حاجة الأمة لمعاني الرحمة/بقلم الدكتور: عبدالحليم محمود

إن العمل الإنساني في أي اتجاه من اتجاهاته إنما حدده أحكم الحاكمين في كتابه الكريم. الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وما من شك في أن من ابتغي الهدي في غيره أضله الله. لأنه حبل الله المتين. والذكر الحكيم. والصراط المستقيم.
وإذا كان الواجب الأول علي الإنسان إنما هو رحمته بنفسه. فإن هذا الواجب يتضمن ما لا يكاد يحصي من الواجبات الأخري الإنسانية. ومن أوائلها صلة الرحم.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- "فيما رواه البحاري" عن النبي -صلي الله عليه وسلم- قال: "إن الله خَلَقَ الخَلق. حتي إذا فرغَ من خَلقه قالت الرَّحِمُ: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: نعم. أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلي يا رب. قال: فهو لك. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: فاقرءوا إن شئتم:
"فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم? أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمي أبصارهم" "محمد 22- 23"
ومن بيديهيا صلة الرحم أن يبدأ الإنسان بوالديه. وقد قرن الله تعالي صلتها -لأهميتها- بعدم الإشراك به في العبادة. فقال تعالي: "وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا" "الإسراء 23"
وقال -صلوات الله وسلامه عليه- في الحث علي صلة الرحم عموماً: "من أراد أن يبارك الله له في رزقه وأجله وعمله فليصل رحمه".
ومن الرحمة: الرحمة بالجار. وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة» يقول-صلوات الله وسلامه عليه-: "مازال جبريل يوصيني بالجار حتي ظننت أنه سيورثه"
وإذا كان الدين قد عين بعض الطوائف بالذات. فإنه لم يرد بذلك أن تقتصر الرحمة عليها. لأن المقصود كما يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: "الرحمة العامة": الرحمة التي تعم العالم. التي تعم البشرية بأكملها. بل وتتجاوزها إلي العوالم الأخري -كل العوالم الأخري- ولذلك قال تعالي:
"وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" "الأنبياء 107".. بصيغة الجمع. لا بصيغة المفرد.
ومن أجل ذلك تتضمن الرحمة -في الجو الإسلامي- الرحمة بالحيوانات أيضا.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:
"دخلت امرأة النار في هرة ربطتها. فلم تطعمها. ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض".
وفي رواية: "عُذبت امرأة في هرة سجنتها حتي ماتت. لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها. ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض".
وعن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال: مرّ رسول الله صلي الله عليه وسلم ببعير قد لصق ظهره ببطنه. فقال: "اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة. فاركبوها صالحة. وكلوها صالحة".. وعن أبي هريرة رضي الله عنه. عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:
"دنا رجل إلي بئر فنزل فشرب منها. وعلي البئر كلب يلهث. فرحمه فنزع أحد خفيه فسقاه. فشكر الله له فأدخله الجنة".
أحاديث للرسول صلي الله عليه وسلم. في الرحمة: عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:
"من لا يرحم الناس لا يرحمه الله".
وعن أبي موسي رضي الله عنه سمع النبي صلي الله عليه وسلم يقول: "لن تؤمنوا حتي تراحموا" قالوا: يا رسول الله.. كلنا رحيم.
قال: "إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه. ولكنها رحمة العامة".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم. يقول: "من لم يرحم الناس لم يرحمه الله".
وعن جرير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء".
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "الراحمون يرحمهم الرحمن. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".