الخصومة والجدال والمراء مثلث الشر في الأمة

من أهم آثار الخصومة علي المجتمع والأفراد أنها توغر الصدور وتهيج الغضب
واذا هاج الغضب حصل الحقد بين المتخاصمين حتي يفرح كل واحد منهما بمساءة
الآخر. ويحزن لمسرته ويطلق لسانه في عرضه فمن خاصم فقد تعرض لهذه الافات.

ومن أسوأ ما يمكن ان يجنيه الفرد من مثلث الشر انه يفسد عليه عبادته
فإذا صلي أو قرأ القرآن أو تأمّل في الكون وفي اثار قدرة الله وجد نفسه
وقد سيطر عليه هذا المثلث فانطلق يفكر وهو في عبادته في الطريقة الصحيحة
التي يحقق الغلبة من خلالها علي مجادله أو مخاصمه أو من يماريه وتلك حالة
نحن في غني عنها. لتصفو أمامنا العبادة خالصة لربنا ومجمل القول في مثلث
الشر ان نقول: ان الخصومة مبدأ الشر وكذا الجدال والمراء فينبغي للانسان
ألا يفتح عليه باب الخصومة الا لضرورة لابد منها.

ويكفي ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قد قال فيما رواه الترمذي
أبوعيسي من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله: "كفي بك إثماً ألا تزال
مخاصماً". وان علياً ابن أبي طالب قد أدرك ما في الخصومة والجدال من شر
فقال: "ان الخصومة لها قحم قلت والقحم بضم القاف وفتح الحاء المهملة وهي:
المهالك.

وفي مرويات التاريخ ان أحد روساء الدولة العباسية قد أرسل بالهدايا
تلو الهدايا إلي ملك الروم. والسياسة لا تعرف العلاقات البريئة في تبادل
الهدايا. فسأل ملك الروم حامل الهدايا اليه سل من أرسلك عما يريد من وراء
هذه الهدايا فعاد إليه بعد أن سأل قائلاً له: اننا نريد هذه الكتب
المشتملة علي الجدل والتي ورثتموها عن اليونان ننسخها ثم نردها إليكم.

فقال له ملك الروم أمهلني ثم راجعني حتي أشاور قومي. فجمع ملك الروم
القساوسة والحكماء يستشيرهم ليعلم التصرف الحكيم في هذا الموقف من جهتهم.
والرومان قد أدركوا خطر هذه الكتب لاشتمالها علي الجدال الذي هو شر مستطير
علي العلاقات الاجتماعية. ووضعوها في خزانة ووضعوا عليها بابا من حديد
عليه أقفاله حتي لا يطلع علي هذه الكتب أحد من رعايا الدولة.

جمع حاكم الرومان حكماءه وقساوسته. وقص عليهم ما يريده الحاكم
المسلم. وانه يريد نسخ الكتب وردها فقالوا له بالاجماع ادفع اليه بالكتب
واطلب اليه ألا يردها فيعانون أثارها ونستريح من شرها ففعل. وقد أصبح
الجدل وإلي الآن خاصية من خصائص الكثير من مجتمعنا مع ان الله عز وجل قد
فرض علي المسلمين الحج ومن أهم وظائف الحج التدريب علي ترك الجدال "الحج
أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج".

هذا بيان الله وليس بعد بيان الله بيان. فمن أراد النجاة في الدنيا
والاخرة فما عليه الا أن يلبيي مطلوب الشريعة منه فهو خير له وأقوم.

د. طه حبيشي