الذكرى 18 لرحيل عبدالرحيم بوعبيد
صفحة 1 من اصل 1
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
في ذكرى رحيل عبد الرحيم بوعبيد ( 8 يناير 1992 - 8 يناير 2010).. : كيف يفكر المغرب في سؤال الوطنية اليوم؟
حين
تطرح مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد سؤال «الوطنية بين الأمس واليوم»، فإنها
تطرح في العمق سؤالا قيميا كبيرا يسائلنا جميعا كمغاربة، في سياق إنضاج
المشاريع التاريخية التي تفضى إلى تحقيق تحول، يضيف تراكمه النوعي، ضمن
سياق متواصل من فعل المغاربة في التاريخ، وفي ذاكرة الأيام. ولعل قوة
الموضوع آتية، من أنه يترجم غير قليل من القلق، حول واقع القيم ببلادنا،
التي يأتي في مقدمتها معنى الإنتماء. الإنتماء لوطن، لفكرة بناءة عنه،
لطموح جماعي لتحقيق التقدم والرفاه. لأن العطب - ربما- الذي يطال اليوم
المغرب، هو في عدم وضوح صورة المثل والقيم أمام الأجيال الجديدة، التي لم
تجد بعد ما تتساوق معه من أفكار جماعية بناءة، تحقق ليس فقط الإمتلاء
الروحي، بل تعطي معنى للوجود في معناه الحضاري الواسع.
إعداد: لحسن العسبي
مقاربة هذا السؤال الكبير، حاولنا تتبع مساراته كما فكر فيه عدد من
مفكرينا المغاربة، الذين خلصوا إلى معنى للإنتماء لفكرة الوطن، ولإنتاج
روح الوطنية، التي تجد لها العديد من المسميات في مفاهيم « الحداثة»، «
العلمانية»، « التقدم»، « الهوية»، « الإنتماء إلى العصر»، وغيرها كثير من
المفاهيم. ولعل إحدى أهم الأطروحات التي ترد دوما في هذا الباب، تلك التي
بناها بعمق معرفي وتأصيل تاريخي، الدكتور عبد الله العروي، في كتابه «
أصول الوطنية المغربية»، الذي اشتغل معرفيا على الفترة ما قبل الإستعمارية
ببلادنا، أي فترة القرن 19 وبدايات القرن 20. حيث توقف طويلا، عند معنى
الإطار السياسي الذي تأسست عليه الدولة المغربية في تفاعلها مع المجتمع
المغربي ومع الخارج. وذهبت بعض الدراسات التي حللت هذه الأطروحة المتكاملة
للدكتور العروي، إلى أن النظام السياسي المغربي (المخزن)، قد ظل يتأسس على
تابثين أساسيين هما قوة الجيش ونظام إداري ميزته البيروقراطية بصيغته
المغربية الصرفة، التي صيغة تقليدية تماما. وأن فكرة الوطنية، هي مفهوم
حديث، ولد عمليا (بمعناه السياسي)، مع صدمة الإستعمار. وأنه مفهوم مديني
بامتياز، ولد بمعناه الحديث، مع بروز فئة بورجوازية بالمدن المغربية
العتيقة، كان لها طموح هائل في تغيير أساليب التدبير العمومية، بما يتوافق
وشرط المدنية الحديثة. بل إن فكرة الوطنية قد اكتسبت معناها السياسي، في
تنازعها مع الخيار التقليدي للسلطة، الذي يتأسس، على أن الجيش والإدارة
الممركزة، على مدى قرنين من الزمن «هما الأداة التي يتم بواسطتها حماية
الحقوق و المصالح وتدبير الامتيازات وفق الأعراف الضوابط المخزنية، و
فيهما يتم إحداث الوظائف والمناصب مركزيا ومحليا ويتم إدماج الأنصار
والمحاسيب وتسوية التوافقات في إطار هذه الوظائف التي تمتد من الوزارات
إلى السفارات و العمالات والأمانات والقيادات ورئاسات بعض الهيئات مركزيا
أو محليا».
على مستوى آخر، نجد أن بعض كتابات الباحث المغربي عبد السلام بنعبد
العالي، تطرح سؤال التحديث (كعنوان من عناوين ترجمة الوطنية في السياقات
المغربية). بل إنه يؤكد، أن من أدوار البحث الفلسفي اليوم، هي زرع روح
التحديث، تأسيسا على «أن الحداثة ليست مجرد وقوف عند، مجرد إثبات للتحولات
الكبرى في مختلف المجالات، وهي ليست بالأولى حقبة زمنية، إنها ليست فترة
تمتد بين تاريخين، وإنما هي عصر». مضيفا أنه «عند كل عصر ينكشف عالم من
العوالم، أي تنكشف بالنسبة لإنسان ذلك العالم، علاقة جديدة للماضي
بالمستقبل. الحداثة اذاً شكل من العلاقة المتوترة مع ما يحدث في الوضع
الراهن، واختيار واعٍ، ونمط من التفكير والإحساس، وطريقة في السلوك
والاستجابة تظهر كمهمة ينبغي الاضطلاع بها. إنها وعي بأن الكائن تحول.
إنها إثبات للانفصال، ووعي بالحركة المتقطعة للزمن، إنها اللحظة التي يصبح
فيها الانفصال من صميم الوجود و يغدو نسيج الكائن ولحمته».
ولعل من أهم المقاربات التي اشتغلت على مفهوم الوطنية المغربية، في
علاقتها بالتقدم ورسم معالم الهوية المغربية، تلك التي قام بها الباحث
المغربي محمد كلفرني، فى إحدى دراساته القيمة حول «الوطنية المغربية
وإشكالية الاستمرارية التاريخية». فهي دراسة رصينة تؤكد أن إشكالية تحديد
مفهوم الوطنية، كأحد المفاهيم الأكثر تعقيدا لتعدد المستويات التي يحيل
عليها إيديولوجيا وسياسيا وثقافيا، إنما تعود إلى « غموض تداخله مع مفهوم
الأمة (Nation) ومصطلح الوطن (Patrie) وتكامله مع معاني البناء الوطني.
وقد حدد أحد المختصين مشاكل المقاربة في عنصرين: من جهة ازدواجية الكلمة
حيث تحيل إلى ظاهرة معلن عنها منظمة ومهيكلة هي وطنية الوطنيين مقابل بعد
غير منظم مبثوث يتجاوز الأحزاب والمنظمات التي تتحدث باسمه. ومن جهة أخرى
( وهو الوجه الأخر للإشكال) فالإيديولوجيا الوطنية لا تظهر في حالة صفاء
إلا استثناء حيث عادة ما تكون ممزوجة بمنظومات قيم سياسية واجتماعية عامة،
كما تتساكن مع إيديولوجيات أخرى وتنهل من مذاهب مختلفة وحتى متناقضة.. لذا
يستدعي التحديد التمييز بين الحالة السابقة لوجود دولة / أمة مستقلة
قانونيا فتبدو كإرادة جماعة ذات وعي بخصوصيتها التاريخية لإنشاء وتطوير
دولة ذات سيادة خاصة بها. أما في إطار الدولة / الأمة فتبدو كرغبة وإرادة
للدفاع عن الاستقلال وتأكيد عظمتها».
و بناء عليه فالوطنية تطابق المجهود المبذول من طرف مجتمع لامتلاك مصيره
الذي يجب أن يستوعب القيم الحضارية للمجتمع السائدة في كليتها والذي يتعرف
عن ذاته من خلالها وتميزه عن غيره. ويحيل هذا التحديد الشكلي إلى إشكالية
أخرى أي جدلية الشعور الوطني والوطنية التي استأثرت باهتمام العديد من
الباحثين، في هذا الإطار ميز (GELLNER) بين الوطنية كمبدأ سياسي يعلن عن
ضرورة تطابق الوحدة السياسية والوحدة الوطنية في حين الشعور الوطني بمثابة
شعور الغضب أو الرضى الناتجين عن اختراق هذا المبدأ أو تحقيقه.
هذا التمييز صحيح في حدود جغرافية وفي حالة تأسيس الوطنية على قيم جديدة
تتجاوز الأسس السابقة فتكون بمثابة مسلسل هدم وبناء. في حين أن الوطنية
وخصوصا في المجتمعات التاريخية يتم بناؤها في إطار استمرارية تاريخية
تمتزج فيها بمنظومة قيم وتراتبات ومحمولة من طرف فئات ما قبل وطنية.
تحيلنا هذه الملاحظة إلى إشكالية العلاقة بالتاريخ أي مخيال الوطنية فحسب
(Benedict Andrson) فالخضوع للفضاء المنسجم والمجرد للسيادة الوطنية ليس
ظاهرة طبيعية. فالأمة ليست معطى بديهي ولا هي عابرة للتاريخ، إنها بناء
مشيد من طرف الوطنيين يعلنون عن أولويتها على التضامنات السابقة. وتؤكد أن
المجتمعات التقليدية كانت غير قادرة عن ابتكار «الوطنية» كيفما كانت قوة
ارتباطها الإثني أو الثرابي. وتذهب إلى أن الوطنية عبارة عن جماعات متخيلة
- وهو عنوان الكتاب - جاءت في سياق التحولات التي عرفتها أوربا التي تأثرت
بالتصورات حول المجال والزمن، كما وظفت آليات الإحصاء والخرائط والمتحف
لإنتاج هذه الجماعات».
مضيفا أنه قد اهتمت مجموعة من الأدبيات بالوطنية المغربية، واختلفت في
مناهجها وتحديدها وتحقيبها وقد استعمل البعض مصطلحات المقاومة الأولية
والمقاومة الثانوية والوطنية السياسية، لتمييز ردود الفعل العسكرية عن
العمل السياسي المنظم المتمثل في ظهور الأحزاب والمنظمات السياسية. ويرى
الدكتور عبد الله العروي أن الأطروحة الكلاسيكية والرائجة حول الوطنية
المغربية التي أنتجها الفرنسيون وتم تبنيها من طرف الباحثين الأمريكيين،
تقارب الظاهرة كنتاج منطقي للتحولات الاقتصادية والاجتماعية للحماية ( من
قبيل إنشاء السوق الداخلي والسياسة التعليمية التي بثت أفكار الثورة
الفرنسية من بينها الأمة ). فالوطنية المغربية مع هذا الطرح هي النشاط
السياسي/الثقافي للشباب المغربي في الإطار السياسي - الإداري للحماية.
ويرى الباحث المغربي محمد كلفرني، أن «حدود هذا الطرح تكمن في تغاضيه عن
عوامل ساهمت في نشوء الوطنية، في حين أنها لم تكن من منتجات الحماية. ونخص
بالذكر الحركة السلفية. كما أن أحداث ومحطات تخللت مسار الحركة لا نجد لها
تفسيرا من داخلها».
إن السؤال الذي يفرض نفسه هنا - كما ذهب إلى ذلك هذا البحث العلمي الرصين
في قراءته لأطروحة العروي ـ هو أن الوطنية المغربية هي تحيين لمكتسبات
الشعب المغربي والمرآة التي يفكر من خلالها في تطوره. وهي محددة ببنية
المخزن ورد فعل جماعة العلماء والمنهجية السلفية. بصيغة أخرى فالوطنية كرد
فعل المجتمع المغربي على الخطر الخارجي الذي تعرضت له البلاد في القرن 19
في شكل ضغط انتهى باستعمار البلاد، لم يكن ليظهر على المستوى الاجتماعي
إلا من داخل المخزن، وعلى المستوى السياسي إلا وسط الطبقة الدينية
والعلماء تحديدا، وعلى مستوى التعبير الإيديولوجي إلا تحت غطاء سلفي. على
أن هذا التحليل لا يعني جمود الوطنية المغربية التي مرت من ثلاث مراحل
التخلي والعزوف فالقبول والمشاركة ثم النقد والتجاوز العقلاني. ويرى
الدكتور عبد الله العروي أن هذا التشابك - مجموع قواعد تأويلية- يساعد على
تمييز فحوى كل الحركات التي تولدت قبل الحرب العالمية الثانية وتلك التي
ظهرت بعدها إلى الآن.
مثلا، تمة أمر قليلا ما انتبه إليه، وهو أن «تاريخ الاستعمار الفرنسي يفسر
اختلاف الوطنية في كل من المغرب والجزائر - كمثال دال- لأن الجزائر
استعمرت قبل المغرب ولفترة طويلة. ويعد المتغير الزمني محددا بهذا الخصوص،
حيث أن التغلغل الفرنسي في الثلث الأول من القرن 19 في الجزائر ليس له نفس
الدلالة ولا نفس الوقع للدخول إلى المغرب في بداية القرن 20. ففرنسا ما
بين 1820 - 1930 كانت غارقة في بداوتها وحديثة الخروج من التجارب الثورية
والنابليونية لم تكن لها نفس الخصائص التي ميزتها بعد دخولها في الثورة
الصناعية . هذا المعطى سينعكس على الوطنية التي ستكون في الجزائر سليلة
الإرث الجاكوبيني ( نسبة إلى التيار اليعاقبي في فرنسا الذي كان مناهضا
لتيار الجيروندي)، بكل تمثلاته خصوصا موقع الدولة المركزية والعلاقة
بالماضي في حين سيتم الحد من فعاليته مع الحملة التهدئة المغربية قبيل
الحرب العالمية الأولى. حيث على خلاف الجزائر ستراهن فرنسا على نظام
الحماية. في هذا الإطار سيشخص ليوطي تمثل ملكي للأمة الفرنسية ودخل في
تحالف مع النخبة الوطنية. وقد بين دانيال ريفي في بحث له حول ليوطي
الطريقة التي اعترف بها ورسخ وعيا وطنيا مغربيا: «برفضه تهميش المخزن
وبإدخال جرع من الحداثة - تقنيات الدولة الحديثة - في جسمه التقليدي
وبتأكيده وعمله على تمفصل الدولة التقليدية والعصرية التي زرع بدورها.
وأخيرا تمجيده لماضي الإمبراطورية وحثه على ظهور بنية عصرية إصلاحية».
نختم هنا هذه المتابعة، بما كتبه الأستاذ والباحث المغربي محمد سبيلا،
الذي يؤكد أنه «فيما يخص مجتمعاتنا الثالثية والعربية, ومجتمعنا المغربي
على وجه الخصوص والذي دخل في الحداثة منذ ما قبل الاستعمار، أي منذ أواسط
القرن الثامن عشر، عندما بدأت الجيوش الأجنبية تهدد حدود المغرب بحرا
وبرا، منذ معركة ايسلي تقريبا, بدأت تعي النخب المغربية بأن المغرب دخل في
عهد جديد من الاستجابة للحداثة الغربية, فالحداثة الأوربية بدأت تطرق
الأبواب بجيوشها كما طرقت أبواب مصرعبر حملة نابليون سنة 1798. ونحن في
فترة مقاربة بدأنا نشعر بأن المغرب مهدد, وهذا ما أدى إلى ظهور حركة
إصلاحية فكرية تدعو إلى إصلاح الجيش وتحديثه, وهناك اراجيز وكتابات في هذا
الباب, والكتب المتخصصة في دراسة تاريخ المغرب تفيض بأمثلة في ذلك,
فالمغرب بدأت تطرق أبوابه الحداثة قبل الاستعمار عبر الحضور التجاري
للأجانب، مثل تسليح الجيش, ومختلف الظواهر.. وقد قام نقاش في المجتمع
المغربي حول استعمال التقنيات الحديثة مثلا, هل يجوز استعمال البرق مثلا
للإعلان عن موعد الإفطار في رمضان؟ وهذه كلها مظاهر أوضحت أن هناك مخاضا
في المجتمع, فمنذئذ دخل المغرب عصر الحداثة, ولكن الحداثة ليست حماما
سريعا لا يستطيع أن يدخله المرء ويخرج منه بسرعة, إنه مخاض يتم عبر قرون.
على كل فهذه المرحلة الأولى للتحديث تلتها المرحلة الثانية التي هي
الاستعمار, والاستعمار وكما يثبت ذلك السوسيولوجيون هو الأداة التي اتخذ
بها التحديث طابعا كونيا, فالاستعمار له وجه سيطرة وتحكم واستغلال ونهب
للثروات، ولكن له وجه آخر وهو أنه يعمم التقنيات الحديثة… إذن مع
الاستعمار تدخل الحداثة، إذن الحداثة تلازم الاستعمار وهذه إحدى مشاكلها,
فمشكل الحداثة بالنسبة لدولة ثالثية هو ارتباطها بالاستعمار, إذ تظهر
أحيانا كأنها حصان طروادة, وهذا ما يجعلنا نخلط دائما بين الحداثة
والاستعمار وبين التحديث والتغريب, وفي الوقت الذي نستطيع فيه أن نميز بين
المستويين أو العمليتين نكون بذلك قد خطونا خطوة كبيرة في فهم الحداثة وفي
تقبلها وفي تشذيبها أيضا».. أي أننا ننتج مفهوما أكثر عقلانية للوطنية،
كأداة للبناء وللمصالحة مع التاريخ.
تطرح مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد سؤال «الوطنية بين الأمس واليوم»، فإنها
تطرح في العمق سؤالا قيميا كبيرا يسائلنا جميعا كمغاربة، في سياق إنضاج
المشاريع التاريخية التي تفضى إلى تحقيق تحول، يضيف تراكمه النوعي، ضمن
سياق متواصل من فعل المغاربة في التاريخ، وفي ذاكرة الأيام. ولعل قوة
الموضوع آتية، من أنه يترجم غير قليل من القلق، حول واقع القيم ببلادنا،
التي يأتي في مقدمتها معنى الإنتماء. الإنتماء لوطن، لفكرة بناءة عنه،
لطموح جماعي لتحقيق التقدم والرفاه. لأن العطب - ربما- الذي يطال اليوم
المغرب، هو في عدم وضوح صورة المثل والقيم أمام الأجيال الجديدة، التي لم
تجد بعد ما تتساوق معه من أفكار جماعية بناءة، تحقق ليس فقط الإمتلاء
الروحي، بل تعطي معنى للوجود في معناه الحضاري الواسع.
إعداد: لحسن العسبي
مقاربة هذا السؤال الكبير، حاولنا تتبع مساراته كما فكر فيه عدد من
مفكرينا المغاربة، الذين خلصوا إلى معنى للإنتماء لفكرة الوطن، ولإنتاج
روح الوطنية، التي تجد لها العديد من المسميات في مفاهيم « الحداثة»، «
العلمانية»، « التقدم»، « الهوية»، « الإنتماء إلى العصر»، وغيرها كثير من
المفاهيم. ولعل إحدى أهم الأطروحات التي ترد دوما في هذا الباب، تلك التي
بناها بعمق معرفي وتأصيل تاريخي، الدكتور عبد الله العروي، في كتابه «
أصول الوطنية المغربية»، الذي اشتغل معرفيا على الفترة ما قبل الإستعمارية
ببلادنا، أي فترة القرن 19 وبدايات القرن 20. حيث توقف طويلا، عند معنى
الإطار السياسي الذي تأسست عليه الدولة المغربية في تفاعلها مع المجتمع
المغربي ومع الخارج. وذهبت بعض الدراسات التي حللت هذه الأطروحة المتكاملة
للدكتور العروي، إلى أن النظام السياسي المغربي (المخزن)، قد ظل يتأسس على
تابثين أساسيين هما قوة الجيش ونظام إداري ميزته البيروقراطية بصيغته
المغربية الصرفة، التي صيغة تقليدية تماما. وأن فكرة الوطنية، هي مفهوم
حديث، ولد عمليا (بمعناه السياسي)، مع صدمة الإستعمار. وأنه مفهوم مديني
بامتياز، ولد بمعناه الحديث، مع بروز فئة بورجوازية بالمدن المغربية
العتيقة، كان لها طموح هائل في تغيير أساليب التدبير العمومية، بما يتوافق
وشرط المدنية الحديثة. بل إن فكرة الوطنية قد اكتسبت معناها السياسي، في
تنازعها مع الخيار التقليدي للسلطة، الذي يتأسس، على أن الجيش والإدارة
الممركزة، على مدى قرنين من الزمن «هما الأداة التي يتم بواسطتها حماية
الحقوق و المصالح وتدبير الامتيازات وفق الأعراف الضوابط المخزنية، و
فيهما يتم إحداث الوظائف والمناصب مركزيا ومحليا ويتم إدماج الأنصار
والمحاسيب وتسوية التوافقات في إطار هذه الوظائف التي تمتد من الوزارات
إلى السفارات و العمالات والأمانات والقيادات ورئاسات بعض الهيئات مركزيا
أو محليا».
على مستوى آخر، نجد أن بعض كتابات الباحث المغربي عبد السلام بنعبد
العالي، تطرح سؤال التحديث (كعنوان من عناوين ترجمة الوطنية في السياقات
المغربية). بل إنه يؤكد، أن من أدوار البحث الفلسفي اليوم، هي زرع روح
التحديث، تأسيسا على «أن الحداثة ليست مجرد وقوف عند، مجرد إثبات للتحولات
الكبرى في مختلف المجالات، وهي ليست بالأولى حقبة زمنية، إنها ليست فترة
تمتد بين تاريخين، وإنما هي عصر». مضيفا أنه «عند كل عصر ينكشف عالم من
العوالم، أي تنكشف بالنسبة لإنسان ذلك العالم، علاقة جديدة للماضي
بالمستقبل. الحداثة اذاً شكل من العلاقة المتوترة مع ما يحدث في الوضع
الراهن، واختيار واعٍ، ونمط من التفكير والإحساس، وطريقة في السلوك
والاستجابة تظهر كمهمة ينبغي الاضطلاع بها. إنها وعي بأن الكائن تحول.
إنها إثبات للانفصال، ووعي بالحركة المتقطعة للزمن، إنها اللحظة التي يصبح
فيها الانفصال من صميم الوجود و يغدو نسيج الكائن ولحمته».
ولعل من أهم المقاربات التي اشتغلت على مفهوم الوطنية المغربية، في
علاقتها بالتقدم ورسم معالم الهوية المغربية، تلك التي قام بها الباحث
المغربي محمد كلفرني، فى إحدى دراساته القيمة حول «الوطنية المغربية
وإشكالية الاستمرارية التاريخية». فهي دراسة رصينة تؤكد أن إشكالية تحديد
مفهوم الوطنية، كأحد المفاهيم الأكثر تعقيدا لتعدد المستويات التي يحيل
عليها إيديولوجيا وسياسيا وثقافيا، إنما تعود إلى « غموض تداخله مع مفهوم
الأمة (Nation) ومصطلح الوطن (Patrie) وتكامله مع معاني البناء الوطني.
وقد حدد أحد المختصين مشاكل المقاربة في عنصرين: من جهة ازدواجية الكلمة
حيث تحيل إلى ظاهرة معلن عنها منظمة ومهيكلة هي وطنية الوطنيين مقابل بعد
غير منظم مبثوث يتجاوز الأحزاب والمنظمات التي تتحدث باسمه. ومن جهة أخرى
( وهو الوجه الأخر للإشكال) فالإيديولوجيا الوطنية لا تظهر في حالة صفاء
إلا استثناء حيث عادة ما تكون ممزوجة بمنظومات قيم سياسية واجتماعية عامة،
كما تتساكن مع إيديولوجيات أخرى وتنهل من مذاهب مختلفة وحتى متناقضة.. لذا
يستدعي التحديد التمييز بين الحالة السابقة لوجود دولة / أمة مستقلة
قانونيا فتبدو كإرادة جماعة ذات وعي بخصوصيتها التاريخية لإنشاء وتطوير
دولة ذات سيادة خاصة بها. أما في إطار الدولة / الأمة فتبدو كرغبة وإرادة
للدفاع عن الاستقلال وتأكيد عظمتها».
و بناء عليه فالوطنية تطابق المجهود المبذول من طرف مجتمع لامتلاك مصيره
الذي يجب أن يستوعب القيم الحضارية للمجتمع السائدة في كليتها والذي يتعرف
عن ذاته من خلالها وتميزه عن غيره. ويحيل هذا التحديد الشكلي إلى إشكالية
أخرى أي جدلية الشعور الوطني والوطنية التي استأثرت باهتمام العديد من
الباحثين، في هذا الإطار ميز (GELLNER) بين الوطنية كمبدأ سياسي يعلن عن
ضرورة تطابق الوحدة السياسية والوحدة الوطنية في حين الشعور الوطني بمثابة
شعور الغضب أو الرضى الناتجين عن اختراق هذا المبدأ أو تحقيقه.
هذا التمييز صحيح في حدود جغرافية وفي حالة تأسيس الوطنية على قيم جديدة
تتجاوز الأسس السابقة فتكون بمثابة مسلسل هدم وبناء. في حين أن الوطنية
وخصوصا في المجتمعات التاريخية يتم بناؤها في إطار استمرارية تاريخية
تمتزج فيها بمنظومة قيم وتراتبات ومحمولة من طرف فئات ما قبل وطنية.
تحيلنا هذه الملاحظة إلى إشكالية العلاقة بالتاريخ أي مخيال الوطنية فحسب
(Benedict Andrson) فالخضوع للفضاء المنسجم والمجرد للسيادة الوطنية ليس
ظاهرة طبيعية. فالأمة ليست معطى بديهي ولا هي عابرة للتاريخ، إنها بناء
مشيد من طرف الوطنيين يعلنون عن أولويتها على التضامنات السابقة. وتؤكد أن
المجتمعات التقليدية كانت غير قادرة عن ابتكار «الوطنية» كيفما كانت قوة
ارتباطها الإثني أو الثرابي. وتذهب إلى أن الوطنية عبارة عن جماعات متخيلة
- وهو عنوان الكتاب - جاءت في سياق التحولات التي عرفتها أوربا التي تأثرت
بالتصورات حول المجال والزمن، كما وظفت آليات الإحصاء والخرائط والمتحف
لإنتاج هذه الجماعات».
مضيفا أنه قد اهتمت مجموعة من الأدبيات بالوطنية المغربية، واختلفت في
مناهجها وتحديدها وتحقيبها وقد استعمل البعض مصطلحات المقاومة الأولية
والمقاومة الثانوية والوطنية السياسية، لتمييز ردود الفعل العسكرية عن
العمل السياسي المنظم المتمثل في ظهور الأحزاب والمنظمات السياسية. ويرى
الدكتور عبد الله العروي أن الأطروحة الكلاسيكية والرائجة حول الوطنية
المغربية التي أنتجها الفرنسيون وتم تبنيها من طرف الباحثين الأمريكيين،
تقارب الظاهرة كنتاج منطقي للتحولات الاقتصادية والاجتماعية للحماية ( من
قبيل إنشاء السوق الداخلي والسياسة التعليمية التي بثت أفكار الثورة
الفرنسية من بينها الأمة ). فالوطنية المغربية مع هذا الطرح هي النشاط
السياسي/الثقافي للشباب المغربي في الإطار السياسي - الإداري للحماية.
ويرى الباحث المغربي محمد كلفرني، أن «حدود هذا الطرح تكمن في تغاضيه عن
عوامل ساهمت في نشوء الوطنية، في حين أنها لم تكن من منتجات الحماية. ونخص
بالذكر الحركة السلفية. كما أن أحداث ومحطات تخللت مسار الحركة لا نجد لها
تفسيرا من داخلها».
إن السؤال الذي يفرض نفسه هنا - كما ذهب إلى ذلك هذا البحث العلمي الرصين
في قراءته لأطروحة العروي ـ هو أن الوطنية المغربية هي تحيين لمكتسبات
الشعب المغربي والمرآة التي يفكر من خلالها في تطوره. وهي محددة ببنية
المخزن ورد فعل جماعة العلماء والمنهجية السلفية. بصيغة أخرى فالوطنية كرد
فعل المجتمع المغربي على الخطر الخارجي الذي تعرضت له البلاد في القرن 19
في شكل ضغط انتهى باستعمار البلاد، لم يكن ليظهر على المستوى الاجتماعي
إلا من داخل المخزن، وعلى المستوى السياسي إلا وسط الطبقة الدينية
والعلماء تحديدا، وعلى مستوى التعبير الإيديولوجي إلا تحت غطاء سلفي. على
أن هذا التحليل لا يعني جمود الوطنية المغربية التي مرت من ثلاث مراحل
التخلي والعزوف فالقبول والمشاركة ثم النقد والتجاوز العقلاني. ويرى
الدكتور عبد الله العروي أن هذا التشابك - مجموع قواعد تأويلية- يساعد على
تمييز فحوى كل الحركات التي تولدت قبل الحرب العالمية الثانية وتلك التي
ظهرت بعدها إلى الآن.
مثلا، تمة أمر قليلا ما انتبه إليه، وهو أن «تاريخ الاستعمار الفرنسي يفسر
اختلاف الوطنية في كل من المغرب والجزائر - كمثال دال- لأن الجزائر
استعمرت قبل المغرب ولفترة طويلة. ويعد المتغير الزمني محددا بهذا الخصوص،
حيث أن التغلغل الفرنسي في الثلث الأول من القرن 19 في الجزائر ليس له نفس
الدلالة ولا نفس الوقع للدخول إلى المغرب في بداية القرن 20. ففرنسا ما
بين 1820 - 1930 كانت غارقة في بداوتها وحديثة الخروج من التجارب الثورية
والنابليونية لم تكن لها نفس الخصائص التي ميزتها بعد دخولها في الثورة
الصناعية . هذا المعطى سينعكس على الوطنية التي ستكون في الجزائر سليلة
الإرث الجاكوبيني ( نسبة إلى التيار اليعاقبي في فرنسا الذي كان مناهضا
لتيار الجيروندي)، بكل تمثلاته خصوصا موقع الدولة المركزية والعلاقة
بالماضي في حين سيتم الحد من فعاليته مع الحملة التهدئة المغربية قبيل
الحرب العالمية الأولى. حيث على خلاف الجزائر ستراهن فرنسا على نظام
الحماية. في هذا الإطار سيشخص ليوطي تمثل ملكي للأمة الفرنسية ودخل في
تحالف مع النخبة الوطنية. وقد بين دانيال ريفي في بحث له حول ليوطي
الطريقة التي اعترف بها ورسخ وعيا وطنيا مغربيا: «برفضه تهميش المخزن
وبإدخال جرع من الحداثة - تقنيات الدولة الحديثة - في جسمه التقليدي
وبتأكيده وعمله على تمفصل الدولة التقليدية والعصرية التي زرع بدورها.
وأخيرا تمجيده لماضي الإمبراطورية وحثه على ظهور بنية عصرية إصلاحية».
نختم هنا هذه المتابعة، بما كتبه الأستاذ والباحث المغربي محمد سبيلا،
الذي يؤكد أنه «فيما يخص مجتمعاتنا الثالثية والعربية, ومجتمعنا المغربي
على وجه الخصوص والذي دخل في الحداثة منذ ما قبل الاستعمار، أي منذ أواسط
القرن الثامن عشر، عندما بدأت الجيوش الأجنبية تهدد حدود المغرب بحرا
وبرا، منذ معركة ايسلي تقريبا, بدأت تعي النخب المغربية بأن المغرب دخل في
عهد جديد من الاستجابة للحداثة الغربية, فالحداثة الأوربية بدأت تطرق
الأبواب بجيوشها كما طرقت أبواب مصرعبر حملة نابليون سنة 1798. ونحن في
فترة مقاربة بدأنا نشعر بأن المغرب مهدد, وهذا ما أدى إلى ظهور حركة
إصلاحية فكرية تدعو إلى إصلاح الجيش وتحديثه, وهناك اراجيز وكتابات في هذا
الباب, والكتب المتخصصة في دراسة تاريخ المغرب تفيض بأمثلة في ذلك,
فالمغرب بدأت تطرق أبوابه الحداثة قبل الاستعمار عبر الحضور التجاري
للأجانب، مثل تسليح الجيش, ومختلف الظواهر.. وقد قام نقاش في المجتمع
المغربي حول استعمال التقنيات الحديثة مثلا, هل يجوز استعمال البرق مثلا
للإعلان عن موعد الإفطار في رمضان؟ وهذه كلها مظاهر أوضحت أن هناك مخاضا
في المجتمع, فمنذئذ دخل المغرب عصر الحداثة, ولكن الحداثة ليست حماما
سريعا لا يستطيع أن يدخله المرء ويخرج منه بسرعة, إنه مخاض يتم عبر قرون.
على كل فهذه المرحلة الأولى للتحديث تلتها المرحلة الثانية التي هي
الاستعمار, والاستعمار وكما يثبت ذلك السوسيولوجيون هو الأداة التي اتخذ
بها التحديث طابعا كونيا, فالاستعمار له وجه سيطرة وتحكم واستغلال ونهب
للثروات، ولكن له وجه آخر وهو أنه يعمم التقنيات الحديثة… إذن مع
الاستعمار تدخل الحداثة، إذن الحداثة تلازم الاستعمار وهذه إحدى مشاكلها,
فمشكل الحداثة بالنسبة لدولة ثالثية هو ارتباطها بالاستعمار, إذ تظهر
أحيانا كأنها حصان طروادة, وهذا ما يجعلنا نخلط دائما بين الحداثة
والاستعمار وبين التحديث والتغريب, وفي الوقت الذي نستطيع فيه أن نميز بين
المستويين أو العمليتين نكون بذلك قد خطونا خطوة كبيرة في فهم الحداثة وفي
تقبلها وفي تشذيبها أيضا».. أي أننا ننتج مفهوما أكثر عقلانية للوطنية،
كأداة للبناء وللمصالحة مع التاريخ.
8/1/2010
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
عبد الرحيم بوعبيد والتفكير في معنى الوطنية..: لحسن العسبي
ما
بين الوطنية وعبد الرحيم بوعبيد، هو ما بين الماء والأوكسجين من علاقة
سيامية لازمة.. والأمر ليس منحصرا في شخص الرجل، على قوة حضور شخصه الطاغي
في صناعة أحداث تاريخ المغرب الحديث، بل إنه إنما يترجم صورة جيل كامل من
المغاربة، الذي يبتدأ بأحمد الحنصالي، وينتهي عند أي مواطن غفل يغرس فسلة
معنى جميل في تربة البلاد هنا أو هناك.. واختيار الحنصالي هنا، ليس
اعتباطا، بل لأن له ذاكرة مع الرجل الذي تحل ذكرى رحيله اليوم. فقد التقيا
معا في السجن، زمن الإستعمار ( أو بصيغة أدق زمن امتحان الوطنية لاستحقاق
الحرية)، وكان عبد الرحيم بوعبيد من آخر من ناداهم الشهيد أحمد الحنصالي
مع آذان الفجر، وهو يقاد إلى الإعدام، وصاح فيه صيحة الرجولة الخالدة تلك،
التي قال له فيها، كما أورد ذلك بوعبيد نفسه: «سي عبد الرحيم، إلى اللقاء
عند الله»..
بالتالي، إن التفكير في سؤال الوطنية، كما بلورها ذلك الجيل من الرجال
المغاربة، على مدى أكثر من نصف قرن ويزيد، إنما يترجم حاجة مغربية اليوم
إلى استنهاض سؤال الإنتماء، ليس إلى «وطن»، ولكن إلى مشروع تاريخي متجدد
لاستنهاض الهمم، ولجعل الأجيال الجديدة، تخلق معناها الخاص لفكرة الوطنية.
ولن يختلف الكثيرون، في أن ذلك المشروع، هو في مصالحة المغاربة مع دولة
المؤسسات ومع شروط المدنية، بصفتها تنظيما حداثيا للخدمات العمومية،
وأساسا بلورة نظام من القيم التي تصالح الناس مع أزمنتها، مع ذاكرتها، ومع
ما تستحقه من مستقبل. والزمن هنا، المقصود به الإنتماء إلى مجتمع المعرفة
الحديث، بكل مستلزماته الفكرية، السلوكية، والتكنولوجية. والذاكرة، هي أن
يكون الماضي، ليس سجنا يعطل المسير، بقدر ما هو وقود لإنضاج معنى الإنتماء
لجماعة بشرية إسمها المغاربة بالمعنى الحضاري للكلمة. والمستقبل الذي يعني
أن الوطنية اليوم هي في إنضاج التوليفة الواجبة لبلوغ سقف عمل تراكمي،
عليه أكبر قدر من الإجماع والإتفاق، بما تحدده المصلحة الجماعية للأمة
وليس المصالح الفئوية، التي ترتهن في النهاية للحسابات الخارجية.
إن الحاجة، ماسة اليوم، لمساءلة نظام قيمنا الجماعية، وكيفيات إنتاجها.
ولعل في قلب هذه المساءلة، تسليط الضوء على ما تنتجه ثلاث مؤسسات كبرى، من
معاني وجود وسلوك في حياة المغاربة، هي: الأسرة، التعليم، والإعلام. ويكاد
المرء يحير هنا، أي المؤسسات أكثر تأهيلا لتنظيم التطارح الفكري الرصين
حول هذا الموضوع (!!)، التي نراها لا يمكن أن تخرج عن مؤسستين كبيرتين،
ومعطلتين للأسف، هي مشروع مركز الدراسات الإستراتيجية بالمغرب، ومؤسسة
أكاديمية المملكة المغربية. إن هاتين المؤسستين، هما المؤهلتان شرطا،
لمقاربة واقع ما تنتجه الأسرة والتعليم والإعلام ببلادنا من قيم، وفي
صلبها معنى « الوطنية». ولعل السؤال الأكثر قلقا، هو: أليست الوطنية
كمشروع وكمعنى، هي نتاج فعل رجال استثنائيين، ينتجون مشروعا مجتمعيا
وينتجهم ذلك المشروع. وهو ما تضن به الأيام علينا منذ العقدين الماضيين؟!.
إن الذاكرة تستعيد هنا معنى حدث كان الراحل الكبير عبد الرحيم بوعبيد طرفا
فيه، يترجم معنى الإستعداد المغربي لامتلاك شجاعة مقاربة أسئلة شائكة مثل
سؤال القيم وسؤال الوطنية. ويتعلق تحديدا بقصة تأسيس أكاديمية المملكة
المغربية، وهي قصة سبق ورواها الدكتور محمد عابد الجابري، في سياق شرحه
عدم قبوله عضوية تلك الأكاديمية مرتين. حيث كتب يقول: « لقد شعرت، في
اللحظتين اللتين حصل فيهما الاتصال بي قصد الالتحاق بها، بشيء في داخل
نفسي يلح على الاعتذار. والقصة كما يلي: زرت ذات يوم المرحوم عبد الرحيم
بوعبيد، وكالعادة سألته عن «الجديد»، فقال لي: الجديد هو أني كنت مع جلالة
الملك هذا الأسبوع بمناسبة كذا. وقد انتحى بي جانبا وحدثني عن مشروع يفكر
فيه، هو إنشاء «أكاديمية ملكية»، تضم شخصيات مغربية وأخرى دولية. وأفهمني
جلالته أنه يعتمد علي في العضوية فيها والتعاون للبحث عن الشخصيات
العالمية وإقناعها ... ومرت شهور وإذا بخبر الإعلان عن تأسيس الأكاديمية
مع ذكر أسماء الشخصيات التي عينها جلالته أعضاء فيها، ولم يكن فيها لا اسم
المرحوم عبد الرحيم ولا أي اسم من أسماء المثقفين المنتمين للاتحاد
الاشتراكي أو المتعاطفين معه، مع أنه كان هناك من بين الذين عينوا شخصيات
من أحزاب أخرى أو متعاطفة معها. ولما زرت المرحوم عبد الرحيم بعد ذلك فهمت
منه أن أعضاء من الحاشية الملكية قد «أفتوا» بترك الاتحاديين جانبا.
بالفعل لقد ترك الاتحاديون جانبا إلى أن وقع الاتصال بي كما شرحت أعلاه.
فكان الالتزام الأخلاقي مع المرحوم عبد الرحيم والرفاق الاتحاديين، يفرض
الموقف الذي اتخذته».
إن في القصة ما فيها من معان، لا تزال ربما تمتلك الكثير من الراهنية.
لأنها في العمق تطرح إشكال الإشراك في صنع المستقبل، الذي هو الركن الأساس
في أي بناء لروح الوطنية الأمس، اليوم، وغدا.
بين الوطنية وعبد الرحيم بوعبيد، هو ما بين الماء والأوكسجين من علاقة
سيامية لازمة.. والأمر ليس منحصرا في شخص الرجل، على قوة حضور شخصه الطاغي
في صناعة أحداث تاريخ المغرب الحديث، بل إنه إنما يترجم صورة جيل كامل من
المغاربة، الذي يبتدأ بأحمد الحنصالي، وينتهي عند أي مواطن غفل يغرس فسلة
معنى جميل في تربة البلاد هنا أو هناك.. واختيار الحنصالي هنا، ليس
اعتباطا، بل لأن له ذاكرة مع الرجل الذي تحل ذكرى رحيله اليوم. فقد التقيا
معا في السجن، زمن الإستعمار ( أو بصيغة أدق زمن امتحان الوطنية لاستحقاق
الحرية)، وكان عبد الرحيم بوعبيد من آخر من ناداهم الشهيد أحمد الحنصالي
مع آذان الفجر، وهو يقاد إلى الإعدام، وصاح فيه صيحة الرجولة الخالدة تلك،
التي قال له فيها، كما أورد ذلك بوعبيد نفسه: «سي عبد الرحيم، إلى اللقاء
عند الله»..
بالتالي، إن التفكير في سؤال الوطنية، كما بلورها ذلك الجيل من الرجال
المغاربة، على مدى أكثر من نصف قرن ويزيد، إنما يترجم حاجة مغربية اليوم
إلى استنهاض سؤال الإنتماء، ليس إلى «وطن»، ولكن إلى مشروع تاريخي متجدد
لاستنهاض الهمم، ولجعل الأجيال الجديدة، تخلق معناها الخاص لفكرة الوطنية.
ولن يختلف الكثيرون، في أن ذلك المشروع، هو في مصالحة المغاربة مع دولة
المؤسسات ومع شروط المدنية، بصفتها تنظيما حداثيا للخدمات العمومية،
وأساسا بلورة نظام من القيم التي تصالح الناس مع أزمنتها، مع ذاكرتها، ومع
ما تستحقه من مستقبل. والزمن هنا، المقصود به الإنتماء إلى مجتمع المعرفة
الحديث، بكل مستلزماته الفكرية، السلوكية، والتكنولوجية. والذاكرة، هي أن
يكون الماضي، ليس سجنا يعطل المسير، بقدر ما هو وقود لإنضاج معنى الإنتماء
لجماعة بشرية إسمها المغاربة بالمعنى الحضاري للكلمة. والمستقبل الذي يعني
أن الوطنية اليوم هي في إنضاج التوليفة الواجبة لبلوغ سقف عمل تراكمي،
عليه أكبر قدر من الإجماع والإتفاق، بما تحدده المصلحة الجماعية للأمة
وليس المصالح الفئوية، التي ترتهن في النهاية للحسابات الخارجية.
إن الحاجة، ماسة اليوم، لمساءلة نظام قيمنا الجماعية، وكيفيات إنتاجها.
ولعل في قلب هذه المساءلة، تسليط الضوء على ما تنتجه ثلاث مؤسسات كبرى، من
معاني وجود وسلوك في حياة المغاربة، هي: الأسرة، التعليم، والإعلام. ويكاد
المرء يحير هنا، أي المؤسسات أكثر تأهيلا لتنظيم التطارح الفكري الرصين
حول هذا الموضوع (!!)، التي نراها لا يمكن أن تخرج عن مؤسستين كبيرتين،
ومعطلتين للأسف، هي مشروع مركز الدراسات الإستراتيجية بالمغرب، ومؤسسة
أكاديمية المملكة المغربية. إن هاتين المؤسستين، هما المؤهلتان شرطا،
لمقاربة واقع ما تنتجه الأسرة والتعليم والإعلام ببلادنا من قيم، وفي
صلبها معنى « الوطنية». ولعل السؤال الأكثر قلقا، هو: أليست الوطنية
كمشروع وكمعنى، هي نتاج فعل رجال استثنائيين، ينتجون مشروعا مجتمعيا
وينتجهم ذلك المشروع. وهو ما تضن به الأيام علينا منذ العقدين الماضيين؟!.
إن الذاكرة تستعيد هنا معنى حدث كان الراحل الكبير عبد الرحيم بوعبيد طرفا
فيه، يترجم معنى الإستعداد المغربي لامتلاك شجاعة مقاربة أسئلة شائكة مثل
سؤال القيم وسؤال الوطنية. ويتعلق تحديدا بقصة تأسيس أكاديمية المملكة
المغربية، وهي قصة سبق ورواها الدكتور محمد عابد الجابري، في سياق شرحه
عدم قبوله عضوية تلك الأكاديمية مرتين. حيث كتب يقول: « لقد شعرت، في
اللحظتين اللتين حصل فيهما الاتصال بي قصد الالتحاق بها، بشيء في داخل
نفسي يلح على الاعتذار. والقصة كما يلي: زرت ذات يوم المرحوم عبد الرحيم
بوعبيد، وكالعادة سألته عن «الجديد»، فقال لي: الجديد هو أني كنت مع جلالة
الملك هذا الأسبوع بمناسبة كذا. وقد انتحى بي جانبا وحدثني عن مشروع يفكر
فيه، هو إنشاء «أكاديمية ملكية»، تضم شخصيات مغربية وأخرى دولية. وأفهمني
جلالته أنه يعتمد علي في العضوية فيها والتعاون للبحث عن الشخصيات
العالمية وإقناعها ... ومرت شهور وإذا بخبر الإعلان عن تأسيس الأكاديمية
مع ذكر أسماء الشخصيات التي عينها جلالته أعضاء فيها، ولم يكن فيها لا اسم
المرحوم عبد الرحيم ولا أي اسم من أسماء المثقفين المنتمين للاتحاد
الاشتراكي أو المتعاطفين معه، مع أنه كان هناك من بين الذين عينوا شخصيات
من أحزاب أخرى أو متعاطفة معها. ولما زرت المرحوم عبد الرحيم بعد ذلك فهمت
منه أن أعضاء من الحاشية الملكية قد «أفتوا» بترك الاتحاديين جانبا.
بالفعل لقد ترك الاتحاديون جانبا إلى أن وقع الاتصال بي كما شرحت أعلاه.
فكان الالتزام الأخلاقي مع المرحوم عبد الرحيم والرفاق الاتحاديين، يفرض
الموقف الذي اتخذته».
إن في القصة ما فيها من معان، لا تزال ربما تمتلك الكثير من الراهنية.
لأنها في العمق تطرح إشكال الإشراك في صنع المستقبل، الذي هو الركن الأساس
في أي بناء لروح الوطنية الأمس، اليوم، وغدا.
8/1/2010
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
الوطنية ما بين الأمس واليوم
تخليذا
للذكرى 18 لرحيل الفقيد عبد الرحيم بوعبيد الجمعة 8 يناير 2010 على الساعة
16 و30 دقيقة بمقر مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد بمشاركة:المجاهد الأستاذ أبو
بكر القادري، الأستاذ محمد الأشعري وثلة من فعاليات المجتمع المدني.
ورقة تقديمية:
سواء في المغرب أو خارجه، عادة ما يرتبط تنامي الشعور بالوطنية والقيم
المجسدة لها بفترات عصيبة ودرامية من تاريخ الشعوب. وتتجلى هذه الظاهرة في
جزء منها بما يسمى ب «أخلاقيات الواجب» المرتبطة بالولاء للوطن، وبشكل
أعم، بوجود نزعة تتجاوز الفرد وتسمو على الاعتبارات والمصالح الشخصية. كما
كان الشأن في المعركة من أجل استقلال المغرب ثم من أجل بناء مغرب حر
ومتقدم.
في مغرب اليوم، هناك عدد من المؤشرات المرتبطة بالتحولات الاجتماعية
والثقافية والديموغرافية، توحي بتخلخل المنظومة الأخلاقية مع استنفاد
الأسباب المحركة لها، لاسيما في ظل تراجع القدرة التعبوية للإيديولوجيات
الكبرى.
في حين أن النقاش العام يميل، في بعض مظاهره، إلى اختزال مفهوم الوطنية
بالتركيز فقط على الجانب الهوياتي منه بمعزل عن بعديه الاجتماعي
والديمقراطي. لذلك يبدو أن الحث على الوطنية وفق هذا المنظور، قد افتقد
قدرته على مخاطبة وجدان مغاربة اليوم وكأنه لا يتماشى مع مستلزمات قيم
المواطنة الحقيقية.
وبعيدا عن أي حنين إلى العصر الذهبي لحس الوطنية، فإن شخصية عبد الرحيم
بوعبيد قد تسائلنا باعتبار ما يجسده مساره من فكرة التشبث بروح وطنية
ملتصقة بمشروع التحرر الاجتماعي والسياسي. وقد بين عبد الرحيم بوعبيد،
لاسيما من خلال التزامه بالدفاع عن قضية الوحدة الترابية، على أن التشبع
بالقيم الوطنية لا يمكن تجزيئه عن احترام حرية وكرامة المواطن المغربي.
وفي هذا الربط بين الأمرين تكمن قوة رسالته التي مازالت تحتفظ براهنيتها.
وخلافا للشكاوي المترددة بشأن تراجع القيم الوطنية، ربما ينبغي لنا أن
نخلص اليوم إلى أنه بقدر ما يشكل حب الوطن قيمة ثابتة، فإن أشكال ووجوه
ومظاهر هذا الحب قد تتغير من دون شك... الشيء الذي يفرض علينا أن نستحضر
رؤى الأجيال التي سبقتنا، وأن ننصت بتمعن إلى تطلعات ورؤى الشباب الحالية.
فمن خلال هذا الحوار، نطمح الى التأليف بين الأجيال، ووضع أسس صلة وصل توحى باستمرارية الحس الوطني مهما تغيرت تجلياته.
للذكرى 18 لرحيل الفقيد عبد الرحيم بوعبيد الجمعة 8 يناير 2010 على الساعة
16 و30 دقيقة بمقر مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد بمشاركة:المجاهد الأستاذ أبو
بكر القادري، الأستاذ محمد الأشعري وثلة من فعاليات المجتمع المدني.
ورقة تقديمية:
سواء في المغرب أو خارجه، عادة ما يرتبط تنامي الشعور بالوطنية والقيم
المجسدة لها بفترات عصيبة ودرامية من تاريخ الشعوب. وتتجلى هذه الظاهرة في
جزء منها بما يسمى ب «أخلاقيات الواجب» المرتبطة بالولاء للوطن، وبشكل
أعم، بوجود نزعة تتجاوز الفرد وتسمو على الاعتبارات والمصالح الشخصية. كما
كان الشأن في المعركة من أجل استقلال المغرب ثم من أجل بناء مغرب حر
ومتقدم.
في مغرب اليوم، هناك عدد من المؤشرات المرتبطة بالتحولات الاجتماعية
والثقافية والديموغرافية، توحي بتخلخل المنظومة الأخلاقية مع استنفاد
الأسباب المحركة لها، لاسيما في ظل تراجع القدرة التعبوية للإيديولوجيات
الكبرى.
في حين أن النقاش العام يميل، في بعض مظاهره، إلى اختزال مفهوم الوطنية
بالتركيز فقط على الجانب الهوياتي منه بمعزل عن بعديه الاجتماعي
والديمقراطي. لذلك يبدو أن الحث على الوطنية وفق هذا المنظور، قد افتقد
قدرته على مخاطبة وجدان مغاربة اليوم وكأنه لا يتماشى مع مستلزمات قيم
المواطنة الحقيقية.
وبعيدا عن أي حنين إلى العصر الذهبي لحس الوطنية، فإن شخصية عبد الرحيم
بوعبيد قد تسائلنا باعتبار ما يجسده مساره من فكرة التشبث بروح وطنية
ملتصقة بمشروع التحرر الاجتماعي والسياسي. وقد بين عبد الرحيم بوعبيد،
لاسيما من خلال التزامه بالدفاع عن قضية الوحدة الترابية، على أن التشبع
بالقيم الوطنية لا يمكن تجزيئه عن احترام حرية وكرامة المواطن المغربي.
وفي هذا الربط بين الأمرين تكمن قوة رسالته التي مازالت تحتفظ براهنيتها.
وخلافا للشكاوي المترددة بشأن تراجع القيم الوطنية، ربما ينبغي لنا أن
نخلص اليوم إلى أنه بقدر ما يشكل حب الوطن قيمة ثابتة، فإن أشكال ووجوه
ومظاهر هذا الحب قد تتغير من دون شك... الشيء الذي يفرض علينا أن نستحضر
رؤى الأجيال التي سبقتنا، وأن ننصت بتمعن إلى تطلعات ورؤى الشباب الحالية.
فمن خلال هذا الحوار، نطمح الى التأليف بين الأجيال، ووضع أسس صلة وصل توحى باستمرارية الحس الوطني مهما تغيرت تجلياته.
8/1/2010
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
عبد الرحيم بوعبيد في ندوة «ملف الصحراء المغربية أمام الهيآت الدولية»
طالبت الحركة الوطنية بالإستقلال الوطني على أساس الوحدة الترابية للبلاد
بدعوة
من جمعية قدماء ثانوية مكناس، اشترك الأستاذان عبد الرحيم بوعبيد ومحمد
بوستة، بعرضين تلتهما مناقشة حول «قضية الصحراء المغربية أمام الهيئات
الدولية».
وقد أشاد ممثل الجمعية المنظمة عند تقدينه للأستاذين، بكفاحهما الماضي
والحاضر، من أجل الدفاع عن مطالب الشعب، واشار بصفة خاصة الى ما قاما به
في سبيل توضيح ملف القضية، سواء لدى الول أو أمام الهيئات الدولية، الأمر
الذي يجعلهما أفضل من يتحدث عن ملف الصحراء المغربية المعروضة امام
المنظمات الدولية.
ثم تناول الكلمة الأستاذ محمد بوستة، الذي أبرز أن اللقاء يتم بعد ورود
الأخبار عن تحرك المواطنين الصحراويين لتحرير المنطقة من الإستعمار، ووجه
بالمناسبة تحية باسم المشاركين في الندوة الى إخواننا سكان الصحراء
المحتلة.
وقد تناول الأستاذ بوستة في عرضه الذي قال بأنه سيضطر الى إيجازه، الجوانب
التاريخية والقانونية، والمعطيات الجغرافية والإجتماعية للمنطقة، مع أبرز
مواقف المغرب إزاء القضية خصوصا بعد الإستقلال، الر جانب مواقف اسبانيا،
وختم المحاضر عرضه بإعطاء نظرة عن موقف المغرب الحالي وافشارة الى آفاق
المستقبل.
وبعد كلمة الأستاذ بوستة، أخذ الأخ عبد الرحيم بوعبيد في إلقاء عرضه، الذي
انصب على توضيح الإطار السياسي الذي كان يواجه المواقف المغربية سواء
أثناء الحماية، أو بعد إعلان الإستقلالل، ووقف الأخ عبد الرحيم بوعبيد،
عند محادثات إكس ليبان ليبين الظروف والإعتبارات التي أملت الموقف
المغربي، وكذلك أسباب التصرف الخاص تجاه إسبانيا. ولم يفت الأخ بوعبيد أن
يبرز الخطة التي كان المغرب يتبعها بخصوص الصحراء بالنسبة للموقف من
الجزائر أثناء كفاح الجزائر من أجل الإستقلال. ونظرا للأهمية الخاصة للعرض
الذي ألقاه بوعبيد
نقدمه فيما يلي:
أيها الإخوان:
بعد العرض القيم الذي قام به الأخ الأستاذ محمد بوستة والذي تناول فيه
القضية من جوانبها التاريخية والقانونية والآفاق التي على المغرب أن يراها
وهو يعالج قضية الصحراء ويخوض الكفاح من أجلها والتي عليه أن يراها من
الآن وأثناء هذا الكفاح.
لمــاذا تـأخر المغرب؟
بعذ هذا لابد من وضع السؤال الأتي: لماذا تأخر المغرب الى اليوم ولم يقم
في الماضي بما قام به اليوم من انتفاضة ووحدة وطنية من أجل قضية مقدسة وهي
تحرير الصحراء؟ ثم كيف كانت نظرة الحركة الوطنية أيام نشأتها وخلال
خطواتها الأولى الى الصحراء؟ هذه بالطبع حقائق تاريخية لابد من ذكرها
لنقوم بنوع من النقد الذاتي، ماذا كان ينبغي أن نفعل في الماضي أيام
الكفاح الوطني أثناء الإستعمار وبأي شئ كان ينبغي أن نقوم ضد الإستعمارين
الفرنسي والإسباني آنذاك؟ لابد من سرد هذه الحقائق التاريخية:
يجب ان نعرف ان احتلال المغرب لم يبتدئ بتوقيع عقد الحماية بتاريخ 30 مارس
1912 بالنسبة للحماية الفرنسية وما تبعها من المتداد النفوذ الإسباني الى
شمال المغرب وجنوبه بواسطة توقيع عقد الحماية الإسباني في نفس السنة، ولكن
الإستعمار إسبانيا كان أو فرنسيا ابتدأ في الحقيقة باحتلال عدة مناطق من
الصحراء المغربية فبل توقيع عقدي الحماية الفرنسي والإسباني سنة 1912، لقد
وقع احتلال الصحراء الشرقية والجنوبية والغربية بواسطة التسرب عن طريق
السينغال وافريقيا السودار والجزائر، وهكذا احتلت في الشرق «توات» وما
حولها بناحية فكيك وفي الجنوب على ضفاف وادي درعة تيندوف ونواحيها، وعلى
هذا الشكل تم احتلال الصحراء الغربية، الساقية الحمراء ووادي الذهب... بعد
هذا تم توقيع عقد الحماية على المنطقتين كأن المناطق الأخرى ليست من
المغرب وخارجة عنه.
بعد عقد الحماية أصبح شغل الوطنيين الشاغل هو ابطال مفعول عقد الحماية
المفروض علينا وتحرير المناطق التي يمند اليها نفوذ الدولتين الحانيتين
بمقتضى بنود عقد الحماية.
أين يبدأ التراب الوطني وأين ينتهي:
وعندما نعود الى الوثائق الوطنية مثلا وثيقة الأستقلال سنة 1944 نجد اننا
طالبنا فيها بالإستقلال الوطني على أساس الوحدة الترابية للبلاد وصيانة
التراب الوطني. لقد كنا ونحن شبان نتسائل عن حقيقة هذا التراب الوطني: ما
هو هذا التراب؟ أين يبدأ وأين ينتهي؟ كان تصرف الحركة الوطنية يقوم على
أساس سياسة تجزئة الكفاح الى مراحل، تبتدئ بإلغاء الإتفاقات الدولية التي
فرضت على المغرب في شكل حماية وإعلان الإستقلال الوطني على المناطقالمحمية
على ان يتم ذلك في دائرة احترام وحدة التراب الوطني، ثم تأتي مراحل تحرير
المناطق التي فرض عليها الإستعمار المباشر في الشرق والجنوب من طرف
الفرنسيين وفي الغرب من طرف الإسبان والتي أصبحت تابعة إما لفرنسا وإما
لاسبانيا، اننظر مثلا الى المناطق الصحراوية التي تقع في الشرق والجنوب
الشرقي للمغرب وهي التي أصبحت الآن جزءا من التراب الجزائري، لقد كانت هذه
المناطق كلها أو جلها تابعة للمغرب، ثم لما تم إحتلال الجزائر والصحراء
والمغرب، فكر الإستعمار في فصل هذه المناطق حتى عن الجزائر نفسها إداريا
وقانونيا باعتبارها مناطق أساسية، فكانت الجزائر وكانت مناطق أخرى صحراوية
خارجة عن الجزائر.
ذلك هو موقف الحركة الوطنية أثناء كفاحها الوطني إزاء مشكلة الصحراء، على
أنه لابد من شهادة تاريخية وهي ان أول شخص بحث في قضية الصحراء ونادى
بتحريرها هو المرحوم علال الفاسي، وذلك خلال سنتي 1947 و1948 من القاهرة.
وهكذا يتأكد أن معالم التراب الوطني غير نحدود في وثائق الحركة الوطنية إلا ما كتبه أو قاله المرحوم علال الفاسي.
قضـية الـصحراء و»إكـس لـيبان»
تلك كانت وضعية الصحراء في كفاحنا قبل الإستقلال أما ما قمنا به بعده،
فهناك عدد من الناس يتساءلون أحيانا عن حسن نية وأحيانا كثيرة عن سوء نية
وعناد ومكابرة: لماذا لم نضع قضية الصحراء ونطرحها وقت وضع معاهدة
الإستقلال؟ وجوابنا هو أنه وقت معاهدة الإستقلال كانت الوثائق الرسمية
للمغرب، سواء كانت وثائق ملك المغرب أو الحركة الوطنية نفسها كانت تركز
على إلغاء نظام الحماية وأحلال نظام الإستقلال محله، والغاء نظام الحماية
يعني تحرير المناطق التي كانت تحت الحماية.
كل هذا ضروري لإزالة كل لبس وتبديد جميع الأوهام وإلغاء كا المجادلات، فقد
قيل: لماذا لم تطرح قضية الصحراء أثناء محادثات إكس ليبان؟ ونقول لهؤلاء
أولا إن محادثات إكس ليبان لم تكون لتحديد تراب المغرب وانما كانت مذكرات
وتبادل وجهات النظر، لكننا لما حان وقت وضع معاهدة الإستقلال 2 مارس 1956
وضعت قضية الصحراء التي اقتطعت من التراب المغربي، حينذاك وضعت الحكومة
المغربية 3 تحفظات وكنت انا مكلفا من قبل الحكومة المغربية بابداء هذه
التحفظات التي كان احدها يتعلق بوضعية القواعد الأمريكية بالمغرب والثانية
بالصحراء الجنوبية: جنوب وادي درعة وجنوب فجيج وبالأخص فيما يتعلق بمدينة
تيندوف.
تحـفظات ...والـتزامات
لكن إذا كنا قد قمنا بتحفظات أثناء وضع معاهدة الإستقلال فقد كانت لدينا
التزامات ازاء الثورة الجزائرية التي تتطلب منا التضامن معها واحباط
مناورات الإستعمار الذي كان يرمي الى التفرقة وفك التضامن المغربي
الجزائري، لكن فضل المغرب ان يقوم بدراسة قضية الصحراء مع الجزائريين بدل
دراستها مع المستعمرين حفاظا على مبدأ التضامن مع الثورة الجزائرية، بل
ذهب المغرب الى أكثر من ذلك، فقد عرضت عدة حكومات فرنسية على المغرب وضع
قضية الصحراء اثناء مفاوضتها مع الجزائريين إلا أن المغرب رفض ذلك مرجئا
الأمر الى محادثات ثنائية بينه وبين الجزائريين، كان هذا ضروريا للحفاظ
على جبهة تحرير المغرب العربي ومساندة كفاح الشعب الجزائري الذي كان
الكفاح التحريري من التراب المغربي المستقل. وقد اعتمد المغرب على وعد من
الحكومة المؤقتة الجزائرية بأن مشاكل الصحراء سيتم حلها بين الحكومتين
المغربية والجزائرية بعد ان تستقل الجزائر.
وفـاء لروح جـبهة تحـرير الـمغرب الـعربـي
أما الصحراء الغربية فقد وضعنا مشكلها بمدريد اثناء وضع معاهدة استقلال
شمال المغرب سنة 1956 وقمنا بالتحفظات اللازمة في شأن هذه المنطقة، وقلنا
للاسبانيين ان وضعية هذه المنطقة أكثر وضوحا من وضعية المناطق الصحراوية
الخاضعة للنفوذ الفرنسي، فقد ظلت الساقية الحمراء ووادي الذهب ضمن مناطق
الحماية الإسبانية الى سنة 1946، ومعنى هذا ان الغاء الحماية عن الشمال
وطرفاية يستتبع بالضرورة انها الإحتلال في كل المناطق الصحراوية بما فيها
الساقية الحمراء ووادي الذهب، وهذا معنى النص في معاهدة الإستقلال على
استكمال الوحدة الترابية وصيانة هذا التراب، لكن المشكل في القضية هو أننا
كنا نتصرف تصرفا خاصا ازاء اسبانيا، فقد كانت تدعي انها الولة الأوربية
الوحيدة التي حافظت على علاقات طيبة مع العالم العربي، وكانت تزعم انه
لولا المنطقة الشمالية لما احرز المغرب على استقلاله... فكان تصرفنا
ازاءها ? تبعا لذلك ? يرمي الى عدم احراجها، وهناك جانب آخر اساسي من
الناحية التاريخية وهو ان اسبانيا سمحت للجزائريين بأن يمارسوا عدة نشاطات
فوق ترابها كالإتصالات وعقد الإجتماعات، وطبعا فإن ذلك كان تحت مراقبة
الأجهزة الإسبانية الا ان الجزائريين كانوا في حاجة اليه. فكان لديهم نوع
من حرية التصرف والتنقل والإجنماع في مأمن من مراقبة ومطاردة السلطات
الفرنسية.
كل هذه العوامل جعلت اسبانيا تستفيد وتطور هذه الأشياء التي ستصبح فيما
بعد اشياء قاهرة وحقوقا مكتسبة، كما لو كان ذلك ثمنا لبعض المساعدات التي
منحتها لنا أثناء كفاحنا للإستعمار الفرنسي، والتي ساعدت بها اعضاء جبهة
التحرير الوطني الجزائري الذين كان كفاحنا مرتبطا بكفاحهم وفاء لروح جبهة
تحرير المغرب العربي.
الجزء الـذي ينتظـر الـتحـريـر
ايها الاخوان، ايها السادة:
هذه التفاتة الى الماضي كانت ضرورية لنعلم هل كانت تصرفاتنا ازاء قضية
الصحراء في مستوى ما كان ينبغي ان نقوم به ام انها كانت دون ما كان في
امكاننا ان نقوم به ازاءها؟
ومهما يكن فهذا هو الواقع: فابتداء من سنة 57 الى سنة 1960: دخلت قضية
الصحراء طورا جديدا يتمثل في المطالبة الرسمية من المغرب بتحريرها
باعتبارها جزءا من ترابه الوطني بما في ذلك الصحراء الشرقية والجنوبية،
وعلى الصعيد الرسمي طرحت القضية في خطاب ملكي القاه المرحوم محمد الخامس
بمحاميد الغزلان سنة 1957 وبذلك اصبحت المشكلة مطروحة وطنيا ودوليا، غير
ان تصرفاتنا مع الإسبانيين سارت كما وصفتها قبل على اساس عدم احراجهم
بالإضافة الى ما كان مؤملا من الإسبانيين من تفهمهم للمشكل واعترافهم
بالحق لأصحابه والإعتراف بالجميل للمغرب الذي حرص في علاقته معهم على عدم
احراجهم، لكن بعد استقلال الجزائر اصبحت الأمور واضحة فأنا لن اتحدث عن
الصحراء الجنوبية او الشرقية لان الموضوع يحدد اطار الحديث في الصحراء
المحتلة من طرف اسبانيا.
كانت هناك اتفاقات مع الجزائر الا ان هذه الإتفاقات لا تلزم الشعب المغربي.
ان حل جميع مشاكل الحدود يجب ان يتم في اطار وحدة المغرب العربي.
عندما نستعرض هذه الأحداث التاريخية لا نريد من وراء ذلك الانتقاد، بل
لنسجل الوحدة الوطنية والإجماع الوطني من القمة الى القاعدة، من الملك الى
الشعب، ولنقول بصراحة للشباب المغربي: اننا طلبنا باسقلال فحرر طرف منه
وبقي طرف آخر ينتظر التحرير.
اللـجوء الى محكمة الـعدل الـدوليـة واحـراج اسبـانيـا
لقد عرض عليكم الأخ بوستة موقف المغرب في الأمم المتحدة طيلة السنوات
الماضية وبصفة خاصة هذه السنة، واؤكد لكم اننا ذهبنا للأمم المتحدة لنزيل
الغموض واللبس الذي علق بهذه القضية، واؤكد لكم بان ذلك لم يكن سهلا: لقد
ذكرنا بكفاح الجزائر وموقف اسبانيا في الماضي وفسرنا تردد المغرب ووضعناه
في اطار التضامن مع كفاح الشعب الجزائري، وأثبتنا شكاية المغرب ضد اسبانيا
امام الهيآت الدولية سنة 1964 واتباعه الشكاية بملتمس يؤكد ان هناك نزاعا
على السيادة بهذه المنطقة.
ومما يؤسف له ان المغرب لم يسلك خلال السنوات الماضية طريق الملتمس الأول
وقام بتصرفات استفادت منها اسبانيا واستفاد منها آخرون لا اذكر أسناءهم،
وبذلك حلقت اطماع بالمنطقة، واصبح هؤلاء يتملصون من فتح ملف القضية
ليقينهم بسلامة موقف المغرب وقوة حجته، وكثيرا ما كان اخواننا الأفارقة
يسألوننا، لماذا لم تقولوا هذا من قبل؟
وهكذا اضطررنا الى التذكير بمواقف المغرب السابقة واثارة قضية السيادة
التي طرحها ملتمس المغرب المقدم سنة 1964، وعندما وصلت الأمور الى هذا
الحد وبعد مواقف اسبانيا التي اصبحت تستهدف فصل المنطقة عن المغرب واقامة
حكومة صورية لاستمرار تسلطها واستغلالها لهذه المنطقة بواسطة منح استقلال
تحتفظ فيه لنفسها بالخارجية والدفاع والمالية.
بعد هذا اصبح ضروريا فضح مواقف اسبانيا ولذلك رفض المغرب الإستفتاء لأنه ليس من المعقول ان يقبل استفتاء في جزء من ترابنا الوطني.
لقد طالب المغرب برفع القضية الى محكمة لاهاي بعد ان رفض الإستفتاء وهو
يريد من ذلك احراج اسبانيا وحمل الأطراف المعنية على نوضيح آرائهم في
القضية، وكان هذا الحل سليما لانه جنب المغرب الوقوع في العزلة سيما بعد
مواقف المغرب السابقة من قضية الصحراء.
ان احراج اسبانيا يتجلى في ضعف حجتها امام المغرب اذ كانت ولا تزال تدعي
انها وجدت الصحراء ارضا خالية لا سيادة لولة عليها، ولذلك فان امر الصحراء
لا يعني في منطقها الا سكانها واسبانيا، ولذلك قررت استفتاءهم، ولهم بعد
ذلك ان يقرروا ما يريدون، واذا كان هذا صحيحا فلماذا رفضت الذهاب الى
محكمة العدل؟
الطـريق الـصحيـح نحـو الـتحريـر
اننا موقنون ان محكمة لاهاي ليست هي طريق التحرير ولكنها وسيلة من الوسائل
السياسية التي لابد من استعمالها لكن يبقى الطريق الصحيح للتحرير الوطني
وتصفية الإستعمار، انه لكي يكون التحرير كاملا لابد من عمل ناجع وفعال،
وقد اكدت الجلسات التي حضرناها والتي تراسها جلالة الملك ان المغرب
سيستعمل جميع الوسائل لتحرير ترابه.
وأخيرا: هناك سؤال لابد منه: ما هو نوقفنا من موريطانيا؟ لابد من توضيح
هذا الجانب الهام من قضية الصحراء، لقد كانت سياسة اسبانيا تقوم على
استغلال واستفادة من الخلافات حول الصحراء، بل لم تكن تتورع عن الدس بين
المغرب وموريطانيا لتخويفها من المغرب عندما تصبح حدوده متصلة بحدودها.
موقفنا الآن من القضية واضح، بالنسبة لتحرير الصحراء من قبضة الإستعمار،
يجب استعمال جميع الوسائل مسلحة وغير مسلحة، وبالنسبة لعلاقتنا مع
موريطانيا فلا بأس ان نوضح حقيقة علاقة سكان الصحراء المحتلة بالمغرب من
جهة وموريطانيا من جهة أخرى، فقد كان سكان الساقية الحمراء ووادي الذهب
صلة الوصل بين جنوب المغرب وشمال موريطانيا، فيجب اليوم ايضا كما كان
الأمر بالأمس ان تكون هذه المنطقة من أسس التعاون بين البلدين الشقيقين،
ان العلاقات القائمة بين الدول اليوم ليست هي علاقات الأمس وان مغرب اليوم
هو غير مغرب البارحة، علينا ان نفهم الوضع الدولي اليوم وخاصة في افريقيا،
في القديم لم تكن هناك دول بمفهومها الصحيح اذا استثنينا المغلرب واثيوبيا
ومصر، والواقع اليوم: ان اكثر اعضاء الأمم المتحدة هي دول جديدة تعيش ضمن
الحدود التي ورثتها عن الإستعمار، فيجب ان تتطلع الى آفاق جديدة بروح
منفتحة وعقلية جديدة تصل بين الماضي والحاضر وتؤهل المغرب ليلعب دوره
التاريخي في نشر الحضارة وتحرير المنطقة بأكملها من الإستعمار بأشكاله
المختلفة.
المرجع: جريدة المحرر 6 دجنبر 1974
مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد
8/1/2010
بدعوة
من جمعية قدماء ثانوية مكناس، اشترك الأستاذان عبد الرحيم بوعبيد ومحمد
بوستة، بعرضين تلتهما مناقشة حول «قضية الصحراء المغربية أمام الهيئات
الدولية».
وقد أشاد ممثل الجمعية المنظمة عند تقدينه للأستاذين، بكفاحهما الماضي
والحاضر، من أجل الدفاع عن مطالب الشعب، واشار بصفة خاصة الى ما قاما به
في سبيل توضيح ملف القضية، سواء لدى الول أو أمام الهيئات الدولية، الأمر
الذي يجعلهما أفضل من يتحدث عن ملف الصحراء المغربية المعروضة امام
المنظمات الدولية.
ثم تناول الكلمة الأستاذ محمد بوستة، الذي أبرز أن اللقاء يتم بعد ورود
الأخبار عن تحرك المواطنين الصحراويين لتحرير المنطقة من الإستعمار، ووجه
بالمناسبة تحية باسم المشاركين في الندوة الى إخواننا سكان الصحراء
المحتلة.
وقد تناول الأستاذ بوستة في عرضه الذي قال بأنه سيضطر الى إيجازه، الجوانب
التاريخية والقانونية، والمعطيات الجغرافية والإجتماعية للمنطقة، مع أبرز
مواقف المغرب إزاء القضية خصوصا بعد الإستقلال، الر جانب مواقف اسبانيا،
وختم المحاضر عرضه بإعطاء نظرة عن موقف المغرب الحالي وافشارة الى آفاق
المستقبل.
وبعد كلمة الأستاذ بوستة، أخذ الأخ عبد الرحيم بوعبيد في إلقاء عرضه، الذي
انصب على توضيح الإطار السياسي الذي كان يواجه المواقف المغربية سواء
أثناء الحماية، أو بعد إعلان الإستقلالل، ووقف الأخ عبد الرحيم بوعبيد،
عند محادثات إكس ليبان ليبين الظروف والإعتبارات التي أملت الموقف
المغربي، وكذلك أسباب التصرف الخاص تجاه إسبانيا. ولم يفت الأخ بوعبيد أن
يبرز الخطة التي كان المغرب يتبعها بخصوص الصحراء بالنسبة للموقف من
الجزائر أثناء كفاح الجزائر من أجل الإستقلال. ونظرا للأهمية الخاصة للعرض
الذي ألقاه بوعبيد
نقدمه فيما يلي:
أيها الإخوان:
بعد العرض القيم الذي قام به الأخ الأستاذ محمد بوستة والذي تناول فيه
القضية من جوانبها التاريخية والقانونية والآفاق التي على المغرب أن يراها
وهو يعالج قضية الصحراء ويخوض الكفاح من أجلها والتي عليه أن يراها من
الآن وأثناء هذا الكفاح.
لمــاذا تـأخر المغرب؟
بعذ هذا لابد من وضع السؤال الأتي: لماذا تأخر المغرب الى اليوم ولم يقم
في الماضي بما قام به اليوم من انتفاضة ووحدة وطنية من أجل قضية مقدسة وهي
تحرير الصحراء؟ ثم كيف كانت نظرة الحركة الوطنية أيام نشأتها وخلال
خطواتها الأولى الى الصحراء؟ هذه بالطبع حقائق تاريخية لابد من ذكرها
لنقوم بنوع من النقد الذاتي، ماذا كان ينبغي أن نفعل في الماضي أيام
الكفاح الوطني أثناء الإستعمار وبأي شئ كان ينبغي أن نقوم ضد الإستعمارين
الفرنسي والإسباني آنذاك؟ لابد من سرد هذه الحقائق التاريخية:
يجب ان نعرف ان احتلال المغرب لم يبتدئ بتوقيع عقد الحماية بتاريخ 30 مارس
1912 بالنسبة للحماية الفرنسية وما تبعها من المتداد النفوذ الإسباني الى
شمال المغرب وجنوبه بواسطة توقيع عقد الحماية الإسباني في نفس السنة، ولكن
الإستعمار إسبانيا كان أو فرنسيا ابتدأ في الحقيقة باحتلال عدة مناطق من
الصحراء المغربية فبل توقيع عقدي الحماية الفرنسي والإسباني سنة 1912، لقد
وقع احتلال الصحراء الشرقية والجنوبية والغربية بواسطة التسرب عن طريق
السينغال وافريقيا السودار والجزائر، وهكذا احتلت في الشرق «توات» وما
حولها بناحية فكيك وفي الجنوب على ضفاف وادي درعة تيندوف ونواحيها، وعلى
هذا الشكل تم احتلال الصحراء الغربية، الساقية الحمراء ووادي الذهب... بعد
هذا تم توقيع عقد الحماية على المنطقتين كأن المناطق الأخرى ليست من
المغرب وخارجة عنه.
بعد عقد الحماية أصبح شغل الوطنيين الشاغل هو ابطال مفعول عقد الحماية
المفروض علينا وتحرير المناطق التي يمند اليها نفوذ الدولتين الحانيتين
بمقتضى بنود عقد الحماية.
أين يبدأ التراب الوطني وأين ينتهي:
وعندما نعود الى الوثائق الوطنية مثلا وثيقة الأستقلال سنة 1944 نجد اننا
طالبنا فيها بالإستقلال الوطني على أساس الوحدة الترابية للبلاد وصيانة
التراب الوطني. لقد كنا ونحن شبان نتسائل عن حقيقة هذا التراب الوطني: ما
هو هذا التراب؟ أين يبدأ وأين ينتهي؟ كان تصرف الحركة الوطنية يقوم على
أساس سياسة تجزئة الكفاح الى مراحل، تبتدئ بإلغاء الإتفاقات الدولية التي
فرضت على المغرب في شكل حماية وإعلان الإستقلال الوطني على المناطقالمحمية
على ان يتم ذلك في دائرة احترام وحدة التراب الوطني، ثم تأتي مراحل تحرير
المناطق التي فرض عليها الإستعمار المباشر في الشرق والجنوب من طرف
الفرنسيين وفي الغرب من طرف الإسبان والتي أصبحت تابعة إما لفرنسا وإما
لاسبانيا، اننظر مثلا الى المناطق الصحراوية التي تقع في الشرق والجنوب
الشرقي للمغرب وهي التي أصبحت الآن جزءا من التراب الجزائري، لقد كانت هذه
المناطق كلها أو جلها تابعة للمغرب، ثم لما تم إحتلال الجزائر والصحراء
والمغرب، فكر الإستعمار في فصل هذه المناطق حتى عن الجزائر نفسها إداريا
وقانونيا باعتبارها مناطق أساسية، فكانت الجزائر وكانت مناطق أخرى صحراوية
خارجة عن الجزائر.
ذلك هو موقف الحركة الوطنية أثناء كفاحها الوطني إزاء مشكلة الصحراء، على
أنه لابد من شهادة تاريخية وهي ان أول شخص بحث في قضية الصحراء ونادى
بتحريرها هو المرحوم علال الفاسي، وذلك خلال سنتي 1947 و1948 من القاهرة.
وهكذا يتأكد أن معالم التراب الوطني غير نحدود في وثائق الحركة الوطنية إلا ما كتبه أو قاله المرحوم علال الفاسي.
قضـية الـصحراء و»إكـس لـيبان»
تلك كانت وضعية الصحراء في كفاحنا قبل الإستقلال أما ما قمنا به بعده،
فهناك عدد من الناس يتساءلون أحيانا عن حسن نية وأحيانا كثيرة عن سوء نية
وعناد ومكابرة: لماذا لم نضع قضية الصحراء ونطرحها وقت وضع معاهدة
الإستقلال؟ وجوابنا هو أنه وقت معاهدة الإستقلال كانت الوثائق الرسمية
للمغرب، سواء كانت وثائق ملك المغرب أو الحركة الوطنية نفسها كانت تركز
على إلغاء نظام الحماية وأحلال نظام الإستقلال محله، والغاء نظام الحماية
يعني تحرير المناطق التي كانت تحت الحماية.
كل هذا ضروري لإزالة كل لبس وتبديد جميع الأوهام وإلغاء كا المجادلات، فقد
قيل: لماذا لم تطرح قضية الصحراء أثناء محادثات إكس ليبان؟ ونقول لهؤلاء
أولا إن محادثات إكس ليبان لم تكون لتحديد تراب المغرب وانما كانت مذكرات
وتبادل وجهات النظر، لكننا لما حان وقت وضع معاهدة الإستقلال 2 مارس 1956
وضعت قضية الصحراء التي اقتطعت من التراب المغربي، حينذاك وضعت الحكومة
المغربية 3 تحفظات وكنت انا مكلفا من قبل الحكومة المغربية بابداء هذه
التحفظات التي كان احدها يتعلق بوضعية القواعد الأمريكية بالمغرب والثانية
بالصحراء الجنوبية: جنوب وادي درعة وجنوب فجيج وبالأخص فيما يتعلق بمدينة
تيندوف.
تحـفظات ...والـتزامات
لكن إذا كنا قد قمنا بتحفظات أثناء وضع معاهدة الإستقلال فقد كانت لدينا
التزامات ازاء الثورة الجزائرية التي تتطلب منا التضامن معها واحباط
مناورات الإستعمار الذي كان يرمي الى التفرقة وفك التضامن المغربي
الجزائري، لكن فضل المغرب ان يقوم بدراسة قضية الصحراء مع الجزائريين بدل
دراستها مع المستعمرين حفاظا على مبدأ التضامن مع الثورة الجزائرية، بل
ذهب المغرب الى أكثر من ذلك، فقد عرضت عدة حكومات فرنسية على المغرب وضع
قضية الصحراء اثناء مفاوضتها مع الجزائريين إلا أن المغرب رفض ذلك مرجئا
الأمر الى محادثات ثنائية بينه وبين الجزائريين، كان هذا ضروريا للحفاظ
على جبهة تحرير المغرب العربي ومساندة كفاح الشعب الجزائري الذي كان
الكفاح التحريري من التراب المغربي المستقل. وقد اعتمد المغرب على وعد من
الحكومة المؤقتة الجزائرية بأن مشاكل الصحراء سيتم حلها بين الحكومتين
المغربية والجزائرية بعد ان تستقل الجزائر.
وفـاء لروح جـبهة تحـرير الـمغرب الـعربـي
أما الصحراء الغربية فقد وضعنا مشكلها بمدريد اثناء وضع معاهدة استقلال
شمال المغرب سنة 1956 وقمنا بالتحفظات اللازمة في شأن هذه المنطقة، وقلنا
للاسبانيين ان وضعية هذه المنطقة أكثر وضوحا من وضعية المناطق الصحراوية
الخاضعة للنفوذ الفرنسي، فقد ظلت الساقية الحمراء ووادي الذهب ضمن مناطق
الحماية الإسبانية الى سنة 1946، ومعنى هذا ان الغاء الحماية عن الشمال
وطرفاية يستتبع بالضرورة انها الإحتلال في كل المناطق الصحراوية بما فيها
الساقية الحمراء ووادي الذهب، وهذا معنى النص في معاهدة الإستقلال على
استكمال الوحدة الترابية وصيانة هذا التراب، لكن المشكل في القضية هو أننا
كنا نتصرف تصرفا خاصا ازاء اسبانيا، فقد كانت تدعي انها الولة الأوربية
الوحيدة التي حافظت على علاقات طيبة مع العالم العربي، وكانت تزعم انه
لولا المنطقة الشمالية لما احرز المغرب على استقلاله... فكان تصرفنا
ازاءها ? تبعا لذلك ? يرمي الى عدم احراجها، وهناك جانب آخر اساسي من
الناحية التاريخية وهو ان اسبانيا سمحت للجزائريين بأن يمارسوا عدة نشاطات
فوق ترابها كالإتصالات وعقد الإجتماعات، وطبعا فإن ذلك كان تحت مراقبة
الأجهزة الإسبانية الا ان الجزائريين كانوا في حاجة اليه. فكان لديهم نوع
من حرية التصرف والتنقل والإجنماع في مأمن من مراقبة ومطاردة السلطات
الفرنسية.
كل هذه العوامل جعلت اسبانيا تستفيد وتطور هذه الأشياء التي ستصبح فيما
بعد اشياء قاهرة وحقوقا مكتسبة، كما لو كان ذلك ثمنا لبعض المساعدات التي
منحتها لنا أثناء كفاحنا للإستعمار الفرنسي، والتي ساعدت بها اعضاء جبهة
التحرير الوطني الجزائري الذين كان كفاحنا مرتبطا بكفاحهم وفاء لروح جبهة
تحرير المغرب العربي.
الجزء الـذي ينتظـر الـتحـريـر
ايها الاخوان، ايها السادة:
هذه التفاتة الى الماضي كانت ضرورية لنعلم هل كانت تصرفاتنا ازاء قضية
الصحراء في مستوى ما كان ينبغي ان نقوم به ام انها كانت دون ما كان في
امكاننا ان نقوم به ازاءها؟
ومهما يكن فهذا هو الواقع: فابتداء من سنة 57 الى سنة 1960: دخلت قضية
الصحراء طورا جديدا يتمثل في المطالبة الرسمية من المغرب بتحريرها
باعتبارها جزءا من ترابه الوطني بما في ذلك الصحراء الشرقية والجنوبية،
وعلى الصعيد الرسمي طرحت القضية في خطاب ملكي القاه المرحوم محمد الخامس
بمحاميد الغزلان سنة 1957 وبذلك اصبحت المشكلة مطروحة وطنيا ودوليا، غير
ان تصرفاتنا مع الإسبانيين سارت كما وصفتها قبل على اساس عدم احراجهم
بالإضافة الى ما كان مؤملا من الإسبانيين من تفهمهم للمشكل واعترافهم
بالحق لأصحابه والإعتراف بالجميل للمغرب الذي حرص في علاقته معهم على عدم
احراجهم، لكن بعد استقلال الجزائر اصبحت الأمور واضحة فأنا لن اتحدث عن
الصحراء الجنوبية او الشرقية لان الموضوع يحدد اطار الحديث في الصحراء
المحتلة من طرف اسبانيا.
كانت هناك اتفاقات مع الجزائر الا ان هذه الإتفاقات لا تلزم الشعب المغربي.
ان حل جميع مشاكل الحدود يجب ان يتم في اطار وحدة المغرب العربي.
عندما نستعرض هذه الأحداث التاريخية لا نريد من وراء ذلك الانتقاد، بل
لنسجل الوحدة الوطنية والإجماع الوطني من القمة الى القاعدة، من الملك الى
الشعب، ولنقول بصراحة للشباب المغربي: اننا طلبنا باسقلال فحرر طرف منه
وبقي طرف آخر ينتظر التحرير.
اللـجوء الى محكمة الـعدل الـدوليـة واحـراج اسبـانيـا
لقد عرض عليكم الأخ بوستة موقف المغرب في الأمم المتحدة طيلة السنوات
الماضية وبصفة خاصة هذه السنة، واؤكد لكم اننا ذهبنا للأمم المتحدة لنزيل
الغموض واللبس الذي علق بهذه القضية، واؤكد لكم بان ذلك لم يكن سهلا: لقد
ذكرنا بكفاح الجزائر وموقف اسبانيا في الماضي وفسرنا تردد المغرب ووضعناه
في اطار التضامن مع كفاح الشعب الجزائري، وأثبتنا شكاية المغرب ضد اسبانيا
امام الهيآت الدولية سنة 1964 واتباعه الشكاية بملتمس يؤكد ان هناك نزاعا
على السيادة بهذه المنطقة.
ومما يؤسف له ان المغرب لم يسلك خلال السنوات الماضية طريق الملتمس الأول
وقام بتصرفات استفادت منها اسبانيا واستفاد منها آخرون لا اذكر أسناءهم،
وبذلك حلقت اطماع بالمنطقة، واصبح هؤلاء يتملصون من فتح ملف القضية
ليقينهم بسلامة موقف المغرب وقوة حجته، وكثيرا ما كان اخواننا الأفارقة
يسألوننا، لماذا لم تقولوا هذا من قبل؟
وهكذا اضطررنا الى التذكير بمواقف المغرب السابقة واثارة قضية السيادة
التي طرحها ملتمس المغرب المقدم سنة 1964، وعندما وصلت الأمور الى هذا
الحد وبعد مواقف اسبانيا التي اصبحت تستهدف فصل المنطقة عن المغرب واقامة
حكومة صورية لاستمرار تسلطها واستغلالها لهذه المنطقة بواسطة منح استقلال
تحتفظ فيه لنفسها بالخارجية والدفاع والمالية.
بعد هذا اصبح ضروريا فضح مواقف اسبانيا ولذلك رفض المغرب الإستفتاء لأنه ليس من المعقول ان يقبل استفتاء في جزء من ترابنا الوطني.
لقد طالب المغرب برفع القضية الى محكمة لاهاي بعد ان رفض الإستفتاء وهو
يريد من ذلك احراج اسبانيا وحمل الأطراف المعنية على نوضيح آرائهم في
القضية، وكان هذا الحل سليما لانه جنب المغرب الوقوع في العزلة سيما بعد
مواقف المغرب السابقة من قضية الصحراء.
ان احراج اسبانيا يتجلى في ضعف حجتها امام المغرب اذ كانت ولا تزال تدعي
انها وجدت الصحراء ارضا خالية لا سيادة لولة عليها، ولذلك فان امر الصحراء
لا يعني في منطقها الا سكانها واسبانيا، ولذلك قررت استفتاءهم، ولهم بعد
ذلك ان يقرروا ما يريدون، واذا كان هذا صحيحا فلماذا رفضت الذهاب الى
محكمة العدل؟
الطـريق الـصحيـح نحـو الـتحريـر
اننا موقنون ان محكمة لاهاي ليست هي طريق التحرير ولكنها وسيلة من الوسائل
السياسية التي لابد من استعمالها لكن يبقى الطريق الصحيح للتحرير الوطني
وتصفية الإستعمار، انه لكي يكون التحرير كاملا لابد من عمل ناجع وفعال،
وقد اكدت الجلسات التي حضرناها والتي تراسها جلالة الملك ان المغرب
سيستعمل جميع الوسائل لتحرير ترابه.
وأخيرا: هناك سؤال لابد منه: ما هو نوقفنا من موريطانيا؟ لابد من توضيح
هذا الجانب الهام من قضية الصحراء، لقد كانت سياسة اسبانيا تقوم على
استغلال واستفادة من الخلافات حول الصحراء، بل لم تكن تتورع عن الدس بين
المغرب وموريطانيا لتخويفها من المغرب عندما تصبح حدوده متصلة بحدودها.
موقفنا الآن من القضية واضح، بالنسبة لتحرير الصحراء من قبضة الإستعمار،
يجب استعمال جميع الوسائل مسلحة وغير مسلحة، وبالنسبة لعلاقتنا مع
موريطانيا فلا بأس ان نوضح حقيقة علاقة سكان الصحراء المحتلة بالمغرب من
جهة وموريطانيا من جهة أخرى، فقد كان سكان الساقية الحمراء ووادي الذهب
صلة الوصل بين جنوب المغرب وشمال موريطانيا، فيجب اليوم ايضا كما كان
الأمر بالأمس ان تكون هذه المنطقة من أسس التعاون بين البلدين الشقيقين،
ان العلاقات القائمة بين الدول اليوم ليست هي علاقات الأمس وان مغرب اليوم
هو غير مغرب البارحة، علينا ان نفهم الوضع الدولي اليوم وخاصة في افريقيا،
في القديم لم تكن هناك دول بمفهومها الصحيح اذا استثنينا المغلرب واثيوبيا
ومصر، والواقع اليوم: ان اكثر اعضاء الأمم المتحدة هي دول جديدة تعيش ضمن
الحدود التي ورثتها عن الإستعمار، فيجب ان تتطلع الى آفاق جديدة بروح
منفتحة وعقلية جديدة تصل بين الماضي والحاضر وتؤهل المغرب ليلعب دوره
التاريخي في نشر الحضارة وتحرير المنطقة بأكملها من الإستعمار بأشكاله
المختلفة.
المرجع: جريدة المحرر 6 دجنبر 1974
مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد
8/1/2010
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد تحتفي بالذكرى الثامنة عشر لرحيله بمناقشة : ما معنى أن تكون وطنيا اليوم
ما معنى أن
تكون وطنيا اليوم؟ وما هي الحدود التي تجعلك داخل هذه الدائرة؟ ومن يرسم
هذه الحدود؟ تلك بعض الأسئلة التي تناولتها ندوة «الوطنية مابين الأمس
واليوم» التي نظمتها مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد للعلوم و الثقافة بمناسبة
الذكرى الثامنة عشر لرحيل القائد الوطني الكبير
احتفاء بالذكرى الثامنة عشر لرحيل القائد الوطني عبد الرحيم اختارت
المؤسسة التي تحمل اسمه بسلا، أن تنظم ندوة في موضوع بالغ الأهمية تحت
عنوان «الوطنية مابين الأمس واليوم»، فهذا الوطني الغيور سبق له أن ترك
للأجيال اللاحقة قولة مأثورة قيد حياته حين استشعر بأن الوطن في خطر،
فقال: «رب السجن أحب إلي من أن ألتزم الصمت في قضية مصيرية وطنية»
لقد أكد المجاهد أبوبكر القادري في هذه الندوة كشاهد على مرحلة ما قبل
الاستقلال وكأحد رجالات الحركة الوطنية الذين جايلوا الفقيد عبد الرجيم
بوعبيد، أن الوطنية بالنسبة لشباب هذه المرحلة كانت هي تحرير الأرض
والإنسان من قبضة الاستعمار والدفاع عن استقلال الوطن ووحدته بالغالي
والنفيس، لأن الوطنية بالنسبة لبوبكر القادري ليست انتماء للوطن وحسب
وإنما الدفاع أيضا عن رفعته وارتقائه وتقدمه وازدهاره والمساهمة في نموه
العقائدي والروحي والمادي، مضيفا في السياق ذاته، أن الوطنية كامنة في
قلوب الكثير لكن يجب أن تحك وتصقل لإزالة الغبار عنها، ويعتبر القادري على
أن هذا من واجب ومسؤولية شباب اليوم.
وقال بوبكر القادري أثناء حديثه عن شخصية عبد الرحيم بوعبيد، «لقد كان نعم
الوطني المصمم والمقتدر والثابت وأستطاع أن يقول «لا» في الوقت الذي يجب
أن تقال فيه كلمة «لا»، كموقف سياسي، هذه الكلمة التي افتقدناها في عصرنا
الحالي، مستدركا في نفس الآن، «لدينا أمل في بلادنا وأبنائها لقراءة
تاريخها القديم والحديث قراءة جديدة ومتجددة».
واعتبر محمد الأشعري عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات
الشعبية، بنفس المناسبة على أن الوطنيين الكبار أمثال عبد الرحيم بوعبيد
من الممكن أن ينسحبوا في لحظات، لكنهم يرجعوا في لحظات دقيقة ليوقظوا
الضمائر ويساعدوا لتجاوز الفترات العصيبة، ففي مداخلته تحدث عضو المكتب
السياسي عن يوم 9 شتنبر 1981 ،هذا اليوم الذي سيزج بعبد الرحيم بوعبيد
وقيادة الحزب في سجن لعلو بالرباط بسبب بيان المكتب السياسي المتعلق
بالقضية الوطنية، هذا البيان الذي عبر عن رأي سياسي وعن مخاوف وتحفظات حول
مقررات نيروبي لتخصيص إدارة سياسية في الصحراء وتخويلها سلطات لوضع
الاستفتاء وإبعاد الإدارة المغربية، فهو مخاطرة حقيقية، مقابل رأي رسمي لا
يرى أية تكاليف.
وشدد محمد الأشعري على أن عبد الرحيم بوعبيد هو من ربط القضية الوطنية
بتعزيز الجبهة الداخلية ومن جهر بالقول آنذاك بأن لا تفويض ولا مساومة في
الوطنية والديمقراطية، وكان يعتبر أن القضية الوطنية مسؤولية الجميع وليست
حكرا على أحد، فالوطنية لا تسمح بإسكات الآخر، فالوطنية أن تكون شريكا
كاملا ومسؤولا، فعبد الرحيم بوعبيد هو من طالب بأن يكون إدماج الانفصاليين
داخل جو ديمقراطي، والدعوة إلى ضرورة نظام مركزي واسع في أقاليمنا
الصحراوية، كما تطرق الأشعري بتفصيل إلى بعض الأسئلة المقلقة للجيل
الحالي، مثل ما معنى أن تكون وطنيا اليوم؟ وما هي الحدود التي تجعلك داخل
هذه الدائرة؟ ومن يرسم هذه الحدود؟ وفي نفس الصدد يرى الأشعري أن على
الجيل السابق أن يعترف للجيل الحالي بحقه في وطنيته، هذه الوطنية التي
سماها بالوطنية الحديثة.
وتدخل في هذه الندوة التي عرفت حضورا كبيرا لأعضاء المكتب السياسي
ومناضلين اتحادين كمحمد منصور، محمد الحبابي، زوجة عبد الرحيم بوعبيد
وأبناءه وعدد كبير من أعضاء المجلس الوطني، ذ. العربي لمساري والشبيبة
الاتحادية، كما ساهم محمد الحبابي بمداخلة قيمة باللغة الفرنسية في
الموضوع، وعبد الهادي خيرات كأحد المناضلين الذين أدوا ضريبة السجن إلى
جانب عبد الرحيم بوعبيد بسجن لعلو، وصلاح الوديع كابن للمناضل الكبير
الوديع الأسفي والمناضلة ثريا السقاط.
واختتمت الندوة بنقاش غني ومستفيض من قبل الشباب اظهروا فيه موقفا من وطنية الأمس ووطنية اليوم.
الاتحاد الاشتراكي
عبد الحق الريحاني
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
الراحل عبد الرحيم بوعبيد يجيب بومدين من وجدة
«إن
قضية اليوم هي قضية الصحراء المغربية وكفاح الشعب المغربي من أجل وحدة
ترابه، وكيف تصبح هذه القضية قضية مصيرية للشعب المغربي..».
بهذه الكلمات انطلقت مداخلة الزعيم الراحل عبد الرحيم بوعبيد أمام حشد
غفير من مناضلي وساكنة وجدة في 23 يونيو 1975، أسابيع قبل انطلاق المسيرة
الخضراء في اتجاه الصحراء المغربية.
كما عرف عن الراحل وضوحه مع الجميع: «نريد تحرير هذه الصحراء لا ليصبح
الصحراويون في حالة من العبودية والاستغلال، ولكن نقول لهم نريد تحريرهم
حتى يصبح المغرب بأجمعه، بشعبه وبكل قطاعاته، أخذ مصيره بنفسه على أسس
الديمقراطية وحسب الاختيارات التي اختارها لنفسه بمراقبته على الحاكمين ..
».
ويضيف القائد «فالتحرير مرتبط كل ارتباط بإقامة نظام ديمقراطي صحيح في هذه البلاد.. ».
وأكد بوعبيد، بلغة الواثق والمطلع، «أننا في الظروف التي نعيشها اليوم على
أهبة أن يؤخذ الاتجاه الضروري لتحرير الصحراء فعليا، لأن وقت المماطلة
وظرف الانتظار وظرف المساومة وظرف الديبلوماسية السرية انتهى.»
وشدد الراحل على أن قضية الصحراء هي قضية 17 مليون مغربي - عدد سكان
المغرب انذاك - «فلا يمكن أن تكون هناك مهاودة ولا مساومة ولا يمكن أن
نقبل شانطاج ولا ضغط من أي جانب.» واستغل القائد الكبير مناسبة التجمع
للرد على بعض تصريحات بومدين: «إنني أتوجه للسيد بومدين كرئيس حزب وكمناضل
لا كرئيس دولة، لأن أمر الدولة لا يعنيني، فلست في الحكومة، فأنا مناضل
وأريد أن أجيب عن تصريحات مناضل آخر.. نريد أن نقول لرجال الثورة والشعب
الجزائري ليس لنا فيما يرجع للصحراء الغربية التي هي تحت السيطرة
الاستعمارية، ليس لنا أي نزاع مع الشعب الجزائري ولا مع الحكومة
الجزائرية، فالنزاع الوحيد هو بيننا وبين الاستعمار الأطماع الامبريالية..»
وتضمنت الردود ثماني نقط أساسية.
1 - فالنقطة الأولى التي جاءت في التصريح، تتكلم عن مستقبل المغرب العربي
ووجوب الوحدة والتضامن، ونحن نقول للسيد بومدين، ليس هناك أي خلاف بيننا
وبينكم في هذه النقطة، إلا أنه نريد أن نعطي لكلمات وحدة وتضامن وتعاون
وبناء مغربي عربي مدلولا دقيقا وصحيحا.
2- النقطة الثانية متعلقة بما جاء في الأنباء التي وردت علينا، إنه قال في
قضية الصحراء وقع مشكل «خارج عن إرادتنا»، ومعنى ذلك أنه لم يرده، كان هذا
النزاع أو هذا التعقيد جاء وحده تلقائيا، ونحن نقول: نعم لم يكن هنا في
أول الأمر أي نزاع، في سنة 1956 كان إخواننا الجزائريون - أعضاء الثورة
الجزائرية والجبهة كانوا مطلعين على كل قضايا المغرب.
3 - هنا النقطة الثالثة والمتعلقة بالاتفاق بين المغرب وموريتانيا، كيف أن
يفسر أن حركة موريهوب الأولى، وهي حركة انفصالية كانت في الجزائر، تسلح في
الجزائر، تعطاها وسائل الإعلام في الجزائر، ثم تراجعت هذه الحركة عن
موقفها وخرجت من الجزائر وذهبت الى بروكسيل، وصرحت أنها كانت تحت قيادة
وضعنا يدعو الى الانفصال، وذلك عندما تبين لها أن الصحراء الغربية ليس لها
أي مستقبل، دون مستقبل إدماجها مع الشعب المغربي وكل أجزاء الشعب المغربي،
قلنا انتهت هذه الحركة، ولم تعد تسايرهم، فخلقوا حركة أخرى تسمى
«البوليساريو» وتوجد بتندوف المدينة المغربية، ثكنات لتدريب هؤلاء
الانفصاليين، وهم جماعة قليلة، ولكن يحظون بكل المساعدات من طرف
الإسبانيين أنفسهم، يزودونهم بالامال والسلاح
وأخيرا جاءوا بأحد الموريطانيين المسمى أحمد ولد مسك، وكان هو ممثل الحكومة الموريطانية في مجلس الامن وحكم عليه من أجل الارتشاء...
اعتقدنا بأن الأمر انتهى وأنه لم يبق هناك أي مشكل، لا لأن الاتفاق بين
المغرب وموريتانيا أظهر البوليساريو على حقيقته، وأصبحت الجزائر تصرح
علنيا ورسميا بتقرير المصير.
كل ذلك يبين بوضوح أن الخلاف بين المغرب وموريتانيا كان مبررا من
المبررات، فلما زال هذا المبرر خلقوا مبررا آخر، لو كان هناك إنصاف، وهناك
تجاوب مع الرأي العام الجزائري وماضي الثورة الجزائرية، لكان على المناضل
الأول في جبهة التحرير الوطنية بالجزائر أن يتكلم مع الأطر بهذه اللغة،
وبهذه الصراحة، ولا يتكلم كلاما فيه شيء من اللبس ومن الغموض.
4 - وجاء في النقطة الرابعة أن الثورة الجزائرية كان لها دور حاسم في
تحرير المغرب العربي بأجمعه وتحرير إفريقيا، وتكلم عن مليون ونصف من
الضحايا في الجزائر، نحن ننحنى اليوم كما انحنينا في كل وقت أمام كل
الضحايا الذين لقوا حتفهم في ميدان الشرف ضد الاستعمار وضد التدخلات
الأجنبية، لذلك فالموضوع ليس موضوع فصل هذا أو ذاك، لكن هو شيء بسيط يرجع
إلى معطيات تاريخية مازالت حية ومازالت في الأذهان. الثورة
الجزائرية انطلقت أساسا وقبل كل شيء من المغرب، لاندعى أن المغرب قام
بتحرير الجزائر في محل الشعب الجزائري، نحن لا نقول ذلك ولا ندعي ذلك، لكن
التاريخ يشهد بكل ما يعنى الثورة المسلحة، وأريد هنا أن أذكر بشيء بسيط
على وجه المثال، وهو أن أول باخرة حاملة للسلاح أتت إلى المغرب، وجاءت إلى
الناضور هنا، ومنعها الإسبان من الدخول إلى ميناء الناضور، وتعطلت الباخرة
في البحر ثم رست. فمن أتى بالسلاح الذي كان على ظهر الباخرة؟ إنهم رجال
المقاومة المغربية وجيش التحرير، فهم الذين حملوا السلاح من وسط البحر،
كيسا بعد كيس، صندوقا بعد صندوق، بل حملوا على ظهورهم ركاب السفينة، ومن
بين ركاب السفينة كان يوجد السيد بومدين. إننا لانمن بذلك عندما نذكر هذه
الحقائق، نؤكد أشياء تاريخية معروفة، وماذا صنع بذلك السلاح؟ تقاسمته
الثورة الجزائرية والثورة المغربية، وماذا كان حظ الجزائر؟ أعطينا للجزائر
الحظ الأوفر، ونقل السلاح على ظهر المناضلين المغاربة حتى الولاية الرابعة
داخل الجزائر.
وانتم أهل وجدة لايمكنكم إلا أن تتذكروا كيف أكرمتم إخواننا رجال الثورة
في الجزائر، وكيف كانت لهم الحرية المطلقة في التنقل والاستفادة وأخذ
السلاح من الحكومة المغربية، والمواد الأولية وكل الأعتدة، كلكم تتذكرون
ذلك، وربما نسيه البعض من الذين كانوا في الوقت قاطنين بالجزائر.
هناك نقطة خامسة: تتعلق بقول السيد بومدين «نحن الذين حركنا قضية
الصحراء». جاءت الأخبار أن الحكومة الجزائرية هي التي حركت قضية الصحراء،
وهذا شيء لايستحق ربما الجواب، لأن الذين حركوا قضية الصحراء هم المغاربة،
وحركوها منذ سنة 53 و54 وحتى 58. ومات من أجلها عدد من الضحايا، وكان جيش
التحرير، ومن بعد كانت في المحافل الدولية، أي مبرر لقول ذلك لشعب واع،
وأن يقول له بأننا نحن الذين حركناها، التحرك الوحيد الذي نعرفه الآن هو
تحرك جماعة الانفصاليين، هذا هو التحرك الوحيد الذي نلاحظه جميعا، ومع كل
الاسف.
6- النقطة السادسة: نتذكر أنه في أول تصريح، كان مبرر من المبررات، وهو
أنه كان هناك خلاف بين المغرب وموريطانيا، لذلك كان لا يراد التدخل بين
إخوه. لكن فيما بعد، في النقطة السادسة قيل: إذا أهل الصحراء قبلوا أن
يقتسم وطنهم بين موريطانيا والمغرب، فلهم ذلك، معنى ذلك: أنني لا أحبذ
الاتفاق بين المغرب وموريطانيا. فهذا تناقض واضح وصريح، ومعنى ذلك موضوعيا
أننا نفضل بقاء الاستعمار الإسباني في هذه المنطقة بدلا أن يكون اتفاق بين
المغرب وموريطانيا على منطقة الصحراء الغربية.
7- النقطة السابعة: تقول إننا نؤيد مبدأ تقرير المصير، وأن لأهل الصحراء
الحق في تقرير مصيرهم. وإذا كان هناك استفتاء، فالجزائر لاتتدخل. معنى ذلك
موضوعيا أننا نؤيد الخطة المقترحة من طرف الاستعمار الإسباني بوضوح. لكن
لنرجع لتقرير المصير، وهذه هي المغالطة الكبرى التي يجب أن يعلمها
المغاربة. تقرير المصير هو مبدأ وقع عليه التصويت في الأمم المتحدة سنة
1960، يعنى قبل أن تكون الجزائر مستقلة ودولة داخل الأمم المتحدة، ماذا
يقول مبدأ تقرير المصير. مبدأ تقرير المصير فيه ثلاث نقط، وليس فيه نقطة
واحدة، ليس كويل للمصلين.
النقطة الأولى تقول: ملتمس الأمم المتحدة لعام 60، تقرير المصير يحصل عندما يكون هناك شعب تحت الاستعمار، وأخذ استقلاله.
النقطة الثانية: تقرير المصير يحصل عندما يريد شعب عن طواعية، أن يلتحق بشعب آخر.
النقطة الثالثة: تقرير المصير يكون إذا كانت المنطقة المحتلة أصلا راجعة لمنطقة محررة.
إذن تقرير المصير ليس حتما دائما الاستقلال بالاستفتاء عندما تأتي أرض أو
شعب لا ماضي له، ماضيه هو الحدود التي وضعها الاستعمار، بطبيعة الحال
مصيره هو الاستقلال إذا كان الشعب طرف منه محرر وطرف غير محرر، يلتحق
بالمحرر، لذلك أيها الإخوان، أيها الشباب إياكم وأن تقبلوا قضية تقرير
المصير على أنها مبدأ، بل إننا نقول لخصومنا الذين يغالطون الرأي العام أن
قضية تقرير المصير لا تنحصر في الاستفتاء، هذا كذب محض وتزوير لمقررات
الأمم المتحدة نفسها.
ومن جانب آخر، أهل الصحراء، الحمد لله مادام قد قال: أهل الصحراء الغربية،
لأنه هناك صحراء غربية، وهناك صحراء شرقية، وهناك صحراء وسطى، كلهم من
سلالة واحدة ومتجانسون مع بعضهم البعض، ومن عائلات واحدة، وجغرافيتهم
جغرافية واحدة، واقتصادهم اقتصاد واحد، وثقافتهم ثقافة واحدة. لماذا ننظم
الاستفتاء في الساقية الحمراء ووادي الذهب ولا ننظمه في تندوف وتوات.
8- جاء في آخر هذا التصريح أن الجزائر مازالت مصممة على تشييد المغرب العربي، مغرب الفلاحين مغرب العمال، ومغرب الشعوب.
نحن متفقون كل الاتفاق على هذا التصريح، وكان دائما هدفنا تشييد مغرب عربي
على أسس ديموقراطية صحيحة. لكن أين نحن اليوم من حيث الواقع والعمل وتصرف
القادة الجزائريين من هذا التصريح؟ فهل بناء المغرب العربي وتوحيد شعبه
يقتضي أول الأمر العمل على تجزئته؟
هل بناء المغرب العربي يتطلب العمل على إنشاء وضع مزيف في الصحراء؟
قضية اليوم هي قضية الصحراء المغربية وكفاح الشعب المغربي من أجل وحدة
ترابه، وكيف تصبح هذه القضية قضية مصيرية للشعب المغربي..».
بهذه الكلمات انطلقت مداخلة الزعيم الراحل عبد الرحيم بوعبيد أمام حشد
غفير من مناضلي وساكنة وجدة في 23 يونيو 1975، أسابيع قبل انطلاق المسيرة
الخضراء في اتجاه الصحراء المغربية.
كما عرف عن الراحل وضوحه مع الجميع: «نريد تحرير هذه الصحراء لا ليصبح
الصحراويون في حالة من العبودية والاستغلال، ولكن نقول لهم نريد تحريرهم
حتى يصبح المغرب بأجمعه، بشعبه وبكل قطاعاته، أخذ مصيره بنفسه على أسس
الديمقراطية وحسب الاختيارات التي اختارها لنفسه بمراقبته على الحاكمين ..
».
ويضيف القائد «فالتحرير مرتبط كل ارتباط بإقامة نظام ديمقراطي صحيح في هذه البلاد.. ».
وأكد بوعبيد، بلغة الواثق والمطلع، «أننا في الظروف التي نعيشها اليوم على
أهبة أن يؤخذ الاتجاه الضروري لتحرير الصحراء فعليا، لأن وقت المماطلة
وظرف الانتظار وظرف المساومة وظرف الديبلوماسية السرية انتهى.»
وشدد الراحل على أن قضية الصحراء هي قضية 17 مليون مغربي - عدد سكان
المغرب انذاك - «فلا يمكن أن تكون هناك مهاودة ولا مساومة ولا يمكن أن
نقبل شانطاج ولا ضغط من أي جانب.» واستغل القائد الكبير مناسبة التجمع
للرد على بعض تصريحات بومدين: «إنني أتوجه للسيد بومدين كرئيس حزب وكمناضل
لا كرئيس دولة، لأن أمر الدولة لا يعنيني، فلست في الحكومة، فأنا مناضل
وأريد أن أجيب عن تصريحات مناضل آخر.. نريد أن نقول لرجال الثورة والشعب
الجزائري ليس لنا فيما يرجع للصحراء الغربية التي هي تحت السيطرة
الاستعمارية، ليس لنا أي نزاع مع الشعب الجزائري ولا مع الحكومة
الجزائرية، فالنزاع الوحيد هو بيننا وبين الاستعمار الأطماع الامبريالية..»
وتضمنت الردود ثماني نقط أساسية.
1 - فالنقطة الأولى التي جاءت في التصريح، تتكلم عن مستقبل المغرب العربي
ووجوب الوحدة والتضامن، ونحن نقول للسيد بومدين، ليس هناك أي خلاف بيننا
وبينكم في هذه النقطة، إلا أنه نريد أن نعطي لكلمات وحدة وتضامن وتعاون
وبناء مغربي عربي مدلولا دقيقا وصحيحا.
2- النقطة الثانية متعلقة بما جاء في الأنباء التي وردت علينا، إنه قال في
قضية الصحراء وقع مشكل «خارج عن إرادتنا»، ومعنى ذلك أنه لم يرده، كان هذا
النزاع أو هذا التعقيد جاء وحده تلقائيا، ونحن نقول: نعم لم يكن هنا في
أول الأمر أي نزاع، في سنة 1956 كان إخواننا الجزائريون - أعضاء الثورة
الجزائرية والجبهة كانوا مطلعين على كل قضايا المغرب.
3 - هنا النقطة الثالثة والمتعلقة بالاتفاق بين المغرب وموريتانيا، كيف أن
يفسر أن حركة موريهوب الأولى، وهي حركة انفصالية كانت في الجزائر، تسلح في
الجزائر، تعطاها وسائل الإعلام في الجزائر، ثم تراجعت هذه الحركة عن
موقفها وخرجت من الجزائر وذهبت الى بروكسيل، وصرحت أنها كانت تحت قيادة
وضعنا يدعو الى الانفصال، وذلك عندما تبين لها أن الصحراء الغربية ليس لها
أي مستقبل، دون مستقبل إدماجها مع الشعب المغربي وكل أجزاء الشعب المغربي،
قلنا انتهت هذه الحركة، ولم تعد تسايرهم، فخلقوا حركة أخرى تسمى
«البوليساريو» وتوجد بتندوف المدينة المغربية، ثكنات لتدريب هؤلاء
الانفصاليين، وهم جماعة قليلة، ولكن يحظون بكل المساعدات من طرف
الإسبانيين أنفسهم، يزودونهم بالامال والسلاح
وأخيرا جاءوا بأحد الموريطانيين المسمى أحمد ولد مسك، وكان هو ممثل الحكومة الموريطانية في مجلس الامن وحكم عليه من أجل الارتشاء...
اعتقدنا بأن الأمر انتهى وأنه لم يبق هناك أي مشكل، لا لأن الاتفاق بين
المغرب وموريتانيا أظهر البوليساريو على حقيقته، وأصبحت الجزائر تصرح
علنيا ورسميا بتقرير المصير.
كل ذلك يبين بوضوح أن الخلاف بين المغرب وموريتانيا كان مبررا من
المبررات، فلما زال هذا المبرر خلقوا مبررا آخر، لو كان هناك إنصاف، وهناك
تجاوب مع الرأي العام الجزائري وماضي الثورة الجزائرية، لكان على المناضل
الأول في جبهة التحرير الوطنية بالجزائر أن يتكلم مع الأطر بهذه اللغة،
وبهذه الصراحة، ولا يتكلم كلاما فيه شيء من اللبس ومن الغموض.
4 - وجاء في النقطة الرابعة أن الثورة الجزائرية كان لها دور حاسم في
تحرير المغرب العربي بأجمعه وتحرير إفريقيا، وتكلم عن مليون ونصف من
الضحايا في الجزائر، نحن ننحنى اليوم كما انحنينا في كل وقت أمام كل
الضحايا الذين لقوا حتفهم في ميدان الشرف ضد الاستعمار وضد التدخلات
الأجنبية، لذلك فالموضوع ليس موضوع فصل هذا أو ذاك، لكن هو شيء بسيط يرجع
إلى معطيات تاريخية مازالت حية ومازالت في الأذهان. الثورة
الجزائرية انطلقت أساسا وقبل كل شيء من المغرب، لاندعى أن المغرب قام
بتحرير الجزائر في محل الشعب الجزائري، نحن لا نقول ذلك ولا ندعي ذلك، لكن
التاريخ يشهد بكل ما يعنى الثورة المسلحة، وأريد هنا أن أذكر بشيء بسيط
على وجه المثال، وهو أن أول باخرة حاملة للسلاح أتت إلى المغرب، وجاءت إلى
الناضور هنا، ومنعها الإسبان من الدخول إلى ميناء الناضور، وتعطلت الباخرة
في البحر ثم رست. فمن أتى بالسلاح الذي كان على ظهر الباخرة؟ إنهم رجال
المقاومة المغربية وجيش التحرير، فهم الذين حملوا السلاح من وسط البحر،
كيسا بعد كيس، صندوقا بعد صندوق، بل حملوا على ظهورهم ركاب السفينة، ومن
بين ركاب السفينة كان يوجد السيد بومدين. إننا لانمن بذلك عندما نذكر هذه
الحقائق، نؤكد أشياء تاريخية معروفة، وماذا صنع بذلك السلاح؟ تقاسمته
الثورة الجزائرية والثورة المغربية، وماذا كان حظ الجزائر؟ أعطينا للجزائر
الحظ الأوفر، ونقل السلاح على ظهر المناضلين المغاربة حتى الولاية الرابعة
داخل الجزائر.
وانتم أهل وجدة لايمكنكم إلا أن تتذكروا كيف أكرمتم إخواننا رجال الثورة
في الجزائر، وكيف كانت لهم الحرية المطلقة في التنقل والاستفادة وأخذ
السلاح من الحكومة المغربية، والمواد الأولية وكل الأعتدة، كلكم تتذكرون
ذلك، وربما نسيه البعض من الذين كانوا في الوقت قاطنين بالجزائر.
هناك نقطة خامسة: تتعلق بقول السيد بومدين «نحن الذين حركنا قضية
الصحراء». جاءت الأخبار أن الحكومة الجزائرية هي التي حركت قضية الصحراء،
وهذا شيء لايستحق ربما الجواب، لأن الذين حركوا قضية الصحراء هم المغاربة،
وحركوها منذ سنة 53 و54 وحتى 58. ومات من أجلها عدد من الضحايا، وكان جيش
التحرير، ومن بعد كانت في المحافل الدولية، أي مبرر لقول ذلك لشعب واع،
وأن يقول له بأننا نحن الذين حركناها، التحرك الوحيد الذي نعرفه الآن هو
تحرك جماعة الانفصاليين، هذا هو التحرك الوحيد الذي نلاحظه جميعا، ومع كل
الاسف.
6- النقطة السادسة: نتذكر أنه في أول تصريح، كان مبرر من المبررات، وهو
أنه كان هناك خلاف بين المغرب وموريطانيا، لذلك كان لا يراد التدخل بين
إخوه. لكن فيما بعد، في النقطة السادسة قيل: إذا أهل الصحراء قبلوا أن
يقتسم وطنهم بين موريطانيا والمغرب، فلهم ذلك، معنى ذلك: أنني لا أحبذ
الاتفاق بين المغرب وموريطانيا. فهذا تناقض واضح وصريح، ومعنى ذلك موضوعيا
أننا نفضل بقاء الاستعمار الإسباني في هذه المنطقة بدلا أن يكون اتفاق بين
المغرب وموريطانيا على منطقة الصحراء الغربية.
7- النقطة السابعة: تقول إننا نؤيد مبدأ تقرير المصير، وأن لأهل الصحراء
الحق في تقرير مصيرهم. وإذا كان هناك استفتاء، فالجزائر لاتتدخل. معنى ذلك
موضوعيا أننا نؤيد الخطة المقترحة من طرف الاستعمار الإسباني بوضوح. لكن
لنرجع لتقرير المصير، وهذه هي المغالطة الكبرى التي يجب أن يعلمها
المغاربة. تقرير المصير هو مبدأ وقع عليه التصويت في الأمم المتحدة سنة
1960، يعنى قبل أن تكون الجزائر مستقلة ودولة داخل الأمم المتحدة، ماذا
يقول مبدأ تقرير المصير. مبدأ تقرير المصير فيه ثلاث نقط، وليس فيه نقطة
واحدة، ليس كويل للمصلين.
النقطة الأولى تقول: ملتمس الأمم المتحدة لعام 60، تقرير المصير يحصل عندما يكون هناك شعب تحت الاستعمار، وأخذ استقلاله.
النقطة الثانية: تقرير المصير يحصل عندما يريد شعب عن طواعية، أن يلتحق بشعب آخر.
النقطة الثالثة: تقرير المصير يكون إذا كانت المنطقة المحتلة أصلا راجعة لمنطقة محررة.
إذن تقرير المصير ليس حتما دائما الاستقلال بالاستفتاء عندما تأتي أرض أو
شعب لا ماضي له، ماضيه هو الحدود التي وضعها الاستعمار، بطبيعة الحال
مصيره هو الاستقلال إذا كان الشعب طرف منه محرر وطرف غير محرر، يلتحق
بالمحرر، لذلك أيها الإخوان، أيها الشباب إياكم وأن تقبلوا قضية تقرير
المصير على أنها مبدأ، بل إننا نقول لخصومنا الذين يغالطون الرأي العام أن
قضية تقرير المصير لا تنحصر في الاستفتاء، هذا كذب محض وتزوير لمقررات
الأمم المتحدة نفسها.
ومن جانب آخر، أهل الصحراء، الحمد لله مادام قد قال: أهل الصحراء الغربية،
لأنه هناك صحراء غربية، وهناك صحراء شرقية، وهناك صحراء وسطى، كلهم من
سلالة واحدة ومتجانسون مع بعضهم البعض، ومن عائلات واحدة، وجغرافيتهم
جغرافية واحدة، واقتصادهم اقتصاد واحد، وثقافتهم ثقافة واحدة. لماذا ننظم
الاستفتاء في الساقية الحمراء ووادي الذهب ولا ننظمه في تندوف وتوات.
8- جاء في آخر هذا التصريح أن الجزائر مازالت مصممة على تشييد المغرب العربي، مغرب الفلاحين مغرب العمال، ومغرب الشعوب.
نحن متفقون كل الاتفاق على هذا التصريح، وكان دائما هدفنا تشييد مغرب عربي
على أسس ديموقراطية صحيحة. لكن أين نحن اليوم من حيث الواقع والعمل وتصرف
القادة الجزائريين من هذا التصريح؟ فهل بناء المغرب العربي وتوحيد شعبه
يقتضي أول الأمر العمل على تجزئته؟
هل بناء المغرب العربي يتطلب العمل على إنشاء وضع مزيف في الصحراء؟
6/11/2009
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
مواضيع مماثلة
» في ذكرى الراحل عبدالرحيم بوعبيد
» الذكرى 13 لرحيل محمد الحيّاني
» الذكرى العاشرة لرحيل جلالة المغفور له الحسن الثاني
» في الذكرى الـ21 لرحيل «ضمير الثورة» ناجي العلي
» عباس الخياطي
» الذكرى 13 لرحيل محمد الحيّاني
» الذكرى العاشرة لرحيل جلالة المغفور له الحسن الثاني
» في الذكرى الـ21 لرحيل «ضمير الثورة» ناجي العلي
» عباس الخياطي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى