الشخصية قي القصة القصيرة
صفحة 1 من اصل 1
الشخصية قي القصة القصيرة
تجسد الشخصية رهان التجربة الفنية على اختلاف موادها وأساليبها واتجاهاتها. والإقتراب منها يقوم على ضوابط محددة يتداخل فيها
الواقعي بالمتخيل، والكائن بما يجب أن يكون. وعلى ضوء ذلك نسجل الحقائق التالية:
أ- الشخصية عماد كل الفنون، بما فيها الفنون الزمانية، كما يسميها البعض،أو الفنون المجردة كمايسميها البعض الآخر، مثل الموسيقى. (السمفونيةالتاسعة ل»بتهوفن» تبلغ أوجها في المقطع الشعري ل»شيللر»الذى جسد الإنسانالكوني الباحث عن قيم الحب والفرح والسمو عن كل الأحقاد.)
ب- ومن ةالبديهى أن نفرق ، في هذا السياق، كما ورد في العديد من المناهج،بين الشخص وبين الشخصية. بين الكائن المصنوع من لحم ودم، وبين الكائنالمصنوع من ورق ومتخيل ونصوص أو مواد معينة، بين الكائن « التاريخي»المنتمي إلى مرجع متداول من سجلات ومدونات وتقييدات ، وبين الكائن النابعمن فضاء نصي يمنحه وجوده الشرعي.
غير أن ذلك لايمنع من وجود علاقات التواصل بين الشخص والشخصية. فالشخصيةقد تأ خذ القليل أو الكثير من الشخص، والعكس بالعكس صحيح، ولكنها في الوقتذاته تتجاوز ماهو كائن إلى ما يجب أن يكون، إلى المحتمل عوض الإكتفاءبالثابت، إلى الحلم قبل الواقع. (لنتذكر ما قاله أرسطو في كتابه فن الشعرعن الفرس بقوائمه الثلات عوض الأربع_ قولة قدامة بن جعفر الشهيرة في كتابهفن الشعر عن المستحيل المفنع خير من الممكن الذي لايقنع..).
ج- الكائن في النص الإبداعي قد يكون إنسانا، حيوانا، نباتا، جمادا.. قديكون كل ذلك ، أو بعضا من ذلك. وهو، سواء كان هذا أو ذاك، يحمل القليل، أوالكثير، من ملامح خالقه، أو مايطمح إلى خلقه وتشخيصه. ف»ناقة» طرفة بنالعبد تختلف عن باقي النوق بحكم امتلاكها لنوع من الوعي يخول اختبار فحلهاعند الضراب، وعند رعيها بالمرعى الجيد، وهي مختلفة عن باقي النوق تكويناوجسدا الذي يشبه هيكل قنطرة الرومي، وقبل هذا وذاك، تتعاطف هذه الناقة معالشاعر حزنا وفرحا وغضبا.. والخلاصة أن هذه الناقة تتجاوز الحيوانوالإنسان أيضا، لتصبح شخصية قائمة الذات تجسد طموح الشاعر لتحقيق عالمفاضل يستند إلى قيم الجمال والوحدة والقوة والتوحد كما أشارت إلى ذلك بعضالدراسات والاجتهادات في هذا المجال. ومن ثم فالفنان قد يجعل من الشخصيةأداة لحمل ما يحس به في لحظة محددة، أو مرحلة معينة. من منا لم يتعاطف معلوحة « فان جوخ» التي حملت حذاء مهملا بسيور مندلقة على الجانبين بإهمالواضح، ومقدمة الحذاء تحلق في الفراغ مثل جمجمة باردة..
د- ومعنى ذلك أن الشخصية في أوضاعها المختلفة، في محاسنها ومساوئها، فيمركزيتها أو هامشيتها، أقول: إن هذه الأوضاع هي منظور الفنان قبل أن تكونمنظور الشخصية دون أن يمنع ذلك من امتلاك الشخصية لهويتها الخاصة بعد أنكسيت لحما وعظما، وحملت طبائعها الخاصة التي أصبحت متحكمة في مسلكياتهاوعواطفها.. وفي كل الأحوال تظل الشخصية مدينة بالولاء لصانعها، بل إن رسمالرسام لذاته»البورتريه» هو رؤية ذاتية في لحظة معينة. والدليل على ذلكاختلاف « البورتريهات» باختلاف اللحظات، واختلاف مراحل العمر. (بورتريه«فان جوخ «بين البداية والنهاية، هاملت شكسبير وهاملت رومان بولانسكي،عطيل شكسبير وعطيل أورسون ويلز، بتهوفن جان لوي بارو وبتهوفن المخرجينالمتأخرين...الخ).
الشخصية في القصة القصيرة
سأنطلق من تجربتي الشخصية- وهي تربو على العقود الثلاثة- مسجلا الملاحظات التالية:
أ- لا وجود لوصفة جاهزة ترسم على ضوئها ملامح الشخصية القصصية. ومن ثملاوجود لثوابت نظرية، أو فنية، تتحكم في بناء شخصية ما. وإذا كان منالطبيعي استفادة الكاتب من تجارب متعددة، فإن ذلك لايعني وجود «دليل» مالرسم شخصية محددة. فالشخصية تولد من رحم النصوص، وتعيش حياتها بالطولوالعرض داخل هذه النصوص، بعد أن يشتد عودها، ثم تأتي الكتابات النقدية،والنظرية عامة، لنمذجة ما هو وارد في هذه النصوص في انتظار خلق شخصياتأخرى.
ب- وتكون شخصية ما قد يكون نتيجة لحظة غير متوقعة، أو قد يكون نتيجةمتابعة واستقصاء وتخطيط ورسم لمختلف ملامحها ومكوناتها.. قد تحضر فجأةوتغيب فجأة في دوامة اليومي وإكراهاته إلى أن تنبع من جديد في سياق جديد،وقد حلت في شخصية جديدة. وهي، في كل الأحوال، حاضرة في وجدان الكاتب، فيالنوم واليقظة، لاتتركه بسلام إلا بعد الإنتهاء من رسم ملامحها الأولىالتى تأخذ في النمو التدريجى، إلى أن تكتمل عناصرها في نص محدد، أو قد لاتنتهي إلى هذا الإكتمال إلا في نصوص تالية، بعد أن حلت في شخصيات أخرىوصارعتها على الوجود داخل نص محدد، وفي أوضاع محددة.
ج- لاتنفصل الشخصية، إذن، عن فكر الكاتب وتعدد تجاربه. فتجاربنا الأولىكانت، في معظمها، مجرد محاكاة، بالمعنى الساذج، لشخوص صادفناها، بطريقة أوبأخرى، في حياتنا اليومية. ويرجع ذلك لأسباب عديدة منها ما هو مرتبطبمحدودية التجربة الحياتية ذاتها، ومنها ما هو «نوستالجي» عبر الحنين إلىمرجعيات محددة من خلال شخصيات معينة ظلت موشومة في ذاكرتنا، ومنها ما هومرتبط بخلق مصداقية معينة بحثا عن متلق أو قارئ محدد. وبنطور التجربةالحياتية والإبداعية للكاتب، تصبح الشخصية منحوتة من تركيبة جديدة تجمعبين الواقع والخيال، الوهم والحقيقة، التوهم والإيهام... وتصبح ملامحالشخصية مزيجا من أسئلة الواقع وأسئلة الكاتب، بين ماهو كائن وبين ما يجبأن يكون.
د- ومن الثوابت اختلاف الشخصية في القصة القصيرة عن غيرها في أجناسإبداعية أو فنية مختلفة. ولو حاولنا المقارنة بين جنسي القصة القصيرةوالرواية، في هذا السياق، لوجدنا الآتي:
- تتميز بنية القصة القصيرة بالانغلاق والانفتاح في آن واحد. الانغلاقينسحب على المساحة النصية، وينعكس، في الوقت ذاته، على باقي المكونات،ومنها مكون الشخصية. أما الانفتاح فيتجسد في الدلالة التي تمثلها القصةالقصيرة . فهي مجرد شجرة، ولكنها تعادل الغابة، وهي الوردة والبستان في آنواحد، وهي اللحظة ولكنها تعادل الكينونة. أما الرواية فهي الانفتاح الواسععلى الزمان والمكان، والتعدد في الشخصيات والوقائع، والتنوع في الأساليبسردا ووصفا وحوارا وتحليلا واستنبطانا ونقدا..
- القصةالقصيرة فن ذاتي. إنها نص المتكلم بامتياز. اللسان الناطق للجماعةالمغمورة، أو المهمشة (فرانك أوكونور). والمتكلم، في هذا المجال، قد يكونشخصية حاكية، أو محكي عنها. وبالمقابل نجد الرواية فنا موضوعيا منتميا إلىالجماعة تسهم فيه كل الشخصيات.
- في القصة القصيرة بحث دائم عن شئ مفقود في الطفولة?أو في زمان ومكان ما.أو قد يتعلق ذلك برغبة، أو حرمان مادي أو معنوي. من هنا تشرع القصةالقصيرة في استرجاع هذه اللحظات ويتم إيقاف الزمن والإنطلاق في تبئيراللحظة أفقيا وعموديا. في الرواية نجد الزمن التاريخي، زمن الجماعةالإنسانية المتناسلة عبر التاريخ.
- الشخصية في القصة القصيرة واحدة ووحيدة. مفردة، متمردة، عاقة. وفي حالةوجود شخصية أخرى، في النص ذاته، فإنها تمارس السلوك ذاته. أما في الرواية،فالشخصية تتحرك عبر تمثيلها لفئة، أو طبقة اجتماعية محددة.
- الحدث في القصة القصيرة، عند ارتباطه بالشخصية، صاعق، سواء كان مركزياأو هامشيا، خبرا بسيطا، أو حدثا مزلزلا. والحدث قد يكون وراء مأساةالشخصية، أو وراء سعادتها، مؤسسا لعقدة القصة بصفة عامة.
- غير أن العقدة قد تكون الشخصية ذاتها التي تحمل رأسها الكبيرة (دوبلطيط)، أو لازمة محددة تكرر في مواقف معينة، أو رغبة جارفة لاتقاوم. فىالرواية نجد الحبكة القائمة على نظام معقد تتشايك فيه مكونات عديدة.
- لاتقدم الشخصية، في القصة القصيرة، إلا من خلال جزئية دالة، بخلاف الشخصية الروائية المتسمة بالشمولية.
في قصة قصيرة كتبتها في الثمانينيات تحكمت فيها حالتان:
ا- الرجل والكمان: وفي هذه الحالة كان الكمان أداة للحلم والحوار والفرح.
ب- الكمان والرجل: وهو مقطع يجسد العجز واللاتواصل، وينفتح صندوق الكمانليتحول إلى تابوت صغير يدخله الرجل بعد أن ترك الكمان وراء ظهره.
- الشخصية، في القصة القصيرة، قد تكون إنسانا أو حيوانا أو نباتا. وهى، فيكل ذلك، قد تنطق بالحكمة، أو الكلام الغريب. وقد تحمل اسما، أو قد تكتفيبرمز معين، سواء كان حرفا، أو رقما. في قصة عنونتها ب»الحلم والواقع» حملتالشخصية حرف المجهول (س) بهدف التعبير عن المشترك بيننا جميعا. وما تعرضتله الشخصية ينسحب على الجميع.
- الشخصية في القصة القصيرة تمتلك لغتها الخاصة، علما أنها قد تنطق بصمتعن طريق البياض، والفراغات والعلامات والشفرات. في الرواية يظل كلامالشخصية مشدودا إلى الوشم الجماعي الخاضع لتقاليد التواصل في اللغةوالكلام. وبالمقابل نجد لغة القصة القصبرة الهامسة الحميمية المتداولة بينالناس. السرد في الرواية يشبه النهر الصامت، على مستوى السطح، ولكنه مليءبأساليب ومحكيات الذين عبروه يوما ما.
- تطل علينا الشخصية في القصة القصيرة من خلال بناء من زجاح يعرض كل شئ منجهة، وهو، من جهة ثانية، قابل للكسر والتجدد المتواصلين. أما بالنسبةللرواية، فالشخصية تتموقع وراء بناء من حجر وإسمنت وحديد، لايسمح بالتعرفعلى الشخصية إلا بعد نحت وتعرية.
- أخيرا، وليس آخرا، الشخصية في القصة القصيرة، وبالرغم من صدورها عن ساردمعين، تشعر القارئ بأنها تتحكم في وجودها داخل النص بعيدا عن سلطة السارد،بل قد تتمرد عليه لسبب أو لآخر (انظر قصة « وتلك قصة أخرى» التي أصدرتهافي أوائل التسعينيات من القرن الماضي). وهذا يعود، في جوهره، إلى رفض «النمطي»، العدو اللدود للقصة القصيرة. وبالإضافة إلى ذلك، تطرح هذهالوضعيةإشكالية الكتابة بصفة عامة عند محاولة الكاتب تشكيل شخصية ما (انظر قصة «اللوح المحفوظ « لأحمد بوزفور).
يموت الكاتب، وفي نفسه شئ من شخصية معينة قد تحمل القليل، أو الكثير، منهواجسه وأحلامه، قوته وعجزه... لا وجود لشخصية مكتملة أو نهائية، بل إن كلشخصية تخرج من بين أصابع الكاتب هي مجرد زاوية من الشخصية التي ما زالت فيطور البناء، او الكتاية.
الواقعي بالمتخيل، والكائن بما يجب أن يكون. وعلى ضوء ذلك نسجل الحقائق التالية:
أ- الشخصية عماد كل الفنون، بما فيها الفنون الزمانية، كما يسميها البعض،أو الفنون المجردة كمايسميها البعض الآخر، مثل الموسيقى. (السمفونيةالتاسعة ل»بتهوفن» تبلغ أوجها في المقطع الشعري ل»شيللر»الذى جسد الإنسانالكوني الباحث عن قيم الحب والفرح والسمو عن كل الأحقاد.)
ب- ومن ةالبديهى أن نفرق ، في هذا السياق، كما ورد في العديد من المناهج،بين الشخص وبين الشخصية. بين الكائن المصنوع من لحم ودم، وبين الكائنالمصنوع من ورق ومتخيل ونصوص أو مواد معينة، بين الكائن « التاريخي»المنتمي إلى مرجع متداول من سجلات ومدونات وتقييدات ، وبين الكائن النابعمن فضاء نصي يمنحه وجوده الشرعي.
غير أن ذلك لايمنع من وجود علاقات التواصل بين الشخص والشخصية. فالشخصيةقد تأ خذ القليل أو الكثير من الشخص، والعكس بالعكس صحيح، ولكنها في الوقتذاته تتجاوز ماهو كائن إلى ما يجب أن يكون، إلى المحتمل عوض الإكتفاءبالثابت، إلى الحلم قبل الواقع. (لنتذكر ما قاله أرسطو في كتابه فن الشعرعن الفرس بقوائمه الثلات عوض الأربع_ قولة قدامة بن جعفر الشهيرة في كتابهفن الشعر عن المستحيل المفنع خير من الممكن الذي لايقنع..).
ج- الكائن في النص الإبداعي قد يكون إنسانا، حيوانا، نباتا، جمادا.. قديكون كل ذلك ، أو بعضا من ذلك. وهو، سواء كان هذا أو ذاك، يحمل القليل، أوالكثير، من ملامح خالقه، أو مايطمح إلى خلقه وتشخيصه. ف»ناقة» طرفة بنالعبد تختلف عن باقي النوق بحكم امتلاكها لنوع من الوعي يخول اختبار فحلهاعند الضراب، وعند رعيها بالمرعى الجيد، وهي مختلفة عن باقي النوق تكويناوجسدا الذي يشبه هيكل قنطرة الرومي، وقبل هذا وذاك، تتعاطف هذه الناقة معالشاعر حزنا وفرحا وغضبا.. والخلاصة أن هذه الناقة تتجاوز الحيوانوالإنسان أيضا، لتصبح شخصية قائمة الذات تجسد طموح الشاعر لتحقيق عالمفاضل يستند إلى قيم الجمال والوحدة والقوة والتوحد كما أشارت إلى ذلك بعضالدراسات والاجتهادات في هذا المجال. ومن ثم فالفنان قد يجعل من الشخصيةأداة لحمل ما يحس به في لحظة محددة، أو مرحلة معينة. من منا لم يتعاطف معلوحة « فان جوخ» التي حملت حذاء مهملا بسيور مندلقة على الجانبين بإهمالواضح، ومقدمة الحذاء تحلق في الفراغ مثل جمجمة باردة..
د- ومعنى ذلك أن الشخصية في أوضاعها المختلفة، في محاسنها ومساوئها، فيمركزيتها أو هامشيتها، أقول: إن هذه الأوضاع هي منظور الفنان قبل أن تكونمنظور الشخصية دون أن يمنع ذلك من امتلاك الشخصية لهويتها الخاصة بعد أنكسيت لحما وعظما، وحملت طبائعها الخاصة التي أصبحت متحكمة في مسلكياتهاوعواطفها.. وفي كل الأحوال تظل الشخصية مدينة بالولاء لصانعها، بل إن رسمالرسام لذاته»البورتريه» هو رؤية ذاتية في لحظة معينة. والدليل على ذلكاختلاف « البورتريهات» باختلاف اللحظات، واختلاف مراحل العمر. (بورتريه«فان جوخ «بين البداية والنهاية، هاملت شكسبير وهاملت رومان بولانسكي،عطيل شكسبير وعطيل أورسون ويلز، بتهوفن جان لوي بارو وبتهوفن المخرجينالمتأخرين...الخ).
الشخصية في القصة القصيرة
سأنطلق من تجربتي الشخصية- وهي تربو على العقود الثلاثة- مسجلا الملاحظات التالية:
أ- لا وجود لوصفة جاهزة ترسم على ضوئها ملامح الشخصية القصصية. ومن ثملاوجود لثوابت نظرية، أو فنية، تتحكم في بناء شخصية ما. وإذا كان منالطبيعي استفادة الكاتب من تجارب متعددة، فإن ذلك لايعني وجود «دليل» مالرسم شخصية محددة. فالشخصية تولد من رحم النصوص، وتعيش حياتها بالطولوالعرض داخل هذه النصوص، بعد أن يشتد عودها، ثم تأتي الكتابات النقدية،والنظرية عامة، لنمذجة ما هو وارد في هذه النصوص في انتظار خلق شخصياتأخرى.
ب- وتكون شخصية ما قد يكون نتيجة لحظة غير متوقعة، أو قد يكون نتيجةمتابعة واستقصاء وتخطيط ورسم لمختلف ملامحها ومكوناتها.. قد تحضر فجأةوتغيب فجأة في دوامة اليومي وإكراهاته إلى أن تنبع من جديد في سياق جديد،وقد حلت في شخصية جديدة. وهي، في كل الأحوال، حاضرة في وجدان الكاتب، فيالنوم واليقظة، لاتتركه بسلام إلا بعد الإنتهاء من رسم ملامحها الأولىالتى تأخذ في النمو التدريجى، إلى أن تكتمل عناصرها في نص محدد، أو قد لاتنتهي إلى هذا الإكتمال إلا في نصوص تالية، بعد أن حلت في شخصيات أخرىوصارعتها على الوجود داخل نص محدد، وفي أوضاع محددة.
ج- لاتنفصل الشخصية، إذن، عن فكر الكاتب وتعدد تجاربه. فتجاربنا الأولىكانت، في معظمها، مجرد محاكاة، بالمعنى الساذج، لشخوص صادفناها، بطريقة أوبأخرى، في حياتنا اليومية. ويرجع ذلك لأسباب عديدة منها ما هو مرتبطبمحدودية التجربة الحياتية ذاتها، ومنها ما هو «نوستالجي» عبر الحنين إلىمرجعيات محددة من خلال شخصيات معينة ظلت موشومة في ذاكرتنا، ومنها ما هومرتبط بخلق مصداقية معينة بحثا عن متلق أو قارئ محدد. وبنطور التجربةالحياتية والإبداعية للكاتب، تصبح الشخصية منحوتة من تركيبة جديدة تجمعبين الواقع والخيال، الوهم والحقيقة، التوهم والإيهام... وتصبح ملامحالشخصية مزيجا من أسئلة الواقع وأسئلة الكاتب، بين ماهو كائن وبين ما يجبأن يكون.
د- ومن الثوابت اختلاف الشخصية في القصة القصيرة عن غيرها في أجناسإبداعية أو فنية مختلفة. ولو حاولنا المقارنة بين جنسي القصة القصيرةوالرواية، في هذا السياق، لوجدنا الآتي:
- تتميز بنية القصة القصيرة بالانغلاق والانفتاح في آن واحد. الانغلاقينسحب على المساحة النصية، وينعكس، في الوقت ذاته، على باقي المكونات،ومنها مكون الشخصية. أما الانفتاح فيتجسد في الدلالة التي تمثلها القصةالقصيرة . فهي مجرد شجرة، ولكنها تعادل الغابة، وهي الوردة والبستان في آنواحد، وهي اللحظة ولكنها تعادل الكينونة. أما الرواية فهي الانفتاح الواسععلى الزمان والمكان، والتعدد في الشخصيات والوقائع، والتنوع في الأساليبسردا ووصفا وحوارا وتحليلا واستنبطانا ونقدا..
- القصةالقصيرة فن ذاتي. إنها نص المتكلم بامتياز. اللسان الناطق للجماعةالمغمورة، أو المهمشة (فرانك أوكونور). والمتكلم، في هذا المجال، قد يكونشخصية حاكية، أو محكي عنها. وبالمقابل نجد الرواية فنا موضوعيا منتميا إلىالجماعة تسهم فيه كل الشخصيات.
- في القصة القصيرة بحث دائم عن شئ مفقود في الطفولة?أو في زمان ومكان ما.أو قد يتعلق ذلك برغبة، أو حرمان مادي أو معنوي. من هنا تشرع القصةالقصيرة في استرجاع هذه اللحظات ويتم إيقاف الزمن والإنطلاق في تبئيراللحظة أفقيا وعموديا. في الرواية نجد الزمن التاريخي، زمن الجماعةالإنسانية المتناسلة عبر التاريخ.
- الشخصية في القصة القصيرة واحدة ووحيدة. مفردة، متمردة، عاقة. وفي حالةوجود شخصية أخرى، في النص ذاته، فإنها تمارس السلوك ذاته. أما في الرواية،فالشخصية تتحرك عبر تمثيلها لفئة، أو طبقة اجتماعية محددة.
- الحدث في القصة القصيرة، عند ارتباطه بالشخصية، صاعق، سواء كان مركزياأو هامشيا، خبرا بسيطا، أو حدثا مزلزلا. والحدث قد يكون وراء مأساةالشخصية، أو وراء سعادتها، مؤسسا لعقدة القصة بصفة عامة.
- غير أن العقدة قد تكون الشخصية ذاتها التي تحمل رأسها الكبيرة (دوبلطيط)، أو لازمة محددة تكرر في مواقف معينة، أو رغبة جارفة لاتقاوم. فىالرواية نجد الحبكة القائمة على نظام معقد تتشايك فيه مكونات عديدة.
- لاتقدم الشخصية، في القصة القصيرة، إلا من خلال جزئية دالة، بخلاف الشخصية الروائية المتسمة بالشمولية.
في قصة قصيرة كتبتها في الثمانينيات تحكمت فيها حالتان:
ا- الرجل والكمان: وفي هذه الحالة كان الكمان أداة للحلم والحوار والفرح.
ب- الكمان والرجل: وهو مقطع يجسد العجز واللاتواصل، وينفتح صندوق الكمانليتحول إلى تابوت صغير يدخله الرجل بعد أن ترك الكمان وراء ظهره.
- الشخصية، في القصة القصيرة، قد تكون إنسانا أو حيوانا أو نباتا. وهى، فيكل ذلك، قد تنطق بالحكمة، أو الكلام الغريب. وقد تحمل اسما، أو قد تكتفيبرمز معين، سواء كان حرفا، أو رقما. في قصة عنونتها ب»الحلم والواقع» حملتالشخصية حرف المجهول (س) بهدف التعبير عن المشترك بيننا جميعا. وما تعرضتله الشخصية ينسحب على الجميع.
- الشخصية في القصة القصيرة تمتلك لغتها الخاصة، علما أنها قد تنطق بصمتعن طريق البياض، والفراغات والعلامات والشفرات. في الرواية يظل كلامالشخصية مشدودا إلى الوشم الجماعي الخاضع لتقاليد التواصل في اللغةوالكلام. وبالمقابل نجد لغة القصة القصبرة الهامسة الحميمية المتداولة بينالناس. السرد في الرواية يشبه النهر الصامت، على مستوى السطح، ولكنه مليءبأساليب ومحكيات الذين عبروه يوما ما.
- تطل علينا الشخصية في القصة القصيرة من خلال بناء من زجاح يعرض كل شئ منجهة، وهو، من جهة ثانية، قابل للكسر والتجدد المتواصلين. أما بالنسبةللرواية، فالشخصية تتموقع وراء بناء من حجر وإسمنت وحديد، لايسمح بالتعرفعلى الشخصية إلا بعد نحت وتعرية.
- أخيرا، وليس آخرا، الشخصية في القصة القصيرة، وبالرغم من صدورها عن ساردمعين، تشعر القارئ بأنها تتحكم في وجودها داخل النص بعيدا عن سلطة السارد،بل قد تتمرد عليه لسبب أو لآخر (انظر قصة « وتلك قصة أخرى» التي أصدرتهافي أوائل التسعينيات من القرن الماضي). وهذا يعود، في جوهره، إلى رفض «النمطي»، العدو اللدود للقصة القصيرة. وبالإضافة إلى ذلك، تطرح هذهالوضعيةإشكالية الكتابة بصفة عامة عند محاولة الكاتب تشكيل شخصية ما (انظر قصة «اللوح المحفوظ « لأحمد بوزفور).
يموت الكاتب، وفي نفسه شئ من شخصية معينة قد تحمل القليل، أو الكثير، منهواجسه وأحلامه، قوته وعجزه... لا وجود لشخصية مكتملة أو نهائية، بل إن كلشخصية تخرج من بين أصابع الكاتب هي مجرد زاوية من الشخصية التي ما زالت فيطور البناء، او الكتاية.
8/10/2010
عبد الرحيم مؤذن
الاتحاد الاشتلراكي
الملحق الثقافي
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
مواضيع مماثلة
» القصة القصيرة والمدينة / عبد الرحيم مؤذن
» القصة القصيرة التسعينية في المغرب.. شاهدُ عُـمْـر
» قراءة في كتاب : القصة القصيرة جدا بالمغرب/ صبيحة شبر
» مستويات التجريب في القصة القصيرة بالمغرب: الكينونة والتّجلي*
» صورة المرأة في القصة القصيرة المغربية، أحمد بوزفور نموذجا
» القصة القصيرة التسعينية في المغرب.. شاهدُ عُـمْـر
» قراءة في كتاب : القصة القصيرة جدا بالمغرب/ صبيحة شبر
» مستويات التجريب في القصة القصيرة بالمغرب: الكينونة والتّجلي*
» صورة المرأة في القصة القصيرة المغربية، أحمد بوزفور نموذجا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى