العدالة وتحقيق مصالح الأمة
صفحة 1 من اصل 1
العدالة وتحقيق مصالح الأمة
يختلف الأمر في الشريعة الإسلامية عنه في التشريعات الوضعية فيما يتصل
بوضع العدالة كهدف لا تؤثر فيه السياسة ولا المنافع أو الأهواء الشخصية
للحكام. لأن الله سبحانه وتعالي هو العادل مع خلقه. وألزمهم بها في
تعاملهم مع بعضهم البعض لذا يتجلي الاعجاز القرآني في الآيات الكريمة التي
تحدثت عن العدالة فجعلتها قيمة مقدسة يجب دائما الوصول إليها أيا كان
الضرر الذي يظن تحققه منها.
ويقول أستاذنا الشيخ محمد أبوزهرة في هذا المعني "إن سمة الإسلام
العدالة". وكل تنسيق اجتماعي لا يقوم علي العدالة منهار - مهما تكن قوة
التنظيم فيه - لأن العدالة هي الدعامة وهي النظام وهي التنسيق السليم لكل
بناء.
فالله سبحانه وتعالي سيعامل الناس يوم القيامة بعدالة كاملة. ولن
يترك شيئا لا يحاسب عليه. فيجازي المحسن ويعاقب المسيء بالقسط. يقول
سبحانه وتعالي: "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن
كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفي بنا حاسبين" "الأنبياء 47".
وأوصي سبحانه وتعالي رسله وعباده بأن يقيموا العدالة في الأرض.
وهكذا تظهر الآيات العدل كقيمة أخلاقية سامية يجب اتباعها في الحياة وفي المعاملات وفي استنباط الأحكام بشكل عام.
وينبهنا الله جل جلاله إلي ضرورة الحكم بالعدل في الخصومات والأقضية
في الكثير من الآيات الأخري. مثال ذلك قوله تعالي: "إن الله يأمركم أن
تؤدوا الأمانات إلي أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" "النساء
58".
وفي مجال العلاقة بين الدولة الإسلامية والدول الأخري يقول سبحانه
وتعالي: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من
دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" "الممتحنة 8".
والواقع أن حصر ما ورد في القرآن الكريم بشأن العدالة وضرورة الوصول
إليها في أي نظام تشريعي. من الأمور الصعبة. إذ لا أكون مبالغا إن قلت إن
كافة الآيات الكريمة التي رسمت أسلوب الحياة للناس ووضعت مناهج للسعي في
الأرض ترتبط بالعدالة وتجعلها مقصداً رئيسا لها. لذلك اكتفينا بذكر أمثلة
من هذه الآيات وردت بالنسبة إلي بعض صور المعاملات.
ويعتبر تقسيم العدالة إلي عدالة التوزيع - عدالة القسمة وعدالة
تعويضية أو تبادلية هو أهم التقسيمات المقررة للعدالة وتنجلي الصورة
الأولي في توزيع الجاه والمال وكل ما يمكن قسمته بين هؤلاء الذين يعترف
بهم الدستور. فيجب أن يقوم نوع من التوزيع النسبي للمزايا الاجتماعية
وللأعباء كذلك علي كافة المواطنين بحسب قدرتهم وإمكاناتهم ودرجة مساهمتهم
في تحمل أعباء المجتمع.
ونجد القرآن الكريم يعبر عن هذه الصورة من صور العدالة في العديد من
الآيات الكريمة. من ذلك قوله تعالي: "ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري
فلله وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة
بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" "الحشر
7" وعلي أساس هذه الآية قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمنع توزيع
الأراضي المفتوحة علي الفاتحين. وتفصيل ذلك انه عندما توسعت الدولة
الإسلامية وانضمت إليها بعض الأقاليم الجديدة بالفتح. اختلف عمر مع
الصحابة في طريقة التصرف في الأرض. وبينما مال الغالبية إلي قسمتها بين
الفاتحين وفقا لآية الغنائم. اعتمد هو علي الآيات الكريمة التي ذكرناها.
ورفض التقسيم ووضع قاعدة مؤداها ترك الأرض لأهلها وفرض خراج عليها حتي
يمكن الاستفادة منه في الانفاق علي المرافق العامة للمسلمين كافة. فقد فهم
هذا النص علي أن يعني ترجيح مصلحة الأمة الإسلامية التي تقتضي عدم استئثار
فئة من الناس بتملك الأراضي. لأن ذلك مخالف للعدالة وللنص القرآني الذي
أكمل الآية التي ذكرها عندما عدد فئات يستحقون وذكر في آخرهم "والذين
جاءوا من بعدهم" "الحشر 10".
وأخذ عمر بن الخطاب يدافع عن وجهة نظره بقوله: "أرأيتم هذه الثغور
لابد من رجل يلزمونها. أرأيتم هذه المدن العظام كالشام ومصر والكوفة. لابد
لها من أن تشحن بالجيوش وإدرار العطاء عليهم. فمن أين يعطي هؤلاء إن قسمت
الأرضين"؟!!
وهكذا أعمل عمر بن الخطاب قاعدة العدالة التوزيعية أو ما يطلق عليها
حديثا "العدالة الاجتماعية" فقد رأي ضرورة حصول جماعة المسلمين علي موارد
تنفق علي المحتاج منهم وعلي رعاية المصالح العامة وإدارة المرافق في
الدولة الإسلامية ورجح هذه المصلحة علي مصلحة قلة من الغزاة والفاتحين
وأبنائهم فقد كان ريع هذه الأرض كلها سيذهب إليهم.
ومن ذلك يمكن القول: إننا أمام نص محكم يحدد ضرورة استفادة كل الناس
بالأموال العامة. لا الذين يوجدون منهم وقت تكونها فحسب بل الذين يأتون من
بعدهم. هل يمكن تصور نص وضعي يعنيه ذلك الآن؟ صراحة: لا أظن. ونري أيضا
تطبيقا يدل علي عبقرية مبكرة وقدرة علي النفاذ إلي حكمة من حكم التشريع
الإسلامي في وقت لم تكن فيه مدارس ولا معاهد ولا جامعات. ولكنها جامعة
الرسول صلي الله عليه وسلم ومدرسة القرآن.
وبالنسبة إلي الصورة الأخري من صور العدالة - أي العدالة التعويضية
أو التبادلية - فهي تلعب دوراً تصحيحياً في العلاقات التي تتم بين
الأفراد. وتتطلب ألا يأخذ أحد في العقود والمعاوضات أكثر مما يستحق وعليها
تمت بلورة ضرورة قيام توازن مالي واقتصادي في العقود والصفقات.
بقلم الدكتور: جعفر عبدالسلام
الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية
بوضع العدالة كهدف لا تؤثر فيه السياسة ولا المنافع أو الأهواء الشخصية
للحكام. لأن الله سبحانه وتعالي هو العادل مع خلقه. وألزمهم بها في
تعاملهم مع بعضهم البعض لذا يتجلي الاعجاز القرآني في الآيات الكريمة التي
تحدثت عن العدالة فجعلتها قيمة مقدسة يجب دائما الوصول إليها أيا كان
الضرر الذي يظن تحققه منها.
ويقول أستاذنا الشيخ محمد أبوزهرة في هذا المعني "إن سمة الإسلام
العدالة". وكل تنسيق اجتماعي لا يقوم علي العدالة منهار - مهما تكن قوة
التنظيم فيه - لأن العدالة هي الدعامة وهي النظام وهي التنسيق السليم لكل
بناء.
فالله سبحانه وتعالي سيعامل الناس يوم القيامة بعدالة كاملة. ولن
يترك شيئا لا يحاسب عليه. فيجازي المحسن ويعاقب المسيء بالقسط. يقول
سبحانه وتعالي: "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن
كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفي بنا حاسبين" "الأنبياء 47".
وأوصي سبحانه وتعالي رسله وعباده بأن يقيموا العدالة في الأرض.
وهكذا تظهر الآيات العدل كقيمة أخلاقية سامية يجب اتباعها في الحياة وفي المعاملات وفي استنباط الأحكام بشكل عام.
وينبهنا الله جل جلاله إلي ضرورة الحكم بالعدل في الخصومات والأقضية
في الكثير من الآيات الأخري. مثال ذلك قوله تعالي: "إن الله يأمركم أن
تؤدوا الأمانات إلي أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" "النساء
58".
وفي مجال العلاقة بين الدولة الإسلامية والدول الأخري يقول سبحانه
وتعالي: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من
دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" "الممتحنة 8".
والواقع أن حصر ما ورد في القرآن الكريم بشأن العدالة وضرورة الوصول
إليها في أي نظام تشريعي. من الأمور الصعبة. إذ لا أكون مبالغا إن قلت إن
كافة الآيات الكريمة التي رسمت أسلوب الحياة للناس ووضعت مناهج للسعي في
الأرض ترتبط بالعدالة وتجعلها مقصداً رئيسا لها. لذلك اكتفينا بذكر أمثلة
من هذه الآيات وردت بالنسبة إلي بعض صور المعاملات.
ويعتبر تقسيم العدالة إلي عدالة التوزيع - عدالة القسمة وعدالة
تعويضية أو تبادلية هو أهم التقسيمات المقررة للعدالة وتنجلي الصورة
الأولي في توزيع الجاه والمال وكل ما يمكن قسمته بين هؤلاء الذين يعترف
بهم الدستور. فيجب أن يقوم نوع من التوزيع النسبي للمزايا الاجتماعية
وللأعباء كذلك علي كافة المواطنين بحسب قدرتهم وإمكاناتهم ودرجة مساهمتهم
في تحمل أعباء المجتمع.
ونجد القرآن الكريم يعبر عن هذه الصورة من صور العدالة في العديد من
الآيات الكريمة. من ذلك قوله تعالي: "ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري
فلله وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة
بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" "الحشر
7" وعلي أساس هذه الآية قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمنع توزيع
الأراضي المفتوحة علي الفاتحين. وتفصيل ذلك انه عندما توسعت الدولة
الإسلامية وانضمت إليها بعض الأقاليم الجديدة بالفتح. اختلف عمر مع
الصحابة في طريقة التصرف في الأرض. وبينما مال الغالبية إلي قسمتها بين
الفاتحين وفقا لآية الغنائم. اعتمد هو علي الآيات الكريمة التي ذكرناها.
ورفض التقسيم ووضع قاعدة مؤداها ترك الأرض لأهلها وفرض خراج عليها حتي
يمكن الاستفادة منه في الانفاق علي المرافق العامة للمسلمين كافة. فقد فهم
هذا النص علي أن يعني ترجيح مصلحة الأمة الإسلامية التي تقتضي عدم استئثار
فئة من الناس بتملك الأراضي. لأن ذلك مخالف للعدالة وللنص القرآني الذي
أكمل الآية التي ذكرها عندما عدد فئات يستحقون وذكر في آخرهم "والذين
جاءوا من بعدهم" "الحشر 10".
وأخذ عمر بن الخطاب يدافع عن وجهة نظره بقوله: "أرأيتم هذه الثغور
لابد من رجل يلزمونها. أرأيتم هذه المدن العظام كالشام ومصر والكوفة. لابد
لها من أن تشحن بالجيوش وإدرار العطاء عليهم. فمن أين يعطي هؤلاء إن قسمت
الأرضين"؟!!
وهكذا أعمل عمر بن الخطاب قاعدة العدالة التوزيعية أو ما يطلق عليها
حديثا "العدالة الاجتماعية" فقد رأي ضرورة حصول جماعة المسلمين علي موارد
تنفق علي المحتاج منهم وعلي رعاية المصالح العامة وإدارة المرافق في
الدولة الإسلامية ورجح هذه المصلحة علي مصلحة قلة من الغزاة والفاتحين
وأبنائهم فقد كان ريع هذه الأرض كلها سيذهب إليهم.
ومن ذلك يمكن القول: إننا أمام نص محكم يحدد ضرورة استفادة كل الناس
بالأموال العامة. لا الذين يوجدون منهم وقت تكونها فحسب بل الذين يأتون من
بعدهم. هل يمكن تصور نص وضعي يعنيه ذلك الآن؟ صراحة: لا أظن. ونري أيضا
تطبيقا يدل علي عبقرية مبكرة وقدرة علي النفاذ إلي حكمة من حكم التشريع
الإسلامي في وقت لم تكن فيه مدارس ولا معاهد ولا جامعات. ولكنها جامعة
الرسول صلي الله عليه وسلم ومدرسة القرآن.
وبالنسبة إلي الصورة الأخري من صور العدالة - أي العدالة التعويضية
أو التبادلية - فهي تلعب دوراً تصحيحياً في العلاقات التي تتم بين
الأفراد. وتتطلب ألا يأخذ أحد في العقود والمعاوضات أكثر مما يستحق وعليها
تمت بلورة ضرورة قيام توازن مالي واقتصادي في العقود والصفقات.
بقلم الدكتور: جعفر عبدالسلام
الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مواضيع مماثلة
» استاذ يؤدي القسم أنه لن يعود إلى مقر عمله إلا بعد النصر وتحقيق مطلب
» لانريد الحكم مع العدالة والتنمية
» «تسونامي» العدالة والتنمية يضرب المغرب
» زيارة إلى قرية "الهاربين من العدالة" في المغرب
» وجهة نظر :من أين يستمد حزب العدالة والتنمية قوته؟
» لانريد الحكم مع العدالة والتنمية
» «تسونامي» العدالة والتنمية يضرب المغرب
» زيارة إلى قرية "الهاربين من العدالة" في المغرب
» وجهة نظر :من أين يستمد حزب العدالة والتنمية قوته؟
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى