة عشر ابنا لم يتبق منهم سوى خمسة والسادس
فقدته الأسرة ولم يره، التحق بعد ذلك بكتّاب القرية كعادة أهل القرى في
ذلك الزمن.
وقد أدت وفاة والده إلى انتقاله إلى بيت خاله حسين بالزقازيق، حيث
التحق بملجأ أيتام 1936 -والذي قابل فيه عبد الحليم حافظ- ليخرج منه عام
1945 وعمره 17 سنة بعد ذلك عاد إلى قريته للعمل راعيا للبهائم ثم انتقل
إلى القاهرة عند شقيقه إلا أنه طرده بعد ذلك ليعود إلى قريته.
بعدها بسنوات عمل بأحد المعسكرات الإنجليزية وساعد الفدائيين في
عملياتهم، بعد إلغاء المعاهدة المصرية الإنجليزية دعت الحركة الوطنية
العاملين بالمعسكرات الإنجليزية إلى تركها فاستجاب نجم للدعوة وعينته
حكومة الوفد كعامل بورش النقل الميكانيكي وفي تلك الفترة قام بعض
المسؤولين بسرقة المعدات من الورشة وعندما اعترضهم اتهموه بجريمة تزوير
استمارات شراء كذباً مما أدى إلى الحكم عليه 3 سنوات بسجن قره ميدان، حيث
تعرف هناك على أخيه السادس (علي محمد عزت نجم) وفي السنة الأخيرة له في
السجن اشترك في مسابقة الكتاب الأول التي ينظمها المجلس الأعلى لرعاية
الآداب والفنون وفاز بالجائزة وبعدها صدر الديوان الأول له من شعر العامية
المصرية (صور من الحياة والسجن)
وكتبت له المقدمة سهير القلماوي ليشتهر وهو في السجن.
وبعد خروجه من السجن عُين موظفا بمنظمة تضامن الشعوب الآسيوية
الأفريقية وأصبح أحد شعراء الإذاعة المصرية وأقام في غرفة على سطح أحد
البيوت في حي بولاق الدكرور بعد ذلك تعرف على الشيخ إمام في حارة خوش قدم
(معناها بالتركية قدم الخير) أو حوش آدم بالعامية ليقرر أن يسكن معه
ويرتبط به حتى أصبحا ثنائيا معروفا وأصبحت الحارة ملتقى المثقفين من كل
البلاد العربية.
في قصيدته «هما مين» نتعرف على الديالكتيك الشعري عند أحمد فؤاد نجم،
والوعي الطبقي الذي تولد لديه، وتأكيده الشديد على المفارقة، تلك المفارقة
التي تصنع الوعي البشري، في دراما كبيرة اسمها الصراع البشري، حيث القوي
يأكل الضعيف، وحيث لا قانون إلا قانون الغاب.
مقاطع من قصيدة «هما مين «
هما مين واحنا مين
هما الأمرا والسلاطين
هما المال والحكم معاهم
واحنا الفقرا المحكومين
حزر فزر شغل مخك
شوف مين فينا بيحكم مين
احنا مين وهما مين
احنا الفعلا البنايين
احنا السنه واحنا الفرض
احنا الناس
بالطول والعرض
من عافيتنا تقوم الأرض
وعرقنا يخضر بساتين
حزر فزر شغل مخك
شوف مين فينا
بيخدم مين
هما مين واحنا مين
هما الأمرا والسلاطين
هما الفيلا والعربيه
والنساوين المتنقيه
حيوانات استهلاكيه
شغلتهم حشو المصارين
حزر فزر شغل مخك
شوف مين فينا بياكل مين
احنا مين وهما مين
احنا قرنفل على ياسمين
احنا الحرب حطبها ونارها
احنا الجيش اللى يحررها
واحنا الشهدا ف كل مدارها
منتصرين او منكسرين حزر فزر شغل مخك
شوف مين فينا بيقتل مين
هما مين واحنا مين
هما الامرا والسلاطين
هما مناظر بالمزيكه
والزفه وشغل البولوتيكا
ودماغهم طبعا استيكه
بس البركه فى النياشين
حزر فزر شغل مخك
شوف مين فينا بيخدع مين
هما مين واحنا مين
هما الامرا والسلاطين
هما بيلبسوا اخر موضه
واحنا بنسكن سبعه ف اوضه
اللى يقول النصر نميس
ينفع تاكسي
يميشي رميس
واللى يقول الفورد يا بيه
اجعص من اجعصها جعيص
واللى يقول جونسون دا حمار
راجل
عقله عقل صغار
راجل تيس
من غير حيث
ينصب الف جنازة بطار
بس اهو راح
وحنرتاح
وحنتنحنج بقي ونقول
يخزب بيته
ويدلق زيته
المساء
22.9.2008قراءة وإعداد- حكيم عنكر
والبسطاء، فكان أن ورث عنهم «الغنوة» الحلوة والمرة، وشيد من خلال ذاكرة
المصريين المتخمة بالجراح وبالمآسي وبتاريخ من الاضطهاد قانونه الشعري
الذي لا يعلى عليه، وقوة سخريته التي كانت تسافر في الأنساغ وفي الدم
البعيد.
اختار أحمد فؤاد نجم منذ البداية صفه، ولم «ينتحر» طبقيا كما فعل
غيره، أولئك «الأنتيكات» الذين هجاهم في شعره شر هجاء، وسخر منهم، ومن
طريقتهم في المشي والكلام المنمق، ومن إصرارهم على تدجين الشعب. لم يرتدع
الرجل من السجون، وكانت الزنازين بالنسبة إليه شيئا مألوفا، وربما يكون
أحد أهم المبدعين المصريين الذين ظلوا أوفياء لقناعاتهم، حتى إنه بعد أن
مرت مياه كثيرة تحت الجسر، وجد نفسه هو هو، دون أن يطاله المسخ الذي طال
غيره ممن بدلوا المعاطف في المنعطفات.
كان صوتا للمظلومين، والمناضل الثوري، والمثقف العضوي، وابن الشعب
البسيط، وكانت مصر بالنسبة إليه هي «أم الدنيا»، لا بد من زرع الحياة
فيها، وجعلها تينع وتستيقظ، فإذا استيقظت مصر استيقظ معها كل العالم
العربي.
الأكيد أن مشروع أحمد فؤاد نجم لم يكن إلا مشروعا شعريا، لكنه كان
يتقاطع مع مشاريع أخرى سياسية وثقافية، تنتمي إلى الثقافة المضادة، التي
توقظ الضمائر وترج الأنفس.
من هو هذا الذي طارت شهرته في الآفاق؟
ولد أحمد فؤاد نجم لأم فلاحة أمية (هانم مرسى نجم) وأب يعمل ضابط شرطة
(محمد عزت نجم) وكان ضمن سبعة عشر ابنا لم يتبق منهم سوى خمسة والسادس
فقدته الأسرة ولم يره، التحق بعد ذلك بكتّاب القرية كعادة أهل القرى في
ذلك الزمن.
وقد أدت وفاة والده إلى انتقاله إلى بيت خاله حسين بالزقازيق، حيث
التحق بملجأ أيتام 1936 -والذي قابل فيه عبد الحليم حافظ- ليخرج منه عام
1945 وعمره 17 سنة بعد ذلك عاد إلى قريته للعمل راعيا للبهائم ثم انتقل
إلى القاهرة عند شقيقه إلا أنه طرده بعد ذلك ليعود إلى قريته.
بعدها بسنوات عمل بأحد المعسكرات الإنجليزية وساعد الفدائيين في
عملياتهم، بعد إلغاء المعاهدة المصرية الإنجليزية دعت الحركة الوطنية
العاملين بالمعسكرات الإنجليزية إلى تركها فاستجاب نجم للدعوة وعينته
حكومة الوفد كعامل بورش النقل الميكانيكي وفي تلك الفترة قام بعض
المسؤولين بسرقة المعدات من الورشة وعندما اعترضهم اتهموه بجريمة تزوير
استمارات شراء كذباً مما أدى إلى الحكم عليه 3 سنوات بسجن قره ميدان، حيث
تعرف هناك على أخيه السادس (علي محمد عزت نجم) وفي السنة الأخيرة له في
السجن اشترك في مسابقة الكتاب الأول التي ينظمها المجلس الأعلى لرعاية
الآداب والفنون وفاز بالجائزة وبعدها صدر الديوان الأول له من شعر العامية
المصرية (صور من الحياة والسجن)
وكتبت له المقدمة سهير القلماوي ليشتهر وهو في السجن.
وبعد خروجه من السجن عُين موظفا بمنظمة تضامن الشعوب الآسيوية
الأفريقية وأصبح أحد شعراء الإذاعة المصرية وأقام في غرفة على سطح أحد
البيوت في حي بولاق الدكرور بعد ذلك تعرف على الشيخ إمام في حارة خوش قدم
(معناها بالتركية قدم الخير) أو حوش آدم بالعامية ليقرر أن يسكن معه
ويرتبط به حتى أصبحا ثنائيا معروفا وأصبحت الحارة ملتقى المثقفين من كل
البلاد العربية.
في قصيدته «هما مين» نتعرف على الديالكتيك الشعري عند أحمد فؤاد نجم،
والوعي الطبقي الذي تولد لديه، وتأكيده الشديد على المفارقة، تلك المفارقة
التي تصنع الوعي البشري، في دراما كبيرة اسمها الصراع البشري، حيث القوي
يأكل الضعيف، وحيث لا قانون إلا قانون الغاب.
مقاطع من قصيدة «هما مين «
هما مين واحنا مين
هما الأمرا والسلاطين
هما المال والحكم معاهم
واحنا الفقرا المحكومين
حزر فزر شغل مخك
شوف مين فينا بيحكم مين
احنا مين وهما مين
احنا الفعلا البنايين
احنا السنه واحنا الفرض
احنا الناس
بالطول والعرض
من عافيتنا تقوم الأرض
وعرقنا يخضر بساتين
حزر فزر شغل مخك
شوف مين فينا
بيخدم مين
هما مين واحنا مين
هما الأمرا والسلاطين
هما الفيلا والعربيه
والنساوين المتنقيه
حيوانات استهلاكيه
شغلتهم حشو المصارين
حزر فزر شغل مخك
شوف مين فينا بياكل مين
احنا مين وهما مين
احنا قرنفل على ياسمين
احنا الحرب حطبها ونارها
احنا الجيش اللى يحررها
واحنا الشهدا ف كل مدارها
منتصرين او منكسرين حزر فزر شغل مخك
شوف مين فينا بيقتل مين
هما مين واحنا مين
هما الامرا والسلاطين
هما مناظر بالمزيكه
والزفه وشغل البولوتيكا
ودماغهم طبعا استيكه
بس البركه فى النياشين
حزر فزر شغل مخك
شوف مين فينا بيخدع مين
هما مين واحنا مين
هما الامرا والسلاطين
هما بيلبسوا اخر موضه
واحنا بنسكن سبعه ف اوضه
اللى يقول النصر نميس
ينفع تاكسي
يميشي رميس
واللى يقول الفورد يا بيه
اجعص من اجعصها جعيص
واللى يقول جونسون دا حمار
راجل
عقله عقل صغار
راجل تيس
من غير حيث
ينصب الف جنازة بطار
بس اهو راح
وحنرتاح
وحنتنحنج بقي ونقول
يخزب بيته
ويدلق زيته
المساء
22.9.2008قراءة وإعداد- حكيم عنكر
ربيع- عدد الرسائل : 1432
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 04/07/2008
نزيل سجن طرة يوجه رسالة إلى الشعب المصري
كتب الــــشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم قصـــيدة «رسالة رقـــم 1» وهو في
معتقل طرة الشهير في سنة 1977، لقد كان نــــجم ضيف سجون بامتياز، ومن
ســـجن طرة الشهير أو ليمان طـــرة ما يسميه الإخوان في مصر مرت النخبة
السياسية والثــــقافية في مصر.
والقصيدة تحتفل وتؤرخ لذكرى انتفاضة 18 يناير من سنة 1977 التي خرج
فيها الشعب المصري وقواه الحية إلى الشارع، والتي تم فيها قمع الحركات
الاحتجاجية واقتيد الكثير من رموز الشارع السياسي والثقافي المصري إلى
أقسى السجون في مصر، ألا وهو ليمان طرة، ومن هؤلاء الذين مروا من هذا
السجن أو عادوا إليه بالأحرى شاعر ضمير الشعب المصري أحمد فؤاد نجم.
يوجه نجم تحية من داخل الزنزانة إلى هذا الشعب المكافح والمناضل،
وتغني بشبابه الأبي وبناته الفتيات، ويطلب من نسيم السجن أن يميل على
الأشجار ويبلغها السلام.
قصيدة «رسالة رقم 1» هي قصيدة في غاية الأناقة وتذكر بالأسلوب الشعري
الرشيق للشاعر أحمد فؤاد نجم وبقدرته الفائقة على التقاط التفاصيل، وعلى
النفاذ إلى أعماق الشعب.
فهو الشاعر الكبير الطالع من اليومي، وهو الرجل الذي كان يجده الناس
في الصفوف الأولى للمظاهرات والاحتجاجات من أجل حياة كريمة، ولقد ظل على
هذا المنوال إلى اليوم، وما تصريحاته في السنوات الأخيرة وسخريته من طريقة
التدبير السياسي لمقدرات الشعب المصري، وخروجه إلى الشارع مع جيل الشباب
من السياسيين وأبناء مصر من أبناء حركة كفاية، إلا أدلة على تناسق وقوة
موقف شاعر لم تهزمه السنون ولا أعاقه المرض على أن يكون دوما في الموعد
الشعبي، بقصيدته الملعلعة، وبصوته المميز، ونظرته الثورية إلى الأمور.
