محمد عابد الجابري والضجة حول كتابه «مدخل إلى القرآن الكريم»
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
محمد عابد الجابري والضجة حول كتابه «مدخل إلى القرآن الكريم»
بعد صدور كتاب محمد عابد الجابري «مدخل إلى القرآن الكريم - الجزء
الأول... في التعريف»، وبعـد مشاركتـه في فعاليات «معرض الرياض الدولي
للكتاب» منذ فتـرة، فإن الجابري تعرض للكثير من الانتقادات والاتهام بسبب
بعض آرائه حول جمع القرآن الكريم، أو ما فهم من كلامه بأنه يشكك في بعض
آياته بالنقصان أو الزيادة أو ما شابه.
والواقع أن الجابري لم يقل هو بذلك، إنما عرض بعض الآراء التي ذكرت عنه
من بعض المفسرين والمحدثين، وجاءت بعضها كردود على أراء بعض الغلاة أو
المشركين أو غيرهم، لكنه يقول في ص 222 من الكتاب، أن كل الآراء التي قيلت
في هذا الجانب «مرفوضة بإجماع المسلمين». وهذا تأكيد من الجابري أن ما قيل
عن التحريف أو النقصان في القرآن ليس له عند كل المسلمين ومذاهبهم أي
قبول، ومرفوض منذ العصر الأول حتى الآن. ويبقى الاختلاف في مسألة التأويل
أو في القراءات السبع أو التفسير الخ. وهذا ما أكده في الكتاب نفسه بقوله
ليس ثمة «أدلة قاطعة على حدوث زيادة أو نقصان في القرآن كما هو في المصحف
بين أيدي الناس، منذ جمعه زمن عثمان».
وهذا الكلام للدكتور الجابري ليس جديداً في مسألة عدم تحريف القرآن أو
نقصانه، ففي كتابه «المسألة الثقافية» الذي صدر منذ 15 سنة وقاله كرد غير
مباشر على مشروعات محمد أركون «الهلامية» حول نقد العقل الإسلامي أو
اللاهوتي كالذي عرفته أوروبا بعد عصر الأنوار على المسيحية، فيقول: «أما
من يفكر في النقد اللاهوتي على غرار ذلك النقد اللاهوتي الذي عرفته
أوروبا، فهو يجهل أو يتجاهل الفرق بين الدين الإسلامي والدين المسيحي.
الدين الإسلامي له كتاب مقدس لم يلحقه تغيير ولا تحريف منذ أن جمع في عهد
عثمان، وليس هناك دليل قاطع على أن نوعاً من التحريف أو البتر أو التغيير
قد حدث في فترة ما بين نزول القرآن وجمعه، لقد كانت هناك اتهامات متبادلة
لاحدود لها وصلت إلى حد التكفير والى الفتنة والقتل، لكن لم نسمع عن أي
واحد من خصوم عثمان يتهمه بأنه جمع القرآن مبتوراً أو أحدث فيه هو أو غيره
تغييراً» (ص 278، 279).
وأكد الجابري هذا القول بعد صدور كتابه «مدخل إلى القرآن الكريم» في
عموده الأسبوعي «في الصميم» في مجلة «المجلة» السعودية بتاريخ 23 شباط
(فبراير) 2008. يقول الجابري وكأنه يرد على ما قاله بعضهم عن كتابه هذا:
«لا نستطيع الشك في صحة النص الذي بين أيدينا اليوم. إنه النص نفسه
(المصحف) الذي جمع ورتب وأقر كنص رسمي زمن الخليفة الثالث عثمان بن عفان.
وكما هو معروف فلقد كان للنبي كتّاب يكتبون الوحي، أي القرآن. وكان هناك
حرص شديد على أن لا يكتب غيره من كلام النبي كي لا يقع اختلاط. وعندما تم
الوحي وتوفي النبي صار لكل من كتاب الوحي «مصحف» يتكون من مجموع ما كتبه
من الآيات، ونزول القرآن استمر 23سنة، إذ كان ينزل منجماً مقسطاً بحسب ما
تقتضيه الظروف والأحوال. ويتحدث المؤرخون عن عمليات تمهيدية لجمع القرآن
تمت زمن أبي بكر وعمر. ومهما كان فإن الثابت تاريخياً هو أنه في زمن عثمان
شكلت «لجنة» من كتاب الوحي لجمع ما عند هؤلاء الكتاب من القرآن ومقارنة
مصاحفهم بعضها ببعض والخروج بنسخة واحدة رسمية هي المصحف المتداول منذ ذلك
الوقت إلى اليوم. أما النسخ الأخرى، أعني ما كان قد جمعه كتاب الوحي أو
غيرهم، فلم يسجل بينها كبير اختلاف ماعدا بعض الفروق على صعيد ترتيب السور
وقراءة بعض الآيات وقد أخذ ذلك في الاعتبار، وجمع منها مصحف واحد، رتبت
سوره على أساس حجمها من الطويل إلى القصير، ووزع على الأمصار كمصحف «إمام»
وصدر الأمر بإحراق المصاحف الأخرى لتجنب هذا الخلط».
ويضيف في فقرة أخرى من مقاله: «ان المسلمين والصحابة أنفسهم قد اختلفوا
وتنازعوا وقامت بينهم حروب الخ... ومع ذلك لم يتهم أي منهم طرفاً ما بالمس
بالقرآن كنص. وكان هناك من بين كبار الصحابة خصوم لمعاوية (الذي كان من
كتّاب الوحي) قاتلوه يوم صفين وهم يخاطبونه وقومه الأمويين قائلين:
«قاتلناكم على تنزيله واليوم نقاتلكم على تأويله». بمعنى أن هؤلاء الصحابة
قاتلوا قريش بزعامة بني أمية وعلى رأسهم أبو سفيان - قبل أن يدخلوا
الإسلام ويؤمنوا بالقرآن وحياً ومنزلاً - و «اليوم»، يوم صفين، يقاتلونهم
على «تأويله» تأويل القرآن - وإذاً فالخلاف والنزاع زمن عثمان ومعاوية كان
حول « التأويل « ولم يكن يمس في شيء «التنزيل» (النص). أما ما يروى عن أن
بعض الشيعة شككوا في آية أو آيتين، سواء على مستوى الصيغة أم على مستوى
البتر، فإن أئمة الشيعة في الماضي والحاضر يتبرؤون من ذلك ويجمعون على أن
القرآن كما هو متداول اليوم هو نفسه القرآن كما كان في زمن النبي (صلى
الله عليه وسلم).
إن الاتهام الجزافي وعدم التدقيق في آراء الآخرين، وربما التشكيك في
نياتهم ورميهم بالتفسيق أو التكفير خطأ وخطر كبير نسأل الله السلامة منه.
نعم قد يخطئ الجابري أو غيره في قضايا فكرية أو غيرها في الفكر الإسلامي
أو الاجتهاد في بعض الآراء، والبشر معرضون للخطأ، بل ان بعض علماء في
الإسلام كانت لهم آراء خاطئة في قضايا عديدة، وكتبت كثير من المؤلفات التي
تقدح في آرائهم، ولا عصمة إلا للرسول (ص) كما يقول الإمام مالك رحمه الله.
والقرآن الكريم يعلمنا أن نكون عادلين في أحكامنا كما جاء في الآية [ولا
يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا]. والجابري في اعتقادنا الآن أكثر
اقتراباً من الفكر الإسلامي من الجابري بالمقارنة بفكره عندما صدر الجزء
الأول من كتابه «تكوين العقل العربي» في أوائل الثمانينات من القرن
الماضي، ولا يجوز أن نحاكمه على آرائه التي كتبها منذ عقدين أو أكثر.
وقد خالفت الجابري في بعض آرائه التي قالها في بعض كتبه، ونشرتها في
بعض الدراسات منذ سنوات، إلا أننا نرى أن الجابري بريء من تهمة التشكيك في
القرآن، والرجل على أي حال قد يخطئ في بعض اجتهاداته، لكننا نعتقد أنه لا
يهدف الى ما قيل عنه، ولا يمكن أن نقارنه بآراء محمد أركون أو نصر حامد
أبو زيد أو غيرهما من الذين لهم مشاريعهم التي لا تلتقي بتاتاً مع فكر
الجابري أو نهجه أو اتجاهه وهذا له حديث آخر...------------عبدالله علي العليان - كاتب عماني/ الحياة -18-4-2009
الأول... في التعريف»، وبعـد مشاركتـه في فعاليات «معرض الرياض الدولي
للكتاب» منذ فتـرة، فإن الجابري تعرض للكثير من الانتقادات والاتهام بسبب
بعض آرائه حول جمع القرآن الكريم، أو ما فهم من كلامه بأنه يشكك في بعض
آياته بالنقصان أو الزيادة أو ما شابه.
والواقع أن الجابري لم يقل هو بذلك، إنما عرض بعض الآراء التي ذكرت عنه
من بعض المفسرين والمحدثين، وجاءت بعضها كردود على أراء بعض الغلاة أو
المشركين أو غيرهم، لكنه يقول في ص 222 من الكتاب، أن كل الآراء التي قيلت
في هذا الجانب «مرفوضة بإجماع المسلمين». وهذا تأكيد من الجابري أن ما قيل
عن التحريف أو النقصان في القرآن ليس له عند كل المسلمين ومذاهبهم أي
قبول، ومرفوض منذ العصر الأول حتى الآن. ويبقى الاختلاف في مسألة التأويل
أو في القراءات السبع أو التفسير الخ. وهذا ما أكده في الكتاب نفسه بقوله
ليس ثمة «أدلة قاطعة على حدوث زيادة أو نقصان في القرآن كما هو في المصحف
بين أيدي الناس، منذ جمعه زمن عثمان».
وهذا الكلام للدكتور الجابري ليس جديداً في مسألة عدم تحريف القرآن أو
نقصانه، ففي كتابه «المسألة الثقافية» الذي صدر منذ 15 سنة وقاله كرد غير
مباشر على مشروعات محمد أركون «الهلامية» حول نقد العقل الإسلامي أو
اللاهوتي كالذي عرفته أوروبا بعد عصر الأنوار على المسيحية، فيقول: «أما
من يفكر في النقد اللاهوتي على غرار ذلك النقد اللاهوتي الذي عرفته
أوروبا، فهو يجهل أو يتجاهل الفرق بين الدين الإسلامي والدين المسيحي.
الدين الإسلامي له كتاب مقدس لم يلحقه تغيير ولا تحريف منذ أن جمع في عهد
عثمان، وليس هناك دليل قاطع على أن نوعاً من التحريف أو البتر أو التغيير
قد حدث في فترة ما بين نزول القرآن وجمعه، لقد كانت هناك اتهامات متبادلة
لاحدود لها وصلت إلى حد التكفير والى الفتنة والقتل، لكن لم نسمع عن أي
واحد من خصوم عثمان يتهمه بأنه جمع القرآن مبتوراً أو أحدث فيه هو أو غيره
تغييراً» (ص 278، 279).
وأكد الجابري هذا القول بعد صدور كتابه «مدخل إلى القرآن الكريم» في
عموده الأسبوعي «في الصميم» في مجلة «المجلة» السعودية بتاريخ 23 شباط
(فبراير) 2008. يقول الجابري وكأنه يرد على ما قاله بعضهم عن كتابه هذا:
«لا نستطيع الشك في صحة النص الذي بين أيدينا اليوم. إنه النص نفسه
(المصحف) الذي جمع ورتب وأقر كنص رسمي زمن الخليفة الثالث عثمان بن عفان.
وكما هو معروف فلقد كان للنبي كتّاب يكتبون الوحي، أي القرآن. وكان هناك
حرص شديد على أن لا يكتب غيره من كلام النبي كي لا يقع اختلاط. وعندما تم
الوحي وتوفي النبي صار لكل من كتاب الوحي «مصحف» يتكون من مجموع ما كتبه
من الآيات، ونزول القرآن استمر 23سنة، إذ كان ينزل منجماً مقسطاً بحسب ما
تقتضيه الظروف والأحوال. ويتحدث المؤرخون عن عمليات تمهيدية لجمع القرآن
تمت زمن أبي بكر وعمر. ومهما كان فإن الثابت تاريخياً هو أنه في زمن عثمان
شكلت «لجنة» من كتاب الوحي لجمع ما عند هؤلاء الكتاب من القرآن ومقارنة
مصاحفهم بعضها ببعض والخروج بنسخة واحدة رسمية هي المصحف المتداول منذ ذلك
الوقت إلى اليوم. أما النسخ الأخرى، أعني ما كان قد جمعه كتاب الوحي أو
غيرهم، فلم يسجل بينها كبير اختلاف ماعدا بعض الفروق على صعيد ترتيب السور
وقراءة بعض الآيات وقد أخذ ذلك في الاعتبار، وجمع منها مصحف واحد، رتبت
سوره على أساس حجمها من الطويل إلى القصير، ووزع على الأمصار كمصحف «إمام»
وصدر الأمر بإحراق المصاحف الأخرى لتجنب هذا الخلط».
ويضيف في فقرة أخرى من مقاله: «ان المسلمين والصحابة أنفسهم قد اختلفوا
وتنازعوا وقامت بينهم حروب الخ... ومع ذلك لم يتهم أي منهم طرفاً ما بالمس
بالقرآن كنص. وكان هناك من بين كبار الصحابة خصوم لمعاوية (الذي كان من
كتّاب الوحي) قاتلوه يوم صفين وهم يخاطبونه وقومه الأمويين قائلين:
«قاتلناكم على تنزيله واليوم نقاتلكم على تأويله». بمعنى أن هؤلاء الصحابة
قاتلوا قريش بزعامة بني أمية وعلى رأسهم أبو سفيان - قبل أن يدخلوا
الإسلام ويؤمنوا بالقرآن وحياً ومنزلاً - و «اليوم»، يوم صفين، يقاتلونهم
على «تأويله» تأويل القرآن - وإذاً فالخلاف والنزاع زمن عثمان ومعاوية كان
حول « التأويل « ولم يكن يمس في شيء «التنزيل» (النص). أما ما يروى عن أن
بعض الشيعة شككوا في آية أو آيتين، سواء على مستوى الصيغة أم على مستوى
البتر، فإن أئمة الشيعة في الماضي والحاضر يتبرؤون من ذلك ويجمعون على أن
القرآن كما هو متداول اليوم هو نفسه القرآن كما كان في زمن النبي (صلى
الله عليه وسلم).
إن الاتهام الجزافي وعدم التدقيق في آراء الآخرين، وربما التشكيك في
نياتهم ورميهم بالتفسيق أو التكفير خطأ وخطر كبير نسأل الله السلامة منه.
نعم قد يخطئ الجابري أو غيره في قضايا فكرية أو غيرها في الفكر الإسلامي
أو الاجتهاد في بعض الآراء، والبشر معرضون للخطأ، بل ان بعض علماء في
الإسلام كانت لهم آراء خاطئة في قضايا عديدة، وكتبت كثير من المؤلفات التي
تقدح في آرائهم، ولا عصمة إلا للرسول (ص) كما يقول الإمام مالك رحمه الله.
والقرآن الكريم يعلمنا أن نكون عادلين في أحكامنا كما جاء في الآية [ولا
يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا]. والجابري في اعتقادنا الآن أكثر
اقتراباً من الفكر الإسلامي من الجابري بالمقارنة بفكره عندما صدر الجزء
الأول من كتابه «تكوين العقل العربي» في أوائل الثمانينات من القرن
الماضي، ولا يجوز أن نحاكمه على آرائه التي كتبها منذ عقدين أو أكثر.
وقد خالفت الجابري في بعض آرائه التي قالها في بعض كتبه، ونشرتها في
بعض الدراسات منذ سنوات، إلا أننا نرى أن الجابري بريء من تهمة التشكيك في
القرآن، والرجل على أي حال قد يخطئ في بعض اجتهاداته، لكننا نعتقد أنه لا
يهدف الى ما قيل عنه، ولا يمكن أن نقارنه بآراء محمد أركون أو نصر حامد
أبو زيد أو غيرهما من الذين لهم مشاريعهم التي لا تلتقي بتاتاً مع فكر
الجابري أو نهجه أو اتجاهه وهذا له حديث آخر...------------عبدالله علي العليان - كاتب عماني/ الحياة -18-4-2009
الشلخة 1- عدد الرسائل : 298
العمر : 63
Localisation : jawal
Emploi : mastoura
تاريخ التسجيل : 30/08/2006
تفسير الجابري للقرآن الكريم: منطق يطابق تسلسل السّوَر
يقدم المفكر العربي د. محمد عابد الجابري في القسم الثاني من كتابه «فهم
القرآن الكريم - التفسير الواضح حسب ترتيب النزول» الصادر حديثا عن مركز
دراسات الوحدة العربية في بيروت، اجتهاده في تفسير القرآن الكريم. وهو
مشروع من ثلاثة اقسام يعكس في مجمله النتيجة العامة والعملية التي خرج بها
الجابري من مصاحبة التفاسير الموجودة، وهي ان المكتبة العربية الاسلامية
تفتقر الى تفسير يستفيد في عملية «الفهم» من جميع التفاسير السابقة.
والمؤلف
في سبيل ذلك يقوم ببناء التفسير القرآني على اساس ترتيب النزول، ليس فقط
على مستوى «الكون والتكوين»، وما يمكن ان نعبّر عنه بـ«مسار التنزيل»، بل
ايضا على مستوى مسيرة الدعوة المحمدية والسيرة النبوية.
يرى
الجابري في القسم الجديد من كتابه ان القرآن الكريم نزل منجّماً، وخلال
ازيد من عشرين سنة، وان تسلسل سورة، حسب ترتيب النزول، بباطنه تسلسل
منطقي. وبالتالي فان الرجوع الى وقائع السيرة جعلته يكتشف ان ذلك المنطق
الذي يباطن تسلسل السور، داخل كل مجموعة، يتطابق في مضمونه مع تسلسل هذه
الوقائع، الامر الذي يتبين منه بوضوح ان مسار التنزيل مساوق فعلاً لمسيرة
الدعوة.
ويسلك الجابري طريقه في «الإفهام» ألصق بالطريقة التي تُعتمد
اليوم في الكتابة، اذ شكّل استعمال «علامات الافهام» جزءا اساسياً في بسط
الوضوح لهذا المشروع في التفسير.
يضم هذا القسم الثاني من الكتاب ثماني
وثلاثين سورة «من سورة الحجر الى سورة الحج (حسب ترتيب الجابري)، وفيه
يسلّط الضوء على ثلاث مراحل: 1ــ الصدع بالامر والاتصال بالقبائل. 2ــ
حصار النبي (ص) واهله في شعب ابي طالب، وهجرة المسلمين الى الحبشة. 3ــ ما
بعد الحصار: مواصلة الاتصال بالقبائل، والاستعداد للهجرة الى المدينة.
يكرر
الجابري في هذا القسم من كتابه ما كان قاله في القسم الاول من ان العقيدة
والاخلاق في القرآن كلّ واحد لا يتجزأ. ولكنه ذهب الى ابعد من هذا، حين
اكد ان الاخلاق في القرآن المكّي هي التي تؤسس العقيدة الاسلامية، وهو ما
يميّزها عن غيرها من الديانات. ويضيف: «ان المحاور التي يدور حولها خطاب
العقيدة في القرآن ثلاثة: النبوة والتوحيد والمعاد. وما يتميز به القرآن
من التوراة والانجيل هو تركيزه على المحور الثالث: البعث والجزاء. اما
اثبات النبوة والدفاع عنها وتأكيد «التوحيد» (اقرار وحدة الالوهية وشجب
الشرك وعبادة الاصنام) فهما حاضران في التوراة والانجيل حضورهما في
القرآن»، وقد ابرز الجابري ذلك بالنصوص. ولكن موقف كل من التوراة والانجيل
من «المعاد» (البعث والحساب والجزاء) اضعف كثيرا من موقف القرآن، بل هو
غامض وضبابي، كما يقول الجابري.
وينبّه الجابري الى ان خطاب الجنة
والنار الذي تكرر كثيرا في الخطاب المكي كان في آن واحد سلاحا واخلاقا.
اما كونه سلاحاً، فلتخويف المشركين من النار وحملهم على الطمع في الجنة.
واما كونه اخلاقاً، فلإشعار المؤمنين بأن الايمان وحده لا يكفي، بل لا بد
من خصال معينة بيّنها القرآن وفي مقدمها التقوى والعمل الصالح. اما التقوى
فتعني تجنّب الرذائل، واما العمل الصالح فيعني اتيان الفضائل.
من هنا
يجب ان نتساءل، يضيف الجابري: هل يصحّ القول، باسم القرآن: «الدنيا من اجل
الآخرة»، من اجل الدخول الى الجنة او المصير الى النار، كما درج على القول
بذلك كثير من الناس، علماء وعامة، في جميع العصور التي تلت عصر النبوة
والخلفاء الراشدين، ام ان
الأمر بالعكس من ذلك تماما، وهو ان الآخرة،
اي الجنة والنار، هما من اجل الدنيا، من اجل ان يسود فيها العدل والتسامح
والسلام والتواصي بالصبر والرحمة والدفع بالتي هي احسن؟
لقد جادل الملأ
من قريش جدالا مريرا، حادا ومتواصلا، في موضوع امكان البعث، لأن البعث
يعني الجزاء، يعني المسؤولية. واذن فالايمان بالبعث والتسليم به كانا
يعنيان تغيير سلوكهم بالتخلي عن كل ما هو غير مشروع في حياتهم الاجتماعية
والاقتصادية. ان الجنة في القرآن ميدان للثواب على ترك الرذائل واتيان
الفضائل في الدنيا. اما النار فهي بالعكس ميدان للعقاب على اتيان الرذائل
وترك الفضائل في الدنيا. فلولا عمل الانسان في الدنيا، لما كانت هناك جنة
ولا نار. وعلى العموم: لولا الدنيا لما كانت هناك آخرة. واذن فالآخرة من
اجل الدنيا، وليس العكس!
ذلك، في ما يرى الجابري، هو موقف القرآن المكي
كما حاول فهمه وتفهّمه وتفهيمه. وهو يخصّ بالذكر، هنا، القرآن المكي وحده
لسبب اساسي، وهو ان الخطاب فيه موجّه الى جهتين فقط: الوعد للنبي (ص)
وصحبه من جهة، والوعيد للمشركين من جهة اخرى، وليس فيه تخصيص على عقوبة في
الدنيا يطبقها النبي او سواه، لا على اصحابه المؤمنين بالدعوة، ولا على
خصومه المحاربين لها. اما في المدينة فالأمر يختلف. هناك تعدد: مشركو مكة
قبل فتحها، اليهود قبل جلائهم، المنافقون، القاعدون من المؤمنين
والمجاهدون، اصحاب الصفة واصحاب المغانم، المستضعفون والمترفون. فهل
ستختلف العلاقة بين الاخرة والدنيا بسبب هذا التعدد؟
سؤال يقول الجابري انه لن يتأتى له الجواب عنه الا بعد الفراغ من القسم الثالث من هذا الكتاب.
القرآن الكريم - التفسير الواضح حسب ترتيب النزول» الصادر حديثا عن مركز
دراسات الوحدة العربية في بيروت، اجتهاده في تفسير القرآن الكريم. وهو
مشروع من ثلاثة اقسام يعكس في مجمله النتيجة العامة والعملية التي خرج بها
الجابري من مصاحبة التفاسير الموجودة، وهي ان المكتبة العربية الاسلامية
تفتقر الى تفسير يستفيد في عملية «الفهم» من جميع التفاسير السابقة.
والمؤلف
في سبيل ذلك يقوم ببناء التفسير القرآني على اساس ترتيب النزول، ليس فقط
على مستوى «الكون والتكوين»، وما يمكن ان نعبّر عنه بـ«مسار التنزيل»، بل
ايضا على مستوى مسيرة الدعوة المحمدية والسيرة النبوية.
يرى
الجابري في القسم الجديد من كتابه ان القرآن الكريم نزل منجّماً، وخلال
ازيد من عشرين سنة، وان تسلسل سورة، حسب ترتيب النزول، بباطنه تسلسل
منطقي. وبالتالي فان الرجوع الى وقائع السيرة جعلته يكتشف ان ذلك المنطق
الذي يباطن تسلسل السور، داخل كل مجموعة، يتطابق في مضمونه مع تسلسل هذه
الوقائع، الامر الذي يتبين منه بوضوح ان مسار التنزيل مساوق فعلاً لمسيرة
الدعوة.
ويسلك الجابري طريقه في «الإفهام» ألصق بالطريقة التي تُعتمد
اليوم في الكتابة، اذ شكّل استعمال «علامات الافهام» جزءا اساسياً في بسط
الوضوح لهذا المشروع في التفسير.
يضم هذا القسم الثاني من الكتاب ثماني
وثلاثين سورة «من سورة الحجر الى سورة الحج (حسب ترتيب الجابري)، وفيه
يسلّط الضوء على ثلاث مراحل: 1ــ الصدع بالامر والاتصال بالقبائل. 2ــ
حصار النبي (ص) واهله في شعب ابي طالب، وهجرة المسلمين الى الحبشة. 3ــ ما
بعد الحصار: مواصلة الاتصال بالقبائل، والاستعداد للهجرة الى المدينة.
يكرر
الجابري في هذا القسم من كتابه ما كان قاله في القسم الاول من ان العقيدة
والاخلاق في القرآن كلّ واحد لا يتجزأ. ولكنه ذهب الى ابعد من هذا، حين
اكد ان الاخلاق في القرآن المكّي هي التي تؤسس العقيدة الاسلامية، وهو ما
يميّزها عن غيرها من الديانات. ويضيف: «ان المحاور التي يدور حولها خطاب
العقيدة في القرآن ثلاثة: النبوة والتوحيد والمعاد. وما يتميز به القرآن
من التوراة والانجيل هو تركيزه على المحور الثالث: البعث والجزاء. اما
اثبات النبوة والدفاع عنها وتأكيد «التوحيد» (اقرار وحدة الالوهية وشجب
الشرك وعبادة الاصنام) فهما حاضران في التوراة والانجيل حضورهما في
القرآن»، وقد ابرز الجابري ذلك بالنصوص. ولكن موقف كل من التوراة والانجيل
من «المعاد» (البعث والحساب والجزاء) اضعف كثيرا من موقف القرآن، بل هو
غامض وضبابي، كما يقول الجابري.
وينبّه الجابري الى ان خطاب الجنة
والنار الذي تكرر كثيرا في الخطاب المكي كان في آن واحد سلاحا واخلاقا.
اما كونه سلاحاً، فلتخويف المشركين من النار وحملهم على الطمع في الجنة.
واما كونه اخلاقاً، فلإشعار المؤمنين بأن الايمان وحده لا يكفي، بل لا بد
من خصال معينة بيّنها القرآن وفي مقدمها التقوى والعمل الصالح. اما التقوى
فتعني تجنّب الرذائل، واما العمل الصالح فيعني اتيان الفضائل.
من هنا
يجب ان نتساءل، يضيف الجابري: هل يصحّ القول، باسم القرآن: «الدنيا من اجل
الآخرة»، من اجل الدخول الى الجنة او المصير الى النار، كما درج على القول
بذلك كثير من الناس، علماء وعامة، في جميع العصور التي تلت عصر النبوة
والخلفاء الراشدين، ام ان
الأمر بالعكس من ذلك تماما، وهو ان الآخرة،
اي الجنة والنار، هما من اجل الدنيا، من اجل ان يسود فيها العدل والتسامح
والسلام والتواصي بالصبر والرحمة والدفع بالتي هي احسن؟
لقد جادل الملأ
من قريش جدالا مريرا، حادا ومتواصلا، في موضوع امكان البعث، لأن البعث
يعني الجزاء، يعني المسؤولية. واذن فالايمان بالبعث والتسليم به كانا
يعنيان تغيير سلوكهم بالتخلي عن كل ما هو غير مشروع في حياتهم الاجتماعية
والاقتصادية. ان الجنة في القرآن ميدان للثواب على ترك الرذائل واتيان
الفضائل في الدنيا. اما النار فهي بالعكس ميدان للعقاب على اتيان الرذائل
وترك الفضائل في الدنيا. فلولا عمل الانسان في الدنيا، لما كانت هناك جنة
ولا نار. وعلى العموم: لولا الدنيا لما كانت هناك آخرة. واذن فالآخرة من
اجل الدنيا، وليس العكس!
ذلك، في ما يرى الجابري، هو موقف القرآن المكي
كما حاول فهمه وتفهّمه وتفهيمه. وهو يخصّ بالذكر، هنا، القرآن المكي وحده
لسبب اساسي، وهو ان الخطاب فيه موجّه الى جهتين فقط: الوعد للنبي (ص)
وصحبه من جهة، والوعيد للمشركين من جهة اخرى، وليس فيه تخصيص على عقوبة في
الدنيا يطبقها النبي او سواه، لا على اصحابه المؤمنين بالدعوة، ولا على
خصومه المحاربين لها. اما في المدينة فالأمر يختلف. هناك تعدد: مشركو مكة
قبل فتحها، اليهود قبل جلائهم، المنافقون، القاعدون من المؤمنين
والمجاهدون، اصحاب الصفة واصحاب المغانم، المستضعفون والمترفون. فهل
ستختلف العلاقة بين الاخرة والدنيا بسبب هذا التعدد؟
سؤال يقول الجابري انه لن يتأتى له الجواب عنه الا بعد الفراغ من القسم الثالث من هذا الكتاب.
خديجة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 541
العمر : 49
Localisation : تمارة
Emploi : موظفة قطاع خاص
تاريخ التسجيل : 25/03/2008
مواضيع مماثلة
» دراسة القرآن الكريم في خطابي محمد عابد الجابري ونصر حامد أبو زيد ...
» مشروعه الثاني الكبير «مدخل إلى القرآن الكريم» و«تفسير القرآن».. معنى أن يصبح الجابري ابن رشد القرن العشرين / لحسن العسبي
» قراءة...بعض من الاشراقات السوسيو ـ تربوية في مشروع محمد عابد الجابري / محمد لمباشري
» معارك محمد عابد الجابري الفكرية والسياسية
» جائزة ابن رشد للفكر الحر للمفكر محمد عابد الجابري
» مشروعه الثاني الكبير «مدخل إلى القرآن الكريم» و«تفسير القرآن».. معنى أن يصبح الجابري ابن رشد القرن العشرين / لحسن العسبي
» قراءة...بعض من الاشراقات السوسيو ـ تربوية في مشروع محمد عابد الجابري / محمد لمباشري
» معارك محمد عابد الجابري الفكرية والسياسية
» جائزة ابن رشد للفكر الحر للمفكر محمد عابد الجابري
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى