محمد عابد الجابري بقلمه
صفحة 1 من اصل 1
محمد عابد الجابري بقلمه
عندما أنظر إلى
الكيفية التي حصل بها التداخل بين السياسي والثقافي والتربوي في مسار
حياتي، يصيبني نوع من الاستغراب! ذلك لأنه رغم التعقيد الذي طبع معارج هذا
التداخل فإني لم أشعر في أي وقت بثقله على نفسي. كنت أتصرف وكأني في حقل
واحد: أمارس الكتابة السياسية كما أمارس الكتابة النظرية والبحث العلمي،
كما أقوم بالتدريس أو بالتفكير في قضايا تربوية، وكنت أشعر في كثير من
الحالات بأن هذه الحقول تتكامل ويعين بعضها بعضا على تمكيني من الفهم
والاستيعاب. ولكي أشرك القارئ معي في تأمل هذا التداخل أضع أمامه السجل
التالي:
1- أكتوبر 1953، بعد إغلاق السلك الثانوي بالمدرسة المحمدية بالدار
البيضاء، على إثر نفي محمد الخامس، التحقت بنفس المدرسة معلما في القسم
التحضيري ثم في أقسام الشهادة الابتدائية.
2 - 1956 حصلت على الشهادة الثانوية (البروفي). كما حصلت على شهادة الكفاءة
في التعليم الابتدائي، مما خول لي الالتحاق بسلك التعليم بوازرة التربية
الوطنية كمعلم رسمي ابتداء من فاتح أكتوبر 1957 وقد عينت في نفس المدرسة
معلما رسميا معارا للتعليم الحر.
3 - 1956 حصلت على الشهادة الأولى للترجمة (مترشح حر).
4 - يونيه 1957 حصلت على شهادة البكالوريا كمترشح حر، وكان اتصالي الأول
بالشهيد المهدي.
5 - قضيت صيف سنة 1957 في جريدة «العلم».
6 - أكتوبر 1957 يونيه 1958 أخذت تفرغا التعليم وقضيت السنة الجامعية
الأولى في دمشق. وحصلت على شهادة «الثقافة العامة».
7 - التحقت بجريدة «العلم» من جديد صيف 1958 .
8 - أكتوبر 1958 التحقت بكلية الآداب بالرباط قسم الفلسفة، حيث تابعت
دراستي الجامعية...
9 - أكتوبر 1958 التحقت بمعهد ليرميطاج بالدار البيضاء كقائم مقام مدير منذ
إنشائه في نفس التاريخ إلى يونيه 1959 .
10 - ساهمت في انتفاضة 25 يناير 1959 والتحقت بجريدة «التحرير» منذ تأسيسها
يوم 2 أبريل 1959 كسكرتير تحرير متطوع، في الوقت نفسه الذي واصلت مهمتي
كمشرف على معهد ليرميطاج.
11- يونيه 1959 توقفت عن العمل في هذا المعهد بسبب ظروف انتفاضة 25 يناير،
متخليا عن راتبي فيه، مواصلا العمل في «التحرير» براتب شهري متواضع.
12 - ربيع 1960 سافرت إلى باريس بغرض الالتحاق بالسوربون ثم عدلت عن الفكرة
وعدت إلى «التحرير» بإلحاح الشهيد المهدي كما رويت ذلك بتفصيل في الكتاب
السادس من سلسلة «مواقف» (ص33).
13 - يونيه1961 حصلت على الإجازة في الفلسفة. وحصلت على شهادة السنة
الرابعة (الإضافية) في يونيه 1962 .
14 - في صيف 1962 قررت العودة إلى التعليم ومتابعة دراستي العليا فطلبت من
الأخ محمد البصري مدير جريدة «التحرير» والأخ عبد الرحمان اليوسفي رئيس
تحريرها إعفائي من الارتباط بالجريدة كموظف مداوم يتقاضى أجرا، دون أن ينال
ذلك من التزامي بمواصلة نفس مهمتي فيها. وكان الأخ محمد الصديقي بنعلال قد
التحق بنا قبل ذلك وتمرس على العمل فحل محلي كسكرتير تحرير مداوم، وفي
الوقت نفسه واصلت مهمتي فيها متطوعا.
15 - انتخبت عضوا في المجلس الوطني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية في
المؤتمر الثاني مايو 1962 .
16 - في أكتوبر 1962 أنشأ المجلس البلدي في الدار البيضاء (وكان اتحاديا)
معهدين ثانويين أحدهما للبنين أسندت إدارته للمرحوم عبد القادر الصحراوي،
والآخر للبنات أسندت إدارته إلي.
17 - 1963 قررت قيادة الاتحاد ترشيحي في انتخابات البرلمان، وقد اعتذرت
رغبة في مواصلة مساري الثقافي بدون مشاغل إضافية
18 - 16 يوليو 1963 اعتقلت مع باقي المسؤولين والأطر الاتحادية في مؤامرة
تصفية الاتحاد ومكثت رهن الاعتقال في زنزانة بالدار البيضاء أزيد من شهرين،
ثم أطلق سراحي لفراغ الملف (انظر التفاصيل في الكتاب الثاني ص16)
19 - في السنة نفسها ((1963 قررت وزارة التعليم «تأميم» المعهدين البلديين
وإدماج العاملين فيهما في سلك موظفي وزارة التعليم، فعينت أستاذا للسلك
الثاني ثانوي ابتداء من أكتوبر 1962 .
20 - في مارس 1964 ساهمت في إصدار مجلة «أقلام». وقد تحمل مسؤولية المدير
فيها الأستاذ عبد الرحمان بنعمرو، وتولى رئاسة التحرير كل من الأخوين محمد
إبراهيم بوعلو وأحمد السطاتي. وكان الأخ بوعلو يتولى أيضا مهمة المدير
الإداري. وكان وجود «أقلام» واستمرارها بعناد كبير يدين له وحده تقريبا.
وقد تحملت دار النشر المغربية عجزها المادي، بتدخل من المرحوم السي عبد
الرحيم، منذ صدورها إلى أن توقفت سنة 1983 بسبب انفصال مديرها الأخ بنعمرو
مع آخرين عن الاتحاد الاشتراكي، ولم يكن التوقيف من جانبه، بل ظروف الحادث
المذكور اقتضت ذلك.
21 - في مارس 1964 صدرت أسبوعية «الأهداف»: المدير أحمد الخراص، رئيس
التحرير مصطفى القرشاوي، سكرتير التحرير أحمد حمايمو. وكانت تهتم بالجانب
الثقافي مع تغطية نشاط الفريق البرلماني الاتحادي وأخبار الاعتقالات
والمحاكمات الخ. ومنذ ذلك الوقت انخرط الأخ مصطفى القرشاوي في سلك المحررين
الأساسيين في جرائد الاتحاد وتحمل مسؤوليات فيها وفي الحزب، إلى أن عين
عضوا بالمكتب السياسي في المؤتمر الرابع. وعلى العكس مما يعتقد فإن الذي
حسم الموقف، في آخر لحظة، لصالح ترشيحه لعضوية المكتب السياسي هو الأخ عبد
الرحمان اليوسفي. شهادة للتاريخ فقط!
22 - في يونيو 1964 صدرت جريدة «المحرر» كأسبوعية بصفة مؤقتة (وكانت
«التحرير» قد توقفت بصفة نهائية في أكتوبر 1963) . وكان المرحوم الأستاذ
إبراهيم الباعمراني، أحد مناضلي الاتحاد الوطني البارزين، قد أخذ مبادرة
إصدار جريدة يومية باسمه هي «المحرر». وبعد الانفراج النسبي الذي حدث في
أعقاب حوادث 23 مارس 1965 بالدار البيضاء وإطلاق سراح المحكوم عليهم في
محاكمات اعتقالات 16 يوليوز 1963، أخذت «المحرر» تصدر مرتين في الأسبوع،
لتصدر يومية ابتداء من 10 سبتمبر 1965 بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة العربي
الثالث في المغرب. هذا وقد كان حضوري في «المحرر»، كمتطوع، منتظما كما كنت
في «التحرير»، مع احتفاظي بوظيفتي في التعليم. كنت أقوم فيها بوظيفة سكرتير
التحرير، كما كان الأخ عبد الرحمان اليوسفي يقوم بمهام رئيس التحرير،
واستمر الحال كذلك إلى أن تعرضت لحجز منهجي عندما بدأت في باريس محاكمة
المسؤولين عن اختطاف الشهيد المهدي. ونظرا لتدهور صحة المرحوم الباعمراني
أسندت إدارتها إلى الأخ الحبيب الفرقاني. وعندما رفع الحصار عن المطبعة
استأنفت «المحرر» صدورها يوم 14 فبراير 1967 ثم توقفت بسبب حملة الاعتقالات
التي عرفتها سنوات 1969 -1971 لتستأنف صدورها في أكتوبر 1972 في أعقاب
انقلاب أوفقير. ثم توقفت بعد حوادث مارس 1973 .
23 - في ديسمبر 1974، وفي إطار الاستعداد للمؤتمر الاستثنائي، استأنفت
المحرر الصدور وتولى الشهيد عمر بنجلون إدارتها ورئاسة تحريرها. وكما واظبت
على كتابة ركن يومي في «التحرير» بعنوان «صباح النور» من يوم صدورها في 2
أبريل 1959 إلى 16 يوليوز 1963 حين اعتقلنا، واظبت كذلك على كتابة ركن يومي
في «المحرر» بعنوان «بصراحة». وكان ابتداء هذا التعليق (بصراحة) يوم 17
يوليوز 1965 و«المحرر» يومئذ أسبوعية، ثم صار يوميا عندما تحولت إلى يومية،
وداومت على كتابته منذ ذلك الوقت ((1965 إلى أن قدمت استقالتي من
المسؤوليات الحزبية في أبريل 1981 . ولما اغتيل الشهيد عمر تولى إدارتها
الأخ اليازغي إلى أن أوقفتها السلطات الحاكمة سنة 1981 . ثم حلت محلها سنة
1983 جريدة «الاتحاد الاشتراكي» التي أسندت إدارتها إلى الأخ محمد البريني.
24 - في أكتوبر 1964 عينت أستاذا للسلك الثاني ثانوي في ليسي مولاي عبد
الله بالدار البيضاء.
25 - في يناير 1965 تم بناء وتجهيز ثانوية المقاطعة السادسة بالدار البيضاء
(قريبا من ليسي مولاي عبد الله حيث كنت أدرس) فانتدبت إليها بصفتي قائم
مقام مدير، ثم شاركت في الحركة الانتقالية فحصلت على منصب مدير لها بصفة
رسمية.
26 - على إثر حوادث مارس 1965 اعتقلت ضمن مجموعة من رجال التعليم ثم أطلق
سراحي لفراغ الملف.
27 - 1965 - 1966 ساهمت في الإعداد لتأسيس النقابة الوطنية للتعليم
واستعادة التضامن الجامعي المغربي. (انظر التفاصيل في الكتاب الخامس ص95
وما بعدها).
28 - في نوفمبر سنة 1966 قمنا، أحمد السطاتي ومصطفى العمري وأنا، بتأليف
كتاب «دروس الفلسفة» لطلاب البكالوريا في جزأين: الجزء الأول في الأخلاق
والميتافيزيقا، والثاني في مناهج العلوم وعلم الاجتماع وعلم النفس. ثم
أردفناه في يناير 1967 بكتاب« الفكر الإسلامي ودراسة المؤلفات» حسب برنامج
البكالوريا. وقد أقر الكتابان من طرف وزارة التعليم. وكان للكتابين صدى
وترحابا كبيرين لدى الأساتذة والطلاب، وما تزال ذكراه الحسنة تتردد إلى
اليوم على لسان الزملاء الأساتذة الذين درسوا فيه يوم كانوا طلابا.
29 - في يونيه 1967 حصلت على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة، فالتحقت في
أكتوبر بكلية الآداب بالرباط كأستاذ مساعد.
30 - في غشت 1967 كنت من بين الذين انخرطوا في تجربة «الوحدة» التي عمل لها
المرحوم عبد الرحيم بعد اعتقال المحجوب بن الصديق (أنظر التفاصيل في
الكتاب الخامس ص 95 وما بعدها).
31 - في 11 أكتوبر 1968 صدرت جريدة أسبوعية باسم «فلسطين» تولى إدارتها
المناضل الوديع محمد الأسفي. وكان الشهيد عمر يشرف عليها ويحرر افتتاحياتها
وكنت من بين المساعدين فيها.
32 - وفي سنة 1968 توليت، وأنا أستاذ بالجامعة، مهمة مفتش الفلسفة في
التعليم الثانوي المعرب بالمغرب كله.
33 - في سنة 1969 رقيت إلى درجة أستاذ محاضر بنفس الكلية على أساس دبلوم
الدراسات العليا الذي حصلت عليه في السنة السابقة.
34 - في سنة 1970 حصلت على شهادة دكتوراه الدولة في الفلسفة، وكانت لجنة
المناقشة مزدوجة، مغربية فرنسية. من فرنسا: البروفسور هنري لاووسوت
والبروفسور روجي أرلنديز. ومن المغرب: الدكتور نجيب بلدي والمرحوم الدكتور
أمجد الطرابلسي وعميد الكلية آنذاك الأستاذ إبراهيم بوطالب. وكانت أولى
دكتوراه دولة بالمغرب في مادة الفلسفة.
35 - في أكتوبر 1971 عينت أستاذا للتعليم العالي، بناء على حصولي على
دكتوراه الدولة.
36 - في سنة 1971 ظهر لي أول كتاب وهو أطروحتي لدكتوراه الدولة وقد طبعت
بعنوان «العصبية والدولة : معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي».
37- في سنة 1972 كنت ممن ساهموا في الإعداد لانتفاضة 30 يوليوز 1972 مع
الشهيد عمر وآخرين. (انظر التفاصيل في الكتاب الثامن ص7 وما بعدها)
38- في سنة 1973 ظهر لي كتاب بعنوان «أضواء على مشكل التعليم». وهو في
الأصل جملة مقالات كتبتها في مجلة «أقلام» المغربية بين يونيه 1972 ومارس
1973 .
39- في خريف 1974 ساهمت في الإعداد للمؤتمر الاستثنائي للاتحاد وفي كتابة
التقرير الإيديولوجي الذي توليت صياغته النهائية، وقد انتخبت في المؤتمر
المذكور عضوا في المكتب السياسي (التفاصيل في الكتاب الثامن ص 43 وما
بعدها).
40- في سنة 1976 ظهر لي كتاب: «مدخل إلى فلسفة العلوم: وهو جزآن. الأول
بعنوان: »تطور الفكر الرياضي والعقلانية المعاصرة»، والثاني بعنوان
«المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي».
41- في 1977 ظهر لي كتاب بعنوان «من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية
والتربوية».
42- في السنة نفسها ((1977 اعتذرت عن الترشح لانتخابات مجلس النواب وأكدت
في اجتماع للمكتب السياسي على قراري منذ أوائل الستينات بعدم الانخراط في
سلك النواب أو الوزراء الخ.
43 - في 8 أكتوبر 1978 قدمت استقالتي أول مرة من المكتب السياسي فلم تقبل
(التفاصيل في الكتاب التاسع ص 110).
44 - 1978 توليت الإشراف على سير أعمال المؤتمر الوطني الثالث للاتحاد
الاشتراكي الذي انعقد أيام 8/9/10/ ديسمبر في ظروف حزبية داخلية صعبة.
45- في سنة 1980 صدر لي كتاب «نحن والتراث». ثم توالت كتبي بعد ذلك (انظر
المؤلفات).
46- في 6 أكتوبر سنة 1980 قدمت استقالتي للمرة الثانية من المكتب السياسي
فلم تقبل (التفاصيل في الكتاب التاسع ص 115).
47- في 5 أبريل 1981 قدمت استقالتي من المكتب السياسي للمرة الأخيرة وصمدت
أمام ضغوط الإخوان أعضاء المكتب السياسي وغيرهم، حتى صارت أمرا واقعا
(الكتاب التاسع ص 124)
48- منذ ذلك الوقت (أبريل 1981) انصرفت، انصرافا شبه كلي، إلى العمل
الثقافي محتفظا في نفس الوقت بعلاقتي كما كانت من قبل مع الكاتب الأول
للاتحاد (المرحوم عبد الرحيم بوعبيد ثم الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي أمد
الله في عمره) مع المساهمة بالكتابة في جريدة الحزب. ولا بد من التذكير
بكون علاقتي بصحافة الحزب بقيت هي هي منذ صدور «التحرير» في 2 أبريل 1959
إلى يوم استقالتي من المكتب السياسي في أبريل 1981، ومنذ ذلك التاريخ اقتصر
حضوري فيها ككاتب مقالات من حين لآخر.
49- وفي سبتمبر 1997 أصدرت مع الأخوين محمد إبراهيم بوعلو وعبد السلام بن
عبد العالي مجلة «فكر ونقد» التي توليت فيها مهمة رئيس التحرير.
50- أحِلْت على التقاعد ابتداء من أكتوبر 2002، بعد أن أمضيت في سلك
التعليم خمسة وأربعين سنة خدمة، بصفتي رجل تعليم رسمي (أي من فاتح أكتوبر
1957 إلى 30 سبتمبر 2002).
الاتحاد الاشتراكي
الفقيد محمد عابد الجابري
الكيفية التي حصل بها التداخل بين السياسي والثقافي والتربوي في مسار
حياتي، يصيبني نوع من الاستغراب! ذلك لأنه رغم التعقيد الذي طبع معارج هذا
التداخل فإني لم أشعر في أي وقت بثقله على نفسي. كنت أتصرف وكأني في حقل
واحد: أمارس الكتابة السياسية كما أمارس الكتابة النظرية والبحث العلمي،
كما أقوم بالتدريس أو بالتفكير في قضايا تربوية، وكنت أشعر في كثير من
الحالات بأن هذه الحقول تتكامل ويعين بعضها بعضا على تمكيني من الفهم
والاستيعاب. ولكي أشرك القارئ معي في تأمل هذا التداخل أضع أمامه السجل
التالي:
1- أكتوبر 1953، بعد إغلاق السلك الثانوي بالمدرسة المحمدية بالدار
البيضاء، على إثر نفي محمد الخامس، التحقت بنفس المدرسة معلما في القسم
التحضيري ثم في أقسام الشهادة الابتدائية.
2 - 1956 حصلت على الشهادة الثانوية (البروفي). كما حصلت على شهادة الكفاءة
في التعليم الابتدائي، مما خول لي الالتحاق بسلك التعليم بوازرة التربية
الوطنية كمعلم رسمي ابتداء من فاتح أكتوبر 1957 وقد عينت في نفس المدرسة
معلما رسميا معارا للتعليم الحر.
3 - 1956 حصلت على الشهادة الأولى للترجمة (مترشح حر).
4 - يونيه 1957 حصلت على شهادة البكالوريا كمترشح حر، وكان اتصالي الأول
بالشهيد المهدي.
5 - قضيت صيف سنة 1957 في جريدة «العلم».
6 - أكتوبر 1957 يونيه 1958 أخذت تفرغا التعليم وقضيت السنة الجامعية
الأولى في دمشق. وحصلت على شهادة «الثقافة العامة».
7 - التحقت بجريدة «العلم» من جديد صيف 1958 .
8 - أكتوبر 1958 التحقت بكلية الآداب بالرباط قسم الفلسفة، حيث تابعت
دراستي الجامعية...
9 - أكتوبر 1958 التحقت بمعهد ليرميطاج بالدار البيضاء كقائم مقام مدير منذ
إنشائه في نفس التاريخ إلى يونيه 1959 .
10 - ساهمت في انتفاضة 25 يناير 1959 والتحقت بجريدة «التحرير» منذ تأسيسها
يوم 2 أبريل 1959 كسكرتير تحرير متطوع، في الوقت نفسه الذي واصلت مهمتي
كمشرف على معهد ليرميطاج.
11- يونيه 1959 توقفت عن العمل في هذا المعهد بسبب ظروف انتفاضة 25 يناير،
متخليا عن راتبي فيه، مواصلا العمل في «التحرير» براتب شهري متواضع.
12 - ربيع 1960 سافرت إلى باريس بغرض الالتحاق بالسوربون ثم عدلت عن الفكرة
وعدت إلى «التحرير» بإلحاح الشهيد المهدي كما رويت ذلك بتفصيل في الكتاب
السادس من سلسلة «مواقف» (ص33).
13 - يونيه1961 حصلت على الإجازة في الفلسفة. وحصلت على شهادة السنة
الرابعة (الإضافية) في يونيه 1962 .
14 - في صيف 1962 قررت العودة إلى التعليم ومتابعة دراستي العليا فطلبت من
الأخ محمد البصري مدير جريدة «التحرير» والأخ عبد الرحمان اليوسفي رئيس
تحريرها إعفائي من الارتباط بالجريدة كموظف مداوم يتقاضى أجرا، دون أن ينال
ذلك من التزامي بمواصلة نفس مهمتي فيها. وكان الأخ محمد الصديقي بنعلال قد
التحق بنا قبل ذلك وتمرس على العمل فحل محلي كسكرتير تحرير مداوم، وفي
الوقت نفسه واصلت مهمتي فيها متطوعا.
15 - انتخبت عضوا في المجلس الوطني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية في
المؤتمر الثاني مايو 1962 .
16 - في أكتوبر 1962 أنشأ المجلس البلدي في الدار البيضاء (وكان اتحاديا)
معهدين ثانويين أحدهما للبنين أسندت إدارته للمرحوم عبد القادر الصحراوي،
والآخر للبنات أسندت إدارته إلي.
17 - 1963 قررت قيادة الاتحاد ترشيحي في انتخابات البرلمان، وقد اعتذرت
رغبة في مواصلة مساري الثقافي بدون مشاغل إضافية
18 - 16 يوليو 1963 اعتقلت مع باقي المسؤولين والأطر الاتحادية في مؤامرة
تصفية الاتحاد ومكثت رهن الاعتقال في زنزانة بالدار البيضاء أزيد من شهرين،
ثم أطلق سراحي لفراغ الملف (انظر التفاصيل في الكتاب الثاني ص16)
19 - في السنة نفسها ((1963 قررت وزارة التعليم «تأميم» المعهدين البلديين
وإدماج العاملين فيهما في سلك موظفي وزارة التعليم، فعينت أستاذا للسلك
الثاني ثانوي ابتداء من أكتوبر 1962 .
20 - في مارس 1964 ساهمت في إصدار مجلة «أقلام». وقد تحمل مسؤولية المدير
فيها الأستاذ عبد الرحمان بنعمرو، وتولى رئاسة التحرير كل من الأخوين محمد
إبراهيم بوعلو وأحمد السطاتي. وكان الأخ بوعلو يتولى أيضا مهمة المدير
الإداري. وكان وجود «أقلام» واستمرارها بعناد كبير يدين له وحده تقريبا.
وقد تحملت دار النشر المغربية عجزها المادي، بتدخل من المرحوم السي عبد
الرحيم، منذ صدورها إلى أن توقفت سنة 1983 بسبب انفصال مديرها الأخ بنعمرو
مع آخرين عن الاتحاد الاشتراكي، ولم يكن التوقيف من جانبه، بل ظروف الحادث
المذكور اقتضت ذلك.
21 - في مارس 1964 صدرت أسبوعية «الأهداف»: المدير أحمد الخراص، رئيس
التحرير مصطفى القرشاوي، سكرتير التحرير أحمد حمايمو. وكانت تهتم بالجانب
الثقافي مع تغطية نشاط الفريق البرلماني الاتحادي وأخبار الاعتقالات
والمحاكمات الخ. ومنذ ذلك الوقت انخرط الأخ مصطفى القرشاوي في سلك المحررين
الأساسيين في جرائد الاتحاد وتحمل مسؤوليات فيها وفي الحزب، إلى أن عين
عضوا بالمكتب السياسي في المؤتمر الرابع. وعلى العكس مما يعتقد فإن الذي
حسم الموقف، في آخر لحظة، لصالح ترشيحه لعضوية المكتب السياسي هو الأخ عبد
الرحمان اليوسفي. شهادة للتاريخ فقط!
22 - في يونيو 1964 صدرت جريدة «المحرر» كأسبوعية بصفة مؤقتة (وكانت
«التحرير» قد توقفت بصفة نهائية في أكتوبر 1963) . وكان المرحوم الأستاذ
إبراهيم الباعمراني، أحد مناضلي الاتحاد الوطني البارزين، قد أخذ مبادرة
إصدار جريدة يومية باسمه هي «المحرر». وبعد الانفراج النسبي الذي حدث في
أعقاب حوادث 23 مارس 1965 بالدار البيضاء وإطلاق سراح المحكوم عليهم في
محاكمات اعتقالات 16 يوليوز 1963، أخذت «المحرر» تصدر مرتين في الأسبوع،
لتصدر يومية ابتداء من 10 سبتمبر 1965 بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة العربي
الثالث في المغرب. هذا وقد كان حضوري في «المحرر»، كمتطوع، منتظما كما كنت
في «التحرير»، مع احتفاظي بوظيفتي في التعليم. كنت أقوم فيها بوظيفة سكرتير
التحرير، كما كان الأخ عبد الرحمان اليوسفي يقوم بمهام رئيس التحرير،
واستمر الحال كذلك إلى أن تعرضت لحجز منهجي عندما بدأت في باريس محاكمة
المسؤولين عن اختطاف الشهيد المهدي. ونظرا لتدهور صحة المرحوم الباعمراني
أسندت إدارتها إلى الأخ الحبيب الفرقاني. وعندما رفع الحصار عن المطبعة
استأنفت «المحرر» صدورها يوم 14 فبراير 1967 ثم توقفت بسبب حملة الاعتقالات
التي عرفتها سنوات 1969 -1971 لتستأنف صدورها في أكتوبر 1972 في أعقاب
انقلاب أوفقير. ثم توقفت بعد حوادث مارس 1973 .
23 - في ديسمبر 1974، وفي إطار الاستعداد للمؤتمر الاستثنائي، استأنفت
المحرر الصدور وتولى الشهيد عمر بنجلون إدارتها ورئاسة تحريرها. وكما واظبت
على كتابة ركن يومي في «التحرير» بعنوان «صباح النور» من يوم صدورها في 2
أبريل 1959 إلى 16 يوليوز 1963 حين اعتقلنا، واظبت كذلك على كتابة ركن يومي
في «المحرر» بعنوان «بصراحة». وكان ابتداء هذا التعليق (بصراحة) يوم 17
يوليوز 1965 و«المحرر» يومئذ أسبوعية، ثم صار يوميا عندما تحولت إلى يومية،
وداومت على كتابته منذ ذلك الوقت ((1965 إلى أن قدمت استقالتي من
المسؤوليات الحزبية في أبريل 1981 . ولما اغتيل الشهيد عمر تولى إدارتها
الأخ اليازغي إلى أن أوقفتها السلطات الحاكمة سنة 1981 . ثم حلت محلها سنة
1983 جريدة «الاتحاد الاشتراكي» التي أسندت إدارتها إلى الأخ محمد البريني.
24 - في أكتوبر 1964 عينت أستاذا للسلك الثاني ثانوي في ليسي مولاي عبد
الله بالدار البيضاء.
25 - في يناير 1965 تم بناء وتجهيز ثانوية المقاطعة السادسة بالدار البيضاء
(قريبا من ليسي مولاي عبد الله حيث كنت أدرس) فانتدبت إليها بصفتي قائم
مقام مدير، ثم شاركت في الحركة الانتقالية فحصلت على منصب مدير لها بصفة
رسمية.
26 - على إثر حوادث مارس 1965 اعتقلت ضمن مجموعة من رجال التعليم ثم أطلق
سراحي لفراغ الملف.
27 - 1965 - 1966 ساهمت في الإعداد لتأسيس النقابة الوطنية للتعليم
واستعادة التضامن الجامعي المغربي. (انظر التفاصيل في الكتاب الخامس ص95
وما بعدها).
28 - في نوفمبر سنة 1966 قمنا، أحمد السطاتي ومصطفى العمري وأنا، بتأليف
كتاب «دروس الفلسفة» لطلاب البكالوريا في جزأين: الجزء الأول في الأخلاق
والميتافيزيقا، والثاني في مناهج العلوم وعلم الاجتماع وعلم النفس. ثم
أردفناه في يناير 1967 بكتاب« الفكر الإسلامي ودراسة المؤلفات» حسب برنامج
البكالوريا. وقد أقر الكتابان من طرف وزارة التعليم. وكان للكتابين صدى
وترحابا كبيرين لدى الأساتذة والطلاب، وما تزال ذكراه الحسنة تتردد إلى
اليوم على لسان الزملاء الأساتذة الذين درسوا فيه يوم كانوا طلابا.
29 - في يونيه 1967 حصلت على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة، فالتحقت في
أكتوبر بكلية الآداب بالرباط كأستاذ مساعد.
30 - في غشت 1967 كنت من بين الذين انخرطوا في تجربة «الوحدة» التي عمل لها
المرحوم عبد الرحيم بعد اعتقال المحجوب بن الصديق (أنظر التفاصيل في
الكتاب الخامس ص 95 وما بعدها).
31 - في 11 أكتوبر 1968 صدرت جريدة أسبوعية باسم «فلسطين» تولى إدارتها
المناضل الوديع محمد الأسفي. وكان الشهيد عمر يشرف عليها ويحرر افتتاحياتها
وكنت من بين المساعدين فيها.
32 - وفي سنة 1968 توليت، وأنا أستاذ بالجامعة، مهمة مفتش الفلسفة في
التعليم الثانوي المعرب بالمغرب كله.
33 - في سنة 1969 رقيت إلى درجة أستاذ محاضر بنفس الكلية على أساس دبلوم
الدراسات العليا الذي حصلت عليه في السنة السابقة.
34 - في سنة 1970 حصلت على شهادة دكتوراه الدولة في الفلسفة، وكانت لجنة
المناقشة مزدوجة، مغربية فرنسية. من فرنسا: البروفسور هنري لاووسوت
والبروفسور روجي أرلنديز. ومن المغرب: الدكتور نجيب بلدي والمرحوم الدكتور
أمجد الطرابلسي وعميد الكلية آنذاك الأستاذ إبراهيم بوطالب. وكانت أولى
دكتوراه دولة بالمغرب في مادة الفلسفة.
35 - في أكتوبر 1971 عينت أستاذا للتعليم العالي، بناء على حصولي على
دكتوراه الدولة.
36 - في سنة 1971 ظهر لي أول كتاب وهو أطروحتي لدكتوراه الدولة وقد طبعت
بعنوان «العصبية والدولة : معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي».
37- في سنة 1972 كنت ممن ساهموا في الإعداد لانتفاضة 30 يوليوز 1972 مع
الشهيد عمر وآخرين. (انظر التفاصيل في الكتاب الثامن ص7 وما بعدها)
38- في سنة 1973 ظهر لي كتاب بعنوان «أضواء على مشكل التعليم». وهو في
الأصل جملة مقالات كتبتها في مجلة «أقلام» المغربية بين يونيه 1972 ومارس
1973 .
39- في خريف 1974 ساهمت في الإعداد للمؤتمر الاستثنائي للاتحاد وفي كتابة
التقرير الإيديولوجي الذي توليت صياغته النهائية، وقد انتخبت في المؤتمر
المذكور عضوا في المكتب السياسي (التفاصيل في الكتاب الثامن ص 43 وما
بعدها).
40- في سنة 1976 ظهر لي كتاب: «مدخل إلى فلسفة العلوم: وهو جزآن. الأول
بعنوان: »تطور الفكر الرياضي والعقلانية المعاصرة»، والثاني بعنوان
«المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي».
41- في 1977 ظهر لي كتاب بعنوان «من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية
والتربوية».
42- في السنة نفسها ((1977 اعتذرت عن الترشح لانتخابات مجلس النواب وأكدت
في اجتماع للمكتب السياسي على قراري منذ أوائل الستينات بعدم الانخراط في
سلك النواب أو الوزراء الخ.
43 - في 8 أكتوبر 1978 قدمت استقالتي أول مرة من المكتب السياسي فلم تقبل
(التفاصيل في الكتاب التاسع ص 110).
44 - 1978 توليت الإشراف على سير أعمال المؤتمر الوطني الثالث للاتحاد
الاشتراكي الذي انعقد أيام 8/9/10/ ديسمبر في ظروف حزبية داخلية صعبة.
45- في سنة 1980 صدر لي كتاب «نحن والتراث». ثم توالت كتبي بعد ذلك (انظر
المؤلفات).
46- في 6 أكتوبر سنة 1980 قدمت استقالتي للمرة الثانية من المكتب السياسي
فلم تقبل (التفاصيل في الكتاب التاسع ص 115).
47- في 5 أبريل 1981 قدمت استقالتي من المكتب السياسي للمرة الأخيرة وصمدت
أمام ضغوط الإخوان أعضاء المكتب السياسي وغيرهم، حتى صارت أمرا واقعا
(الكتاب التاسع ص 124)
48- منذ ذلك الوقت (أبريل 1981) انصرفت، انصرافا شبه كلي، إلى العمل
الثقافي محتفظا في نفس الوقت بعلاقتي كما كانت من قبل مع الكاتب الأول
للاتحاد (المرحوم عبد الرحيم بوعبيد ثم الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي أمد
الله في عمره) مع المساهمة بالكتابة في جريدة الحزب. ولا بد من التذكير
بكون علاقتي بصحافة الحزب بقيت هي هي منذ صدور «التحرير» في 2 أبريل 1959
إلى يوم استقالتي من المكتب السياسي في أبريل 1981، ومنذ ذلك التاريخ اقتصر
حضوري فيها ككاتب مقالات من حين لآخر.
49- وفي سبتمبر 1997 أصدرت مع الأخوين محمد إبراهيم بوعلو وعبد السلام بن
عبد العالي مجلة «فكر ونقد» التي توليت فيها مهمة رئيس التحرير.
50- أحِلْت على التقاعد ابتداء من أكتوبر 2002، بعد أن أمضيت في سلك
التعليم خمسة وأربعين سنة خدمة، بصفتي رجل تعليم رسمي (أي من فاتح أكتوبر
1957 إلى 30 سبتمبر 2002).
الاتحاد الاشتراكي
الفقيد محمد عابد الجابري
ادريس- عدد الرسائل : 539
العمر : 59
Localisation : سلا الجديدة
Emploi : نشيط مشتغل
تاريخ التسجيل : 17/03/2008
شهادات عن الراحل وإرثه الفكري والسياسي والإنساني
محمد برادة: من أجل بناء مغرب ديمقراطي متحرر
لقد فقدنا بغياب محمد عابد الجابري مناضلا واعيا، ومفكرا مجتهدا، ومربيا
منفتحا على العصر. ويشهد مسار حياة الجابري على قوة عزيمته وتعلقه بالعلم
والثقافة، وإخلاصه للنضال من أجل بناء مغرب ديمقراطي متحرر. ولاشك أن
أبحاثه تشكل منطلقات مهمة تنير البحث والتفكير والتأويل، وتقدم للطلبة
والأساتذة منطلقات قابلة للتطوير والتعميق.
رحم الله محمد عابد الجابري وأسكنه فسيح جناته.
محمد الأشعري: الدفاع
عن قيم الحرية والتقدم
في مسار الأستاذ عابد الجابري منذ طفولته الفيگيگية إلى انطفائه بمدينة
الدارالبيضاء، علامات دالة تختصر مسارنا السياسي والثقافي.
فقد كان المرحوم من المُربين الأوائل في المدرسة المغربية ومن مُؤسسي الدرس
الفلسفي بجامعة محمد الخامس، ومن المؤسسين الأساسيين للحركة الثقافية
الحديثة من خلال اتحاد كتاب المغرب ومجلة «أقلام» ومن خلال الجرائد التي
أصدرها الاتحاد الوطني والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مثلما كان من
المناضلين الأولين الذين ربطوا بين قضايا المغرب العربي وقضايا المشرق، ومن
المناضلين الأوائل كذلك الذين سعوا إلى إعطاء النضال الوطني في المغرب
استراتيجية واضحة للدفاع عن حقوق الانسان وعن القضايا العادلة للطبقة
العاملة وعن الديمقراطية وعن دولة الحق والقانون.
في كل هذه العلامات نعثر دائما عن رجل منصت لنبض مجتمعه، منخرط في نضالات
شعبه ومساهم جريء في تطوير التيار الاشتراكي التقدمي في بلدنا. ولقد أهله
كل هذا ليعلب أدوارا طلائعية في إعلام الحزب وفي مؤتمراته الأساسية خصوصا
المؤتمر الاستثنائي والمؤتمر الثالث. كما أهله ليكون ضميرا حيا في قيادة
الحزب متشبثا بضرورة توجيه كل الجهود للدفاع عن القيم والمبادئ الأساسية
ولتحقيق التحول الديمقراطي، بعيدا عن نزاعات التطاحن والانشقاق. وعندما وجد
نفسه في وضع لا يسمح له بالاستمرار على هذا النهج، ابتعد عن العمل السياسي
المباشر وانخرط في مجهود كبير للبحث، كان هاجسه الأساسي فهم الحاضر على
ضوء البنيات الثقافية العميقة التي تُهيكل العقل العربي واجتهاداته. ولعل
المغاربة جميعا سواء اتفقوا دائما أو اختلفوا في بعض الأحيان مع الأستاذ
عابد الجابري، سيتذكرون من خلاله حضور المثقف في المجتمع وقيامه بدور
طلائعي في الدفاع عن قيم الحرية والتقدم.
كمال عبد اللطيف:
شخصية في العقل والوجدان
لازال الخبر مفجعا، ومازالت أشعر بكثير من المسافة بيني وبين الخبر.
ولأن الرجل كان دائما يملك قدرة عجيبة على تجاوز الفواجع ، كيفما كانت
فإنني أستطيع القول ، دون مجازفة إن عطاءات الأستاذ محمد عابد الجابري،
بصمة ثلاثة عقود في الوعي والثقافة المغربية.
فالجابري ، بدون منازع ، هو مؤسس الدرس الفلسفي في المغرب.
ومن المعروف، أن هذا التأسيس لم يكن أمرا سهلا ، بل دفع الجابري إلى خوض
معارك قوية مع المناهضين للثقافة العقلانية والفكر التاريخي في ثقافتنا.
وهو أيضا ، مؤسس الدرس الفلسفي في الجامعة، منذ ستينيات القرن الماضي، وهذا
التأسيس أيضا ، لم يكن متيسرا وخاض من أجله الجابري معارك متعددة مع الذين
كانوا يرفضون التعامل مع مكاسب عصرنا الثقافية والمعرفية.
وهناك أيضا، إن الجابري صاحب أطروحة في موضوع من الموضوعات التي تشغل مجال
الفكر المغربي والعربي، أطروحة في موضوع نقد التراث، نقد العقل العربي، وهي
أطروحة بصمة الفكر المغربي والعربي، بسمات خاصة
وذلك أن هيمنة الموروث التقليدي كبل العقول والذهنيات ، وقد ساهم بنقده
العقل العربي في خلخلة الموروث في جعل العقل العربي يلج أبواب الحداثة
والتحديث.
استوت أطروحة نقد العقل في مجلدات كبيرة، واشتغل من أجل بناءها عمره كاملا،
ثلاثة عقود في قراءة التراث، قراءة جديدة، لكي لايظل امتيازا في يد
التراثيين التقليديين.
ولاشك أن هذه الأطروحة ، منحة الجابري، ومنحة حضوره الفكري المغربي والعربي
مكانة خاصة.
أمر آخر لاينبغي إغفاله ، عندما نتحدث عن الرجل، يتعلق بحضوره السياسي ،
فقد كان الجابري، ملتزما ، سياسيا وثقافيا، حيث انخرط في تأسيس الاتحاد
الوطني للقوات الشعبية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في منتصف
السبعينيات ، وساهم مع الرعيل الأول من الوطنيين التقدميين في الجمع بين
الفعل السياسي والفعل الاخلاقي، وظل وفيا لمشروع التحرر والتحرير.
تحرير الانسان المغربي ، والمجتمع المغربي، من كل ما يمنعه من إعادة بناء
ذاته في ضوء أسئلة الحاضر وطموحاته ، ولن يتجاوز طيلة حضوره السياسي
الملتزم، القيم التي كان يدعو إليها بكثير من الاستماتة والاخلاص.
لانغفل أيضا ، دوره التأسيسي في مجلة «الثقافة المغربية»، فقد كان مع
مجموعة الأقلام منها المرحوم أحمد السطاتي ، والأخ الكبير محمد ابراهيم
بوعلو ، وذلك في منتصف الستينيات، حيث كانت هذه المجلة تعكس روح التحولات
التي عرفتها الثقافة المغربية ، وشكلت فضاءا لانعاش ثقافة العقل والالتزام
والحرية.
يمتد حضور الجابري في الثقافة المغربية ، في المدرسة ، في الجامعة، في
النقابة ، في الحزب ، وفي الاعلام ليشكل شخصية متعددة الأبعاد.
كان رجلا واضحا ، كانت طموحاته وخياراته معلنة، لايجامل ، ولايتردد ، يجتهد
، يكتب بدون ملل ، يدرس بدون ملل ، يشرف على الأطروحات ، ويشارك في
اللقاءات العلمية، إلى غير ذلك من صور التعدد التي تمثلها شخصيته في العقل
والوجدان.
فهل بعد هذا ، نقبل ، أن ينقل إلينا ذات صباح خبر وفاته..
أنا لاأظن ذلك..
عبد السلام بنعبد العالي: صاحب «نقد العقل العربي»
أمر واحد ربما كان المرحوم محمد عابد الجابري يأسف عليه وهو يرحل عنا، هو
أنه لم يستطع أن يكمل مشروعه. مشروعه هذا لم يكن من السهل، ولا من الممكن،
إكماله. لأنه لم يكن مشروع فرد بعينه، بل كان مشروع جيلين، مشروع«نا»...
ذلك أن السي محمد لم يكن ليميز خلال حياته الفكرية، بين ما يخصه وما
يخص«نا». هذا هو الانطباع الذي كان يتركه لديّ كلما سنحت لي فرص اللقاء به.
كان يشعرني دوما أنه يحمل على كتفيه أثقالا أكبر من أن يتحملها فرد بعينه.
لعل ذلك ما كان يدفعه نحو العمل، لا أقول المتواصل، وإنما اللامحدود. لا
يمكنك أن تصادف السي محمد إلا منشغلا مشتغلا، وسرعان ما تجد نفسك متورطا في
العمل معه وإلى جانبه.
عرفت السي محمد أستاذا منذ أواسط الستينات. الميزة الكبرى التي كانت تميّزه
هو أنه لم يكن ليشعرك، على الإطلاق، أن لديه علما يريد أن ينقله إليك،
وإنما أنه على استعداد دائم لأن يتعلم معك. كان يشعرنا أن الأرض ما زالت
خلاء، وأن علينا أن نؤسس الأمور من جذورها. بهذا المعنى يمكن أن نقول إن
الفلسفة وتدريسها وتعريبها في المغرب أمور قامت على أكتافه. كان يعلم أن
الأمور لن تكون، أول الأمر، على ما يرام. لكنه كان يدرك أتم الإدراك أن
التأسيس لا يمكن إلا أن يتصف بالنقص وعدم الاكتمال، وأن طريق التأسيس شاق
وعسير. لذا كنت تجده ينقض على الفرص كلما سنحت ليستثمرها من أجل ذلك
التأسيس. في هذا الإطارعمل كل جهده لأن ينتزع تدريس الفلسفة من الأساتذة
والمفتشين الفرنسيين، فقام بتهيئ أولى الكتب المدرسية لتدريسها.
هذا الأسلوب نفسه هو ما اتبعه في تدريسه الجامعي وإشرافه على الرسائل
والأبحاث. لم ينفك الأستاذ الجابري يشعرنا، خلال حياتنا الطلابية، أننا
بصدد تأسيس جامعة مغربية، وأن الطريق ليست يسيرة، وأن علينا أن نحمل
الجامعة، وشعبة الفلسفة بصفة خاصة، على أكتافنا. لذا وجدته متطوعا لتدريس
مواد متنوعة ربما لا رابطة تربط بينها، اللهم الروح النضالية لذلك الأستاذ
الذي يعرف أن عليه أن يتعلم وهو يعلم، وأن مفاهيم التخصص والتبحر آتية فيما
بعد. وأن الوقت هو وقت زرع البذور. إلا أن زرع البذور لا يمكن البتة أن
يتم من غير وعي تاريخي. لذا وجب علينا أن ننفتح على التراث، على تراثين:
التراث العربي الإسلامي وكذا على التراث الإنساني، إلا أن كل تملك لما يسمى
تراثا إنسانيا لا بد أن يتم عبر خصوصية هي خصوصيتنا.
أحمد شراك: صور التعدد
يعتبر غياب الفيلسوف المغربي الكبير محمد عابد الجابري عن هذا العالم خسارة
كبرى بالنسبة للثقافة المغربية وللفلسفة المغربية المعاصرة؛ ذلك أن محمد
عابد الجابري يعتبر بحق مكون أجيال من الكتاب والمثقفين المغاربة، بدءا من
كتابه المدرسي في مادة الفلسفة لأقسام الباكلوريا بمعية محمد العمري وأحمد
السطاتي، حيث تعلمت الفلسفة أجيال من المغاربة بواسطة هذا الكتاب الذي
يعتبر فاتحة حقيقية في التفلسف المغربي، وكذلك من خلال كتبه حول التربية
والتعليم والمسألة التعليمية التي يعتبر فيها مرجعا مؤسسا لفلسفة التربية
والتعليم ببلادنا، ثم من خلال مشروعه النظري والفكري حول العقل العربي في
مختلف تجلياته وتكويناته الإبستملوجية والنظرية والبلاغية واللغوية
والسياسية، فضلا عن قراءاته العميقة والمؤسسة للمصادرالأساسية للثقافة
العربية ونقصد بها القرآن الكريم.
لعله غيض من فيض من الإنجازات الكبيرة للمرحوم محمد عابد الجابري. وفي هذا
الصدد، نشير إلى أن غيابه عن هذا العالم هو غياب جسدي فقط. أما حضوره
الرمزي الثقافي والفلسفي فسيمتد عميقا وطويلا في ثقافة الأجيال القادمة وأن
رصيده الرمزي الواسع سيخضع لقراءات استعادية من طرف الأجيال القادمة، لأن
الرجل معلمة بحق في تاريخ الفكر والفلسفة والثقافة المغربية، معلمة في
التأصيل والإبداع والقراءة والتأويل والاجتهاد الثاقب.
هذه بعض الكلمات التي تحضرني وأنا أتلقى هذا الخبر المفجع.
رحم الله محمد عابد الجابري وأدخله فسيح جناته، ولأهله المقربين والبعيدين
الصبر والسلوان.
عبد الرحيم العطري:
إنتاج الأسئلة الكبرى
هل يمكن اختزال مسار مفكر وفيلسوف فوق العادة في بضع كلمات، يمليها شرط
الشهادة، وشرط الرحيل الصادم والفجائعي، لهرم من أهرامات الفكر العربي؟ هل
تسعفنا الحروف؟
فمحمد عابد الجابري -رحمه الله- من «الكبار» فعلا، الذين بصموا اللحظة
الثقافية العربية بمنجز أصيل وقوي، يحاور الأسئلة والقضايا الكبرى، إنه
مثقف ألمعي يشتغل من داخل مشروع فكري واضح المعالم، ويشتغل وينشغل، وهذا هو
الأهم بإنتاج الأسئلة الكبرى، التي تتجاوز البدهي والاعتيادي.
أذكر جيدا كيف قدمني إليه أستاذي محمد سبيلا ذات زمن تسعيني، بكلية الآداب
بالرباط، وهو في الطريق إلى إمتاعنا بمحاضرة قيمة عن «المثقفين في الحضارة
العربية الإسلامية: محنة بن رشد ونكبة بن حنبل»، أذكره وهو يفتتح محاضرته
بألق شعري نزاري، قال فيه «فكم من نبي ذبحناه وهو يصلي صلاة العشاء، وكم من
رسول قتلناه، أيامنا كلها محن، و تاريخنا كله كربلاء».
لقد كان محمد عابد الجابري مفكرا موسوعيا لا يقتنع بالإجابات السريعة، بل
كان يتعب نفسه كثيرا بالبحث في تخوم المعنى، لهذا استلزم منه «نقد العقل
العربي» سنوات طويلة من البحث والتنقيب والسؤال اليقظ والمتجدد، دونما
مهادنة أو مواربة.
لقد فقدت الساحة العربية، بل والعالمية، برحيله، مفكرا فذا علم الأجيال، في
الجامعة وخارجا، أصول التفكير النقدي، ودعاهم إلى التحرر من السبات
الدغمائي، وإلى إنتاج الأسئلة بدل اللهاث وراء الإجابات المتناثرة من
حولنا، كانت مهنته ووصيته الدائمة هي التساؤل، والتحرر من سلطة اليقيني
والمطلق. لهذا أعتقد أن الموت لن يغيب الجابري، لأنه سيظل حيا بيننا
بأعماله القيمة وآثاره الطيبة، فقبل أن يكون الجابري المفكر والفيسلوف
والأستاذ الجامعي، فهو «الإنسان» الذي لم يغادره الإنسان، والإبن الشرعي
للمغرب العميق وتحديدا الذي لم تسرق منه المدينة بساطة وعذوبة المغرب
الشرقي أو الشقي. فرحمة الله عليك أيها العالم والفيلسوف المتسائل.
الاتحاد الاشتراكي
4/5/2010
ادريس- عدد الرسائل : 539
العمر : 59
Localisation : سلا الجديدة
Emploi : نشيط مشتغل
تاريخ التسجيل : 17/03/2008
من طفولة فجيج إلى مجد المعرفة الخالد.. : محمد عابد الجابري.. متوالية مواقف، متوالية سير غنية../ لحسن العسبي
الآن، وقد اقتعد كرسي الغياب، يستطيع الجميع تأمله بشكل أصفى.. هناك حيث يجلس شامخا إلى جوار ابن رشد، ابن خلدون، الفارابي، ابن سينا وذلك الصف الطويل من منتجي المعرفة والفلسفة بالتاريخ الممتد للعرب والمسلمين.. اليوم، غادرنا هرم فكري مغربي كبير، ويكاد المغاربة بكامل شرائحهم، يستشعرون فداحة الخسران.. فالرجل أيقونة لوحده، وعلامة فكرية وثقافية، حين يتقمصها المغاربة، يكملون بها. هو الذي ظل يخاتل الموت، خلال سنواته الخمس الأخيرة، بسبب مشاكل ارتفاع الضغط، والعلميات الجراحية التي أجريت له على القلب، بمستشفى «مايا كلينيك» بالولايات المتحدة الأمريكية، برعاية خاصة من الأمير السعودي الوليد بن طلال. ثم دخوله المتواصل إلى إحدى مصحات البيضاء لتجاوز مشاكل أخرى في الكلي.. ورغم كل ذلك الألم الذي أصبح ساكنا الجسد، فإنه قاوم وأصر على إنهاء ثلاثيته عن « تفسير القرآن» بشجاعة نادرة. مثلما ظل موعده الأسبوعي «حديث الأربعاء» في موقعه الإلكتروني، متواصلا مع قرائه. بل إنه كان من أوائل المفكرين المغاربة والعرب، الذي انفتح على شبكة الأنترنيت وأحدث موقعا خاصا به، كان بوابته الخاصة للتعبير عن رؤاه ومواقفه من مختلف الأحداث والقضايا التي ترتبط بالمغرب والعالمين العربي والإسلامي. حيث كتب عن إشكالات التعليم، الصحراء المغربية، البترول، الغزو الأمريكي للعراق، سطوة الصهيونية ضد الفلسطينيين وغيرها كثير.. كيف يمكن، رسم بورتريه لهرم من طينته؟.. سيحتاج الأمر إلى عمل هائل، مفروض أن يضمه كتاب، لأن غزارة المعلومات والتفاصيل المرتبطة بشخصه هي من الغنى والكثافة، ما يجعلها دليلا هائلا على هامة الراحل العالية. فقط، كنت قد كلمته رحمه الله منذ أسبوع تقريبا، بطلب من الصديق حسن نجمي لإقناعه بقبول أن يزوره مصور فوتوغرافي مغربي فنان، كي ينجز له صورا بادخة، مثلما قام بذلك مع عدد من كبار المفكرين والمبدعين المغاربة، وأنه ظل دوما يعتذر عن ذلك. حاولت أن أنقل إليه أهمية تلك المبادرة الإبداعية، فرد رحمه الله بصوت متعب، مثلما اعتدته منه خلال السنتين الأخيرتين، أنه لا بأس، وعلى ذلك الفوتوغرافي الفنان أن يجدد به الإتصال. فجأة، وجاء خبر رحيله رحمه الله. حتى وإن كان هو نفسه أكثر المتيقنين أن ساعته قد أزفت، فأصدر ما يشبه «سيرة مسار»، حدد فيها بذات التدقيق الذي عرف عنه كرجل خبر أهمية التواصل ودقة المادة الخبرية صحفيا وإعلاميا، أهم محطات حياته التي يراها تستحق التسجيل والإبراز. الحقيقة، أن سيرة الرجل تتداخل فيها سير عدة. فهناك السيرة الحياتية الخاصة، منذ رأى النور سنة 1935 بفجيج، في أقصى الشرق المغربي، ودراسته بوجدة، ثم التحاقه بالرباط، وعلاقته بالراحل محمد باهي (صديق عمره الحميم)، وعلاقته بأبنائه ومسارات التدريس التي عبرها ودوره في الصحافة الوطنية التي عمل بها لسنوات، بداية ب «العلم» ومرورا ب «التحرير» و «المحرر».. ثم هناك سيرته الفكرية، تلك التي كثير من الباحثين يربطون بدايتها بكتابه «نحن والتراث»، حتى وإن كان مشروعه الفكري والمعرفي أسبق من ذلك بكثير، منذ كتابه المدرسي عن الفلسفة بالمغرب وأساسا فلسفة العلوم. وصولا إلى مشروعه الفكري والمعرفي الهائل حول «العقل العربي» ثم «تفسير القرآن».. ثم سيرته السياسية، من خلال مساره النضالي الطويل ضمن الحركة الإتحادية، وانتخابه عضوا بالمكتب السياسي للإتحاد الإشتراكي لسنوات، وقبلها دوره الكبير في صياغة التقرير الإيديولوجي للمؤتمر الإستثنائي للحزب سنة 1975، رفقة الشهيد عمر بنجلون والأستاذ أحمد الحليمي.. بالتالي، فإن سيرة الرجل هي سيرة متراكبة، وغنية جدا. تبتدأ بميلاد ذلك الطفل الأمازيغي، الذي كان لا يرتاح كثيرا للنقاش المفتعل حول الأمازيغية، الذي جر عليه بعض التطاول من قبل البعض، كونه ظل يؤمن، عن حق، أن مشاكل الأمازيغ المغاربة هي مع التنمية، وليس مع اللغة أو الهوية. ثم رحيله إلى وجدة بعيدا عن حضن العائلة، من أجل استكمال دراسته الإبتدائية والإعدادية والثانوية. وهناك أعاد تربية ذاته بصرامة ستظل مرافقة له طيلة حياته.. الصرامة التي وقودها الصراحة مع الذات والوضوح في الرؤية للناس وللعلائق، ومعرفة المقاصد بدقة، دون تضييع للوقت والزمن في الهامشي من الأمور.. وحين انتقل إلى الرباط، سيجد في ابن آخر للصحراء، بذات الأخلاق وذات الجدية والصدق، الراحل محمد باهي حرمة ولد بابانا الشنقيطي، صدى لروحه، حيث سيظلان رفيقي طريق لعقود كاملة حتى اختار الموت رفيقه ذاك.. ولعل المثير، أنهما سيموتان بذات المرض (مشاكل في الشرايين بسبب الضغط الدمي ومشاكل في القلب).. هل هي طراوة الروح البدوية المتأصلة فيهما معا، التي جعلت عضلة القلب تتعب سريعا، من فخاخ الطريق، ومن تعقد علاقات المدن؟!.. ولي أن أعترف، أن الكثير من تفاصيل حياة الراحل، قد عرفتها عن طريق الراحل محمد باهي، والصديق حسن نجمي، خاصة تفاصيل حياته اليومية الدقيقة وعلاقته بأبنائه وعائلته الصغيرة، وطبيعة مزاجه الخاص.. وفي الشهور الأخيرة من حياته، كان يشاهد رحمه الله، وهو يرتدي بدلة رياضية، يمارس رياضة المشي، قريبا من سكناه بحي بولو بالدارالبيضاء. حيث يكون وحيدا، وهو يمشي في ما يشبه الهرولة، لنصيحة الأطباء له بذلك. خاصة، أنه ظل معروفا عنه، أنه «صاحب بيت»، لأنه كان نادرا ما يغادر مكتبته وكتبه التي كان يغرق في وسطها بالساعات. مثلما، أنه يعتبر من القلائل الذين رفضوا دوما التوفر على هاتف محمول، مفضلا الهاتف التابث، الذي كان هو نفسه الذي يجيب عنه كلما اتصلت به، ونادرا ما كان يجيب أحد آخر بدلا عنه من أفراد عائلته، وفي مقدمتهم زوجته الفاضلة السيدة مليكة. بل إن الجميل فيه رحمه الله، أنه لم يكن يتردد في أن يجيبك عن تفاصيل وضعه الصحي، حين تسأله عن حاله معه، كما لو أنك فرد من العائلة. وكان في حشرجات الصوت التعب، ما يشبه العتاب، أن جسده يخونه، هو الذي له مشاريع فكرية عدة فوق الطاولة تنتظر منه البحث والإنجاز. كان الخبز الطازج كثيرا وخصبا، لكن فرن الحياة لم يكن يسعف الخباز ليصنع من ذلك العجين خبزا معرفيا طازجا للناس. هنا، كنت تستشعر أن الرجل متألم.. لم يكن يهاب الموت، بقدر ما كان يخشى أن لا يكمل دراسة أو بحثا أو كتاب.. ورغم نصيحة الكثيرين بالراحة (أطباء وعائلة)، كان هو ينتصر للباحث فيه. بهذا المعنى، فقد كان له إحساس خاص بالزمن، كم نحن جميعا في حاجة إلى تمثله، لأنه كان يعتبر، من خلال ممارسته اليومية، أن أهم استثمار في حياة الفرد، هو حسن استثمار الزمن.. استثماره بما يحقق التراكم، في الأفيد والأبقى.. اليوم، وقد اعتقد الرجل كرسي الغياب، ألم يترك فينا الأبقى والأفيد والأهم؟!.. وفي مكان ما، يسعد الواحد منا، أن قيض له أن يحتك برجل من طينته، وأنه عاش في زمنه، وتعلم منه الكثير، مثل أجيال عدة من المغاربة. وفي مقدمتهم صف طلبته وصف الباحثين المعززين لمدرسة الفلسفة المغربية الحديثة اليوم، من الذين تتلمذوا على يديه، وحظوا برعايته ودعمه وتوجيهه، الذين أذكر منهم فقط على سبيل المثال لا الحصر: سالم يفوت والميلودي شغموم ومحمد وقيدي في مجال فلسفة العلوم، وكمال عبد اللطيف، وعبد السلام بنعبد العالي وادريس بنسعيد وعزيز الحدادي في مجال الفكر والمعرفة، ثم جيل الشباب الذين جاؤوا بعدهم.. فالرجل كان موقفا وكان مربيا بالمعنى الفلسفي الهائل، ذاك الذي حازه هرم مثل ابن رشد. ورأسمال الرجال في نهاية المطاف هي المواقف.. هل علينا فقط الإنتباه أن مجلته الأثيرة إلى نفسه، والتي ظل يصدرها باستمرار، وكثيرا ما كان يتصل هاتفيا للعتاب حين نتأخر في نشر خبر عنها (وكنت حقا أسعد، وبدون ادعاء، أنه يخصني دوما بتلك الطاقة من العتاب الجميل)، هي مجلة «مواقف»، التي كان يسعد كثيرا حين ننشرها بالصفحة الأخيرة تحت عنوان: « عدد جديد من «مواقف» محمد عابد الجابري».. | ||
-الاتحاد الاشتراكي4/5/2010 |
ادريس- عدد الرسائل : 539
العمر : 59
Localisation : سلا الجديدة
Emploi : نشيط مشتغل
تاريخ التسجيل : 17/03/2008
مقتطف من كتاب «حفريات في الذاكرة» : الجابري يتذكر التحاقه بالصحافة ولقاءه بالشهيد المهدي
قضى صاحبنا سنتين (1953 - 1954) يعلم في القسم التحضيري وقد
ارتفع مرتبه في السنة الثانية الى سبعة عشر الف فرنك. وفي نهايتها أعني في
يونيو 1955 اجتاز في آن واحد، وبنجاح، امتحان الشهادة الثانوية (الاعدادية)
وامتحان الدبلوم الاول في الترجمة، فعينه مدير المدرسة معلما لأقسام
الشهادة الابتدائية. ورفع مرتبه الى خمسة وعشرين الف فرنك، واغتنم صاحبنا
الفرصة فهيأ امتحان الكفاءة في التعليم الابتدائي ونجح فيه (1956) في نفس
الوقت الذي كان منكبا على تهييء امتحان الباكالوريا، معتمدا على نفسه،
متخذا من الكتب الفرنسية المقررة في الرياضيات والعلوم بفرنسا مرجعا له
واستاذا. كانت تجربة صعبة. ومازال صاحبنا يذكر كيف انه كان يسهر الليل كله
تقريبا، تستهويه التمارين الرياضية والفيزيائية والكيميائية الى حد الهوس،
يحتسي فناجين القهوة الواحد بعد الاخر ويلتهم السجائر التهاما، فأصبح
التدخين له عادة مترسخة منذ ذلك الوقت، لم يتخلص منه بقرار مماثل للقرارات
الحاسمة السابقة - الا بعد مضي واحد عشرين سنة حينما طلب منه طبيب القلب
والشرايين ذلك. وتلك مسألة اخرى قد يكون لها مكان في جزء آخر من هذه
الحفريات.
لنعد اذن الى الباكالوريا التي اجتاز صاحبنا امتحانها بنجاح في يونيو سنة
1957 و كانت تلك هي المرة الاولى التي تعقد فيها دورة للباكالوريا
المغربية المعربة بصورة رسمية، وقد ترأس لجنتها الشهيد المهدي بن بركة الذي
قرأ اسماء الناجحين بنفسه في بهو بناية المعهد العلمي (كلية العلوم
حاليا).
لقد ترشح صاحبنا كطالب حر وعند اجتيازه الامتحان بات متأكدا من نجاحه،
مطمئنا الى إجاباته عن الاسئلة، ولذلك لم يفاجأ حينما سمع اسمه ضمن الاسماء
الاولى. ولكن ما ان انتهى المهدي بن بركة من قراءة اسماء الناجحين حتى
نادى على اسم صاحبنا، اقترب منه بسرعة لم تتح له خلالها فرصة التفكير ولا
الاحساس بأي شئ قابل للضبط او الوصف، فلهجة المهدي وطريقته في النداء، فضلا
عن شخصيته واسمه، كل ذلك لم يكن يسمح له بأي شيء آخر غير الاقتراب منه
بسرعة والتقاط ما سيقوله. قال المهدي مخاطبا صاحبنا،وكانه يعرفه منذ زمان:
لا تنس أن تأتي عندي، في المجلس الاستشاري، في العاشرة والنصف من صباح
الغد».
لا يتذكر صاحبنا كيف عاش الساعات التي كانت تفصله عن الموعد الذي لم يكن
يخطر له ببال. كان النجاح في الباكالوريا هدفا عمل له ليل نهار الى حد
الانهاك، وكان يتوقعا أن تكون النتيجة ايجابية خصوصا بعد أن تأكد من سلامة
اجوبته، اما استقبال المهدي بن بركة، أبرز شخصية وطنية في ذلك الوقت، فهذا
ما كان يقع بالنسبة له خارج مجال المفكر فيه.
لم تكن تلك هي المرة الاولى التي يرى فيها السي المهدي فلقد سبق له ان
وقف الى جانبه على منصة الخطابة بملعب سيدي معروف بشارع الفداء بالدار
البيضاء في بداية خريف عام 1955.
لقد بدأ انفراج سياسي واسع في ذلك الوقت فعاد قادة الحركة الوطنية من
المنفى وبدأت المفاوضات مع الحكومة الفرنسية حول الاستقلال واعادة محمد
الخامس. خطب المهدي في ذلك المهرجان الذي حضره أزيد من مائة الف. وكان
صاحبنا أنذاك عضوا في الشبيبة الاستقلالية، وكان من الفرقة المكلفة
بالمنصة. فشاءت المصادفة ان تكون مهمته الوقوف بجانب المهدي، كما يقف
الحراس. إن صاحبنا يرى المشهد امامه بكل وضوح أشعة الشمس التي كانت تطل من
على سطوح المنازل المجاورة في ذلك المساء قبل الاصيل. ويتذكر صاحبنا بوضوح
أكثر «المشهد الصوتي» الذي مازال يرن في أذنه والذي يعمره صوت المهدي
المتميز وهو يصيح بهدوء وثبات وبلهجة استنكارية: «قال لنا الفرنسيون:
خذوا الاستقلال أولا، ثم أعيدوا محمد الخامس اذا شئتم بعد ذلك. إنه يصعب
علينا ان نعيده نحن الى عرشه بعد أن خلعناه، فالرأي العام عندنا لايقبل
هذا التراجع الذي يمس بكرامة فرنسا». ثم عقب المهدي بصوت قوي جهوري
قائلا: «قلنا لهم: نحن أيضا نحترم الرأي العام المغربي وندافع عن كرامة
الشعب المغربي، ولذلك فنحن لانقبل الاستقلال الا بعد عودة محمد الخامس
الى عرشه».
عرف صاحبنا، اذن، المهدي خطيبا. ولكنه لم يسبق له أن تعرف عليه مناديا له
ومخاطبا الا في ذلك الصباح الذي حضر فيه المهدي في الموعد تماما: التاسعة
صباحا لإعلان نتيجة امتحانات الباكالوريا المغربية، بعد أن كانت قد
ترددت شكوك حول إمكانية حضوره، لوجوده، حتى ساعة متأخرة من الليل، في
أغادير على مسافة نحو سبعمائة كيلومتر جنوب الرباط. ولكن المهدي كعادته
لم يتخلف. فلقد عاد من أغادير الى الرباط على سيارته في تلك الليلة
واضعا في حسبانه حضور حفل إعلان نتائج أول دورة للباكالوريا المغربية.
استقبل الشهيد المهدي صاحبنا في قاعة الاستقبالات بمكتبه بالمجلس
الاستشاري الذي كان رئيسا له (كان ذلك المجلس بمثابة برلمان مؤقت شكل
مباشرة بعد الاستقلال في انتظار أن تتهيأ الظروف «المناسبة» لإجراء
انتخابات عامة). استفسر المهدي صاحبنا، عن مسقط رأسه وعائلته... وقد تبين
لصاحبنا ان الشهيد يعرف جيدا الحاج محمد فرج. ثم قال له: «لقد لاحظت
ترجمتك للنص الفرنسي الذي أعطي لكم في امتحان الباكالوريا كانت موفقة جدا.
ونحن في جريدة «العلم» (لسان حزب الاستقلال) محتاجون الى مترجمين.
وقد كلمت المسؤول هناك وأخبرته بأنك ستلتحق بالجريدة غدا. ثم أضاف : «أم
تفضل بعد غد؟». فرد صاحبنا قائلا: «»ولكنني أعمل معلما في المدرسة
المحمدية بالدار البيضاء». فعقب الشهيد المهدي قائلا: «سنرى هذه المسألة
بعد... ليست هنا كمشكلة. سأكلم المدير ان اقتضى الحال فهو من أصحابنا
كما تعلم. اقض العطلة الصيفية في «العلم»، وسأراك هناك من حين لآخر«.
الاتحاد الاشتراكي
4/5/2010
ارتفع مرتبه في السنة الثانية الى سبعة عشر الف فرنك. وفي نهايتها أعني في
يونيو 1955 اجتاز في آن واحد، وبنجاح، امتحان الشهادة الثانوية (الاعدادية)
وامتحان الدبلوم الاول في الترجمة، فعينه مدير المدرسة معلما لأقسام
الشهادة الابتدائية. ورفع مرتبه الى خمسة وعشرين الف فرنك، واغتنم صاحبنا
الفرصة فهيأ امتحان الكفاءة في التعليم الابتدائي ونجح فيه (1956) في نفس
الوقت الذي كان منكبا على تهييء امتحان الباكالوريا، معتمدا على نفسه،
متخذا من الكتب الفرنسية المقررة في الرياضيات والعلوم بفرنسا مرجعا له
واستاذا. كانت تجربة صعبة. ومازال صاحبنا يذكر كيف انه كان يسهر الليل كله
تقريبا، تستهويه التمارين الرياضية والفيزيائية والكيميائية الى حد الهوس،
يحتسي فناجين القهوة الواحد بعد الاخر ويلتهم السجائر التهاما، فأصبح
التدخين له عادة مترسخة منذ ذلك الوقت، لم يتخلص منه بقرار مماثل للقرارات
الحاسمة السابقة - الا بعد مضي واحد عشرين سنة حينما طلب منه طبيب القلب
والشرايين ذلك. وتلك مسألة اخرى قد يكون لها مكان في جزء آخر من هذه
الحفريات.
لنعد اذن الى الباكالوريا التي اجتاز صاحبنا امتحانها بنجاح في يونيو سنة
1957 و كانت تلك هي المرة الاولى التي تعقد فيها دورة للباكالوريا
المغربية المعربة بصورة رسمية، وقد ترأس لجنتها الشهيد المهدي بن بركة الذي
قرأ اسماء الناجحين بنفسه في بهو بناية المعهد العلمي (كلية العلوم
حاليا).
لقد ترشح صاحبنا كطالب حر وعند اجتيازه الامتحان بات متأكدا من نجاحه،
مطمئنا الى إجاباته عن الاسئلة، ولذلك لم يفاجأ حينما سمع اسمه ضمن الاسماء
الاولى. ولكن ما ان انتهى المهدي بن بركة من قراءة اسماء الناجحين حتى
نادى على اسم صاحبنا، اقترب منه بسرعة لم تتح له خلالها فرصة التفكير ولا
الاحساس بأي شئ قابل للضبط او الوصف، فلهجة المهدي وطريقته في النداء، فضلا
عن شخصيته واسمه، كل ذلك لم يكن يسمح له بأي شيء آخر غير الاقتراب منه
بسرعة والتقاط ما سيقوله. قال المهدي مخاطبا صاحبنا،وكانه يعرفه منذ زمان:
لا تنس أن تأتي عندي، في المجلس الاستشاري، في العاشرة والنصف من صباح
الغد».
لا يتذكر صاحبنا كيف عاش الساعات التي كانت تفصله عن الموعد الذي لم يكن
يخطر له ببال. كان النجاح في الباكالوريا هدفا عمل له ليل نهار الى حد
الانهاك، وكان يتوقعا أن تكون النتيجة ايجابية خصوصا بعد أن تأكد من سلامة
اجوبته، اما استقبال المهدي بن بركة، أبرز شخصية وطنية في ذلك الوقت، فهذا
ما كان يقع بالنسبة له خارج مجال المفكر فيه.
لم تكن تلك هي المرة الاولى التي يرى فيها السي المهدي فلقد سبق له ان
وقف الى جانبه على منصة الخطابة بملعب سيدي معروف بشارع الفداء بالدار
البيضاء في بداية خريف عام 1955.
لقد بدأ انفراج سياسي واسع في ذلك الوقت فعاد قادة الحركة الوطنية من
المنفى وبدأت المفاوضات مع الحكومة الفرنسية حول الاستقلال واعادة محمد
الخامس. خطب المهدي في ذلك المهرجان الذي حضره أزيد من مائة الف. وكان
صاحبنا أنذاك عضوا في الشبيبة الاستقلالية، وكان من الفرقة المكلفة
بالمنصة. فشاءت المصادفة ان تكون مهمته الوقوف بجانب المهدي، كما يقف
الحراس. إن صاحبنا يرى المشهد امامه بكل وضوح أشعة الشمس التي كانت تطل من
على سطوح المنازل المجاورة في ذلك المساء قبل الاصيل. ويتذكر صاحبنا بوضوح
أكثر «المشهد الصوتي» الذي مازال يرن في أذنه والذي يعمره صوت المهدي
المتميز وهو يصيح بهدوء وثبات وبلهجة استنكارية: «قال لنا الفرنسيون:
خذوا الاستقلال أولا، ثم أعيدوا محمد الخامس اذا شئتم بعد ذلك. إنه يصعب
علينا ان نعيده نحن الى عرشه بعد أن خلعناه، فالرأي العام عندنا لايقبل
هذا التراجع الذي يمس بكرامة فرنسا». ثم عقب المهدي بصوت قوي جهوري
قائلا: «قلنا لهم: نحن أيضا نحترم الرأي العام المغربي وندافع عن كرامة
الشعب المغربي، ولذلك فنحن لانقبل الاستقلال الا بعد عودة محمد الخامس
الى عرشه».
عرف صاحبنا، اذن، المهدي خطيبا. ولكنه لم يسبق له أن تعرف عليه مناديا له
ومخاطبا الا في ذلك الصباح الذي حضر فيه المهدي في الموعد تماما: التاسعة
صباحا لإعلان نتيجة امتحانات الباكالوريا المغربية، بعد أن كانت قد
ترددت شكوك حول إمكانية حضوره، لوجوده، حتى ساعة متأخرة من الليل، في
أغادير على مسافة نحو سبعمائة كيلومتر جنوب الرباط. ولكن المهدي كعادته
لم يتخلف. فلقد عاد من أغادير الى الرباط على سيارته في تلك الليلة
واضعا في حسبانه حضور حفل إعلان نتائج أول دورة للباكالوريا المغربية.
استقبل الشهيد المهدي صاحبنا في قاعة الاستقبالات بمكتبه بالمجلس
الاستشاري الذي كان رئيسا له (كان ذلك المجلس بمثابة برلمان مؤقت شكل
مباشرة بعد الاستقلال في انتظار أن تتهيأ الظروف «المناسبة» لإجراء
انتخابات عامة). استفسر المهدي صاحبنا، عن مسقط رأسه وعائلته... وقد تبين
لصاحبنا ان الشهيد يعرف جيدا الحاج محمد فرج. ثم قال له: «لقد لاحظت
ترجمتك للنص الفرنسي الذي أعطي لكم في امتحان الباكالوريا كانت موفقة جدا.
ونحن في جريدة «العلم» (لسان حزب الاستقلال) محتاجون الى مترجمين.
وقد كلمت المسؤول هناك وأخبرته بأنك ستلتحق بالجريدة غدا. ثم أضاف : «أم
تفضل بعد غد؟». فرد صاحبنا قائلا: «»ولكنني أعمل معلما في المدرسة
المحمدية بالدار البيضاء». فعقب الشهيد المهدي قائلا: «سنرى هذه المسألة
بعد... ليست هنا كمشكلة. سأكلم المدير ان اقتضى الحال فهو من أصحابنا
كما تعلم. اقض العطلة الصيفية في «العلم»، وسأراك هناك من حين لآخر«.
الاتحاد الاشتراكي
4/5/2010
ادريس- عدد الرسائل : 539
العمر : 59
Localisation : سلا الجديدة
Emploi : نشيط مشتغل
تاريخ التسجيل : 17/03/2008
مواضيع مماثلة
» قراءة...بعض من الاشراقات السوسيو ـ تربوية في مشروع محمد عابد الجابري / محمد لمباشري
» محمد عابد الجابري
» محمد عابد الجابري في ذمة الله
» معارك محمد عابد الجابري الفكرية والسياسية
» تشكُّل الهوية العربية - د. محمد عابد الجابري
» محمد عابد الجابري
» محمد عابد الجابري في ذمة الله
» معارك محمد عابد الجابري الفكرية والسياسية
» تشكُّل الهوية العربية - د. محمد عابد الجابري
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى