الشيخ إمام..

هو
صوت الثورة الصارخ في البرية بحثاً عن العدل والحرية، يحمل في قلبه جيفارا
وعلي الزيبق و"بن عروس" وسيد درويش، تحتضن ألحانه دفء الآذان، وبكارة
المدائح الصوفية، وخجل أوتار العود، لم يعرف أوراق البنكنوت أو بذخ قاعات
الفنادق، بل عاش في ميادين القهر وسجون العسس، تفترش ألحانه الزنازين،
وتخرج من طاقاتها إلى وجدان الشعب.

وُلد
الشيخ إمام عيسى بقرية أبو النمرس في 2 يوليو 1918، لأسرة فقيرة، ولم ير
إمام من أبيه إلا القسوة، فتعلق بأمه التي أغدقت عليه بجرعات زائدة من
الحنان تكفيراً عن ذنبها بتسببها في فقدان بصره، عندما عالجته بروث
البهائم حين أصيب بالرمد وعمره شهران، وهو ذنب لم تسامح نفسها عليه إلى أن
ماتت، وكان عجز إمام سبباً كافياً لتحديد مستقبله في التعليم الديني على
عادة المصريين في تعاملهم مع فاقدي البصر، أملا في أن يصبح قارئاً للقرآن
أو إماما لأحد المساجد أو شيخاً أزهرياً متفقهاً وعالماً إذا تفوق.

دخل
إمام كتاب الشيخ عبد الفتناح ندا في قريته وهو دون الخامسة، ثم ألحقه
والده بالجمعية الشرعية في أبو النمرس، وهي جمعية لتعليم علوم الدين أسسها
العالم الأزهري محمود خطاب السبكي، كانت تتولى إيواء الفقراء وإطعامهم،
ويعيش في كنفها عدد من المقرئين ورجال الدين، قضى إمام مدة ثم انتقل إلى
فرع الجمعية الرئيسي في القاهرة، بعد بروز موهبته الصوتية أصبح منشداً في
فريق مقرئي الجمعية، في المناسبات، فكان ذهابه للقاهرة لتهذيب صوته،
وبالفعل مكث فيها خمس سنوات في رحاب الشيخ السبكي، الذي تميز بطيبة القلب
وعطفه الدائم عليه، لكن كان للقدر رأي آخر فقد توفي السبكي وتولى إدارة
الجمعية ابنه، وهو من المتزمتين دينياً الذين رأوا في الاستماع إلى القرآن
في الإذاعة من المحرمات، وهو ما فعله إمام عندما ضبط متلبسا بسماع الشيخ
محمد رفعت في راديو على مقهى بدرب الجماميز، فكان الطرد هو المصير
المتوقع، ولم تشفع توسلاته لإنقاذه، وهكذا وجد إمام نفسه وحيداً بلا مأوى
أو مستقبل، تائه في القاهرة ولا يستطيع العودة لقريته خوفاً من أبيه،
فقادته قدماه إلى في أحد أيام صيف 1943 إلى شارع ضيق بجوار الأزهر، تتفرع
منه حارة ضيقة تسمى "حوش قدم" ، أي قدم الخير بالفارسية، سكنها بعض التجار
النازحين من قريته، وهي قرية اشتهر أهلها بالمهارة والفطنة، حيث ساد في
الأوساط الشعبية تعبير يقول "إنت هتتنمرس عليا"، أي تلف وتدور بخبث،
وتتنمرس نسبة إلى أبو النمرس.

استقبله
أهل قريته بكثير من الترحاب، ثم عاش حياة الصعاليك، ينام في الأزهر
والحسين، ويخرج للقراءة في المآتم، وحفلات الطهور، إلى أن جاء والده يبحث
عنه بعد فصله من الجمعية، فضربه بشدة وأهانه وتوعده بالشرور إذا فكر في
العودة للقرية، وبعد تلك الحادثة بعشرة أيام ماتت أمه ولم يجرؤ على العودة
لحضور مأتمها، ولم يعد إلى القرية إلى أن مات أبوه.

لم
تكن تلك القرية هي أول عهد الشيخ إمام بالقهر، فهناك حادثة أخرى أثرت بشكل
كبير في حياته، وهي قصة رواها رفيقه أحمد فؤاد نجم في مذكراته، وتتحدث عن
تجربة أليمة مر بها الشيخ إمام أثناء وجوده بمسجد الحسين، عندما أتاه رجل
يدعوه لإحياء ليلة قرآنية في بيته، وأعطاه مبلغاً كبيراً من المال كعربون،
ثم مشي معه مسافة طويلة، فوجيء بعدها بمن يضربه إلى أن فقد الوعي، ثم يفيق
ليجد نفسه مجرداً من الملابس ومعتدى عليه جنسياً في أحد المقابر، تركت تلك
الحادثة أثراً كبيراً في نفسه، وكانت سبباً في فشل زواجه القصير بعد ذلك.

هكذا
تجمعت حوله حلقات القهر حتى كبلته، لكن موهبته لم تخمد، فيتعرف على الشيخ
درويش الحريري في تلك الأثناء، وهو أستاذ في معهد الموسيقى العربية،
ويتعلم على يديه أصول الموشحات والمقامات الموسيقية والتلحين، ثم يتعلم
العزف على العود على يد كامل الحمصاني، وكانت النقلة الثانية في حياته
عندما تعرف على الشيخ زكريا أحمد، عن طريق درويش الحريري فضمه إلى بطانته،
واستعان به الشيخ زكريا لحفظ الألحان الجديدة واكتشاف نقاط الضعف فيها.

ولاحقاً
اكتشف الشيخ زكريا أنه يسرب الألحان التي لحنها لأم كلثوم قبل غنائها
ومنها "أنا في انتظارك"، و"أهل الهوى"، و"الأولة في الغرام"، فطرده
من فرقته ليلتحق ببطانة الشيخ عبد السميع بيومي فترة طويلة، قبل أن يتحول
إلى مطرب بعد خلعه العمامة والقفطان، ويتقدم للإذاعة عام 1945، ثم ذاع
صيته في موالد الأولياء والأفراح الشعبية.

كان
لقاء الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم قدرياً، لعب القدر فيه أجمل أدواره، فبعد
خروج نجم من السجن لم يكن معه ما يواجه به الدنيا إلا مجموعة من أوراق
تشكل في مجموعها ديوانه الأول "صور من الحياة والسجن"، الذي استقبله الوسط
الأدبي بكثير من الإعجاب، وبدأ التعاون بينهما بقصيدة غزلية يقول مطلعها:

أنا أتوب عن حبك أنا

أنا لي ف بعدك غنا

الله يجازيك

يا شاغلني معاك

وشاغلني عليك

إن غبت سنة أنا برده أنا

ثم
اتخذ الثنائي نجم وإمام اتجاهاً ثورياً حاداً معجوناً بالغضب بعد هزيمة
يونيو 1967، هاجما كل شيء وأي شيء من النظام السياسي إلى أم كلثوم:

"يا ولية عيب اختشي

يا شبه إيد الهون

دا انتي اللي زيك مشي

يا مرضعة قلاوون"

هاجموا
السادات والأغنياء والتمايز الطبقي، وغنوا للمقاومة وجيفارا، وأصبحا ضيفين
دائمين على المظاهرات والسجون، تحول إمام من مطرب الثورة على الثورة، إلى
أن ذبلت الظاهرة نسبياً وتحولت إلى تراث في منتصف الثمانينات، بتراجع
اليسار وظهور المد السلفي الذي أهمل الغناء كوسيلة نضال، وبالطبع ساعدت
القطيعة بين الشاعر والمغني الكفيف، التي امتدت لما يقرب من عشر سنوات،
على ذبول الظاهرة، فيتجه نجم للمسرح الغنائي ويبدع فيه، وينزوي إمام
منعزلاً متعبداً في غرفته الصغيرة، حتى الساعة التاسعة من صباح الأربعاء،
السادس من يونيو 1995 عندما طالعتنا الصحف بخبر نعيه تتصدره أنشودته
الشجية:

"وانا في هواكي سبقت المعاد

يا سلمى يا ست البنات

وطالعت اسمك في كل البلاد

وكبرت فيها الأمل في اللي جي

ومين فينا ميت ومين فينا حي

ومين اللي شايل ومين اللي طايل

ومين اللي يثبت في وقت الهوايل

ومين فينا ميت

ومين فينا حي".

من طرف said السبت 20 مارس 2010 - 6:23

الشيخ امام -الفول

الشيخ امام - الفول

من طرف said السبت 20 مارس 2010 - 6:36

اذا الشمس - الشيخ امام

من طرف ع أ ع السبت 20 مارس 2010 - 16:42

جزاكم الله خيرا على ذكر هذا الفنان العربي الكبير فنان الشعب
الذي كرس حياته في سبيل نفض الغبار عن قضايا طمست عن قصد من قبل
الساسة والنخب الحاكمة على طول خريطة الوطن العربي ولهذا السبب نجد
أن الشيخ إمام وفي كل تصريح له يصف نفسه بأنه مكرفون الكادحين في
العالم العربي ....................................تحياتي