كل قصائد أحمد فؤاد نجم لها قصة، ووراءها سبب مباشر دعا إلى
كتابتها، لم يكن نجم يجلس في شرفة البيت ويكتب متأملا الجماهير من فوق، بل
كان يسير حيث تسير الناس في زمن لم تكن تميز فيه السلطة السياسية العربية
بين مثقف ورجل شارع من العوام، ولم يكن أبدا يهمها أبدا شيء اسمه الثروة
الرمزية لمبدعيها.
لذلك كان نجم نزيلا معروفا في ليمان طرة، وطرة اسم حي مشهور من
أحياء المعادي وهو ينقسم إلى 3 مناطق طرة البلد وكوتسيكا وطره الإسمنت ومن
أشهر معالمها سجن طرة ومسجد عبد المنعم رياض الذي تأسس في عام 1969 ومدينة
الإخاء، وطرة الإسمنت التي يوجد بها مصنع إسمنت بورتلاند طرة.
وسجن طرة اسم عريق في تاريخ الحريات في مصر، ارتبط دائما بالسجن وما
يصحبه من سوء المعاملة والتعذيب. الاقتراب من سجن طرة يعني أن ترى أشهر
ليمانات مصر على الإطلاق إلى جانب أكثر من سجن عمومي محاطة جميعا بالرقابة
المشددة، وقد دخل هذا الحبس عدد كبير من سجناء الرأي بمختلف مشاربهم
السياسية والثقافية من يساريين وشيوعيين وإسلاميين وليبيراليين.
منطقة سجون طرة تضم داخلها 7 سجون ويحيط بكل سجن سور وتحيط بالمنطقة
عدة أسوار ويوجد بينها عدة نطاقات أمنية على مدى 24 ساعة وكمائن ثابتة
ومتحركة. كما يتم اتخاذ تدابير أمنية عالية داخل السجن ويتم إغلاقه تماما
مع آخر ضوء ويمنع دخول أو خروج أي شخص حتى لو كان أحد ضباط السجن أو جنوده
إلا بإجراءات طويلة ومعقدة ولا يتـــم فتح بوابة السجن أو الزنازين إلا مع
بداية اليوم التالي في تمام الساعة الثــــامنة صباحا.
هذا هو سجن طرة الذي نزل فيه أحمد فؤاد نجم ضيفا ومنه كتب «رسالة رقم 1» في اعتقاد راسخ بأنه سيظل طويلا.
مقاطع من قصيدة «رسالة رقم 1»
كل ما تهل البشاير
من يناير كل عام
يدخل النور الزنازين
يطرد الخوف
والظلام
يا نسيم السجن ميل
ع الشجر وارمي السلام
زهر النوار
وعشش فى الزنازين.. الحمام
من سكون السجن
صوتي
نبض قلبي
من تابوتي
بيقولولك يا حبيبتي
كلمتي
من بطن حوتي
سلمى لي ع الحبايب
يا حبيبتي
سلمى لي
كل حب
وله نصيبه من سلامي
بلغي لي
احضني العالم عشاني
بين عيونك
وابعتي لي
نظره
منها اشوف حبايبي
واشفي قلبي
واسأليلي
كل عالم في بلدنا
كل برج وكل مئدنة
كل صاحب من صحابنا
كل عيل من ولادنا
حد فيهم شاف علامه
من علامات القيامه
قبل ما تهل البشاير
يوم تمنتاشر يناير
لما قامت مصر قومه
بعد ما ظنوها
نومه
تلعن الجوع والمذله
والمظالم
والحكومه؟
سلمي لي ع الولاد السمر
خضر العمر
في عموم الحواري
سلمي لي ع البنات
المخطوبين في المهد
لسرير الجواري
واسأليلي بالعتاب
كل قاري في الكتاب
حد فيهم
كان يصدق
بعد جهل
بعد موت
إن حس الشعب يسبق
وأي صوت
هي دي مصر العظيمه
ياحبيبتي
هي مصر
اللي فضلتي ف هواها
عشنا
على ألف قصر
هي دي يا عزة
مصر.
قراءة وإعداد- حكيم عنكر
المساء
23/9/2008
معتقل طرة الشهير في سنة 1977، لقد كان نــــجم ضيف سجون بامتياز، ومن
ســـجن طرة الشهير أو ليمان طـــرة ما يسميه الإخوان في مصر مرت النخبة
السياسية والثــــقافية في مصر.
والقصيدة تحتفل وتؤرخ لذكرى انتفاضة 18 يناير من سنة 1977 التي خرج
فيها الشعب المصري وقواه الحية إلى الشارع، والتي تم فيها قمع الحركات
الاحتجاجية واقتيد الكثير من رموز الشارع السياسي والثقافي المصري إلى
أقسى السجون في مصر، ألا وهو ليمان طرة، ومن هؤلاء الذين مروا من هذا
السجن أو عادوا إليه بالأحرى شاعر ضمير الشعب المصري أحمد فؤاد نجم.
يوجه نجم تحية من داخل الزنزانة إلى هذا الشعب المكافح والمناضل،
وتغني بشبابه الأبي وبناته الفتيات، ويطلب من نسيم السجن أن يميل على
الأشجار ويبلغها السلام.
قصيدة «رسالة رقم 1» هي قصيدة في غاية الأناقة وتذكر بالأسلوب الشعري
الرشيق للشاعر أحمد فؤاد نجم وبقدرته الفائقة على التقاط التفاصيل، وعلى
النفاذ إلى أعماق الشعب.
فهو الشاعر الكبير الطالع من اليومي، وهو الرجل الذي كان يجده الناس
في الصفوف الأولى للمظاهرات والاحتجاجات من أجل حياة كريمة، ولقد ظل على
هذا المنوال إلى اليوم، وما تصريحاته في السنوات الأخيرة وسخريته من طريقة
التدبير السياسي لمقدرات الشعب المصري، وخروجه إلى الشارع مع جيل الشباب
من السياسيين وأبناء مصر من أبناء حركة كفاية، إلا أدلة على تناسق وقوة
موقف شاعر لم تهزمه السنون ولا أعاقه المرض على أن يكون دوما في الموعد
الشعبي، بقصيدته الملعلعة، وبصوته المميز، ونظرته الثورية إلى الأمور.
كل قصائد أحمد فؤاد نجم لها قصة، ووراءها سبب مباشر دعا إلى
كتابتها، لم يكن نجم يجلس في شرفة البيت ويكتب متأملا الجماهير من فوق، بل
كان يسير حيث تسير الناس في زمن لم تكن تميز فيه السلطة السياسية العربية
بين مثقف ورجل شارع من العوام، ولم يكن أبدا يهمها أبدا شيء اسمه الثروة
الرمزية لمبدعيها.
لذلك كان نجم نزيلا معروفا في ليمان طرة، وطرة اسم حي مشهور من
أحياء المعادي وهو ينقسم إلى 3 مناطق طرة البلد وكوتسيكا وطره الإسمنت ومن
أشهر معالمها سجن طرة ومسجد عبد المنعم رياض الذي تأسس في عام 1969 ومدينة
الإخاء، وطرة الإسمنت التي يوجد بها مصنع إسمنت بورتلاند طرة.
وسجن طرة اسم عريق في تاريخ الحريات في مصر، ارتبط دائما بالسجن وما
يصحبه من سوء المعاملة والتعذيب. الاقتراب من سجن طرة يعني أن ترى أشهر
ليمانات مصر على الإطلاق إلى جانب أكثر من سجن عمومي محاطة جميعا بالرقابة
المشددة، وقد دخل هذا الحبس عدد كبير من سجناء الرأي بمختلف مشاربهم
السياسية والثقافية من يساريين وشيوعيين وإسلاميين وليبيراليين.
منطقة سجون طرة تضم داخلها 7 سجون ويحيط بكل سجن سور وتحيط بالمنطقة
عدة أسوار ويوجد بينها عدة نطاقات أمنية على مدى 24 ساعة وكمائن ثابتة
ومتحركة. كما يتم اتخاذ تدابير أمنية عالية داخل السجن ويتم إغلاقه تماما
مع آخر ضوء ويمنع دخول أو خروج أي شخص حتى لو كان أحد ضباط السجن أو جنوده
إلا بإجراءات طويلة ومعقدة ولا يتـــم فتح بوابة السجن أو الزنازين إلا مع
بداية اليوم التالي في تمام الساعة الثــــامنة صباحا.
هذا هو سجن طرة الذي نزل فيه أحمد فؤاد نجم ضيفا ومنه كتب «رسالة رقم 1» في اعتقاد راسخ بأنه سيظل طويلا.
مقاطع من قصيدة «رسالة رقم 1»
كل ما تهل البشاير
من يناير كل عام
يدخل النور الزنازين
يطرد الخوف
والظلام
يا نسيم السجن ميل
ع الشجر وارمي السلام
زهر النوار
وعشش فى الزنازين.. الحمام
من سكون السجن
صوتي
نبض قلبي
من تابوتي
بيقولولك يا حبيبتي
كلمتي
من بطن حوتي
سلمى لي ع الحبايب
يا حبيبتي
سلمى لي
كل حب
وله نصيبه من سلامي
بلغي لي
احضني العالم عشاني
بين عيونك
وابعتي لي
نظره
منها اشوف حبايبي
واشفي قلبي
واسأليلي
كل عالم في بلدنا
كل برج وكل مئدنة
كل صاحب من صحابنا
كل عيل من ولادنا
حد فيهم شاف علامه
من علامات القيامه
قبل ما تهل البشاير
يوم تمنتاشر يناير
لما قامت مصر قومه
بعد ما ظنوها
نومه
تلعن الجوع والمذله
والمظالم
والحكومه؟
سلمي لي ع الولاد السمر
خضر العمر
في عموم الحواري
سلمي لي ع البنات
المخطوبين في المهد
لسرير الجواري
واسأليلي بالعتاب
كل قاري في الكتاب
حد فيهم
كان يصدق
بعد جهل
بعد موت
إن حس الشعب يسبق
وأي صوت
هي دي مصر العظيمه
ياحبيبتي
هي مصر
اللي فضلتي ف هواها
عشنا
على ألف قصر
هي دي يا عزة
مصر.
قراءة وإعداد- حكيم عنكر
المساء
23/9/2008
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
شيد قصورك ع المزارع.. واطلق كلابك في الشوارع
قضى الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم في سجون مصر أكثر من 18 سنة، لذلك فإن
سلاطة اللسان التي تحلى بها لم تأت من فراغ، أو لم تكن سلاطة «مستريحة»،
لقد أدى الثمن مثل غيره من أبناء الشعب المصري العظيم من أجل حياة أفضل،
ومثل باقي المناضلين في البلاد العربية من المحيط إلى الخليج.
سيكون من قبيل التذكير فقط أن نقول إن الشاعر الفرنسي الكبير لويس
أراغون كان يرى في شعره قوة تسقط الأسوار كما أسماه الأديب والناقد
الألمعي الدكتورعلي الراعي الشاعر البندقية، بينما الرئيس الراحل السادات
نعته بالشاعر البذيء ولقبه بآخر الصعاليك المحترمين وبشاعر تكدير الأمن
العام.
لقد كانت هزيمة 67 قاصمة للجسد العربي وللحلم في القبض على اللحظة
التاريخية، وحتى يومنا هذا يظل طوفان 1967 هو اشد التجارب الجماعية إيلاما
بالنسبة إلى المصريين الذين عاصروا الحدث ويتذكرون تلك الأيام العصيبة صيف
عام 1967، وبالنسبة إلى العرب جميعا الذين شاركوهم هذا الحلم.
ويرى أحمد فؤاد نجم أن الهزيمة قد جعلت منه شاعرا، يقول: «هزيمة 67
جعلت مني شاعرا». إنه بابلو نيرودا العربي الذي تسافر قصائده من الشرق إلى
الغرب مخترقة الحدود ودون حاجة إلى جوازات المرور.
يقول نجم في إحدى المقابلات معه: «قبل 5 حزيران/يونيو عام 1967 كنا
نصدق ما تقوله لنا وسائل الإعلام الحكومية عن قوة مصر العسكرية. كنا نصدق
أننا أكبر قوة ضاربة في الشرق الأوسط».
وأضاف: «قبل الحرب مباشرة كتبت قصيدة «رسالة» عن مواطن مصري صعيدي
كتب خطابا إلى ابنه الجندي في الجبهة يحثه فيه على القتال بشجاعة لتحرير
فلسطين والأخذ بثأر شقيقه الذي قتله الإسرائيليون».
في تلك الأيام كان نجم نجما حقيقيا، يتصدر المظاهرات ويكتب شعره في
المساء ويلحنه الشيخ إمام في الصباح، وآلة إنتاج الوعي الشعبي على أشدها،
يقول نجم: «في تلك الأيام كنت أكتب قصيدة جديدة كل بضعة أيام. في الصباح
أقرأ القصيدة على الشيخ إمام وفي المساء تصير أغنية جاهزة لإسماعها
للناس».
وبسرعة كان يجري إعداد مجموعة كبيرة من الأغنيات السياسية أغنيات
تتحدث عن الحاجة إلى مكافحة الطغيان والقمع وعن تحرير الأرض المحتلة عن
حرب شعبية على طريقة الحرب الفيتنامية وعن الأحرار في كل مكان في العالم
من هوشي منه إلى تشي جيفارا.
لقد خاصم أحمد فؤاد نجم نظام عبد الناصر في البداية، لكنه عاد
وامتدحه في قصيدة مؤثرة، رغم أن هذا الأخير قد رمى به في السجن، وفي قصيدة
«زيارة إلى ضريح ناصر» رفع نجم ناصر إلى مصاف القديسين وأنهاها قائلا:
«وإن كان جرح قلبنا.. كل الجروح طابت».
يقول نجم «ناصر كان ديكتاتورا مثل أي ديكتاتور آخر لكنه كان رجلا شريفا. زعيم وطني حقيقي ليس مثل الذين حكموا مصر من بعده».
ورغم ذلك لا يفقد الأمل في تحرير الأراضي المغتصبة من العدو الإسرائيلي، وفي الوحدة العربية مهما كان هذا الهدف بعيدا، لأنه هدف نبيل
ليس عندي تصور جديد، وإنما أكيد أن هذه الوحدة هدف نبيل، ولكني أعتقد
أن تحرير فلسطين هدف أقرب، تخيل معي تحرير فلسطين وسقوط الدولة العنصرية
الموجودة فيها ماذا يمكن أن يحدث في المنطقة؟ أعتقد أن تحقيق الوحدة يظل
أمراً صعباً مادام هذا الكيان مزروعا في جسد الأمة، وطالما أن بعض الأنظمة
العربية لا تفهم مصالح شعوبها، تصور هذه أمريكا تقول جهاراً نهاراً
ويسمعها الأطفال في المدارس أنها تضمن أمن إسرائيل وتضمن تفوقها العسكري
المطلق على جميع الدول العربية، ومع ذلك نطلع نحن على الناس ونقول: أمريكا
هي الوسيط وراعي السلام أي سلام يقصدون!».
في القصيدتين اللتين نختم بهما هذه الجولة في عالم أحمد فؤاد نجم
الفاجومي العظيم، نقترح قصيدة لها نكهة خاصة لأنها تتكلم عن مصير الثورة
الخائبة، ألا وهي قصيدة «شيد قصورك عل المزارع» والتي رددناها جميعا
وترنحنا على وقعها بصوت الشيخ إمام، ثم قصيدة «كلام عن سماسرة» وهي ترصد
مصر ما بعد الانفتاح، ومصر اقتصاد السوق وكيف تحولت القيم، وأصبح كل شيء
سواء، في نبرة هي منتهى السخرية المرة التي يمكن أن ينتجها شاعر حديث.
« شيد قصورك ع المزارع»
شيد قصورك ع المزارع
من كدنا وعمل إيدينا
الخمارات جنب المصانع
والسجن مطرح الجنينة
واطلق كلابك
في الشوارع
واقفل زنازينك
علينا
وقلّ نومنا في المضاجع
أدي احنا
نمنا ما اشتهينا
واتقل علينا بالمواجع
احنا اتوجعنا
واكتفينا
وعرفنا
مين سبب جراحنا
وعرفنا روحنا
والتقينا
عمال وفلاحين
وطلبة
دقت ساعتنا
وابتدينا
نسلك طريق
مالهش راجع
والنصر قريب من عنينا
النصر أقرب
من إدينا
«كلام عن سماسرة»
كلام عن سماسره
كلام عن دعاره
حاجات مش صحيحه
جمل مستعارة
وعايزين يخلوا البلد
أردغانه
وعايزيني أسيب البلد
من زمان
وانا مش ح اسلم
واسيب الامان
ولا بالبوليس والنيابه كمان
فيا أيها الشعب
كمل جميلك
وصبرا
والزم حتيجي المصاري
وتأكل وتشرب
تبع ما يآتيلك
وتغرق في بحر العبيد والجواري
وترسم حياتك
حسب مايرائيلك
وتملا الحواري
فساقي وقصاري
تسبح بحمدك
وتشكر جميلك
وفضل الزباله
وطفح المجاري
ختاما سلاما
وآخر كلاما
ضرورا
يسود الهدوء والوئاما
فماذا والا
ح طربقها واللا
اهرب فلوسي
واسافر قواما
سلام عليكم
وسلمون وموز
بصفتي رئيسا
وأبا
وجوز
قراءة وإعداد: حكيم عنكر
المساء
24/9/2008
سلاطة اللسان التي تحلى بها لم تأت من فراغ، أو لم تكن سلاطة «مستريحة»،
لقد أدى الثمن مثل غيره من أبناء الشعب المصري العظيم من أجل حياة أفضل،
ومثل باقي المناضلين في البلاد العربية من المحيط إلى الخليج.
سيكون من قبيل التذكير فقط أن نقول إن الشاعر الفرنسي الكبير لويس
أراغون كان يرى في شعره قوة تسقط الأسوار كما أسماه الأديب والناقد
الألمعي الدكتورعلي الراعي الشاعر البندقية، بينما الرئيس الراحل السادات
نعته بالشاعر البذيء ولقبه بآخر الصعاليك المحترمين وبشاعر تكدير الأمن
العام.
لقد كانت هزيمة 67 قاصمة للجسد العربي وللحلم في القبض على اللحظة
التاريخية، وحتى يومنا هذا يظل طوفان 1967 هو اشد التجارب الجماعية إيلاما
بالنسبة إلى المصريين الذين عاصروا الحدث ويتذكرون تلك الأيام العصيبة صيف
عام 1967، وبالنسبة إلى العرب جميعا الذين شاركوهم هذا الحلم.
ويرى أحمد فؤاد نجم أن الهزيمة قد جعلت منه شاعرا، يقول: «هزيمة 67
جعلت مني شاعرا». إنه بابلو نيرودا العربي الذي تسافر قصائده من الشرق إلى
الغرب مخترقة الحدود ودون حاجة إلى جوازات المرور.
يقول نجم في إحدى المقابلات معه: «قبل 5 حزيران/يونيو عام 1967 كنا
نصدق ما تقوله لنا وسائل الإعلام الحكومية عن قوة مصر العسكرية. كنا نصدق
أننا أكبر قوة ضاربة في الشرق الأوسط».
وأضاف: «قبل الحرب مباشرة كتبت قصيدة «رسالة» عن مواطن مصري صعيدي
كتب خطابا إلى ابنه الجندي في الجبهة يحثه فيه على القتال بشجاعة لتحرير
فلسطين والأخذ بثأر شقيقه الذي قتله الإسرائيليون».
في تلك الأيام كان نجم نجما حقيقيا، يتصدر المظاهرات ويكتب شعره في
المساء ويلحنه الشيخ إمام في الصباح، وآلة إنتاج الوعي الشعبي على أشدها،
يقول نجم: «في تلك الأيام كنت أكتب قصيدة جديدة كل بضعة أيام. في الصباح
أقرأ القصيدة على الشيخ إمام وفي المساء تصير أغنية جاهزة لإسماعها
للناس».
وبسرعة كان يجري إعداد مجموعة كبيرة من الأغنيات السياسية أغنيات
تتحدث عن الحاجة إلى مكافحة الطغيان والقمع وعن تحرير الأرض المحتلة عن
حرب شعبية على طريقة الحرب الفيتنامية وعن الأحرار في كل مكان في العالم
من هوشي منه إلى تشي جيفارا.
لقد خاصم أحمد فؤاد نجم نظام عبد الناصر في البداية، لكنه عاد
وامتدحه في قصيدة مؤثرة، رغم أن هذا الأخير قد رمى به في السجن، وفي قصيدة
«زيارة إلى ضريح ناصر» رفع نجم ناصر إلى مصاف القديسين وأنهاها قائلا:
«وإن كان جرح قلبنا.. كل الجروح طابت».
يقول نجم «ناصر كان ديكتاتورا مثل أي ديكتاتور آخر لكنه كان رجلا شريفا. زعيم وطني حقيقي ليس مثل الذين حكموا مصر من بعده».
ورغم ذلك لا يفقد الأمل في تحرير الأراضي المغتصبة من العدو الإسرائيلي، وفي الوحدة العربية مهما كان هذا الهدف بعيدا، لأنه هدف نبيل
ليس عندي تصور جديد، وإنما أكيد أن هذه الوحدة هدف نبيل، ولكني أعتقد
أن تحرير فلسطين هدف أقرب، تخيل معي تحرير فلسطين وسقوط الدولة العنصرية
الموجودة فيها ماذا يمكن أن يحدث في المنطقة؟ أعتقد أن تحقيق الوحدة يظل
أمراً صعباً مادام هذا الكيان مزروعا في جسد الأمة، وطالما أن بعض الأنظمة
العربية لا تفهم مصالح شعوبها، تصور هذه أمريكا تقول جهاراً نهاراً
ويسمعها الأطفال في المدارس أنها تضمن أمن إسرائيل وتضمن تفوقها العسكري
المطلق على جميع الدول العربية، ومع ذلك نطلع نحن على الناس ونقول: أمريكا
هي الوسيط وراعي السلام أي سلام يقصدون!».
في القصيدتين اللتين نختم بهما هذه الجولة في عالم أحمد فؤاد نجم
الفاجومي العظيم، نقترح قصيدة لها نكهة خاصة لأنها تتكلم عن مصير الثورة
الخائبة، ألا وهي قصيدة «شيد قصورك عل المزارع» والتي رددناها جميعا
وترنحنا على وقعها بصوت الشيخ إمام، ثم قصيدة «كلام عن سماسرة» وهي ترصد
مصر ما بعد الانفتاح، ومصر اقتصاد السوق وكيف تحولت القيم، وأصبح كل شيء
سواء، في نبرة هي منتهى السخرية المرة التي يمكن أن ينتجها شاعر حديث.
« شيد قصورك ع المزارع»
شيد قصورك ع المزارع
من كدنا وعمل إيدينا
الخمارات جنب المصانع
والسجن مطرح الجنينة
واطلق كلابك
في الشوارع
واقفل زنازينك
علينا
وقلّ نومنا في المضاجع
أدي احنا
نمنا ما اشتهينا
واتقل علينا بالمواجع
احنا اتوجعنا
واكتفينا
وعرفنا
مين سبب جراحنا
وعرفنا روحنا
والتقينا
عمال وفلاحين
وطلبة
دقت ساعتنا
وابتدينا
نسلك طريق
مالهش راجع
والنصر قريب من عنينا
النصر أقرب
من إدينا
«كلام عن سماسرة»
كلام عن سماسره
كلام عن دعاره
حاجات مش صحيحه
جمل مستعارة
وعايزين يخلوا البلد
أردغانه
وعايزيني أسيب البلد
من زمان
وانا مش ح اسلم
واسيب الامان
ولا بالبوليس والنيابه كمان
فيا أيها الشعب
كمل جميلك
وصبرا
والزم حتيجي المصاري
وتأكل وتشرب
تبع ما يآتيلك
وتغرق في بحر العبيد والجواري
وترسم حياتك
حسب مايرائيلك
وتملا الحواري
فساقي وقصاري
تسبح بحمدك
وتشكر جميلك
وفضل الزباله
وطفح المجاري
ختاما سلاما
وآخر كلاما
ضرورا
يسود الهدوء والوئاما
فماذا والا
ح طربقها واللا
اهرب فلوسي
واسافر قواما
سلام عليكم
وسلمون وموز
بصفتي رئيسا
وأبا
وجوز
قراءة وإعداد: حكيم عنكر
المساء
24/9/2008
ربيع- عدد الرسائل : 1432
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 04/07/2008
ابن السلمية في مقر الحزب الشيوعي السوري بسبب المدفأة
أول مرة أتعرف فيها مباشرة على الشاعر السوري محمد الماغوط كانت في سنة
2006 في دبي أي أشهرا قليلة قبل موته، كان قد جاء إلى دبي أو أتي به
محمولا على كرسيه المتحرك، كان الرجل قد زاد وزنه كثيرا، وكان يدخن بلا
انقطاع في منصة التتويج، حيث تسلم جائزة العويس الثقافية في فرع الشعر،
وأذكر أنه جلس في المنصة إلى جانب الناقد المغربي محمد مفتاح الذي فاز
بنفس الجائزة ذات القيمة المادية والمعنوية، في خريطة الجوائز العربية.
كان محمد الماغوط الشاعر الأسطورة، والكاتب المسرحي الذي كتب مسرحيات
دريد لحام «ضيعة تشرين» و«المهرج» و«شقائق النعمان» ومسرحيته ذائعة الصيت
«كأسك يا وطن»، قد أصبح بالفعل ومع مرور الزمن أيقونة من أيقونات الإبداع
العربي الحديث.
من غريب المصادفات أن الجريدة التي كنت أشتغل في قسمها الثقافي في
تلك الفترة، كان الماغوط قد قضى بها سنتين رئيسا لقسمها الثقافي، ومن
الشارقة حيث كان يقيم ربط علاقات مع المثقفين الشباب من أبناء الإمارات،
حيث كانت شقته عامرة بالعرب المثقفين وعشاق الأدب المشتغلين في الإمارات.
لم يستطع الماغوط أن يصمد، وعاد إلى سوريا بسبب مرض زوجته الشاعرة
سنية صالح، والتي غطى عليها الماغوط، بسلطته وسطوته، وعدم قبوله للمنافسة.
كان الماغوط شخصا متقلب المزاج وحادا، و«مخربا» على هذا المستوى، يتقل
رؤيته العبثية للأشياء بسرعة إلى الآخرين، فتسري مثل العدوى.
وفي الندوة الصحفية التي أعقبت حفل تسليم جوائز العويس، لم يكن
الماغوط يحار جوابا عن الأسئلة، كانت حنجرته قد دمرت تماما بسبب التدخين
والسرطان. كان مثل كتلة صخرية، ذلك الذي قال يوما عن حكاية التزامه
السياسي بسخرية لا تجارى: «كنت أذهب إلى مقر الحزب الشيوعي من أجل أن
أتدفأ من البرد».
لعل أجمل شهادة تلك التي كتبها في حقه الشاعر السوري الجميل ممدوح
عدوان، يقول عدوان: «لقد صرخ الماغوط، منذ البداية: ألا ترون كم هو العالم
فظيع وعفن ونتن كم هو غير لائق بمعيشة البشر؟ كم يثير من القهر والغضب
والبكاء؟
احتقان كهذا لا يعرف كيف يقلم أظافره ليليق بأجواء الشرف العربي،
ولا كيف يلبس الياقة والقفاز ليصلح لصالونات الأناقة الثقافية، فانفلت في
الأجواء الأدبية حافياً مشعثاً رثاً كما لو أنه ما يزال يلعب في وحل
الحارة، ولم يهتم لملابسه المتسخة وقدميه الموحلتين، لم يهتم لنفور أبناء
الصالونات أو الداعين أو استتباب الأمن في استعراضات الأناقة الفعلية
والبروتوكوليا: ببساطة قال لهم: لم أجلب الوحل من بيت أبي، ولم أتسخ في
حضن أمي، ولم يكن البكاء هوايتي، ولا الجوع رياضة أمارسها. عالمكم وسخ
وموحل ولعين وموحش، ولست معنياً بتنظيف نفسي».
وفي مقام آخر يكتب الشاعر البحريني قاسم حداد عن تيمة الحزن في
أعماله الشعرية، يقول: «غير أن حزن الماغوط لم يكن حزن الرومانسيين
المتثائبين على جسر التنهدات. لقد كان يضع أحداقه في الدم الفائر فيطفر
حتى صدغيه. وهذا ما جعل كتابته تفتح أرضاً غير التي فتحتها مجلة (الآداب)
أو التي ذهبت إليها مجلة (شعر)، كان محمد الماغوط كائناً وحشياً (طافراً)
من غابة تغرس جذورها على أجسادنا وأرواحنا، دون أن يعبأ أو يكترث بالكلام
عن البدائل، بمعنى أنه لا يطرح خطابات أحلام، كما كان يفعل شعر الآخرين،
الأمر الذي لفت نظر الشعراء العرب محاولين أن يجدوا في عالمه نافذة على
أفق مغاير.
وكنت عندما أجلس إلى كتاب (غرفة بملايين الجدران) أشعر برهبة غامضة
لفرط المسافة التي كان يتوجب عليّ أن أقطعها بعد (أنشودة المطر)، أو
(أوراق في الريح) أو (أباريق مهشمة) أو (أحلام الفارس القديم) لكي أصل إلى
الأرض التي يحرثها نص الماغوط بعظام أطراف الكائن البشري.
فإذن، كانت المسألة لا تتصل بالشكل دائماً، وأخشى أنها لم تتوقف
عليه أبداً. لأن الروح الجديدة عند الماغوط هي ما ميزته بقوة، ومرة واحدة،
عن رفاقه. وهنا تكمن أهمية التجربة الشعرية».
والماغوط هو من جهة ثانية كاتب النصوص المسرحية السياسية الكبيرة التي تركت أثرها في الوجدان العربي.
في مسرحية «المهرج» يلجأ الماغوط إلى حيلة مسرحية مختلفة عبر مقابلة
الماضي بالحاضر وهي حيلة أصبحت أثيرة لديه، فكررها في معظم مسرحياته
اللاحقة، وتقوم المقابلة في «المهرج» عبر استحضار شخصية «صقر قريش».
المقابلة بين الماضي والحاضر موضوعة أساسية في مسرحيات الماغوط. ففي
«ضيعة تشرين» يشير المواطن البسيط الذي يؤدي دوره دريد لحام إلى الأندلس
باعتبارها وطنا سليبا، وإلى القصائد التي تقال في استرجاع فلسطين قائلا:
«إن لديه شعرا يستطيع أن يسترجع به الأندلس». وفي «كأسك يا وطن» تحضر
الأندلس حين يتذكر ذلك المواطن أن العرب هم الذين كانوا يمثلون الاستعمار
هناك.
في مسرحية «شقائق النعمان» يرسم الماغوط مقابلة الماضي مع الحاضر على
مستويين، مستوى مقابلة الحاضر البائس مع الماضي القريب الذي يتمثل في عودة
الشهيد (دريد لحام) ليكتشف أن أخاه قد استولى على إرثه ولم يبق له شيئا
فيضطر للسكن في المقابر، ومقابلة الحاضر مع الماضي البعيد حيث الخليفة
يلاحق غانية في مشهد ويأمر بقطع رأس أحد المعارضين في مشهد آخر لتكتمل
صورة الماضي الذي لا يقل بشاعة عن الحاضر.
لكنه في مسرحية «المهرج» يسترجع الماضي ليقول شيئا مختلفا، فهو
يسترجع الماضي في صورة شخصية عبد الرحمن الداخل «صقر قريش»، الذي يجد نفسه
في مواجهة آلة القمع في الوقت الراهن بما فيها من حداثة وقسوة فيضعف
أمامها ويتحول، هو البطل التاريخي الهارب من بطش العباسيين وفاتح الأندلس
ومؤسس الخلافة فيها، إلى جبان رعديد غير قادر على الصمود أمام آلة القمع
الحديثة الجبارة. وعلى نفس المسار تسير مسرحيات من مثل «كأسك ياوطن».
مقاطع من قصيدة «كرسي الاعتراف»
والريح تعصف والثلج يتساقط من حولي
جلست في كوخي الشعري المتواضع
ودفنت كستنائي العاطفية والجسدية والتاريخية
ورحت أنتظر
***
يا رب...
ساعدني على قول الحق
ومواجهة الواقع
وتحمّل العطش
والجوع
والحرمان
وألا أردّ سائلاً
أو أنهر يتيماً
أو استرداد نفقات الأمل على الأمل.
***
يد واحدة لا تصفق
إلى الجحيم
ألم تشبعوا تصفيقاً بعد؟
***
ترميم زهرة
أو اقتحام قاعة
كله سيّان
***
أسناني بصلابة منجلي
وألتحف حقولي وسنابلي
وأنام على الطوى...
***
دموعي بعدد أخطائي
وأخطائي بعدد التزاماتي
***
وشجاعتي بعدد أسلحتي
وتردّدي بعدد جبهاتي
***
وساعات نومي بعدد كوابيسي
وكوابيسي بعدد وسائدي واتساع بلادي
وبلادي باتساع أرصفتي ودفاتري.
المساء
25-9-2008
2006 في دبي أي أشهرا قليلة قبل موته، كان قد جاء إلى دبي أو أتي به
محمولا على كرسيه المتحرك، كان الرجل قد زاد وزنه كثيرا، وكان يدخن بلا
انقطاع في منصة التتويج، حيث تسلم جائزة العويس الثقافية في فرع الشعر،
وأذكر أنه جلس في المنصة إلى جانب الناقد المغربي محمد مفتاح الذي فاز
بنفس الجائزة ذات القيمة المادية والمعنوية، في خريطة الجوائز العربية.
كان محمد الماغوط الشاعر الأسطورة، والكاتب المسرحي الذي كتب مسرحيات
دريد لحام «ضيعة تشرين» و«المهرج» و«شقائق النعمان» ومسرحيته ذائعة الصيت
«كأسك يا وطن»، قد أصبح بالفعل ومع مرور الزمن أيقونة من أيقونات الإبداع
العربي الحديث.
من غريب المصادفات أن الجريدة التي كنت أشتغل في قسمها الثقافي في
تلك الفترة، كان الماغوط قد قضى بها سنتين رئيسا لقسمها الثقافي، ومن
الشارقة حيث كان يقيم ربط علاقات مع المثقفين الشباب من أبناء الإمارات،
حيث كانت شقته عامرة بالعرب المثقفين وعشاق الأدب المشتغلين في الإمارات.
لم يستطع الماغوط أن يصمد، وعاد إلى سوريا بسبب مرض زوجته الشاعرة
سنية صالح، والتي غطى عليها الماغوط، بسلطته وسطوته، وعدم قبوله للمنافسة.
كان الماغوط شخصا متقلب المزاج وحادا، و«مخربا» على هذا المستوى، يتقل
رؤيته العبثية للأشياء بسرعة إلى الآخرين، فتسري مثل العدوى.
وفي الندوة الصحفية التي أعقبت حفل تسليم جوائز العويس، لم يكن
الماغوط يحار جوابا عن الأسئلة، كانت حنجرته قد دمرت تماما بسبب التدخين
والسرطان. كان مثل كتلة صخرية، ذلك الذي قال يوما عن حكاية التزامه
السياسي بسخرية لا تجارى: «كنت أذهب إلى مقر الحزب الشيوعي من أجل أن
أتدفأ من البرد».
لعل أجمل شهادة تلك التي كتبها في حقه الشاعر السوري الجميل ممدوح
عدوان، يقول عدوان: «لقد صرخ الماغوط، منذ البداية: ألا ترون كم هو العالم
فظيع وعفن ونتن كم هو غير لائق بمعيشة البشر؟ كم يثير من القهر والغضب
والبكاء؟
احتقان كهذا لا يعرف كيف يقلم أظافره ليليق بأجواء الشرف العربي،
ولا كيف يلبس الياقة والقفاز ليصلح لصالونات الأناقة الثقافية، فانفلت في
الأجواء الأدبية حافياً مشعثاً رثاً كما لو أنه ما يزال يلعب في وحل
الحارة، ولم يهتم لملابسه المتسخة وقدميه الموحلتين، لم يهتم لنفور أبناء
الصالونات أو الداعين أو استتباب الأمن في استعراضات الأناقة الفعلية
والبروتوكوليا: ببساطة قال لهم: لم أجلب الوحل من بيت أبي، ولم أتسخ في
حضن أمي، ولم يكن البكاء هوايتي، ولا الجوع رياضة أمارسها. عالمكم وسخ
وموحل ولعين وموحش، ولست معنياً بتنظيف نفسي».
وفي مقام آخر يكتب الشاعر البحريني قاسم حداد عن تيمة الحزن في
أعماله الشعرية، يقول: «غير أن حزن الماغوط لم يكن حزن الرومانسيين
المتثائبين على جسر التنهدات. لقد كان يضع أحداقه في الدم الفائر فيطفر
حتى صدغيه. وهذا ما جعل كتابته تفتح أرضاً غير التي فتحتها مجلة (الآداب)
أو التي ذهبت إليها مجلة (شعر)، كان محمد الماغوط كائناً وحشياً (طافراً)
من غابة تغرس جذورها على أجسادنا وأرواحنا، دون أن يعبأ أو يكترث بالكلام
عن البدائل، بمعنى أنه لا يطرح خطابات أحلام، كما كان يفعل شعر الآخرين،
الأمر الذي لفت نظر الشعراء العرب محاولين أن يجدوا في عالمه نافذة على
أفق مغاير.
وكنت عندما أجلس إلى كتاب (غرفة بملايين الجدران) أشعر برهبة غامضة
لفرط المسافة التي كان يتوجب عليّ أن أقطعها بعد (أنشودة المطر)، أو
(أوراق في الريح) أو (أباريق مهشمة) أو (أحلام الفارس القديم) لكي أصل إلى
الأرض التي يحرثها نص الماغوط بعظام أطراف الكائن البشري.
فإذن، كانت المسألة لا تتصل بالشكل دائماً، وأخشى أنها لم تتوقف
عليه أبداً. لأن الروح الجديدة عند الماغوط هي ما ميزته بقوة، ومرة واحدة،
عن رفاقه. وهنا تكمن أهمية التجربة الشعرية».
والماغوط هو من جهة ثانية كاتب النصوص المسرحية السياسية الكبيرة التي تركت أثرها في الوجدان العربي.
في مسرحية «المهرج» يلجأ الماغوط إلى حيلة مسرحية مختلفة عبر مقابلة
الماضي بالحاضر وهي حيلة أصبحت أثيرة لديه، فكررها في معظم مسرحياته
اللاحقة، وتقوم المقابلة في «المهرج» عبر استحضار شخصية «صقر قريش».
المقابلة بين الماضي والحاضر موضوعة أساسية في مسرحيات الماغوط. ففي
«ضيعة تشرين» يشير المواطن البسيط الذي يؤدي دوره دريد لحام إلى الأندلس
باعتبارها وطنا سليبا، وإلى القصائد التي تقال في استرجاع فلسطين قائلا:
«إن لديه شعرا يستطيع أن يسترجع به الأندلس». وفي «كأسك يا وطن» تحضر
الأندلس حين يتذكر ذلك المواطن أن العرب هم الذين كانوا يمثلون الاستعمار
هناك.
في مسرحية «شقائق النعمان» يرسم الماغوط مقابلة الماضي مع الحاضر على
مستويين، مستوى مقابلة الحاضر البائس مع الماضي القريب الذي يتمثل في عودة
الشهيد (دريد لحام) ليكتشف أن أخاه قد استولى على إرثه ولم يبق له شيئا
فيضطر للسكن في المقابر، ومقابلة الحاضر مع الماضي البعيد حيث الخليفة
يلاحق غانية في مشهد ويأمر بقطع رأس أحد المعارضين في مشهد آخر لتكتمل
صورة الماضي الذي لا يقل بشاعة عن الحاضر.
لكنه في مسرحية «المهرج» يسترجع الماضي ليقول شيئا مختلفا، فهو
يسترجع الماضي في صورة شخصية عبد الرحمن الداخل «صقر قريش»، الذي يجد نفسه
في مواجهة آلة القمع في الوقت الراهن بما فيها من حداثة وقسوة فيضعف
أمامها ويتحول، هو البطل التاريخي الهارب من بطش العباسيين وفاتح الأندلس
ومؤسس الخلافة فيها، إلى جبان رعديد غير قادر على الصمود أمام آلة القمع
الحديثة الجبارة. وعلى نفس المسار تسير مسرحيات من مثل «كأسك ياوطن».
مقاطع من قصيدة «كرسي الاعتراف»
والريح تعصف والثلج يتساقط من حولي
جلست في كوخي الشعري المتواضع
ودفنت كستنائي العاطفية والجسدية والتاريخية
ورحت أنتظر
***
يا رب...
ساعدني على قول الحق
ومواجهة الواقع
وتحمّل العطش
والجوع
والحرمان
وألا أردّ سائلاً
أو أنهر يتيماً
أو استرداد نفقات الأمل على الأمل.
***
يد واحدة لا تصفق
إلى الجحيم
ألم تشبعوا تصفيقاً بعد؟
***
ترميم زهرة
أو اقتحام قاعة
كله سيّان
***
أسناني بصلابة منجلي
وألتحف حقولي وسنابلي
وأنام على الطوى...
***
دموعي بعدد أخطائي
وأخطائي بعدد التزاماتي
***
وشجاعتي بعدد أسلحتي
وتردّدي بعدد جبهاتي
***
وساعات نومي بعدد كوابيسي
وكوابيسي بعدد وسائدي واتساع بلادي
وبلادي باتساع أرصفتي ودفاتري.
المساء
25-9-2008
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: قصائد اشعلت حروبا سياسية
كمال حسن المغني الملتزم وقصيدة البالة والفأس
التي كتبها عبد الله الودان
البالة و الفاس
تمارة قهرت الناس
البالة والفاس
اخدم ماكاين باس
البالة والفاس
كل كلمة بقطيع الرأس
الجوع هزك بوتفتات
كيفاش يدير يفهمك الشاف
هو واصحابو مجمعين على الضامة والكاس
النهار طالع مظهور الناس
ظهر هذاك وأنت وأنا والآخر
وكاع ردونا بلادة
ياك بنادم عرفتوه مظلوم
أو مابقا تفيد اللوم
ياك بنادم عرفتوه مظلوم
علاش أنا رزقي مرهون
نغنيه وأنا نحفر
أو نغنيه للحجر والمرطوب
العيار المكسر
أو فقلبي يتكسر أويذوب
هو راكب وأنا مركوب
هو حالب وأنا محلوب
هو عالي وأنا حاني
لا زمو بحالي يتحرك
شحال من ارض حرثي؟؟؟؟؟
بعد أيام كربلتيها
شحال من خيرات زرعتي ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
جاء الصيف وجنتيها
وعمرت المطمورة بالشكوى
وحققت الخير كل هو
جاك الخير والتيسير
وضاع منك…….. اداه الغير
هذ الخير فينا هو ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فين السبولة أو فين الفولة ؟؟؟؟؟؟
فين التفاح أو لمزاح؟؟؟؟؟؟
والعنقود حباتو مكمولة
يا أوفين أوفين أوفين؟؟؟؟؟؟
فين حقك من هذا الربح؟؟؟؟؟؟
جاوبني كول ليا
حقي ضاع وداه الغير
فكروش الحرام راهو راح
خادوه بالجهالة والقوة
ولات المظالم بالنخوة
يا أو بالعلالي أو العنزة
جانا الهيف أو زمان السيف
وجاتنا الجهالة وجاتنا الخطيف
أو ديالك اداوه
اداوه ناس آخرين
أتصرفو ف ارباحو وتصريف
التي كتبها عبد الله الودان
البالة و الفاس
تمارة قهرت الناس
البالة والفاس
اخدم ماكاين باس
البالة والفاس
كل كلمة بقطيع الرأس
الجوع هزك بوتفتات
كيفاش يدير يفهمك الشاف
هو واصحابو مجمعين على الضامة والكاس
النهار طالع مظهور الناس
ظهر هذاك وأنت وأنا والآخر
وكاع ردونا بلادة
ياك بنادم عرفتوه مظلوم
أو مابقا تفيد اللوم
ياك بنادم عرفتوه مظلوم
علاش أنا رزقي مرهون
نغنيه وأنا نحفر
أو نغنيه للحجر والمرطوب
العيار المكسر
أو فقلبي يتكسر أويذوب
هو راكب وأنا مركوب
هو حالب وأنا محلوب
هو عالي وأنا حاني
لا زمو بحالي يتحرك
شحال من ارض حرثي؟؟؟؟؟
بعد أيام كربلتيها
شحال من خيرات زرعتي ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
جاء الصيف وجنتيها
وعمرت المطمورة بالشكوى
وحققت الخير كل هو
جاك الخير والتيسير
وضاع منك…….. اداه الغير
هذ الخير فينا هو ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فين السبولة أو فين الفولة ؟؟؟؟؟؟
فين التفاح أو لمزاح؟؟؟؟؟؟
والعنقود حباتو مكمولة
يا أوفين أوفين أوفين؟؟؟؟؟؟
فين حقك من هذا الربح؟؟؟؟؟؟
جاوبني كول ليا
حقي ضاع وداه الغير
فكروش الحرام راهو راح
خادوه بالجهالة والقوة
ولات المظالم بالنخوة
يا أو بالعلالي أو العنزة
جانا الهيف أو زمان السيف
وجاتنا الجهالة وجاتنا الخطيف
أو ديالك اداوه
اداوه ناس آخرين
أتصرفو ف ارباحو وتصريف
رد: قصائد اشعلت حروبا سياسية
قصيدة جميلة الاخ عبد النور لكنني لا اعرف كاتبه
ا عبدالله الودان..
ا عبدالله الودان..
خديجة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 541
العمر : 49
Localisation : تمارة
Emploi : موظفة قطاع خاص
تاريخ التسجيل : 25/03/2008
محمد الماغوط.. سخر من «الثورة العربية الظافرة»
كتب محمد الماغوط في كتابه «سأخون وطني، هذيان في الرعب والحرية» ما يشبه
بيانا في الكتابة: «إنني لست معارضاً لهذا النظام أو ذاك، ولا أنتمي لأي
حزب أو تنظيم أو جمعية أو ناد حتى إلى النادي السينمائي، ومع ذلك فالخوف
يسيل من قلمي وأصابعي وأهدابي كما يسيل الحليب الفائض من ضرع الماشية
العائدة إلى المرعى.
الخوف من التأييد ومن المعارضة. الخوف من الاشتراكية ومن الرأسمالية.
من الرفض ومن الاعتدال. من النجاح ومن الفشل. من قدوم الليل ومن قدوم
النهار.
حتى لأتوقع بين ليلة وأخرى أن أستيقظ ذات صباح فأكتشف، وأنا أحلق
ذقني أمام المرآة، أن شفتي العليا مشقوقة كشفة الأرنب، وأن أجد على طاولتي
في المقهى أو في المكتب، بدل كومة الصحف والمجلات، كومة من الجزر والفصة.
شكراً مرة أخرى للثورة العربية الظافرة.
ترى! إذا ما دُعيت إلى حفلة تعارف بين صحفيين وكتاب ومراسيلن أجانب،
فكيف سيقدمني عريف الحفلة إليهم؟ أيقول لهم: أقدم لكم الأرنب فلان ليحدثكم
عن معارك العرب وانتصاراتهم على الاستعمار والإمبريالية والصهيونية في
المستقبل؟
أنا متشائم ومتطيّر، فلا يأخذنّ أحد بكلامي.
ثم إنني مريض، فكلما سعلت انبثقت عشرون حبة أسبرين من أنفي. وكلما قرأت خبراً وضربت على صدري طلعت منه ألف علبة مارلبورو مهرّب.
وإن شاء الله تُحرّر فلسطين وتُستعاد الأندلس. وتطبّق الاشتراكية وتحقّق العدالة في المنطقة والعالم كله.
فإن كل ما أريده منها ومن جميع الأحزاب والقوى في الوطن العربي أن يتقدم بي العمر بأقصى سرعة.»
هذه هي روح محمد الماغوط المتمردة، التي تسبح ضد التيار، روحه الساخرة
التي تهدمن كل اليقينيات، إنه رجل خطير «على الأمن العام» للناس الوديعين
الطيبين، وللهانئين بأوضاعهم، ومن بين كلماته تلتمع تلك الشرارة من الوهج
الذي يدمي، ويولد الإحساس بالسخرية من كل اليقينيات الكبيرة.
أصدقاؤه في مجلة «شعر» يتحدثون عنه، باعتباره صاحب مزاج، وشاعرا
فلاحا، لم تفارقه بداوته، هو المنحدر من قرية السلمية في حماة، إنه يشبك
ديك الجن الحموي، وفي شعره نجد آثارا من سخرية هذا الشاعر البدوي الهجاء.
وحين كان في لبنان، كان المجتمع البيروتي يقرفه، وحين كان يوسف الخال
وأدونيس وخليل حاوي وأنسي الحاج يتناقشون ويحتدون ويقضون الليل كله في
التخطيط لمصير الشعر ولمصير حركتهم الأدبية، كان الماغوط يجلس صامتا يدخن،
أو ينسل إلى المطبخ، حيث يمتع بطنه بالأكل الجيد.
هذا هو الماغوط الساخر الكبير من الأنظمة العربية ومن الأحزاب
اليسارية والقومية ومن الناس، والذي لا يحلم إلا أحلاما صغيرة «قروية» في
الوقت الذي ينشغل فيه الأصدقاء بالأفكار الكبيرة «العظيمة» التي تريد
تغيير «وجه البشرية». ولم يتوان الماغوط في الصراخ بأعلى صوته «سأخون
وطني».
يكتب عنه الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين: «لم يبدأ محمد
الماغوط بنشر قصائده في مجلة شعر، إلا ابتداءً من السنة الثانية لصدورها
في يناير 1958، في العدد الخامس، فهو نشر في هذا العدد قصيدته «حزن في ضوء
القمر»، وفيها يظهر، وللمرة الأولى في تاريخ الشعر العربي القديم والحديث
معاً، وكأنه قائد مركب متشرّد في تيّار وحشي، في مغامرة غير مسبوقة في
الكتابة، يدخلها الماغوط بلا اعتداد نظري أو تنظيري، وبسلاح وحيد هو نصّه
العاري، يقول الماغوط في تلك القصيدة: إني ألمح آثار أقدامٍ على قلبي،
ويقول في قصيدة (الخطوات الذهبية): آه كم أودّ أن أكون عبداً حقيقيّاً/
بلا حُبّ ولا مال ولا وطن، وفي العدد الثاني من العام الثاني لمجلة (شعر)
(ربيع 1958) ينشر الماغوط قصيدته (القتل) وفيها يقول: «ضع قدمك الحجريّة
على قلبي يا سيدي/ الجريمة تضرب باب القفص/ والخوف يصدح كالكروان، نجد
أنفسنا في نصوص الماغوط أمام كهرباء تهزّ الكيان بكامله وهي جديدة، كاسرة
(وإن مكسورة)، غير طالعة من مناطق ثقافية أو قراءات سابقة، بل منبثقة مثل
نبع مفاجئ في دَغَل» وتحمل في أحشائها موسيقاها البكر العظيمة‚ لذلك لا
يمكن أن يكون تجاهها سؤال: أين الوزن والقافية؟ لم يستطع أحد أن يطرح على
الماغوط أسئلة حول شعريّة نصوصه‚ فهي قصائد بقوتها الداخلية‚ كما أنّ
قراءتها لا تذكرنا بنصوص أخرى مشابهة في الشعر الغربي (الفرنسي أو
الأمريكي/ الانجليزي) أو في الشعر العربي «ولا ريب في أنها تكوّنت في
سويداء صاحبها من تجربة حياتيّة قاسية، مباشرة، وفي أماكن ما قبل اللغة،
قائمة في رعونة التجربة، ومتكوّنة في الدم والطمث والوحل ذاته للحياة،
فانبثقت من هناك كما تنبثق زهرة من الوحل أو الصخر، والحليب من دم وطمث
الحيوان».
قصيدة «تبغ وشوارع»
شعركِ الذي كان ينبضُ على وسادتي
كشلالٍ من العصافير
يلهو على وساداتٍ غريبه
يخونني يا ليلى
فلن أشتري له الأمشاط المذهبّه بعد الآن
سامحيني أنا فقيرٌ يا جميله
حياتي حبرٌ ومغلفاتٌ وليل بلا نجوم
شبابي باردٌ كالوحل
عتيقٌ كالطفوله
طفولتي يا ليلى.. ألا تذكرينها
كنت مهرجاً ..
أبيع البطالة والتثاؤبَ أمام الدكاكين
ألعبُ الدّحل
وآكل الخبز في الطريق
وكان أبي، لا يحبني كثيراً، يضربني على قفاي كالجارية
ويشتمني في السوق
وبين المنازل المتسلخةِ كأيدي الفقراء
ككل طفولتي
ضائعاً.. ضائعاً
أشتهي منضدةً وسفينة.. لأستريح
لأبعثر قلبي طعاماً على الورق
...
في البساتين الموحله.. كنت أنظمُ الشعر يا ليلى
وبعد الغروب
أهجر بيتي في عيون الصنوبر
يموت.. يشهق بالحبر
وأجلسُ وحيداً مع الليل والسعال الخافت داخل الأكواخ
مع سحابة من النرجس البرّي
تنفض دموعها في سلال العشبِ المتهادية
على النهر
هدية لباعة الكستناء
والعاطلين عن العمل على جسر فكتوريا .
. . .
هذا الجسرُ لم أره من شهورٍ يا ليلى
ولا أنت تنتظرينني كوردةٍ في الهجير
سامحيني.. أنا فقيرٌ وظمآن
أنا إنسانُ تبغٍ وشوارع وأسمال .
محمد الماغوط
قراءة وإعداد- حكيم عنكر
المساء
26/9/2008
بيانا في الكتابة: «إنني لست معارضاً لهذا النظام أو ذاك، ولا أنتمي لأي
حزب أو تنظيم أو جمعية أو ناد حتى إلى النادي السينمائي، ومع ذلك فالخوف
يسيل من قلمي وأصابعي وأهدابي كما يسيل الحليب الفائض من ضرع الماشية
العائدة إلى المرعى.
الخوف من التأييد ومن المعارضة. الخوف من الاشتراكية ومن الرأسمالية.
من الرفض ومن الاعتدال. من النجاح ومن الفشل. من قدوم الليل ومن قدوم
النهار.
حتى لأتوقع بين ليلة وأخرى أن أستيقظ ذات صباح فأكتشف، وأنا أحلق
ذقني أمام المرآة، أن شفتي العليا مشقوقة كشفة الأرنب، وأن أجد على طاولتي
في المقهى أو في المكتب، بدل كومة الصحف والمجلات، كومة من الجزر والفصة.
شكراً مرة أخرى للثورة العربية الظافرة.
ترى! إذا ما دُعيت إلى حفلة تعارف بين صحفيين وكتاب ومراسيلن أجانب،
فكيف سيقدمني عريف الحفلة إليهم؟ أيقول لهم: أقدم لكم الأرنب فلان ليحدثكم
عن معارك العرب وانتصاراتهم على الاستعمار والإمبريالية والصهيونية في
المستقبل؟
أنا متشائم ومتطيّر، فلا يأخذنّ أحد بكلامي.
ثم إنني مريض، فكلما سعلت انبثقت عشرون حبة أسبرين من أنفي. وكلما قرأت خبراً وضربت على صدري طلعت منه ألف علبة مارلبورو مهرّب.
وإن شاء الله تُحرّر فلسطين وتُستعاد الأندلس. وتطبّق الاشتراكية وتحقّق العدالة في المنطقة والعالم كله.
فإن كل ما أريده منها ومن جميع الأحزاب والقوى في الوطن العربي أن يتقدم بي العمر بأقصى سرعة.»
هذه هي روح محمد الماغوط المتمردة، التي تسبح ضد التيار، روحه الساخرة
التي تهدمن كل اليقينيات، إنه رجل خطير «على الأمن العام» للناس الوديعين
الطيبين، وللهانئين بأوضاعهم، ومن بين كلماته تلتمع تلك الشرارة من الوهج
الذي يدمي، ويولد الإحساس بالسخرية من كل اليقينيات الكبيرة.
أصدقاؤه في مجلة «شعر» يتحدثون عنه، باعتباره صاحب مزاج، وشاعرا
فلاحا، لم تفارقه بداوته، هو المنحدر من قرية السلمية في حماة، إنه يشبك
ديك الجن الحموي، وفي شعره نجد آثارا من سخرية هذا الشاعر البدوي الهجاء.
وحين كان في لبنان، كان المجتمع البيروتي يقرفه، وحين كان يوسف الخال
وأدونيس وخليل حاوي وأنسي الحاج يتناقشون ويحتدون ويقضون الليل كله في
التخطيط لمصير الشعر ولمصير حركتهم الأدبية، كان الماغوط يجلس صامتا يدخن،
أو ينسل إلى المطبخ، حيث يمتع بطنه بالأكل الجيد.
هذا هو الماغوط الساخر الكبير من الأنظمة العربية ومن الأحزاب
اليسارية والقومية ومن الناس، والذي لا يحلم إلا أحلاما صغيرة «قروية» في
الوقت الذي ينشغل فيه الأصدقاء بالأفكار الكبيرة «العظيمة» التي تريد
تغيير «وجه البشرية». ولم يتوان الماغوط في الصراخ بأعلى صوته «سأخون
وطني».
يكتب عنه الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين: «لم يبدأ محمد
الماغوط بنشر قصائده في مجلة شعر، إلا ابتداءً من السنة الثانية لصدورها
في يناير 1958، في العدد الخامس، فهو نشر في هذا العدد قصيدته «حزن في ضوء
القمر»، وفيها يظهر، وللمرة الأولى في تاريخ الشعر العربي القديم والحديث
معاً، وكأنه قائد مركب متشرّد في تيّار وحشي، في مغامرة غير مسبوقة في
الكتابة، يدخلها الماغوط بلا اعتداد نظري أو تنظيري، وبسلاح وحيد هو نصّه
العاري، يقول الماغوط في تلك القصيدة: إني ألمح آثار أقدامٍ على قلبي،
ويقول في قصيدة (الخطوات الذهبية): آه كم أودّ أن أكون عبداً حقيقيّاً/
بلا حُبّ ولا مال ولا وطن، وفي العدد الثاني من العام الثاني لمجلة (شعر)
(ربيع 1958) ينشر الماغوط قصيدته (القتل) وفيها يقول: «ضع قدمك الحجريّة
على قلبي يا سيدي/ الجريمة تضرب باب القفص/ والخوف يصدح كالكروان، نجد
أنفسنا في نصوص الماغوط أمام كهرباء تهزّ الكيان بكامله وهي جديدة، كاسرة
(وإن مكسورة)، غير طالعة من مناطق ثقافية أو قراءات سابقة، بل منبثقة مثل
نبع مفاجئ في دَغَل» وتحمل في أحشائها موسيقاها البكر العظيمة‚ لذلك لا
يمكن أن يكون تجاهها سؤال: أين الوزن والقافية؟ لم يستطع أحد أن يطرح على
الماغوط أسئلة حول شعريّة نصوصه‚ فهي قصائد بقوتها الداخلية‚ كما أنّ
قراءتها لا تذكرنا بنصوص أخرى مشابهة في الشعر الغربي (الفرنسي أو
الأمريكي/ الانجليزي) أو في الشعر العربي «ولا ريب في أنها تكوّنت في
سويداء صاحبها من تجربة حياتيّة قاسية، مباشرة، وفي أماكن ما قبل اللغة،
قائمة في رعونة التجربة، ومتكوّنة في الدم والطمث والوحل ذاته للحياة،
فانبثقت من هناك كما تنبثق زهرة من الوحل أو الصخر، والحليب من دم وطمث
الحيوان».
قصيدة «تبغ وشوارع»
شعركِ الذي كان ينبضُ على وسادتي
كشلالٍ من العصافير
يلهو على وساداتٍ غريبه
يخونني يا ليلى
فلن أشتري له الأمشاط المذهبّه بعد الآن
سامحيني أنا فقيرٌ يا جميله
حياتي حبرٌ ومغلفاتٌ وليل بلا نجوم
شبابي باردٌ كالوحل
عتيقٌ كالطفوله
طفولتي يا ليلى.. ألا تذكرينها
كنت مهرجاً ..
أبيع البطالة والتثاؤبَ أمام الدكاكين
ألعبُ الدّحل
وآكل الخبز في الطريق
وكان أبي، لا يحبني كثيراً، يضربني على قفاي كالجارية
ويشتمني في السوق
وبين المنازل المتسلخةِ كأيدي الفقراء
ككل طفولتي
ضائعاً.. ضائعاً
أشتهي منضدةً وسفينة.. لأستريح
لأبعثر قلبي طعاماً على الورق
...
في البساتين الموحله.. كنت أنظمُ الشعر يا ليلى
وبعد الغروب
أهجر بيتي في عيون الصنوبر
يموت.. يشهق بالحبر
وأجلسُ وحيداً مع الليل والسعال الخافت داخل الأكواخ
مع سحابة من النرجس البرّي
تنفض دموعها في سلال العشبِ المتهادية
على النهر
هدية لباعة الكستناء
والعاطلين عن العمل على جسر فكتوريا .
. . .
هذا الجسرُ لم أره من شهورٍ يا ليلى
ولا أنت تنتظرينني كوردةٍ في الهجير
سامحيني.. أنا فقيرٌ وظمآن
أنا إنسانُ تبغٍ وشوارع وأسمال .
محمد الماغوط
قراءة وإعداد- حكيم عنكر
المساء
26/9/2008
ربيع- عدد الرسائل : 1432
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 04/07/2008
رد: قصائد اشعلت حروبا سياسية
عبد الله الودان أحد المناضلين اليساريين لم تكن له أعمال حتى يشتهر بها وإنما كان يكتب في سرية وأعماله تداولت في سريه اغتيل بفرنسا بضواحي باريس في ظروف غامضة هذا كل ما أعرف أختي خديجه عن صاحب البالة والفاس..................................................................تحياتي
رد: قصائد اشعلت حروبا سياسية
هذا ما توصلت اليه بعد الضغط على الرابط
Attention!
Downloading is currently impossible because your IP address 41.251.3.192
a direct download-link is intended solely for IP addresses 196.12.225.41
Please, get a new download-link
If you consider this to be a mistake, please send the following message to our support department.IP addresses are different
username:
url:
document.write(self.location.href)
http://nguest165.depositfiles.com/auth-381222720117_196.12.225.41-0ad659f5-262644316-guest/8331715/FS165-1/kamal7assan_bf.mp3<current download link>
ip: 41.251.3.192
Attention!
Downloading is currently impossible because your IP address 41.251.3.192
a direct download-link is intended solely for IP addresses 196.12.225.41
Please, get a new download-link
If you consider this to be a mistake, please send the following message to our support department.IP addresses are different
username:
url:
document.write(self.location.href)
http://nguest165.depositfiles.com/auth-381222720117_196.12.225.41-0ad659f5-262644316-guest/8331715/FS165-1/kamal7assan_bf.mp3<current download link>
ip: 41.251.3.192
رحمة- عدد الرسائل : 147
العمر : 37
Localisation : قلعة السراغنة
Emploi : موظفة في القطاع العام
تاريخ التسجيل : 01/01/2008
محمد الماغوط تساءل عماذا يفعل بحصته في فلسطين
بدون شك قاد محمد الماغوط تجربة مميزة في الكتابة، وبالأخص في أعماله
الشعرية خارج النظرة المعيارية للشعر العربي، فكان أن انتمى مباشرة إلى
تجربة قصيدة النثر، وكان يكتب شعرا صافيا بدون قيود وبشجاعة كبيرة، ستجعله
عراب التجارب العربية في قصيدة النثر.
يكتب الماغوط بكل سهولة، وهي سهولة متمنعة، لا تتأتى لغيره، والذين
سلكوا طريقه نسوا أن الرجل حياة كاملة صاخبة، وأن الشعر بالنسبة إليه لم
يكن إلا نوعا من تزجية الوقت ومداراة القرف.
يكتب عن نظرته إلى القصيدة وإلى الشعر: «أريد أن ألغي المسافة بين
هذه التصنيفات: النثر، الشعر، المقالة. كلها عندي نصوص. إذا قلت عني لست
بشاعر، لن أزعل، لن تهتز بي شعرة. الموسيقى في أشعاري موجودة ضمن النص.
علاقة الكلمات بعضها ببعض في النص مثل علاقة الأخ بأخته، هما نائمان على
فراش واحد، أي حركة منه أو منها لها تفسير. علاقة الكلمات بعضها ببعض
كالحب الحرام، في القصيدة يجب ألا تكون هناك أي إشارة خاطئة من هذا النوع.
هذه هي الموسيقى. كل كلمة في اللغة العربية هي كلمة شعرية، حتى الجيفة،
حتى البراز، المهم أن تعرف كيف تضعها في النص. المهم أن أكون صادقا، أن
يكون ما أكتبه جميلا. كل قطعة أكتبها، أبيضها عشرات المرات قبل النشر
مدققا في كل حرف. أحيانا أبقى يومين أسأل نفسي أيهما أفضل وأقوى وأصح في
هذه الجملة.
أحب واو العطف، لكني أحب كاف التشبيه أكثر، خصوصا في المقالة. منذ
أيام بيروت جعلت من صور كاف التشبيه مرآوية على عكس المتعارف عليه:
كامرأتين دافئتين كليلة طويلة على صدر أنثى أنت يا وطني. عدم معرفتي
باللغات الأجنبية أراحني من الثقافة.
تعرفت على سنية لأول مرة عند أدونيس، خالدة في بيروت. هي الحب
الوحيد. نقيض الإرهاب، نقيض الكراهية. عاشت معي الفترة الصعبة، أحملها في
داخلي دائما. عاطفتي شموس، هي ليست مطواعة. كل ما أكتبه فيه شيء من
السلمية، فيه شيء من الشام، فيه شيء من بيروت، فيه شيء من سنية. سنية أكبر
من مدينة، إنها كون. بعد موتها صار حبها يشبه حب السلمية، ثمرة عشر سنين،
لا تراها لكنك تظل تتذكرها. يستحيل أن يمضي يوم دون أن أذكر السلمية أو
أذكر بيروت».
في مقام آخر يكتب عنه ابن بلده محيي الدين اللاذقاني: «بعد خروجه من
الإبرة يظن الخيط أنه هو الذي ثقبها، وبعد مغادرتنا للأمكنة التي نحب
نكتشف أنها لم تغادرنا وأننا ثقبنا بفراقها دون أن نبرحها، ولم يكن في
الشعر الإنساني كله أرشق من كافافيس، وهو يعبر في «اسكندرياته» عن ذلك
المغزى العميق لأمكنة تتغلغل فيها أرواحنا وتأبى ـ وإن غادرتها ـ أن
تفارقها. لقد كانت «سلمية» السورية في شعر محمد الماغوط قبل ثلاثين عاماً
ونيف، آخر دمعة ذرفها الرومان على أسير فك قيوده بأسنانه، وها هي تعود
اليوم في شعر أسامة الماغوط على شكل قبيلة آسرة تظن أنك خلعتها فتلبسك
عباءة تحت الجلد وليس فوقه وهنا خطورتها.
ها أنت عار من كل قبيلتك إن أردت تدنو من الخيمة التي تريد معك رجولة ترفعها كساريةلكن حين تخرج سأراك تجتر قصة عن أبيك
أو تبحث في الرمل عن صلاة الأم البعيدة
ولم ينس الماغوط الصغير أن يستلف من الماغوط الكبير عبارته المضيئة في
الحنين إلى سلمية «إنني راحل وقلبي راجع مع دخان القطار» وبهذه العبارة
استدعى المقارنة بين سلميته، وسلمية محمد الماغوط وسلمية صاحب الناقة
القرمطي الذي دمرها ليتخلص من حبها، وما استطاع إلى الفكاك منها سبيلا،
فسلمية واحة من العيون الخضر على كتف صحراء عطشى، ولا شيء يغري المخيلة
مثل تجاور العطش والري وصراعهما قبل استسلام أحدهما.
مقاطع من «شذرية»
حافة القبعة، تؤثر في رأس بوش الابن والأب
والعم والخال والخالة،
أكثر مما تؤثر فيه كل المهرجانات
والمسرحيات والمعلقات العربية، المعاصرة والجاهلية.
***
إنني أسمع بالعلق، ولكنني لم أره في حياتي!
من يمص دمي إذا؟!
***
لا تنحن لأحد مهما كان الأمر ضروريا
فقد لا تؤاتيك الفرصة لتنتصب مرة أخرى
مهما كان الأمر ضروريا
***
لماذا تنكيس الأعلام العربية فوق الدوائر الرسمية،
و السفارات، والقنصليات في الخارج، عند كل مصاب؟
إنها دائما منكسة!
***
قد تحترق وتتصحر كل الغابات والأدغال في العالم
إلا الغابات والأدغال التي يعيش فيها المواطن العربي
***
هل أبكي بدموع فوسفورية
حتى يعرف شعبي كم أتألم من أجله؟؟
***
خمسون عاما وأنا أترنح، ولم أسقط حتى الآن
ولم يهزمني القدر، إلا بالنقاط، والضربات الترجيحية!!
***
اتفقوا على توحيد الله وتقسيم الأوطان
***
كل السيول والفيضانات تبدأ بقطرات تتجمع من هنا وهناك،
إلا عند العرب
يكون عندنا سيول وفيضانات وتنتهي بقطرات تتفرق هنا وهناك
***
أخي السائق: لا تستعمل الزمور إلا في فترة الامتحانات
أو التحضير لها
***
الكل متفقون على بيع كل شيء، ولكنهم مختلفون على الأسعار!
ماذا أفعل بحصتي من فلسطين؟
هل أشتري بها شهادة استثمار؟؟
المساء
30/9/2008
حكيم عنكر
الشعرية خارج النظرة المعيارية للشعر العربي، فكان أن انتمى مباشرة إلى
تجربة قصيدة النثر، وكان يكتب شعرا صافيا بدون قيود وبشجاعة كبيرة، ستجعله
عراب التجارب العربية في قصيدة النثر.
يكتب الماغوط بكل سهولة، وهي سهولة متمنعة، لا تتأتى لغيره، والذين
سلكوا طريقه نسوا أن الرجل حياة كاملة صاخبة، وأن الشعر بالنسبة إليه لم
يكن إلا نوعا من تزجية الوقت ومداراة القرف.
يكتب عن نظرته إلى القصيدة وإلى الشعر: «أريد أن ألغي المسافة بين
هذه التصنيفات: النثر، الشعر، المقالة. كلها عندي نصوص. إذا قلت عني لست
بشاعر، لن أزعل، لن تهتز بي شعرة. الموسيقى في أشعاري موجودة ضمن النص.
علاقة الكلمات بعضها ببعض في النص مثل علاقة الأخ بأخته، هما نائمان على
فراش واحد، أي حركة منه أو منها لها تفسير. علاقة الكلمات بعضها ببعض
كالحب الحرام، في القصيدة يجب ألا تكون هناك أي إشارة خاطئة من هذا النوع.
هذه هي الموسيقى. كل كلمة في اللغة العربية هي كلمة شعرية، حتى الجيفة،
حتى البراز، المهم أن تعرف كيف تضعها في النص. المهم أن أكون صادقا، أن
يكون ما أكتبه جميلا. كل قطعة أكتبها، أبيضها عشرات المرات قبل النشر
مدققا في كل حرف. أحيانا أبقى يومين أسأل نفسي أيهما أفضل وأقوى وأصح في
هذه الجملة.
أحب واو العطف، لكني أحب كاف التشبيه أكثر، خصوصا في المقالة. منذ
أيام بيروت جعلت من صور كاف التشبيه مرآوية على عكس المتعارف عليه:
كامرأتين دافئتين كليلة طويلة على صدر أنثى أنت يا وطني. عدم معرفتي
باللغات الأجنبية أراحني من الثقافة.
تعرفت على سنية لأول مرة عند أدونيس، خالدة في بيروت. هي الحب
الوحيد. نقيض الإرهاب، نقيض الكراهية. عاشت معي الفترة الصعبة، أحملها في
داخلي دائما. عاطفتي شموس، هي ليست مطواعة. كل ما أكتبه فيه شيء من
السلمية، فيه شيء من الشام، فيه شيء من بيروت، فيه شيء من سنية. سنية أكبر
من مدينة، إنها كون. بعد موتها صار حبها يشبه حب السلمية، ثمرة عشر سنين،
لا تراها لكنك تظل تتذكرها. يستحيل أن يمضي يوم دون أن أذكر السلمية أو
أذكر بيروت».
في مقام آخر يكتب عنه ابن بلده محيي الدين اللاذقاني: «بعد خروجه من
الإبرة يظن الخيط أنه هو الذي ثقبها، وبعد مغادرتنا للأمكنة التي نحب
نكتشف أنها لم تغادرنا وأننا ثقبنا بفراقها دون أن نبرحها، ولم يكن في
الشعر الإنساني كله أرشق من كافافيس، وهو يعبر في «اسكندرياته» عن ذلك
المغزى العميق لأمكنة تتغلغل فيها أرواحنا وتأبى ـ وإن غادرتها ـ أن
تفارقها. لقد كانت «سلمية» السورية في شعر محمد الماغوط قبل ثلاثين عاماً
ونيف، آخر دمعة ذرفها الرومان على أسير فك قيوده بأسنانه، وها هي تعود
اليوم في شعر أسامة الماغوط على شكل قبيلة آسرة تظن أنك خلعتها فتلبسك
عباءة تحت الجلد وليس فوقه وهنا خطورتها.
ها أنت عار من كل قبيلتك إن أردت تدنو من الخيمة التي تريد معك رجولة ترفعها كساريةلكن حين تخرج سأراك تجتر قصة عن أبيك
أو تبحث في الرمل عن صلاة الأم البعيدة
ولم ينس الماغوط الصغير أن يستلف من الماغوط الكبير عبارته المضيئة في
الحنين إلى سلمية «إنني راحل وقلبي راجع مع دخان القطار» وبهذه العبارة
استدعى المقارنة بين سلميته، وسلمية محمد الماغوط وسلمية صاحب الناقة
القرمطي الذي دمرها ليتخلص من حبها، وما استطاع إلى الفكاك منها سبيلا،
فسلمية واحة من العيون الخضر على كتف صحراء عطشى، ولا شيء يغري المخيلة
مثل تجاور العطش والري وصراعهما قبل استسلام أحدهما.
مقاطع من «شذرية»
حافة القبعة، تؤثر في رأس بوش الابن والأب
والعم والخال والخالة،
أكثر مما تؤثر فيه كل المهرجانات
والمسرحيات والمعلقات العربية، المعاصرة والجاهلية.
***
إنني أسمع بالعلق، ولكنني لم أره في حياتي!
من يمص دمي إذا؟!
***
لا تنحن لأحد مهما كان الأمر ضروريا
فقد لا تؤاتيك الفرصة لتنتصب مرة أخرى
مهما كان الأمر ضروريا
***
لماذا تنكيس الأعلام العربية فوق الدوائر الرسمية،
و السفارات، والقنصليات في الخارج، عند كل مصاب؟
إنها دائما منكسة!
***
قد تحترق وتتصحر كل الغابات والأدغال في العالم
إلا الغابات والأدغال التي يعيش فيها المواطن العربي
***
هل أبكي بدموع فوسفورية
حتى يعرف شعبي كم أتألم من أجله؟؟
***
خمسون عاما وأنا أترنح، ولم أسقط حتى الآن
ولم يهزمني القدر، إلا بالنقاط، والضربات الترجيحية!!
***
اتفقوا على توحيد الله وتقسيم الأوطان
***
كل السيول والفيضانات تبدأ بقطرات تتجمع من هنا وهناك،
إلا عند العرب
يكون عندنا سيول وفيضانات وتنتهي بقطرات تتفرق هنا وهناك
***
أخي السائق: لا تستعمل الزمور إلا في فترة الامتحانات
أو التحضير لها
***
الكل متفقون على بيع كل شيء، ولكنهم مختلفون على الأسعار!
ماذا أفعل بحصتي من فلسطين؟
هل أشتري بها شهادة استثمار؟؟
المساء
30/9/2008
حكيم عنكر
ربيع- عدد الرسائل : 1432
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 04/07/2008
محمد الماغوط اعتبر تعلم اللغة وإتقانها بطولة وطنية
نختم هذه الجولة الرمضانية في ذاكرتنا الشعرية العربية مع «قصائد كان لها وقع سياسي» بالحلقة الأخيرة مع الشاعر السوري الكبير محمد الماغوط.
وقبل ذلك أحب أن أقول إن هذه الحلقات هي في النهاية، تمهيد أو تدريب لقراءة الشعر على ضوء السياق الاجتماعي والسياسي الذي ولد فيه.
ولقد كان حريا بي أن أفتح نافذة مماثلة على الشعر المغربي وتقاطعاته السياسية والاجتماعية، وإن كنا لا نجد إلا القليل من النصوص التي خاضت معركة الحرية، ربما تتاح الفرصة لا حقا كي نعيد بناء مسار الحرية في النص الشعري المغربي الحديث.
وإذ أقول للقارئ: إلى رمضان قادم إن شاء الله، فإني أحب أن أختم بوجهات نظر أساسية لمحمد الماغوط في الشعر وفي الكتابة وفي الحياة، لقد كان الرجل شجاعا حقيقة.
يقول: الكتابة أو الشعر كما أتصورهما أو كما أمارسهما ليسا ردود أفعال آنية وليسا رغبات أو أمنيات من خلال النافذة أو من وراء المكتب، الشعر بالنسبة لي هو حاجة داخلية مثل التنفس، وقد لا تثيرني حرب ضروس ولا تحرك بي ساكنا أو تدفعني لكتابة كلمة، وبالمقابل فإن سماع أغنية من النافذة، أو سعال إنسان ما في آخر الليل، قد يفجر بي ما لم تفجره الحروب الدامية، وقد أصبح من المؤكد أن لكل إنسان منا مخزون من الأمراض التي لم تكتشف في الطفولة وإنما اكتشفت وظهرت أعراضها فيما بعد، مشكلتي أنني كنت اشعر دائما بهذه الأعراض، وأفضحها بينما كان الآخرون يرون الظاهر، البسمة الصفراء، والثياب الزاهية، كنت أرى أعمق وأبعد من هذا الديكور الخارجي، فالحزن ليس صفة، الحزن هو حياتنا، وأتحدى أن يتجرأ أحد الآن ويقول إننا سعداء كتابا كنا أم قراء .. ما يثيرني هو الألم.. ألم الإنسان، وهموم الإنسانية جمعاء .
أنا كاتب أعشق اللغة العربية ومهووس بها، وكما يوجد أناس لديهم وسواس من النظافة أو البرد أو من الحر، فانا موسوس أيضا، ووسواسي هو إتقان التعبير، الشعر والفن والبطولة والوطنية كل هذه القيم هي تعبير عن شيء ما فكلما كان هذا التعبير جديدا أو مبتكرا كلما كانت الكلمة الشعرية أكثر وضوحا وأكثر خلودا، فالتعبير حالة عجيبة، وحتى البطل إذا لم يعرف كيف يعبر عن بطولته فقد يتهم بأنه جبان وأنه يرتكب حماقات الجبان، وقد يكون الإنسان كريما جدا ولكن فشله بالتعبير عن كرمه قد يؤدي به إلى ما هو أسوأ من البخل،، فالتعامل مع الكلمة هو جوهر الإبداع الشعري وهناك قول لسعيد تقي الدين ينطبق على الشاعر وعلى غيره يقول : يأتيك إنسان فيروي لك قصة صغيرة حدثت معه فعلا فيجعلك تنام، ويأتي إنسان آخر ويروي لك القصة نفسها بحذافيرها فيجعلك متيقظا ومتحفزا ومستعدا لسماعها أكثر من مرة وهذا هو جوهر الأدب .
وعن علاقته بزوجته الشاعرة الراحلة سنية صالح يقول «لم أزر قبرها في مقبرة «الست زينب» إلا مرة واحدة. خالدة سعيد قالت للبنات عندما سألوها لماذا لا نذهب لزيارة قبر ماما: ماما فيكم، أنتم لجه ماما. أنا عاطفي جدا. كلمة واحدة في حوار، أغنية جميله قد تبكيني. لكن عشرين جنازة لا تحرك في شيئآ. أشعر أن جسدي في غروب. أكره الشيخوخة، أكره جسدي. إنه حقير، تافه. عندي الكثير لأعطيه لكن جسدي لا يلبيني، أما العقل فصاف. لم يعد هناك من علاقة حميمية بين جسدي و عقلي. لم أراع جسدي، كل ما يمكن أن يمارسه الشاب شط من سكر، جنس، عربدة، مارسته باكرا، بغزارة، ها هو جسدي ينتقم مني رويدا رويدا. يدي التي أكتب بها القصائد، قد يمر شهران دون أن أتنبه لاستطالة أظافرها، أو لورم فيها.
الويسكي كالشاعر، لا هوية له ولا وطن. زجاجة الويسكي حبيبتي. أدخن منذ كان عمري سبع سنوات. كنت أدخن في البداية أعقاب السجائر الملقاة على الطرق. السيجارة قاتلة بالنسبة لي بسبب مرض نقص التروية، لكنني لا أستطيع مفارقتها. أستيقظ في الليل من أجل أن أدخن سيجارة.
أتعاطف مع الشيعة لأن عندهم اجتهادا في الدين. أحب الله، أخاف منه، لكنني لا أحب أن أتكلم في الغيبيات. أخاف الموت أحيانا، أو بالأحرى أخاف ما يسبق الموت... المرض، أن لا أستطيع!المشي أو الجلوس. لم أذهب إلى السلمية منذ 13 عاما. قد أعود إذا مرضت كثيرا، تعبت. مكان الدفن، شكليات الموت لا تعني لي شيئآ، كذلك هي شكليات الحياة. كتبت على قبر سنية «هنا ترقد الشاعرة سنية صالح آخر طفلة في العالم»، لأميز قبرها عن الآخرين. وكيف سنميز قبرك، شاعرنا الكبير، ! محمد الماغوط؟
مقاطع من «ليتني حصاة»
ليتني حصاة ملوّنة على الرصيف
أو أغنية طويلة في الزقاق
هناك في تجويف من الوحل الأملس (...)
ليتني وردة جورية في حديقة ما
يقطفني شاعر كئيب في أواخر النهار
أو حانة من الخشب الأحمر
يرتادها المطر والغرباء (...)
أشتهي أن أقبّل طفلاً صغيراً في باب توما
ومن شفتيه الورديتين،
تنبعث رائحة الثدي الذي أرضعه،
فأنا ما زلت وحيداً وقاسياً
أنا غريب يا أمّي.
******
الوشم
الآن
في الساعة الثالثة من القرن العشرين
حيث لا شيء
يفصل جثثَ الموتى عن أحذيةِ المارة
سوى الإسفلت
سأتكئ في عرضِ الشارع كشيوخ البدو
ولن أنهض
حتى تجمع كل قضبان السجون وإضبارات المشبوهين
في العالم
وتوضع أمامي
لألوكها كالجمل على قارعة الطريق..
حتى تفرَّ كلُّ هراواتِ الشرطة والمتظاهرين
من قبضات أصحابها
وتعود أغصاناً مزهرة (مرةً أخرى)
في غاباتها
أضحك في الظلام
أبكي في الظلام
أكتبُ في الظلام
حتى لم أعدْ أميّز قلمي من أصابعي
كلما قُرعَ بابٌ أو تحرَّكتْ ستاره
سترتُ أوراقي بيدي
كبغيٍّ ساعةَ المداهمة
من أورثني هذا الهلع
هذا الدم المذعور كالفهد الجبليّ
ما إن أرى ورقةً رسميةً على عتبة
أو قبعةً من فرجة باب
حتى تصطكّ عظامي ودموعي ببعضها
ويفرّ دمي مذعوراً في كل اتجاه
كأن مفرزةً أبديةً من شرطة السلالات
تطارده من شريان إلى شريان
آه يا حبيبتي
عبثاً أستردُّ شجاعتي وبأسي
المأساة ليست هنا
في السوط أو المكتب أو صفارات الإنذار
إنها هناك
في المهد.. في الرَّحم
فأنا قطعاً
ما كنت مربوطاً إلى رحمي بحبل سرّه
بل بحبل مشنقة بحب
من (الفرح لي مهنتي)
ءة وإعداد- حكيم عنكر
وقبل ذلك أحب أن أقول إن هذه الحلقات هي في النهاية، تمهيد أو تدريب لقراءة الشعر على ضوء السياق الاجتماعي والسياسي الذي ولد فيه.
ولقد كان حريا بي أن أفتح نافذة مماثلة على الشعر المغربي وتقاطعاته السياسية والاجتماعية، وإن كنا لا نجد إلا القليل من النصوص التي خاضت معركة الحرية، ربما تتاح الفرصة لا حقا كي نعيد بناء مسار الحرية في النص الشعري المغربي الحديث.
وإذ أقول للقارئ: إلى رمضان قادم إن شاء الله، فإني أحب أن أختم بوجهات نظر أساسية لمحمد الماغوط في الشعر وفي الكتابة وفي الحياة، لقد كان الرجل شجاعا حقيقة.
يقول: الكتابة أو الشعر كما أتصورهما أو كما أمارسهما ليسا ردود أفعال آنية وليسا رغبات أو أمنيات من خلال النافذة أو من وراء المكتب، الشعر بالنسبة لي هو حاجة داخلية مثل التنفس، وقد لا تثيرني حرب ضروس ولا تحرك بي ساكنا أو تدفعني لكتابة كلمة، وبالمقابل فإن سماع أغنية من النافذة، أو سعال إنسان ما في آخر الليل، قد يفجر بي ما لم تفجره الحروب الدامية، وقد أصبح من المؤكد أن لكل إنسان منا مخزون من الأمراض التي لم تكتشف في الطفولة وإنما اكتشفت وظهرت أعراضها فيما بعد، مشكلتي أنني كنت اشعر دائما بهذه الأعراض، وأفضحها بينما كان الآخرون يرون الظاهر، البسمة الصفراء، والثياب الزاهية، كنت أرى أعمق وأبعد من هذا الديكور الخارجي، فالحزن ليس صفة، الحزن هو حياتنا، وأتحدى أن يتجرأ أحد الآن ويقول إننا سعداء كتابا كنا أم قراء .. ما يثيرني هو الألم.. ألم الإنسان، وهموم الإنسانية جمعاء .
أنا كاتب أعشق اللغة العربية ومهووس بها، وكما يوجد أناس لديهم وسواس من النظافة أو البرد أو من الحر، فانا موسوس أيضا، ووسواسي هو إتقان التعبير، الشعر والفن والبطولة والوطنية كل هذه القيم هي تعبير عن شيء ما فكلما كان هذا التعبير جديدا أو مبتكرا كلما كانت الكلمة الشعرية أكثر وضوحا وأكثر خلودا، فالتعبير حالة عجيبة، وحتى البطل إذا لم يعرف كيف يعبر عن بطولته فقد يتهم بأنه جبان وأنه يرتكب حماقات الجبان، وقد يكون الإنسان كريما جدا ولكن فشله بالتعبير عن كرمه قد يؤدي به إلى ما هو أسوأ من البخل،، فالتعامل مع الكلمة هو جوهر الإبداع الشعري وهناك قول لسعيد تقي الدين ينطبق على الشاعر وعلى غيره يقول : يأتيك إنسان فيروي لك قصة صغيرة حدثت معه فعلا فيجعلك تنام، ويأتي إنسان آخر ويروي لك القصة نفسها بحذافيرها فيجعلك متيقظا ومتحفزا ومستعدا لسماعها أكثر من مرة وهذا هو جوهر الأدب .
وعن علاقته بزوجته الشاعرة الراحلة سنية صالح يقول «لم أزر قبرها في مقبرة «الست زينب» إلا مرة واحدة. خالدة سعيد قالت للبنات عندما سألوها لماذا لا نذهب لزيارة قبر ماما: ماما فيكم، أنتم لجه ماما. أنا عاطفي جدا. كلمة واحدة في حوار، أغنية جميله قد تبكيني. لكن عشرين جنازة لا تحرك في شيئآ. أشعر أن جسدي في غروب. أكره الشيخوخة، أكره جسدي. إنه حقير، تافه. عندي الكثير لأعطيه لكن جسدي لا يلبيني، أما العقل فصاف. لم يعد هناك من علاقة حميمية بين جسدي و عقلي. لم أراع جسدي، كل ما يمكن أن يمارسه الشاب شط من سكر، جنس، عربدة، مارسته باكرا، بغزارة، ها هو جسدي ينتقم مني رويدا رويدا. يدي التي أكتب بها القصائد، قد يمر شهران دون أن أتنبه لاستطالة أظافرها، أو لورم فيها.
الويسكي كالشاعر، لا هوية له ولا وطن. زجاجة الويسكي حبيبتي. أدخن منذ كان عمري سبع سنوات. كنت أدخن في البداية أعقاب السجائر الملقاة على الطرق. السيجارة قاتلة بالنسبة لي بسبب مرض نقص التروية، لكنني لا أستطيع مفارقتها. أستيقظ في الليل من أجل أن أدخن سيجارة.
أتعاطف مع الشيعة لأن عندهم اجتهادا في الدين. أحب الله، أخاف منه، لكنني لا أحب أن أتكلم في الغيبيات. أخاف الموت أحيانا، أو بالأحرى أخاف ما يسبق الموت... المرض، أن لا أستطيع!المشي أو الجلوس. لم أذهب إلى السلمية منذ 13 عاما. قد أعود إذا مرضت كثيرا، تعبت. مكان الدفن، شكليات الموت لا تعني لي شيئآ، كذلك هي شكليات الحياة. كتبت على قبر سنية «هنا ترقد الشاعرة سنية صالح آخر طفلة في العالم»، لأميز قبرها عن الآخرين. وكيف سنميز قبرك، شاعرنا الكبير، ! محمد الماغوط؟
مقاطع من «ليتني حصاة»
ليتني حصاة ملوّنة على الرصيف
أو أغنية طويلة في الزقاق
هناك في تجويف من الوحل الأملس (...)
ليتني وردة جورية في حديقة ما
يقطفني شاعر كئيب في أواخر النهار
أو حانة من الخشب الأحمر
يرتادها المطر والغرباء (...)
أشتهي أن أقبّل طفلاً صغيراً في باب توما
ومن شفتيه الورديتين،
تنبعث رائحة الثدي الذي أرضعه،
فأنا ما زلت وحيداً وقاسياً
أنا غريب يا أمّي.
******
الوشم
الآن
في الساعة الثالثة من القرن العشرين
حيث لا شيء
يفصل جثثَ الموتى عن أحذيةِ المارة
سوى الإسفلت
سأتكئ في عرضِ الشارع كشيوخ البدو
ولن أنهض
حتى تجمع كل قضبان السجون وإضبارات المشبوهين
في العالم
وتوضع أمامي
لألوكها كالجمل على قارعة الطريق..
حتى تفرَّ كلُّ هراواتِ الشرطة والمتظاهرين
من قبضات أصحابها
وتعود أغصاناً مزهرة (مرةً أخرى)
في غاباتها
أضحك في الظلام
أبكي في الظلام
أكتبُ في الظلام
حتى لم أعدْ أميّز قلمي من أصابعي
كلما قُرعَ بابٌ أو تحرَّكتْ ستاره
سترتُ أوراقي بيدي
كبغيٍّ ساعةَ المداهمة
من أورثني هذا الهلع
هذا الدم المذعور كالفهد الجبليّ
ما إن أرى ورقةً رسميةً على عتبة
أو قبعةً من فرجة باب
حتى تصطكّ عظامي ودموعي ببعضها
ويفرّ دمي مذعوراً في كل اتجاه
كأن مفرزةً أبديةً من شرطة السلالات
تطارده من شريان إلى شريان
آه يا حبيبتي
عبثاً أستردُّ شجاعتي وبأسي
المأساة ليست هنا
في السوط أو المكتب أو صفارات الإنذار
إنها هناك
في المهد.. في الرَّحم
فأنا قطعاً
ما كنت مربوطاً إلى رحمي بحبل سرّه
بل بحبل مشنقة بحب
من (الفرح لي مهنتي)
ءة وإعداد- حكيم عنكر
المساء
03/10/2008
ربيع- عدد الرسائل : 1432
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 04/07/2008
مواضيع مماثلة
» حوار مع المفكر المغربي عبد الله العروي
» بارونات مخدرات يلجون البرلمان والجماعات ويرسمون خارطة سياسية برائحة الحشيش
» شقة الفيلسوف ميشيل فوكو وشاعرية النزعة الإنسانية "إن السلطة تحول الإنسان إلى دمية سياسية"
» **قصائد من وحي الذكريات**
» ست قصائد عن طنجة
» بارونات مخدرات يلجون البرلمان والجماعات ويرسمون خارطة سياسية برائحة الحشيش
» شقة الفيلسوف ميشيل فوكو وشاعرية النزعة الإنسانية "إن السلطة تحول الإنسان إلى دمية سياسية"
» **قصائد من وحي الذكريات**
» ست قصائد عن طنجة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى