الخوض في الأعراض.. تتبع العورات.. سلوكيات مرفوضة هدم للقيم.. تدمير للعلاقات.. إثارة للفتن والشائعات

الاسلام كرم الانسان وصان حقوقه وحرص علي صيانة خصوصياته وحذر من ملاحقة
الناس بعضهم لبعض. بحثا عن المساويء أو الخلل في سلوكياتهم مع السعي
لنشرها بين الناس. ونهي بشدة عن تتبع العورات. تقديراً لحرية الانسان
الخاصة التي تشمل شئونه وشئون أسرته. ولا ينبغي لأي انسان ان يقتحم الحياة
الخاصة لكائن من كان. والانسان المسلم يجب ان يبتعد عن هذه السلوكيات
السيئة وان الخوض في الأعراض ضياع للوقت في أعمال محرمة لاتعود علي
المجتمع بأي فائدة.

والقرآن الكريم حافل بالعديد من الآيات التي تحفظ للانسان قدسية
خصوصياته وفي سنة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم الكثير من الأحاديث التي
تشجب هذا الاسلوب وذلك التناول لحياة الناس.ففي سورة الحجرات يقول الله
تعالي: "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن ان بعض الظن إثم ولا
تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه
واتقوا الله ان الله تواب رحيم" 12 الحجرات.

وعن سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم يحدثنا أبوهريرة رضي الله
عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله
ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت ان كان في أخي ما
أقول؟ قال: ان كان فيه ما تقول فقد اغتبته وان لم يكن فيه ما تقول فقد
بهته".

المسلم الحق هو الذي يصون لسانه عن القيل والقال والغيبة حرام وهي
بضاعة المفلس وتجارة الخاسر. تقود لأن يخسر هيبته ودينه. ويبغضه الخالق عز
وجل بالاجتراء علي تعاليمه وقواعده مما يؤدي إلي أن يبغضه أهله وعشيرته
ويصبح مذموماً بين الناس وهذا السلوك أو الأسلوب من التعامل يؤدي إلي
تدمير القيم والمباديء التي تنمي الفضائل وتزيد من قوة الترابط بين مختلف
فئات الأمة كما ان تتبع العورات يدمر العلاقات بين الناس ويثير الأحقاد
ويحرك الضغائن. ويجعل الناس تلتفت إلي أمور تشغلهم عن أساسيات الحياة
وينصرفون إلي لهو الحديث والتسلية بسيرة الناس وترديد الأقاويل والأباطيل.

المسلم الحق يجب ان يترفع عن هذا السلوك المعيب فعن عقبة بن عامر رضي
الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما النجاة؟ فقال عليه الصلاة والسلام:
أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك" والشخص الذي يغتاب الناس ويقع في أعراضهم
آثم ويجب ان يقلع بصفة نهائية ويتجه إلي الوسائل التي تنشر المحبة والمودة
بين الأفراد مما يؤدي إلي ازدهار المجتمع وتقدمه في الانشغال بتوافه
الأمور يساهم في تأخير الأمة وتدهور العلاقات من أكبر العوائق التي تعطل
مسيرة التنمية وتصيب البشر بالاحباط ويكفي ان القرآن الكريم قد أوضح ان من
يتناول أعراض الناس فكأنما يأكل لحم أخيه ميتا. وهو تشبيه في غاية الدقة
لكي يبغض الناس هذه الصفة ويبتعدون عنها كراهية ونفوراً من سخط الناس
وعذاب الله في الآخرة.

ومن يتأمل في آيات كتاب الله عز وجل يدرك ان الدين الحنيف وضع سياجاً
متيناً حول خصوصيات الأفراد سواء في حياتهم أو في بيوتهم. فقد جاءت امرأة
من الأنصار. فقالت: يا رسول الله إني أكون في بيتي علي حال لا أحب ان
يراني عليها أحد وانه لايزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا علي تلك الحال
فكيف أصنع؟ فنزل قول الله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا
غير بيوتكم حتي تستأنسوا

وتسلموا علي أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون. فان لم تجدوا فيها
أحداً فلا تدخلوها حتي يؤذن لكم وان قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكي لكم
والله بما تعملون عليم" 27. 28 النور وذلك تقديرا لحرمات الناس في بيوتهم
والابتعاد عن مواطن قد تعرضه للقيل والقال وربما تؤدي إلي أخطار في أغني
الانسان عنها.

ولا شك ان المجتمع المسلم يرفض أي وسيلة تؤدي إلي الخوض في الأعراض
تحت أي مسمي من المسميات اذ ان هذا الذي يحسبه أي انسان بأنه أمر هين انما
هو عند الله عظيم وقد عاني المسلمون الأوائل الكثير من هذه الويلات وفي
حديث الافك ضد أم المؤمنين السيدة عائشة رضي عنها أبلغ دليل علي حرمة هذه
التصرفات وشناعة الخوض فيها "إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس
لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم" 15 النور أي تقولون ما
تقولون في شأن أم المؤمنين وتحسبونه هينا سهلا يسيراً لكن هذا الأمر جد
خطير عند الله. وكما يقول أساتذة علم الاصول العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص
السبب فما جاء في القرآن الكريم عام يشمل أم المؤمنين الطاهرة السيدة
عائشة وغيرها من أبناء وبنات الأمة الاسلامية ولا يليق ان يتحلي بتلك
الصفة سواء لأخيه المسلم أو لغير المسلم. فالرجل المسلم يقدر لبني البشر
خصوصياتهم ولا يقتحمها بأي صورة من الصور ومن تتبع عورة امريء تتبع الله
عورته ومن تتبع الله عورته فضحه علي رءوس الأشهاد.

في نفس الوقت يجب ان يربأ المسلم بنفسه عن أي موطن من مواطن الشبهات
ويبتعد عن السلوكيات الخاطئة حتي لا يعرض نفسه لهذا المنزلق مما يجعله
مادة للحديث بين الناس وقديماً قال الشاعر العربي:

لسانك لا تذكر به عورة امريء فكلك عورات وللناس ألسن

ولا يجب ان يجري الناس وراء الشائعات لانها تحطم العلاقات الأسرية
وتنشر الأباطيل بكثير من الاضافات نتيجة انتقال الشائعة من انسان لآخر.
ولعل ما جري في الساحة من تلك الأمور في الآونة الأخيرة يعتبر مثالاً حياً
لخطر هذه الأساليب وأدت إلي انشغال المجتمع بتلك الوقائع وبدلاً من
الانصراف إلي الوسائل التي تدفع الأفراد إلي الترابط والمحبة انصرف قطاع
عريض إلي الانشغال بالقصص والحكايات التي لا تخلو من الخيالات والأكاذيب
والأفضل ان يتفرغ كل انسان للعمل الجاد والانشغال بعيوبه قبل الاهتمام
بأمور الآخرين ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد.

السيد العزاوي