فيروز
صفحة 1 من اصل 1
فيروز
(1)
أنور وجدي لم يكتشفني
جلست الطفلة الصغيرة «قطقوطة» على حافة سرير جدها الباشا، بكل براءتها،
وصدمتها في أبيها الذي قذف بها الى أحد الملاجئ وهجر أمها لأنها لم تنجب
له ولدا، وراحت تردد:
ــ مش حرام يا جدي، تحرمني من حنانك وعطفك وترميني في الشوارع بين القطط والكلاب الجائعة؟
وعندما
حاولت تقبيله، وهو يغط في سبات عميق، ضايقها شاربه، فقامت بقصه، فاستيقظ
مذعورا، وضمها الى صدره بعدما عرف أنها حفيدته الضائعة، وأبلغها أنه لن
يفارقها لحظة واحدة بعد اليوم، واراد أن يقسم لها بشاربه، فلم يجده. فقالت
له: ان شاربه أكلته القطة، فقال لها ضاحكا: ازاي تحلقي الشنب اللي بقالي
ثلاثين سنة بربي فيه؟
فقالت له: بدل ما كنت تربي شنبك، كنت ربيني أنا يا جدي، فاحتضنها بعنف، وراح يبكي بحرارة بالغة.
هذه
اللقطة، أو المشهد الراقي الذي صنعه مخرج كبير يبقى في ذاكرة المشاهدين
لسنوات طويلة، ليس فقط لما فيه من بلاغة، وحس انساني رهيف، ولكن أيضا لأن
الطفلة المعجزة قد تفوهت بهذه الكلمات من أعماقها، وأحست بكل حرف فيها.
الفيلم
هو «ياسمين» والطفلة هي فيروز، والمخرج هو أنور وجدي الذي أحدث منذ ستين
عاما انقلابا خطيرا في عالم السينما وصف بأنه ضرب من الجنون، أو مغامرة
تؤدي به الى الافلاس، وذلك بأن أسند بطولة فيلمه كاملة الى طفلة لا يزيد
عمرها على ثماني سنوات.
كيف يترك أنور وجدي بطلات الشاشة اللامعات في
تلك الأيام أمثال ليلى مراد، فاتن حمامة، صباح، الهام حسين، شادية، راقية
ابراهيم، مديحة يسري، ليلى فوزي، وعقيلة راتب، وغيرهن، ويسند دور البطولة
الى طفلة صغيرة لا يمكن أن تملأ عين المتفرج العربي الذي كان في فترة
المراهقة السينمائية، وكان يتوق الى أن يرى كل نجمات الشاشة المصرية
الشهيرات والجميلات الفارعات القوام بطلات في كل فيلم من أفلامه.
رهان ناجح
كان رهان أنور وجدي على الطفلة المعجزة فيروز أقرب الى المخاطرة منه الى المغامرة.
انه
صنع فيلما سينمائيا بطلته طفلة صغيرة وأنفق عليه الكثير وأكثر مما كان
ينفق على بقية الأفلام في تلك الأيام، ودون أن يدري اذا كان جمهور السينما
العربية على استعداد لأن يقضي ساعتين على مقعده في التفرج على فيلم بطلته
طفلة، وان كان عنده الحس الشعبي الذي يجعله يتوقع أن يكون رهانه على
الطفلة في محله.
ان أنور وجدي حدد موعد عرض فيلم «ياسمين» في اليوم
الحادي عشر من شهر ديسمبر عام 1950، وجاء اليه أصدقاؤه استفان روستي وحسن
الصيفي وكامل التلمساني ينصحونه بتأجيل عرض الفيلم الى وقت آخر، وعندما
سألهم عن السبب قالوا له: ان فيلم «شمشون ودليلة» الذي أخرجه المخرج
العالمي سيسيل. ب. دي ميل سوف يعرض في القاهرة، في نفس التوقيت الذي حدد
لعرض فيلم «ياسمين».
وهنا هتف أنور وجدي بصوت عال:
ــ أبدا، يعرض
الفيلم في نفس الموعد الذي حددته له، ان فيلمي أكبر من «شمشون ودليلة»،
وأنا أتحداه بفيلم «ياسمين». ويومها أعلن أنور وجدي في صحف القاهرة
اليومية في صباح يوم العرض أنه يدعو كل أطفال مصر لحضور حفلة الساعة
العاشرة صباحا من الفيلم، وأن بطلة الفيلم سوف توزع عليهم الهدايا، وملأ
مداخل دار سينما الكورسال بالهدايا المنوعة، وترك مئات البالونات تسبح في
دار السينما، كنوع من الدعاية التي ابتكرها ليضمن نجاح الفيلم.
ونجح
أنور وجدي في التحدي، كما نجح في الرهان. ان الذي حدث هو أن رهان أنور
وجدي على الطفلة المعجزة فيروز قد نجح، والى حد كبير، واكتسح الأفلام التي
كانت من بطولات ممثلات لهن جاذبية وبريق وقتذاك، واستمر عرضه لمدة شهور
طويلة.
نجمة لامعة
و سار الحظ في ركاب الطفلة فيروز، وأصبحت
نجمة لامعة ونجما ساطعا على الشاشة العربية، فقامت خلال رحلتها السينمائية
القصيرة التي استمرت تسع سنوات فقط من عام 1950 الى عام 1959 بتمثيل عشرة
أفلام كـان آخرها «بفكر في اللي ناسيني» ثم اعتزلت وآثرت حياة العزلة
والنسيان عندما كبرت، وصارت فتاة في السابعة عشرة من عمرها مليئة بالحيوية
والشقاوة.
تعددت الحكايات والروايات عن الفنانة فيروز، وظلت صورتها
تتراءى في مخيلتي الى أن تبلورت تلك الأفكار وأحاطها اطار من الذكريات
المحفورة في ذاكرتي عندما قفزت فجأة الى عالم الأضواء والشهرة مرة أخرى
وسط تصفيق حاد متواصل من جماهير مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته
الخامسة والعشرين عام 2001.
لم تكن هذه المرة مجرد طفلة صغيرة لم
تتجاوز العقد الأول من عمرها، وانما سيدة وقور أضفت السنوات على شكلها
كثيرا من التغيرات، ورغم ذلك لم يتغير قلبها البريء الجميل، راحت تضع يدها
على وجهها وتحاول أن تمنع دموع الفرح، تبحث عن الكلمات والجمل الرنانة،
ولكنها لم تجد سوى أغنيتها الشهيرة «معانا ريال»، لكي تحيي بها جمهورها،
فماذا ستقول لهم غير تلك الأغنية التي دخلت كل القلوب وتعلقت بالأذهان
طوال 51 عاما، انقضت منذ بدء عرض فيلمها الأول «ياسمين».
حكاية طفلة
فما
هي حكاية طفلة الأمس فيروز؟ وكيف اكتشفها النجم الكبير أنور وجدي؟ولماذا
احتجبت عن أضواء الشهرة، وهي في قمة مجدها الفني؟ ولماذا عادت الى الأضواء
عام 2001 ثم اختفت فجأة ثم أين هي الآن وماذا تفعل؟
«القبس» التقت
بالفنانة فيروز، التي حققت نجاحا كبيرا خلال مشوارها الفني، وشبهوها
بالطفلة المعجزة الأميركية شيري تمبل وكان هذا الحوار:
سألت طفلة الأمس فيروز في أثناء لقائي بها في منزلها في شارع شهاب بالمهندسين:
• هل والدتك هي مصرية؟
_
والدتي أرمنية أيضا، وقد أحبها والدي عندما كانت تسير أمام محله يوميا،
وهي في طريقها الى المدرسة، وأثارت اعجابه بها بقوامها الرشيق وضفائر
شعرها الجميلة، وكانت في مرحلة الثانوية العامة عندما تزوجها، بالرغم من
أن فارق السن بينهما كان كبيرا، فقد كان يكبرها بأربعة عشر عاما تقريبا.
• وأنت ابنتهما الكبرى؟
_
والدي أنجب صبيانا وبنات، ولكن بقي منهم أنا، كبرى الأخوات، وبعدي أختي
ميرفت التي تزوجت المهندس مصطفى سليمان، وأنجبت منه بنتين هما شيرين
وياسمين، ثم أختي نيللي، التي استمرت بمفردها على الساحة الفنية.
• ما الذي جعلك تتجهين الى السينما ولماذا؟ وكيف لفت نظر مكتشفك الفنان الكبير الراحل أنور وجدي؟
ــ
ارتسمت على وجه فيروز ابتسامة جذابة، وقالت: من يصدق أنني لست من اكتشافات
أنور وجدي على الاطلاق. بل أيضا هو الذي أطلق اشاعة اكتشافه لي، وأنه
اخترع هذه الحكاية من أجل الدعاية للفيلم.
مكتشف حقيقي
• اذا كيف تمت عملية اكتشافك للسينما؟
ــ
ان مكتشفي الأول هو الفنان الظريف اللبناني الأصل الراحل الياس مؤدب، الذي
كان جارا لوالدي في محله، وأيضا كان صديقا عزيزا له، وبحكم الصداقة كان
يزورنا في البيت بصورة مستمرة، وأحيانا كان يأتي ومعه الكمان فيعزف عليه،
وتغني على أنغامه والدتي التي كانت تمتلك صوتا جميلا.
فقد كان كلما جاء
الياس مؤدب، وعزف على الكمان، أقفز من حوله، وأرقص على موسيقاه، وأحاول أن
والغريب أن الياس مؤدب كان يصر دائما على القول بأنني موهوبة فنيا، أو كما
كان يردد دائما: «البنت دي فيها حاجة غريبة»! وبدافع من اقتناعه بوجود
موهبة فنية بداخلي، فقد ألف ولحن لي مونولوجا، وحفظه لي، وكنت أغنيه معه
أولا، ثم أصبحت أغنيه بمفردي.
• وسألت فيروز باهتمام شديد حفلة كرنفال؟
_
لا.. في حفلة عائلية، فقد كان الياس مؤدب كثيرا ما يغني في حفلات تقام في
البيوت بمناسبات خاصة، وذات يوم أغتنم فرصة اقامة سهرة بمناسبة ذكرى ميلاد
أحد أصدقائه المقربين، فاصطحبني معه، وقال لي: دلوقت، لو انت صحيح شاطرة
تستطيعين غناء المونولوج الذي حفظته لك.
• وعدت أسألها من جديد: وخلال تلك الحفلة الساهرة ما الذي تم؟
_
غنيت المونولوج وسط عدد كبير من المدعوين، فشعر الياس مؤدب أن الناس كانت
سعيدة جدا، ومن أجل ذلك قرر أن يأخذني معه الى ملهى الأوبرج.
الشقيقات الثلاث
•
المعروف أن الشقيقات الثلاث فيروز ونيللي وميرفت من أصول أرمنية ومع ذلك
فقد كانت أعمالكن مصرية صميمة، وخصوصا أنت يا فيروز في أفلامك «ياسمين»،
«دهب»، «فيروز هانم»، «الحرمان»، و»عصافير الجنة»، حيث صورت شخصيات من
المجتمع المصري، فكيف تفسرين ذلك؟
ــ رغم أنني من عائلة أرمنية، لكنني مصرية أبا عن جد، تربية وروحا وتعبيرا.
كان
والدي أرتين كالفيان _ رحمه الله _ يملك محلا لبيع الجلود بالجملة في شارع
فاروق بحي الموسكي، وكان ايراد دخله الشهري كبيرا، مما يعني أننا من عائلة
ميسورة الحال.
اكتشاف الموهبة
كشفت فيروز ان
بدايتها مع الفن كانت من خلال مونولوج قدمته في أحدي الحفلات الخاصة
بمساعدة مكتشفها الحقيقي الياس مؤدب.ومن خلال المونولوج برزت موهبتها في
الغناء والرقص والاستعراض.
أنور وجدي لم يكتشفني
جلست الطفلة الصغيرة «قطقوطة» على حافة سرير جدها الباشا، بكل براءتها،
وصدمتها في أبيها الذي قذف بها الى أحد الملاجئ وهجر أمها لأنها لم تنجب
له ولدا، وراحت تردد:
ــ مش حرام يا جدي، تحرمني من حنانك وعطفك وترميني في الشوارع بين القطط والكلاب الجائعة؟
وعندما
حاولت تقبيله، وهو يغط في سبات عميق، ضايقها شاربه، فقامت بقصه، فاستيقظ
مذعورا، وضمها الى صدره بعدما عرف أنها حفيدته الضائعة، وأبلغها أنه لن
يفارقها لحظة واحدة بعد اليوم، واراد أن يقسم لها بشاربه، فلم يجده. فقالت
له: ان شاربه أكلته القطة، فقال لها ضاحكا: ازاي تحلقي الشنب اللي بقالي
ثلاثين سنة بربي فيه؟
فقالت له: بدل ما كنت تربي شنبك، كنت ربيني أنا يا جدي، فاحتضنها بعنف، وراح يبكي بحرارة بالغة.
هذه
اللقطة، أو المشهد الراقي الذي صنعه مخرج كبير يبقى في ذاكرة المشاهدين
لسنوات طويلة، ليس فقط لما فيه من بلاغة، وحس انساني رهيف، ولكن أيضا لأن
الطفلة المعجزة قد تفوهت بهذه الكلمات من أعماقها، وأحست بكل حرف فيها.
الفيلم
هو «ياسمين» والطفلة هي فيروز، والمخرج هو أنور وجدي الذي أحدث منذ ستين
عاما انقلابا خطيرا في عالم السينما وصف بأنه ضرب من الجنون، أو مغامرة
تؤدي به الى الافلاس، وذلك بأن أسند بطولة فيلمه كاملة الى طفلة لا يزيد
عمرها على ثماني سنوات.
كيف يترك أنور وجدي بطلات الشاشة اللامعات في
تلك الأيام أمثال ليلى مراد، فاتن حمامة، صباح، الهام حسين، شادية، راقية
ابراهيم، مديحة يسري، ليلى فوزي، وعقيلة راتب، وغيرهن، ويسند دور البطولة
الى طفلة صغيرة لا يمكن أن تملأ عين المتفرج العربي الذي كان في فترة
المراهقة السينمائية، وكان يتوق الى أن يرى كل نجمات الشاشة المصرية
الشهيرات والجميلات الفارعات القوام بطلات في كل فيلم من أفلامه.
رهان ناجح
كان رهان أنور وجدي على الطفلة المعجزة فيروز أقرب الى المخاطرة منه الى المغامرة.
انه
صنع فيلما سينمائيا بطلته طفلة صغيرة وأنفق عليه الكثير وأكثر مما كان
ينفق على بقية الأفلام في تلك الأيام، ودون أن يدري اذا كان جمهور السينما
العربية على استعداد لأن يقضي ساعتين على مقعده في التفرج على فيلم بطلته
طفلة، وان كان عنده الحس الشعبي الذي يجعله يتوقع أن يكون رهانه على
الطفلة في محله.
ان أنور وجدي حدد موعد عرض فيلم «ياسمين» في اليوم
الحادي عشر من شهر ديسمبر عام 1950، وجاء اليه أصدقاؤه استفان روستي وحسن
الصيفي وكامل التلمساني ينصحونه بتأجيل عرض الفيلم الى وقت آخر، وعندما
سألهم عن السبب قالوا له: ان فيلم «شمشون ودليلة» الذي أخرجه المخرج
العالمي سيسيل. ب. دي ميل سوف يعرض في القاهرة، في نفس التوقيت الذي حدد
لعرض فيلم «ياسمين».
وهنا هتف أنور وجدي بصوت عال:
ــ أبدا، يعرض
الفيلم في نفس الموعد الذي حددته له، ان فيلمي أكبر من «شمشون ودليلة»،
وأنا أتحداه بفيلم «ياسمين». ويومها أعلن أنور وجدي في صحف القاهرة
اليومية في صباح يوم العرض أنه يدعو كل أطفال مصر لحضور حفلة الساعة
العاشرة صباحا من الفيلم، وأن بطلة الفيلم سوف توزع عليهم الهدايا، وملأ
مداخل دار سينما الكورسال بالهدايا المنوعة، وترك مئات البالونات تسبح في
دار السينما، كنوع من الدعاية التي ابتكرها ليضمن نجاح الفيلم.
ونجح
أنور وجدي في التحدي، كما نجح في الرهان. ان الذي حدث هو أن رهان أنور
وجدي على الطفلة المعجزة فيروز قد نجح، والى حد كبير، واكتسح الأفلام التي
كانت من بطولات ممثلات لهن جاذبية وبريق وقتذاك، واستمر عرضه لمدة شهور
طويلة.
نجمة لامعة
و سار الحظ في ركاب الطفلة فيروز، وأصبحت
نجمة لامعة ونجما ساطعا على الشاشة العربية، فقامت خلال رحلتها السينمائية
القصيرة التي استمرت تسع سنوات فقط من عام 1950 الى عام 1959 بتمثيل عشرة
أفلام كـان آخرها «بفكر في اللي ناسيني» ثم اعتزلت وآثرت حياة العزلة
والنسيان عندما كبرت، وصارت فتاة في السابعة عشرة من عمرها مليئة بالحيوية
والشقاوة.
تعددت الحكايات والروايات عن الفنانة فيروز، وظلت صورتها
تتراءى في مخيلتي الى أن تبلورت تلك الأفكار وأحاطها اطار من الذكريات
المحفورة في ذاكرتي عندما قفزت فجأة الى عالم الأضواء والشهرة مرة أخرى
وسط تصفيق حاد متواصل من جماهير مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته
الخامسة والعشرين عام 2001.
لم تكن هذه المرة مجرد طفلة صغيرة لم
تتجاوز العقد الأول من عمرها، وانما سيدة وقور أضفت السنوات على شكلها
كثيرا من التغيرات، ورغم ذلك لم يتغير قلبها البريء الجميل، راحت تضع يدها
على وجهها وتحاول أن تمنع دموع الفرح، تبحث عن الكلمات والجمل الرنانة،
ولكنها لم تجد سوى أغنيتها الشهيرة «معانا ريال»، لكي تحيي بها جمهورها،
فماذا ستقول لهم غير تلك الأغنية التي دخلت كل القلوب وتعلقت بالأذهان
طوال 51 عاما، انقضت منذ بدء عرض فيلمها الأول «ياسمين».
حكاية طفلة
فما
هي حكاية طفلة الأمس فيروز؟ وكيف اكتشفها النجم الكبير أنور وجدي؟ولماذا
احتجبت عن أضواء الشهرة، وهي في قمة مجدها الفني؟ ولماذا عادت الى الأضواء
عام 2001 ثم اختفت فجأة ثم أين هي الآن وماذا تفعل؟
«القبس» التقت
بالفنانة فيروز، التي حققت نجاحا كبيرا خلال مشوارها الفني، وشبهوها
بالطفلة المعجزة الأميركية شيري تمبل وكان هذا الحوار:
سألت طفلة الأمس فيروز في أثناء لقائي بها في منزلها في شارع شهاب بالمهندسين:
• هل والدتك هي مصرية؟
_
والدتي أرمنية أيضا، وقد أحبها والدي عندما كانت تسير أمام محله يوميا،
وهي في طريقها الى المدرسة، وأثارت اعجابه بها بقوامها الرشيق وضفائر
شعرها الجميلة، وكانت في مرحلة الثانوية العامة عندما تزوجها، بالرغم من
أن فارق السن بينهما كان كبيرا، فقد كان يكبرها بأربعة عشر عاما تقريبا.
• وأنت ابنتهما الكبرى؟
_
والدي أنجب صبيانا وبنات، ولكن بقي منهم أنا، كبرى الأخوات، وبعدي أختي
ميرفت التي تزوجت المهندس مصطفى سليمان، وأنجبت منه بنتين هما شيرين
وياسمين، ثم أختي نيللي، التي استمرت بمفردها على الساحة الفنية.
• ما الذي جعلك تتجهين الى السينما ولماذا؟ وكيف لفت نظر مكتشفك الفنان الكبير الراحل أنور وجدي؟
ــ
ارتسمت على وجه فيروز ابتسامة جذابة، وقالت: من يصدق أنني لست من اكتشافات
أنور وجدي على الاطلاق. بل أيضا هو الذي أطلق اشاعة اكتشافه لي، وأنه
اخترع هذه الحكاية من أجل الدعاية للفيلم.
مكتشف حقيقي
• اذا كيف تمت عملية اكتشافك للسينما؟
ــ
ان مكتشفي الأول هو الفنان الظريف اللبناني الأصل الراحل الياس مؤدب، الذي
كان جارا لوالدي في محله، وأيضا كان صديقا عزيزا له، وبحكم الصداقة كان
يزورنا في البيت بصورة مستمرة، وأحيانا كان يأتي ومعه الكمان فيعزف عليه،
وتغني على أنغامه والدتي التي كانت تمتلك صوتا جميلا.
فقد كان كلما جاء
الياس مؤدب، وعزف على الكمان، أقفز من حوله، وأرقص على موسيقاه، وأحاول أن
والغريب أن الياس مؤدب كان يصر دائما على القول بأنني موهوبة فنيا، أو كما
كان يردد دائما: «البنت دي فيها حاجة غريبة»! وبدافع من اقتناعه بوجود
موهبة فنية بداخلي، فقد ألف ولحن لي مونولوجا، وحفظه لي، وكنت أغنيه معه
أولا، ثم أصبحت أغنيه بمفردي.
• وسألت فيروز باهتمام شديد حفلة كرنفال؟
_
لا.. في حفلة عائلية، فقد كان الياس مؤدب كثيرا ما يغني في حفلات تقام في
البيوت بمناسبات خاصة، وذات يوم أغتنم فرصة اقامة سهرة بمناسبة ذكرى ميلاد
أحد أصدقائه المقربين، فاصطحبني معه، وقال لي: دلوقت، لو انت صحيح شاطرة
تستطيعين غناء المونولوج الذي حفظته لك.
• وعدت أسألها من جديد: وخلال تلك الحفلة الساهرة ما الذي تم؟
_
غنيت المونولوج وسط عدد كبير من المدعوين، فشعر الياس مؤدب أن الناس كانت
سعيدة جدا، ومن أجل ذلك قرر أن يأخذني معه الى ملهى الأوبرج.
الشقيقات الثلاث
•
المعروف أن الشقيقات الثلاث فيروز ونيللي وميرفت من أصول أرمنية ومع ذلك
فقد كانت أعمالكن مصرية صميمة، وخصوصا أنت يا فيروز في أفلامك «ياسمين»،
«دهب»، «فيروز هانم»، «الحرمان»، و»عصافير الجنة»، حيث صورت شخصيات من
المجتمع المصري، فكيف تفسرين ذلك؟
ــ رغم أنني من عائلة أرمنية، لكنني مصرية أبا عن جد، تربية وروحا وتعبيرا.
كان
والدي أرتين كالفيان _ رحمه الله _ يملك محلا لبيع الجلود بالجملة في شارع
فاروق بحي الموسكي، وكان ايراد دخله الشهري كبيرا، مما يعني أننا من عائلة
ميسورة الحال.
اكتشاف الموهبة
كشفت فيروز ان
بدايتها مع الفن كانت من خلال مونولوج قدمته في أحدي الحفلات الخاصة
بمساعدة مكتشفها الحقيقي الياس مؤدب.ومن خلال المونولوج برزت موهبتها في
الغناء والرقص والاستعراض.
بديعة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 6241
العمر : 39
Localisation : الدارالبيضاء
Emploi : موظفة
تاريخ التسجيل : 03/04/2008
رد: فيروز
(2)
فيروز.. من يقنعها بالعودة إلى جمهورها مرة أخرى؟
مديحة يسري وأنور وجدي وفيروز في فيلم {دهب}
جلست الطفلة الصغيرة «قطقوطة» على حافة سرير جدها الباشا، بكل براءتها،
وصدمتها في أبيها الذي قذف بها الى أحد الملاجئ وهجر أمها لأنها لم تنجب
له ولدا، وراحت تردد:
ــ مش حرام يا جدي، تحرمني من حنانك وعطفك وترميني في الشوارع بين القطط والكلاب الجائعة؟
وعندما
حاولت تقبيله، وهو يغط في سبات عميق، ضايقها شاربه، فقامت بقصه، فاستيقظ
مذعورا، وضمها الى صدره بعدما عرف أنها حفيدته الضائعة، وأبلغها أنه لن
يفارقها لحظة واحدة بعد اليوم، واراد أن يقسم لها بشاربه، فلم يجده. فقالت
له: ان شاربه أكلته القطة، فقال لها ضاحكا: ازاي تحلقي الشنب اللي بقالي
ثلاثين سنة بربي فيه؟
فقالت له: بدل ما كنت تربي شنبك، كنت ربيني أنا يا جدي، فاحتضنها بعنف، وراح يبكي بحرارة بالغة.
هذه
اللقطة، أو المشهد الراقي الذي صنعه مخرج كبير يبقى في ذاكرة المشاهدين
لسنوات طويلة، ليس فقط لما فيه من بلاغة، وحس انساني رهيف، ولكن أيضا لأن
الطفلة المعجزة قد تفوهت بهذه الكلمات من أعماقها، وأحست بكل حرف فيها.
الفيلم
هو «ياسمين» والطفلة هي فيروز، والمخرج هو أنور وجدي الذي أحدث منذ ستين
عاما انقلابا خطيرا في عالم السينما وصف بأنه ضرب من الجنون، أو مغامرة
تؤدي به الى الافلاس، وذلك بأن أسند بطولة فيلمه كاملة الى طفلة لا يزيد
عمرها على ثماني سنوات.
• هل كان يريدك أن تعملي في ملهى «الأوبرج» الليلي؟
_
بالعكس، كان هناك مهرجان فني للهواة يقام في ملهى الأوبرج، وكما عرفت فيما
بعد، فان كل من كان يرى في نفسه موهبة فنية، يسرع للاشتراك في هذا
المهرجان، على أمل أن يراه السينمائيون الذين يتواجدون هناك، ويفتحون له
أبواب العمل في السينما.
ووفي الياس مؤدب بوعده، وذهبت برفقته الى حفلة
الهواة التي أقيمت في ملهى الأوبرج ذات ليلة من شهر مارس عام 1950. كانت
الأنوار ليلتها تتلألأ والموسيقى تصدح. وعلى الموائد المحيطة بالمسرح كان
هناك ثلاثة أرباع نجوم السينما المصرية، بالاضافة الى العديد من المنتجين،
والمخرجين السينمائيين، منهم آسيا، محمد فوزي، محمود ذو الفقار، عزيزة
أمير، مديحة يسري، بركات، المنتج جبرائيل تلحمي، حسين فوزي، صباح، وتحية
كاريوكا، وغيرهم.
عصا النجاح
وارتسمت السعادة على وجه فيروز، وهي تقول:
_
أهم ما لفت نظري على خشبة المسرح، هو أنه كانت هناك عصا طويلة، مستديرة في
آخرها، وكان الفنان الهاوي يصعد الى المسرح، سواء يرقص، أو يغني أو يمثل،
فاذا صفق له الجمهور، فأنه سوف يتابع دوره، والا فان العصا تتحرك فورا
لتشده الى خارج المسرح، ومعنى هذا أنه فشل في هذا الامتحان.
والحقيقة
أنني بمجرد أن صعدت الى المسرح، وغنيت المونولوج الذي حفظه لي الياس مؤدب،
فاذا بي أسمع التصفيق الحاد من كل الحاضرين، وحتى الملك السابق فاروق الذي
كان موجودا في تلك الليلة صفق لي، وأعطاني خمسين جنيها كمكافأة.
وفي
الوقت نفسه التف حولي عدد كبير من المنتجين السينمائيين وكان منهم من يريد
أن يتعاقد معي، ولكن الفنان الياس مؤدب الذي كان يرعاني فنيا آثر أن يكون
تعاقدي مع الفنان أنور وجدي الذي حدد لنا موعدا في اليوم التالي لزيارته
في مكتبه برفقة والدي، وكانت هذه أول مرة أزوره في مكتبه بعمارة
الايموبيليا، وأركب المصعد الذي أشاع عنه أنور وجدي من باب الدعاية أنه
اكتشفني فيه بالصدفة.
أيمن وإيمان
ومن جديد سألت الطفلة التي كبرت الآن، وأصبح عندها ولدان أيمن وأيمان، وهما متزوجان.
• هل تعلمت الغناء والرقص على أيدي مدربين متخصصين.. أم أنك أديت هذه الفنون من تلقاء نفسك، وبوحي من موهبة أنعم الله عليك بها؟
_
الذي أذكره فقط هو أن الفنان أنور وجدي أحضر لي مدرب رقص اسمه «ايزاك
ديكسون» قام بتدريبي لبضعة أسابيع، وبعدها أدخلني معهدا خاصا للباليه، لكي
أتعلم فن الباليه، ومن ثم كان يتركني لمدة ساعات طويلة يوميا مع مساعديه
حسن الصيفي، كامل التلمساني. ومنير مراد الذي كان وقتذاك يعمل كلاكيت، لكي
أتدرب معهم على كل مشهد سأمثله في الفيلم، وكانوا جميعا في حالة طوارئ
طوال الليل والنهار من أجلي، و في أحد الأيام ذهبت بصحبة أحدهم الى محلات
«كلير» في مصر الجديدة، التي كانت تصنع ملابس الملكة السابقة ناريمان، لكي
تقوم بتفصيل ملابس الفيلم. ويومها، قال أنور وجدي لوالدي انه متأكد من أن
فيروز سوف تستطيع تأدية الدور على أكمل وجه، لأنها اعتادت علي رؤيتي
وتدليلي لها، يعني أنها لن تشعر بالخوف أو الرهبة عندما تقف أمام الكاميرا
لأول مرة، وهذا ما حدث فعلا، وأديت الدور ببساطة متناهية.
• هل تذكرين أول أدوارك أمام الكاميرا؟
_
هو ذلك المشهد الذي أرتدي فيه ثوبا ممزقا ومرقعا، وأتزعم فيه عصابة مكونة
من عشرة أطفال من المتشردين، وندخل لسرقة قصر الباشا زكي رستم الذي اكتشف
فيما بعد أنه جدي الحقيقي.
• هل صحيح أن الفنان أنور وجدي هو الذي أطلق عليك اسمك الفني؟
_ نعم.. لأنه اسم قريب جدا من اسمي المعروف في شهادة الميلاد.
• وما هو أسمك الحقيقي ؟
_ اسمي بالكامل هو بيروز أرتين كالفيان، ولكن كل ما فعله أنور وجدي هو أنه استبدل حرف «الباء» في اسمي بحرف «الفاء».
عدم الاحتكار
•
تردد في بعض الاوساط الفنية والاعلامية أن أنور وجدي لم يكن منصفا معك من
الناحية المادية، بمعنى أنه كسب كثيرا من وراء أعمالك السينمائية من دون
أن تنالي ما تستحقينه ماديا لقاء ذلك. هل فيه شيء من الصحة.. وكم قبضت
فعلا عن كل من الأفلام الثلاثة التي أنتجها لك وهي ياسمين، دهب، وفيروز
هانم؟
_ في بادئ الأمر جرى الاتفاق بين والدي والفنان أنور وجدي على
توقيع عقد احتكار، اتقاضى بموجبه ألف جنيه مصري عن كل فيلم أقوم بتمثيله،
على أن يعتبر العقد لاغيا اذا لم ينتج لي أنور وجدي في خلال العامين
الأولين فيلمين على الأقل. ولهذا فمن الظلم أن أقول بأن أنور وجدي قد
تناسى حقوقي المادية، لسبب بسيط جدا، وهو أنه قد يكون الفنان الوحيد الذي
غامر بفلوسه، لكي يسند بطولة فيلم بكامله الى طفلة صغيرة، ربما لا تحقق
النجاح وتفشل فشلا ذريعا، ولكن الشيء الذي غضبت من أجله، أنه أسترد كل
الملابس التي صورت بها الفيلم، ولم يتركها لي، ومن شدة غيظي منه، أخرجت من
شعري «دبوس شعر» كان الكوافير قد وضعه في رأسي، وأعطيته اياه، فصرخ في
وجهي قائلا: «ايه الحركات دي»؟
• ما هي قصتك مع الموسيقار محمد عبد
الوهاب وهل صحيح أنه رفض أن يلحن لك أو أن يسهم في انتاج فيلم ياسمين وأنه
ندم كثيرا بعد النجاح الباهر للفيلم؟
_ في اليوم التالي من توقيع عقد
الاحتكار، توجهت برفقة أنور وجدي الى شريكه الموسيقار محمد عبد الوهاب في
فيللته بشارع الهرم، لكي يراني عن قرب، لكونه شريكا مع أنور وجدي في
الانتاج السينمائي.
ندم عبد الوهاب
ـ وما حدث خلال هذا اللقاء بين محمد عبد الوهاب وأنور وجدي لم أعرفه أو أفهمه يومها، ولكنني فيما بعد عرفت ما حدث بينهما.
_
ان الموسيقار محمد عبد الوهاب بمجرد أن رآني لأول وهلة نظر الى أنور وجدي
باستغراب وقال له: «ازاي تغامر بفلوسك في فيلم البطلة فيه طفلة تصلح لأن
تغني مونولوج فقط؟» وكان الفيلم يومها يتكلف حوالي خمسة عشر ألف جنيه
مصري، المهم، بعد مناقشات طويلة بينهما، رفض محمد عبد الوهاب أن يكون
شريكا في هذا الفيلم بالذات، وقال له: «أنتج الفيلم لوحدك، أنا لا أحب
المغامرة».
وتتذكر فيروز أن الموسيقار محمد عبد الوهاب عندما شاهد
الفيلم غضب جدا، وقال لأنور وجدي: الحقيقة أنه كان في يدك جوهرة ثمينة لم
يشعر أحد بقيمتها سواك،
• أنت قمت بتقليد الراقصتين سامية جمال وتحية
كاريوكا، فمن المؤكد أنك شاهدتهما شخصيا أو عبر أفلامهما فكيف استطعت
تقليد الراقصة بديعة مصابني، وأنت لم تشاهديها سواء شخصيا أو سينمائيا؟
_
الفضل في المرتبة الأولى يعود الى مدرب الرقص ايزاك ديكسون الذي ظل لمدة
أسبوعين تقريبا يقوم بتدريبي، ويشرح لي حركاتها، وكيف تكون حركة الرجلين
متساوية مع الايقاع.
ضياع الفرص
• يقال ان اصرار وعناد والدك على المبالغة في زيادة أجرك قد أضاع عليك فرصا سينمائية كثيرة.. فهل هذا صحيح؟
_
بصراحة مع كل حبي وتقديري لوالدي، فقد كان هو المسؤول الأول عن تعثر
خطواتي السينمائية، فيما بعد، لأنه لم يكن على دراية واسعة بعملية تنظيم
ادارة شؤوني الفنية.
• ما التغيير الذي طرأ على حياتك بعد نجاح فيلم «ياسمين»؟
_
قد تكون غلطة واحدة لا تغتفر لي، وهي أنني امتنعت عن الدراسة، لأن والدي
لم يكن يرد لي مواصلة تعليمي، لأن فرص العمل كانت وقتذاك تتوالى علي
كثيرا، فبعد أن انتهيت من فيلم «ياسمين»، بدأت على الفور في فيلم «فيروز
هانم» من انتاج أنور وجدي واخراج عباس كامل، ثم قدمت فيلم «دهب» اخراج
أنور وجدي عام 1953.
• سؤال شخصي.. أعتقد أنك لا تمانعين في الاجابة
عنه.. لماذا احتجبت عن الفن عام 1959.. هل بسبب الزواج.. أم يا ترى بسبب
فشل بعض أفلامك الأخيرة؟ وبماذا تفسرين هذا الفشل..مع رجائي بألا يؤخذ
سؤالي علي مأخذ الانتقاد، وانما للتوصل الى الحقيقة وشرحها للقراء الذين
يحبونك؟
_ بعد عرض فيلم «عصافير الجنة» عام 1955كنت قد بلغت الثالثة
عشرة من عمري، ولم يعد ممكنا أن أمثل دور طفلة، ولا دور صبية، فتوقفت عن
العمل لمدة ثلاث سنوات متتالية، وعندما عدت من جديد كنت قد أصبحت شابة في
السادسة عشرة، فاشتركت في بطولة أربعة أفلام هي «اسماعيل ياسين طرزان»،
«أيامي السعيدة»، «اسماعيل ياسين للبيع»، و«بفكر في اللي ناسيني»، كلها
فشلت، فشعرت بأن الجمهور قد أحبني أكثر في الأفلام التي كنت فيها طفلة،
فقررت الانسحاب والاعتزال تدريجيا.
وفي النهاية، لابد من القول: اذا
كانت موهبة الطفلة فيروز، التي شبهوها بالطفلة المعجزة الاميركية شيري
تمبل، اكتشفها الفنان الياس مؤدب، فان النجم أنور وجدي يبقي هو صانع
نجوميتها وشهرتها وبريقها الذي لا ينطفئ على مرور السنوات الطويلة.
فيروز والحرمان
تضحك فيروز عندما تتذكر فيلم «الحرمان» الذي أنتجه والدها حتى لا يتركها تعمل في أفلام الآخرين، فتقول:
أراد
أنور وجدي أن ينتقم من والدي، لأنه رفض أن يرتبط معه بعقد احتكار مرة
ثانية، فما كان منه الا أن أرسل عددا من الأشخاص الى دار سينما رويال التي
تعرض فيلم «الحرمان» عام 1953، حيث وقفوا على الباب الخارجي، وراحـوا
يتناقشون بصوت عال:
ايه الفيلم ده؟ وايه الدور العبيط ده اللي مثلته فيروز؟
وكان
أنور وجدي يقصد بذلك أن يكون للفيلم دعاية سيئة تجعل الناس ينصرفون عن
مشاهدته، ولكن يشاء القدر أن تكون النتيجة كويسة جدا، ويحقق الفيلم نجاحا
كبيرا.
علاقة زوجية
_ التقت فيروز بالفنان الراحل بدر الدين
جمجوم في أوائل الستينات، وعاشا قصة حب جميلة، وتزوجا، وأنجبا أيمن وايمان
وكان زوجها خلال هذه الفترة يشجعهاعلى العودة الى الفن.. بشرط ألا يتعارض
عملها مع بيتها وأسرتها، ولكنها كانت ترفض باستمرار.
فيروز.. من يقنعها بالعودة إلى جمهورها مرة أخرى؟
مديحة يسري وأنور وجدي وفيروز في فيلم {دهب}
جلست الطفلة الصغيرة «قطقوطة» على حافة سرير جدها الباشا، بكل براءتها،
وصدمتها في أبيها الذي قذف بها الى أحد الملاجئ وهجر أمها لأنها لم تنجب
له ولدا، وراحت تردد:
ــ مش حرام يا جدي، تحرمني من حنانك وعطفك وترميني في الشوارع بين القطط والكلاب الجائعة؟
وعندما
حاولت تقبيله، وهو يغط في سبات عميق، ضايقها شاربه، فقامت بقصه، فاستيقظ
مذعورا، وضمها الى صدره بعدما عرف أنها حفيدته الضائعة، وأبلغها أنه لن
يفارقها لحظة واحدة بعد اليوم، واراد أن يقسم لها بشاربه، فلم يجده. فقالت
له: ان شاربه أكلته القطة، فقال لها ضاحكا: ازاي تحلقي الشنب اللي بقالي
ثلاثين سنة بربي فيه؟
فقالت له: بدل ما كنت تربي شنبك، كنت ربيني أنا يا جدي، فاحتضنها بعنف، وراح يبكي بحرارة بالغة.
هذه
اللقطة، أو المشهد الراقي الذي صنعه مخرج كبير يبقى في ذاكرة المشاهدين
لسنوات طويلة، ليس فقط لما فيه من بلاغة، وحس انساني رهيف، ولكن أيضا لأن
الطفلة المعجزة قد تفوهت بهذه الكلمات من أعماقها، وأحست بكل حرف فيها.
الفيلم
هو «ياسمين» والطفلة هي فيروز، والمخرج هو أنور وجدي الذي أحدث منذ ستين
عاما انقلابا خطيرا في عالم السينما وصف بأنه ضرب من الجنون، أو مغامرة
تؤدي به الى الافلاس، وذلك بأن أسند بطولة فيلمه كاملة الى طفلة لا يزيد
عمرها على ثماني سنوات.
• هل كان يريدك أن تعملي في ملهى «الأوبرج» الليلي؟
_
بالعكس، كان هناك مهرجان فني للهواة يقام في ملهى الأوبرج، وكما عرفت فيما
بعد، فان كل من كان يرى في نفسه موهبة فنية، يسرع للاشتراك في هذا
المهرجان، على أمل أن يراه السينمائيون الذين يتواجدون هناك، ويفتحون له
أبواب العمل في السينما.
ووفي الياس مؤدب بوعده، وذهبت برفقته الى حفلة
الهواة التي أقيمت في ملهى الأوبرج ذات ليلة من شهر مارس عام 1950. كانت
الأنوار ليلتها تتلألأ والموسيقى تصدح. وعلى الموائد المحيطة بالمسرح كان
هناك ثلاثة أرباع نجوم السينما المصرية، بالاضافة الى العديد من المنتجين،
والمخرجين السينمائيين، منهم آسيا، محمد فوزي، محمود ذو الفقار، عزيزة
أمير، مديحة يسري، بركات، المنتج جبرائيل تلحمي، حسين فوزي، صباح، وتحية
كاريوكا، وغيرهم.
عصا النجاح
وارتسمت السعادة على وجه فيروز، وهي تقول:
_
أهم ما لفت نظري على خشبة المسرح، هو أنه كانت هناك عصا طويلة، مستديرة في
آخرها، وكان الفنان الهاوي يصعد الى المسرح، سواء يرقص، أو يغني أو يمثل،
فاذا صفق له الجمهور، فأنه سوف يتابع دوره، والا فان العصا تتحرك فورا
لتشده الى خارج المسرح، ومعنى هذا أنه فشل في هذا الامتحان.
والحقيقة
أنني بمجرد أن صعدت الى المسرح، وغنيت المونولوج الذي حفظه لي الياس مؤدب،
فاذا بي أسمع التصفيق الحاد من كل الحاضرين، وحتى الملك السابق فاروق الذي
كان موجودا في تلك الليلة صفق لي، وأعطاني خمسين جنيها كمكافأة.
وفي
الوقت نفسه التف حولي عدد كبير من المنتجين السينمائيين وكان منهم من يريد
أن يتعاقد معي، ولكن الفنان الياس مؤدب الذي كان يرعاني فنيا آثر أن يكون
تعاقدي مع الفنان أنور وجدي الذي حدد لنا موعدا في اليوم التالي لزيارته
في مكتبه برفقة والدي، وكانت هذه أول مرة أزوره في مكتبه بعمارة
الايموبيليا، وأركب المصعد الذي أشاع عنه أنور وجدي من باب الدعاية أنه
اكتشفني فيه بالصدفة.
أيمن وإيمان
ومن جديد سألت الطفلة التي كبرت الآن، وأصبح عندها ولدان أيمن وأيمان، وهما متزوجان.
• هل تعلمت الغناء والرقص على أيدي مدربين متخصصين.. أم أنك أديت هذه الفنون من تلقاء نفسك، وبوحي من موهبة أنعم الله عليك بها؟
_
الذي أذكره فقط هو أن الفنان أنور وجدي أحضر لي مدرب رقص اسمه «ايزاك
ديكسون» قام بتدريبي لبضعة أسابيع، وبعدها أدخلني معهدا خاصا للباليه، لكي
أتعلم فن الباليه، ومن ثم كان يتركني لمدة ساعات طويلة يوميا مع مساعديه
حسن الصيفي، كامل التلمساني. ومنير مراد الذي كان وقتذاك يعمل كلاكيت، لكي
أتدرب معهم على كل مشهد سأمثله في الفيلم، وكانوا جميعا في حالة طوارئ
طوال الليل والنهار من أجلي، و في أحد الأيام ذهبت بصحبة أحدهم الى محلات
«كلير» في مصر الجديدة، التي كانت تصنع ملابس الملكة السابقة ناريمان، لكي
تقوم بتفصيل ملابس الفيلم. ويومها، قال أنور وجدي لوالدي انه متأكد من أن
فيروز سوف تستطيع تأدية الدور على أكمل وجه، لأنها اعتادت علي رؤيتي
وتدليلي لها، يعني أنها لن تشعر بالخوف أو الرهبة عندما تقف أمام الكاميرا
لأول مرة، وهذا ما حدث فعلا، وأديت الدور ببساطة متناهية.
• هل تذكرين أول أدوارك أمام الكاميرا؟
_
هو ذلك المشهد الذي أرتدي فيه ثوبا ممزقا ومرقعا، وأتزعم فيه عصابة مكونة
من عشرة أطفال من المتشردين، وندخل لسرقة قصر الباشا زكي رستم الذي اكتشف
فيما بعد أنه جدي الحقيقي.
• هل صحيح أن الفنان أنور وجدي هو الذي أطلق عليك اسمك الفني؟
_ نعم.. لأنه اسم قريب جدا من اسمي المعروف في شهادة الميلاد.
• وما هو أسمك الحقيقي ؟
_ اسمي بالكامل هو بيروز أرتين كالفيان، ولكن كل ما فعله أنور وجدي هو أنه استبدل حرف «الباء» في اسمي بحرف «الفاء».
عدم الاحتكار
•
تردد في بعض الاوساط الفنية والاعلامية أن أنور وجدي لم يكن منصفا معك من
الناحية المادية، بمعنى أنه كسب كثيرا من وراء أعمالك السينمائية من دون
أن تنالي ما تستحقينه ماديا لقاء ذلك. هل فيه شيء من الصحة.. وكم قبضت
فعلا عن كل من الأفلام الثلاثة التي أنتجها لك وهي ياسمين، دهب، وفيروز
هانم؟
_ في بادئ الأمر جرى الاتفاق بين والدي والفنان أنور وجدي على
توقيع عقد احتكار، اتقاضى بموجبه ألف جنيه مصري عن كل فيلم أقوم بتمثيله،
على أن يعتبر العقد لاغيا اذا لم ينتج لي أنور وجدي في خلال العامين
الأولين فيلمين على الأقل. ولهذا فمن الظلم أن أقول بأن أنور وجدي قد
تناسى حقوقي المادية، لسبب بسيط جدا، وهو أنه قد يكون الفنان الوحيد الذي
غامر بفلوسه، لكي يسند بطولة فيلم بكامله الى طفلة صغيرة، ربما لا تحقق
النجاح وتفشل فشلا ذريعا، ولكن الشيء الذي غضبت من أجله، أنه أسترد كل
الملابس التي صورت بها الفيلم، ولم يتركها لي، ومن شدة غيظي منه، أخرجت من
شعري «دبوس شعر» كان الكوافير قد وضعه في رأسي، وأعطيته اياه، فصرخ في
وجهي قائلا: «ايه الحركات دي»؟
• ما هي قصتك مع الموسيقار محمد عبد
الوهاب وهل صحيح أنه رفض أن يلحن لك أو أن يسهم في انتاج فيلم ياسمين وأنه
ندم كثيرا بعد النجاح الباهر للفيلم؟
_ في اليوم التالي من توقيع عقد
الاحتكار، توجهت برفقة أنور وجدي الى شريكه الموسيقار محمد عبد الوهاب في
فيللته بشارع الهرم، لكي يراني عن قرب، لكونه شريكا مع أنور وجدي في
الانتاج السينمائي.
ندم عبد الوهاب
ـ وما حدث خلال هذا اللقاء بين محمد عبد الوهاب وأنور وجدي لم أعرفه أو أفهمه يومها، ولكنني فيما بعد عرفت ما حدث بينهما.
_
ان الموسيقار محمد عبد الوهاب بمجرد أن رآني لأول وهلة نظر الى أنور وجدي
باستغراب وقال له: «ازاي تغامر بفلوسك في فيلم البطلة فيه طفلة تصلح لأن
تغني مونولوج فقط؟» وكان الفيلم يومها يتكلف حوالي خمسة عشر ألف جنيه
مصري، المهم، بعد مناقشات طويلة بينهما، رفض محمد عبد الوهاب أن يكون
شريكا في هذا الفيلم بالذات، وقال له: «أنتج الفيلم لوحدك، أنا لا أحب
المغامرة».
وتتذكر فيروز أن الموسيقار محمد عبد الوهاب عندما شاهد
الفيلم غضب جدا، وقال لأنور وجدي: الحقيقة أنه كان في يدك جوهرة ثمينة لم
يشعر أحد بقيمتها سواك،
• أنت قمت بتقليد الراقصتين سامية جمال وتحية
كاريوكا، فمن المؤكد أنك شاهدتهما شخصيا أو عبر أفلامهما فكيف استطعت
تقليد الراقصة بديعة مصابني، وأنت لم تشاهديها سواء شخصيا أو سينمائيا؟
_
الفضل في المرتبة الأولى يعود الى مدرب الرقص ايزاك ديكسون الذي ظل لمدة
أسبوعين تقريبا يقوم بتدريبي، ويشرح لي حركاتها، وكيف تكون حركة الرجلين
متساوية مع الايقاع.
ضياع الفرص
• يقال ان اصرار وعناد والدك على المبالغة في زيادة أجرك قد أضاع عليك فرصا سينمائية كثيرة.. فهل هذا صحيح؟
_
بصراحة مع كل حبي وتقديري لوالدي، فقد كان هو المسؤول الأول عن تعثر
خطواتي السينمائية، فيما بعد، لأنه لم يكن على دراية واسعة بعملية تنظيم
ادارة شؤوني الفنية.
• ما التغيير الذي طرأ على حياتك بعد نجاح فيلم «ياسمين»؟
_
قد تكون غلطة واحدة لا تغتفر لي، وهي أنني امتنعت عن الدراسة، لأن والدي
لم يكن يرد لي مواصلة تعليمي، لأن فرص العمل كانت وقتذاك تتوالى علي
كثيرا، فبعد أن انتهيت من فيلم «ياسمين»، بدأت على الفور في فيلم «فيروز
هانم» من انتاج أنور وجدي واخراج عباس كامل، ثم قدمت فيلم «دهب» اخراج
أنور وجدي عام 1953.
• سؤال شخصي.. أعتقد أنك لا تمانعين في الاجابة
عنه.. لماذا احتجبت عن الفن عام 1959.. هل بسبب الزواج.. أم يا ترى بسبب
فشل بعض أفلامك الأخيرة؟ وبماذا تفسرين هذا الفشل..مع رجائي بألا يؤخذ
سؤالي علي مأخذ الانتقاد، وانما للتوصل الى الحقيقة وشرحها للقراء الذين
يحبونك؟
_ بعد عرض فيلم «عصافير الجنة» عام 1955كنت قد بلغت الثالثة
عشرة من عمري، ولم يعد ممكنا أن أمثل دور طفلة، ولا دور صبية، فتوقفت عن
العمل لمدة ثلاث سنوات متتالية، وعندما عدت من جديد كنت قد أصبحت شابة في
السادسة عشرة، فاشتركت في بطولة أربعة أفلام هي «اسماعيل ياسين طرزان»،
«أيامي السعيدة»، «اسماعيل ياسين للبيع»، و«بفكر في اللي ناسيني»، كلها
فشلت، فشعرت بأن الجمهور قد أحبني أكثر في الأفلام التي كنت فيها طفلة،
فقررت الانسحاب والاعتزال تدريجيا.
وفي النهاية، لابد من القول: اذا
كانت موهبة الطفلة فيروز، التي شبهوها بالطفلة المعجزة الاميركية شيري
تمبل، اكتشفها الفنان الياس مؤدب، فان النجم أنور وجدي يبقي هو صانع
نجوميتها وشهرتها وبريقها الذي لا ينطفئ على مرور السنوات الطويلة.
فيروز والحرمان
تضحك فيروز عندما تتذكر فيلم «الحرمان» الذي أنتجه والدها حتى لا يتركها تعمل في أفلام الآخرين، فتقول:
أراد
أنور وجدي أن ينتقم من والدي، لأنه رفض أن يرتبط معه بعقد احتكار مرة
ثانية، فما كان منه الا أن أرسل عددا من الأشخاص الى دار سينما رويال التي
تعرض فيلم «الحرمان» عام 1953، حيث وقفوا على الباب الخارجي، وراحـوا
يتناقشون بصوت عال:
ايه الفيلم ده؟ وايه الدور العبيط ده اللي مثلته فيروز؟
وكان
أنور وجدي يقصد بذلك أن يكون للفيلم دعاية سيئة تجعل الناس ينصرفون عن
مشاهدته، ولكن يشاء القدر أن تكون النتيجة كويسة جدا، ويحقق الفيلم نجاحا
كبيرا.
علاقة زوجية
_ التقت فيروز بالفنان الراحل بدر الدين
جمجوم في أوائل الستينات، وعاشا قصة حب جميلة، وتزوجا، وأنجبا أيمن وايمان
وكان زوجها خلال هذه الفترة يشجعهاعلى العودة الى الفن.. بشرط ألا يتعارض
عملها مع بيتها وأسرتها، ولكنها كانت ترفض باستمرار.
بديعة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 6241
العمر : 39
Localisation : الدارالبيضاء
Emploi : موظفة
تاريخ التسجيل : 03/04/2008
مواضيع مماثلة
» فيروز
» البوم الفنانين والفنانات
» الطفلة فيروز
» فيروز في أمستردام.. أمسية تاريخية
» 'فيروز في السينما': ابنة الضيعة التي تحلم بالعدالة والحب البريء! /محمد منصور
» البوم الفنانين والفنانات
» الطفلة فيروز
» فيروز في أمستردام.. أمسية تاريخية
» 'فيروز في السينما': ابنة الضيعة التي تحلم بالعدالة والحب البريء! /محمد منصور
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى