من طرف said الأحد 19 أكتوبر 2008 - 19:39
أعيش بين يدي مرو مدمي بالفواجع حاوره: عبدالحق بن رحمون
كشف الكاتب المغربي البشير الدامون : بأن روايته « سرير الأسرار » الصادرة مؤخرا عن دار الآداب ببيروت، جاءت من رحم الحواري، بطلتها طفلة لا تعرف عيونها الكذب، ويذكر البشير الدامون أنه التمس بعض الشفاء في الكتابة، وقرر أن يصرخ بعدما تردد كثيرا في جدوى الكتابة، وهل بإمكانها أن تغير العالم، وعلى صعيد آخر وضح أن القصد من معنى ودلالة السرير في عنوان روايته : « السرير يوحي دائما بتلك العلاقة الحميمة بالأسرار» ، معتبرا في ذات الوقت أن السرير هو مطرح الأفراح والفواجع، والانتصارات والإخفاقات. ويضيف البشير الدامون بأن في السرير الكل يتذكر العذابات ويستعيد الآمال وفيه تسرد حيوات، صقيعها يلهب القلوب، وبه تتناسل الأسرار. لذا فرواية سرير الأسرار برأي مؤلفها سبر لأغوار سرير أنوثة مدينة معطوبة، إنها رواية لما هو تحت القاع الاجتماعي لحواري مدينة تطوان العتيقة، حيث تبدو مأساة الفتاة ( الرواية) فيها أعمق وأشمل من كونها مجرد مأساة أنثى. وتجدر الإشارة أن رواية « سرير الأسرار»، شكلت مفاجأة الموسم في الأوساط الأدبية بالمغرب، باعتبار أن مؤلفها البشير الدامون لأول مرة تنشر له رواية، وبالتالي أن اسمه غير متداول بشكل كبير في الأوساط الثقافية من خلال نشره لنصوصه، وما يميز الرواية التي كتبها البشير الدامون أنها جاءت لتفضح طابو ظل مسكوتا عنه، ولواقع يكاد ينخر حواري بعض المدن المغربية العتيقة التي تبطن الكثير من الأسرار، داخل بطون جدرانها ، ولو أن البعض لايزال من يصف تلك المدن بأنها معصومة من كل قبح وفساد أخلاقي، لذا فرواية «سرير الأسرار» بقدر ما نحس فيها بمتعة القراءة والخيال نصطدم بواقع مغربي قريب لها ومشابه، يكاد المجتمع يتحاشى الحديث عنه أويداريه. ونجد الروائي البشير الدامون بذكاء جميل وظف معادلة جديدة في مجال الاقتصاد الاجتماعي ووسائل الإرسال، ليكشف عن أمكنة وبؤر التخلف والعتمة التي يصعب تنويرها من خلال سرد هو أقرب إلى سيرة ذاتية بطلتها طفلة عيونها لا تعرف الكذب. لذا فرواية « سرير الأسرار» رواية القراءة والمتعة بامتياز، وسيرة تصويرية لطفلة تفضح عوالم الجنس والحب والدعارة والتخلف أبطاله رواد الدار الكبيرة. وفيما يلي نص الحوار :
{ أسألك في البداية هل هي الصدفة أم ضربة حظ التي جعلتك تصدر روايتك الأولى « سرير الأسرار» عن دار نشر عريقة مثل دار الآداب ببيروت، في الوقت الذي نرى فيه بعض الروائيين يظلون يكتبون في المغرب من غير أن يحظوا بالنشر في دار للنشر خارج بلدهم ؟
> ربما أكون أنانيا في الجواب، هو أن هذا العمل ولد ناضجا، قد يكون هذا هو السبب في أن تقبله دار النشر مثل دار الآداب، وأؤكد لك أن نشري لهذه الرواية خارج المغرب لم يكن صدفة أو ضربة حظ، بل هو تيقن من أن العمل يستحق ذلك.
{ ماهي الأسباب التي جعلتك لا تتعامل مع بعض دور النشر بالمغرب ؟
> لما انتهيت من كتابة العمل وأعدت قراءته من جديد، كأي قارئ جاءني إحساس بأن هذا العمل يجب أن ينشر في إحدى دور النشر المهمة، ذات وزن، باعتبار أن الرواية تحكي عن كل ما يخصنا كمغاربة، مشاكلنا وهمومنا. وأرسلت العمل لوزارة الثقافة المغربية، وكان الإهمال هو الرد من طرفها، ولم أتوصل من طرفهم بأي جواب، ولما كنت أتصل بوزارة الثقافة المغربية عبر الهاتف، كانت ترد علي سيدة مسئولة بإحدى أقسام الوزارة وتقول لي بأنهم لم يتوصلوا بالرواية، وبما أني أعمل في البريد فقد أدليت لهم بوصل إشعار بالتوصل كنت أرسلته عبر (أمانة). بعد ذلك أرسلت نسخا مخطوطة من روايتي لثلاث دور نشر لبنانية ودار نشر مغربية، فكل تلك دور النشر التي أرسلت لها روايتي وافقت على طبعها ، وذلك وفق القانون الذي يتعاملون فيه مع جميع الكتاب والأدباء، وأرسلوا إلي العقد في ظرف أسبوع لكي أوقعه معهم ، في حين أن دار نشر مغربية (...) وافقت لكن على أساس أن لا أحصل على حقوقي المادية وحقوق التأليف.
{ هل يعني هذا أنه لم تكن لديك أية وساطة لنشر روايتك الأولى ؟
> طبعا لم تكن لي أية وساطة أو تدخل من طرف أي أحد في نشر روايتي . واخترت دار النشر الآداب نظرا لمكانتها والتي أرسلت لها روايتي « سرير الأسرار» عبر البريد ، حيث سرعان ما توصلت منهم بالجواب ، وأخبروني بأنهم سيبرمجون طبع الرواية والذي وقع أنه لما ضربت إسرائيل لبنان في تلك الهجمة ضاعت الرواية والقرص المدمج (سي دي) وطلبوا مني أن أرسل لهم العمل من جديد وفي هذه المدة رغم التأخر في نشر الرواية كان عندي الأمل في دار الآداب.
{ هل كنت تصدق نفسك أنك ستصبح كاتبا روائيا ؟
> أنا استطيع أن أقول بأني كتبت نوعا من الصرخة، وربما كما يقال صرخة كتابة، فلم يكن همي أن أكون روائيا أو كاتبا، بل الذي كتبت كان يمور بداخلي منذ سنوات، والذي كان يمنعني هو سؤال ما جدوى الكتابة... هل حينما سنكتب سنغير العالم.
{ كيف استقبلت الأوساط الثقافية المغربية روايتك الأولى؟
> أنا ليست لي علاقة بالوسط الثقافي المغربي، فانعدام كتابات لي قبل إصدار الرواية كانت تجعلني أن لا تكون لي علاقة بالوسط الثقافي، كما أنا منطوي على نفسي نسبيا، وعند صدور روايتي اتصل بي مجموعة من الأصدقاء يهنئونني ويسألون عن الرواية، ربما لأن العمل لم يوزع بشكل كاف في المغرب.
{ ألم يصبك الخوف من الكتابة ... وهل مارست على نفس بعض الرقابة وأنت تكتب « سرير الأسرار» ؟
> لا أنكر أنني حين قررت أن أكتب سكنني قلق كبير. عن ماذا أحكي ؟ لماذا أكتب، وكيف أكتب... ولمن أكتب ؟ فتمنيت أن أكتب محكيا يحاول أن يضيف للمتلقي قيمة مضافة، تجعله يغادر عوالم الرواية وحالة أحاسيسه تختلف عن الحالة التي دخلها بها . نعم قلت إما أكتب كما أتوخى أن تكون الكتابة أو لا أكتب وكم أتمنى أن أكون قد وفقت في مسعاي هذا. ضروري أصابني نوع من القلق حول ماسوف أكتبه ولمن سأكتب ولماذا أكتب.
{ ألم تخنك لغة التعبير وأنت تكتب هذه الرواية ؟
> بصراحة أنا جئت للكتابة عن طريق القراءة. روايتي تحكي عن مآسي مبكية حد الضحك ومضحكة حد البكاء. مآسي نحياها أو نعيش حولها، متعمدين تجاهلها وتناسيها، إنها لعبة نلعبها هروبا من فواجع الحياة، حتى لا نحطم سكينة تتضمن في إيهام أنفسنا بأننا نحياها. وآمل أن يتمكن القارئ من القبض على عوالم الرواية والاستمتاع بأسرارها، ولو بقليل من دفء القلب.
{ مَنْ بالتحديد من الكتاب الذين قرأت لهم أو أثروا فيك ؟
> ممكن أن أقول لك بأن معظم الروائيين قرأت لهم بالعربية والفرنسية. ولما جئت أكتب كتبت باللاشعور ما يمور في ذاكرتي، لحوادث وقعت، وكان يطرح علي سؤال: هل يمكن أن يكون عندي نموذج محمد شكري... لأنه لم يسبق لي أن نشرت لا شعر أو قصة...هذا أول عمل يسبق لي أن كتبت .
{ جئتَ إلى الأدب من الاقتصاد، بماذا تفسر هذه المعادلة ... وهل دراستك الأكاديمية للاقتصاد جعلت منك كي تكون دقيقا حتى في السرد ؟
> أنا دراستي الأكاديمية كانت في العلوم الاقتصادية، وبعد ذلك التحقت بالمعهد العالي للبريد وبعدها اجتزت باكالوريا حر ودرست في كلية أصول الدين ثم درست الأدب الفرنسي، سوف أتكلم معك بصدق فأنا لم أكن أفكر في الكتابة ، كنت قارئ نهم للرواية العربية والعالمية، ربما في قراءتي ودراستي للاقتصاد هي التي جعلتني أكتب، وخاصة لما كنا نقرأ نظريات التخلف، كنت أجدني أبحث لكي أجد مخرجا للفواجع الاجتماعية التي نعيشها. ولذا خلف اطلاعي بعمق في دراستي الأكاديمية للعلوم الاقتصادية على مآسي التخلف وما يحمله من معاناة الإنسان، وخلف تناسل أسئلتي التي ظلت معلقة. إنه إحساس جعلني جد مثقل حد عتبة المرض، فالتمست بعض الشفاء في الكتابة وقررت أن أصرخ ببعض فظائع واقعنا وببعض فواجع الحياة .
{ أنت جئت للكتابة كذلك من حقل الوظيفة وعملك بالبريد... كيف حاولت أن تسرق الوقت لتكتب في ظل الروتين الوظيفي ؟
> هذه المسألة أنا أقرُ أن العمل في البريد مضني، وكنت أجد نفسي مضطرا لأسرق الوقت ما بعد العمل ... بصراحة كنت أكتب لما يقارب ساعتين في اليوم، عادة كنت أكتب في البيت أوفي الليل قليلا... أما المقهى فلا أكتب فيها.
{ يلعب المكان دورا كبيرا في روايتك، والملاحظ أنك اشتغلت على بعض حواري مدينة تطوان العتيقة، لذا السؤال هنا ما الذي أتارك، وفتح شهيتك للكتابة عن هذه الحواري المغربية ؟
> الرواية جاءت من رحم الحي الذي تربيت فيه ? وسط مدينة تطوان- بالمدينة العتيقة ، هذا الحي يتسم بالعنف والمجانين، والفقر المدقع والدعارة، يعني التخلف في أقصى صوره، ومن هنا كنت أتساءل ألا يمكن أن يوجد مخرج للمآسي التي يعيشها كل هؤلاء الناس. وربما التجأت للأدب لأنني لم أجد حلولا لهذه المشاكل في الاقتصاد.
{ هل الشخوص حقيقية في روايتك ؟
> هي شخوص حقيقية لكنها متداخلة بعملية الخيال... لكن الواقع حقيقي.
{ هناك من صنف أو وصف روايتك في خانة الأدب الشطاري، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ألا يمكن أن نعتبر بعض فصول روايتك هي جزء من سيرتك الذاتية أو الذهنية ؟
> هذه الرواية هي ليست سيرة ذاتية، وإن كان الفضاء الذي استوحيت منه المادة السردية الحكائية هو فضاء عشت بين جوانبه، وهذه الرواية يمكن اعتبارها سيرة ذهنية موجود أنا فيها. فالسارد عندي في الرواية فتاة لقيطة تحيا في الدار الكبيرة والتي هي ماخور للعاهرات، وهذه الرواية تتساءل فيها الراوية ( البطلة) عن معنى الحياة بهذا الشكل، وعن سر وجودها وأسرار كل هذا المستنقع الإنساني. هي قد تكون أسئلة تتعلق بكينونتها الاجتماعية، لكنها تحيل في نفس الوقت عن تساؤلات وجودية.
{ لماذا اخترت الفتاة كساردة و بطلة لروايتك ؟
> ربما تبقى حيلة سردية لشد المتلقي، وربما لأن الفتاة أو المرأة تكون أكثر حنانا وأكثر تدقيقا لتساؤلها حول الحياة .
{ ألم يحضر عندك أثناء الكتابة هاجس توظيف الغموض في أشياء لا تريد أن تقولها أوتفصح عنها وأنت تكتب روايتك ؟
> أنا لا أسمي الأشياء بأسمائها... واستعمالي للغموض في الرواية ربما جاء من توظيفي للشعرية، كما وصف ذلك بعض النقاد، حتى دور النشر لم تختر الرواية لموضوعها وإنما لشفافية اللغة وشعريتها .
{ بعض النقاد يلاحظون بأن روايتك فيها سوداوية... وليست لها نهاية، لماذا لم تكن لهذه الرواية نهاية ؟
> المروي في هذا العمل يمكن أن ألخصه في معاناة متواصلة، إن لم تكن هي فواجع إنسانية نحياها كمتتالية هندسية، لتتوالد من جديد، وقد تكون في صور أفضع، وبالتالي لا أرى أنه من الضروري أن تكون نهاية. وأما سؤال لماذا الرواية سوداوية ... ربما أكون قصدت أن أعري ماهو سيئ في الحياة .
{ من الممكن أن نتوقع أن يصدر لك عمل روائي آخر بعد روايتك الأولى؟
> نعم عندي عمل روائي آخر .... تقريبا هو مكتمل لكن التشذيب ومراجعة اللغة ... والصياغة تأخذ مني وقتا طويلا .
{ غلاف روايتك يوحي بعالم إيروتيكي أكثر فصاحة يلتقي بعنوانها وعندما قرأناها اكتشفنا هذه العوالم المثيرة ؟
> إحالة العنوان والغلاف قد توحي بأنها حمالة لعالم جنسي، أو رواية إيروتيكية، لكن الحقيقة أنها رواية جد عفيفة، بل كان السؤال المهم هو كيف تحافظ فتاة على عفتها وعلى أخلاقها وهي تعيش وسط ماخور. أما السرير في الرواية بالنسبة لي لايحيلنا مباشرة للممارسة الجنسية، لأن للسرير له دور آخر به نقضي وقتا أكثر ونحن نخاطب أنفسنا، ننصت لهمومنا ونسترجع ذكرياتنا ونفشي أسرارنا.
{ لماذا لم تفصح عن اسم الساردة ، وهل هذا كذلك هو سر من الأسرار؟
> ربما قصدت أن لا أعطي اسما للساردة ، لأنني افترضت أن هذه الرواية ستصل إلى عدد أكبر من القراء ، لأنه هذه الساردة ممكن أن تكون أي فتاة قدف بها في هذه الحياة السيئة، أو ربما أ لا أحد يختار مسار حياته. تكلمت عن ما هو إباحي، وقد راعيت لما هو أخلاقي، وإذا كان شكري تحدث عن الأشياء بأسمائها، فأنا استعملت إيحاء، ولكنه يكون أعمق حين يصل إلى المتلقي ويفهمه . شكري تكلم عن سارد مهمش ومشرد، أما أنا فعندي عالم من الشخوص وفضاء كله من الانحلال والضياع والتشرد.
2008/10/17 |
|
| الإتحاد الإشتراكي |
|
|