قراءة في كتاب : القصة القصيرة جدا بالمغرب/ صبيحة شبر
صفحة 1 من اصل 1
قراءة في كتاب : القصة القصيرة جدا بالمغرب/ صبيحة شبر
تزايد الاهتمام بهذا اللون من القص في الآونة الأخيرة كثيرا ، وأصبحت
تخصص له الدراسات الطويلة ، في الصحافة الورقية ، وتصدر عن أهمية هذا
الجنس ، المطبوعات الالكترونية ، كما حدث في واتا وفي رابطة انانا ، وتعد
له المدارس المختلفة ، لتبيان طرق كتابته ، يستفيد منها الكتاب الشباب ، حيث تنشر
القصص القصيرة جدا ، والتي قام بكتابتها قصصيون كبار ، كما فعلت مجلة
الكاتب العراقي ا لالكترونية، وأخذ الكتاب المختلفون ، يجربون هذا الجنس
الأدبي الجميل ، والذي اختلفت بشأنه الآراء ، وتباينت وجهات النظر ، من
يقول انه جنس طارئ على أدبنا العربي ، لا يتضمن أي مقومات النص القصصي
الناجح ، ويخلو من الحدث ومن عناصر القصص الأساسية ، وبعض الآراء ذهبت الى
إن هذا اللون ، جنس أدبي ينبثق من القصة القصيرة ، ويتميز بمميزاتها جمبعا ، وان كان يختلف عنها ، بالقصر الشديد والكثافة العالية واللغة الشعرية.
لقد
تناول هذا اللون ، من ألوان القصة القصيرة ، العديد من النقاد والباحثين ،
في كل أقطار الوطن العربي ، وفي بلاد المغرب منح الاهتمام الكبير ، لهذا
الجنس الأدبي العصي على التحديد ، فكثرت الجمعيات والملتقيات ، التي تتولى دراسة هذا الفن ، في عدد من المدن المغربية ، كما قامت المهرجانات ، للعناية بكتاب القصة القصيرة جدا ، وعمل الدراسات لكتبهم ومجموعاتهم ، كما حصل مدينة (أصيلة) إلى (مشرع بلقصيري) إلى (الفقيه بن صالح )وعدة مهرجانات أخرى ، كما صدرت عدة كتب نقدية ، تتناول القصة القصيرة جدا في المغرب ، منذ بداية ظهورها في البلد الى أيامنا هذه.
ومن أهم الدراسات ، عن القصة القصيرة جدا في المغرب : المسار والتطور ،ما قام بكتابته الدكتور جميل حمداوي ،في كتاب متوسط الحجم ،بستين صفحة عن مؤسسة التنوخي للطباعة والنشر والتوزيع ، صدر في عامنا هذا ( 2008)
يقسم الكاتب مراحل القصة القصيرة جدا ،في المغرب ،إلى أربع هي :
1- مرحلة التأسيس والترهيص
وتعود بدايتها إلى العام 1983 ومن أهم روادها محمد إبراهيم بوعلو ، محمد زفزاف ،أحمد زيادي ، زهرة زيراوي ، واحمد بزفور ، وكانت تلك التجارب ،تتخذ أبعادا سياسية واجتماعية وواقعية ، والتطلع الى مجتمع آخر ،ذي قيم جديدة نبيلة ،
أورد الكاتب د. جميل حمداوي ،أمثلة
قصصية قصيرة جدا لهذه المرحلة ـ لكل روادها المذكورين ، ففي قصة احمد
الزيادي ( أحلام العصافير) التي يعتبرها الكاتب المؤلف ،من أحسن ما يمثل قصص هذه المرحلة ،تمكينا وتثبيتا وترهيصا :
(كنت عصفورا بكل ما يتطلبه العصفور من مقومات الطيران والشدو والحب
طرت
بعيدا في سماء خضراء ووردية ، واجتزت غابات بألوان الفصول ، واتخذت شرائط
ألوان الطيف أوسمة ، وحلقت عاليا فوق الربى والجبال ... والبحيرات والبحار
.... وأحببت... أجل أحببت، وبنينا عشنا الوثير قشة قشة ، وأثثناه بيضا
بهيا ، وتعهدنا الفراخ حتى درجت ، وشدت ، وطارت وأحبت ....
بيد إني في غمرة انتشائي تفقدت ريشي.... لم تبق منه ريشة واحدة تسعف ذاكرتي المثقلة بأحلام العصافير)
2- مرحلة التجنيس الفني
بدأت
هذه المرحلة في العام2001 ، مع المبدع المتميز جمال بو طيب ، وقد ظهرت
فيها عدة أسماء لامعة ، ساهمت في تطوير القصة القصيرة جدا في المغرب ، لها
مجموعات قصصية مشهورة ،فالمبدع الذي يجمع بين عدة
فنون جمال بوطيب في مجموعته ( زخة... ويبتدئ الشتاء) وجماعة الدار البيضاء
كحسن برطال في مجموعته ( أبراج) ومصطفى لغتيري في مجموعته القصصية ( مظلة
في قبر) وسعيد بو كرامي في مجموعته( الهنيئة الفقيرة) وسعيد منتسب في
مجموعته( جزيرة زرقاء) وعبد الله متقي في مجموعته ( الكرسي الأزرق) ورشيد
البوشاري في مجموعته( أجساد ... وقبرة) وهشام الشاوي في مجموعته ( بيت لا
تفتح نوافذه) ومصطفى جباري في مجموعته ( زرقاء النهار) ومحمد العتريس في
مجموعته ( عناقيد الحزن) وعز الدين الماعزي في مجموعته ( حب على طريقة
الكبار ) وهناك أسماء مبدعة أخرى ،برزت في هذا الفن الجميل ، ذكر منها الكاتب أسماءها ،دون
أن يذكر أعمالها ، أمثال عبد العالي بركات ، سعيد الفاضلي ، المهدي
الودغيري، توفيق مصباح ، عبد المجيد الهواس ، محمد تنفو ، عائشة موقيظ ،
وفاطمة بوزيان ..... والملاحظ في هذه المرحلة ، ان بعض كتابها تخصصوا ، في
هذا الجنس الأدبي ، بينما نجد آخرين كتبوا القصة القصيرة جدا ،بالإضافة الى أعمالهم القصصية الأخرى ، وتتميز قصص هذه المرحلة ، باستعمال نقاط الحذف ،والتنويع في علامات الترقيم ، وتشغيل خطاب الإضمار ، والإيجاز والتلغيز ، من اجل تشويق القاريء ، وينبني فن القصة ،على شعرية الصورة البلاغية ،والتركيب
الشاعري والدرامي والسردي واستغلال بلاغة الانزياح ، كما تمتاز القصة في
هذه المرحلة (بتشغيل التناص واستخدام الذاكرة ، ومخاطبة الذهن ، مع دغدغة
العاطفة والوجدان ، كما يتضمن الخطاب السردي ، من أحداث وشخوص ووصف ورؤية
سردية ،وتنويع الأزمنة والصياغات الأسلوبية)
يورد
الكاتب مثالين على قصص هذه المرحلة ، الاول ل( توفيق مصباح) والثاني ل (
محمد العتروس) أختار منها موضوع ( الاغتصاب) الذي ورد في قصة ( القاتل)
للقاص ( توفيق مصباح):
(حدث كل شيء في رمشة العين.
انتظرها عند ممر ضيق تعودت أن تسلكه كل ظهيرة أثناء انصرافها من الإعدادية.
لمحته بطرف عين متربصا خلف سور احد المنازل المتهدمة...
تجاهلته... خطت سريعا كنعامة... تعرف ان المكان مقفر.
ناداها... الشرر يتطاير من عينيه بركانا.
قررت ألا تلتفت خلفها.... وجهها خائف، قررت أن تص
صرخت....
أمسكها من شعرها ولوى عنقها.
برهة ، حشرجت مثل ديك مذبوح.
عيناها جاحظتان
شعرها منفوش.
جسدها بارد.... بارد جدا كقطعة ثلج)
3- مرحلة التجريب:
التجأ بعض كتاب القصة القصيرة جدا ،الى التجريب ،واستعملوا التقنيات الجمالية ، والفنية التي استعملت في القصة القصيرة ، والرواية مثل تيار الوعي واستفادوا من الطرق الحداثية الجديدة ، في كتابة القصة نحو الاتجاه الى التخطيب والتحبيك وتشغيل ( الكادر السينمائي) والانفتاح على الأجناس الأدبية الأخرى ،والاستفادة
من التقنيات الصحفية واللغة الشاعرية ، حيث تفتقد السردية المعهودة في
القصص الكلاسيكية ، ولعل القاص ( سعيد بو كرامي) من أهم من
يمثل كتاب ، هذه المرحلة الذين كتبوا ، قصصهم القصيرة جدا وفق هذه
المميزات ، فنجد الغموض واضحا ، والتباس صفات السرد ، والتعمق في التجريد
، فتصبح نصوصه مغالية في الغموض ، لا يمكن الإحاطة بها دلالة او معنى ، لنطلع على نص ( النحل) :
( كانوا ثلاثة ورابعهم النحل
تحدثوا عن البحر عن الهجرة وعن الصمت
قطرات صغيرة تلتقي في الليل
لان الربيع مات ولان الأزهار ماتت
جاء النحل الى دخان المقاهي الى طاولات الموت
يحدق فيها بيأس ، يختار عنق الزجاجة وينتحر)
4- مرحلة التأصيل
حاول كتاب القصة القصيرة جدا ،في
هذه المرحلة توظيف التراث ، والاستفادة من الذاكرة السردية الموروثة ،
فجمعوا بين الأصالة والمعاصرة ، وبين الماضي والحاضر ، وبين مميزات
الكتابة القديمة وخصائص الكتابة الحديثة ،من حيث الصياغة الفنية،
وأبرز
كتاب هذه المرحلة : جمال بوطيب ، مصطفى لغتيري ، يستلهم المبدع جمال بوطيب
في مجموعته القصصية ( زخة ... ويبتدئ الشتاء) تجربة الشاعر الجاهلي المعروف ( طرفة بن العبد) في قصته الرائعة هذه "
( غضب -
طرفة- لما قدمته منشطة البرنامج التلفزيوني مبتسمة بلقب - الشاعر الشاب-
ندم كثيرا على قبوله دعوتها ، كتم سخطه ، واحترس من سورة غضبه ،جهد نفسه
ليجيب عن أسئلتها بما يكفي من الحلم ، واعتبر مستجوبته ( جليس سوء) ينبغي
ان يصبر عليها وان يحتمل جهلها ، ولم يسامح نفسه على ذنب حضوره الذي لا
يقوى على اصلاحه . مسح العرق المتصبب من جبهته بفعل تلك الشمس التي لم
يرها قريبة مثل اليوم.
تذكر
تلك القاعة المليئة بالغواني اللائي أحطن به ضاحكات ومرددات كلاما بذيئا ،
بل ان إحداهن مسدت جبهته بطلاء غير سحنته ، وكاد مقصها يلهو بلحيته لولا
انه حدق فيها بحنق فهمت مغزاه ، كانت المستجوبة تسأله وهو يجيب معتبرا
قوله( إذا القوم قالوا من فتى ؟ هو السبب في هاته الوقاحة التي قدمته بها.
صدمت المستجوبة سمعه حين أخبرته بأنه سيموت في الخامسة والعشرين من عمره بمتفجر ، يوضع له في جرابه ، أكد لها شجاعته وقلبه واجل:
•- أنا لا أحفل متى قام عودي
•- ولما قالت له : تمن علينا قبل ان تموت
قال : أتمنى ان أموت طفلا ، فوحدهم الأطفال شعراء حقيقيون)
كتاب
قيم جدا ، يعتبر إضافة قيمة لما قام به النقاد والباحثون في موضوع ( القصة
القصيرة جدا) في المغرب ، وأصولها ومراحل تطورها ، والكاتب الدكتور ( جميل
حمداوي) احد الوجوه الثقافية في بلاد المغرب الجميلة قام بعدة مؤلفات مهمة
تعتبر من المراجع المغنية للباحثين وطلاب العلم والمعرفة.
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مواضيع مماثلة
» صورة المرأة في القصة القصيرة المغربية، أحمد بوزفور نموذجا
» الأديبة سناء الشعلان تستلم جائزة معبر المضيق في القصة القصيرة في إسبانيا
» الشخصية قي القصة القصيرة
» القصة القصيرة والمدينة / عبد الرحيم مؤذن
» القصة القصيرة التسعينية في المغرب.. شاهدُ عُـمْـر
» الأديبة سناء الشعلان تستلم جائزة معبر المضيق في القصة القصيرة في إسبانيا
» الشخصية قي القصة القصيرة
» القصة القصيرة والمدينة / عبد الرحيم مؤذن
» القصة القصيرة التسعينية في المغرب.. شاهدُ عُـمْـر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى