الأزمة وبداية الدخول إلى عالم جديد متعدد الأقطاب
صفحة 1 من اصل 1
الأزمة وبداية الدخول إلى عالم جديد متعدد الأقطاب
من
الواضح أن إطلاق برنامج بولسون لم يكن كافيا لتوقيف أمواج الأزمة المالية،
إذ نلاحظ أن أزمة ثقة حقيقية قد استقرت في الأسواق المالية التي عرفت
أسبوعا أسودا وعويصا بين 6 - 10 أكتوبر حيث اجتاحها انخفاض كبير يمكن
اعتباره تاريخيا، خاصة يوم الجمعة 10 أكتوبر المنصرم، حيث انتقل المد
الانحداري لمختلف الأسواق المالية من طوكيو إلى ذبي، إلى الفضاءات المالية
الأوربية وطبعا إلى سوق وال-ستريت بنيويورك.
لقد تجاوز الأمر إشكالية
السيولة حيث أصبحت المؤسسات المالية تقترب من أوضاع فقدان الملاءة. فتوقفت
الأبناك عن التعاون بينها عبر الاقتراض المتبادل. فأصبحت تخشى منح قروض
للأبناك الأخرى وطبعا إلى المقاولات، واستقر شعور مزدوج: شعور بعدم كفاية
التدخلات المعلنة بالنسبة للمدى القريب وشعور يهم الأمد المتوسط يرتبط
بآفاق اختناق كبير للاقتصاد الحقيقي. كل ذلك يدل على تجدر مؤشرات أزمة ثقة
حقيقية. وهذا ما جعل المنظومة الاقتصادية تستنفر المجال السياسي للتدخل،
نداء موجه إلى البنوك المركزية وأكثر من ذلك إل الدول. وفي هذا العالم
المعولم فإن النداء غير موجه للدول فقط للتدخل قطريا بل لتعمل على تنسيق
وتقريب أعمالها لينخرط الجميع في نفس المنطق.
خلال هذا الأسبوع الصعب
تعددت المبادرات وتوالت، هكذا نجح الرئيس ساركوزي يوم 4 أكتوبر في جمع قمة
مصغرة تمثل البلدان الأوربية الأربع ضمن مجموعة السبع، وهي بريطانيا
ألمانيا إيطاليا وفرنسا، دون أن يكون لهذا الاجتماع أثر واضح: لم تتفق
البلدان الأربع على إقرار خطة موحدة تقابل الخطة الأمريكية فاكتفت بأن
تتبادل الأخبار المتعلقة بتدخلات كل قطر على حدة.
بعد ذلك تمكنت
البلدان الأوربية 27 (6 أكتوبر) من الوصول إلى وضع تصريح مشترك تعلن فيه
عن إرادتها في تنسيق أعمالها من أجل تجاوز أزمة الاقتراض التي قد تؤدي حتى
في المدى القريب إلى توسيع مجال الانكماش على كل الاقتصاديات مما سيؤدي
بطبيعة الحال إلى نتائج وخيمة على مستوى البطالة والمداخيل. واستغل
الأوروبيون اتفاقهم هذا ليطرحوا ضرورة التئام قمة اقتصادية كبرى قبل نهاية
السنة وبالضرورة بعد الانتخابات الأمريكية من أجل التفكير في وضع أسس نظام
مالي عالمي جديد ليخلف النظام الذي وضع بعد الحرب العالمية الثانية في
بروتون وودز. وبشكل مواز لذلك توالت المبادرات والإجراءات هنا وهناك،
فاتخذت ايرلندة مبادرة لم تكن منتظرة في البداية بضمان الودائع البنكية
وقامت الحكومة الدانماركية بإطلاق عملية ضمان للقروض. فيما سعت السلطات
العمومية الإسبانية إلى خلق صندوق في حدود 50 مليار أورو لدعم النظام
المالي خاصة أن الاقتصاد الإسباني يوجد في مرحلة انكماش حرجة منذ عدة أشهر.
لكن ما يمكن إبرازه أكثر هو ما يحدث في بريطانيا من مبادرات مجددة
ومتداخلة بفضل التدخل الشخصي للوزير الأول كوردن براون حيث أصبح يدافع على
ضرورة اتخاذ مبادرة دولية لضمان القروض بين البنوك من أجل وضع أسس قارة
للثقة في المنظومة البنكية.
في ذات الوقت أعلنت السلطات البريطانية (8
أكتوبر) عن عملية تأميم جزئي لكبريات البنوك البريطانية، وفي نفس الآن نرى
الوزير الأول البريطاني يسافر إلى باريس لينضم إلى اجتماع مجموعة الأورو
التي لا ينتمي بلده إليها من أجل بناء جبهة أوروبية مشتركة والحث في ذات
الوقت على ضرورة وضع قواعد التعاون الدولي من أجل استرجاع الثقة. خلال نفس
هذا الأسبوع الصعب اتفقت البنوك المركزية للبلدان الكبرى على تخفيض معدلات
الفائدة المرجعية بـ 0,25 %، وهذا يدل على أن الأجندة لم تعد تسمح
باستعمال السياسة النقدية لتطويق التضخم، بل لتوجيهها الآن أساسا لإخراج
الاقتصاد الحقيقي من الانكماش إن لم يكن الاختناق.
يتعلق الأمر بتحول
كبير في المذهب السائد خلال السنوات الأخيرة، سواء لدى النظام الفدرالي
للاحتياط أو لدى البنك المركزي الأوربي أو لدى البنك المركزي البريطاني.
وتأتي الاجتماعات السنوية لشهر شتنبر للبنك العالمي ولصندوق النقد الدولي
والتي تفتتح تقليديا باجتماع وزراء مالية مجموعة السبع لتمكن هذا الاجتماع
بأن يعطي التوجهات الأساسية من أجل إقرار تنسيق ضروري يبين الإجراءات
والمبادرات التي تقوم بها الحكومات والبنوك المركزية.
هكذا انتهت
اجتماعات مجموعة السبع (التي قرر أعضاؤها لأول مرة مع الرئيس بوش) إلى
توجيه نداء واضح من أجل وضع خطة استعجالية وشاملة على أساس التنسيق بين
مختلف الأطراف بهدف استقرار الأسواق المالية. يتعلق الأمر:
- باتخاذ مبادرات تقضي بإعادة رسملة البنوك من أجل حماية المؤسسات المالية من الإفلاس.
- باتخاذ إجراءات تهدف إلى إخراج الأسواق المالية ومجال القروض من المنغلق
الذي توجد فيه، عن طريق تمكين البنوك من سيولة إضافية كافية وجعل البرامج
الوطنية قادرة على ضمان الودائع البنكية تأمينا لثقة المودعين.
- اتخاذ قرارات ضرورية على مستوى كل بلد من أجل إعطاء دفعة جديدة إلى الأسواق الثانوية للقروض الرهنية وللأصول موضوع التسنيد.
-
دعم الدور الأساسي الذي يجب أن يقوم به صندوق النقد الدولي من أجل مساعدة
البلدان التي تعاني من تداعيات هذه الأزمة والفوضى الناجمة عنها.
- في تصريح مجموعة السبع يسجل لأول مرة تبلور وعي جديد متبادل بضرورة إعادة إصلاح النظام المالي العالمي على أساس تحقيق تعاون أكثر.
-
يوم الأحد 12 شتنبر اجتمع رؤساء دول وحكومات مجموعة الأورو لتضع خطة
مشتركة يتكلف كل بلد من المجموعة بتطبيقها على حدة، اعتبارا لمستوى تدهور
الوضع المالي لديه.
إذا كانت هذه الاجتماعات الأوربية قد أبرزت الدور
التنسيقي الذي يريد أن يلعبه الرئيس ساركوزي باعتباره مكلف برئاسة الإتحاد
الأوروبي خلال هذه الفترة الحرجة، فإن الوزير الأول البريطاني كولدن
براون، وكما سبق الذكر، هو الذي أصبح محور وضع إستراتيجية إرادية، متعددة
الواجهات، إستراتيجية تحفز الدول على التدخل وعلى الانخراط في نفس الوقت
في منطق التشاور والتنسيق، كما دعا بشكل واضح إلى ضرورة عقد بروتون وودز
جديد لوضع أسس نظام مالي دولي يتلاءم مع التحولات الجارية.
هكذا انتهى اجتماع مجموعة الأورو ليؤكد ما انتهى إليه اجتماع مجموعة السبع بضرورة اضطلاع الدول بثلاث مهام في أقرب وقت:
- تحسين منظومة ضمان القروض.
- إعادة رسملة البنوك التي تواجه صعوبات كبيرة.
- ضمان القروض بين البنوك.
وغداة
الاجتماعات الأوربية عملت الحكومات على إحداث آليتين بهدف زرع الثقة في
الفضاء البنكي: آلية ضمان القروض بين البنوك (400 مليار أورو بألمانيا،
320 مليار أورو بفرنسا، 100 مليار أورو بإسبانيا)، وآلية إعادة رسملة
البنوك (80 مليار أورو بألمانيا، 40 مليار أورو بفرنسا). هكذا تكون
الحكومات الأوربية قد خصصت 1300 مليار أورو، أي أكثر من الولايات المتحدة
الأمريكية لإنقاذ نظامها البنكي، ومقابل ذلك ستخضع البنوك المدعومة إلى
مراقبة مرتبطة بتدبيرها.
هكذا نرى أن السياسي أصبح يفرض إرادته على
المستويات الثلاث، الوطني والجهوي والدولي. وهي إرادة تتجلى في أن السلطات
العمومية قررت بوضوح اتخاذ المبادرات من أجل استرجاع الثقة في المدى
القصير ووضع أسس حكامة جديدة في المدى المتوسط. في هذا الإطار تطرح في
الأجندة الدولية مجموعة من الآراء والأفكار تدعو إلى التئام مؤتمر يهدف
إلى إعادة إقرار أسس منظومة مالية دولية، وبصفة أدق تحديد مهام جديدة
لصندوق النقد الدولي على أساس إعادة الاعتبار لقيمتين أصبحتا في طيّ
النسيان: الشفافية من جهة والتضبيط من جهة ثانية.
وسيكون على صندوق النقد الدولي أن يتكلف في إطار الإصلاح الممكن بمهمتين اثنتين:
- مهمة خلق تجانس بين مختلف التوصيات الهادفة إلى خلق أسس الشفافية
والتضبيط (إصلاح تسيير وكالات التنقيط، توسيع فضاءات الضبط الاحترازي،
مراجعة المعايير المحاسبية الدولية، وضع القواعد المتعلقة بتدبير الصناديق
السيادية، التأكيد على أهمية دور المراقبة الداخلية وتحسين أدوات المتابعة
الخارجية للمؤسسات المالية).
- المهمة الثانية تقضي بإعادة تحديد
اختصاصات صندوق النقد الدولي، ذلك أن هذا الأخير يوجد في وضعية عطالة
تقنية بسبب زوال الأزمات المالية الجهوية التي كانت تضرب البلدان الأسيوية
وأمريكا اللاتينية، وكذلك بفضل تحسن الإطار الماكرواقتصادي للعديد من
البلدان النامية نتيجة انخراطها في منطق الإصلاحات، وأخيراً بسبب تراكم
الفوائض المالية في البلدان النفطية (من بينها روسيا).
الجميع يدعو
اليوم إلى قيام نظام مالي أكثر نجاعة ولكن كذلك أكثر تكافؤاً. وفي هذا
السياق يمكن القول أن الأزمة الحالية سيكون لها نتائج محمودة.
فعلى
المدى القصير، الهدف هو استرجاع الثقة. في هذا الإطار أقبلت مختلف
الحكومات في البلدان المتقدمة على توفير السيولة الضرورية للبنوك لكي تغذي
هذه الأخيرة دينامية الاقتصاديات الوطنية. فبعد العاصفة التي مر بها
العالم، ستتغير سلوكات البنوك في اتجاه انحساري بالنسبة لتمويل المقاولات
والعائلات، وهذا سيؤدي بالضرورة إلى تقلص معدل النمو في البلدان المتقدمة،
الأمر الذي يفسر أن هذه الأخيرة، بسبب تداخل مصالحها مع البلدان المنبثقة
الجديدة، تتمنى أن تلعب دور القاطرة خلال فترة النقاهة التي ستمتد على مدى
السنتين القادمتين في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
فهناك اليوم شعور بالخوف إذا ما انخفض معدل النمو في الصين مثلا إلى حدود
6 % عوض 8 أو 10 % التي سجلت في السنوات الأخيرة، فإذا ما حدث هذا التقلص
ستكون له نتائج وخيمة على مجموع الاقتصاد العالمي ويمكن أن يؤدي إلى زعزعة
الاستقرار اجتماعيا وحتى سياسيا في النظام الممركز للصين الشعبية. لقد
أصبح من الواضح أن من مصلحة الغرب أن تبقى البلدان المنبثقة الكبرى في
موقع القاطرة للاقتصاد العالمي.
في المدى المتوسط ستبرز أربع توجهات أساسية:
1.
نهاية هيمنة التوجه الليبرالي بإعادة الاعتبار للدولة في مجال
الإستراتيجية والضبط، وهو ضبط يهم القطاع المالي قبل ذلك ولكن كذلك القطاع
التجاري. إنه نهاية رأسمالية الكازينو التي ارتبطت بالنموذج الأمريكي منذ
ثلاثين سنة. وهي أيضا نهاية إيديولوجية تعتبر أن السوق وحده قادر على
الضبط الذاتي باعتبار أن هذا الأخير يستطيع أن يعالج كل المشاكل حتى
السياسية والثقافية والمجتمعية. وهذا يفرض بطبيعة الحال إعادة الاعتبار
للسياسة في إطار ديمقراطي.
2. إعادة تحديد أدورات التضبيط على المستوى
العالمي، في مجال القطاع المالي أولا، الشيء الذي سيساعد على انبثاق نظام
مالي عالمي جديد بمشاركة الجميع: أي الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا
واليابان ولكن كذلك روسيا والقوى الواعدة، وكم نتمنى أن يكون ذلك كذلك
بحضور المنطقة المتوسطية وإفريقيا حتى تسجل قضايا التنمية ومحاربة الفقر
في أجندة الحوارات المستقبلية. في هذا السياق تأتي إعادة تحديد مهام صندوق
النقد الدولي وكذلك تحريك دور البنك العالمي والبنوك الجهوية للدفع
بمحاربة الفقر.
من الضروري كذلك تأطير النقاشات الجارية داخل المنظمة
العالمية للتجارة لكي لا يرتبط إنعاش المبادلات بقيم التبادل الحر وحدها
ولكن كذلك بمستلزمات التنمية العادلة.
3. عالم الغد سيكون بالضرورة
عالماً متعدد الأقطاب، عالماً يتسم بالتنوع والاختلاف. فلا يمكن للغرب أن
يبقى مصدر القرار وحده، سواء في المجال الاقتصادي أو الجيوسياسي.
إن كل
المؤشرات تدل على ضرورة توسيع مجموعة الثمانية بضم بلدان جديدة مثل الصين
والهند والبرازيل. كما تدل على ضرورة إصلاح مجلس الأمن ليتمكن من تجاوز
المعايير التي برزت بعد الحرب العالمية الثانية والتي مكنت خمس دول وحدها
بأن تصبح عضوا دائما في هذه المؤسسة. وهكذا سيساعد تعدد القطبية على رجوع
التوازنات السياسية في العالم، مما سيسهل إيجاد الحلول العادلة لبعض
الخلافات القائمة بالشرق الأوسط وعلى رأسها قضية الشعب الفلسطيني.
4.
الترابط الضروري بين العالمي والجهوي، ذلك أن ترسيخ مواقع الأقطاب الجهوية
على أسس من تضامن القرب تمكن مكونات كل قطب من التآزر والتعاون من أجل
إيجاد حلول للمشاكل التي تفرض نفسها، وخلق شروط أبعد تقدم ممكن، لكن عولمة
التيارات التجارية والمالية تفرض على هذه الأقطاب الجهوية بأن تتحاور
وتتعاون للوصول إلى حل المشاكل على المستوى العالمي.فعالم الغد لن يبقى
مجرد عالم أقطار بل عالم أقطاب جهوية.
كثيراً ما يقال أن الرأسمالية تحتاج إلى أزمات لكي تتقدم، فمند بداية القرن العشرين واجهت المنظومة المالية عدة أزمات:
-
أزمة 1907: التي انطلقت من انخفاض مردودية السكك الحديدية حيث كان هذا
القطاع محركا للاقتصاد الأمريكي وأدى ذلك إلى تقلص كبير في أسعار النحاس،
تلك المادة الضرورية لإنتاج أسلاك الكهرباء.
- أزمة 1929 الكبرى: التي
نتجت عن المضاربات الكبيرة مست بورصة وال-ستريت قبل أن تنتقل إلى
الاقتصاديات الحقيقية الشيء الذي أدى إلى كساد شامل وإلى انتشار حاد
للبطالة، أولا في الولايات المتحدة الأمريكية ثم بعد ذلك في أوروبا.
وقد كانت النتيجة هي بداية تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية ثم اندلاع الحرب العالمية الثانية.
-
أزمة الثمانينات والتسعينات في اليابان: وذلك بسبب تراخي السلطات الحكومية
وسلطات التضبيط مما نتج عنه تعاظم في حجم القروض وانخفاض مبالغ فيه في
معدل الفائدة. ولقد استمرت هذه الأزمة حوالي 15 سنة بكل تداعياتها على
مستوى البطالة والكساد واضطرت الحكومة إلى وضع مخطط إنقاذ للقطاع البنكي
لكي يسترجع مصداقيته.
- 1987: السنة التي عرفت إفلاس العديد من صناديق
الادخار الأمريكية ارتباطا بأزمة في مجال العقار، تولد عنها متاعب كبيرة
لبعض البنوك وإقفال 650 صندوق ادخار. مما فرض على السلطات العمومية إحداث
بنية تنقية وتأميم تلك الصناديق الموجودة في حالة إفلاس.
- 1990:
انطلقت فقاعة عقارية في البلدان الأوروبية أدت إلى زعزعة عدة بنوك في
إسبانيا، السويد، بريطانيا وفرنسا (كريدي ليوني). هنا كذلك قررت الدولة
وضع هذه البنوك تحت وصايتها ومنح ضمانات للقروض وإحداث بنية تنقية.
-
2008: الأزمة الحالية التي جاءت، كما نعرف، نتيجة انهيار من القطاع
العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية انطلاقا من فقاعة غذّاها تراخي
سياسة القروض كما سبق الإشارة إلى ذلك. ولقد أدى ذلك إلى وضع برامج إنقاذ
من طرف الحكومات في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. (التأميمات،
تدبير الديون السيئة، ضمان القروض بين البنوك وإعادة رسملة البنوك).
من بين كل هذه الأزمات يمكن إبراز أزمتين سيكون لها مفعول بنيوي ساهم في إحداث تغييرات كبيرة في تسيير الرأسمالية:
- أزمة 1929 التي أدت إلى التدخل التصحيحي للدولة عن طريق برامج روزفلت أساسا والتي قام بالتنظير لها الاقتصادي البريطاني كينز.
- وأزمة 2008 التي أعادت الاعتبار لدور الدولة ولكن في إطار معولم، الشيء
الذي يفرض تغييرات في الحكامة الاقتصادية العالمية وضرورة الاعتراف
بالواقع المتعدد الأقطاب.
ختاما، يمكن أن نرفع شعار «تحيا الأزمة»
لأنها ستؤدي إلى خلق أسس حكامة جديدة لحل مشاكل كبيرة يعيشها العالم اليوم
(مشاكل التمويل ولكن كذلك مشاكل تهم الطاقة والغذاء والبيئة وطبعا
التنمية) في سياق أكثر نجاعة وعدالة وتخليقا. هذا ما سيفرض تأطير السياسي
للعولمة ويقتضي بالضرورة الاعتراف بالقطبية المتعددة.
يتبع
فتح الله ولعلو
الاتحاد الاشتراكي
الواضح أن إطلاق برنامج بولسون لم يكن كافيا لتوقيف أمواج الأزمة المالية،
إذ نلاحظ أن أزمة ثقة حقيقية قد استقرت في الأسواق المالية التي عرفت
أسبوعا أسودا وعويصا بين 6 - 10 أكتوبر حيث اجتاحها انخفاض كبير يمكن
اعتباره تاريخيا، خاصة يوم الجمعة 10 أكتوبر المنصرم، حيث انتقل المد
الانحداري لمختلف الأسواق المالية من طوكيو إلى ذبي، إلى الفضاءات المالية
الأوربية وطبعا إلى سوق وال-ستريت بنيويورك.
لقد تجاوز الأمر إشكالية
السيولة حيث أصبحت المؤسسات المالية تقترب من أوضاع فقدان الملاءة. فتوقفت
الأبناك عن التعاون بينها عبر الاقتراض المتبادل. فأصبحت تخشى منح قروض
للأبناك الأخرى وطبعا إلى المقاولات، واستقر شعور مزدوج: شعور بعدم كفاية
التدخلات المعلنة بالنسبة للمدى القريب وشعور يهم الأمد المتوسط يرتبط
بآفاق اختناق كبير للاقتصاد الحقيقي. كل ذلك يدل على تجدر مؤشرات أزمة ثقة
حقيقية. وهذا ما جعل المنظومة الاقتصادية تستنفر المجال السياسي للتدخل،
نداء موجه إلى البنوك المركزية وأكثر من ذلك إل الدول. وفي هذا العالم
المعولم فإن النداء غير موجه للدول فقط للتدخل قطريا بل لتعمل على تنسيق
وتقريب أعمالها لينخرط الجميع في نفس المنطق.
خلال هذا الأسبوع الصعب
تعددت المبادرات وتوالت، هكذا نجح الرئيس ساركوزي يوم 4 أكتوبر في جمع قمة
مصغرة تمثل البلدان الأوربية الأربع ضمن مجموعة السبع، وهي بريطانيا
ألمانيا إيطاليا وفرنسا، دون أن يكون لهذا الاجتماع أثر واضح: لم تتفق
البلدان الأربع على إقرار خطة موحدة تقابل الخطة الأمريكية فاكتفت بأن
تتبادل الأخبار المتعلقة بتدخلات كل قطر على حدة.
بعد ذلك تمكنت
البلدان الأوربية 27 (6 أكتوبر) من الوصول إلى وضع تصريح مشترك تعلن فيه
عن إرادتها في تنسيق أعمالها من أجل تجاوز أزمة الاقتراض التي قد تؤدي حتى
في المدى القريب إلى توسيع مجال الانكماش على كل الاقتصاديات مما سيؤدي
بطبيعة الحال إلى نتائج وخيمة على مستوى البطالة والمداخيل. واستغل
الأوروبيون اتفاقهم هذا ليطرحوا ضرورة التئام قمة اقتصادية كبرى قبل نهاية
السنة وبالضرورة بعد الانتخابات الأمريكية من أجل التفكير في وضع أسس نظام
مالي عالمي جديد ليخلف النظام الذي وضع بعد الحرب العالمية الثانية في
بروتون وودز. وبشكل مواز لذلك توالت المبادرات والإجراءات هنا وهناك،
فاتخذت ايرلندة مبادرة لم تكن منتظرة في البداية بضمان الودائع البنكية
وقامت الحكومة الدانماركية بإطلاق عملية ضمان للقروض. فيما سعت السلطات
العمومية الإسبانية إلى خلق صندوق في حدود 50 مليار أورو لدعم النظام
المالي خاصة أن الاقتصاد الإسباني يوجد في مرحلة انكماش حرجة منذ عدة أشهر.
لكن ما يمكن إبرازه أكثر هو ما يحدث في بريطانيا من مبادرات مجددة
ومتداخلة بفضل التدخل الشخصي للوزير الأول كوردن براون حيث أصبح يدافع على
ضرورة اتخاذ مبادرة دولية لضمان القروض بين البنوك من أجل وضع أسس قارة
للثقة في المنظومة البنكية.
في ذات الوقت أعلنت السلطات البريطانية (8
أكتوبر) عن عملية تأميم جزئي لكبريات البنوك البريطانية، وفي نفس الآن نرى
الوزير الأول البريطاني يسافر إلى باريس لينضم إلى اجتماع مجموعة الأورو
التي لا ينتمي بلده إليها من أجل بناء جبهة أوروبية مشتركة والحث في ذات
الوقت على ضرورة وضع قواعد التعاون الدولي من أجل استرجاع الثقة. خلال نفس
هذا الأسبوع الصعب اتفقت البنوك المركزية للبلدان الكبرى على تخفيض معدلات
الفائدة المرجعية بـ 0,25 %، وهذا يدل على أن الأجندة لم تعد تسمح
باستعمال السياسة النقدية لتطويق التضخم، بل لتوجيهها الآن أساسا لإخراج
الاقتصاد الحقيقي من الانكماش إن لم يكن الاختناق.
يتعلق الأمر بتحول
كبير في المذهب السائد خلال السنوات الأخيرة، سواء لدى النظام الفدرالي
للاحتياط أو لدى البنك المركزي الأوربي أو لدى البنك المركزي البريطاني.
وتأتي الاجتماعات السنوية لشهر شتنبر للبنك العالمي ولصندوق النقد الدولي
والتي تفتتح تقليديا باجتماع وزراء مالية مجموعة السبع لتمكن هذا الاجتماع
بأن يعطي التوجهات الأساسية من أجل إقرار تنسيق ضروري يبين الإجراءات
والمبادرات التي تقوم بها الحكومات والبنوك المركزية.
هكذا انتهت
اجتماعات مجموعة السبع (التي قرر أعضاؤها لأول مرة مع الرئيس بوش) إلى
توجيه نداء واضح من أجل وضع خطة استعجالية وشاملة على أساس التنسيق بين
مختلف الأطراف بهدف استقرار الأسواق المالية. يتعلق الأمر:
- باتخاذ مبادرات تقضي بإعادة رسملة البنوك من أجل حماية المؤسسات المالية من الإفلاس.
- باتخاذ إجراءات تهدف إلى إخراج الأسواق المالية ومجال القروض من المنغلق
الذي توجد فيه، عن طريق تمكين البنوك من سيولة إضافية كافية وجعل البرامج
الوطنية قادرة على ضمان الودائع البنكية تأمينا لثقة المودعين.
- اتخاذ قرارات ضرورية على مستوى كل بلد من أجل إعطاء دفعة جديدة إلى الأسواق الثانوية للقروض الرهنية وللأصول موضوع التسنيد.
-
دعم الدور الأساسي الذي يجب أن يقوم به صندوق النقد الدولي من أجل مساعدة
البلدان التي تعاني من تداعيات هذه الأزمة والفوضى الناجمة عنها.
- في تصريح مجموعة السبع يسجل لأول مرة تبلور وعي جديد متبادل بضرورة إعادة إصلاح النظام المالي العالمي على أساس تحقيق تعاون أكثر.
-
يوم الأحد 12 شتنبر اجتمع رؤساء دول وحكومات مجموعة الأورو لتضع خطة
مشتركة يتكلف كل بلد من المجموعة بتطبيقها على حدة، اعتبارا لمستوى تدهور
الوضع المالي لديه.
إذا كانت هذه الاجتماعات الأوربية قد أبرزت الدور
التنسيقي الذي يريد أن يلعبه الرئيس ساركوزي باعتباره مكلف برئاسة الإتحاد
الأوروبي خلال هذه الفترة الحرجة، فإن الوزير الأول البريطاني كولدن
براون، وكما سبق الذكر، هو الذي أصبح محور وضع إستراتيجية إرادية، متعددة
الواجهات، إستراتيجية تحفز الدول على التدخل وعلى الانخراط في نفس الوقت
في منطق التشاور والتنسيق، كما دعا بشكل واضح إلى ضرورة عقد بروتون وودز
جديد لوضع أسس نظام مالي دولي يتلاءم مع التحولات الجارية.
هكذا انتهى اجتماع مجموعة الأورو ليؤكد ما انتهى إليه اجتماع مجموعة السبع بضرورة اضطلاع الدول بثلاث مهام في أقرب وقت:
- تحسين منظومة ضمان القروض.
- إعادة رسملة البنوك التي تواجه صعوبات كبيرة.
- ضمان القروض بين البنوك.
وغداة
الاجتماعات الأوربية عملت الحكومات على إحداث آليتين بهدف زرع الثقة في
الفضاء البنكي: آلية ضمان القروض بين البنوك (400 مليار أورو بألمانيا،
320 مليار أورو بفرنسا، 100 مليار أورو بإسبانيا)، وآلية إعادة رسملة
البنوك (80 مليار أورو بألمانيا، 40 مليار أورو بفرنسا). هكذا تكون
الحكومات الأوربية قد خصصت 1300 مليار أورو، أي أكثر من الولايات المتحدة
الأمريكية لإنقاذ نظامها البنكي، ومقابل ذلك ستخضع البنوك المدعومة إلى
مراقبة مرتبطة بتدبيرها.
هكذا نرى أن السياسي أصبح يفرض إرادته على
المستويات الثلاث، الوطني والجهوي والدولي. وهي إرادة تتجلى في أن السلطات
العمومية قررت بوضوح اتخاذ المبادرات من أجل استرجاع الثقة في المدى
القصير ووضع أسس حكامة جديدة في المدى المتوسط. في هذا الإطار تطرح في
الأجندة الدولية مجموعة من الآراء والأفكار تدعو إلى التئام مؤتمر يهدف
إلى إعادة إقرار أسس منظومة مالية دولية، وبصفة أدق تحديد مهام جديدة
لصندوق النقد الدولي على أساس إعادة الاعتبار لقيمتين أصبحتا في طيّ
النسيان: الشفافية من جهة والتضبيط من جهة ثانية.
وسيكون على صندوق النقد الدولي أن يتكلف في إطار الإصلاح الممكن بمهمتين اثنتين:
- مهمة خلق تجانس بين مختلف التوصيات الهادفة إلى خلق أسس الشفافية
والتضبيط (إصلاح تسيير وكالات التنقيط، توسيع فضاءات الضبط الاحترازي،
مراجعة المعايير المحاسبية الدولية، وضع القواعد المتعلقة بتدبير الصناديق
السيادية، التأكيد على أهمية دور المراقبة الداخلية وتحسين أدوات المتابعة
الخارجية للمؤسسات المالية).
- المهمة الثانية تقضي بإعادة تحديد
اختصاصات صندوق النقد الدولي، ذلك أن هذا الأخير يوجد في وضعية عطالة
تقنية بسبب زوال الأزمات المالية الجهوية التي كانت تضرب البلدان الأسيوية
وأمريكا اللاتينية، وكذلك بفضل تحسن الإطار الماكرواقتصادي للعديد من
البلدان النامية نتيجة انخراطها في منطق الإصلاحات، وأخيراً بسبب تراكم
الفوائض المالية في البلدان النفطية (من بينها روسيا).
الجميع يدعو
اليوم إلى قيام نظام مالي أكثر نجاعة ولكن كذلك أكثر تكافؤاً. وفي هذا
السياق يمكن القول أن الأزمة الحالية سيكون لها نتائج محمودة.
فعلى
المدى القصير، الهدف هو استرجاع الثقة. في هذا الإطار أقبلت مختلف
الحكومات في البلدان المتقدمة على توفير السيولة الضرورية للبنوك لكي تغذي
هذه الأخيرة دينامية الاقتصاديات الوطنية. فبعد العاصفة التي مر بها
العالم، ستتغير سلوكات البنوك في اتجاه انحساري بالنسبة لتمويل المقاولات
والعائلات، وهذا سيؤدي بالضرورة إلى تقلص معدل النمو في البلدان المتقدمة،
الأمر الذي يفسر أن هذه الأخيرة، بسبب تداخل مصالحها مع البلدان المنبثقة
الجديدة، تتمنى أن تلعب دور القاطرة خلال فترة النقاهة التي ستمتد على مدى
السنتين القادمتين في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
فهناك اليوم شعور بالخوف إذا ما انخفض معدل النمو في الصين مثلا إلى حدود
6 % عوض 8 أو 10 % التي سجلت في السنوات الأخيرة، فإذا ما حدث هذا التقلص
ستكون له نتائج وخيمة على مجموع الاقتصاد العالمي ويمكن أن يؤدي إلى زعزعة
الاستقرار اجتماعيا وحتى سياسيا في النظام الممركز للصين الشعبية. لقد
أصبح من الواضح أن من مصلحة الغرب أن تبقى البلدان المنبثقة الكبرى في
موقع القاطرة للاقتصاد العالمي.
في المدى المتوسط ستبرز أربع توجهات أساسية:
1.
نهاية هيمنة التوجه الليبرالي بإعادة الاعتبار للدولة في مجال
الإستراتيجية والضبط، وهو ضبط يهم القطاع المالي قبل ذلك ولكن كذلك القطاع
التجاري. إنه نهاية رأسمالية الكازينو التي ارتبطت بالنموذج الأمريكي منذ
ثلاثين سنة. وهي أيضا نهاية إيديولوجية تعتبر أن السوق وحده قادر على
الضبط الذاتي باعتبار أن هذا الأخير يستطيع أن يعالج كل المشاكل حتى
السياسية والثقافية والمجتمعية. وهذا يفرض بطبيعة الحال إعادة الاعتبار
للسياسة في إطار ديمقراطي.
2. إعادة تحديد أدورات التضبيط على المستوى
العالمي، في مجال القطاع المالي أولا، الشيء الذي سيساعد على انبثاق نظام
مالي عالمي جديد بمشاركة الجميع: أي الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا
واليابان ولكن كذلك روسيا والقوى الواعدة، وكم نتمنى أن يكون ذلك كذلك
بحضور المنطقة المتوسطية وإفريقيا حتى تسجل قضايا التنمية ومحاربة الفقر
في أجندة الحوارات المستقبلية. في هذا السياق تأتي إعادة تحديد مهام صندوق
النقد الدولي وكذلك تحريك دور البنك العالمي والبنوك الجهوية للدفع
بمحاربة الفقر.
من الضروري كذلك تأطير النقاشات الجارية داخل المنظمة
العالمية للتجارة لكي لا يرتبط إنعاش المبادلات بقيم التبادل الحر وحدها
ولكن كذلك بمستلزمات التنمية العادلة.
3. عالم الغد سيكون بالضرورة
عالماً متعدد الأقطاب، عالماً يتسم بالتنوع والاختلاف. فلا يمكن للغرب أن
يبقى مصدر القرار وحده، سواء في المجال الاقتصادي أو الجيوسياسي.
إن كل
المؤشرات تدل على ضرورة توسيع مجموعة الثمانية بضم بلدان جديدة مثل الصين
والهند والبرازيل. كما تدل على ضرورة إصلاح مجلس الأمن ليتمكن من تجاوز
المعايير التي برزت بعد الحرب العالمية الثانية والتي مكنت خمس دول وحدها
بأن تصبح عضوا دائما في هذه المؤسسة. وهكذا سيساعد تعدد القطبية على رجوع
التوازنات السياسية في العالم، مما سيسهل إيجاد الحلول العادلة لبعض
الخلافات القائمة بالشرق الأوسط وعلى رأسها قضية الشعب الفلسطيني.
4.
الترابط الضروري بين العالمي والجهوي، ذلك أن ترسيخ مواقع الأقطاب الجهوية
على أسس من تضامن القرب تمكن مكونات كل قطب من التآزر والتعاون من أجل
إيجاد حلول للمشاكل التي تفرض نفسها، وخلق شروط أبعد تقدم ممكن، لكن عولمة
التيارات التجارية والمالية تفرض على هذه الأقطاب الجهوية بأن تتحاور
وتتعاون للوصول إلى حل المشاكل على المستوى العالمي.فعالم الغد لن يبقى
مجرد عالم أقطار بل عالم أقطاب جهوية.
كثيراً ما يقال أن الرأسمالية تحتاج إلى أزمات لكي تتقدم، فمند بداية القرن العشرين واجهت المنظومة المالية عدة أزمات:
-
أزمة 1907: التي انطلقت من انخفاض مردودية السكك الحديدية حيث كان هذا
القطاع محركا للاقتصاد الأمريكي وأدى ذلك إلى تقلص كبير في أسعار النحاس،
تلك المادة الضرورية لإنتاج أسلاك الكهرباء.
- أزمة 1929 الكبرى: التي
نتجت عن المضاربات الكبيرة مست بورصة وال-ستريت قبل أن تنتقل إلى
الاقتصاديات الحقيقية الشيء الذي أدى إلى كساد شامل وإلى انتشار حاد
للبطالة، أولا في الولايات المتحدة الأمريكية ثم بعد ذلك في أوروبا.
وقد كانت النتيجة هي بداية تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية ثم اندلاع الحرب العالمية الثانية.
-
أزمة الثمانينات والتسعينات في اليابان: وذلك بسبب تراخي السلطات الحكومية
وسلطات التضبيط مما نتج عنه تعاظم في حجم القروض وانخفاض مبالغ فيه في
معدل الفائدة. ولقد استمرت هذه الأزمة حوالي 15 سنة بكل تداعياتها على
مستوى البطالة والكساد واضطرت الحكومة إلى وضع مخطط إنقاذ للقطاع البنكي
لكي يسترجع مصداقيته.
- 1987: السنة التي عرفت إفلاس العديد من صناديق
الادخار الأمريكية ارتباطا بأزمة في مجال العقار، تولد عنها متاعب كبيرة
لبعض البنوك وإقفال 650 صندوق ادخار. مما فرض على السلطات العمومية إحداث
بنية تنقية وتأميم تلك الصناديق الموجودة في حالة إفلاس.
- 1990:
انطلقت فقاعة عقارية في البلدان الأوروبية أدت إلى زعزعة عدة بنوك في
إسبانيا، السويد، بريطانيا وفرنسا (كريدي ليوني). هنا كذلك قررت الدولة
وضع هذه البنوك تحت وصايتها ومنح ضمانات للقروض وإحداث بنية تنقية.
-
2008: الأزمة الحالية التي جاءت، كما نعرف، نتيجة انهيار من القطاع
العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية انطلاقا من فقاعة غذّاها تراخي
سياسة القروض كما سبق الإشارة إلى ذلك. ولقد أدى ذلك إلى وضع برامج إنقاذ
من طرف الحكومات في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. (التأميمات،
تدبير الديون السيئة، ضمان القروض بين البنوك وإعادة رسملة البنوك).
من بين كل هذه الأزمات يمكن إبراز أزمتين سيكون لها مفعول بنيوي ساهم في إحداث تغييرات كبيرة في تسيير الرأسمالية:
- أزمة 1929 التي أدت إلى التدخل التصحيحي للدولة عن طريق برامج روزفلت أساسا والتي قام بالتنظير لها الاقتصادي البريطاني كينز.
- وأزمة 2008 التي أعادت الاعتبار لدور الدولة ولكن في إطار معولم، الشيء
الذي يفرض تغييرات في الحكامة الاقتصادية العالمية وضرورة الاعتراف
بالواقع المتعدد الأقطاب.
ختاما، يمكن أن نرفع شعار «تحيا الأزمة»
لأنها ستؤدي إلى خلق أسس حكامة جديدة لحل مشاكل كبيرة يعيشها العالم اليوم
(مشاكل التمويل ولكن كذلك مشاكل تهم الطاقة والغذاء والبيئة وطبعا
التنمية) في سياق أكثر نجاعة وعدالة وتخليقا. هذا ما سيفرض تأطير السياسي
للعولمة ويقتضي بالضرورة الاعتراف بالقطبية المتعددة.
يتبع
فتح الله ولعلو
الاتحاد الاشتراكي
2008/10/18
عبدالبارئ بوهالي- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1789
العمر : 68
تاريخ التسجيل : 23/08/2006
مواضيع مماثلة
» المعلم (ة) متعدد (ة) التخصصات !
» الأزمة تضع 5 قضايا شائكة على طاولة حكومات العالم
» ماذا تفعل لتلافي الأزمة القلبية أو السكتة؟
» جمالية الأزمة الجارحة في المجموعة القصصية «الإقامة في العلبة» لحسن البقالي
» رواية الكساد العظيم «عناقيد الغضب».. الأزمة العالمية أعادتها إلى الواجهة
» الأزمة تضع 5 قضايا شائكة على طاولة حكومات العالم
» ماذا تفعل لتلافي الأزمة القلبية أو السكتة؟
» جمالية الأزمة الجارحة في المجموعة القصصية «الإقامة في العلبة» لحسن البقالي
» رواية الكساد العظيم «عناقيد الغضب».. الأزمة العالمية أعادتها إلى الواجهة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى